رواية محسنين الغرام الفصل الاول بقلم نعمه حسن حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
رواية محسنين الغرام الفصل الاول بقلم نعمه حسن حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
جايبتلكن رواية بس شو شي فاخر من الاخر بتمنى انها تعجبكن لانو عن جد تستحق الدعم
ويا ريت اعرف رأيكن لان رأيكن بهمني والرواية وصاحبيتها بهموني😘😘😘
قراءة ممتعة 😘😘
عزيزي القاريء، قبل البدء من فضلك اخلع ثوب فضيلتك وألقهِ جانبًا.. يمكنك استعادته عند الخروج!
•••••••••••••••••
ـ١ـ | غايات ووسائل |
جميعنا لدينا أحلام، غايات نتمنى الوصول إليها، تتفاوت، تختلف، تبدو سخيفة للبعض، ومهمة للبعض الآخر، قد يحارب المرء دهرًا من أجل أن يبلغ غايته تلك، وفي النهاية يكتشف الاكتشاف اللعين؛ أنه في طريقه قد تسلح بأكثر الوسائل دناءة.
كانت نغم تستقل الترام كما جرت العادة كل يوم خلال عودتها من عملها، تقف شاردةً، لديها من الهموم ما يكفيها لكي تنفصل عن الواقع المحيط بها وتنخرط في عالم آخر لا يشاركها به أحد، هي وخيالها فقط !
تفكر فيما سيؤول إليه حالها بعد أن تركت عملها الذي كان هو مصدر رزقها الوحيد والذي تعول من خلاله خالتها المريضة، بالإضافة إلى همها الأكبر والذي يجعلها تقضي الليل كله في شرود وحيرة، وهو عودة حسن، كابوس حياتها، والذي بالتأكيد سيفصل عنقها عن جسدها عندما يخرج ويعرف أنها من تسببت في سجنه!
تنهدت وهي تعيد شعرها للوراء بعشوائية وإذ بها تصطدم فجأة بسيدة أربعينية كانت تستعد للنزول فصاحت بها صيحة معترضة وقالت بانفعال:
ـ مش تفتحي!! ماشية واخدة في وشك شبه القطر كده ليه؟!
لم تُعِرها الأخرى اهتمامًا ونزلت في محطتها، بينما ظلت هي واقفة تذهب بخيالها يمينًا وتغدو شمالا وتتمتم بقلة حيلة:
ـ طب وبعدين!
ارتفع رنين هاتفها فأمسكته بين يديها تطالع اسم المتصل بعجز، وفجأة التفتت إلى الواقف بجوارها لتجده يشرئب برأسه ويدس عينيه وأنفه الطويل في هاتفها لتنظر إليه متعجبةً وهي تقول:
ـ في حاجة؟
ـ موديل كام ده؟
سألها الرجل بتطفل فظ ، يشوبه السخرية والتهكم، فبالتأكيد سيسخر من هاتفها قديم الطراز والذي يبدو كالقداحة في قبضتها، بينما السائد حاليًا هي الأجهزة التي يصل طولها وعرضها إلى طول وعرض كتاب الجيب!
ـ وإنت مال أهلك !!
أجابته بفظاظة تناسبه تمامًا، تصاحب تلك الفظاظة زاوية شفاه مرتفعة قليلة، لا.. بل كثيرا.. وهذا كان هو أسلوبها الاعتراضي الذي تلجأ إليه في المواقف المشابهة، وتبعت هذا الاعتراض بلهجة حادة حين قالت:
ـ وياريت ترجع بمناخيرك لورا شوية.
على الفور ابتعد الرجل، وفي غضون ثوان كان قد ترك لها الترام بأكمله وغادر، لتطلق هي زفرة حارة محملة بأعاصير نابعة من داخلها، ثم أخذت تتمتم بحنق فائض:
ـ ربنا يتوب عليا بقى.
ثم أسندت رأسها على القائم الحديدي من خلفها وراحت تتأمل، وكأنها تخطت الآمال وسافرت بخيالها الخصب إلى مكانٍ بعيد، ستكون فيه السيدة نغم، التي يفتح لها السائق باب السيارة، فتضع قدميها الممشوقتين بحذائها الفخم ذي الكعب العالي على الأرض، ثم تطل بجسدها الرشيق المغلف كقطعة الحلوى بأثمن الفساتين خارج السيارة، وتمسك بحقيبة يد من أشهر الماركات العالمية، وبعد ذلك بالطبع ستتقدم للداخل، نحو فيلتها الخاصة، حيث يستقبلها العشرات من الخدم والحشم يرحبون بها و يتهافتون لخدمتها وينثرون لها على الأرض وردًا.
ولكن للأسف، ذلك الخرتيت الذي اصطدم بها وهو يعبر للداخل كان كفيلًا بأن ينتشلها بقوة من خيالها الوردي ويلقيها على أعتاب واقعها الأسود وكأنه يزجرها ويقول لها انظري، أنتِ هنا!
طبعًا لقد نال الرجل نصيبه من السُّباب ولكن سرًا ، فهي لن تقوى على مجابهة ذلك الخرتيت، وجسدها النحيل لن يؤهلها لكي تخوض نِزالا معه، وبينما هي تتطلع يمينًا ويسارًا صعد إلى الترام شابًا في الثلاثين، وسيمًا بعض الشيء، ولكن مقارنةً مع الخرتيت فهو ملك جمال بالتأكيد، يرتدي بدلة مهندمة ويصفف شعره بطريقة تقليدية كموظف في الستينات، يحمل في يده حقيبة جلدية سوداء ساعدتها في تخمين ماهية عمله، فهو بالتأكيد موظف في إحدى الشركات الحكومية المحيطة، بالإضافة إلى أن ذلك الوقت هو بالفعل موعد إنتهاء جميع الخدمات الحكومية.
كان يمسح جبينه المتعرق من فينة لأخرى، على ما يبدو أنه كان لديه يومًا طويلا شاقا، ثم يتحسس جيبه بيده، وباليد الأخرى يمسك بأحد القوائم الحديدية متشبثًا بها، نظرًا لشدة الزحام فهو لن يكون محظوظا بالقدر الذي سيسمح له أن يحصل على مقعد شاغر.
نال هذا الرجل اهتمامها، وشغل بالها للحد الذي جعلها تتجاوز الركاب وتتسرب من بينهم كمن يعبر المتاهة للوصول إلى هدفه، حتى باتت قريبة منه للغاية، وفجأة التوت قدمها فترنحت ليتلقاها هو بين ذراعيه متفاجئًا، فنظرت إليه ونظر إليها، وتقابلت الأعين للحظات، دار خلالها حوارًا صامتًا، حينها تجزم أنها رأت القلوب وهي تنبعث من عينيّ ذلك الشاب الذي ظل ممسكًا بخصرها كهدية ألقت إليه من السماء وراح يردد بصوتٍ خافت:
ـ إنتِ كويسة؟!
لحظات حتى برز صوتها فتمتمت بخفوت مماثل:
ـ معلش يظهر إني دُخت.
ـ ولا يهمك..
رسمت ابتسامة بسيطة على ثغرها، ثم هزت رأسها في تحية صامتة، ونزلت من الترام فورًا وقلبها يدق كالطبل، تتسارع خطواتها حتى تحولت إلى هروله خفيف.
بينما الآخر يقف مبتسمًا ببلاهة وهو يشعر أنه كان يمثل للتو مشهدًا رومانتيكيًا من تمثيله وإخراجه ، ثم أخرج منديلا من جيبه ومسح جبينه، وأعاد المنديل إلى جيبه من جديد وأخذ يتحسس جيبه في حركة عفوية، وفجأة تحولت الابتسامة إلى صدمة، وجحظت عينيه وهو يدس يده إلى جيبه ليتأكد من وجود جزدانه، ثم يضع يده بالجيب الآخر، ثم يتحسس سترته، ويعود إلى الجيب الذي كان به الجزدان على أمل أنه يتوهم ضياعه، وعندها أدرك الحقيقة المُرة، ليصيح مستنكرًا متحسرًا:
ـ يا بنـــت الحراميــــة!!!!
……………..
" الجري نص الجدعنة "
وهذه كانت القاعدة الأولى التي استطاع حسن أن يرسخها بذهنها، وهي تعتبر أولى المهارات التي ينبغي على أي نشال محترف تعلمها، وقد كان، ولأنها محترفة فعلا استطاعت أن تغيب عن الأنظار سريعا قبل أن يدركها الموظف ويضعها تحت عجلات الترام ويدهسها انتقاما منها على ما فعلته به.
بعد دقائق كانت قد دخلت إلى الحي الذي تقطن به، تقدمت من إحدى مكبات النفايات وأخرجت الجزدان، وفتحته لتتسع ابتسامتها عندما رأت المبلغ الموجود به والذي سيفي بالغرض بالتأكيد.
"النشل له أصول، وكذلك له مواعيد، والميعاد الأنسب على الإطلاق هو كل أول شهر، حيث تصاب جيوب الموظفين بالتخمة "
تلك كانت القاعدة الثانية التي علمها إياها المبجل حسن، ولأنها تلميذة نجيبة مطيعة كان لزامًا عليها أن تتبع تلك القواعد وألا تحيد عنها لكي تأتي التجربة بثمارها.
دست المبلغ بجيبها، ثم ألقت بالجزدان في مكب النفايات، ثم أكملت طريقها نحو المنزل على الفور.
دخلت وهي ترسم ابتسامة عريضة على محياها، وتقدمت من غرفة خالتها التي كانت تنام على سريرها بتعب، فجثت على ركبتيها بجانب السرير وهي توقظها و تقول:
ـ خالتي، يلا عشان نروح المستشفى، اإتِ ناسية إن عندك جلسة النهارده ولا إيه؟
نظرت إليها عائشة بتعب بادٍ على ملامحها، ثم مسحت على شعرها بحنان وهي تقول:
ـ إنتِ جيتي يا نغم..
ابتسمت نغم بمشاغبة وهي تقول:
ـ لأ، لسه جاية في الطريق، مش عاوزة حاجة أجيبهالك وأنا جاية؟
ضحكت الأخرى بإرهاق وهي لازالت تمسح على شعرها بحنان لا ينضب وقالت:
ـ عاوزاكي طيبة.
أمسكت نغم بيدها تقبلها بحب صادق ولمعت عينيها بدموع لسماع تلك النبرة التي يغزوها الألم، وقالت بابتسامة مهزومة:
ـ طيب عشان أكون طيبة لازم إنتِ كمان تكوني طيبة، يلا ورانا جلسة.. وعلى ما تجهزي هطلب فتوح عشان منتأخرش.
قامت بالاتصال برقم فتوح جارهم سائق التاكسي الذي يقلهما للمستشفى كل مرة وطلبت منه أن ينتظرهما أمام المنزل، بينما نظرت إليها عائشة بتخمين وقالت:
ـ جبتي فلوس منين؟ صاحبة الكوافير وافقت تسلفك؟؟
أومأت نغم بتأكيد وقالت:
ـ أيوة..
ونهضت وهي تحاول مساعدة خالتها في تبديل ملابسها، إضافة إلى أنها تهرب من نظراتها التي تخترقها وتكتشف مدى صدقها من عدمه.
ـ ست بنت حلال، ربنا يباركلها ويقعدلها كل الطيب اللي بتعمله.
كانت نغم تقف خلفها مبتسمة وهي تستمع إلى حديثها ذاك، مبتسمة بتهكم على طيبة وبساطة عقل خالتها التي اقتنعت فعلا بما قالته لها، مبتسمة بتهكم لأنها تعلم أن خالتها لو علمت بأن هذه السيدة بنت الحلال قد طردتها من العمل لأنها طلبت منها سُلفة ستلعن سابع أجدادها.
ـ كده تمـــام، فاضل الإيشارب و نبقى جاهزين.
ثم أتت بالوشاح ووضعته على رأس خالتها التي بدأ شعرها يتساقط نتيجة لجلسات العلاج الكيميائي، ثم ثبتته وهي تنظر إليها مبتسمة وتقول:
ـ يختي قمر ١٤.. أنا مش عارفة بس القمر دي تخلف عقرب زي حسن إزاي.
ضحكت عائشة من قلبها وهي تمسك بيديها وتتجه للخارج بمساعدتها وهي تقول:
ـ طب والله حسن ده مفيش أغلب منه، لولاش بس هو عصبي وحمبلي حبتين.
نظرت إليها نغم باستهجان وهي تقول:
ـ حمبلي أه، قدامي يا عيشة..
ـــــــــــــــــــــ
كما جرت العادة كل صباح يوم العطلة، لا بد أن يدخل إلى تلك الغرفة التي اتخذها مرسمًا خاصًا بمنزله، ويقوم برسم لوحة جديدة يستطيع معها أن ينسج خيوطًا من وحي خياله ممزوجةً بلمحات من الواقع الذي يحاصره.
كان يقف أمام لوحته التي فرغ من رسمها للتو، يراقب تفاصيلها عن كثب، ألوانها التي تميل إلى الأسود ، و مسحة الكآبة التي تغلفها، والدقة في توضيح تفاصيل اللوحة مما أظهر الصراع النفسي فيها واضحًا للأعمى، حيث رسم ثلاث أشخاص في ثلاثة أطوار مختلفة، طفل، مراهق، شاب.
الطفل ممسكًا بقلب.بين يديه، والمراهق ممسكًا بقلب ونصف عقل، والشاب ممسكًا بعقل كامل .
ابتسم برضا وأخذ ينظر إليها بتقييم، ثم هز رأسه بتأني وتحرك متجهًا نحو الخارج، تقدم من ماكينة صنع القهوة، وأعد قدحًا من القهوة ثم أخذه ودخل إلى الشرفة، أخرج هاتفه وقام بالاتصال بشقيقه عبر خاصية الاتصال المرئي وفور أن أجاب الآخر الاتصال اتسعت ابتسامته وهو يقول:
ـ زي ما توقعت، كنت عارف إني هلاقيك نايم.. صح النوم يا عمر أفندي.
أشار إليه عمر بترحاب وهو يقول:
ـ Buen día من مدريد.
وعندما سمع ضحكات أخيه أردف:
ـ اوعى تسألني يعني إيه!
ـ لا مش هسألك خلاص حفظتها، صباح النور يا سيدي. ها طمني عليك ؟
اعتدل عمر بمرقده وجلس نصف جالسًا وهو يمسك بالهاتف بيد وباليد الأخرى يفرك عينيه ليزيل عنهما آثار النوم وقال:
ـ كله تمام، المفروض كنت هحجز في طيارة بكرة بس بفكر أفضل هنا يومين كمان.
كان يرتشف رشفة من قهوته فإذ به يقطعها ويسند الفنجان على سور الشرفة الزجاجي وهو يقول معترضًا:
ـ لا، كفاية عليك أسبوعين، أنا عندي افتتاح وحفلة وتحضيرات وليلة كبيرة واخدة كل تركيزي، والباشا في العزبة ومش هيرجع غير يوم الافتتاح، ده غير طلبات إخواتك اللي مبتخلصش وأنا بصراحة على أخري.
ضحك عمر برعونة لا تناسب سنوات عمره الخمس وعشرين ثم قال متسائلا باستغراب:
ـ إخواتي دول زي ما يكون عندهم ١٠ سنين ومتشعبطين في ديلك، فريد يا حبيبي انت اللي مشيل نفسك فوق طاقتك وشايل هم الكل ، إنت اللي مبتعرفش تريح دماغك وعاوز كل حاجه على المسطرة، ذنبي إيه بقا تقطع أجازتي وتخليني أسيب الانبساط والاستجمام اللي هنا ده وأنزل عشان أشوف إخواتي!!
كان فريد مستعدًا لرده، فهو يعرفه تمام المعرفة ويعرف بم سيجود به لسانه، فأجابه بهدوء مغلفًا بالحكمة:
ـ بلاش إخواتك، مش هتنزل عشان تكون جنبي يوم الافتتاح؟
ثم أضاف بعتاب صريح:
ـ كالعادة يعني لما أحتاجك جمبي مش هلاقيك؟
زم عمر شفتيه بأسف وقال:
ـ امممم.. اللورد فريد بيعاتبني بشياكة، طيب يا فريدو بيه أوعدك هنزل قبل الافتتاح بيومين، كده كويس؟
لم يجادله فريد أكثر وأجابه باقتضاب:
ـ زي ما تحب.
أومأ عمر بموافقة، ونهض من الفراش، ثم اتجه إلى الشرفة، ليقف موليًا ظهره إلى الخارج وهو يمسك بالهاتف ليعكس صورة البحر من خلفه وهو يقول مبتسمًا بسماجة قاصدًا مضايقته:
ـ شايف، متع نظرك يا حبيب أخوك.
رمقه فريد ببرود وقال:
ـ هما دول بقا اللي مش عاوز تنزل بسببهم؟
ـ إيه رأيك؟؟ شبه التحف فنية.
قالها عمر مشيرًا إلى النساء اللواتي يتمددن على الشاطئ بأطقم السباحة وكأنهن في عرض أزياء نهاري، ليصله رد فريد شديد اللهجة:
ـ دول مش شبه التحف الفنية، دول شبه التماثيل اليونانية .. دايمًا ملـــط !
ضحك عمر بقوة مضيفًا بحماقة :
ـ أهو أنا بقا بلاقي نفسي هنا، وسط الملط، بذمتك مش نفسك تخلع توب اللورد فريد مرسال اللي انت لابسه ٢٤ ساعة ده وتيجي هنا تفك عن نفسك، يمكن الزهر يلعب وترجع مصر بتحفة فنية من دول تحضر معاك حفل الافتتاح، متنساش بردو الحتة الطرية دي كمالة من ضمن الكماليات، وانت أبو الكماليات يعني مش أنا اللي هقولك.
ـ الحتة الطرية؟؟
تساءل فريد متقززًا، فهو شخص متحفظ جدًا ويكره العفوية والعشوائية بشدة، وأكمل:
ـ تصدق إنت فعلا مفيش منك رجا، رحت أسبانيا رحت كوكب المريخ حتى هتفضل سوقي وألفاظك متدنية كده، يلا وقتك خلص.
وأنهى المكالمة بالفعل، فلقد مرت الدقائق الخمس التي خصصها لمهاتفة عمر كل صباح، ومهما حدث لن يأخذ عمر ثانية إضافية عن الوقت المخصص له أبدا، ففي الثانية الجديدة بعد هذه الخمس دقائق بالتأكيد لديه شيئا ليفعله، وهو لن يكون فريد مرسال إن جار على دقيقة واحدة من يومه، فكل شيء لديه بميقات محددٍ لا يتجاهله أبدا.
على الفور اتجه إلى الحمام، فهذا هو وقت الحمام الصباحي له والذي يستغرق خمسة عشر دقيقة، الخمس الأولى منها لحلاقة ذقنه، والخمس الثانية للاستحمام، والخمس الأخيرة لتجفيف شعره.
وبعد أن أنهى هذه الجولة اليومية دخل إلى غرفة ملابسه لينتقي الملابس التي سيرتديها اليوم، وبما أن اليوم هو يوم عطلته سيتخلى عن البدل الرسمية، لذا اختار طقمًا بسيطًا ، وبعدها وقف أمام طاولة الساعات ليختار الساعة الملائمة، ثم وقف أمام المرآة ليصفف شعره ويتأكد من هندامه.
وبعد أن ألقى نظرة تقييمية على مظهره النهائي في المرآه عاد ليتأكد أن كل شيء في الغرفة في مكانه تماما، فهو رجل مرتب جدا ولا يقبل بالفوضى أبدًا حتى لو كان على حساب راحته. رجل دقيق وصارم لدرجة ضاغطة تجعل من يتعاملون معه مرة يفكرون ألف مرة قبل أن يعيدوا التجربة.
وأخيرًا عدل أزرار قميصه مجددا بعناية، وساعته حيث يكون قرص مؤشرات الوقت في منتصف الرسغ تمامًا، وربطة العنق في منتصف العنق تمامًا، والحجر الأسود بخاتمه في منتصف الأصبع تمامًا، وفي النهاية استطاع أن يمنح مظهره عشر علامات كاملة، حيث أنه بدا ـ كالعادة ـ في أعلى مستويات أناقته ووسامته، وسامة لا تغطي على الهيبة والوقار اللذان يملكهما أبدا.
ثم خرج من الغرفة بعد أن أطفأ الضوء، وجمع أغراضه الخاصة وهو يلقي نظرة أخيرة على غرفته المرتبة ثم أطفأ ضوءها وأغلق الباب وخرج.
ركب سيارته الرياضية السوداء والتي يفضلها في يوم العطلة بما أنه يتجول بها طويلا ويشعر أنها تمنحه شعورا بالراحة والحرية، أما في أيام العمل فيلجأ إلى سيارته الفارهة ماركة Mercedes Benz
انطلق متجهًا إلى أولى وجهاته اليوم، فبالنسبة لرجل منظم مثله بالتأكيد سيكون لديه جدولًا موضوعًا بعناية لقضاء يوم العطلة واستغلاله أحسن استغلال، وفي المقدمة زيارة مختبر التحاليل المعتمد من قِبله، والذي يزوره كل أول شهر ليقوم بعمل فحوصات طبية شاملة حرصًا على سلامته، فأشد ما يخشاه هو المرض، ومجرد التفكير بأنه من الممكن أن يمرض ويرقد بسريره عاجزًا يصيبه بالذعر الشديد.
ارتفع رنين هاتفه الموصل بالسيارة، فنظر إلى الشاشة ليجد اسم نسيم فأجاب الاتصال فورًا وقال مبتسمًا:
ـ نسومه حبيبتي..
ولكن ابتسامته تلك لم تدم طويلًا لأنه استمع إلى بكائِها وهذا ما جعله يتوقف عن القيادة وهو يسألها باهتمام يشوبه الارتباك قائلا:
ـ مالك يا نسيم في إيه؟ حد ضايقك؟
وهنا كانت الانطلاقة حيث صرخت نسيم وهي تشهق ببكاءٍ بين كلماتها المتدافعة وتقول:
ـ مين اللي هيضايقني؟ هو حد بيشوفني أصلا عشان يضايقني؟ أنا اتخنقت من الحبسة طول اليوم بين ٤ حيطان، بابا سايبني هنا وقاعد في العزبة مع الخيول بتاعته، حتى رفض إنه ياخدني معاه أشم هوا، عمر ولا في دماغه أصلا وقاعد في مدريد ولا بيكلمني حتى، جيلان مشغولة في الشركة طول الوقت وجوليا أغلب الأحيان في دبي.
ـ طيب يا حبيبتي أنا موجود، أنا عارف إن وقتي محدود بس انتِ أكيد متفهمة انه غصب عني، خصوصا في الوقت الحالي عشان الباشا وعمر مش موجودين.. لكن صدقيني أول ما أموري تتظبط هعوضك عن كل ده.
ـ فريد إنت مش مقصر معايا أبدا، بالعكس، أنا مفيش في حياتي غيرك أصلا، مش معنى اللي بقوله ده إنك مقصر أبدا، بس انت كمان وراك مليون حاجه بتعملها وأنا مش حابة أكون حِمل زيادة عليك.
وأخذت تبكي بحسرة وهي تقول:
ـ بس أنا مليش غيرك، إنت الوحيد اللي بتفهمني وبتسمعني .
تنهد فريد بتوتر، فأخته هي الوحيدة من بين نساء الأرض القادرة على بث التوتر والقلق والخوف في قلبه، هو في الأصل لا يكترث لأي شخص قريبًا كان أو غريب، ما عداها، حاول أن يبدو أكثر هدوءًا فقال:
ـ حبيبتي أنا عاوزك تهدي، وتبطلي عياط، أنا عندي مشوار مهم دلوقتي هخلصه كمان ساعة وهجيلك، وأوعدك هتكلم معاه وأحاول أقنعه يسيبك تيجي تقعدي عندي، اتفقنا؟
مسحت نسيم دموعها وهي تقول بهدوء:
ـ اتفقنا.
ـ تمام يا حبيبتي، أنا هقفل دلوقتي وكمان ساعة بالظبط هكون عندك، مع السلامه.
أنهى الاتصال وزفر زفرةً مطولة، وأكمل طريقه نحو المختبر لينهي تلك المهمة سريعا ومن بعدها سيذهب لشقيقته كما وعدها.
ـــــــــــــــ
دخل المختبر، وكالعادة تقدم من قسم سحب عينات الدم، ووقف أمام المقعد الذي سيجلس عليه ثم أخرج زجاجة الكحول التي لا يخلو جيبه منها، ثم رش منها على المقعد وقام بمسحه بمنديل ثم جلس، فإذ بالممرضة التي كانت تقف خلفه تقول:
ـ حضرتك إحنا عقمنا القسم كله أكتر من مرة النهارده..
أومأ مؤكدا وقال ببساطة:
ـ انتِ جديدة هنا؟ مش كده ؟
أجابت بتعجب وقالت:
ـ أيوة..
هز رأسه مؤكدا وقال:
ـ عشان كده متعرفيش إني لازم أعمل كده بنفسي، طقوس مش أكتر.
مطت شفتيها بتعجب وسحبت مقعدًا لتجلس أمامه، فإذ به يخرج تلك الكمامة من جيبه ويضعها على أنفه وهو يقول:
ـ إلبسي الماسك..
لمح الدهشة على معالمها ليقول بنفاذ صبر:
ـ فين سارة؟؟
هزت رأسها بتساؤل وقالت:
ـ عملت حادثة وواخدة أجازة شهرين.
ارتفع حاجبيه بدهشة وتأثر أسفًا على حالتها فإذ بها تتساءل بفضول:
ـ حضرتك بتسأل عليها ليه؟
فأجابها ببساطة تشبع فضولها:
ـ لأنه بقالي عشر سنين باجي هنا كل شهر ، على مدار العشر سنين دول سارة هي اللي كانت بتتعامل معايا وعارفه نظامي كويس جدا، واستحالة كانت تقعد قدامي بالقرب ده من غير mask .
أومأت بحرج وارتدت القناع، ثم أحضرت رباط سحب الدم وهمّت بربطه حول يده ليستوقفها قائلا:
ـ استني..
نظرت إليه باستغراب وهي تراه يخرج بخاخ الكحول من جيبه ثم يرش منه على يديها وعلى الرباط ثم قال:
ـ اتفضلي.
أثار تعجبها وجعلها تحنق عليه بشدة، ولكنها تجاهلته ووضعت الرباط حول يده وسحبت عينة الدم اللازمة، ثم همت بوضع قطعة قطن صغيرة مكان سحب الدم ليتجاهلها هو ويسحب قطعة قطن أخرى من كيس القطن الموضوع أمامه ويضعها فوق مكان سحب الدم بنفسه، ثم هب واقفًا وهو يقول:
ـ المرة الجاية تتأكدي إن الرباط ده خاص بيا، ياريت تتواصلي مع سارة وهي هتفهمك الخطوات اللي تمشي عليها بالظبط وإلا فأنا مضطر أغير المكان.
وقبل أن يخرج كان قد اتجه إلى قسم الحسابات وترك لهم مبلغًا لا بأس به وأمرهم أن يتم إرساله إلى حساب سارة على الفور.
وغادر المختبر متجها إلى سيارته، وقبل أن يفتح باب السيارة كان قد أمطر يديه بالكحول وهو يلعن بداخله ذلك الوسواس الذي أهلكه وأصبح يشكل عائقا كبيرا في يومه.
••••••••••••••••••••••
كانت تقف في شرفة غرفتها والتي هي متنفسها الوحيد، فقلما تنزل من الغرفة إلى حديقة الفيلا لأنها لا تجد ما تفعله، فالكل لديه حياته ومسؤولياته إلا هي، الوحيدة بالمنزل التي تعيش من أجل اللاشيء.
تقف كفراشة في مهب الريح، تسند ذراعيها على السور مغمضةً عينيها، والنسيم يلاطف وجهها وشعرها الذي يتحرك بخفة على جانبي خديها، وكان هذا أقصى ما يمكن النسيم أن يفعل بها، فحتى وإن داعب وجهها وشعرها، ماذا سيفعل بقلب جمدهُ صقيع الاستسلام!
استسلامًا نتج بعد معاناة طويلة، وبعد محاولات عديدة باءت بالفشل، لتجد بعدها أن الاستسلام هو الحل، عليها أن تقبل خسارتها وتمضي.
ولمن لا يعرف ، فأن تتقبل خسارتك وتمضي هذا لا يعني أنك تعافيت من الندوب التي تركت أثرًا بالغًا بروحك، ثمة ندوب لا تبرأ مهما كلفك الأمر، ثمة أشخاص سيبقون هم اللعنة الأزلية بداخلك ولن تستطيع استبدالهم مهما فعلت، و ثمة خسائر ستظل تتجرع مرارتها مهما مرت بك الأيام، ولكن إما أن تظل أسيرًا لأحزانك وتموت كمدًا، و إما أن تلملم جروحك وتمضي.
لم تستمع نسيم إلى طرقات الباب، ولم تشعر بدخول فريد الغرفة، ولم يشعر هو بنفسه إلا وقد أخرج هاتفه والتقط لها صورةً وهي تقف في تلك الهيئة التي تفوح منها رائحة السلام والسكينة وقد قرر أنها ستكون لوحته المقبلة.
ثم أعاد الهاتف إلى جيبه واقترب منها بهدوء ليجدها مغمضةً عينيها وكأنها منفصلة عن الواقع تمامًا، فحمحم فإذا بها تفتح عينيها وتبتسم فور رؤيته، ثم عانقته بقوة وهي تقول بصوت مهزوز:
ـ وحشتني يا فريد.
أسندت رأسها على صدره وأحاطها هو بذراعٍ وبالآخر كان يمسح على شعرها وهو يقول مبتسما بحنان:
ـ وانتِ كمان وحشتيني، أنا آسف لأني مش المفروض أوحشك، المفروض أكون جنبك طول الوقت!
سالت دمعتها في الوقت المناسب والمكان المناسب تمامًا، وأردفت:
ـ مش ضروري تكون معايا طول الوقت، كفاية إن وقت ما بحتاجك بلاقيك.
ربت على ذراعها بحنو وقال:
ـ وأنا جنبك دايمًا، متقلقيش ولا تشيلي هم حاجه، أنا معاكي.
كانت هذه الكلمات كافية بالنسبة لها لكي تحصل على السكينة التي تفتقدها، أما بالنسبة له هو فلم تكن كافية أبدًا، فهو دائما ما يشعر بالتقصير نحوها، يشعر أنه عليه أن يفعل المزيد، بالتأكيد هناك طريقة لإسعادها وهو لم يكتشفها بعد، مهما فعل ومهما قال لا يكون راضيًا عن موقفه تجاهها أبدًا.. خاصةً وأنه شخص يسعى للكمال في كل شيء، لا يقبل أن يترك أمرًا ناقصًا أو معلقًا، فهذا أكثر ما يشعره بالعجز، وإحساس العجز بالنسبة إليه أخطر من الموت!
ـ نسيم إلبسي.
نظرت إليه نسيم بتعجب، ماذا يطلب منها؟ هي لا تسمع ذلك الأمر أبدا ، وعلى حسب علمها فإن هذا الطلب يتبعه الذهاب لمكان ما، فبالتأكيد لن تبدل ملابسها لكي تجلس على الأرجوحة بحديقة المنزل!!
ـ مالك متنحة كدة ليه؟ بقولك يلا غيري هدومك هنخرج.
ـ نخرج؟!!
قالتها بذهول فأومأ مؤكدًا وقال:
ـ أيوة، هنروح نزور ماما الله يرحمها.
تقوس حاجبيها وكانت على حافة البكاء والانهيار ليستوقفها هو حين قال:
ـ كفاية عياط بقا، يلا اجهزي بسرعة وأنا مستنيكي في العربية.
ـ طيب وبابا؟
تساءلت بترقب ليجيبها مبتسمًا:
ـ متقلقيش، أنا هتصرف.
وسبقها إلى السيارة، ليس لشيء إلا ليستجيب لحاجته الملحة في تعقيم يديه وملابسه بعيدا عن أخته، فبالطبع ستشعر بالحزن إن علمت أنه يعقم نفسه فقط لأنها احتضنته وتركت أثرها على يديه وملابسه، ولأنها لا تعرف أنه وصل إلى تلك الدرجة من الوساوس!!
حسنًا هي تعرف أنه يعاني من الوسواس القهري منذ عشر سنوات تقريبًا، ولكن كل ما تعرفه عنه أنه يحرص على النظافة الشديدة ويكره الاختلاط بالآخرين، إضافة إلى أنه يرفض رفضًا قاطعًا أن يلمس أحدًا ملابسه أو أي شيء يخصه، لذا فقد قرر الانفصال عنهم والعيش بمفرده في إحدى الوحدات السكنية الراقية ، ولكنها لا تعرف بعد أن الأمر قد ساء بذلك القدر الذي يجعله يرغب في تغيير ملابسه أو ربما إلقاءها في سلة المهملات فقط لأنها عانقته!!!
….
تحمست نسيم كثيرا، فزيارة قبر والدتها يكون مرة كل عيد، وهذا ما جاد به والدها عليها، أما عن كونها ستذهب إليها في ذلك الوقت فهذا سيشكل فارقًا شديدًا في حالتها النفسية المحبَطة.
ارتدت ملابسًا سوداء ووضعت وشاحًا بسيطًا على رأسها، ثم ارتدت نظارتها التي تخفي ثلاث أرباع معالمها، وهذه أيضا كانت تعليمات والدها، فهي لا تخرج من البيت إلا وقد اتخذت جميع الإجراءات الاحترازية لكي لا يتعرف إلى ملامحها أحد ، حتى باتت تظن أنها مطلوبة في قضية ثأر أو ما شابه.
خرجت من الفيلا كالمسجون الذي خرج من السجن لتوّه، وأسرعت تختبأ بسيارة أخيها قبل أن يلمحها أحد الحراس ويخبر والدها، فبالرغم من بعده إلا أنه على علم بدبة النملة.
ركب فريد خلف المقود وهمّ بالخروج من الفيلا ليعترض طريقه " منصور " وهو الحارس الشخصي لوالده، وفي حالة وجوده خارج الفيلا ورغبته في الانعزال بمفرده تصبح نسيم هي مسؤولية منصور بدلاً من والدها.
نظرت نسيم إلى فريد بقلق، فضغط زامور السيارة لكي يفسح الطريق ولكنه ظل متسمرًا بمكانه مما جعل فريد ينزل من السيارة وينظر إليه بغضب قائلا:
ـ إيه مش شايف؟؟
ـ أنا آسف فريد بيه، عندي أوامر إن نسيم هانم متخرجش في غياب الباشا.
أجابه منصور بعملية شديدة ليصيح به فريد بعصبية بالغة ويقول:
ـ هو إنت مش شايفها خارجة معايا؟
ـ أنا آسف يا بيه، بس سالم باشا مشدد عليا، ممنوع تخرج حتى لو مع حضرتك.
امتلأت عينا نسيم بالدموع فورا، ليصيح بها فريد بضيق:
ـ متعيطيش إنتِ كمان، هتخرجي معايا حتى لو انطبقت السما على الأرض!
ثم نزل من سيارته واتجه نحو منصور الذي يقف كاللوح مستعرضًا عضلاته وهو ينوي أن يلجأ إلى الحيلة علها تجدي نفعًا معه، فأخرج من جيبه دفتر شيكاته وهو ينظر إليه ويقول:
ـ ٢٠ ألف كويس؟؟
نظر إليه الآخر بتعجب فقال فريد شارحًا:
ـ أظن مبلغ مش قليل، ده مرتب شهر كامل.
ثم وضع القيمة المرادة وأعطاه الشيك وهو يقول بنفاذ صبر:
ـ ممكن بقا تتفضل من قدامي؟ وأكيد مش محتاج أقولك بلاش سالم بيه يعرف حاجة!
تنحى الرجل جانبًا بصمت وهو يفسح له المجال؛ فركب فريد السيارة وهو ينظر إلى أخته بابتسامة لأنه أخيرا نجح في تحقيق شيئا ما بإمكانه إسعادها ولو للحظات بسيطة، فهو على استعداد أن يدفع نصف عمره فعليًا لكي يرى ابتسامتها فقط.
وتحرك منطلقًا نحو الخارج، نحو مدافن عائلة مرسال، حيث ترقد أمه المرحومة، ناهد مرسال.
•••♠♠♠•••
كانت نغم تجلس بقاعة الانتظار بينما تنتهي خالتها من جلسة العلاج الكيماوي، وكالعادة عندما تجلس بمفردها أو تشرد قليلا تجد نفسها غارقة في التفكير في الموضوع الذي يشغل كل تفكيرها واهتمامها في الوقت الحالي، ألا وهو خروج حسن، إضافة إلى الهم الجديد الذي انضم إلى قائمة همومها وهو تركها للعمل، أو بمعنى أدق طردها منه، وكيفية تدبير عمل آخر تستطيع من خلاله تدبير نفقاتها ونفقات علاج خالتها، دون أن تلجأ إلى نشل موظف مسكين كل أول شهر..
تلك المهارة الوحيدة التي نشأت عليها، لا تذكر أنها كانت تتعلم الرسم أو العزف مثلا كأي طفلة، حتى أنها لم تكمل تعليمها وقرر حسن أن بلوغها المرحلة الإبتدائية يكفي، طالما أنها تجيد الكتابة والقراءة فهذا يكفي، ليأخذها بعدها من عالمها الفطري النقي إلى عالمه المليء بالإجرام، والعجيب أنه إجرام مبرر دومًا، دائمًا ما كان يفلح في إيجاد ذريعة لفعلته، دائمًا ما كان يبرر بالغاية الوسيلة حتى وإن عظمت شناعتها. فكبرت وترعرعت على أن لكل شيء دافع، ولكل جريمة مبرر، وأن من يقول أن الغاية لا تبرر الوسيلة مخطئ وكاذب ويستحق الشنق في ميدان عام
وبينما هي شاردة فإذا بها تتلقى اتصالاً من صديقتها المقربة نيهال، فأجابت الاتصال وهي تقول:
ـ فينك يا نيهال هانم، اللي اداكِ يدينا.
ـ إزيك يا بت يا نغم وحشاني.
ـ ولما أنا وحشاكي مبترديش على اتصالاتي ليه ؟
تساءلت نغم باستهجان لتقول الأخرى بجدية:
ـ مش هينفع الكلام في التليفون، أنا جيالك.
ـ أنا مش في البيت، خالتي ميعاد جلستها النهارده وأنا معاها في المستشفى.
ـ طيب أنا قريبة منك، هوصل وأرن لك تخرجيلي.
ـ ماشي، سلام.
بعد حوالي ربع ساعة تقريبا كانت نيهال قد وصلت أمام المشفى وأبلغت نغم التي خرجت لرؤيتها، وما إن وقعت عيناها عليها حتى كاد فمها يسقط أرضًا من الدهشة!
ـ إش إش إش…. إيه يا بت الحلاوة دي كلها؟
قالتها نغم وهي تدور حول نيهال التي بدت وكأنها ربحت في اليانصيب، فلقد تبدّل حالها تمامًا، مما جعلها تضحك بتفاخر وزهو وهي تستعرض ملابسها الأنيقة والحلى الذهبية التي تزين يديها وجيدها وهي تقول:
ـ ايه رأيك؟؟ شفتي الهنا اللي أختك فيه؟
نظرت إليها نغم بتعجب وهي تقول:
ـ شفت، قوليلي ايه اللي حصلك شقلب حالك كده؟ ده أنا لولا إني عارفاكي كنت قلت إنك سرقتي الست اللي بتشتغلي عندها.
أشارت إليها نيهال بسبابتها أن لا وقالت وهي ترفع حاجبيها بتلاعب وابتسامتها تكتسح وجهها:
ـ لأ.. سرقت جوزها.
قطبت نغم جبينها باستغراب لتستطرد نيهال قائلة:
ـ اتجوزته!
جحظت عيناها بصدمة ورددت بغير تصديق:
ـ إيه؟؟ اتجوزتيه؟؟ يا نهار أبوكي مش فايت!!
ـ إيه مالك، هو أنا عملت حاجه عيب ولا حرام، بقولك اتجوزته.
ـ اتجوزتي راجل قد أبوكي يا نيهال؟ قد أبوكي إيه ده قد جدك فوزي الله يرحمه.
ابتسمت نيهال بتهكم وقالت:
ـ وأنا يعني كنت لقيت غيره وقولت لأ ؟ اللي يلاقي الدلع وميتدلعش يبقا حمار.
ـ و ده بقا بيدلعك؟ ده منتهي الصلاحية! ده راجل عفا عليه الزمن.
أشارت إليها نيهال بالأساور الذهبية بيديها وهي تقول:
ـ كفاية عليا فلوسه مدلعاني.
لوت نغم شفتيها بنزق وتهكم وقالت وهي تشدد على حروفها:
ـ طيب، قال يا واخد القرد على ماله بكره يروح المال ويفضل القرد على حاله.
ـ لأ ي حبيبتي متقلقيش، اللي زي ده فلوسه مبتخلصش، كانز على قلبه كتير أوي. ما تيجي يا بت أجوزك واحد صاحبه، ده ليه معارف ياما وكلهم شبهه كده بيموتوا في البنات الصغيرة.
نظرت إليها نغم بانفعال وأجابتها بحدة:
ـ عاوزاني أخيب خيبتك؟ لا يا حبيبتي متشكرين، أنا يوم ما أتجوز مش هتجوز غير راجل من اللي بييجي في العمر مرة.
لوت الأخرى شفتيها بسخرية وغيرة مستترة وقالت:
ـ و ده بقا هيبص لك على إيه إن شاء الله ؟
لتجيبها نغم بثقة:
ـ يا عالم بكرة مخبيلنا إيه.. أنا هدخل عشان خالتي زمانها خلصت، أسلملك عليها ولا خلاص مبقيناش قد المقام؟
هزت نيهال رأسها بتعجب وقالت:
ـ بوسيهالي على ما اجي اشوفها، يارب بس وحيد يوافق أصل ده بيغير عليا موت.
رفعت نغم حاجبيها باستنكار وقالت:
ـ وهو جدو ده بيعرف يغير؟ عالعموم هنستناكي، ســـــلاام.
ودخلت إلى المشفى، بينما تركت صديقتها وراءها تنظر في أثرها بشرود وحزن، لطالما تفوقت عليها نغم في كل شيء، حتى في اختيار نوع الخطأ، دائما كانت نغم تلجأ للطريقة المثلى التي تؤهلها لكي تكون متميزة، حتى سلبياتها مميزة، وهذا أكثر ما يملؤها بالحقد تجاهها، فلطالما حاولت أن تجعلها نسخة طبق الأصل منها ولكنها كانت تفشل، فالأخرى حتى وإن كثرت أخطاؤها ولكنها ترفض بصرامة أن تكون تابعًا لأحد أو أن تكون دمية يحركها كيفما شاء.
كانت عائشة قد انتهت من تلقيها جلسة العلاج الكيميائي وبانتظار نغم التي ستساعدها في الخروج من المشفى، فبعد كل جلسة تشعر وكأنها جثة على قيد الحياة لا أكثر.
ولما استشعرت تأخرها نهضت من مقعدها وحاولت الخروج، ولكنها توقفت عندما رأت نغم التي تقف على بعد خطوات بسيطة وتتحدث مع الطبيب وقد بدا عليها التأثر حيث كانت تمسح دموعها وهي تستمع إليه إذ يقول:
ـ في الحالات اللي زي دي منقدرش نجزم المريض ممكن يعيش قد ايه، شهر، شهرين، سنة ، الأعمار بيد الله وحده ، إضافة لأن احتمالية الشفاء من سرطان المرحلة الرابعة مش معدومة، لأ دي موجودة بنسبة ٢٢ ٪ يعني في أمل.. كل اللي نقدر نعمله إننا هنزود الجلسات، بدل جلسة كل أسبوع هتكون جلسة كل ٣ أيام…
لم تستمع إلى باقي ما أخبرها به، بل وكأنها غابت عن الواقع وتم سحبها نحو هوةٍ سحيقة ابتلعتها بجوفها، هوةٍ لا يوجد بها سوى الفقد والحرمان والخذلان!
وهي التي عانت الحرمان بأنواعه، وطالتها ويلات الفقد من كل حدبٍ وصوب، حتى باتت ضعيفة، ذاويةٍ كقشة في مهب الريح.
أفاقت على تربيتة حانية من يد الطبيب الذي يبلغ ستون عامًا تقريبًا، والذي أبدى تعاطفه الشديد معها، ثم انصرف وتركها في صراعٍ أدمى قلبها وأنهك قواها فتشبثت بأقرب مقعد وتهاوت فوقه وهي تجهش بالبكاء المرير.
لقد ظنت أنها بما تفعله سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة تساعد خالتها على التشافي من هذا المرض الخبيث ، لم تكن تعلم أنه سينتشر في باقي أعضاء جسدها ليفترس القليل المتبقي من صحتها ويودي بحياتها، لم تكن تتوقع أنها ستختبر اليتم للمرة الثانية !
مسحت دمعاتها واتجهت نحو الحمام لكي تغسل وجهها عل آثار البكاء تختفي لكي لا تثير شك خالتها إذا ما رأتها، بينما عادت عائشة إلى مقعدها سريعا لكي لا تنتبه نغم إليها وتعرف أنها قد سمعت حوارها مع الدكتور.
عادت نغم إليها بعد قليل وهي تصبغ وجهها بابتسامة مزيفة فاترة جاهدت لكي ترسمها بثبات ثم قالت بصوت متهدج:
ـ اتأخرت عليكي؟
بادلتها الأخرى الابتسام بوهن وقالت:
ـ أبدا..
ـ طيب يلا عشان فتوح مستني بره.
وساعدتها وخرجتا سويًا متجهتين نحو التاكسي الذي سيأخذهما إلى البيت.
•••••••••••••••••♪♪
وقفت نسيم أمام قبر والدتها وهي في حالة سكون تام، تضع يدها على شاهد القبر وتتحسس اسمها بشرود وقد عادت بذاكرتها للخلف سنوات عديدة ، عندما كانت طفلة في سن العاشرة، حينها كانت لديها أمًا حنونة تعرف كيف تحنو عليها وكيف تطيب آلامها وتمسح على قلبها إذا مسه الضر، حينها كانت ملكة متوجة بين عائلتها الصغيرة، وفجأة داهم هذه العائلة الصغيرة طوفانًا عاتيًا جرف معه كل شيء، الحضن، الأمان، و الدفء.
فجأة وجدت نفسها فتاة شريدة، تحيا بين ربوع بيتها غريبة، وبين أحضان أهلها لقيطة، خسرت في ليلة وضحاها كل ما كان يميز حياتها وأصبحت تعيش في بيت تتعرف عليه لأول مرة، بيت لم تألفه أبدًا ولم تألف ساكنيه، فبعد أن كانت المدللة الوحيدة به أصبح يشاركها في اللقب أخريات، وبعد أن كان هذا البيت هو الملجأ الآمن أصبح كسجن بأسوار عالية يصعب بلوغها.
مسحت دموعها وهي تنفض عنها غبار الذكريات التي هاجمتها فجأة ووضعت باقة الورد التي كانت تحملها فوق ثرى القبر ثم استقامت لتقرأ الفاتحة. بينما فريد يقف خلفها متجمدًا وقد غاص هو الآخر في بحر ذكرياته التي شاركته فيها أمه. تلك الذكريات التي كونت شخصيته وجعلت منه رجلاً فريدًا، يملك قلبًا من الزجاج، وعقلًا من الحديد.
التقط تلك الدمعة الغادرة بزاوية عينه ورفع كفيه بدوره ليقرأ الفاتحة لوالدته، وبعدها كان بصدد الاستعداد للمغادرة ليتفاجأ بأخته التي باغتته بطلبها إذ قالت وهي تبكي:
ـ فريد، عاوزه أزوره، أرجوك.
نظر إليها متفاجئًا وقال بهدوء:
ـ مرة تانية يا نسيم، أوعدك.
هزت رأسها برفض وقد زادت حدة بكائها وقالت:
ـ مفيهاش مرة تانية، أنا مش ضامنة هعرف أخرج تاني ولا لأ، أرجوك يا فريد عشان خاطري.
تنهد بقلة حيلة وأومأ موافقًا ثم قال:
ـ طيب، يلا بينا.
اتجها إلى السيارة، ركبا وقبل أن ينطلق تفحص هاتفه ليتفاجأ بمكالمة فائتة من والده، فنظر إلى شقيقته وقال:
ـ الباشا اتصل!
نظرت إليه بفزع وقالت:
ـ يبقا أكيد عرف إني معاك.
ـ لا متقلقيش، أكيد عاوز يتابع الشغل.
ـ طيب بلاش نروح أي مكان، خلينا نرجع البيت أحسن.
زم شفتيه بأسف وهز رأسه موافقًا، ثم تحرك عائدًا نحو الفيلا.
في طريقه رن هاتفه مجددًا ليجيبه على الفور قائلا:
ـ مساء الخير.
ـ مساء النور يا فريد.
قالها والده بصوته المهيب الرخيم وأضاف:
ـ يظهر إنك مشغول.
ـ أيوة، كنت بتابع إيميلات مهمة، حضرتك محتاج حاجة؟
ـ محتاج أشوفك ونتكلم، ضروري.
أومأ ببساطة وقال:
ـ حاضر، بكرة إن شاء الله او بعده بالكتير هكون عندك.
ليجيبه والده بصرامة ويقول:
ـ بكره الصبح تكون عندي.
ـ حاضر، مع السلامة.
أنهى الاتصال وزفر زفرةً طويلة وهو ينظر إليها محاولا إخفاء ضيقه ويقول:
ـ متقلقيش معرفش حاجة، غالبا عاوز يكلمني في شغل.
تنهدت براحة قليلا وهزت رأسها بهدوء ثم أسندته على المقعد من خلفها وأغمضت عينيها وشردت، شردت مع خيالها الذي يعج بالصخب دومًا، شردت مع هؤلاء الحمقى الذين يشاركونها عالمها الخيالي ويقاسمونها فيه!
••••••••••••••••••••••
بعد أن أوصل نسيم إلى الفيلا عاد أدراجه إلى بيته، مملكته الخاصة التي يضع كل تفصيلة فيه حسب رغبته هو فقط، حتى أنه فرشه واختار كل قطعة فيه بنفسه.
دخل مسرعًا نحو الحمام، خلع ملابسه وألقاها بسلة المهملات الموجودة بزاوية الحمام وقد قرر أن يتخلص منها بعد أن اضطر لارتدائها اليوم بأكمله، ودخل إلى كابينة الاستحمام ووقف أسفل المياه الدافئة وهو يزفر باسترخاء وقد عاد لساحته الآمنة أخيرا.
خرج من الحمام بعد الخمسة عشر دقيقة المحددة، ثم اتجه إلى المطبخ لكي يعد عشاءه بنفسه، فهو نادرًا ما يتناول طعامًا خارج المنزل، إلا إذا اضطر لحضور عشاء عمل مع أحد شركاءه.
ارتدى مريول المطبخ، ثم أخرج شرائح اللحم المتبلة ووضعها بالمقلاة الهوائية وتحرك ليعد طبق السلطة الخاص به، وبعد أن أنهى إعداد العشاء أخذه ودخل إلى الشرفة ليتناوله في الهواء الطلق.
هم بوضع أول قطعة لحم في فمه ولكن اتصال من السيدة زينب مدبرة منزل والده جعله يتراجع، فأجاب سريعا وقال:
ـ نعم يا زينب؟
ـ فريد بيه، نسيم هانم من ساعة ما رجعت مع حضرتك من بره وهي عمالة تعيط ومش راضية تفتح لحد.. لا أنا ولا نادية هانم، ولا حتى جيلان هانم .. مش راضية تكلم حد.
فرّت تنهيدة عاجزة من بين شفتيه، ثم قال بصوتٍ مقتضب:
ـ محدش يضغط عليها، سيبوها تاخد وقتها وهتهدى.
وأنهى الاتصال وأسند جبهته إلى قبضته وهو يفكر بشرود في حالة أخته، وفي تحكم والده وتعنته الشديد، هل هذا فعلا طبيعيا ومن الممكن أن يحدث؟ أم أن والده طفرة في تاريخ الآباء؟!
نفض شروده، وهم باستكمال عشاءه ولكنه تراجع وهو ينظر لقطعة اللحم بالشوكة وهو يفكر بداخله.. بالتأكيد أصبح باردًا، إذًا عليه أن يعيد تسخينه، ولكن ربما يتسبب إعادة تسخينه في نمو البكتيريا به، وبالتالي سيصاب بالأمراض!! إذًا عليه أن يُعد طعامًا غيره ويحتفظ بما تلف لإطعام كلاب حراسة الكومباوند، وبعد دقائق قضاها في حوار صامت مع شريحة اللحم انتهي به المطاف وقد صرف تفكيره عن إعداد طعام آخر واكتفى بأن التقط ثمرة تفاح وقام بغسلها حتى صرخت طالبةً للنجدة من بين يديه ثم بدأ بأكلها وهو يتجه نحو فراشه استعدادا للنوم.
ضبط منبهه على الساعة السادسة صباحا، ثم نظر إلى ساعة الهاتف مجددا ليجدها قد تجاوزت العاشرة بعشر دقائق فأعاد ضبط المنبه على الساعة السادسة وعشر دقائق! بالطبع لن يتنازل عن ثمان ساعات كاملة من النوم والراحة والسلام قبل أن يخرج ليواجه معشر المرضى النفسيين!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في العاصمة الأسبانية .. مدريد
وبالتحديد في فندق ' بويرتو ديل سول ' الذي يقع بقلب العاصمة، حيث يقيم عمر إقامة مؤقتة.
توقفت السيارة الخاصة بعمر والتي استأجرها لتصاحبه طوال مدة إقامته في الفندق، ونزلت منها فتاة في الثلاثينات تقريبًا، هيفاء الطول، صفراء الشعر، زرقاء العينين، لا داعي لوصف ما ترتديه لأنه غير موجود أساسًا ، دارت حول السيارة وفتحت الباب المجاور ثم التقطت ذراع عمر ولفتهُ حول رقبتها وهي تساعده للخروج من السيارة حيث كان في حالة مزرية بعد أن تناول الكحول الذي أفقده وعيه وتركهُ ثملا .
أعطت الفتاة مفاتيح السيارة للشاب المسؤول عن خدمة صف السيارات بالمرآب الخاص بالفندق، ثم اصطحبت عمر الذي كان يسير متراقصًا وهو يغني بصوت صاخب:
Cómo te llamas baby?
ما اسمك يا عزيزتي؟
Desde que te vi supe que eras pa’ mi
منذ أن رأيتك عرفت أنك لي
Dile a tus amigas que andamos ready
أخبري أصدقاءك أننا مستعدون
Esto lo seguimos en el after party
سنتابع هذا في الحفل التالي
كتمت ضحكاتها وهي تهمس إليه قائلة:
Omar, todos nos miran, cállate un poco.
( عمر، الجميع ينظرون نحونا، كن هادئاً قليلا )
توقف عمر في باحة الفندق وهو يصيح بثمالة ناطقًا بعربية جعلت نزلاء الفندق كلهم يلتفتون إليه:
ـ اللي يتفرج يتفرج… مش مهم .
لم تفهم ما قاله ، ولم يفهم المحيطون أيضا، فنظرت إليهم وتمتمت باعتذار واهٍ ، ثم ساعدته حتى دخلا إلى المصعد وصعدا إلى الطابق الموجود به غرفته، ثم توجهت نحو الغرفة ودخلا لتتفاجأ به وهو يحتجزها بينه وبين الحائط من خلفها وهو يقول بغير تركيز:
ـ إنتي إزاي جامدة كدة! أنا مشوفتش في جمالك قبل كدا.
ـ Qué ( ماذا )
ـ eres tan sexy ( أقصد أنكِ مثيرة جدا )
ضحكت وهي تحيط وجهه بيديها وتقول بمجون سافر:
ـ Tu también eres un hombre muy sexy, me encantaría probar tus habil ربidades como hombre.
( أنت أيضا رجل مثير جدا ، يسعدني اختبار قدراتك كرجل عربي )
استفزت رجولته بأنوثتها الطاغية ونعومتها المفرطة، ليقترب من أذنها هامسًا بكل ما يعرف ويحفظ من غزل فاحش استطاع به أن يفرض هيمنته عليها كليًا ويجعلها تخوض معه مغامرةً تُثري الخيال كانت هي الأولى من نوعها، مغامرةً كان يتوق إليها بشغف رجلًا لا يكترث لشيء أبدا، ولا ينتهي شغفه عند شيء إلا وقد ناله، رجلا لا يبالي إلا بما يريد، لينتهي به الأمر مستلقيًا غائبًا عن الوعي، غارقًا في نومٍ أسود، ولم يشعر بتلك التي تسللت من جواره والتقطت كل ما يملكه من مال وهاتف ، حتى ساعته الفخمة باهظة الثمن، وفرت بما سرقته هاربة وهي تتلفت حولها يمينًا ويسارًا بخوف من أن يلحق بها عمر قبل أن تهرب.
وبمجرد ما أن غادرت الفندق واستقلت تاكسي أخرجت هاتف عمر وقامت بنزع الشريحة منه وإلقاؤها أرضًا، ثم أخرجت هاتفها وقامت بالاتصال برقمٍ ما وقالت:
- No te preocupes, todo salió exactamente como lo planeamos y tengo el vídeo.
(لا تقلق، الأمور جرت كما خططنا لها تماما والفيديو بحوزتي.)
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺