رواية صمت الفتيات الفصل الثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

رواية صمت الفتيات الفصل الثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


رواية صمت الفتيات الفصل الثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


جاء الصباح ومعه الاحساس بالعار ومرارة الحقيقة .. أردت أن أبكي نادمًا على فقدان براءتي وضياع نفسي ، اردت ان اطلب العفو من نفسي باكياً لأني أفقد الرحمة من قلبي .. أنا لم اعد تلك الشابة التي كانت كل ما يشغلها في هذه الحياة أن تعيش بهدوء وبعيدًا عن الجميع دون أن اكشف ما بداخلي ولا أخذ حقي ولا حتى كافحت من أجله بل صمت في اكثر الأوقات التي كان يحب عليه أن أتحدث .. كنت أريد فقط لا اكثر أعيش بهدوء لكن حتى ذلك الهدوء لم احظي عليه.. 


اغلقت عيني وانا اتمنى أن انسى كل ما مررت به في حياتي أتمنى أن اضحك ولا أبكي مرة أخرى وإذا ابتهجت دومًا ولم احزن أبدًا ، إذا نسيت ولا تذكرت، أو اعود لذكريات الماضي ولا اتقدم ، واعود لمن فقدتهم في حياتي ولا اتركهم.


وإذا أصبح القلب فارغًا ، فإننا نريح أنفسنا، إذا كان العقل خاليًا من الذكريات فلن يدمرنا ،إذا استقرت أرواحنا وهدأت أرواحنا ،إذا كنا أقوياء بما يكفي لنعيش، أو نرحمنا قليلاً ..إذا كان لنا الحق في الاختيار؟! لكنا اخترنا ما فقدناه في أيدينا


إذا تمكنت من العودة بالزمن إلى الوراء ، سابقى قطعة صغيره داخل احشاء امي ولا ارغب في أن اكبر يومًا ما وأخرج لتلك الحياه. وإذا عادوا من أولئك الذين غادروا مرة أخرى ، فلن اترك أذرعهم.. وإذا كان لدي الحق في المغادرة ، لكني قد غادرت دون عودة.. إذا كان لدي حق الحديث! لا كنت تحدثت وتحدثت بدون توقف ولم اختار الصمت يوماً. 


***

في أحد الأحياء الشعبية وداخل شقة في أحد البيوت المتواضعة ،بدأت آيات القرآن الحكيم تتردد في الداخل ، بينما سادت مظاهر الحزن في جميع أنحاء المكان بعد وفاة حمدي على يد ابنه أخيه ريحانة! بعد ذلك الخبر أصيب الجميع بالصدمة التي شلت أفكارهم. لم يصدق أحد حتى الآن أن ريحانة الشابة المسالمة قتلت عمها بدم بارد وفجأة دون مقدمات وفي يوم زفافها.


كانت تجلس زبيده تتوسط اريكة بين المعزين و عينيها متسعة بذهول تنهمر منهم الدموع بغزارة لاتستطيع تصديق ماحدث حتى الان وانها فقدت ابنها فى لحظة وعلي يد حفيدتها، كانت صدمه كبيره بكل المقاييس للجميع لم يفهم احد حتى الان لماذا قد فعلت ذلك؟ حتى بعد ان تم القبض عليها التزمت الصمت ورفضت الحديث بكافه الطرق! وكل ما قالته بعد الحادث وقبل القبض عليها "لقد قتلت عمي" 


بعدها في غمضه عين تحول الفرح الى كارثه كبيره وصوت الصراخ تعالي بين الجميع بصدمه وحزن..حتي حمدي عندما نقلوا جثته إلي المستشفي سريعا لاحدى الاطباء المتخصصين علي أمل أن يتم أنقذه تطلع إليهم الطبيب المختص بقله حيله ويأس فقد فارق الحياة قبل أن يأتي إلي هنا من الأساس.


لتستند زبيده خلفها علي المقعد بضعف وتتعالى شهقات بكاءها حتى انهارت تبكى بمرارة على فقدان اعز احبائها فى لحظة خاطفة لم تتخيل حدوثها حتى فى اسوء كوابيسها، لتصرخ بصوت عالي وبقهر


=اه يا حبيبي يا ابني آه يا قلب امك كنت فاكره انت اللي هتحضر خارجتي وتدفني مش انا.. يا وجع قلبي عليك ما لحقتش افرح بيك ولا اشوفلك عيال آآه


جلست مني جانبها يسود وجهها الشحوب لتهمس قائلة بضعف وقله حيله


=كفاية بقى يا ماما ده قدر ومكتوب ومالناش يد فيه.. ادعيله بالرحمه احسن انتي كده بتعذبي 


صممت لعدة ثوانى تهز راسها بضعف لتقول بانكسار بينما الدموع تتساقط من عينيها الحمراء من كثره البكاء بدون توقف بحرقه


=قلبي وجعني عليه يا منى مش قادره أصدق اني مش هشوفه ثاني.. ليه كده بس يا ريحانه عمل لك ايه عشان توجعي قلبي عليه ده كان زي الأب الروحي ليها يعتبر هو اللي مربيها من اكل وشرب وكان بيوديها المدرسه وهي صغيرة ويجيبها ولما كانت تحصل ليها اي مشكله كان بيبقى جنبها هو اول واحد.. وفي نفس الوقت ابوها وامها مشغولين في شغلهم وسايبينها لي.. ده اخره المعروف تقتله طب لـيـه؟ عـمـل ليـهـا ايـه؟


اقتربت منها جارتها تربت علي كتفها بحنان لتنظر زبيده بضعف شديد الى السيدة والتى حاولت التهوين عليها ثم قالت متسائلة بحيره


=هو انتم متاكدين يا جماعه اني ريحانه هي اللي قتلته بصراحه دي حاجه كلنا مش مستوعبينها ولا مصدقها حد فينا


اخذت مني تبكي دون ان تنطق بحرف واحد 

لتسرع سيده جانبها بضمها اليها تضع راس مني فوق كتفها ثم أكملت حديثها بتعاطف


=دي البنت كانت طيبه أوي و هاديه وعلى طول في حالها ولا عمرنا سمعنا عنها حاجه وحشة.. تقوم تقتل! ومين عمها؟ 


صمتت زبيده لثوانى تحاول ان توازن كلماتها من تلف أعصابها ومن كثره الصدمات التي مرت بها خلال فترة قصيرة لتقول بصوت ضغيف متحشرج من اثر البكاء


=ما اعترفت بنفسها الهانم انها قتلته وكمان البوليس اكد بصماتها اللي على الحديدة اللي فتحت بيها راس ابني وموتته.. مش عارفه ادعي عليها ولا ادعيلها دلوقتي، ليه كده يا بنتي تحرقي قلبي عليه ليه؟ وتحرقي قلب ابوكي وامك عليكي يوم فرحك.. ده الكل كان فرحان بيها وطاير من السعاده عشانها 


ثم تابعت تجز علي أسنانها بعنف وقست ملامحها بوحشية صارخه بهستريا


=قلبت كل حاجه في ثانيه وخلت اكثر يوم بنستناه عشان نفرح بقى ميتم... عمري ما هسامحها ،مش مسامحاكي يا ريحانه على وجع قلبي في ابني آآآآه


***

ظلت نشوي تبكي بشكل هستيري على طفلتها الوحيدة وتتوسل إلى الله لإخراجها من تلك المحنة علي خير، شعرت بصدمة كبيرة كلما تذكرت منظر ابنتها وهي تسير ملطخه بدماء عمها بعد أن قتلته.. لم تكن تعرف كيف تتصرف إلا للتخفيف عنها بدأت بالصلاة ، وبمجرد انتهائها رفعت يدها ودموعها تتساقط متوسلة الله بكل ما بداخلها.


بينما كان إسماعيل في عالم آخر ، على عكس البراكين التي بداخله ، فإن جرأة ابنته في التصرف و وضعته في موقف لا يحسد عليه... فهو اصبح الآن بين نارين؟ بين حزنة على فقدان أخيه ام التحسر على ابنته التي تسببت في وفاة أخية؟ شاعرا أن عاجزاً عن الذهاب إلى والدته ليعزيها.. فهو حتى الان لم يراها ويخفف عنها وفي حين أخري كانت ابنته سبب وفاة ابنها؟


بعد مرور أسبوع.. بداخل مكتب المامور رشوان صديق وزميل اسماعيل توسط المقعد أمام الإثنين (الاب_والام) ناظرا إليهم بأسف شديد قائلا 


=للاسف يا اسماعيل زي كل مره ريحانه رفضت الزياره، مش عاوزه تشوف حد 


جاء صوت اسماعيل حينها قوي حاد وقد تحول نبره لغضب وصوت عالي من فقدان أعصابه


=هو ايه اللي مش عايزه تشوف حد كنت جيبها بالعافيه احنا خلاص ما بقاش فينا اعصاب ولازم نتكلم معاها ونعرف عملت كده ليه؟ لازم نكون جنبها حتى لو غلطانه احنا اهلها 


تنهد رشوان بعمق بيأس وعطف مرددا


=اسماعيل ممكن تهدا انا كان ممكن اعمل كده ،بس مش عاوز اضغط عليها كفايه حالتها ونفسيتها صعبه وهي رافضه الكلام مع الكل حتي الضابط اللي بيحقق معاها برده ماطلعش منها بحاجة ..وانا مش محتاج اقول لك وانت ضابط واكيد عارف موقفها كده ضعيف جدا في القضيه.. وسكوتها عمره ما هيجيب نتيجه و لازم تتكلم 


انتفض جسد نشوي بعنف وهستريا تلك التي تجلس وتستمع إلى حديثهم، خائفه على ابنتها فهي مهما تفعل في النهايه طفلتها الوحيده ولم تقدر عن التخلي عنها مهما فعلت لتنهض تصيح بتوسل وضعف


=انا مش قادره استنى اكثر من كده وما اشوفهاش حرام عليكم حسوا بيا قلبي واجعني على بنتي.. معلش يا استاذ رشوان حاول معاها ثاني، وقولها ما حدش مننا هيعمل ليها حاجه بس عاوزين نشوفها ونطمن عليها بس 


لتمسك بيد زوجها بتوسل وحاولت إخراج كلماتها بعد عناء بثقل وخوف 


=اتصرف يا اسماعيل ابوس ايديك البنت هضيع مننا


أقترب بجانبها وكفف دموعها بانامله وامسك بيدها وعاونها على الجلوس واجلسها على المقاعد وهو يردد بانكسار مكتوم


=وهي لسه ماضيعتش نفسها دي جريمه قتل فاهمه يعني ايه؟ انا ما بقتش عارف الاقيها منين ولا منين 


وضعت يدها على فمها وهي تبكى بهستيريا بينما هتف رشوان بجدية


=اهدي يا استاذه نشوى و ان شاء الله اكيد هنلاقي حل هو انتم وكلته ليها محامي ولا لاء؟ انا من رايي تركزوا اكثر دلوقت وتشوفه محامي كويس ليها


***

في اليوم التالي.. 


ترجل اسماعيل من السيارة ليرتدى نظارته الشمسية  التى تخفي كسر عينه عند رؤيته زملائه في العمل ثم دخل للداخل. التزم جميع الموظفين الصمت لأنهم يعرفون ما فعلته ابنته! فقد تمت دعوة الجميع تقريبًا إلى حفل الزفاف ، وإذا كان أحدهم غائبًا ، فمن المؤكد أن الآخر أخبره بالخبر؟ لكن البعض منهم نظر إليه بدهشة واستنكار عندما رأوه قادمًا للعمل بهدوء مريب بعد ما فعلته ابنته المحتجزة هنا داخل السجن.


واصل إسماعيل خطواته ، وشعر أن كل العيون موجهة إليه ، لكنه حاول التجاهل واستمر في طريقه إلى مكتب رشوان صديقه وزميله في العمل.


جلس رشوان علي مكتبه باريحية وهو يتابع بعض الاعمال حتي تفاجأ بدخول اسماعيل إليه بوجه قاتم عقد حاجبيه باستغراب قائلا باستفسار


=اسماعيل انت ايه اللي جابك انا مش قلتلك تاخذ اجازه احسن الايام دي لحد ما نشوف موضوع بنتك هينتهي على ايه 


اقترب منه بخطوات متمهلة وجلس أمامه أعلي المقعد بثقل وهو يتحدث بضعف


=مش قادر اقعد في البيت وبنتي في السجن يا رشوان مش قادر اصدق بعد ما كنت ضابط وبرمي المجرمين بي ايدي في السجن وبحكم عليهم.. جاي عليا الدور دلوقتي واشوف بنتي بين قضبان السجن ومش قادر اعمل ليها حاجه.. مش قادر حتى استحمل نظرات الناس لي من غير ما تتكلم و فاهم يقصدوا ايه 


هز رشوان رأسه بعطف وتفهم ثم قال بضيق


=عشان كده طلبت منك انك تقعد في البيت أفضل ولو حصل اي جديد انا بنفسي هعرفك 


وضع اسماعيل يده على راسه ومسح على شعره يكاد ينفجر كالمقود بين ثانية وضحاها ثم هتف بنفاذ صبر وغضب عارم


=هو انا عيل صغير قدامك يا رشوان و مش فاهم اللي فيها والموضوع ده هينتهي على ايه؟ انا ضابط قبل ما اكون اب.. وفاهم كمان انا هيكون موقفي ايه بعد ما يتم الحكم على بنتي! بس مش قادر اواجه نفسي بالحقيقه ولا حتى بيني وبين نفسي انطقها.. طب هقول لامها اي حتي.. 


صمت رشوان ولم يعرف بماذا يجيب؟ ثم تابع اسماعيل هادر من بين أنفاسه الاهثه بانفعال 


=اللي مجنني في كل الموضوع ده ان انا مش فاهم لحد دلوقتي هي عملت كده ليه؟ تفتكر انت يا رشوان ريحانه قتلت عمها ليه.. ايه السبب اللي ممكن يخليها تعمل كده


حركت كتفه دليل على عدم معرفة وهو يقول بتفكير بقله حيله


=والله مش عارف يا اسماعيل ربنا وحده اللي عالم بيها، بس لما بقعد افكر مع نفسي مش بلاقي اجابه يمكن عشان في القضيه دي بالذات بفكر بعواطفي وانا عارف ريحانه كويس لما كنت بزورك في البيت انا وامراتي، وعارف قد ايه هي كانت طيبه وفي حالها وعمري ما كنت اصدق حاجه زي كده لو حد قالهالي.. بس انا كنت في الفرح زيي زيك وشفتها وهي خارجه بفستانها اللي مليان دم وبتقول انها قتلت عمها


مسح وجهه بعنف شديد حتى ضرب يده بشدة على سطح المكتب وهتف بصوت حاد بإصرار مشددا على حروف كلماته اللاذعة


=رشوان انا لازم اشوف بنتي بالعافيه بالذوق لازم اشوفها واتكلم معاها


حاول رشوان الاعتراض لكنه لم يجد سوى الموافقة على طلبه باستسلام ، ربما يعرف كيف يجعلها تتحدث... امسك الهاتف وتحدث مع العسكري بصرامة وقد اعطاه بعد الاوامر واغلق الهاتف وبعد قليل اتى العسكري وهو بجذب ريحانه التي اعتلت الصدمة ملامح وجهها عندما رأت والدها امامها وهي كانت تحاول الهرب منه ومن والدتها دائما الايام السابقة برفض الزيارات، وكانت لا تريد ذلك المواجهه وقفت امامه ترتجف وكأنها قد تم الحكم عليها بالاعدام للتوه ابتلعت ريقها واصتكت قدميها ببعضهم من الارتباك


حتى انتقل إليها إسماعيل محاولًا أن يكون أكثر هدوءًا رغم الحزن الذي ظهر في عينيه عندما رآها في هذه الحالة وكان العسكري يجلبها مثل المجرمين! تحرك العسكري للخارج بأمر من رشوان.


ثم تابع رشوان إسماعيل ونهض إليه هاتفاً بصوت هامس تحذير


=اسماعيل اهدى وما تخلينيش اندم ان انا سمعت كلامك وجبتها هنا من غير ما اعرفها انك موجود، أنا وافقتك عشان لازم تتكلم معاها و تخليها تتكلم وتحكي اللي حصل 


لم يرد عليه بينما أقترب منها يقف أمامها حدق فى وجهها يراقب ملامحها الشاحب باهتمام و وجدها شاردة بعيداً تحدث بنبرة تبدو هادئة وقال


=عملتي كده ليه يا ريحانه.. قتلتي عمك ليه؟ ردي عليا وما تسكتيش انا وامك حالتنا بقت صعبه ما بنامش من التفكير والمصيبه اللي حصلت وطول الوقت عقلنا عمال يجيبوا ويودي بس ما بنوصلش لحل 


تجاهلت ريحانه والدها الواقفة أمامها بخوف بادى على ملامحها تحاول ان تبتلع ريقها ولا تصدر اى صوت حتى لا تثير غضبه ،وظل اسماعيل يراقب تقاسيم وجهها الخالية من اى تعابير وهو يصيح بحده


=يا بنتي اتكلمي سكوتك ده مش هيحل حاجه خلاص اللي حصل حصل وانتي قتلتي قولي بقى دوافعك!! خليني اعرف احط وشي حتى في وش امي أنا لحد دلوقتي ما رحتلهاش ولا عزيتها وهروح ليها باي وش اصلا وانا بنتي هي اللي قتلت ابنها.. 


ابتلعت ريقها بصعوبة حتى تخفف من وتيرة خوفها ولم تجيبه وظلت شاردة وكانه هواء امامها؟ ما اثر الغضب فى نفسه أكثر، جز على أسنانه بقسوة وسحبها إليه قائلا


=اتكلمي وقولي انتي اكيد ما عملتيش كده صح انتي بنتي اللي ربيتها سنين واعرفها كويس مستحيل تقتل روح.. لا وكمان عمها اكيد في حاجه غلط مش كده! انا مصدوم فيكي ومش عارف ازاي جاءتلك الجراه انك تعملي عامله زي دي


عضت على شفتيها السفلى بقهر تكتم دموعها التي تساقطت رغم عنها ولكن لم ترد أيضا.... شعر اسماعيل بغضة فى قلبه وبحزن عليها وهو يرى ابنته الوحيده في ذلك الموقف ولم يستطيع فعل شيء لها، و زاد صراخه من اثر اقترابه المميت لها وكان كالمغيب وهو يصرخ بغضب شديد عليها ويضغط بقوة علي ذراعيها 


=يا بنتي ردي عليا وريحيني ..أنا خلاص اعصابي تعبت قتلتي عمك حمدي ليه.. انطقي عملتي كده ليه 


هرع رشوان إليه بسرعه وهو يحاول ابعاده عنها بصعوبة حتي نجح في النهايه وبسرعه طلب العسكري يرجعها الى الزنزانه وهي ما زالت على صمتها.


ارجعها العسكري الزنزانه ودلفت وسط المجرمين بهدوء كعادتها ولم تتحدث مع احد، تنفست الصعداء وجلست أرضا جانب و وضعت يدها محل قلبها كان كاقراع الطبول وتذكرت الخيبه والكسره التي رأتها في عيون والدها تجاها.. هي كانت لا تريد اني يصل الأمر إلي هنأ في النهايه لكنه حدث؟؟ هطلت دموعها كالسيول بضعف شديد تحاول التماسك بالصمت.


***

تنتهي الأشياء في حياتنا وتنتهي حياتنا بها .. كأماكن يجب أن نغادرها منازل نحمل بها قصصنا .. أفراحنا وأحزاننا ، كأشخاص سلبهم القدر منا ..تنتهي مع نهاية كل ما أحببناه دون أن ندرك ، نحن نتقدم في العمر بأرقام تحسب فقط في عداد العمر ، لكننا حقيقة الأجساد بقلوب تنبض بلا مشاعر .. نستمر في الحياة بينما نفقد طعم كل شيء فيها


أصعب شيء يمكن أن يحدث ..الاندفاع بكل شغفنا ، والسعي من أجل شيء ما وعدم الكتابة إلينا، ومحاولة تجاوز ما حدث ، متناسين ما ليس لنا .. ولكن كيف يتغلب المرء على من يعيش فيه أعمق مكان ..من احتل قلبه وجعله مليء بالذكريات التعيسة


بعد مرور أيام قليله تفاجئ الجميع بان ريحانه طلبت زياره احمد خطيبها، اندهش احمد لماذا اختارته هو دون عن الجميع.. وطلبت منه والدته ان يذهب ويرى ماذا تريد منه وببرود واستسلام وافق على زيارتها في السجن.... 

وكان بعد أسبوع في مكتب المامور ليجد عسكري يسحبها معه نحو المكتب بقوة وهي كانت مستسلمه له دون اعتراض.. بقوا كليهما في المكتب الا ان العسكري رحل ولم يغلق الباب بل تركه مواربا قليلا لا يظهران للبقية للخارج ولكن يبقه مفتوحا ببضع انشات فقط 


نظر احمد إليها بذهول وجمود من جانبه غاضب منها ومن تلك المصيبه التي اوقعت نفسها بها دون مبرر، فاذا كانت لم تفعل هذه الجريمه فا كأنوا قبل شهر من الآن في الخارج يقضي معها اسعد أيامهم بفرح وسرور.. الا انها قضت على كل تلك الأحلام بغمضه عين.. لا يعلم اكان ما حدث دون ادراك منها أو بقصد؟ 


حاولت ريحانه تخفيف ألم يدها من الكلبشات التي كانت تضع حول يدها وقد تركت اثار حمراء فوق يديها وهي تدلكها، لتشرد امامها بملامح شاحبة ثم رفعت مقلتيها بتردد قليلا ونظرت إليه لتجد احمد يجلس على المقعد و يحدق إليها باحتقان


فتوجهت ببطء أمامه وجلست هناك صامتة 

بقي أحمد يجلس أمامها يرمقها بضيق....ولم يفته عبوسه الواضح وبينما هي شارده في التحديق اليه ثم بعد فترة همست ريحانه بخفوت 


=ازيك يا احمد عامل ايه؟  


حدق إليها بنظرات غامضة وهمس احمد بحدة 


=طب ما انتي بتتكلمي اهو امال ليه بيقولوا رافضه الزياره ورافضه الكلام كمان؟ ومش عاوزه تشوفي حد ولا حد يشوفك.. اشمعنى انا اللي اخترتيني دونهم عشان تتكلمي قدامي يا ريحانه


حمحمت ريحانه بتوتر وهي تشعر بالاختناق من حرارتها العالية الهائجة بجسدها واضافت بغصة وحرقة 


=انا عارفه انك دلوقتي اكيد مش طايقني وزعلان مني وبتسال نفسك اسئله كثيره واهمهم انا ليه عملت كده فيكم قبل نفسي.. بس انا ما طلبتكش عشان اتكلم في الحاجات دي كلها 


اجلى احمد حنجرته واعتدل في جلسته وهتف بسخط وهو يحدج ريحانه بصرامة


=امال عاوزه تتكلمي في ايه؟ 


ارتجفت ريحانه بانفعال وبدأت الدموع تتحجر بعينيها فصدم احمد وهو يراها بتلك الحاله و وجهها الشاحب الدامع بوجهه الصارم ...وقد رفعت عينيها المحمرة الدامعة نحوه تحدق اليه باعتذار واستجداء متزاوجين لتندفع الدموع من عينيها من الألم قائلة


=انا اسفه.. انا مديونه ليكي باعتذار كبير اسفه على كل حاجه اسفه عشان بوظتلك حياتك و اسفه عشان بوظت فرحتك وفرحه اهلك في اكثر يوم كان الكل مستنيه عشان يفرح وفجاه كله اتقلب لي تعاسه.. انا عارفه ان حتى اسفي مش كفايه بس ما عنديش حاجه ثانيه اقولهالك غير؟ اسفه بجد علي كل حاجه


احتدت ملامح احمد بشراسة فهو كان يريد بدل الاعتذار ان تشرح له لماذا فعلت ذلك ودمرت حياتها وحياته معآ ليقول ساخراً


=وبعد ما تتاسفي.. عاوزه ايه ثاني طالما خلاص بقيتي أنتي إللي تاخدي القرارات وتنفيذي 


اخفضت ريحانه عينيها وسرت قشعريرة لاسعة في سائر جسدها ...تزفر انفاسها باضطراب وهمست بتلعثم لتخرج نفسها من هذا المأزق الخطر مرددة بقله حيله


=مش عاوزه حاجه غير انك تسامحني وتمشي وتشوف حياتك انا عمري ما كنت انفعك أصلا، هتقول لي طب اختارتيني ووافقتي على الجوازه ليه؟ طالما انتي شايفه كده هقول لك اسفه ثاني عشان في اللحظه دي كنت بستغلك بس كان غصب عني كنت محتاجة اهرب وما كانش قدامي غيرك وقتها


أردف احمد بحدة وقد تغيرت ملامحه الغاضبه الى حيره وقلق


=تهربي من ايه؟ أنا مش فاهم حاجه؟


ردت بنبره مهتزه وصوت متحشرج تحاول التمسك رغم كل ما تشعر به من خوف وضعف


=مش من حاجه معينه! من كل حاجه حبيت ابعد كنت فاكره لما ابعد هرتاح وانسي بس اكتشفت أن برده الماضي هيفضل ملازمني طول حياتي.. طول ما انا بهرب ومش بواجه طول ما انا ساكته وكتمه في قلبي.. وطول ما انا ساكته عن حقي 


اومأ احمد برأسه باضطراب فعاد هو يتحدث ببطء بعدم فهم


=أنا مش فاهم حاجه خالص ياريت تفهميني؟ ايه علاقه حقك اصلا بانك تقتلي عمك.. ريحانة انا لحد دلوقتي مش مصدق ان حاجه زي كده تطلع منك وعمال اكذب نفسي واقول اكيد في حاجه غلط.. انتي مستحيل تقتلي.. اتكلمي يا ريحانه وقولي انك مستحيل تعملي كده


صمتت لحظات طويلة ولم تتحدث ثم نهضت وهي ترتعش بشهقات على بوادر البكاء لتضغط علي يديها الباردتين المرتجفتين بقوة حتي لا تنفجر في البكاء بحرقه أمامه 


=اشوف وشك بخير متهيالي خلاص ما فيش حاجه ممكن تفضل عشانها هنا ،سافر وكمل شغلك افضل و ربنا يوعدك باللي احسن مني.. وانا انساني واعتبرني ما دخلتش حياتك اصلا بس ياريت لما تفتكرني تدعيلي 


اخفضت ريحانه عينيها تنظر الي الارض لتهتف بتوسل ونبره راجيه ضعيفه خائفه 


= مين عارف كلها أيام أو شهور و هموت.. وآآ هيعدموني ابقى ساعتها ادعيلي بالرحمه يا احمد 


وقف أحمد يستمع إلى كلمات ريحانة القاسية ولم يجد طريقة للرد عليها. هزت ريحانة رأسها ، وشعرت بنيران مشتعلة في صدرها لتوديعه يغادر وينساها ويبدأ حياة جديدة بعيدًا عنها، تعرف أنها ظلمته من البداية عندما وافقت على الارتباط عليه دون أن يعرف كل شيء عنها، والان تحل العقده ليصبح غير مقيدة وحر طليق.. تعطى الحريه حتى لا يبقى بجانبها ، بجانب الشفقة أو العطف ، وهي متأكدة أن حياتهما لم تكن مبنية على الحب في البدايه وكانت مجرد زيجة اقارب او زواج صالونات كما يدعى.. 


أم هي لا تعرف مستقبلها المجهول؟ هل ستبقى للباقي وصمة عار بقية حياتها ، بخلاف ما سوف يعانيه أهلها من إذلال وذل قد يقضي عليهم ، فهي لم تقتل إنسانًا عاديًا بل كان ذلك الشخص عمها ..والاحاديث ستزداد بالتأكيد بين الناس، هي لا تعلم كم من الوقت ستستمر بهذه الحياة في العيش على هذا النحو وهي تقف على الهامش.

________________________


الفصل الرابع


#روايه_صمت_الفتيات

‌✍️⁩ #بقلم_خديجة_السيد

______________


بعد اسبوع.. 


بداخل السجن تخطيت نحوه الشرفه بخطوات هادئه تناقض كل اختلاجات نفسي لاقترب بجانب الفراش فألقي بجسدي المرتعش عليه وضوء القمر المكتمل كأن يتغلغل الى روحي ليوسع لي مجرى تنفسي الذي ضاق فبدأت احاول التنفس بشكل منتظم حين بدأت تقرع طبول الذكريات داخلي.. في لحظات ضعفي وقوتي يأسي وأملى ، وعنادي وخضوعي وابتسامه مراره ظهرت بين شفتي وأنا أتذكر كيف جذبتني الدنيا دونه رحمه يمينا وشمالا.. حتي نضجت مبكرا.. سنوات وسنوات تمر وانا بين سجين الذكريات لأكبر وأنضج حتى غدوت اكبر من عمري.. 


نظرت الى وضعي الآن بداخل السجن بين المجرمين وارتدي عبايه بيضاء وفي انتظار الحكم علية في اي لحظه.. وضعت يدي فوق قلبي اشعر بالالام التي بدأت تدب في جسدي واحساس بالضياع والحزن والتخبط عاد ليسكن روحي فيقبض قلبي وتختنق انفاسي وأنا اتذكر احداث مرت بي غيرت حياتي باكملها.. و لحظات بدأت ترن في اذني اعادتني الى الوراء سنين عديدة 


ضغط على يدي بعنف شديد وسقطت الدموع من عيني على يدي بحزن شديد ، لا أعرف كيف فعلت ذلك ، وأصبحت قاسية للغاية ، وبين عشية وضحاها أصبحت مجرمة .. قاتلاً! لكن كان هذا متوقعًا بعد أن تراكمت كل هذه الأحزان فوق بعضها البعض ، والآن لا أعرف أيَّ حزنٍ غيرني لهذا الحد...


سرعان ما ارتفع صوت أحد السيدات خلفي الذين بداخل الزنزانه ليعلو الصوت وانا اسمعهم وهم يتحدثون عني، هتفت السيده وهي تلوي شفتيها بضيق شديد وقالت 


=هي مالها البت دي من ساعه ما جاءت هنا وهي ساكته ومسهمه مع نفسها كده؟ هي تهمتها ايه دي 


أجابت السيده الأخري وهي تجلس أمامها بصوت بغيض قطع على تخيلاتي 


=اسكتي على اللي عرفته عنها لما حاولت اوقع أي حد من العساكر هنا يقول لي حاجه عنها.. عارفه بنت مين دي مش هتصدقي 


عقدت حاجبيها بفضول لتكمل الأخري حديثها جعلتها تنظر نحوي بذهول فالتفت ناحيتي  وتركزت عيوني بعينيها قليلا قبل ان ابعد عيناي بعيداً عنها بهدوء 


=طلعت بنت العقيد اسماعيل عبد الرحيم لا وكمان تهمتها انها قتلت عمها أخو اسماعيل بيه بس مش اخوات شقق! أخوه من آلام بس  


تطلعت فيها السيده مصدومه وعيونها مفتوحه باستغراب والذهول باد على وجهها لتهتف بعدم تصديق


=يا نهار اسود ومنيل قتلت عمها ودي اللي خلاها تعمل كده 


هزت راسها بعدم معرفه قائله بحيره


=ما اعرفش بيقولوا لحد دلوقتي انها مش راضيه تعترف ولا تتكلم ولا تقول قتلته ليه؟ تلاقي شغل اونطه عاملايه عشان مفكره نفسها هتطلع من هنا! بس والله لو اتقلبت ليهم قرد على مين دي قضيه قتل 


نظرت نحوي مره ثانيه لكن لم اهتم لها بينما جزت علي أسنانها بشماته و أردفت باستهزاء


=بنت الذين عايزه تعمل نفسها مجنونه عشان تفلت من العقوبه.. بس ايه اللي يخليها تقتل عمها شكلها كده والله اعلم الموضوع في ورث عشان كده قتلته.. ما احنا ياما بنشوف حاجات كثير من دي هنا


أطلقت زفرة عميقة وانا أحاول بصعوبه أن اتجاهلهم، ولكن بالرغم من كل ذهولهم واندهاشهم في محاوله أن يكتشفوا حقيقتي لم أرد عليهم وصمت دون أن أقوَ على أي رد فعل للمشهد الذي يمر أمامي ليعودوا مرة أخرى يتحدثون ويتبعهم ضجيج عالٍ من حولهم وأنا أغمض عيني متألما بوهن دون أن أعي الذهول الذي سيطر على من حولي . 


***


=في الحقيقه القضيه صعبه انا قراتها كويس ودرستها بس ما اوعدكيش بصراحه انها ممكن تطلع براءه وتفلت من العقوبه غير أن بنت حضرتك مصعبه علينا الموضوع بانها مش عاوزه تتكلم وتحكي اي حاجه نحاول نمسكها دليل


هتف بهذه الكلمات المحامي الي نشوي التي كانت تجلس امامه بداخل مكتبه بوجه شاحب اللون لتقول بتوجس


=يعني ايه؟ يا حضره المحامي ابوس ايدك اعمل اي حاجه وطلعلي بنتي انا عارفه أنها غلطانه والمفروض اصلا ما ابقاش جنبها ولا ادافع عنها بس انا أم ودي مهما تعمل بنتي.. غير اللي انا مش مصدقه لحد دلوقتي انها تعمل حاجه زي كده وتقتل


لتتابع حديثها بألم حاد يعتصر قلبها علي ابنتها قائله


=وعارفه كمان انها حتي لو ربنا نجاها وخرجت مش هتعرف تعيش بعد عمليتها السوداء دي ولا جدتها هتسيبها في حالها والله واعلم ابوها كمان هيعملها ازاي بعد كده وهيقدر يبص في وشها بعد ما قتلت اخوه.. 


سقطت منها دموعها بحسرة رغماً عنها وهي تقول بقهر وقله حيله


=بس انا مش بايدي حاجه غير ان انا اقف جنبها واشوف ليها محامي عشان كده جيتلك بعد ما سمعت ان حضرتك محامي كبير والقضايا إللي زي كده بتعرف تكسبها أو تجيب حكم حتى لو مخفف ليها.. بس ابوس ايدك ما تسيبهاش وساعدني 


هز رأسه المحامي بتفهم ليقول بصوت هادئه.


=انا عارف ومقدر حاله حضرتك عشان كده مش عاوز اوعدك بحاجه انا مش هكون قدها، بس ما تقلقيش ان شاء الله اكيد هنلاقي حل.. خلينا مثلا نلعب على حته ان ما حدش شافها بعينه ولا في شاهد وأحد شافها وهي بتقتل عمها 


عقدت حاجبيها باستغراب مستنكرة بشدة كلماته لتقول بيأس وضيق


=بس هي معترفه بكده يا استاذ ده غير في كذا شاهد على كده ومنهم نصف الداخليه اللي كانت معزومه عندنا في الفرح كلهم شافوها وهي طالعه غرقانه بدم حمدي وبتقول انها قتلت عمها.. وكلهم لما طلبوا شهادتهم في القضيه شاهدوا علي كده.. وغير كل ده بصماتها المطابقه


أردف المحامي بجدية قائلا


=انا عارف ده كويس ما هي المشكله هنا في اعترفها وكمان غير انها بتفضل ساكته وما بتقولش اقوالها إلا لما المامور يسالها طب قتلتي عمك ترد وتقول له ايوه وده السؤال الوحيد اللي بيتجاوب عليه دون على الاسئله كلها باصرار زي ما مذكور عندي في المحضر.. عشان كده احنا ممكن برده نلعب على الحته دي ونحاول نثبت ان المتهمه في الفتره الاخيره كان عقلها مش مضبوط وبتخرف كثير وبتحكي حاجات ما حصلتش وبيتهيالها، بمعنى اصح مجنونه يعني عشان ما حدش ياخذ باقولها دليل عليها


اتسعت عيناها نشوي بصدمه وذهول لتفكر هل توصلت الى هذا الحل لتخرج ابنتها من ذلك المازق.. ثم اكمل المحامي حديثه بحسم


=بس محتاج الاول اقعد مع المتهمه واتكلم معاها ممكن تتكلم واطلع منها بمعلومه تفيدنا في القضيه.. بس الاول لازم تعملي لي توكيل 


***

بداخل منزل إسماعيل في الصبح عندما استيقظ اسماعيل لم يجد نشوي بالمنزل مطلقاً ،فتح هاتفه المغلق بسرعه يتصل عليها وهو ينوي أن يبوبخها فكيف أتتها الجرأة للخروج دون استئذانه او حتى تقول له ؟! لكن لم تجيب علية مما جعله يغضب اكثر منها حتي جلس ينتظرها بفارغ الصبر ..وبعد ربع ساعه رأي اسماعيل باب المنزل يفتح نهض بحده وهو يصيح بصراخ


=كنتي فين يا نشوى و ازاي تخرجي من غير ما تقولي؟ انا صحيت قلبت عليكي البيت ما لقيتكيش في الشقه وكمان مش بتردي على تليفونك انتي عارفه الساعه كام دلوقتي؟ خرجتي امتى و ازاي تخرجي من غيري ولا حتى تستاذنيني.. هو انتم خلاص انتي وبنتك ما بقتش اقدر احكم عليكم كل واحد يعمل اللي على هواه واعرف بعد المصيبه ما تحصل 


نظرت الي اسماعيل ودموعها بدأت تتجمع في عينيها وسحبت نفسها لتدخل البيت وأغلقت الباب خلفها قائله بصوت مكتوم


=اهدا يا اسماعيل الموضوع مش مستاهل كل الزعيق دة.. انا حبيت اروح المشوار ده لوحدي قلت شكلك نسيت او مش في دماغك اصلا


نطق اسماعيل بغضب وجنون يتحدث الي زوجته التي تظهر اكبر من سنوات عمرها بمراحل بوجه شاحب لايصدر عنه اى حركة


=مشوار ايه اللي خرجتي من الساعه ثمانيه الصبح ده عشانة


اخفضت نشوي عينيها تنظر الي الارض وهي تقف بجواره تشعر بضعف يستولي عليها لكن فقدت السيطرة على أعصابها لتهدر بصوت عنيف بهجوم


=كنت بشوف محامي يمسك قضيه ريحانة اكيد مش هنسيب البنت كده من غير محامي نكون واثقين فيه وكويس.. اصل لقيتك مكبر دماغك من الموضوع ده رغم ان رشوان قال لك المفروض دي أهم خطوه اللي ناخذها دلوقتي.. بس انت ولا هنا الظاهر كده اصلا 

بعد النهارده هتنسى بنتك ومش هتساعدها ما في النهايه قتلت اخوك عيبه في حقك برده و الست والدتك لو عرفت حاجه زي كده هتزعل مننا اكثر ما هي زعلانه


شحبت ملامح إسماعيل من اتهامتها القاسية إليه ليقول بجمود وصدمه


=وانتي على اي اساس بقى فكرتيني ان انا مكبر دماغي من الموضوع و ازاي تتهمني ان انا هسيب بنتي ومش هسال فيها رغم المصيبه اللي عملتها اللي انا وانتي هندفع ثمنها بعد كده.. من كلام الناس و نظراتهم من وراء عملت بنتك السوداء و احنا للأسف ما عرفناش نربيها كويس.. وبعدين بدل ما تجيبي الحق عليا روحي شوفي بنتك إللي لحد دلوقتي، لا انا ولا انتي عارفين هي عملت كده ليه؟ انتي واخده بالك المصيبه اللي بنتك عملتها قتلت وقتلت مين؟ عمها! 


تساقطت دموعها بمرارة لتغمض نشوي عينيها قائلة بألم وحسرة


=يبقي كلامي كان صح وانتي هتسيب بنتك ومش هتسال فيها.. وانا مش بنكر غلطه بنتي وانها غلطانه بس ما اقدرش اقف اتفرج عليها قلبي مش هيطوعني اسيبها لوحدها في المحنه دي.. ولسه عندي امل انها ما تكونش عملت كده وان في حاجه غلط او اكيد ده كابوس واصحى منه.. بس اكيد مش هقف اتفرج عليها واسيب بنتي تضيع اكثر ما هي ضايعه 


تحرك اسماعيل يذرع ارض المنزل بخطوات عنيفة هاتفا لزوجته التي تقف تبكي بحرقه وتنظر اليه بتوتر ليهتف بشراسة صارخ بنبرة حادة متألم


=انا واقف بتفرج على بنتك ومش بساعدها تصدقي عندك حق.. عارفه انا بسبب عملت بنتك وأن لسه واقف جنبها رغم اللي عملته الناس بتبص لي ازاي؟ بلاش الناس جئتلك وقلتلك ان انا قدمت استقالتي من اسبوع بسبب معامله زمايلي لي في القسم و اللواء بنفسه سحب مني القضايا وقال لي معلش مش عاوزين نتعبك ركز في مشكله بنتك احسن.. لكن أنا فهمت هو كان يقصد يقول لي خلاص لحد هنا مش عاوزين منك خدمات او بمعنى اوضح ما ينفعش تبقى معنا وتدافع عن حقوق الناس وبنتك مجرمه


صعقت نشوي من حديثه وهي تشاهدة بهذا المنظر أمامها الذي خالف كل توقعاتها! فهي بالتاكيد لحظت غيابه عن العمل الفتره الاخير لكن توقعت ان يكون في اجازه لتقول بصوت مرتجف


=انت استقلت انا فكرتك واخذ اجازه مفتوحه 


أردف اسماعيل بصوت اجش مرير وقد التمعت الدموع بعينه لأول مرة في حياته بخيبة أمل كبيرة هو يشعر بالاهانه والظلم


=ما كنتش عاوز اقول لك عشان ما اتعبكيش أكثر وكفايه اللي إحنا فيه.. بعد 35 سنه خدمه معهم نسيوا لي كل حاجه وافتكروا لي غلطه واحده بس.. بس هم برده معاهم حق ما هو ما بقاش ينفع عشان كده ما بقاش في حل قدامي غير ان قدمت استقلتي بكرامتي احسن ما هم يطلعوني نهايه الخدمه ويقولوها لي بنفسهم، خليها تيجي مني احسن ..ده غير أمي اللي بقيلي داخل اهو على شهرين ما شفتهاش ولا رحت عزيتها ولا اطمنت عليها عشان مش قادر ارفع عيني في عينها ..وبحاول احبس نفسي هنا على قد ما اقدر في البيت عشان الجيران والناس واصحابي وقرايبي بقيت بهرب من كل حد حواليا عشان مش عاوز اقعد مع حد ولا اشوفهم.. عشان مش هستحمل كلامهم ولا نظرتهم لي.. وبعد كل اللي انا بقيت فيه من تحت راس بنتك وعملتها السواد وتقولي لي شكلك نسيتها ومش هتساعدها وتقف جنبها.. انا اصلا كل اللي بيحصل لي ده عشان واقف جنب بنتك رغم انها قتلت اخويا؟!. 


انفجرت في البكاء بمرارة وذهول ولم تقدر علي الحديث فقد وضعتهم ابنتهم في وضع صعب للغاية، سقط اسماعيل فوق المقعد الخلفي بوهن ولاول مره يظهر ألمه وحزنة على شقيقه بعد كل هذه المدة اغمض عينيه بألم قائلا بحسره


=فاكرة حمدي ولا كمان ناسيه، اخويا الوحيد مبقتش عارف احزن عليه ولا قادر اسامح بنتك اللي قتلته، اياكي تاني مره تتهمني اتهام زي ده وانتي مش عارفه ولا حاسه باللي بيا! انا عمال احاول امسك اعصابي وما بينش اللي انا فيه بس حتى دي مش قادر عليها.. خليني ساكت احسن يا نشوى وبلاش تفتحي في مواضيع بحاول اوقف عقلي يفكر فيها


التزمت نشوي الصمت وصوت بكائها يعلي فقط بحرقة بينما صرخ هو بصوت عالى متألم يهتف بعجز


=عرفتي دلوقت بس انا ساكت ليه؟ عشان لو فكرت دقيقه واحده في اللي عملته بنتك فعلا هبعد عنها ومش هاساعدها وهتبرى منها للأبد


***


فى قسم الشرطة بداخل مكتب رشوان جلس رشوان منهمك من الحديث مع تلك التي  تجلس أمامه صامته كعادتها ترفض الحديث و كأنت تنحنى برأسها بعيدا عنه في حين الأخري يحاول بكل جهد أن يصل معها الي حل لعلها تتحدث وتبوح ما بداخلها وتريح الجميع، هز راسه بيأس وإحباط مرددا


=هو انتي هتفضلي ساكته كده كثير يا بنتي هو انتي مش فاكراني؟ انا عمك رشوان إللي كنت باجي ازوركم زمان وانتي صغيره وكان معايا مراتي.. انا عاوزك تثقي فيا وصدقيني انا هابقى زي والدك وهقف جنبك مهما اعرف عملتي كده ليه؟ بس اتكلمي!  


نظر إليها ببطء عاقد حاجبيه بتساؤل عندما لاحظ صمتها كعادتها ليقول بنفاذ صبر


=يا بنتي ما هو مش هينفع كده انتي عارفه وفاهمه كويس اللي انتي فيه دة اخرتها ايه؟ مستوعبه انك قتلتي وممكن لا قدر الله القضيه تنتهي باعدام او مؤبد؟ ليه تضيعي نفسك كده بس!  


أطلقت تنهيده طويلة بحزن تخفض عينيها بالم، ليقول رشوان بتفكير وشك


=طب هو انتم كنتم بتتخانقوا ولا حاجه و غصبا عنك عملتي كده صح؟ 


ليقابل صمتها أيضا ليهدر رشوان بغضب ناظر اليها بعنف جعلها تتراجع بظهرها بخوف من غضبه هذا ترى عينيه مشتعلة بالنيران وهو يقول بحدة


=لا حول ولا قوه الا بالله، ريحان ابوكي قدم استقالته من مده بسبب موضوعك والقضايا اللي كان مسكها اتسحبت منه! صعبت عليه نفسه وما لقاش حل غير ان يستقيل احسن ما هم اللي يمشوه.. يعني انتي ما ضيعتيش نفسك وبس لا كمان ضيعتي كل اللي حواليكٍ.. ايا كان السبب اللي خلاكي تعملي كده فانت غلطانه وعمر القتل ما كان حل  


اتسعت عيون ريحانه بصدمة وتوجس وهي بذهن شارد في استقاله والدها لتشعر بتانيب الضمير وحزن شديد عليه وقد التمعت عينها بالدموع، ثم نظرت إليه وكانت علي وشك الحديث لكن لم تجد ما تقوله لتضغط علي شفتيها بعنف وانكسار... مسح رشوان وجهه بقله حيله ويأس معها ليقول بضيق شديد


=تمام براحتك ما تتكلميش انا حبيت اريح ضميري واعمل اللي عليا عشان صعبان عليا ابوكي وامك، وفي النهايه كل واحد بيدفع ثمن اخطاء.. وانتي غلطتي يا ريحانه ولازم تدفعي ثمن الغلطه دي.. وللاسف حتى بعد ما يتنفذ حكم المحكمه مهما كان.. مش انتي لوحدك اللي هتدفعي ثمن الغلطه دي اهلك كمان هيدفعوا ثمن الغلطه دي وراكي اضعاف


***

في منزل إسماعيل، كان إسماعيل قد انتهى من الصلاة و جلس يقرأ فى مصحفه قليلا، في حين تفاجأ بدخول زوجته كالاعصار دون الطرق علي الباب لتقترب منه وهي تحمل بيدها "جريده اخبار" صائحه بصدمه وعدم تصديق


=الحق يا اسماعيل شوف كاتبين ايه في الجرائد عن بنتك ده غير كل ما افتح فيسبوك الاقيهم نشرين خبر عن الموضوع.. مين سرب ليهم الاخبار دي وعرفهم اللي حصل 


أغلق إسماعيل مصحفه و وضعه جانبا و عدل من وضع نظارته فوق عينيه و هو ينظر نحوها وأخذ الجريده منها مرددا دون تفاجئ 


=اكيد حد من جوه الداخليه، الصحافه اصلا اكيد مش هتسيب جريمه زي دي تعدي من غير ما تنشر اي حاجه عنها مع كلمتين من عندهم عشان الاخبار تزيد وتنتشر..وكل وأحد هيكتب اكثر كل ما هيبيع اكثر


شهقت تبكي بمرارة وهي تهتف بنبرة مرتجفة قليلا 


=حسبي الله ونعم الوكيل انت هتسكت يا اسماعيل دول كاتبين كلام ما ينفعش يتكتب عن بنتك وكله غلط اصلا وما حصلش ..هي البنت لسه اتكلمت لحد دلوقتي.. اتصرف يا اسماعيل وحاول توقفهم


رمي الجريده جانبه بقله حيله ويأس هاتفاً بجدية


=وانا بيدي إيه اعمله هو انتي فاكره لو طلعت كلمتهم في حد هيخلي عنده دم ويقول نراعي مشاعرهم وبلاش نزايد عليهم الموقف ونسيبهم في اللي هم فيه.. وبلاش نتكلم في اعراض ناس.. تبقي طيبه ما تعرفهمش.. انا عارفهم كويس دول لما بيصدقوا اي مصيبه يمسكوا فيها ومحدش بيقدر يوقفهم ..اعملي نفسك انتي اللي مش واخده بالك وسيبيهم يكتبوا حد ما يزهقوا ويشوف ليهم موضوع ثاني 


وضعت نشوي يدها اعلى رأسها تشعر بألم حاد يصف برأسها وهي تحاول إستقبال الصدمات بعقلانية وهدوء، التي بدات تسقط وأحده تلوي الأخري فوق راسها دون رحمة، لتقول بصوت حزين


=كان مستخبيلنا كل ده فين بس؟ يا رب الطف بينا 


تنهد إسماعيل بوهن وضيق عندما تعالي صوت هاتفه ليفهم على الفوري من المتصل لكنه لم يرد، ثم نظر إلي زوجته هاتف بحزم


=اهي بدات اراهنك إللي بيتصل ده حد من الصحافه او الاعلام! اعملي حسابك من هنا ورايح ما ترديش بقى على نمر غريبه.. مش ناقصين وجع دماغ خلينا في اللي احنا فيه وبعدين دول لما يصدقوا 


***

مرت أيام طويلة وحزينة أيضا والجميع في حاله ذهول وما زال لا احد يعلم ما دافع ريحانه لقتل حمدي....


بينما أنا من كثرة الحزن فلم استطع البكاء وكانت الدموع أبت ان تشارك معي ايامي في الحبس، وكنت اجبر نفسي على تناول القليل من الطعام..بينما كنت انظر حولي والي هؤلاء النساء في الحبس معي وما وصلت إليه وأنا ابكي بمرارة وذهول فكيف اصبحت بين ليله وضحاها هنا.. وفي الليل يعلي صوت بكائي والنحيب وكنت ارتجف.. 


وكنت أجلس لوحدي اكلم القمر ليلا خلف نافذة السجن ونهارا كنت اسرح بعقلي اتخيل نفسي في منزل عائلتي مع أبي وأمي! وأحدهم يربت على كتفي وأخر يمسح لي شعري ،وكلمات ظنَننّ انهنّ بها قادرين على بث الصبر في نفسي.. لكن على الاقل احوز باهتمام منهم.. حتى لو كان في خيالي انا فقط وليس حقيقي! لكن فلا يريحني سوى الهروب للنوم حتي يتوقف عقلي علي التفكير.. فالفِراش صديقٌ عَـظيم عِندما تُهزم.


على مائده كبيره مليئه بالاطعمه بداخل السجن وكانت النساء تجتمع حول المائده تتناول الطعام.. بينما كنت أنا اجلس منعزله عنهم بصمت واجبر نفسي على الطعام للعيش الايام المتبقيه لي، ثم شعرت بي احد يجلس جانبي فالتفت الي تلك الجالسة بجواري وكان الجميع منهمكين بالطعام لتاتي تلك السيده عليه كالعاصفة تلقى بكلماتها الحانقة تلك لتسالني بدهشة


= هو انتي صحيح يا بنت قتلتي عمك ليه؟ ايه اكل عليكم حقكم رحتي قتلاه عشان تورثوا ولا في حاجه تانيه


كانوا نفس هولاء المسجونات بالامس الذي كانوا يتحدثون عني لذلك لم اعير كلماتها اهتمام وبلا اكتراث دون ان ارفع راسي عن الطعام بين يدي أكملت طعامي في صمت.. دبت سميرة قدميها فى الارض بغضب هاتفة بحنق 


=ما تردي يا بنت عليا زي ما بكلمك انا مش بحقق معاكي يا روح امك ولا حد من البوليس عشان تفضلي ساكته و مسهمه.. ردي يا بنت قتلتي عمك ليه


تقدمت منها السيده الاخرى تدعي ثريا وهتفت بدهشة


=في ايه يا بنت يا سميره ما تسيبكٍ منها مالك وما لها.. سيبيها شكلها معبيه وحكايتها حكايه 


التفتت سميره الى ثريا تهتف بحده وغيظ 


=ما هي عشان حكايتها حكايه انا عاوزه اعرف بقى اللي فيها وادينا قاعدين بنتسلى.. يلا احكي


أغمضت عيني بشدة وضيق منها بينما ارتفع فجاه صوت العسكري يصيح بقوه قائلا


=ريحانه اسماعيل عبد الرحيم تعالي الضابط عاوزك 


التفت له بدهشة وقلق لي اهز راسي بالإيجاب دون النطق ثم نهضت ببطء وتحركت معه الي مكتب المامور الذي نهض واقترب مني متحدث بهدوء 


=تعالي يا ريحانه.. احنا كل ده ومش عاوزين نستعمل معاكي طريقه مش هتعجبك لان برده مقدرين لحد اخر لحظه والديك يبقى مين وانه خدم في الداخليه كثير.. صحيح هو قدم استقالته خلاص بس برده مش هننسى ولا هننسى افضاله علينا


شعرت بتانيب الضمير عندما ذكر استقاله والدي امامي، ثم تحاولت نبره بصوت حاد وتحذيري قائلا


=بس يا ريت انتي كمان ما تفضليش مطوله في اللي انتي فيه وما تساعدنيش وتفضلي عايشه في دور الصمت ده اللي مش هيفيدك بحاجه، وما تفتكريش فعلا عشان والدك كان ضابط هنا فاحنا مش قادرين نعمل حاجه معاكي ولا هنفضل ساكتين كثير على اللي انتي فيه.. على اخر الشهر ده هيكون عندك محكمه يا ريت من دلوقت لي قدام تفكري وتراجعي نفسك


هتف حروف كلماته متعمد أن يثير الرعب والقلق داخلي حتى أتحدث، ثم قال بجدية وهو يتحرك للرحيل


=انا هاسيبك دلوقت مع المحامي بتاعك ياريت هو كمان يعقلك ويعرفك ايه الاصلح ليكي و لازم تعمليه.. عند اذنكم


عقد حاجبي باستغراب ونظرت خلفي لي اجد بالفعل رجل في عمر الثلاثون يجلس على المقعد لينهض ويبتسم بمجامله هاتفاً


=ازيك يا انسه ريحانه انا استاذ مدحت المحامي اللي وكلوا عيلتك عشان ادافع عنك


شعرت بالغضب الشديد لي أتحدث اخيرا بهجوم قائله بحده


=انا ما طلبتش محامي ومش عايزه حد يدافع عني يا ريت ترجع مطرح ما كنت وتسيبني في حالي وقولهم هم كمان يسيبوني في حالي 


التفت ارحل بسرعه من الغرفه ليتقدم مني بلهفة ويقف أمامي مرددا


=طب استني بس احنا لسه ما تكلمناش انتي مستعجله على ايه؟ على العموم دلوقتي هعتبر نفسي عملت انجاز عشان اخيرا اتكلمتي عشان كنت دائما اسمع عنك انك رافضه الكلام مع الكل، ورفضه كمان تحكي اللي حصل.. اسمعني كويس لو خائفه تتكلمي وتحكي اللي حصل وتورطي نفسك اكثر فما تخافيش انا تواصلت مع والدتك ولقيت حل مناسب ممكن كمان تطلعي من هنا براءه 


تجمدت قدمي بالأرض وبعض الكلمات نطقها بكل بساطة وسهولة لتصل اذني تصاحبها نظراتة الواثقة حاولت تجاهله و ارحل ولكن تابع هو قوله بجدية وبصوت خبيث ماكر


=ايوه زي ما بقول لك كده انتي ما عندكيش شاهد واحد شافك وانتي بتقتلي عمك صحيح انتي معترفه في النيابه وكمان بصماتك وقت الجريمه مطابقه.. بس مش مهم كل ده هنلاقي لي حل.. والحل اللي ما قدامناش غيره دلوقت ان نقول أنك الفترات الاخيره من حياتك ما كنتيش مظبوطه فيها ودائما اهلك كانوا بيشتكوا من ده وانك كنتي بتحكي حاجات كثير وتالفي قصص ما حصلتش عقلك الباطل بس هو اللي بيخترعها بس هي مش موجوده وما حصلتش.. 


تابع المحامي حديثه وهو يبتسم علي ذكاءه الخارق قائلا بهدوء


=ولو قدرنا نثبت ده في المحكمه يبقى بنسبه كبيره ما حدش هياخذ باقوالك وهيعتبروكٍ مجنونه وبتخرفي وانك فعلا ممكن ما قتلتيش 


كنت لا اصدق ما سمعته اهذه ما توصلت اليه عائلتي ان يقنعوا الجميع باني فقد عقلي حتي يخرجوني من هنا، ايتهموني بالجنون وانا على حق! دموع تأبي إلا أن تفضح انفعالي وأنا احاول السيطرة عليها بصعوبة، لأفاجئه بنظره حطّمت كل حصوني لتسيل دموعي نقية من عيني ...اخذت اهمس له بصوت يغالبه البكاء ويدي تقبض علي كفي يدي بعنف وقسوة   


=اطلع بره.. اطلع بره ومش عاوزه اشوف وشك ثاني هنا 


عقد المحامي حاجبيه بدهشة وصدمة بينما صرخت بأعلى صوتي فيه بقوه قائله


=اطـلع بــره بـقـول لـك


تحرك المحامي بغيظ للخارج بخطواته المتعثره.. وكان في تلك اللحظة يمر رشوان من أمام غرفه المكتب ليسمع صوت صراخي.. اقترب رشوان يركض نحوي وهو يصرخ فزعاً 


=في ايه؟ ايه اللي حصل صوتك عالي ليه؟ 


نظرت إليه بوهنَّ لتبكي عيني بدموع نقية لابدأ بعدها بالبكاء على إثر نشيجي الذي يقطع أوصال أقسى القلوب! لي اثير في موجة من البكاء المرير وأنا أصرخ بقهر


=انا مش عارفه ليه كلكم عاوزاني اتكلم واقول ايه اللي حصل رغم انكم نفس اللي كنتم بتخرسوني زمان لما كنت بحاول اتكلم أو اشرح اللي جوايا وعمركم ما كنتم بتسمعوني حتي 


انصدم رشوان مني لا يصدق باني اخيرا تحدثت ونطقت وقبل أن يتحدث انتفض جسدي وعيوني تشع غضباً وصدري يعلو ويهبط بعنف دلاله علي شده انفعالي ثم صرخت به وقد تجرت من اضطراب مشاعري وخوفي من ردت الفعل قائله بتهكم وسخريه


=دلوقت بس بعد فوات الاوان عاوزاني اتكلم ..طب هيفيد بايه ما خلاص انا ضعت من زمان اللي حصل حصل الزمن ما بيرجعش لوراء ولا اللي بينكسر بيتصلح.. يبقى ليه عاوزاني اتكلم نفذوا الحكم وريحوني وخلاص


رفعت عيني انظر له بألم وقد هوت دموعي فوق خدي بغزاره وضعف وهمست بوجع


=حكم الاعدام اللي انا مستنياه بفارغ الصبر وانتم خايفين منه ده بالنسبه لي راحه 


أقترب مني عم رشوان ولكن هذه المره بعيون يملؤها الشفقه والدفئ وجسده هادئ ليقول حديثه بلهفه وقلق


=انا مش فاهم حاجه يا بنتي واحده واحده تقصدي ايه بكلامك واحنا امتى كنا بنخرسك و تقصدي مين اللي مش بيسمعك.. فهميني الموضوع عشان نقدر نساعدك واكيد في سوء تفاهم 


شعرت انه وقت الصدمات وحسب، اتلقي كل صدمه تلو الاخري كالصفعه القويه التي تهبط فوق وجداني دون رحمه..!! هتفت من بين شفتي بعيون تترقق بها الدموع وصوت متحشرج اثر الغصه المريرة التي سرت بحلقي

  

=ما فيش سوء تفاهم ولا نيله.. و إللي أنا كاتمه في قلبي سنين لوحدي انتم اول ناس لما تسمعوا هتندموا انكم كنتم عاوزين تعرفوا الحقيقه ومش بعيد تخرسوني ثاني أصلا.. عشان كده انا ساكته ومش هتقدروا تشيلوا الحمل معايا


كان رشوان مذهول وفمة مفتوح و عقلة لا يستطيع استعاب كل حديثي لذلك نظر لي بقوة مرادفا باصرار


=لازم مهما كان اللي انتي بتتكلمي عنه نعرفوا.. حتى لو ما فيش حاجه هتتغير زي ما انتي بتقولي بس على الاقل اظهري دوافعك ..حتى عشان اهلك يعرفوا يعيشوا بعدك وهم محامين من نظرات الناس


وكأني احارب عاصفه قويه اثناء تسلقها لجبل شديد الانحدار هكذا حاولت إخراج كلماتي بعد عناء بثقل وإحباط 


=ايوه الناس! كل اللي انا فيه ده اصلا كله من الناس.. الناس اللي دائما بتعملوا ليهم حساب.. الناس اللي انا بسببهم دفعت ثمن كبير.. الناس اللي انت بتتكلم عليهم دول كانوا اول ناس لما بفتح بقه يسكتوني.. وكاني عملت جريمه وعمرهم ما اقتنعوا ان انا كنت من زمان ضحيه مش مذنبه زي دلوقتي؟! 


تنهد هو بضيق شديد وعدم فهم لكن قبل أن يتحدث قاطعته وانا امسك برأسي بعنف من الألم واخفضها صائحه بصوتي المتوسل وقد استعاده


=هو حضرتك متاكد أن كل اللي بيغلط بيدفع ثمن غلطته.. عشان الكلام ده لو صح فالمفروض مكاني ما كانش هنا؟ وناس تانيه هي اللي المفروض كانت تبقى مكاني وتتحسب مش انا 


شعرت إني علي حافه انهيار عصبي يمر شريط حياتي امام عيني كله وبالفعل تعددت مرات وقوعي او محاوله حرق روحي، تلي جسدي يرتعش بعنف وهستريا و اخذت أنفاسي التي انقطعت عني تماماً وقد أصبحت عيني مرهقه بشده و شاحبه اللون اغمض عيني بقوه أشعر بألم جسدي و عصبي.. لاهداء بعدها ولكن اشعر اني ليست أنا!! التفت حولي بخوف وتوجس وبإرهاق قبل ان اهتف من بين شفتي المرتعشه في محاوله مني ان اتأكد انه رحل وهذا الكابوس انتهي وأنا الآن علي أرض الواقع.. نظرت إليه وأنا أقول بابتسامه ساخراً بقهر مريرة


=المحامي اللي اهلي جابوا ليا عشان يدافع عني اللي كان قاعد معايا من شويه قال لي نكته خليتني اضحك رغم إللي انا فيه... قال لي عشان تطلعي براءه وتقدري تعيشي وسط الناس من ثاني ان اقول أن انا مجنونه تعبانه مختله عقليا.. عقلي ما كانش سليم وقت وقوع الجريمه هو ده الحل اللي وصلوا لي اهلي في الاخر وبرده لسه بيفكروا وشايلين هم الناس وكلامهم


تطلع رشوان نحوي بصدمه من تفكير ابي وأمي!! بينما تقلس قلبي بداخل صدري وقتها و علمت ان هلاكي أقترب لا فرار منه وتسائلت نفسي هل جاء الوقت لي اتحدث واقول كل ما بداخلي بعد تلك السنوات؟ لكن ماذا سيتغير بعدها ولا شيء؟ ولكن لاجد نفسي اتحدث بنفس نبرته القويه واقول بعزيمة ودون وعي من ألمي


=المره الوحيده اللي قلت لا وعرفت اخذ حقي طلعوني مجنونه.. بس انا مش مجنونه انا عاقله ووقت وقوع الجريمه كنت بكامل قويه العقليه.. بس تمام مش انتم عاوزاني اتكلم؟ مش عاوزين تسمعوا مبررات؟ انا ما عنديش مانع هتكلم وهقول خلاص كل اللي انتم عاوزينه!! بس بشرط واحد لازم ذي ما هحكي ليكم احكي لي العالم كله كمان ويعرف  قصتي!! 

الفصل الخامس


#روايه_صمت_الفتيات 

‌✍️⁩ #بقلم_خديجة_السيد

____________


في أحد الأحياء الشعبية وتحديداً في أحد المنازل كانت نشوي واقفه في المطبخ تحضر القهوة سريعة لتأخذها إلى رشوان للخارج قبل أن يغادر من منزلهم ، ومن ناحية أخرى تريد للاستماع إلى بقية القصة. حول موضوع ابنتها ريحانة التي تحدثت أخيرًا ...


في الخارج داخل الصالون تومض عيون اسماعيل بعدم تصديق والحماس وهو يصيح بصوت ملهوف 


=بتتكلم جد يا رشوان ريحانه اتكلمت! طب قالت ايه اللي حصل أو هي عملت كده ليه؟ واللي حصل ساعه الفرح عشان يخليها تعمل كده


ضغطت نشوي بيدها علي قلبها للتخفيف من الالم الذي يعصف به و هى تنتظر بفارغ الصبر أن تتحدث ابنتها لعلها تريح قليها وتقول بأنها ليست لها علاقه بتلك الجريمه، لتهتف متسائلة بسرعه ولهفه


=طب هي لما اتكلمت كانت حالتها عامله ازاي كويسه ولا تعبانه.. طب قالت حاجه عن موضوع حمدي وأنها بريئه وما عملتش كده 


كان واقفاً رشوان صامت يستمع اليهم حتي جلس امامهم ليعدل من ملابسه مغمغماً بنبرة صارمة


=يا جماعه اهدوا الموضوع مش زي ما انتم فاكرين هي ما حكتليش حاجه عن الحادثه لسه! هي اتكلمت عن موضوع ثاني و اللي انا برده بسببه جيت ليكم هنا؟ وهو موضوع المحامي اللي انتم بعته ليها، ازاي يا اسماعيل تبعت محامي زي ده يقول لها نقول انك مجنونه وما كنتش بكامل قواكٍ العقليه ساعه ارتكاب الجريمه.. و لازم نثبت ده عشان تطلعي براءه


اهتز جسد اسماعيل بعنف كما لو ضربته صاعقه و قد ارتسم معالم الضيق الشديد على وجهه الذي احتقن بشده مدركاً انها زوجته هي من اتفقت مع ذلك المحامي، ليقول بغضب و وجه متصلب بقسوة ناظر إليها بحده


=انا ما اعرفش حاجه عن الكلام ده و نشوي هي اللي راحت واتفقت مع المحامي من ورايا هو صحيح المحامي قال لك كده يا نشوى وانتي وافقتيه


شعرت نشوي بارتباك وهي تري زوجها يلتف إليها لتجد اسماعيل يتطلع نحوها بوجه مشتد بالقسوة و الغضب...لتقول سريعاً بارتباك محاولاً تبرير ما فعلته


=هاه هو مش بالضبط كده هو قاللي عاوز يقعد معاها عشان يحاول يستفهم منها اللي حصل، وفي وسط الكلام جابلي سيره عن الموضوع ده بس انا موافقتوش.. بس قال هو ده الحل الوحيد و...


تسلطت عينين اسماعيل بقسوة نحوها قبل ان تستقر علي وجهها مرمقاً اياها بنظرة جعلت الدماء تجف بعروقها فهو في النهايه كان ضابط شرطة ولا يحب التلاعب بطريقه غير قانونية، وقاطعها هو بقسوة مغمغم بحدة


=حل ايه وزفت ايه وانتي مفكره حاجه زي كده هتعدي على النيابه عادي ومش هياخذوا بالهم منها ولا اول واحد يرتكب جريمه ويحاول يفلت منها ويقول ان هو مجنون ..ما لقيتش غير الحلول دي، وايه المحامي اللي انتي راحه له ده بس مالقيتش غيره 


اخفضت نشوي عينيها بإحراج وتوتر قائله بتبرير


=انا سمعت ناس بتقول انه كويس و شاطر في القضايا دي 


زمجر اسماعيل من بين اسنانه وقد اوشك علي ان يفقد السيطرة علي غضبه، لكنه صمت باقتضاب عندما هتف رشوان بجدية


=خلاص يا جماعه مش هو ده موضوعنا وانا من رايي تشوفه محامي ثاني او تفكروا في حل ثاني غير ده؟ لان زي ما قال إسماعيل يا استاذه نشوى الحل ده النيابه مش هتاخذ بيه وبلاش الافضل نمشيها بالطريقه دي.. غير أن ريحانه الموضوع ده دايقها اوي وهو ده اللي استفزها عشان تتكلم وهي قالت انها كانت وقت وقوع الجريمه كويسه ومش بتشتكي من حاجه واكيد هتقول كده في النيابه كمان والتهمه هتثبت عليها اكثر 


التفتت نشوي اليه لتسرع هامسة بصوت القهر ينبثق منه لهفه شديدة


=طب ريحانه ما تكلمتش ولا قالت اي حاجه ثاني؟ كل اللي اتكلمت عنه هو موضوع المحامي ده بس! ما جبتش اي سيره عن اللي حصل يوم فرحها 


هز رأسه بالإيجاب ببطء وهتف رشوان متنحنحاً قائلاً 


=لا هي قالت انها هتتكلم وهتحكي كل اللي حصل كمان؟ بس بشرط واحد ..عاوزه زي ما هتحكي ليكم تحكي للعالم كله ويعرف قصتها هما كمان


نظروا اسماعيل ونشوي إلي بعض بصدمه وذهول بينما شعرت نشوي بالصدمة و الارتباك عند سماعها كلماته بينما بدأ شعور من القلق يتخللها فور ادراكها طلب ابنتها الغريب! لتقول بعدم استيعاب


=مش فاهمه حاجه قصه ايه اللي هتحكيها وليه عاوزه الناس كلها تعرفها؟ مش لما تحكي لينا احنا الاول هي عملت كده ليه؟ 


تنهدًا إسماعيل بعصبية محبطًا ،و هو يتأفف بحنق حيث بدأ صبره ينفد من هذا الأمر وطلب ابنته الغير مفهوم إليه ليقول مصيحًا بغضب.


=وضح كلامك يا رشوان هي تقصد ايه؟ 


وقف فجأة ينظر اليه بصمت عدة لحظات ولايزال التعبير الحائرة المقتضب مرتسم علي وجهه ثم مغمغم بهدوء


=انا سالتها زيكم برضه ليه عاوزه الناس كلها تعرف قصتك؟ ولي عاوزه تحكي للعالم كله اصلا؟ وده هيحصل ازاي.. لقيتها سكتت شويه وردت عليا وقالتلي من الصحافه شوفلي اي صحفيه تيجيلي وتكتب قصتي وتنشرها للجرائد والتلفزيون! وهي مستعده تحكي كل حاجه حصلت من البدايه في الوقت ده؟ و غير كده مش هتتكلم وهترجع ثاني تسكت 


***

في منزل زبيدة ، وضعت ابنتها مني الطعام التي تحبه والدتها على المائدة ، ثم انتقلت مني بخطوات بسيطة إلى غرفة النوم حتى تدعي والدتها للطعام، لتجدها جالسة على حافة الفراش ذاته وجهها شاحب وكانت عيناها ضبابيتين تحاولان محاربة الدموع..


لكن ما ان رأتها والدتها دفنت وجهها بين يديها بينما حلقها ينقبض وهى تحاول كتم شهقات بكائها لكنها فلتت منها بقلب منكسر...احشاءها التوت بشدة داخلها فور سماعها صوت بكاء والدتها المنكسر هذا.. اقتربت مني منها جالسة علي عقبيه امامها و هي تشعر بعطف الشديد عليها... فهذة أصبحت حالتها منذ وفاة حمدي أبنها..


أبعدت يديها عن وجهها لترى خطوط الدموع المتساقطة علي خديها..مالت مني الي الامام ممسكاً بيديها بين كفها وظلت تنظر اليها حتى بادلتها النظرات بعينين مغروقتين بالدموع وغمغمت بصوت هادئه قدر المستطاع


= كفايه حزن عشان خاطري بقي.. ويلا يا ماما عشان تاكلي، و عشان خاطري بطلي تقولي زي كل مره ما ليش نفس يلا يا حبيبتي وانا هاكل معاكي عشان نفتح نفس بعض 


همست زبيده بألم من بين شهقات بكائها الممزقة


=مش قادره والله يا منى يا بنتي مين لي نفس لي الاكل بعد اللي حصل.. ربنا يرحمك ويغفر ليك يا حمدي يا ابني ويجازي اللي كان السبب 


شعرت مني وهي تتابع حالتها تلك شاعرة بالحزن الشديد عليها وهي بحالتها المنكسرة تلك..تجمد جسدها عندما رأت كتفيها يهتزان بضغف بينما رأسها لايزال منخفض اقتربت منها مغمغمة بارتباك 


=خلاص يا حبيبتي بقى بطلي تفكري في الموضوع عشان ما تتعبيش اكتر


خرج منها صوت صغير متألم كان كسكين غرز بقلب مني وهي تنزع يدها عنها وبصوت ممزق و كامل جسدها يرتجف قائلة


=هو انتي فاكره انا عمري في حياتي هانسى اللي حصل ولا في يوم هقدر انسى ان اخوكي اتقتل على أيد حفيدتي.. مستحيل! 


لتكمل وهي تضغط بقوة وحدة علي يدها وقد احتقن وجهها من شدة الغضب


=حتي اخوكي التاني اسماعيل من ساعه اللي حصل ولا شفنا وشه ولا حتى جي يزورني ولا يعزيني في موت اخوه للدرجه دي هانت عليه العشره ولا الهانم مراته منعاه عني


شعرت مني بقبضة تعتصر قلبها وهى تهمس بصوت مختنق


=بلاش تظلمي اسماعيل يا ماما الله يكون في عونه دلوقت بعد اللي عملته ريحانه، و هو اكيد نفسه يجي بس اللي منعه اللي حصل وخايف من رده فعلك ومش عاوزكي تزعلي.. ربنا يصبره على اللي حصل هو كمان الصدمه كانت كبيره على الكل


***

في قسم الشرطة بداخل مكتب المامور... خرج الضابط من افكاره تلك عندما رأي رشوان أمامه منتظر أجابته علي طلب ريحانه.. تطلع إليه بعينين ملتمعة بالقسوة و وجهه محتقن بشدة وضغط بعنف علي ملف الاوراق الذي بيده حتي ابيضت مفاصله، وهو يقول بحده


=هي البنت دي بتلعب بينا ولا ايه يا أستاذ رشوان؟ انا لحد دلوقتي مش عاوز اتصرف معاها تصرف مش هيعجبها وعامل حساب لوالدها اللي كان زميل لينا هنا بس بصراحه هي زودتها قوي.. وحاسس انها وراء كل اللي بتعمله ده بس عشان تغطي على عملتها مش اكتر وبتضيع علينا وقت 


تنهد رشوان بعمق شديد ثم تطلع فيه قائلا بهدوء


=ايه يا حضره الضابط مالك بس خلي بالك طويل معاها وبعدين ما هي معترفه انها اللي قتلت رغم ان ما فيش شاهد واحد شافها وهي بتقتل ..يعني مش مساله انها بتهرب من العداله ولا حاجه 


غمغم هو بقسوة يتخللها التهكم بينما يتجه نحوه جالس أمامه 


=عارف ده كويس يا سياده العقيد انها معترفه بس كل الادله تضدها رغم أن ما فيش دليل ان حد شافها، بس مش فاهم موضوع سكوتها ده وهي عاوزه ايه من وراء كمان موضوع الصحافه اللي طلعتلنا فيه ده كمان.. وبصراحه دي اكثر حاجه بكرهها في شغلي ان الصحافه تدخل وتقعد كل شويه تنشر حاجه واحنا لسه بنحقق في القضيه 


ليكمل بحدة لاذعة و الغضب مزال متملك منه تجاه تلك الفتاه ريحانه


=حضرتك استاذي وانا عاوز رايك في القضيه اكيد بس في نفس الوقت مش عاوز اشتغل بطريقه انا مش حبيبها، ومش فاهم تصرفاتها بصراحه من وراء الموضوع ده وليه عاوزه الصحافه تنشر قصتها، وبعدين ايه مساله لو ما عملناش اللي هي عاوزاه مش هتتكلم هو احنا شغالين تحت امرها هي مجرمه راحت ولا جاءت في النهايه.. مش شغالين تحت امر الهانم احنا


صمت رشوان لحظات ثم قال بجدية


=طب اهدا و اسمعني و ما تاخذش الموضوع على الحامي كده، انا عارف ريحانه معرفه سطحيه واعرف اهلها كويس وبصراحه مستغرب لحد دلوقتي رد فعل زي ده يعني يحصل منها، بس في النهايه ما حدش بيتولد مجرم وجايز فعلا تكون غلطت وعملت العمله دي ..بس لحد دلوقت ما نعرفش ايه اسبابها.. وانت معاك حق طبعا تختار الطريقه اللي تريحك في الشغل عشان كده انا هقول لك حل يرضي الطرفين 


زفر بحنق فاركاً وجهه بغضب وقال بصوت حاد لاذع ثم تحول الى غاضب صارم


=اتفضل حضرتك ، بس زي ما قلتلك و لازم تعرف ان انا مش واثق فيها ولا مطمئن لموضوع الصحافه اللي عاوزه تدخله في الموضوع.. أنا اضمن منين انها مش هتقول حاجه ضدنا ومش عاجبني موضوع ان الصحافه تعرف وتحقق معاها قبلنا كمان.. واكيد طبعا حضرتك عارف أن اي صحفي او صحفيه هنجيبه مش هيفيدنا بمعلومه وهيجري عشان ينشر الاول في الجريده اللي بيشتغل فيها.. عشان كده انا لازم اكون اول واحد عارف تفاصيل القضيه قبل الصحافه 


هز رأسه رشوان بهدوء ثم تنحنح متردداً قبل ان يستجمع شجاعته حتي يطرح عليه ذلك الاقتراح و بداخله امل ان يكون هناك سبباً لفعلتها تلك و الا تكون تلك المخادعة التى نصبت للجميع فخاً حتي عائلتها قبل الجميع.


=عشان كده عاوزك تسمعني.. رؤوف ابن عمي لي ولد خريج صحافه بس هو ما اشتغلش بيها وشغال مع والده في معرض العربيات، بس لي صديق بقى ولد كويس ومحترم جدآ شغال في الصحافه اتعرفت عليه من مده كان جاي هنا عشان يعمل شغل عادي في قضيه انا كنت ماسكها.. ولما اتعاملت معاه حسيت انه ولد مجتهد.. واللي عجبني في أنه بيتعامل مع الأخبار مش وهو مجرد صحفي وينشره ويزود كلمتين من عنده عشان يبقى له اسم وخلاص.. لا عاوز يظهر الحقيقه من غير ما يخوض في اعراض الناس وبيستنى لحد ما يعرف المعلومه كلها والحقيقه تظهر .. مش بيجري على طول اول ما بيعرف معلومه وينشرها ،حسيت انه من الناس المحترمه القليله إللي بتشتغل بضمير... وبعد كده لما اتعرفت عليه بالصدفه في بيت ابن عمي عرفت أنه صديق ابنه قعدنا ساعتها ندردش مع بعض شويه وعجبتني دماغه واخلاقه واخذت نمره تليفون وهي لسه معايا. 


عقد الضابط حاجبيه بحده بتفكير ليكمل رشوان قائلا بجدية


=انا بحكيلك كل ده عشان اقول لك ان ايه رايك لو اكلملك الولد ده ويجي هنا ونشرحله الموقف وناخذ منه عهد انه مش هينشر حاجه قبل ما نشوفها بنفسنا ونعرف تفاصيل القضيه منه اول باول.. عشان نتاكد ان ما فيش حاجه ممكن تضرنا ومن ناحيه ثانيه نكون عرفنا تفاصيل القضيه والحقيقه قبل من الصحافه.. 


صمت ونظر إليه باقتضاب هاتفاً بلهجة حائرة 


=مش عارف بس حضرتك واثق منين ان الولد ده مش هينشر حاجه قبل ما نعرفها، حضرتك يعني عاوزني أثق فيه لمجرد وعد.. ما زي ما احنا يهمنا شغلنا هو كمان اكيد يهمة شغله وهيجري ينشر اول ما تبتدي تحكي ده اذا فرضنا اصلا اللي هتحكيه الهانم صح ولا هتلعب بينا ثاني 


هز رأسه متحدث بعقلانية


=مساله اللي هتحكي صح ولا غلط دي تخصها هي اما الولد اللي قلتلك عليه فما تقلقش من ناحيته وانا قلتلك اني زي بيهمه شغله! بيهمه برضه الحقيقه توصل للناس، ولو كمان مش عاوز حاجه ينشرها بعد ما ريحانه تحكي ..انا واثق فيه انه هيتعاون معنا برده..بس هتكون ضربت عصفورين بحجر واحد، من ناحيه عملنالها اللي هي عاوزاه و من ناحيه ثانيه عرفت الحقيقه


لم يجيبه حيث اخذ يتطلع امامه بصمت وهو يزفر بحنق ثم نهض يتقدم الي مكتبه ليجلس علي المقعد صامتاً لحظات طويلة ثم اشار براسة نحوه قائلاً


=هو انا مش هكون واثق فيه زي حضرتك بس تمام اتصل بيه وخلية يجي.. وانا كمان هعمل احتياطاتي من اي غدر منه 


***

داخل عنبر السجن ، لم أغمض عيناي حتى الصباح. لقد أصابني الأرق ، بالإضافة إلى خوفي وقلقي بعد طلبي ،الذي طلبته منهم دون وعي ، وهو أن أقول الحقيقه واحكي كل ما حدث ولكن بشرط أن يجلبوا لي الصحافة! لا أعلم لماذا طلبت هذا الطلب؟ هل يمكن حتى يصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم ، أم أني قد نفذ صبري من صمتي؟ لكن ماذا سيحدث إذا قبلوا هذا الطلب؟ هل لديه الشجاعة للتحدث بعد كل هذه السنوات؟


فوراً عند هذا السؤال شحب وجهي بشدة وقد تجمدت الدماء بعروقي فأنا لا يمكنني اخبارهم فبالطبع لم يصدقني احد ،ظليت صامتة انظر الي الفراغ باعين متسعة ممتلئة بالفزع حيث كان يمر أمام عيناي صور لمستقبلي البائس ..

فبعد موتى بالتاكيد لم يتذكرني احد بالخير مطلقاً ،لكن هو سيظل يدعون اليه بالرحمه والمغفره رغم كل ما فعله! 


اغلقت عيناي سريعاً و بقوة في محاولة مني للهروب من تخيل الماضي والمستقبل وباقي حاضري السام الذي كنت احفظه عن ظهر قلبي و الذي يردد دائماً علي مسمع احلامي بكل يوماً...ارتجفت شفتي في قهر دفين وبدأت ابكي بشهقات ممزقة بصوت مكتوم بينما كامل جسدي يرتجف بقوة.


فاليأس طريق سهل لا يستطيع إلا الضعيف أن يسلكه .. أشعر دائمًا أني ضعفي وعدم الحيل كرد فعل من الجميع نحوي ، حيث تصلبت قلوبهم ضدي ، فهم مثل الحجارة أو حتى أكثر قسوة ..اخذ جسدي يرتعش وزادت برودته فالألم يكبر ومساحة صدري تضيق جداً .! 


أعيش دائمًا ولا أعرف أين سأهرب من أشياء لا أعرف لماذا يطاردوننا ، أتحدث كثيرا إلا ما أريد أن أقوله احبسه بداخلي ..! كنت تائهة في حكايات مضت .. وحكايات أخرى أعيشها .. أتمنى لو لم أكبر ولم أتذوق مرارة الحياة.


بعد فترة وجيزة مسحت بأناملي أخر دمعه قد ذرفتها ،فلم اتخيل يوماً ان يبتلني الله هذا البلاء لكن عليه الصبر والتصدى له والتضرع الى الله فالله خير حافظ.


***

كان رشوان جالساً علي المكتب بينما الصحفي حمزه يجلس في المقعد الذي امامه... غمغم حمزه بابتسامه عريضه مرددا


=استاذ رشوان انا مبسوط قوي اني هتعامل مع حضرتك ثاني، متتصورش فرحتي قد ايه لما حضرتك كلمتني انا أصلا كان نفسي اشوفك من مده بس المشغوليات بقي الاسف واخذاني شويه


قاطع حديثه طرق الباب و دلوف الضابط إليهم واقتربت يتطلع باعين مقضبه الي ذلك الجالس أمام مكتب رشوان بقصره القائم ليقترب منه بخطوات متمهلة وجلس أمامه بينما ابتسم رشوان وهو يقول بود


=متشكر يا حمزه انت كمان كنت واحشني وكان نفسي اشوفك، انت عارف انا حبيت طريقتك في التعامل في الشغل واعجبت في تفكيرك في المواضيع انك بتفكر قبل اي حاجه بشكل انساني.. عشان كده لما لقيت نفسي محتاجك اتصلت بيك على طول وجيت في دماغي انت اول واحد


هز حمزه رأسه بابتسامه قائلاً بكياسه 


=ده شرف كبير قوي لي.. بس هو انا ما فهمتش لحد دلوقتي وحضرتك ما ادتنيش تفاصيل او اي معلومه في التليفون عن الموضوع ..وان ممكن اساعد حضرتك ازاي؟ 


زفر الضابط بضيق وهو يرفع ويبتعد الاوراق التي امامه المنتشرة علي المكتب قائلاً بجمود


= تسمح لي انا يا سياده الضابط اشرحله الموضوع بالتفاصيل عشان كمان اقول له هو مطلوب منه ايه واللي مفروض ينفذه بالحرف الواحد زي ما هنقوله، واي مخاطره في الموضوع احتمال يكون في مساله قانونيه عليه 


شعر حمزه بتوتر عدة لحظات فور رؤيته له يتحدث هكذا ولكنه ابعد افكاره تلك مجيبه اياه بقلق


=هو انا كده ابتديت أقلق هو في ايه بالضبط 


اختطف الضابط كوب القهوه الخاصة به من فوق الطاولة قبل ان يستدير الي حمزه مغمغة بحدة واقتضاب


=هو فعلا لازم تقلق عشان الموضوع ما فيهوش هزار ولازم تنفذ كل إللي هطلبه منك بالحرف و مش عاوزين الصحافه تاخد خبر بالموضوع خالص لحد ما نعرف تفاصيل القضيه احنا الاول ولا حتى انت تنشر اي حاجه غير لما اديك الاذن.. اسمع بقى الموضوع وركز معايا


عقد حمزه حاجبيه بدهشة وقلق ثم نظر إليه باهتمام بالغ وهو يستمع إلى حديثه وبعد ساعة انتهاء من شرح القضيه وطلب ريحانه الغير مرغوب له، ليعرف حمزه لماذا احضروا إلي هنا... ظل حمزه صامتاً قليلا ثم قال وهو علي وجهه ترتسم ابتسامة خفيفة


=يعني حسب اللي فهمته منكم انتم عاوزيني كمحقق مع البنت اللي قتلت عمها دي، مش مساله صحفي بقى عشان اعرف ليكم الاخبار منها مش كده؟ طب هو انا هيكون عليا اي مسؤوليه لو رفضت الموضوع من البداية؟ 


تحولت ملامح الضابط بحده بينما يرمقة بغضب، وغمغم رشوان هو يمرر عينيه بيأس إليه


=وانت ليه بس يا حمزه مش موافق و اللي يخليك ترفض ومش عاجبك في الكلام انت 

هتساعدنا وبعد كده ليك مطلق الحريه تنشر 


ليكمل الضابط مؤكدا على حديثه بحده وهو يزمجر بتحذير قوي


=بس زي ما قلتلك مش هتنشر حاجة زياده إلا إللي انا اقول لك عليه وبس 


التقط حمزه نفساً طويلاً محاولاً السيطرة علي غضبه وحتي لا يجيبه بطريقة تناسب طريقته المتعجرفة معه.. لينجح بالنهاية بالسيطرة علي غضبه مجيباً اياه بهدوء


=الموضوع مش حكايه هنشر الموضوع عشان اعمل صفقه صحفيه واتشهر وخلاص، اكيد استاذ رشوان قال لك ان ده مش تفكيري بس الموضوع كله مش عاجبني انا شغلتي صحافه وبس وانقل الاخبار بس وانا حر مش مقيد.. صحيح من التفاصيل اللي انت حكتهالي دلوقتي واضح القضيه شكلها كبيره وتستحق بس انا للاسف مش بحب اشتغل بالطريقه دي واكيد هتلاقوا 100 واحد غيري يقبل بالموضوع 


تنهد رشوان بإحباط فور سماعه ذلك غمغم سريعاً بقله حيله


=بس احنا دلوقتي مش لاقين حد غيرك وانا مش واثق غير فيك يا حمزه اي صحفي ثاني هيسرب الاخبار على طول للصحافه ساعتها مش هنعرف نسيطر علي الموضوع عشان لحد دلوقتي مش عارفين هي هتحكي ايه وهيكون ينفع يتنشر ولا لا؟ والموضوع ممكن يضرنا احنا كمان ولا لاء؟ وبعدين زي ما قلنا لك هو ده شرط البنت انها تحكي 


هز رأسه حمزه بتفهم ليقول بجدية 


=تمام انا مع حضرتك في كل ده وانا ممكن كمان اجيبلك حد واضمنهلك انه مش هيطلع الاخبار بره.. بس مش عاجبني ان احنا نضحك علي الانسه او المدام اللي قتلت عمها دي وادخل عليها كـ صحفي هيساعدها ويخليها تحكي ومن ناحيه ثانيه اسرب لكم الموضوع اول باول.. و أنتم اول ما تعرفوا التفاصيل الاولى هتجروا على طول تحكموها من غير ما تعرفوا القصه كلها.. ساعتها هتعند اكثر وتخش في حكايه انها ما تحكيش ولا تتكلم ومش هتثق فيكوا ثاني.. وبعدين طالما هي رغبتها في الاول تحكي كل حاجه الاول للصحافه اكيد هي عندها خبر ومش بالغباء ده اني مش هقول لكم التفاصيل وشكل دي مش شاغلها ولا مهتمه انكم تعرفوا.. 


أجاب الضابط وهو يرمقة بسخرية لكنه تأفف بحنق مطلقة كلماته بنفاذ صبر قائلا


=ممكن تختصر كلامك وتقول عاوز ايه بالضبط و اللي مخليك رافض تساعدنا.. لاني مش فاهمك بصراحه دي متهمه وقتلت بتدافع عنها وشايل هم ان احنا هنضحك عليها ولا لاء ليه؟ 


تنهد بينما يراقب ذلك الضابط الذي جالس أمامه بوجه متجهم و الغضب يرتسم عليه هز حمزه رأسه نافياً قائلاً بهدوء 


= انا مش بادافع عنها ولا حاجه.. و بهدوء كده وجهه نظري وانا مش بتشرط عليكم زيها ولا حاجه.. بس بحاول افكر معاكم في الموضوع، ايه اللي هيخلي واحده زيها وهي خلاص عارفه ان ممكن في اي لحظه هيتحكم عليها حكم بالاعدام وما فيش مفر، تطلب طلب زي ده؟.. وإنها مش بضيع وقت زي ما حضرتك بتقول ما في النهايه بعد تضييع الوقت برده الحكم هيتنفذ عليها ..وهي اكيد مش عامله كل الصداع ده على الفاضي وفي فعلا حاجه مهمه والموضوع كبير عشان كده هي عاوزه تحكي للكل.. فانا اللي عاوز اخذ رايك فيه ان احنا نستناها لما تخلص الحكايه بالكامل حتى لو هتحكي تفاصيل زي ما انت قلت بنفسك مش مهمه في القضيه بس ممكن تهم غيرك.. يعني معلش اللي انا حسيته من كلام حضرتك انك اول ما تاخذ منها اعترافات ودليل انها قتلت ليه؟ هتقفل القضيه على كده ومش هتفرق معاك التفاصيل الثانيه اللي هي مصممه تحكيها للصحافه وللعالم.


ضغط الضابط علي فكيه بقوه وهو يحاول التماسك حتي لا ينفجر ما في صدره به فهو لا يعجبه الأمر من البدايه، ليشعر حمزه بغضبة ليهتف محاولاً استمالته و امتصاص غضبه هاتفاً بلين


=اعتبري يا سيدي حتى دي امنيتها الاخيره هو انتم برضه مش قبل ما تعدموا حد بتسالوه نفسك في ايه قبل ما يموت وبتحققوه.


***

أطلق إسماعيل سؤاله بقلق ، وملأت لهجته الحيرة نبرة صوته عندما لاحظ صمت أحمد طال خطيب  ابنته ريحانة ، ولولا جريمة ريحانة لكانت زوجته الآن.


=مالك يا ابني هتفضل ساكت كثير عاوز تقول ايه ومتردد كده 


مط أحمد شفتيه السفلي للامام بتلعثم وقلق ثم قال بصوت متردداً


=انا مش عارف ابدا منين الكلام يا عمي بس بصراحه ريحان حطيتنا كلنا في وضع صعب جدا واللي مصعب الموضوع اكثر انها مش عايزه تتكلم ولا حتى تقول  مبرر واحد يخلينا حتى نسامحها ، حتى لما طلبتني في الزياره فكرت انها هتتكلم أخيرا وكان عندي امل بس خيبت املي في الحقيقه لثاني مره.. وهي بصراحه في اخر الزياره طلبت مني اني اشوف حياتي و انساها


ليحرك رأسه برفض واسرع بالقول ناهي باعتراض غير حقيقي وهمية قائلا 


=بس انا اكيد مش هعمل كده يا عمي واسيبكم في ظروف زي دي و... 


اخذ اسماعيل نفس عميق ليقول بعد تنهيدة يقاطع حديثه بصوت صارم


=اسمع كلامها يا احمد وسافر ..خلاص يا ابني الظاهر ان فعلا ما كانش ليكم نصيب في بعض والحكايه انتهت لحد هنا.


لوي أحمد شفتيه متعجبًا من حديثه وسلوكه ، وكان محرجًا في نفس الوقت عندما كشف إسماعيل عن نيته بالابتعاد عن ريحانة وتركها في تلك الظروف ليوفر اسماعيل عليه تلك الخطوة ، بينما عقدت نشوي حاجبيها حين كانت تجلس بجانب اسماعيل و تتابع الحديث بوجه باكي مصدوم بحزن..


ثم نظر اسماعيل إلي زوجته ليجد اثار دموع في عينيها البنية وعلي وجهه ملامح الألم محمله بخيبه الامل و قال لها زوجها بنبرة غاضبة ولهجه أمر


=نشوى قومي هاتيله حاجته والدهب يلا من جوه ، ربنا يوفقه في حياته ويعوضة بالاحسن أن شاء الله


***


في اليوم التالي، فتحت احدى السجانات باب العنبر ودعت بصوت عالي "ريحانه عبد الرحيم" دب الفزع في أوصالي لكني لم اظهر ذلك بدلته بملامح جليديه وانتفضت على صوت السجانة تامرني بالقدوم ،هب جسدي بملامح شاحبة وأنا انهض واتحرك داخل العنبر 

و أمسكت بي السجانة بقسوه متوجهه بى الى الضابط المناوب الذي أمر السجانه بتركي معه بمفرده.. تفحصني بنظرات جامدة و ملامح وجهه كانت متهجمة، وبعد فتره ليست بالقليله تحدث قائلا بخشونة 


= البيه المامور وافق على طلبك وشويه والصحافه على وصول وادينا نفذنا طلبك وانتي كمان مطلوب منك تنفيذي وتحكي اللي حصل وتتكلمي. 


فور سماعي كلماته تلك شحب وجهي بشدة وقد تجمدت الدماء بجسدي وظليت صامتة اتطلع اليه باعين متسعة ممتلئة بالفزع حيث لم اصدق ان بهذه السهولة وافقوا! تسارعت نبضات قلبي خوفاً فور إدراكي بان الجميع سيعرف قصتي كما اريد؟ اخذت ضربات قلبي تقصف داخل اذني من شدة الخوف والقلق فردت الفعل بعد أن أتحدث بالتأكد لم تكون جيدًا! اخفضت رأسي محاولاً إيجاد طريقة للخروج من مأزقي ، لكني لم أجد! صحيح اني اريد ان يعرف الجميع حقيقتي وأنني ليست مذنبه بل الضحيه! لكن خائفه من القادم ثم هززت رأسي ببطء مستسلمة لما سيأتي


ضغط على الجرس الموجود بجانبه وأتى إليه احدى السجينات و امرها بان تضعيني في غرفة أخري بجانبه عليها حراسة فهمت أن المقابلة ستتم هنا داخل هذه الغرفة الصغيرة.. نظرت حولي عدد لحظات لي أري غرفة صغيره جدا طولها وعرضها لا يتجاوز مترين ونصف وغير صالحه لاستخدام الآدمى لا يوجد بها سوى طاولة متوسطة الحجم وكرسيان أمام بعضهما وفي النصف الطاولة ... ثم رأيت لوحًا زجاجيًا كبيرًا داخل الحائط! لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لمعرفة ما كان يحدث وراء ذلك ، لكنني لم أهتم ، ولم أتفاجأ أيضًا


مرت ساعة وأنا منهمكة تماماً في التفكير حتى أني تغافلت عما كان يشغلني ، ولَم انتبه الا عندما سمعت طرقات علي باب الغرفة وصوت أحدهم يتحدث مع العساكر الذي يقفوا في الخارج علي باب الغرفة... شعرت بالارتباك بضع ثواني ثم أنبت نفسي علي خوفي الدائم و التخاذل سريعاً هكذا ، وحاولت التماسك او هكذا هيئت لي نفسي 


بضع ثواني تفصلني عن قول الحقيقه اخيرا دقات قلبي كانت تتسارع لتعلن الحرب عليه ، معدتي تنكمش من الداخل كأنها تريد أن تعتصرني الا يكفيني ما أنا فيه ، انخفض بصري و استمريت اتطالع أمامي في الفراغ وكأنه طوق النجاة لي ، حتي سمعت صوت شخص وهو يتحدث بصوت منخفض في البدايه لم أهتم ولا أسمع شئ منه! 


أجفلت جفني ووجلت نبضات قلبي في وهن وشعرت بأني سانهار ،ولكني كنت علي علم بما سيحدث و لَم يكن عليه سوى أن اعيد لذهني لمحات من الواقع ، وأنا ارفع بصري نحوه بهدوء شديد وثبات لاجد شاب في مقتبل العمر السابع والعشرين تقريباً بجسد عادي ليست رياضي او مفتول العضلات وملامحه شديدة الوسامة .. ولديه شعر بني طويل يصل إلي مؤخرة عنقه.


تقدم وجلس في الكرسي المقابل ، وهو يجول ببصره في المكان بعدم رضي ثم قال 


=مساء الخير، انا الصحفي حمزه العطار إللي ان شاء الله هتابع معاكي وانشر قصتك 


لم أجبه واتسعت عيناي بدهشة وغضب ، لأني أردت شابة صحفيه وليس شابًا! أنا لا أريد أتعامل مع الرجال ، فلا ينقصني ذلك. هربت منهم في الخارج لأجده أمامي هنا؟ أما حمزة فقد شعر بالإحباط والزعل عندما شاهد فتاة حسناء في العشرينيات من عمرها داخل الحبس فقد أضاعت مستقبلها بنفسها، هتفت بهجوم قائله 


= انا طلبت صحفيه مش صحفي راجل؟ انا عاوزه بنت او ست كبيره ذيي مش أنت! 


عقد حاجبيه باستغراب وقد شعر بالدهشة وهو يجيب عليه قائلا


=طب وهي هتفرق في ايه معاكي اذا كنت راجل ولا ست؟ ما انا في النهايه هاساعدك واعمل اللي انتي عاوزاه وانشر قصتك للناس


ضغط على أسناني بضيق شديد بينما تنحنحت بخشونة قبل ان اغمغم بحدة واقول


=مش عايزه اتعامل مع جنس راجل اهو كده وخلاص ممكن لو سمحت تقول ليهم يبعتوا لي واحده ست 


صمت ثواني ونظر إليه قبل أن يتحدث قائلا بهدوء


=انا اعتقد لو خرجتي من هنا وما قلتيش حاجه مش هيسمعوا كلامك وهفتكروكي انك قصده تحوري وتعملي من اي حاجه مشكله عشان تضيعي وقت زي ما هم فاكرين برده لما طلبتي الصحافه تتدخل في الموضوع.. معلش تعالي على نفسك واتعاملي معايا ولو شفتي مني اي حاجه تضايقك اطلبي مني بكل هدوء تاني وانا اللي هامشي من غير اسئله.. تمام


صمت وأنا أشعر أن الحق معه فأنا لا أريد أن تضيع هذه الفرصة فهم لم يعطوني غيرها بالتأكيد للحديث، أفقت علي صوته قائلا بجدية


=ده لو فعلا يعني مشكلتك تستحق تتنشر وانتي فعلا عاوزه تتكلمي مش بتضيعي وقت زي ما حضره الضابط واللي معاه فاكرين كده.. فـ متهيالي الوقت اللي هيضيع هيكون مش لمصلحتك انتي الوحيده إللي فينا بالذات


نظرت إليه نظرات ميلئة بالغضب فهكذا يعتقد الجميع اني اخترع قصص وهميه لتضييع الوقت لا اكثر! اذا عندما اتحدث بالحقيقه ماذا سيقولون؟ ..تنهت بانفس متثاقلة وعيناي ملتمعة بالدموع وأنا اهمس بألم و خوف


=وانا اللي هيخليني اعمل كده واضيع وقت ما انا عارفه كويس اني سواي اتكلمت او ما اتكلمتش! حكم الاعدام هيتنفذ وانا خلاص وصلت للمحطه الاخيره في الحياه.. بس فكرت ان ما ينفعش بعد ما اموت تفضل الناس تفتكرني بالسيره الوحشه وتظن فيا الظن الوحش.. ما ينفعش افضل طول الوقت انا الوحشه وهم الكويسين الملائكه وتفضلوا تدعوا لي بالرحمه والمغفره وأنا اللي تدعوا عليا


ثم نظرت إليه بعيناي متسعة بالارتباك بينما الوى أصابع يدي بتوتر وضعف


=وغير الاهم من كل ده مش عاوزه حد يعيش نفس تجربتي او هو فعلا عايش نفس التجربه ومش لاقي حل زيي ولا عارف يعمل ايه ولا يتصرف ازاي؟ 


تسارعت انفاس حمزه و احتدت بشدة و هو يراقبني باهتمام و يسمع كل كلمة مما اقولها لكن لم يفهم الحقيقه التي اتحدث حولها؟ لكنه شعر بالغموض نحوي حين كنت أتألم بشكل جعل قلبي يرتجف خوفاً ولم اتحمل وانفجرت باكية وجسدي يهتز بقوة و قد بدأت اتذكر ذكريات من الماضي الاليم وجزء من معاناتي و محاولاتة في لمس جسدي! همست برعب وبتانيب ضميري رغم ما كان يفعلة معي


=مع اني عارفه ومتاكده ان انا شبه هفتح عليا ابواب جهنم وهعذب ناس معايا لما يعرفوا الحقيقه وفي اللي مش هيصدقني اصلا .. رغم عارفه برضه ان انا غلطانه لما لجات للحل ده وقتلت 


توقفت عن الحديث لحظات لاخذ انفاسي بصعوبه من كثره بكائي ثم تابعت حديثي وضمت يدي الي صدري هامسة بصوت مرتجف و الخوف يملئ عيناي بينما جسدي يهز بقوة وقلت بنبرة متألمة 


=بس عاوزه اريح ضميري ممكن كلامي يفيد ناس و ربنا يغفر لي اللي انا عملته رغم انه الوحيد إللي شاهد وعارف انا عملت كده ليه و كانت نيتي ايه.. وأنا إللي ضحيه مش هو!!. 


شعر حمزه في تلك اللحظه بالحيره والشك نحوي وهو لا يعلم هل اتالم بالفعل ام احاول اسير عاطفته ومع ذلك حمحم قائلا


=تمام اتفضلي انا سامعك عاوزه تحكي ايه؟ وايه اللي عاوزه تحذري الناس منه من قصتك.. احكي وصدقيني لو فعلا مظلومه او نيتك خير زي ما بتقولي انا هساعدك وانشر قصتها.. يلا هتبداي تحكي من اول فين؟ 


امتلئ قلبي بالألم شاعرة لأول مرة في حياته معنى انه اكون ضعيفه و اعاري نفسي امام المجتمع حتي اثبت براءتي! أو دوافعي لفعل ذلك، همست بصوت متحشرج ملئ بالألم


=عندك وقت طويل تسمعني عشان الحكايه بتدات من وانا عندي خمس سنين.. آآ مالك سكت ليه؟ 


رفع رأسه وتطلع فيه قليلا وهو يحاول فهمي جيدا وقال بحيره 


=ابدا بحاول افكر اللي ممكن يكون حصل لك وانتي في السن ده عندك خمس سنين.. سن صغير جدا على انك توعي للحياه واللي بيحصل 


أجابته وانا امسح بيدي علي وجهي مزيلة الدموع العالقة بوجع اشعر بي داخلي حين بدات ارجع بذاكرتي من البدايه فقد كانت جميع الأحداث مرهقه و استنزافت نفسياً اكثر من جسدياً... انسابت الدموع من عيناي بينما شعور من الخوف يقبض على جسدي

و بعد عدة دقائق... قلت بصوت مختنق لاهث 


=نصيحه مني ما تحاولش تفكر في اي حاجه هحكيها ليك او تخلي عقلك يودي ويجيب لاني مهما تحاول تفكر كتير هتجيب كل اسباب إللي في الدنيا الا الحقيقه اللي انا هحكيها دلوقتي.. عمرها ما هتخطر على بالك لا انت ولا هم؟ 


تنهد بقله حيله وإحباط من فهم ما أحاول الوصول إليه وقال مستسلم


=طب ما تحاولي ترضي فضولي وقولي اللي حصل وانا هحاول ما افكرش كتير واركز معاكي من البدايه. 


ضميت بيدي حجابي بأحكام أكثر أعلي راسي وشعرت بالخجل والتوتر كان شعور مرير بالعار وكاني ساعري نفسي امام الجميع .. ثم نظرت إليه بتردد قليلا وكان بيني وبين نفسي حروبٌ صامتة حاولت أن أبدأ بالسلام لتنتهي المعركة داخلي وبدات بالحديث.


الفصل السادس والسابع والثامن من هنا


بداية الروايه من هنا


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇 


روايات جديده هتعجبكم من هنا


أجدد وأحدث الروايات من هنا


روايات كامله وحصريه من هنا




وكمان اروع الروايات هنا 👇


روايات جديده وكامله من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

إرسال تعليق

أحدث أقدم