القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار الرياضة

رواية كيف أقول لا الفصل الثالث بقلم الكاتبه مريم غريب حصريه وجديده على مدونة أفكارنا


رواية كيف أقول لا الفصل الثالث بقلم الكاتبه مريم غريب حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 



رواية كيف أقول لا الفصل الثالث بقلم الكاتبه مريم غريب حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 

بذيئة ! 

لقد كان نهارًا صعبًا منذ بدايته... كل شيء صعب و متعب


درجة الحرارة منخفضة جدًا و البرودة تخيّم على المدينة بأكملها، و رغم هذا كانت "فرح" تكد و تعمل بأقصى ما لديها من جهد لتدفئ جسمها الهزيل بالحركة المستمرة.. هنا ببيت المشغولات اليدوية، الخاص بإنتاج الفُرش و الدثائر المنزلية، و التابع لتلك السيدة الغليظة صاحبة الوجه العابس على الدوام ...


كانت كالعادة تقف فوق رؤوس الفتيات اللاتي يعملن خلف ماكينات الخياطة في صفوف متساوية


متى ترى إحداهن تتغافل عن العمل لحظة سهوًا أو عمدًا تطلق لسانها السليط فورًا و تمعن فيهن جميعًا إهانةً و تقريعًا بأسوأ بالألفاظ النابية مثلها تمامًا


و لولا أن "فرح" تحظى بمكانة خاصة قليلًا في هذا المكان كونها من أمهر و أذكى العاملات، لم تكن لتتجرأ على التوقف قبل إنهاء ما تفعله الآن، ثم تقوم و تمضي صوب غرفة التخزين بعد أن حصلت على إذن الرئيسة لتتلقى تلك المكالمة المُلحة ...


-نعم غادة ! .. ما الأمر أخبريني.. غادة لديّ عمل الآن.. لا تقلقيني ماذا حدث ؟ .. حسنًا.. سآتي حالًا !


و أغلقت مع "غادة" و هي تعود مسرعة إلى رئيستها ...


تمكنت من الحصول على الإذن بالذهاب بإختلاق كذبة بيضاء، أخبرتها بأن أمها المريضة قد زاد عليها التعب و يجب أن تذهب لتأخذها إلى المشفى بسرعة


و هكذا غادرت عملها و حملت نفسها بسيارة أجرة لتكون أمام المنزل في غضون دقائق معدودة ...


-ما الأمر غادة ؟ ماما بخير ؟؟؟؟ .. قالتها "فرح" عندما فتحت باب الشقة


و إندفعت لاهثة صوب صديقتها التي قنّعت وجهها بشيء من التحفظ الباعث على الغرابة ...


-إطمئني يا عزيزتي والدتك على أحسن ما يرام ! .. طمئنتها "غادة" بصوتها الحنون


لتزفر "فرح" بإرتياح ما لبث أن تحول إلى عاصفة هوجاء ...


-إذن لماذا حدثتني بهذه الطريقة على الهاتف ؟ لماذا جعلتني أترك العمل في منتصف اليوم هكذا ؟ ألا تعرفين كيف تتعامل السيدة تيسير مع العاملات في العادة ؟ لو آ ا ..


-إهدأي فرح. إهدأي من فضلك ! .. قاطعتها "غادة" بلهجة لطيفة لا تخلو من الحزم


لتلاحظ "فرح" أن صديقتها كانت تزجرها بنظرة تحذيرية غريبة منذ دخولها، و قبل أن تسألها ما بها بادرت الأخيرة و هي تقبض على كفها و تشد عليه :


-لم يكن من الملائم إخبارك بالأمر على الهاتف. كان يجب أن تآتي بسرعة لتستقبلي السيد هاشم بنفسك ! .. و أشارت بعينيها إلى شيء ما خلفها


عقدت "فرح" حاجبيها بشدة و هي تلتفت ورائها فورًا، لترى ذلك الرجل الجالس بالصالون يراقبها في صمت و هدوء شديدين.. حبست أنفاسها بصدمة بادئ الأمر، عندما أذهلتها رؤية ذاك الكائن الماثل أمامها !!!


رؤيته لأول برهة تبعث على الخوف، إلا أنه لم يكن مخيف أبدًا، بل على العكس، لعلها تلك الهالة المهيبة المحيطة به و هو يجلس هكذا واضعًا ساق فوق ساق رافعًا وجهه النبيل صوبها... ما أن رآها قد إلتفتت نحوه حتى قام واقفًا بتروِ


ليزداد ذهولها من إرتفاع قامته و ضخامة جسمه، ذلك شيء لا تراه سوى بالأفلام، رجل مثله، بوسامته و أناقته.. كان يشبهها إلى حد ما، فتلك العينان الملونتان تملكها تمامًا، و النظرة الحادة ذاتها رغم أنه يغلفها الآن ببرود منقطع النظير، و كأنه يجسد الجلال و الغطرسة معًا !


لم تنتبه حتى هدر ذلك العواء الطفولي، إلى أن كانت هناك طفلة أيضًا، تجلس في عربتها الصغيرة على مقربة منه ...


ظلت تحملق فيهما بنظرات مشدوهة و قد عجزت عن الكلام، ليبتسم "هاشم" و هو يبتر الصمت بصوته العميق :


-لابد أنك فرح. بالطبع لا شك أنك هي.. بإمكاني الإحساس بصلة الدم المشتركة بيننا. في تلك اللحظة بالذات.. كم أنا مسرورًا برؤيتك يا إبنة الخال !


ما كادت "فرح" ترد حتى تدخلت "غادة" من جديد بنفس اللهجة المحذرة :


-السيد هاشم قد قابل والدتك منذ قليل يا عزيزتي !


نظرت لها "فرح" مفغرة فاها من شدة الغضب، لتكمل "غادة" بإصرار :


-أنا جلست معهما حتى أتمكن من ترجمة كلام السيدة ناهد للسيد. أما الآن و قد وصلتي فأنا أبلغك رسالة أمك. إنها الآن بفراشها تخلد للراحة و تقول لك أنه يتوجب عليك الجلوس مع السيد هاشم. هناك ما يجب أن تتحدثا بشأنه .. ثم نظرت إلى "هاشم" قائلة بإبتسامة لطيفة :


-أتسمح لي بمجالسة الصغيرة ريثما تنتهيان من الحديث أنت و فرح يا سيدي ؟


تألقت إيتسامة "هاشم" الجذابة من جديد و هو ينحني ليحمل إبنته من العربة قائلًا :


-كنت أريد أن أقدمها لفرح أولًا. يسّرني أن أكون أنا و طفلتي الغالية أول من تتعرف إليهم إبنة خالي من عائلتها !


و لأول مرة يتحرك متقدمًا صوب "فرح" بثبات، لتسيطر على نفسها و على غضبها بصعوبة حين وقف على بعد خطوتين منها، لم تتطلع إلى وجهه مباشرةً عندما قال :


-هذه سيرين إبنتي.. سيرين. هذه فرح إبنة الخال مراد. ألا ترحبين بها في العائلة يا صغيرتي !


و هنا نظرت "فرح" له متناسية هيئته الآخاذة و سحره، كان الغضب وحده هو الشعور الأقوى الذي يستبد بها، و قد حرره ذلك الرجل بكلامه و خاصةً عبارته الأخيرة ...


-أنا آسف إن كنت قد آتيت دون موعد مسبق ! .. قالها "هاشم" بلهجة مقتضبة


كان يرمقها بنظرات عابسة، إذ إستشف فجأة الجفاء في إستقبالها له و إستشعر العدائية الكامنة بنظراتها


إستطرد و هو يربت على خد إبنته بلطف :


-و أعتذر أيضًا على إحضار ضيف آخر غير متوقع. و لكن الجميع يعرف أنني لا أتحرك إلى أيّ مكان من دون إبنتي. فهي شديدة التعلق بي.. كما أنا كذلك !


-لا بأس طبعًا يا سيدي ! .. هتفت "غادة" ضاحكة


كالمتوقع هي تنقذ الموقف و تحاول تلطيف الأجواء بين القريبين !!!


مدت "غادة" يديها لتتلقى الصغيرة من والدها و هي تقول بتهذيب :


-أتسمح لي ؟ سآخذها إلى غرفة المعيشة. فور أن تنتهي مع فرح سأعيدها إليك


تنهد "هاشم" و هو يحني رأسه ليطبع قبلة على جبهة "سيرين".. ناولها إلى "غادة" في الأخير و لوّح لها مودعًا و هي تبتعد عن ناظريه إلى الغرفة المجاورة


أدار وجهه نحو "فرح" ثانيةً، لم يطرأ عليها أيّ تغير.. فقال بلهجة جامدة و هو يضع يديه في جيبيه :


-لو لم أسمعك تخاطبين الآنسة غادة منذ قليل لأيقنت أنك ريما تكونين مثل أمك. خرساء !


صعقت "فرح" من تلك الفظاظة غير المتوقعة، فكزت على أسنانها مغمغمة بحنق شديد :


-أجئت قاصدًا الكلام أم الإهانة يا هذا ؟ لتعلم أنني لن أسمح لك بالتطاول أبدًا. إن قلت كلمة أخرى لم تعجبني فلن أتواتى عن طردك و التسبب لك بفضيحة هنا وسط الحي بأكمله !


ضحك "هاشم" و هو يصفق لها قائلًا :


-أحسنت. أحسنت يا إبنة الخال.. أنت شيئًا فشيئًا تثبتين لي أنك حقًا من آل البارودي. رغم أنك نشأت بعيدًا. إلا أنني أستطيع أن أرى طِباع بعضنا فيك. فأنت مثل عمتي آسيا و إبنها ريان.. لا يحرك غضبهما سوى الإهانة !


-و ماذا عنك أنت ؟! .. هتفت "فرح" بإزدراء


-هل تتساهل مع من يهينك أم ماذا ؟!!


رمقها "هاشم" بنظرة مطوّلة، دون أن يبتسم، ثم قال :


-هناك حكمة إنجليزية تقول.. الإحتقار هو الشكل الأذكى للإنتقام. و أنا بارع في هذا الصدد صدقيني. لا يحب أحد أن أحتقره مرتين. إسألي عني جيدًا


إلتوى فمها بإبتسامة ساخرة و هي تقول :


-و كأنني أهتم بك حقًا !! .. و تابعت بحدة :


-نزولًا عند رغبة أمي أنا سأسمعك. لذا قل ما جئت لأجله لأنني لست متحمسة أبدًا للجلوس معك و تبادل الأحاديث


قطب "هاشم" جبينه و هو يحدق فيها بفضول قائلًا :


-عليّ أن أعترف.. عندما لم ألق ردًا على تلك الدعوة التي بعثتها إليك. لم أكن أتخيل أنك تضمرين كل هذا العداء لعائلتنا.. أمك لمّحت لي بهذا و أظنني قد فهمتها الآن !


فرح بإستهجان : و ماذا كنت تتوقع يا إبن البارودي ؟ أن أرتمي بين أحضانك ثم أهرع لمنزلكم الذي يعج بالسفلة آكلي الأموال و عديمي الضمير. حريًا بك أن تحتقر عائلتك إن كنت رجلًا صالحًا كما تدّعي !


كانت الدماء قد إنسحبت من وجهه أثناء حديثها، لتعود مجددًا و يحتقن وجهه بحمرة خطيرة و هو يقول بصوت هادئ لا ينذر بالخير :


-لم أدّعي أبدًا أنني صالحًا. و لم يعد لديّ فضول لأعرف أسباب حقدك الشديد هذا علينا.. و لكني أعدك بأنك سوف تدفعين ثمن ما قلته الآن قريبًا جدًا. فأنا لا أقبل أن تكون زوجتي سليطة اللسان و بذيئة هكذا


فرح بصدمة كبيرة :


-ماذا ! ماذا قلت ؟؟؟ من زوجتك تلك ؟؟؟!!!


هاشم بقساوة : أنت طبعًا. هل تراني أحدث غيرك ؟!


أفلتت ضحكتها متقطعة و هي تقول بإستهزاء :


-هل أرسلوك لتمازحني أم لتسخر مني ؟ يا لأخلاق هؤلاء الأثرياء. أنتم حقًا آ ..


-مندهشة أم أنك لا تصدقين طلبي ! .. قاطعها بغلظة قبل أن تخوض في مزيد من الوقاحة


رمقته "فرح" بغضب قائلة :


-لا هذا و لا ذاك. حتى لو كنت جادًا لا تتوقع مني تغيير موقفي إزاءكم و خاصةً أنت


هاشم ببرود : على كل حال هذا لم يكن طلبًا. لقد جئت لأبلغك بما سيحدث.. تلك كانت وصية سليمان باشا. جدنا. لا ينبغي أن تحصلي على ميراثك إلا بعد أن يتم زواجنا أنا و أنت. و قد طلبت يدك من أمك فعلًا و هي موافقة !


رفرفت "فرح" بأجفانها مذهولة من كلامه، فلم تستطع إلا أن تصيح به منفعلة :


-أنت مجنون. بل أنتم جميعًا مجانين. أنتم آ ا ا ..


سكتت فجأة حين قطع المسافة بينهما بخطوتين واضعًا إصبعه فوق شفاهها الوردية ...


-يحق لك أن تعرفي أنني لم أكن متحمس أبدًا لفكرة الزواج مرةً أخرى !


جمدت تمامًا تحت نظراته الثاقبة و لهجته الخافتة الموحية بخطر محدق... بينما يكمل و هو يرطب شفته السفلى بلسانه :


-و لكن بعد أن رأيتك تغيّر رأيي من تلقائه.. أنت جميلة جدًا يا فرح. صغيرة و فتية. و أنثى جامحة أيضًا. من عساه يكون أولى بك غيري !


صحت "فرح" من صدمتها في هذه اللحظة، دفعته عنها بكل قوتها صارخة :


-إخـــرج.. إخـــرج من منزلي الآن. إذهـب و لا تريني وجهك هذا أبدًا. لا أريد أموالكم و لا أريد الزواج منك حتى لو كنت آخر رجل بالعالم.. إخـــرج من منزلــي !!!


لم تؤثر فيه دفعتها و ظل واقفًا مكانه كصخرة شامخة، بينما حضرت "غادة" فورًا على صوت شجارهما، نقلت نظراتها بينهما و هي تقول بتوجس :


-ما الأمر ما الذي يحدث هنا ؟ آمل أنكما لا تتشاجرا ! .. نظرت إلى "فرح" متسائلة :


-فرح !


ساد الصمت للحظات إضافية و الإتصال البصري القوي بين "فرح" و "هاشم" لم ينقطع، حتى قرر التحييد عنها أخيرًا ...


-إعطني إياها ! .. قالها "هاشم" بهدوء مادًا يداه صوب "غادة" ليأخذ إبنته


سلّمتها له على الفور، ليحملها مرة أخرى و يضعها بعربتها القابلة للطي، رفعها عن الأرض على ذراعه و مشى ناحية "فرح" قائلًا بصوت صارم :


-لا أحد بقصر البارودي يعلم بشرط حصولك على الميراث غيري و إياك الآن. سنخبرهم معًا حالما تحضرين. و خيرًا لك أن تحسمي أمرك بأسرع وقت. فمخزون الصبر بدأ ينفذ منا جميعًا


زمجرت "فرح" : هذا لن يحدث. سمعت ؟ لن يحدث !


علت زاوية فمه بإبتسامة ماكرة، فقال و هو يميل برأسه صوبها :


-هل تراهنين ؟!


قفزت مبتعدة عنه، و كأنه وحش مفترس، ليضحك بمرح و هو يتابع سيره حتى باب الشقة... رحل مغلقًا الباب من خلفه


فإرتفعت نظرات "فرح" إلى "غادة" في هذه اللحظة، سألتها بصوت مكتوم :


-اللعنة ! ماذا قالت أمي لهذا السافل ؟؟!!!!! .................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...



بداية الروايه من هنا





تعليقات