أصوات صامتة الفصل الثاني ظلال الشك بقلم خوله محمد الفاتحي حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
أصوات صامتة الفصل الثاني ظلال الشك بقلم خوله محمد الفاتحي حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
حلّ الظلام تدريجيًا على المدينة القديمة، لتغرق الشوارع في سكون مريب، وكأنها تترقب ما سيحدث. ضوء مصابيح الشارع كان باهتًا، يلقي بظلال طويلة على الأرصفة المرصوفة، وتداخلت الهمسات بين الجدران العتيقة، حاملةً معها قصصًا قديمة وأسرارًا مدفونة. حسن كان يجلس في ركن المخبز، وجهه شاحب، وعيناه تائهتان بين الحقيقة والخيال.
حسن كان قاعد على كرسي خشب قديم، ماسك في إيده منديل وهو بيمسح العرق اللي نازل على جبينه. قلبه كان لسه بيدق بسرعة، وعينيه بتبص حوالين المخبز وكأنه مستني حاجة تحصل. الشرطة كانت منتشرة في المكان، عمرو الضابط كان واقف، بيسأل الناس ويحقق مع كل واحد، مستحلفًا في إنه يفهم اللي حصل.
عمرو قرب من حسن، وقال له بنبرة حازمة لكن فيها شوية تعاطف: "حسن، حاول تهدى... احكيلي كل حاجة، من أول ما الست دي دخلت لحد ما اكتشفت اللي في القالب."
حسن بلع ريقه بصعوبة وقال: "أنا... أنا كنت شغال زي كل يوم، مكنش فيه حاجة غريبة، لحد ما الست دي دخلت فجأة. كانت لابسة سِوِد من فوق لتحت، ومش باين منها غير عنيها... طلبت مني أحط القالب في الفرن، وقالت إنها هترجع... بس مجتش!"
عمرو سمع كلامه، وعينيه كانت مركزه جدًا، كل كلمة حسن بيقولها كان لها وزن، وكأنها قطعة من أحجية لازم تتجمع. "طيب، هل شفت حاجة غريبة في ملامحها؟ أي حاجة تقدر تفتكرها تفيدنا؟"
حسن خد لحظة يفكر، وعيونه ضايعة في ذكرياته. "العينين... كان في حاجة غريبة فيهم، زي ما تكون خايفة أو... ندمانة على حاجة؟ مش عارف أوصف، بس كان واضح إن فيه سر كبير وراها."
الضابط عمرو سكت للحظة، وبعدين بص للضابط التاني اللي كان بيقلب في شوية أوراق. "فيه أي حد من الجيران شافها أو يعرف عنها حاجة؟"
الضابط التاني هز راسه: "للأسف، باشا، مفيش حد شاف حاجة. الست دي ظهرت واختفت كأنها شبح."
حسن حس بتوتره بيزيد، والإحساس الغريب اللي كان لسه ملازمه ما اختفاش. زي ما يكون فيه عيون بتراقبه من بعيد. حاول يتجاهل الإحساس، بس كان صعب. المدينة كلها كانت بتحكي، والناس بتتساءل عن حقيقة اللي حصل في المخبز.
عمرو قرر إنه لازم يتحرك بسرعة، وقال لفريقه: "لازم نعمل مسح للمنطقة كلها، وندور على أي خيط يوصلنا للست دي. وكمان، نفحص القالب كويس، يمكن نلاقي حاجة مخفية."
الناس اللي كانت واقفة برة المخبز بتتفرج، ما بطلتش الكلام والهمس. "يا ترى مين الست دي؟ وإيه اللي حصل للطفل؟" أسئلة كتير كانت بتدور في دماغهم، بس مفيش إجابات.
الفصل بينتهي وعمرو حاسس إن الليلة لسه طويلة، وإن اللغز ده ممكن يقلب حياته وحياة حسن رأسًا على عقب.
اصوات صامتة
الفصل الثالث: المجهول
مرّ يومان منذ وقوع الحادثة في المخبز، لكن المدينة لم تنسَ بعد ذلك الصباح المريب. الكل يتحدث عن تلك الجثة المحروقة، وتدور الأسئلة في الأذهان دون إجابات. الشوارع التي كانت دائمًا مليئة بالحياة، أصبحت هذه الأيام مغطاة بغطاء من القلق. حسن لا يزال يعيش في حالة من الصدمة، بينما عمرو الضابط يواصل تحقيقاته باستماتة، متجاهلًا كل شيء حوله عازمًا على كشف الحقيقة، مهما كانت مرعبة.
حسن كان بيصحى كل يوم على نفس الكابوس، الكابوس اللي بدأ من اللحظة اللي شاف فيها الجثة في القالب. كل حاجة حواليه كانت بتفكرّه باللي حصل، حتى المخبز نفسه. ريحة العيش الطازة كانت بقت ملوثة في ذهنه بصوت صراخ، ورائحة لحم محترق.
في اليوم الثالث، حسن لقى نفسه قاعد على الكرسي قدام الفرن، بيبص في الفراغ. فجأة دخل عمرو، ووقف قدامه وقال له بنبرة مفيهاش هزار: "حسن، لازم نفهم إيه اللي حصل، مفيش وقت نضيعه. إحنا مش هنقدر نمشي خطوة لورا."
حسن كانت عيونه مليانة تعب، ورده كان متردد. "أنا مش عارف أصدق اللي حصل، يا عمرو... أنا لسه مش مصدق إن ده حصل في المخبز بتاعي."
عمرو سحب كرسي وقعد قدامه. "أنا عارف إنك متأثر، لكن إحنا لازم نركز. في حاجة غريبة في الموضوع ده، وحاسس إن في حاجة مش واضحة... الست دي، لو كنت شفتها تاني، في حاجة كنت حتلاحظها؟ حاجة مريبة، حاجة غريبة عنها؟"
حسن فكر للحظة، وحاول يسترجع أي تفاصيل غابت عنه في المرة الأولى. "لما فكرت فيها أكتر، لقيت إنها كانت بتتكلم بصوت مرتجف. وكأنها متوترة جدًا... كانت سريعة جدًا في كلامها، زي ما كانت عاوزة تخلص بسرعة."
عمرو هز راسه وقال: "تمام، دي نقطة مهمة. وكل حاجة بتدور حوالين الست دي. لازم نعرف ليه هي اختفت، وهل هي كانت بتعرف حاجة عن الجثة دي قبل ما تجيبها؟"
في الوقت ده، أحد ضباط الشرطة دخل المخبز وجاب معاهم خبر جديد. "باشا، لقينا حاجة غريبة في سجل المخبز. الست دي... اسمها مريم. سكنها في نفس الحي، لكن محدش شافها من سنة تقريبًا."
عمرو شعر بشيء من المفاجأة. "مريم؟ هي اختفت؟"
الضابط رد بسرعة: "أيوة، يا باشا. من سنة تقريبًا، محدش شافها ولا سمع عنها. مفيش أي أثر ليها في السجلات."
حسن كان مصدوم أكتر. "يعني الست دي كانت في المخبز، وجابت القالب ده، وبعد كده اختفت تاني؟ ده مش ممكن... إزاي؟"
عمرو شد على كتف حسن وقال: "فيه لغز هنا لازم نحلّه. إحنا مش هنقدر نوصل لحاجة لو ما عرفناش مريم دي كانت عايزة إيه بالظبط. ومفيش حاجة دلوقتي تخلينا نوقف التحقيق."
حسن حسّ إن كل شيء بدأ يتشابك قدامه. وكلما زاد الغموض، كلما زادت الأسئلة. لكن الإجابة الوحيدة اللي كان عارفها هي إن مريم دي كان عندها سر كبير، وسر ده كان مربوطة بالجثة المحترقة اللي في القالب.
في اللحظة دي، قرر عمرو إنه لازم يروح لبيت مريم، رغم إنه كان متأكد إن مفيش حاجة حتدله إجابة. لكن حاجة في قلبه كانت بتقول له إن الإجابة موجودة هناك.
الفصل انتهى، لكن عمرو كان حاسس إن الحاجة الحقيقية لسه مخفية، وإن طريقه عشان يلاقيها حيكون مليان بالعثرات والظلال.
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺