هل الضربه قاضيه الفصل السابع والفصل الثامن بقلم نهال عبدالواحد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
هل الضربه قاضيه الفصل السابع والفصل الثامن بقلم نهال عبدالواحد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
انتهت حبيبة من حمامها، ارتدت ملابسها ووقفت أمام المرآة تصفف شعرها بهدوء وهي جامعة خصل شعرها الطويل على إحدى جانبيها، تمشطه وعيناها شاردة بعض الشيء؛ لا زالت تسيطر عليها تلك المعضلة، الشقة والسكن.
تنهدت وهي تغمض عينيها ثم أخذت نفسًا عميقًا، وبعده جمعت شعرها للخلف بمشبك شعر، جمعت أشياءها في حقيبتها، عدّلت هيئتها ثم خرجت.
وبينما هي تخرج كان رياض خرج من الباب المقابل لها، سارت بضع خطوات ثم توقفت والتفتت نحوه وهي تضيق عينيها قائلة: كنت بتتمرن فين؟
فأجابها بوجهٍ مبتسم: أنا أصلًا بروح جيم.
فأومأت برأسها نافية قائلة: مش ده قصدي، مستواك بيقول إن دي مش أول مرة تلعب بوكس.
فأجابها بنبرة عادية: من زمان لعبت فترة، كنت ناوي أدخل الكلية الحربية أو شرطة وبعد كده ما قبلتش زي معظم اللي بيتقدموا، فوقّفت.
فضمت ساعديها أمام صدرها قائلة: وإيه اللي فكرك بالتمرين تاني؟!
فأجاب ببعض الاستخفاف: يعني، تقدري تقولي طأت ف دماغي.
فأومأت برأسها في عدم تصديق، ثم وقفت تفتح حقيبتها ويبدو عليها تبحث عن شيءٍ ما.
لم تكن تنتبه لتلك العينين المحملقتين فيها، ليس فقط الآن بل منذ أن ظهرت أمامه من الباب المقابل له، بدا وجهها بعد الحمام صافيًا لأقصى درجة، لا زال تائهًا في رحلة بحثه عن هوية لون عينيها بالتحديد، لكنه لاحظ بعض النمش على وجنتيها، كم هو رائع حقًا! وأيضًا لمح هذه العروق الخضراء على جانبي جبهتها وطول ذراعيها ويديها، فكأن بشرتها ليست شديدة البياض فحسب بل أيضًا شفافة!
كما لاحظ جمال رسمة عظمة ترقوتها التي ظهرت من فتحة ملابسها وجمال عنقها الطويل، كم تمنى لو يدفن وجهه فيه مثلما تكون في منامه، لكنه كلما همّ بتقبيل تلك العنق الرائعة شديدة البياض وجد نفسه وقد استيقظ! أيضًا كلما همّ بتقبيل هذه الشفاه الكرزية وجد نفسه وقد استيقظ!
فهو لا ينالها في صحوه ولا حتى في منامه، لكنها تبدوان شهيتان للغاية وشديدتا الحمرة رغم عدم دهانهما بطلاء شفاه.
يا ويلتك يا رياض! ستهلك حتمًا بسبب أفكارك المنحرفة هذه، احترس! فلو علمت الآن لأين تذهب عيناك ولأين يذهب فكرك، ربما لم يتبقى لك جسدًا ليُنقل إلى المشفى!
كان شاردًا فيها خلال تلك اللحظات؛ يعاني من جمالها و قربها أيضًا، لكن ما أن تصور أنها يمكن أن تقرأ أفكاره حتى حرّك رأسه نافيًا بشدة مغمضًا عينيه ضاغطًا بإصبعيه على أعلى أنفه قائلًا بصوتٍ مسموع: لا لا لا لا...
فانتبهت لصوت كلماته ورفعت ناظريها إليه فرأت حالته فتفاجأت بذلك وانزعجت وقالت مشفقة: مالك بس! عارفة إن شديت عليك ف التمرين بس والله سرحت وما اخدتش بالي!
ففتح عيناه ونظر لها ببلاهة لا يستوعب الموقف؛ فخشيت عليه أكثر وأمسكت بساعده وذراعه وتحركت به لأقرب مقعد قائلة: تعالى بس، اقعد وارتاح، شكلك جالك هبوط، حقيقي آسفة!
إهدئي يا حبيبة مع من تتحدثين؟! لقد قُطعت كل وصلات التواصل بالعالم الخارجي من حوله، هو الآن خارج نطاق الخدمة! لكنها أمسكت برسغه تتحسس نبضه وبيدها الأخرى تتلمس جبهته لتستكشف درجة حرارته.
هذا كثير يا فتاة! ماذا تفعلي؟ اتركي الرجل وشأنه! أنت لا تدركي أبعاد هذا القرب ولا ذلك الذي تفعليه مصحوبًا بكل تلك الشفقة، لقد ذهب عقل الرجل في رحلة بلا عودة!
فلا زال على وجومه وبلا حراك، هو فقط يفتح ويغلق عينيه ليتأكد إن كان منامًا أم واقعًا، لكنها لم تفهم سوى أنه يعاني بسببها، ففتحت حقيبتها، وضعت بعض من عطرها ومسحت بأطراف أصابعها الناعمة حول أنفه.
لكن لا سبيل ليستعيد وعيه الآن، بل إنك تدفعين به ليغوص أكثر في أوهامه وتهيؤاته!
فقالت بخوف: يا أخي فوق الله لا يسيئك! والله ما كنت أقصد!
يبدو أنه قد حدثت المعجزة وبدأ رياض يستعيد رشده أخيرًا، رجاءً لا تسبوه والتمسوا له العذر؛ فقد حدث خلل داخل عقله وجاري التعديل.
بدأ يقول بصوتٍ مختنق: أنا كويس، مفيش حاجة.
لكنها حبيبة فتحت حقيبتها وأخرجت منها زجاجة بلاستيكية صغيرة وقدمتها له قائلة: أشرب شوية، ده زبادي بالعسل والشوفان، هيديك طاقة.
آه لو تعلمي سر حالته لقدمتي إليه سم فئران على أقل تقدير، لكنها صاحت بملء صوتها: كابتن إبراهيم! كابتن إبراهيم!
فجاء ذلك الشخص الذي كان معه منذ البداية وقام بتعريفه عليها مسرعًا في خطاه متسائلًا: في إيه يا بيبو؟
فقالت بخوف: تعالى شوف ماله ده! داخ مني ومش عايز يفوق.
فقهقه الرجل وقال: أقل واجب بعد ما سحلتيه.
فقالت بنبرة نادمة: والله ما أقصد! أنا بس سرحت، يا أخينا إنت فوق ما تشيلنيش ذنبك.
فأجابها بهدوء: ما جراش حاجة أنا كويس.
فألحت عليه في تقديم مشروب الزبادي ثم قالت وهي تنظر إلى ساعتها: طب إشرب ده عشان تفوق، وخليك ما تتحركش ولا تسوق طول ما انت كده، معلش سامحيني مضطرة أمشي، أصل الشيفت بتاعي هيبدأ الساعة تلاتة.
ثم وجهت حديثها للمدرّب الكبير: معلش يا كابتن إبراهيم مضطرة أمشي، حضرتك عارف.
فأجابها: ماشي يا بنتي روحي إنت وأنا معاه.
فقالت مبتسمة وهي توجه حديثها لرياض: خلي بالك من نفسك، وما تسوقش غير لما تفوق يلا سلام!
وغادرت مسرعة وهي كل لحظة تنظر إلى ساعتها، بعدها عاد رياض أخيرًا لطبيعته، فأسرع إليه إبراهيم: بآيت أحسن!
فأومأ رياض: أنا والله كويس!
- طب اشرب وما تكابرش.
ثم قال له: والله هي طيبة! بس ظروفها صعبة شويتين، هي مش قصدها تشد التمرين عليك للدرجة دي.
- ما جراش حاجة، أنا كويس هي بس كبرت الموضوع.
نترك رياض مع ليلته هذه حيث تشنجت عضلات جسده بالكامل وآلمته بشدة من أثر تلك التمارين العنيفة لدرجة لم تمكنه من النهوض من الفراش مع التأوه باستمرار.
ظل رياض في البيت عدة أيام لا يخرج ولا حتى إلى عمله، وبالطبع قد جاءه إيهاب ليجده في حالته تلك وقد أنهكت كل عضلاته.
فقهقه بملء صوته قائلًا: كتك خيبة فضحتنا، كل ده عشان حتة تمرين أعمي!
فقال رياض بتأفف: يا بني بقولك سحلتني وهدت حيلي ف التمرين.
فقال إيهاب ولا زال متهكمًا: وإيه اللي فكرك بالملاكمة؟!
فقال بنفاذ صبر: يا أخي طأت ف دماغي.
فقهقه مجددًا وقال: يبقي إشرب يا حلو.
مرت عدة أيام ولم يجئ رياض إلى التمرين في أيٍ من مواعيده، كما لم يجئ حتى في ذلك المحل مكان عملها.
و ذات يوم جاء رياض وإيهاب إلى المطعم، جلسا على إحدى الطاولات، وما أن لمحتهما حبيبة حتى أسرعت نحوهما حاملة دفترين من قوائم المأكولات والمشروبات.
اقتربت حبيبة مقدمة الدفترين وقد صفقتهما على الطاولة أمام رياض تحديدًا وقالت بابتسامة مصطنعة: مساء الخير يا فندم.
بالطبع انتفض رياض و إيهاب فصاح إيهاب باستنكار: جرى إيه يا آنسة! دي طريقة دي!
فتجاهلته وقالت موجهة حديثها لرياض: ما حدش شافك من يوميها يعني!
فأجابها رياض متلعثمًا: معلش كان ورايا شوية حاجات كده.
لكن إيهاب تابع الموقف بخبث قائلًا مقهقهًا: الحاجات دي عبارة عن تمرين راحه وعدمه العافية.
فأجابت باستهزاء: ما كانش شوية هبوط ده !
فأكمل إيهاب : هبوط إيه! ده كان مدغدغ، أصله راح يتمرن ملاكمة ووقعه حظه ف حتة كابتن مدعوءة سحلته وطلعت البلا على جتته.
فركله رياض بقدمه من أسفل الطاولة، فقهقه إيهاب قائلًا: إيه قولت حاجة غلط!
فقالت حبيبة بتهكمٍ ممزوجًا بالغضب: وانت ما روحتش ليه معاه عند المدعوءة دي؟!
فقال: لا مليش ف القصص دي.
- ليه؟! ده حتى جسمك يساعدك علي اللعبة وهيفرق معاك على فكرة.
فقال بتهكم: يا شيخة بلا هم، ناقصين عاهات إحنا.
فقال رياض ضاحكًا: إيهاب، أعرفك، كابتن حبيبة القاضي، بطلة مصر وأفريقيا في الملاكمة.
فوجم إيهاب فارغًا فاه وتمتم وهمهم ثم تلمس وجنتيه برفق ليتأكد من سلامة وجهه وأن كل ملامحه في مكانها وتتمتع بكامل صحتها.
[٣٠/١٢/٢٠٢٤, ٩:٠٦ م] نهال عبد الواحد: (الفصل الثامن)
بقلم نهال عبدالواحد
قال رياض ضاحكًا: إيهاب، أعرفك، كابتن حبيبة القاضي بطلة مصر وأفريقيا في الملاكمة.
فوجم إيهاب، فرغ فاه وتمتم وهمهم متلمسًا وجنتيه برفق ليتأكد من سلامة وجهه وأن كل ملامحه في مكانها وتتمتع بكامل صحتها.
بدأ يتلعثم ويزوغ بعينيه يمينًا ويسارًا، ثم قال بتهتهة مقطّعًا كلماته كأنّه حديث عهد بالكلام: أهلًا يا كابتن، حقيقي مفاجأة.
فابتسمت حبيبة ابتسامة مصطنعة للغاية، بل هي لا يمكن أن يقال عنها ابتسامة على الإطلاق!
استدارت عنه والتفتت لرياض قائلة: طب يا كابتن تقدر تروح تسترد فلوسك.
فنهض رياض واقفًا متسائلًا بدهشة: ليه بس؟!
أجابت بجدية: مادمت مش هتكمل يبقى تاخد فلوسك، إنت كنت حاجز برايفت يعني أولى بفلوسك.
- لا لا، هاجي إن شاء الله، آسف جدًا عن غيابي بدون سبب.
كان يتحدث إليها ناظرًا داخل عينيها، ثم فجأة نظر خلفها في نظرة أبعد ثم لوّح بيده مبتسمًا لشخصٍ ما، فالتفتت حبيبة تلقائيًا تنظر خلفها لحيث ينظر.
كان مصطفى، زوجته دينا ومحمد طفلهما الذي لم يكمل عامه الأول جالسًا في عربته الخاصة.
رفع رياض صوته مازحًا: درش! دي مواعيد دي!
فتقدم مصطفى نحوه ليصافحه بابتسامة عريضة: ما انت ما جربتش يبقى معاك ست بتلبس ف ساعتين وطفل كل ما يلبس يا إما يكب حاجة على نفسه يا يعملها على نفسه يا يلعب في أي حاجة ويبهدل نفسه وفي جميع الأحوال يغير من أول وجديد!
وقهقه وهو يسلّم على رياض وإيهاب اللذين يضحكان بدورهما، فأجابه رياض: ولا عايز أجرب يا أخي الله الغني! فليحيا العزوبية!
وقهقه ثلاثتهم في حين نظرت له حبيبة باستنكار وتأففت واستدارت بوجهها عنه، وقد لاحظ رياض نظرتها تلك.
بينما تقدمت دينا زوجة مصطفي وكانت امرأة بضة قصيرة القامة خمرية البشرة، لها شعر داكن تجمعه للخلف وعينين داكنتين، فقالت بمزاحٍ: بأه بعد السنين دي يا رياض جاي تهدي النفوس!
ثم مدت يدها تصافحهما: إزيك يا إيهاب؟! عاش من شافك يا رياض.
وقفوا يتبادلون التحية والسلامات بينما رياض متابعًا لحبيبة التي انحنت نحو عربة محمد الطفل تداعبه، والذي بدوره ما أن لمحها تقترب ناحيته اهتز بتحفّز مصدرًا أصوات مناغاةٍ وقهقهاتٍ بسعادة.
جلست نصف جلسة أرضًا وهي تداعبه وتعبث بوجنتيه وشعره برفق، ولا زال يتراقص لها ذلك الطفل بسعادة، وهي تقترب مقبلة يده الصغيرة التي تمسك أحد أصابعها، فتح فمه يمده نحوها فاقتربت منه فوضع فمه على إحدى خديها وكأنه يقبلها.
ابتسم رياض إبتسامة عريضة من ذلك المشهد واقترب من ذلك الطفل وجلس جوارها محاولًا مداعبته مثلها، وما أن اقترب بخده هو الآخر ليفعل مثلما تفعل حبيبة.
لكن المفاجأة! لقد لطمه الطفل بقوة على خده ثم أخذ يجذبه من شعيرات لحيته رغم كونها خفيفة ومهذبة؛ لكن تلك الأصابع الصغيرة لها قدرات خارقة في التقاط وإمساك الأشياء الدقيقة، وأيضًا إحداث خدوش مؤلمة.
نهضت حبيبة مسرعة تضع يدها على فمها محاولة كتم ضحكاتها من هذا الموقف، بينما ظهر على رياض الانزعاج ونهض واقفًا معدّلًا من هيئته مدلّكًا خده، بينما الآخرين تتعالى أصوات ضحكاتهم.
اقترب إيهاب قائلة بأسلوبٍ ساخر: لا لا يا رياض، شكلك مش مسيطر أبدًا.
فأجابه باقتضاب: مسيطر إيه و بتاع إيه! جرى إيه يا مصطفى ينفع كده!
فقهقه مصطفى وزوجته التي تتأبطه وقال: بكرة نشوف خلفك هيعمل فينا إيه!
فقال مومئًا برأسه مستنكرًا: لا لا لا، إنسى!
تابع مصطفى مازحًا: ده فاهم إنه هيخلف عيال متربية! هيطلعوا لمين يعني؟
فقهقه هو وإيهاب بينما رياض نظر بينهما واضعًا يديه في جيبيه وقال: خلصتوا خلاص!
فأكمل مصطفى ضحكه واتجه لحبيبة قائلًا: بيبو بصي عايزك...
و بدأ يملي عليها طلباته، بينما كان رياض متابعًا له، بمعنى أوضح متابعًا لحبيبة وكل تفصيلة تقوم بها، لكن الأمر لم يخفى إطلاقًا عن دينا، فقد رأته وترجمت تلك النظرات بسرعة.
انصرفت حبيبة بينما التفت مصطفى لهم مشيرًا بيده: يلا اتفضلوا، تعالوا نتكلم ف المكتب جوة.
واتجهوا بالفعل ناحية المكتب بينما اقتربت دينا من رياض لتصبح متوسطة بينه وبين زوجها، ثم قالت بصوتٍ خافت لرياض: هو إيه الحكاية بالظبط؟
فضم حاجبيه بدهشة: حكاية إيه!
وقد سمعهما مصطفى والتفت نحوهما وهو ماشيًا، فتابعت دينا بمكر: إنت وحبيبة... إيه النظام؟
- ولا حاجة! كل الحكاية إنها الكابتن بتاعتي بتمرني.
فزمت شفتيها قائلة بعدم تصديق وهي تمط الكلام: بتمرنك!
فتابعها متسائلًا: بتسألي ليه؟!
فتأبطت ذراع زوجها وقالت بلامبالاة: عادي، سؤال عابر.
دخلوا جميعًا لحجرة مكتب المدير، وجلسوا يناقشون موضوع الزي الجديد كما اقترح رياض من قبل، وبعد فترة طرق الباب فسمح مصطفى بالدخول، فدخلت حبيبة تحمل صينية بها أكواب طويلة من المشروبات المثلجة، كانت تبحث بعينيها عن فراغ لتضع فيه تلك الصينية؛ فقد امتلأ سطح المكتب بعدد من صور لنماذج ملابس مع دفاتر قماشية تحتوي على عيناتٍ للأقمشة.
فأشارت دينا لها لتضع الصينية على منضدة جانبية، وقد لاحظت توقف رياض عن حديثه ومتابعته لها بل نظراته الواضحة المتفحصة.
وضعت حبيبة الصينية ثم إستأذنت لتخرج لكن استوقفها فجأة نداء رياض لها: كابتن حبيبة، من فضلك.
فالتفتت إليه في دهشة تنظر بينه وبينهم في حيرة، فأمسك رياض بأحد الدفاتر القماشية لعينة القماش ونهض متجهًا نحو حبيبة.
وقال: إسمحي بعد إذنك، مش هعطلك كتير.
فوقفت مكانها ونظرت له بتساؤل، لكن سرعان ما كانت الإجابة...
وقف رياض أمامها مقرّبًا الصفحات القماشية لذلك الدفتر من كتف حبيبة بمحاذاة وجهها مقلّبًا تلك الصفحات ليرى المناسب والأكثر تناسقًا.
لكن مجددًا شرد رياض متفحصًا ملامحها من جديد، تلك الملامح التي حفظها تمامًا لكن لا زال يراجعها مؤكدًا على حفظها في كل مرة يراها.
ولا زال يحملق فيها مدققًا في كل إنش فيها، وتبدو حركة تفاحة آدم في عنقه من أثر ابتلاعه لريقه بتوتر، ثم انتبه لرائحة عطرها، كم كانت هادئة ورائعة! فأغمض عينيه تلقائيًا ليستنشق ذلك العبير.
كانت حبيبة تقف تشبك يديها معًا أمامها ناظرة أرضًا عندما اقترب منها هكذا ولم ترى كل هذه النظرات!
لكن دينا ترى وتتابع بمنتهى الدقة، فحالة رياض الهائمة تلك تدل على حالة حب مستعصية لدرجة كبيرة، وأكثر ما يزيدها صعوبة عدم اعترافه حتى الآن فلازال ناكرًا كل هذا!
ابتسمت دينا بهدوء وغمزت لزوجها هامسة: شايف، وبيكابر قال.
فهمس إليها هو الآخر محاولًا تمالك نفسه من الضحك: سيبيه براحته، خليها ترفع عينها وتشوفه وهنتفرج عليه كلنا.
قال آخر جملة بطريقة ساخرة، فأشارت دينا لزوجها بيدها أن انتظر بينما نهضت واقفة متجهة نحوهما.
تنحنحت قائلة لهما: بس في غلطة كده يا رياض.
فانتبه لكلامها فجأة فانتفض حتى أن دفتر العينات القماشية قد سقط أرضًا جوار ساقي حبيبة المصبوبتان فاستحيى أن ينحني لأسفل.
- قولتِ حاجة!
- في حاجة فايتاك، دلوقتي إنت بتشوف الألوان على وش حبيبة!
فأومأ برأسه أن نعم، فتابعت: بس مش هينفع كده، حبيبة بشرتها بيضا أوي ومفيش حد بشرته اللون ده هنا؛ يعني الألوان اللي هتختارها مش هتناسب باقي البنات.
فأومأ برأسه متفهمًا، فعادت لتجلس مكانها قائلة: عرفت خلاص هختار إيه!
انحنت حبيبة أخذت ذلك الدفتر من الأرض وتقدمت بضع خطوات وضعته أمامهم على سطح المكتب ثم قالت بصوتٍ خافت على استحياء: هو ده يونيفورم جديد ولا إيه!
فأومأ مصطفى: إن شاء الله، بس لسه أدامنا وقت.
فتهللت أساريرها وقالت بسعادة : طب الحمد لله، أصل اللبس ده تقيل أوي على قلبي.
فابتسم وقال: دي فكرة رياض، مش عاجبه اليونيفورم بتاعكم وعايز يغيره بيعمل شغل على أفانا!
فقهقه ضاحكًا وضرب كف إيهاب بكفه، بينما حملقت دينا بين رياض وحبيبة؛ تود الغوص داخل أعماقهما لمعرفة حقيقة شعور كل منهما للآخر...
يتبع
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺