رواية الشبيهه حصريه وجديده وكامله جميع الفصول بقلم الكاتبه لبني دراز على مدونة أفكارنا

رواية الشبيهه حصريه وجديده وكامله جميع الفصول بقلم الكاتبه لبني دراز على مدونة أفكارنا 


رواية الشبيهه حصريه وجديده وكامله جميع الفصول بقلم الكاتبه لبني دراز على مدونة أفكارنا 


قبل أن ينبض الوجود بالحياة، سطرت أقدارنا في لوح محفوظ منذ زمن لا يدركه العقل. هل نملك أن نتمرد على ما كُتب؟

كلا، ولكن ماذا لو وجدتُ نفسي مجرد عقاب لجريمة لم أرتكبها؟ أم أنني كنت منذ البداية جزءًا من خطيئة لم أفهمها؟


رزان، فتاة فقيرة تعمل خادمة في ڤيلا رجل الأعمال رؤوف الزيني، أحد أشهر رجال السوق، والذي يطلقون عليه لقب "الحوت". شاءت الأقدار أن تكون رزان نسخة تكاد تتطابق مع ابنته تالا، وكأنهما توأم، رغم اختلاف طبقاتهما. تشابه ليس في مظهرهما فحسب، بل حتى في بنية جسديهما. وفي أحد الأيام، بعد انتهاء يومها الطويل في العمل، وقبل أن تغادر، سمعت صوت تالا يناديها من بعيد:

"رزان، تعالي هنا، عايزاكي."


أسرعت رزان نحوها بتواضع ملحوظ، وقالت بنبرة محترمة:

"تحت أمرك، يا آنسة تالا، عايزة حاجة أعملها قبل ما أمشي؟"


ابتسمت تالا، تلك الابتسامة التي تحمل في طياتها شيئًا من الرقة والترف معًا:

"لأ، مش كده. بس كنت جايبة لك شوية فساتين. مش محتاجاهم، وقلت إن جسمنا واحد تقريباً، فهيمشوا عليكي زي ما هم عليا."


رزان، برقة معتادة، ردت مترددة:

"شكراً يا آنسة تالا، بس أنا مش محتاجة حاجة."


تالا لم تصدق ما سمعته، نظرت إليها بدهشة ممزوجة بتعاطف:

"ليه بس يا رزان؟"


خفضت رزان رأسها، عيناها غرقتا في بحر من الحزن، وقالت بصوت مختنق:

"ما أقدرش أخد حاجة مش مشترياها بفلوسي."


تالا، بنبرة أشد لينًا، اقتربت منها لتخفف عنها:

"يا رزان، مش هتزعليني، صح؟ اعتبريهم زي ما تحبي، اشتريتيهم، أو حتى جزء من أجرك على شغلك هنا."


بصوت متردد، حاولت رزان أن تدافع عن موقفها:

"بس البيه الكبير بيديني مرتب على شغلي، يا آنسة تالا."


تالا لم تتراجع، بل بدت مصممة:

"عارفة، يا ستي. بس أنا كمان بديكي حاجة، مش لازم تكون فلوس. المهم، تاخديهم بقى."


بعد لحظة صمت، تنهدت رزان، وكأنها استسلمت:

"حاضر، هاخدهم. شكراً ليكي."


تالا، بابتسامة صغيرة تحمل ما بين الرفق والفخر، قالت:

"العفو يا قمر. ويلا، بقى. عايزاكي تلبسي واحد منهم بكرة في حفلة عيد ميلادي، ماشي؟"


رزان، بصوتها الهادئ المليء بالامتنان، ردت:

"إن شاء الله. كل سنة وأنتِ طيبة، يارب يسعدك ويحفظك."


غادرت رزان الفيلا، تحمل الفساتين في يديها وكأنها تحمل عبئاً ثقيلاً. وبينما كانت تسير عائدة إلى منزلها، لم تستطع إلا أن تشعر بتناقض غريب يعتمل في داخلها. تلك الفساتين، رغم جمالها الأخاذ، كانت تذكرها دومًا بالمسافة التي تفصل بينها وبين حياة لا تشبه حياتها. مسافة لا يقيسها الزمن ولا المال، بل القدر.


_______________________


فى شقة أمير


داخل شقة فاخرة في أحد الأحياء الراقية، حيث كل شيء يعكس الثراء والرقي.

كان أمير السمري يجوب الغرفة جيئة وذهاباً، كأنه أسد حبيس في قفص ضيق. عيناه تقدحان شررًا، وحركاته غير مستقرة، كأن الغضب يغلي بداخله. فجأة، صرخ بصوت هز أرجاء المكان:

"بقى أنا أمير السمري يرفضني رؤوف الزيني؟ أنا! يقول لي أنت ماتنفعش بنتي؟ إنت مش هتعرف تعيشها في نفس المستوى اللي هي عايشة فيه؟!"


في تلك اللحظة، دخلت والدته على وقع صوته الغاضب، لتجده كأنه بركان على وشك الانفجار، وجهه محمر، وأوداجه منتفخة، والغضب يخرج من كل جزء فيه. حاولت أن تهدئه، فقالت بحنان قلق:

"مالك يا أمير، إيه اللي حصل؟ جرالك إيه يا حبيبي؟ عامل في نفسك كده ليه؟"


لكنه لم يكن في حالة يستمع لأي شيء، واستمر في صراخه، وهو يكاد يجن من الغضب:

"أنا أمير السمري أروح أطلب بنت رؤوف الزيني للجواز، فيرفضني! ويقول لي أنت مش من مستوانا؟!"


حاولت والدته بقدر الإمكان أن تمتص غضبه، فقالت بهدوء:

"يا حبيبي، اهدى شوية، ما تعملش في نفسك كده. الجواز قسمة ونصيب يا ابني."


لكن كلماتها لم تصل إليه، بل زادته اشتعالًا، فصاح بصوت مرتفع:

"ما تقوليش أهدى! ما تقوليهاش أبداً! أنا مش هاهدى ولا هيهدالي بال غير لما أندمه على كل كلمة قالها! إنتِ فاهمة؟!"


شعرت والدته بالعجز أمام ثورته العارمة، وحاولت مجددًا أن تسيطر على الموقف، قائلة:

"يا ابني، يعني بس اللي خلقها ما خلقش غيرها؟ البنات كتير، والف مين تتمناك! وانت ما شاء الله عليك، اسم ومركز. شاور بس على أي واحدة، ومن بكرة أخطبها لك."


لكنه كان قد اتخذ قراره، ونظر إليها بعناد، وقال بصرامة:

"لأ، أنا مش عايز غير تالا الزيني. سامعة؟ تالا وبس!"


حاولت أن تسترجع ما تبقى من صبرها، لكن صوتها الآن كان أكثر حدة، وكأنها تحاول أن تهزه من جنونه:

"وأبوها رفضك! هتعمل إيه يعني؟ هتذل نفسك ليه؟ ولا هتتجوزها غصب عنه؟ أعقل وفكر في مستقبلك، وبطل الجنان اللي إنت فيه ده!"


لكن أمير كان قد دخل في دوامة من الأفكار المظلمة، فصرخ بصوت مكتوم يكاد يخفي خلفه تهديداً مرعباً:

"لأ، مش هابطل جنان يا ماما! ومش هتجوز غير بنت الزيني! حتى لو وصل الأمر إني أقتله عشان أتجوزها! هعملها! وأخرجي بقى، سيبيني، عايز أنام."


خرجت والدته من الغرفة وهي يملؤها القلق، ليس فقط من كلامه، بل من الطريقة التي قال بها تلك الكلمات. كانت تدرك أن ابنها لم يكن يمزح. بينما هو، بعد خروجها، جلس على فراشه، يداه ترتعشان قليلاً من الغضب. أخذ يفكر بعمق، كيف يمكنه الانتقام من رؤوف الزيني؟ كيف يجعله يندم على رفضه؟ وكيف يأتي إليه زاحفًا، يترجاه أن يتزوج ابنته؟


_______________________


فى بيت رزان


في قلب حارة قديمة متفرعة من أخرى أشد ضيقًا، يقبع بيت صغير يكاد يكون منسيًا بين بيوت الحي المتهالكة. يتألف البيت من غرفتين متواضعتين؛ غرفة الأب والأم تحتوي على فراش أرضي وخزانة ملابس وحيدة، قديمة ومهترئة، تقف في ركن الغرفة وكأنها تحتمل الذكريات أكثر مما تحتمل الأثاث. الصالة تخلو تقريبًا من أي قطع أثاث، لا يوجد بها سوى حصيرة صغيرة واهنة تحت قدمي الجالسين. جدران الغرفة، المتشققة بفعل الزمن، تزينها وسيلة الترفيه الوحيدة للعائلة: راديو صغير معلق على مسمار قديم، يُبث منه صوتٌ خافت يعكس بساطة الحياة التي يعيشونها.

دخلت رزان البيت بخطوات مليئة بالحياة، رغم الفقر الذي يحيط بها من كل جانب. ابتسامتها المشرقة تملأ وجهها البريء، وكأنها جاءت لتنير تلك الزوايا المظلمة في بيتها الصغير. أطلقت التحية بصوت ملؤه الحماس:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."


رفع والدها عينيه المثقلتين من وقع الزمن ورده كان يحمل معه حزنًا دفينًا:

"وعليكم السلام ورحمة الله، حمد الله ع السلامة يا بنتي."


لمحت رزان في عينيه تلك الهموم المتراكمة على مدى سنوات، فسألته بمرحٍ تخفي خلفه حنانًا عميقًا:

"الله يسلمك يا بابا، مالك بقى حزين ومبوز كده يا سيد؟"


نظر إليها والدها بتنهيدة طويلة، وكأن حمل العالم جثم على كتفيه:

"صعبان عليا تعبك يا رزان يا بنتي، انتي شغالة وشقيانة علينا، أنا وأمك وأخواتك الصغيرين، وأخوكِ البكري عايش لنفسه... كل ما يفتكرنا بيجي لما فلوسه تخلص، مش عشان يسأل علينا."


ابتسمت رزان، لكن بداخلها كانت تشعر بثقل هذه الكلمات، فاقتربت من والدها ووضعت يدها على كتفه برفق قائلة:

"أنا كنت اشتكيت لك يا حاج؟ ولا أنت شايف إني مقصرة معاكم وعايزة مساعدة؟"


هنا، تدخلت أمها بحزن شديد، دموعها بدأت تسيل على وجنتيها، لتكشف عن معاناة لا يمكن إخفاؤها:

"يا بنتي، أبوكِ صعبان عليه قعدته في البيت عاجز، مش قادر ينزل يشتغل ويريحك. ولولا إن خلاص ما بقاش حيلتنا حاجة تتباع، ما كانش وافق إنك تروحي تخدمي في بيوت الناس."


اقتربت رزان من والدتها، قبلت يدها بحب وحنان قائلة:

"يا ست الكل، ربنا كرمني بناس محترمين وبيحترموني وبيدوني مرتب كويس. إنتوا شايلين الهم ليه بقى؟"


لكن والدها لم يستطع أن يمنع شعوره بالألم الذي تملكه، فواصل حديثه:

"شايلين هم تعبك يا رزان. اللي زيك يا بنتي كان لازم تكون دلوقتي في بيتها ومعاها عيال."


نظرت رزان إلى والدها بعينين تملؤهما الشفقة على حاله، لكنها حاولت التخفيف من ثقل الأجواء بمزاح خفيف:

"ومين قالك إني عايزة أتجوز وأقعد في البيت؟ ولا تكونش زهقت يا سيد وعايز تتخلص مني!"


ضحكت أمها رقية، تلك الضحكة التي لم تسمعها منذ مدة طويلة، وقالت:

"يخيبك يا بت يا رزان، إنتِ عايزة تفضلي قاعدة معانا كدا  طول عمرك من غير جواز؟"


رزان، وهي تضحك بدورها، قالت:

"آه يا ست رقية، هافضل قاعدة في أرابيزكم طول عمري، إيه رأيك بقى؟"


حتى والدها، الذي كان محاطًا بهموم الدنيا، لم يستطع أن يمنع نفسه من الابتسام:

"وماله يا ستي؟ خليكي قاعدة، يعني انتِ كنتِ قاعدة على دماغنا."


وبمرور الوقت، استطاعت رزان أن تمحو الحزن الذي كان يسكن وجهي والديها. استطاعت أن تزرع الابتسامات والضحكات في قلبهما من جديد، قبل أن تخبرهما بسعادة عما حدث لها مع تالا وعن الفساتين التي منحتها إياها، وكم كانت جميلة تلك الفساتين التي جلبت معها جزءًا من السعادة إلى قلبها رغم الفقر الذي تعيش فيه.


______________________


 داخل فيلا رؤوف الزيني


عاد رؤوف إلى فيلته بعد انتهاء يوم عمله في الشركة، بحثًا عن تالا ليطمئن عليها ويتناولان العشاء معًا. وجدها جالسة حزينة في غرفتها، فاقترب منها وسأل بقلق:

"حبيبة بابا، مالك؟ زعلانة ليه؟"


أجابت تالا بصوت متهدج، ودموعها تتساقط بغزارة:

"كان نفسي مامي تكون معايا بكرة في عيد ميلادي."


احتضن رؤوف ابنته، محاولاً تهدئتها، وقال بصوت مشحون بالحزن:

"تالا، انتي عارفة إن مامتك نسيتنا من زمان وعاشت حياتها بعيد عننا. ياريت ننساها أحنا كمان زي ما هي نسيتنا."


سألت تالا بفضول:

"وإنت ليه ما نسيتهاش، يا بابي، واتجوزت تاني بعد ما طلقتها؟"


رد رؤوف، وقد بدا عليه الحزن العميق:

"نسيتها يا تالا، بس الوجع اللي سببتهولي ما ينمحيش بسهولة. وما اتجوزتش تاني مش علشان كنت بحبها، لكن علشان ما فيش واحدة تستاهل اسلمها اسمي وقلبى تاني."


نظرت تالا إلى والدها وسألته بتعاطف:

"يعني يا بابي، ما فيش أي ست قدرت تنسيك وجعك من مامي؟"


تنهد رؤوف وأطلق زفيرًا عميقًا، قائلاً وهو يحاول إخفاء حزنه:

"الوجع اللي سببته مامتك صعب إنه يتنسي، لأن صورتها دايمًا قصاد عيني، وهي في حضن صاحبي. ولما واجهتها، ما أنكرتش، وعيرتني بفقرى. وقتها طلبت الطلاق علشان تتجوز واحد غني."


أجابت تالا بجدية:

"بس أنت دلوقتي بقيت رجل أعمال كبير وغني، تقدر تتجوز أي واحدة."


رد رؤوف، معلقًا:

"من وقت ما طلقت مامتك، قررت ما اتجوزش تاني. اشتغلت وتعبت لغاية ما حققت النجاح الكبير ده، كله علشان خاطرك أنتِ، علشان ما تعيشيش مرارة الفقر ولا تسمعي كلمة توجعك. علشان أضمن لك مستقبلك مع واحد يعيشك في نفس مستواك ويحافظ عليكِ و على مالك من بعدي."


قالت تالا بامتنان:

"بعد الشر عنك يا حبيبي، ربنا يخليك ليا وما يحرمنيش منك أبداً."


أجاب رؤوف، وهو يبتسم:

"وما يحرمنيش منك يا روح بابي. يلا بقى، خلصنا الكلام وفاضل أننا نتعشى دلوقتي لأني جعان موت."


نهضت تالا من مكانها بفرح، وابتسمت بحنان، مما جعل وجهها يضيء كالقمر. سارا معًا نزولاً عبر السلالم، وتوجها إلى صالة الطعام ليقضيا وقتًا ممتعًا في تناول العشاء سويًا.


_______________________


بالعودة الى شقة أمير


الليل كان قد تسلل وأسدل ستائره على أرجاء الشقة، غرق الجميع في نومٍ عميق، إلا أمير الذي ظل جالسًا على فراشه، يتأمل خطته التي نسجها بعناية. قرر تنفيذ ما جال بخاطره، فالتقط هاتفه واتصل بشخصٍ ما.

"ألو؟"


جاء الرد سريعًا بعد رنينٍ قصير:

"أؤمرني يا باشا."


أمير كان حازمًا في كلماته:

"اسمع اللي هقولك عليه ونفذه بالحرف."


"تحت أمرك، نفذ على طول."


"عايزك تعمل (......)، وهبعتلك كل التفاصيل على الواتساب."


"أهم حاجة صورة الشخص المطلوب."


"ما تقلقش، هبعتلك كل حاجة."


لم يتأخر أمير، أرسل الرسالة كاملة، مرفقة بصورة الشخص المطلوب. نظر إلى ساعته الحائطية، وشعر بثقل الانتظار وطوله. لم يمضِ وقت طويل حتى غلبه النوم، بينما كان يتوق بشدة لما سيحمله الغد.


____________________


في صباح اليوم التالي


استيقظت رزان قبل بزوغ الفجر، نهضت من فراشها وتوجهت إلى الحمام لتتوضأ، ثم قامت بأداء صلاة الفجر. بعدها أيقظت والدذتها ووالدها وأخوتها الصغار ليؤدوا الصلاة. بعد الانتهاء، شرعت في تحضير طعام الإفطار للجميع قبل أن تغادر إلى فيلا الزيني لمباشرة عملها كالمعتاد.

لكن في لحظة غير متوقعة، انتابها شعور بالخوف الشديد، شعور غريب تسارع معه نبض قلبها، وكأن حدسها يخبرها بأن شيئًا ما سيحدث. ورغم ذلك، تجاهلت إحساسها وخرجت من المنزل بعد أن ودعت عائلتها، ولكن القلق كان لا يزال يغزو قلبها وهي تحدث نفسها:

"يا رب هات العواقب سليمة."


بعد فترة قصيرة، وصلت رزان إلى فيلا الزيني وبدأت يومها كالعادة. عندما انتصف النهار، استيقظت تالا من نومها، قامت وتوضأت لتصلي ما فاتها، ثم نزلت إلى الأسفل باحثة بعينيها عن رزان في أنحاء الفيلا. عندما لم تجدها، نادت عليها:

"رزان!"


ابتسمت رزان وهي تأتي بسرعة قائلة:

"أؤمريني يا أنسة تالا."


"عايزة أحلى فطار من إيدك النهاردة يا روزي."


"من عينيّ، حالاً يكون عندك أحلى فطار."


اندفعت رزان إلى المطبخ لتحضير الإفطار، وبعد أن انتهت، قدمته لتالا في صالة الطعام، وأبلغتها بأن الطعام جاهز. تالا، بدورها، طلبت منها مشاركتها الفطور:

"اقعدي يا رزان، افطري معايا."


لكن رزان رفضت بأدب:

"ما يصحش يا أنسة تالا، العين ما تعلاش عن الحاجب."


ابتسمت تالا وقالت:

"عين إيه وحاجب إيه يا رزان؟ بقولك اقعدي افطري معايا."


"معلش يا أنسة تالا، أنا فطرت مع أبويا وأمي قبل ما آجي. بعد إذنك أكمل شغلي."


تركتها رزان وعادت إلى المطبخ لمتابعة عملها. في الخارج، كان الجميع يعمل بجد للتحضير لحفل عيد ميلاد تالا. الوقت مر سريعًا حتى حان الموعد المنتظر. تجهزت تالا ونزلت من غرفتها لاستقبال ضيوفها. أما رزان، فقد ارتدت أحد الفساتين التي أعطتها إياها تالا، فبدت جميلة مثل تالا نفسها. كانت الفتاتان محط الأنظار بجمالهما وحجابهما الذي أضفى لمسة من الأناقة.

عندما رأت تالا رزان، تغزلت في جمالها:

"يخربيت جمالك! كنتِ مخبية الحلاوة دي فين يا بنتي؟"


ابتسمت رزان بخجل وقالت:

"ربنا يخليكي يا أنسة تالا، أنا أجي في جمالك إيه بس؟"


تالا ضحكت وردت:

"لا يا رزان، إنتِ زي القمر!"


"ربنا يجبر بخاطرك يا أنسة تالا."


ضحكت تالا وقالت:

"يلا بلاش رغّي، ادخلي شوفي شغلك، الضيوف بدأوا يوصلوا."


عادت رزان إلى عملها، واستمرت في أداء مهامها حتى انتهى الحفل ورحل آخر الضيوف. قررت رزان إنهاء تنظيف وترتيب الفيلا قبل أن تعود إلى منزلها.


______________________


بمكان أخر خارج الفيلا


تحت سماء مظلمة وهدوء يكاد يكون خانقًا، وقفت سيارة على بُعد أمتار من بوابة الفيلا، بداخلها ثلاثة شباب يراقبون المكان بعيون مترقبة، في انتظار اللحظة المناسبة. في يد أحدهم، صورة "تالا" على شاشة هاتفه، بملامحها المميزة، بينما القلق يسيطر على الأجواء. حسن، الذي ضاق ذرعًا بالانتظار، نظر إلى عامر وسأله بنبرة ملؤها الضجر:

"هو احنا هنفضل قاعدين كده كتير ولا إيه؟"


رد عامر بثقة، محاولًا السيطرة على الموقف:

"هنستنى لغاية ما البت تخرج من الفيلا يا حسن. ما تقلقش."


شوقي، الذي لم يستطع كتم ارتجاف صوته، سأل بتوتر:

"لو ما خرجتش؟ هنعمل إيه؟"


عامر أصر بنفس النبرة الحاسمة:

"هنفضل مستنيين يا شوقي، الباشا قال لازم نرجع بيها. مفيش رجوع من غيرها."


حسن لم يستطع إخفاء قلقه، وتحدث بصوت مملوء بالحذر:

"يا خوفي يا عامر لا الباشا بتاعك ده يبيعنا ولا حد يعرف، ونروح في داهية."


عامر، بوجهه الجامد ونبرة مطمئنة، نظر إليه قائلاً:

"ما تخافش، الباشا كل اللى يهمه البت وبس. إحنا نوصّلها ليه بأمان، ناخد حقنا ونخلع، ولا حد يعرف عننا حاجة."


مرت الدقائق بطيئة وثقيلة حتى خرجت "رزان" من بوابة الفيلا، لكن شعورًا غريبًا سيطر عليها. لم تكن تعرف ما السبب، لكن قلبها كان ينبض بقوة غير معهودة، كأنه يحذرها. حاولت تجاهل هذا الشعور المخيف، إلا أنه كان يتزايد، ليغمرها إحساس بالخوف. كانت تريد الركض، لكن قدميها قادتها ببطء نحو الطريق، دون أن تدرك أن هناك عيونًا تتربص بها من الظلام.


في السيارة، رأى شوقي "رزان" تبتعد، وصاح بسرعة:

"البت أهي خرجت! يلا بسرعة!"


عامر انتبه فورًا وأعطى التعليمات لحسن:

"دور العربية، وخلينا نتحرك قبل ما تفلت مننا."


قفز عامر وشوقي من السيارة، وفي لحظة مباغتة، اعترضوا طريق "رزان". لم تكن تعلم ماذا يحدث حتى شعرت بيد قوية تجذب ذراعها. شوقي، دون تردد، كتم أنفاسها بيده، بينما قام عامر بتقييدها بسرعة بالحبال. في ثوانٍ معدودة، ألقوا بها في حقيبة السيارة، عيناها معصوبتان وفمها مكمم، لا ترى شيئًا ولا تقوى على الصراخ.

قاد حسن السيارة بسرعة عبر الطريق الصحراوي، حيث تحولت المدينة إلى مساحات واسعة من الظلام والصمت. كان المكان الذي يقصدونه بيتًا مهجورًا في منطقة نائية، بعيدًا عن أعين البشر. بمجرد وصولهم، كان في استقبالهم الرجل الذي أمرهم بخطف "تالا". كان يقف منتظرًا ببرود، يتأملهم بنظرات مليئة بالتفحص، قبل أن يسأل بصوت منخفض لكنه حاد:

"اتأخرتوا ليه؟"


رد عامر، وقد بدأ صوته يرتجف قليلًا:

"كنا مستنيينها تخرج زي ما قلت، وأول ما خرجت جينا على طول."


الرجل نظر إليه بشك، ثم سأله بحدة:

"متأكد إنها نفس البنت اللي قلتلكم عليها؟"


عامر رد بسرعة، محاولًا إظهار الثقة:

"أيوه يا باشا، دي حتى لابسة نفس الفستان والطرحة اللي في الصورة."


اكتفى الرجل بإيماءة صغيرة وقال:

"طلعها فوق وسيبها زي ما هي مربوطة. بعدين انزل بسرعة."


"أوامرك يا باشا."


حمل عامر "رزان" على كتفه كأنها مجرد حمل ثقيل، وصعد بها إلى الغرفة المظلمة التي تم تجهيزها لها. تركها هناك كما هي، مكبلة، معصوبة العينين ومكممة الفم، دون أن تعرف لماذا. كل ما كانت تشعر به هو الخوف والارتباك، ودموعها التي تسيل على وجنتيها في صمت.


#الفصل_الثاني


                 💔💔💔


نخفِي حُزناً ووَجعاً وَدُموعاً أحيَاناً.. خَلفَ عبَارة (أنَا بخَير).. تباً لعزة النفس.. وسحقاً لواقع لا‌ يوجد به احتواء صادق.


الشبيهة بقلمى✍️_____لبنى دراز

شعرت رقية ام رزان بغصة فى قلبها، بدأ يساورها القلق و تتملكها الهواجس من شدة قلقها على أبنتها إثر تأخرها عن عودتها الى البيت، تلاعب الشيطان بعقلها يخبرها بأن هناك كارثة حدثت لها، ظلت تجوب الشقة مجيئاً و ذهاباً بداخلها لا تعلم ماذا تفعل و لا إلى أين تذهب، تهللت أساريرها و أهتز قلبها طرباً عندما أستمعت الى طرقات الباب، ذهبت راكضة كى تفتحه لتطمئن على صغيرتها لكنها تسمّرت مكانها لا تقوى على الحركة بسبب صدمتها من رؤية الطارق وقالت:

" حسن ؟!"


نظر إليها بريبة وسوء ظن وقال:

" أيوا حسن يا أمه، إيه ماكنتيش عايزة تشوفينى؟ و لا تكونى مستنية حد تانى غيرى يجيلك فـ الوقت ده؟"


أردفت رقية بقلق قائلة:

" أبداً يا أبنى بس أختك رزان لسة مارجعتش من شغلها لغاية دلوقتي و قلبى متوغوش عليها"


" أزاى يعنى البت ما رجعتش لغاية دلوقتي يا أمه "


" أمر الله يا أبنى الغايب حجته معاه ربك ستار "


" ده انا هقطع خبرها بت الكلاب دى، و لا هى ما علشان بتشتغل و تصرف ع البيت هتمشي على حل شعرها و تتأخر على كيفها "


نهض سيد من فراشه بعدما استمع الى صوت أبنه وخرج من غرفته يتكئ على عصاه و يصيح به بغضب:

" أخرس يا صايع يا ضايع ما تجيبش سيرة أختك على لسانك الزفر ده مرة تانية، أنت فاهم"


نظر حسن إلى أبيه بغضب والشرر يتطاير من عينيه ثم صاح: 

" هو ده اللى انت فالح فيه يا أبا، بتهزقنى أنا وتشتمنى، انما السنيورة بتاعتك تدلعها وتهننها حتى لو باتت برة باليومين، مش هتسألها كانت فين طالما بتصرف عليك وبتديلك مش كدا يعنى!"


اقتربت الام اليه بحزن وأجابته بتأثر وعيناها تذرف الدمع: 

" دى عمرها ما عملتها يا أبنى، و أتأخرت كدا، انا قلبى متوغوش عليها، أنزل يا ضنايا اسأل عليها شوفها فين"


عاد وسألها مجدداً:

" انتى تعرفى فين بيت الناس اللى شغالة عندهم المحروسة بنتك؟"


"لاء يا أبنى ما اعرفش البيت فين ، بس كل اللى أعرفه أسم البيه وبنته "


" قولى أسم الراجل ده يا أمه يمكن أعرف اوصل لبيته من أسمه "


وضعت رقية كفها على جبهتها فى محاولة لتذكر أسم الشخص لتخبر أبنها: 

"أسمه باين كدا فاروق، رؤوف، أه افتكرت أسمه رؤوف الزينى"


رجّت الصدمة كيانه وجف حلقه عندما أستمع الى أسم رؤوف الزينى وبالكاد أستطاع أن ينطق:

" بتقولى مين يا أمه؟"


 استدار يداري عينيه عن امه وأبيه حتى لا يلاحظوا توتره وهو يحدث نفسه: 

"يا ليلة طين، ده باين انه الراجل اللي خطفنا بنته للباشا "


 ثم خرج من باب المنزل راكضاً دون حديث تاركاً أمه وأبيه فى قلقهم وخوفهم على أبنتهم .


_____________________


داخل منزل مهجور في قلب الصحراء، تقف جدرانه الشاحبة شاهدة على سنوات من النسيان، أتربة متراكمة تغطي الأرضيات، والعناكب تنسج خيوطها في كل زاوية كأنها تتآمر بصمت على من يجرؤ على دخول هذا المكان. الجو ثقيل، والظلام يسيطر على أرجاء المنزل، حتى أن أصوات الرياح العابرة بين النوافذ المكسورة تزيد من رهبة المشهد.

يصعد ذلك المتعجرف على الدرج الخشبي المهترئ، خطواته تتردد في المكان وكأنها تستفز كل روح سكنت هنا. شفتيه ترتسم عليهما ابتسامة ماكرة، وصافرته الحادة تملأ الفضاء الكئيب، وكأنه مستمتع بحضوره في هذا المشهد الشيطاني. عيناه تتوهجان بنظرات شيطانية، وهو يحدق بتلك النائمة. يداها وقدماها مكبلتان بإحكام، وعيناها مغطاتان بقطعة قماش قديمة، بينما جسدها يرتجف في خوف خفي. يتوقف للحظة، نظراته تتجول على جسدها وكأن شيطانًا يحركه بلا رحمة. يفقد إدراكه للصواب والخطأ، كأن الظلام الذي يسود المكان قد أعمى قلبه وعقله معًا. يتحدث إليها بنبرة ملأى بالتهكم، وهو يخلع قميصه ببطء، متلذذًا بعنجهية مطلقة، ثم يلقي به بلا مبالاة على أحد المقاعد المتهالكة، وكأن المكان ملكه والزمان خادم لرغباته القذرة:

" أخيرا هقدر أذل أبوكِ وأنتقم لكرامتى منه و أخليه يجى راكع يترجانى أستر فضيحته بعد ما رفضنى "


 وبضحكة ساخرة و بعيون يملأها التحدى أكمل حديثه:

❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️

" دلوقتي هو اللى هيجرى ورايا و يبوس إيدى و رجلى كمان علشان أتجوزك "


اصفرّ وجه رزان، وكأن الحياة هجرته، بينما ارتجفت أطرافها كأوراق شجر تتراقص في مهب الريح. الرعب تسرب إلى كل خلية في جسدها، فدمها تجمد وكأن الزمن توقف. نبضات قلبها تتسارع بشدة، تكاد تنفجر من صدرها، وهي تشعر بأن كل دقة تعلن قرب نهايتها.

بينما كانت الأفكار تتصارع في ذهنها، اقترب لك المتعجرف بخطوات واثقة، عينيه تشعان بنار جشع خبيث، كذئب يراقب فريسته قبل الهجوم. كانت ابتسامته الساخره تحمل في طياتها استهزاءً واضحًا، وكأنه يستمتع بمشاهدتها تتألم.

فكّ قيودها بلا رحمة، كمن يتلذذ بلحظة الانتصار، تاركًا عينيها معصوبتين وفمها مكممًا. انحنى نحوها، ونسيم أنفاسه الساخنة يلامس بشرتها الباردة، متحدثًا بنبرة مليئة بالتفاخر وكأنه ملكٌ يسخر من رعاعه:

"ياما كان نفسي تكونى فى حضنى بمزاجك مش غصب عنك، ماتكونيش بالطريقة دى أبدا، كان نفسي أشوف جمال عيونك وأسرح فيهم وأسمع صوتك الجميل ده وانتِ بتغني لى بس للأسف أبوكِ هو اللى وصلنا للطريق ده "


كل كلمة يقولها كانت كفخٍ يُطوق روحها، بينما كانت رزان تغرق في خندق الخوف، تشعر وكأنها تتلاشى، محاصرة في فخ عدم قدرتها على الهرب.

بعد مرور وقت طويل أستحل فيه ما حرمه الله غير مبالياً بمن وقعت فى أسره، لم يشفع لها أنينها كى يرحمها منه، وهو لا يعلم إن تلك المسكينة هى رزان شبيهة تالا، نهض عنها وتركها فى حالة يرثى لها، وهمس وسط ضحكاته القوية الساخرة:

"دلوقتي بس أقدر أقعد وأحط رجل على رجل وأبعت لأبوكِ أطمنه عليكى"


ثم امسك الهاتف وقام بإرسال رسالة من رقم مجهول، الى رؤوف نصها كالتالى

" بنتك عندى لو عايزها تعالى خدها "


ثم أغلق الهاتف نهائيا وعاود النظر إليها بتلك النظرات المستذئبة وأقترب منها مرة اخرى كى ينال مبتغاه بلا شفقة او رحمة وهو يُمني نفسه بقدوم أبيها راكعاً تحت قدميه ذليلاً مترجياً .


_____________________


داخل ڤيلا الزيني


جلس رؤوف بعد أنتهاء الحفل داخل غرفة مكتبه يتابع أعماله ويراجع بعض الأوراق المخصصة بصفقات شركاته، أعلن هاتفه عن استقبال رسالة من رقم مجهول، عندما قرأها جن جنونه ثم خرج راكضاً من مكتبه وتسلق السلم مسرعاً يتجه الى غرفة أبنته، يشعر برجفة الخوف تُقطّع فؤاده وتُمزّق أحشائه وقد راودته أسئلة كثيرة، من وكيف ومتى وإلى أين أخذها؟! 

 هدأ روعه عندما رأها فى فراشها تغطّ فى نومٍ عميق ثم زفر بإرتياح و جلس الى جوارها و احتضنها كأنه يطمئن حاله إنها بخير، ثم نظر الى هاتفه مرة أخرى محدثاً نفسه:

" ده أكيد واحد مجنون او رسالة وصلت بالغلط "


شعرت به تالا عندما كان يهب ناهضاً من مكانه فأستيقظت بشوشة الوجه يشعّ من عينيها بريق السعادة وأنفرج ثغرها عن تلك الأبتسامة العذبة وقالت

بين تثائب خمل:

"بابى، حبيبى، أنت لسه مانمتش  لغاية دلوقتي؟"


استدار ونظر إليها وقد أرتسمت سمات الارتياح على وجهه وتهادى صوته متزناً هادئ النبرات يفيض حباً وحناناً:

" هو ينفع بابى ينام من غير ما يطمن على بنوته حبيبته"


" ربنا ما يحرمنيش منك أبدا يا بابى يا قمر أنت "


" أيه رأيك يا شقية لو نطلع رحلة نلف فيها العالم كله بمناسبة عيد ميلادك؟"


انفرجت أساريرها وقفزت بمكانها بعد ان غمرتها السعادة و صاحت قائلة:

"بجد يا بابى هنلف العالم كله؟"


"بجد يا روح بابى، و يلا قومى بقى جهزى نفسك علشان مافيش وقت"


نهضت مسرعة من فراشها وهى تنادى على الخادمة المقيمة فى الڤيلا كى تجهز لها حقيبة السفر ثم قبّلت أبيها وقالت:


"حاضر يا أجمل بابى فى الكون، حالا هكون جاهزة"


خرج رؤوف من غرفة أبنته وقد أطمئن قلبه ثم أسرع الى غرفته كى يجهز حاله ولم يترك فرصة للشيطان ووساوسه ان تتسرب الى فؤاده بسبب تلك الرسالة .


_______________________


بمكان أخر


وصل حسن الى بيت صديقه عامر راكضا ودق الباب بهمجية وأنتظر، فتح له عامر وقد بدت على وجهه علامات الأستغراب عندما رأه بسبب تلك الحالة التى يظهر بها وقال:

" حسن؟! مالك ياض؟ حد بيجرى وراك ولا ايه؟"


دخل حسن الى داخل المنزل يجلس على أقرب أريكة يلتقط انفاسه من  الركض، أستجمع قواه وقال:

" مصيبة! حطت على دماغنا "


أجابه عامر وقد ظهرت على ملامحه علامات الحيرة والقلق:

"مصيبة ايه اللى حطت على دماغنا؟ انكشفنا  لا ايه؟ أنطق "


" لا، بس البت أختى طلعت شغالة فـ بيت الراجل اللى خطفنا بنته وأتأخرت لغاية دلوقتي ما رجعتش "


"يا عم خضتنى دلوقتي ترجع هى هتروح فين يعنى "


صاح فيه حسن بغضب:

"أنت ما بتفهمش بقولك البت شغالة عند رؤوف الزينى و ما رجعتش لغاية دلوقتي"


صعق عامر و هب واقفاً مذهولاً من شدة الصدمة قائلا:

" يا نهار أسود !! أنت متأكد يا حسن؟"


" أيوا يا عامر متأكد، امى قالت لى أسمه علشان أروح أشوفها أتأخرت ليه"


"وهتعمل ايه طيب؟ هتروح تسأل على أختك ولا هتعمل ايه؟"


" مش عارف يا عامر دماغى هتتشل خايف أروح أسأل، يكون الراجل بلغ البوليس و لا يكون فى كامرات صورتنا و أحنا بنخطفها و نروح فـ أبو نكلة"


"بقولك ايه، تعالى نروح نِعسّ من بعيد كدا، و نشوف لو الدنيا هادية أدخل اسأل عليها وأخرج جرى، ولو فى قلق لف وشك وأرجع بسرعة"


أستطاع عامر إقناع حسن بالأمر وذهبا معاً الى ڤيلا الزينى يتجولان حولها مثل اللصوص ويتحريان من بعيد، وجدوا الڤيلا هادئة لا يوجد بها أى حركة وكأن شيئاً لم يحدث، أقترب حسن من الباب وقد تسرّب القلق الى قلبه وأقشعر جسده وسَرَت فيه رعشة خوفٍ أحس بها تضغط على صدره تكاد تكتم أنفاسه، دق جرس الباب وانتظر الرد حتى جاءه صوت الخادمة المقيمة بالڤيلا من خلف الباب سائلة:

" مين؟"


أجاب حسن بصوت مبحوح وقال:

"أنا حسن أخو رزان، جاى أشوفها اتأخرت ليه لحد دلوقتي"


"رزان!؟ دى مشيّت من بدري ايه اللى هيقعدها لغاية دلوقتي"


"يا نهار اسود دى لسه مارجعتش البيت لحد دلوقتى، البت راحت فين،  طب و الست هانم متعرفش هى راحت فين؟"


"لا، الست هانم لسه مسافرة مع البيه الكبير حالا و أكيد ماتعرفش حاجة عنها"


غادر حسن الڤيلا عائداً الى عامر تتسارع دقات قلبه فى تلاحق عنيف من شدة الخوف، تسائل صديقه عن تلك الملامح عندما وجده يمشي ببطئ كأنه مكُبّل بأغلال تقيده الى الأرض لا يقوى على الحركة فقال له عندما اقترب:

"مالك يا حسن، انت لاقيت أختك جوة ولا ايه؟"


رفع حسن نظره إلى وجه عامر كأن ما سمعه منذ قليل لجّمه و شل تفكيره، ظل هكذا لثوانى معدودة فى صمت ثم حدث نفسه بصوت مرتفع قليلا بما جال فى خاطره:

" يادى المصيبة، البت مشيّت من بدري والدنيا هنا هادية لأنهم سافروا يكونش اللى أتخـ....، لا لا مش ممكن، لا مش معقول، هى تلاقيها بس راحت عند حد من معارفنا أه هو كدا بالظبط "


قال عامر معلقا على حديث حسن:

" أنت يا أبنى انا مش بكلمك، لاقيت أختك؟"


" ها، أه، لاء، لاء "


" ايه هو ده، انا مش فاهم منك حاجة،  لاقيتها و لا ملاقيتهاش؟ "


" مش عارف، بيقولوا مشيّت من بدري طب راحت فين لغاية دلوقتي و النهار طلع "


ترك حسن صديقه و ظل يسير فى الطرقات هنا و هناك، حتى هداه تفكيره ان يذهب الى المستشفيات و أقسام الشرطة يبحث عنها متمنياً ان يجدها فى أياً منهما كى يطمئن قلبه و يهدأ، و بداخله يدور صراعاً قاسياً بين عقله و نفسه .


فعقله يحدثه:

" لو طلعت اللى أنت خطفتها دى أختك هتعمل ايه؟"


عنّفته نفسه قائلة:

" لا، ما تقولش كدا، مستحيل ده يحصل "


ليجيب عقله:

"أفرض حصل، وبسببك وقعت الفاس فى الراس، تقدر تقول هترفع عينك فى عين أختك ولا ابوك وامك أزاى "


أجابت النفس:

"أكيد لا، ما حصلش يا عم انت هتقلقنى ليه، هى بس تلاقيها راحت تزور حد من قرايبنا ونسيّت نفسها وقالت تبات عندهم"


رد عقله معقباً:

"طيب ما يمكن يكون عقاب ربنا، ويخليك تخطف أختك بدل بنت رؤوف الزينى"


نفسه:

" أنا ماخطفتش حد انا كنت سواق بس"


عقله:

" حتى لو كنت سواق بس فـ أنت شاركت معاهم و كل ده ليه علشان شوية فلوس وفى الاخر طلعت أختك "


 كاد ان يفقد صوابه بسبب هذا الصراع، وأرتعدت فرائصه بتملك الهواجس منه وتمكنت من عقله وساوس الشيطان حتى عاد الى منزله حزيناً، منكسراً، يجر أذيال الخيبة، لا يعلم ماذا يفعل؟


 أستقبلته رقية بعيون متورمة من كثرة البكاء وقالت مردفة فى لهفة:

"مالاقيتش أختك يا حسن؟"


طأطأ رأسه وأجاب بحزن: 

" لا، يا أمه مالاقيتهاش "


اقترب منه سيد وقد انهكه التعب ونال منه الأعياء فخارت قواه لا يستطيع الحركة لكنه قال مردداً:

" قوم يا حسن دوّر عليها فى المستشفيات والأقسام "


أطلق زفيره بحزن وأجابه: 

" دوّرت عليها يا ابا، ماسيبتش مستشفى ولا قسم إلا وسألت عنها "


"قوم دور عليها تانى، وما ترجعش غير بيها يا ابنى"


"حاضر يا ابا هنزل أدوّر عليها تانى و أقسم بالله  مش هرجع لك غير بيها"


تركهم وخرج من المنزل وفى تفكيره ينتوى الذهاب الى البيت المهجور لعل ما جال بخاطره كان كاذباً، أقترب من المنزل وجده مقفول بالجنازير ولا يوجد من يسأله عن صاحب هذا البيت.


______________________


قبل قليل داخل البيت المهجور 


 أغلق هذا المتعجرف البوابة الرئيسية بالأقفال والجنازير تمويهاً حتى لا يعلم أحد انه موجود بالداخل، مر يومين عليه داخل البيت مع تلك الفتاة لم يرحم ضعفها ويفعل ما يفعله بها دون أن يرف له جفن ظناً منه إنها تالا وليست شبيهتها، إنه يفعل كل هذا ثأراً لكرامته من أبيها على ما أقترفه فى حقه ، وقف ينظر إليها و قال بفحيح أفعى:

" ياما كان نفسي أشوف شكل أبوكِ دلوقتي و هو دايخ عليكِ طول اليومين اللى فاتوا، او شكله بعد ما يعرف اللى عملته فيكِ، انتِ عارفة انا مستنيه بفارغ الصبر يجي يركع تحت رجلى، ويتأسف علشان رفضنى يوم ما روحت وطلبت ايدك منه، ويترجانى أتجوزك علشان أدارى على فضحيته، بس انا بقى ساعتها هاذله وأكسر مناخيره دى اللى رافعها للسما وأنا اللى هرفض أتجوزك "


 ثم ضحك ساخراً و تابع حديثه متهكماً: 

" أصل هتجوزك ليه ما أنا خدت اللى أنا عايزه منك خلاص " 


ثم أمسك بهاتفه وهو يقول

" دلوقتي بقى يا قمر نفتح التليفون ونشوف أخبار أبوكِ ايه ياكش يكون جاتله أزمة قلبية و طب ساكت يبقى ريّح واستريح "


فتح هاتفه وأخذ يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي حتى صدمه خبر قد نُشر على موقع الفيس بوك منذ ساعات قليلة على الحساب الخاص بـ تالا، ظلت تتنقل نظرات عينيه الى الهاتف الذى بيده والى تلك المسكينة التى أمامه، قد شلت الصدمة تفكيره، وشعر بثورة تحتل قلبه، تقتلعه من بين جنبات صدره مثل ريح عاصفة تقتلع جذور الأشجار من الارض من شدة الغضب، نظر إليها وصاح بغضب:

" لما تالا الزينى برة مصر بتتفسح مع أبوها أنتِ تبقي مين؟ أنا بقالى يومين قاعد مع مين؟"


 استشاط غضباً وثارت ثائرته كأنه أصيب بنوبة جنون، ظل يحطم كل ما تطوله يداه حتى هدأ قليلاً، لكنه بقى يجوب الغرفة ذهاباً وأياباً يفكر ماذا يفعل فى تلك الفتاة يتركها ترحل ام يقتلها حتى لا تعترف عليه، بعد مرور وقت طويل فى التفكير قرر أن يتركها على اول الطريق الصحراوى فهى مازالت معصوبة العينين منذ ان خطفها ولم تراه ولن تستطيع التعرف عليه، أنتظر حتى أسدل الليل ستائره وعمّ السكون وهدأت الحركة ثم حملها فى سيارته وألقى بها على قارعة الطريق، ثم غادر مسرعاً عائداً الى بيته قبل أن يراه أحد و يعلم من هو.


#الفصل_الثالث

  

      💔💔💔💔💔💔


الشبيهة بقلمي✍️_____لبنى دراز


عودة الى بيت رزان


مر يومين ثِقال على سيد و رقية قتلهم الحزن على فلذة كبدهما و هما يبحثان عنها فى كل مكان، و لم يجدوها، لقد ذهبا الى القسم التابع لمنطقتهما السكنية، قد أبلغوا عن أختفاءها، لكن كما جرت العادة لم يتحرك أحداً من القسم للبحث او التحرى عنها، لم يحركوا ساكناً فهى ليست أبنة وزير او سفير انما هى أبنة

رجل فقير عاجز، ليس لديه اى نفوذ ليسرعوا بالبحث عنها ويهتموا بالامر .


 بينما عاد حسن مرة أخرى الى الڤيلا  كى يعرف هل عاد السيد رؤوف و أبنته من الخارج ام لا، و هو يلوم نفسه، بأن أخته التى اوقعها حظها السيء فى أخ مثله سلمها بيديه الى ذئب بشري كى ينال منها بدلاً من أن يحميها منه و من غيره، ثم ذهب الى عامر غاضبا يصيح به و الشرر يتطاير من عينيه و قد أمسكه من تلابيبه و هتف به قائلا


" هاقتلك يا عامر الكلب، لو ما قولتليش فين الباشا بتاعك ده، اللى ودينا عنده البت و يبقى مين؟ أنطق بدل ما تطلع روحك فى إيدى "


كاد عامر أن يختنق من إثر امساك حسن به وقد حاول التحدث و بالكاد أستطاع ان يقول و هو يسعل من أثر الاختناق


" بت مين انا مش فاهم حاجة من اللى انت بتقولها "


" البت أختى يا عامر، اللى كتفتها بإيديك و روحت سلمتها ليه "


" يا عم انت مجنون و لا غياب أختك لحس مخك، البت اللى سلمناها له تبقى بنت الزينى اللى بعت لنا صورتها"


صاح حسن بغضب


"بنت الزينى مع ابوها برة مصر و البت اللى سلمناها له تبقى البت رزان أختى، أنطق و قول لي هو مين بدل ما أدفنك مكانك هنا "


"يا نهار ابوك أسود و منيل انت بتقول ايه؟" 


"بقول اللى سمعته يا أبن الكلب، أنطق بقول لك "


"صدقنى يا حسن انا ما اعرفش هو مين و لا شوفت وشه حتى لما وصلّتها له"


" نعم ياخويا، أومال مين اللى قالك هاتها و مين اللى خدها منك؟"


"واحد ليه فى كل حاجة شمال هو اللى كلمنى، قال لى عليها شغلانة سُقع و فلوسها كتير و انت شوفت بنفسك  اللى دفعه الباشا قد ايه "


"هو مين انطق بقول لك"


" انا ما أعرفهوش صدقنى، و حتى لما وصلّت البت ما شوفتش وشه كان واقف بضهره و هو بيكلمنى، لما طلعت و نزلت لاقيته سايب الفلوس على الترابيزة و برضو واقف بضهره و شاور لى أخدهم و أمشي، هو ده كل اللى حصل "


" أنا مش هسيبك يا عامر غير لما تقول هو مين و مين اللى دلك عليه وإلا هاخلص عليك و ادفنك مكانك هنا "


نظر إليه عامر بعيون شامتة و اردف بسخرية متهكماً


" لا بقى، لا مؤاخذة يا صاحبى انت مش من حقك تتكلم و تعمل الهُليلة دى كلها، لانك مشترك معانا فى خطفها وقبضت تمنها كمان زينا بالظبط، أعقل كدا و أهدى و أعمل عبيط "


" أنت بتقول ايه؟ دى أختى يا جدع "


" بقول لك الصح يا حسن، اللى حصل حصل خلاص، وبعدين يعنى هيجرالها ايه، هو أكيد لما عرف أنها مش بنت الزينى سابها بس تلاقيها هى اللى خايفة ترجع "


حك حسن اسفل رأسه بكف يده و قال


" أنت شايف كدا؟"


أجابه عامر


" ده هو ده كدا عين العقل، أرجع لأبوك و أمك و اقعد عيط جنبهم كأنك ما عملتش حاجة و لا تعرف حاجة و أعمل عبيط زى ما قولت لك "


تركه حسن و عاد الى منزله لا يعلم كيف يقابل أبيه و أمه كيف يرفع عينيه فى عينيهم ماذا يقول لهم؟ يسير بخطىً متثاقلة يتصبب من جبينه العرق بكثرة من شدة ندمه، تزداد حسرته على ما فعله بأخته بيديه، لكن الندم لن يفيد، ماذا عساه ان يفعل؟ و هو لا يعلم شيء عن ذلك المتعجرف ولا من دلهم عليه، يدعو الله ان يغفر له ذنبه الذى أقترفه فى حق أخته و لكن قُضي الأمر و أراد الله عقابه و رد كيده فى نحره لعله يفيق بعد هذا ويترك صحبة السوء .


بينما عاد أمير الى منزله وكأنه لم يفعل شيء ثم دلف الى غرفته و توجه الى خزانة ملابسه كى يأخذ منها يريد ثم ذهب الى المرحاض  الملحق بالغرفة كى يستحم و ينفض من على كتفه غبار ما حدث، لم يعرف الندم إليه سبيلا أمات ضميره بيديه،  و ترك تلك الفتاة على الطريق فى حالة يرثى لها دونما ينظر خلفه و لم يرتد له طرف .


خرج من الحمام بكل هدوء لا يشغل تفكيره غير تالا الزينى و كيف يحصل عليها، بينما شعرت والدته به وأقبلت تدق باب غرفته، ثم أنتظرت حتى أذن لها بالدخول قائلا


" أدخلى يا ماما "


دخلت راجية الغرفة وصاحت به بغضب


" حمد الله على السلامة يا أستاذ أمير، كنت غطسان فين بقالك يومين و قافل تليفونك، كأنك مالكش أم تقلق عليك "


" هكون فين يعنى يا ماما؟ أكيد عندى شغل طبعاً "


"من امتى سيادتك بتروح شغلك و تغيب فيه من غير ما تقول، او حتى تقفل تليفونك وانت برة؟"


زفر امير بحنق و اجاب


" عادى يا ماما ،حصلت ظروف و أضطريت أروح شغلى و أقفل تليفونى، فين المشكلة فى كدا "


نظرت إليه بعيون مستنكرة و وجه عابس و قالت فى حزم


" أنت تصرفاتك مابقيتش عجبانى يا امير، و شكلك كدا بيقول انك وراك سر و عامل حاجة كبيرة مش عايز تعرفها لي "


" هو فى إيه؟ كل ما تشوفينى تزعقي لي ليه؟ على فكرة انا مابقيتش عيل صغير قدامك علشان كل شوية تزعقى  فيا كدا، انا خلاص بقيت راجل ومسؤول عن تصرفاتى، ومش محتاج حد يقيّمها و يحاسبنى عليها،فاهمة و لا، لاء "


"علشان انت بقيت راجل مسؤول عن تصرفاتك انا من النهاردة مش هسألك بتروح فين و تيجى منين، بس لو أكتشفت أنك عملت حاجة غلط و أذيت بيها حد أنا مش هاسكت لك، انت فاهم؟! و أتمنى يكون اللى فى دماغى غلط و تبقى كلها مجرد هواجس و بس "


" أطمنى يا ستى مش عامل حاجة كبيرة ولا حاجة صغيرة، و لا عامل حاجة أصلاً أرتاحتى كدا، اتفضلى بقى أخرجى و سيبينى جاى من شغلى تعبان و عايز انام"


" أنا هاخرج بس هأقولها لك تانى، لو عرفت انك عامل حاجة مش هسكت يا أمير وأتمنى تكون صادق "


تركته راجية وخرجت من الغرفة و قد تملك منها الشك وعدم الأقتناع بحديثه، فهى أمه و أعلم الناس به و تعرف ما بداخله من مجرد نظرة عين، وبعدما خرجت من غرفته قام هو بإجراء مكالمة هاتفية الى نفس الشخص الذي هاتفه من قبل و صاح به غاضبا 


" أنا هخرب بيتك يا حيوان أنت و الحيوان التانى، أنا هاندمكم على الغلطة اللى عملتوها انت و الكلاب اللى معاك "


ثم أغلق الهاتف دون ان يستمع الى رد من الطرف الآخر . 


فى الطريق الذى أُلقت به رزان

بعد ان غادرها ذلك المتعجرف تاركا أيها هارباً كى ينجو بفعلته، رأتها سيدة و زوجها يسيرون على الطريق بسيارتهم مطروحة أرضاً فاقدة الوعى صاحت السيدة بسرعة فى زوجها


" وقف هنا بسرعة "


اوقف الزوج السيارة، ثم هبط منها مسرعاً مع زوجته يهرولون إلي تلك الفتاة الملقاه على قارعة الطريق، وجدوها فى حالة سيئة للغاية، حاولوا إفاقتها بعد أن فكوا عُصابة عينيها، بعد لحظات فاقت رزان و غمغمت بكلمات غير مفهومة، عندما رأتهما أنكمشت على نفسها تُحدّق فيهم تحديق الخائف المذعور، من شدة خوفها والرعب الذى تملكها أنعقد لسانها، نظرت إليها الزوجة بعيون تنهمر منها الدموع مشفقةً عليها مما هى فيه، أقتربت منها قائلة


" مين عمل فيكى كدا يا بنتى؟"


نظرت إليها رزان و هى مازالت منكمشة على نفسها ترتجف بشدة و تشهق من كثرة البكاء دون ان تجيب.


تابعت الزوجة حديثها بحنان بالغ وقالت 


" أهدي، متخافيش يا بنتى، قومى تعالِ معانا نروح مستشفى نطمن عليكِ "


نظر الزوج الى زوجته و قال 


" ساعديها تركب العربية بالراحة "


ثم وجه حديثه الى الفتاة قائلا


" قومي معاها متخافيش يا بنتى، أحنا مش هنأذيكى، يلا قومي متخافيش "


ظلت تنظر إليهما وهى ترتعد من شدة الخوف تتسارع ضربات قلبها بين جنبات صدرها و بداخلها فزع كبير هدّ أوصالها، ثم أخذت تصيح و تستغيث، رأتها الزوجة فى هذه الحالة و نظرت الى زوجها تحثه على ان يحملها يضعها فى السيارة، ثم يذهبون بها إلى أقرب مستشفى للأطمئنان عليها و إبلاغ الشرطة، كى تتحرى الأمر وتكتشف من هى و من فعل بها ذلك؟


 لم يتركوها واخذوها معهم الى المستشفى، أتى الطبيب مسرعاً ثم نظر الى الفتاة و ربت على كتفها كى تطمئن و يخفف عنها القلق و الخوف الذى هى به، ثم شرع فى فحصها و بعد الأنتهاء من الفحص قرر أن يبلغ الشرطة بحالتها حتى يتم سؤالها لمعرفة الحقيقة منها، لكن بعد مرور بعض الوقت نظرا لحالتها المرضية.


 بعد مرور بعض الوقت انقلبت المستشفى رأساً على عقب فقد أتت  المباحث والنيابة لأستجواب الفتاة، وعندما رأتهم ظلت تصرخ و تصيح و تستغيث بأبيها و تنكمش على نفسها أكثر فأكثر، نظر إليها وكيل النيابة مشفقاً على حالها ثم وجّه حديثه الى الطيب


" حاول تخليها تهدى علشان أعرف أسألها "


نظر إليها الطبيب متنهداً و قال مردفاً بأسى: 


" ما أعتقدتش سيادتك انك هتقدر تسألها بحالتها دى "


" لا،حاول معلش لازم أعرف على الاقل هى مين "


" صدقنى مش هينفع، حضرتك شايف حالتها بنفسك، مش قبل يومين ان ما كانش اكتر علشان تهدى و تقدر تسألها "

تنهد وكيل النيابة ثم قال


" طيب تمام، عايز اقابل الناس اللى معاها "


فأشار الطبيب الى الخارج بعد ان اعطى الفتاة المهدئ و قال


" اتفضل سيادتك فى مكتبى و هبعتهم لحضرتك " 

   

 خرج وكيل النيابة من غرفة الفتاة ثم أتجه الى مكتب الطبيب وبعد قليل قابل الزوجان لأخذ إفادتهم و بالفعل قصوا عليه ما حدث كيف و أين  وجدوها، وماذا فعلوا حتى يستطيعوا ان يأتوا بها الى هنا، وانهم لم يجدوا معها شيء يثبت شخصيتها و لا يعلموا عنها أى شيء و لا حتى أسمها.


 بعد ان أخذ وكيل النيابة إفادة الزوجين رحلوا تاركين الفتاة فى المستشفى تحت حراسة الشرطة ظل الوضع هكذا لمدة يومين  حتى استقرت حالة الفتاة و استطاعت ان تخبر الطبيب بأسمها و من أين هى، و ابلغ الطبيب وكيل النيابة بأستقرار حالة الفتاة عن طريق رقم الهاتف الذى تركه له كى يأتى و يأخذ إفادتها فيما حدث، و بنفس الوقت أتصل هاتفيا بعائلة رزان وأخبرهم بوجودها فى المستشفى و أعطاهم العنوان.


بعدما علما سيد و رقية مكان أبنتهما، ذهبا إليها ومعهم حسن، عندما رأتها امها فى هذه الحالة ركضت مسرعة تضمها بين أحضانها تقبل كل إنش بوجهها، أجهشت بالبكاء حتى تورمت عيناها من كثرة بكائها و قالت


" يا ضنايا يابنتى، حمد الله على سلامتك يا قلب أمك، قولي لى مين أبن الكلب عمل فيكِ كدا يا ضنايا؟ أسمه ايه ولا شكله ايه؟ قولى اى حاجة يا بنتى "


عانقت أمها وانهارت ببكاء مريرا  وقالت بأسف وحسرة


"سامحونى، كان غصب عني، و الله كنت مربوطة معرفتش أدافع عن نفسي"


أقترب منها أبيها يربت على ظهرها يطمئنها و قلبه يتمزق من كثرة حزنه عليها قائلا


" لله الأمر من قبل و من بعد، عارف يا بنتى انه غصب عنك، ياريتنى كنت بصحتى ماكنتيش أضطريتى تنزلى تشتغلى علشان تصرفى علينا، ولا كان جرالك اللى جرالك يا قلب أبوكِ "

 

وقف حسن عند الباب ينظر إليها متحسراً يعض شفتيه من الندم على ما أقترفه فى حقها، يتصبب جبينه العرق من كثرة خجله منها لا يستطيع أن يرفع عينيه فى عينيها و قال بصوت هامس يكاد ان يخرج من شفتيه


"حمد الله على سلامتك يا أختى، مش مهم أى حاجة المهم انك رجعتى بالسلامة"


أردفت بعيون يملأها الألم والقهر و تنهمر منها الدموع بغزارة قالت بإنهيار


" مش مهم أزاى!؟ تقدر تقول لي يا حسن أنا هعيش أزاى، أبص فى وش الناس أزاى؟ ياريته كان قتلنى و خلصنى من العار اللى هعيش فيه طول عمرى "


دخل الطبيب و معه وكيل النيابة و رأوا رزان فى تلك الحالة فتأثروا كثيرا وأشفقوا على حالها، حاول الطبيب تهدئتها حتى تستطيع ان تتحدث مع وكيل النيابة و تخبره عما حدث . 


اقترب وكيل النيابة ثم جلس على المقعد بجوار السرير وقال


"حمد الله على السلامة يا رزان "


هزت رأسها له دون رد تنتظر سؤاله القادم بينما أسترسل هو بالحديث


" ممكن تحكيلى أيه اللى حصل معاكى وكنتى فين؟ أزاى أتخطفتى و من فين؟"


أجابت رزان و هى تنظر الى الفراغ الذى أمامها قائلة


" أنا بشتغل عند رؤوف بيه الزينى فى الڤيلا بتاعته، وكنت خارجة من الڤيلا بعد ما خلصت حفلة عيد ميلاد بنته،  خلصت شغلى و راجعة بيتنا، عديت من جنب عربية كانت واقفة الناحية التانية من الفيلا، فجأة طلعوا عليا أتنين واحد منهم ماسك مطواة و رفعها فى وشى والتانى جه من ورايا كتم نفسي و بعدها ربط عيني وكتفنى، بعدها محسيتش بحاجة لحد فترة طويلة، بعد كدا حسيت بواحد بيقرب منى و ...... "

قطع انهيارها بالبكاء حديثها و لم تستطع ان تكمل الحديث، سأل وكيل النيابة


" تقدرى تقولي لى قعدتى قد ايه مخطوفة يا رزان؟"


اجابته و هى ترتجف قائلة


" تقريبا يومين يا باشا "


"طيب تقدرى توصفى شكل الشخص ده او شكل المكان اللى كنتى فيه؟"


" أنا ماشوفتش شكله، كان طول الوقت رابط عينى و حاطط لزق على بُقي"


تنهد وكيل النيابة و أعتدل فى جلسته


" انت عايزة تفهّمينى انك قعدتى يومين متكتفة؟ عينك مربوطة وبُقك متكمم؟ ايه ما كانش بيحط لك أكل مثلا ولا بتدخلى الحمام؟"


" كان بيفكنى شوية صغيرة علشان الأكل و الحمام، و هو لابس طاقية و نضارة سودة وبيخبى وشه بشال، و يرجع تانى يربط عينى و يكمم بُقي"


"طيب الاوضة اللى كنتِ قاعده فيها شكلها ايه؟"


"الاوضة ماكانش فيها غير سرير و ترابيزة قصاد السرير و حواليها كراسى جلد حمرا، و كان فيها تلاتة بيبان واحد باب الأوضة، والتاني بيودى الحمام و التالت معرفش بيودى على فين"


"طيب ماكانش فيها دولاب؟"


"لا، ماكانش فيه"


" طيب ما سمعتيش صوته؟ كلمك او كان بيكلم حد تانى؟ ما تعرفيش كان لوحده و لا فى حد معاه مثلا؟"


" كان لوحده، سمعته كان بيقول أخيرا هقدر أذل أبوكِ وأعرّفه أزاى يرفضنى و أخليه يجى يترجانى أتجوزك "


"انتِ كان فى حد عايز يتجوزك و أبوكِ رفضه؟"


" لأ يا باشا مافيش"


" اومال تسمى اللى هو قاله ده أيه؟"


" مش عارفة يا باشا، بس هو قبل ما يسيبنى فجأة سمعته بيزعق و بيقول لما تالا الزينى برة مصر أنتِ تبقى مين"


" تالا دى تبقى بنت رؤوف الزينى اللى انتى شغاله عندهم صح كدا؟"


" أيوا هى "


" معنى كدا ان اللى خطفك كان قاصد يخطف تالا مش انتِ، طيب تقدرى توصفى الأتنين اللى خطفوكِ؟"


" أيوا أقدر "


و قامت بوصف عامر و شوقى 

كما أخبرت وكيل النيابة انها تستطيع ان تتعرف على ذلك المتعجرف من نبرة صوته و رائحة جسده و انفاسه النفاذة.

 بعد اخذ إفادتها، أمر وكيل النيابة بسرعة البحث عن المشتبه بهم بين سجلات المجرمين، و أحضار اقرب صور لتلك الاوصاف وعرضها على رزان، بعد البحث فى صور المجرمين تعرفت رزان على عامر و شوقى الذين كان لهما سجلا إجراميا فى النصب و الاحتيال، بمواجهتهم أعترفوا بأنهم لا يعلمون من هو الشخص الذى استأجرهم لخطف تالا، ولم يروا وجهه عندما اوصلوها له ولكن كان يوجد وسيط بينهما منذ البداية، كما اعترفوا على وجود شخص ثالث وهو حسن الذى اتضح انه شقيق المجنى عليها و تم القبض عليه، صعقت رزان و والديها عندما علموا اشتراك حسن فى خطفها، وظهرت على وجوههم علامات الدهشة من شدة الصدمة.


 بعد عودة رؤوف الزينى وأبنته من الخارج استلام استدعاء من النيابة للأدلاء بأقواله عن الحادث و من التحقيق تبين ان هناك أكثر من شاب تقدم لخطبة أبنته تالا و هو رفضهم لأسباب خاصة، تم ارسال طلب استدعاء لكل من الشباب الذين ذكرهم رؤوف الزينى للتحقيق معهم و مواجهتهم برزان، لكن كلاً منهم أثبت بالادلة مكان وجوده وقت وقوع الجريمة، بأستثناء واحد فقط منهم، عند عرضه على رزان وتوجيه الأسئلة له، عندما استمعت لصوته صاحت بغضب يمتزج بالألم معلنة انه هو الفاعل.


 بالفعل تعرفت رزان على المجرم من نبرة صوته، لكن بمواجهته أنكر حديثها و اتهمها بالباطل انها تفتري عليه، وقد ساعده ذلك انه ضابط مباحث له سلطة و نفوذ، لكن رؤوف الزينى قرر مساعدة رزان بإحضار افضل المحامين حتى تسترد حقها و كرامتها المسلوبة منها.


انتشرت الاخبار سريعا و تداولتها الصحف و مواقع التواصل الاجتماعي، من خلالها علمت راجية بالجريمة التى حدثت وعندما أستمعت الى أسم تالا المذكور بين الاحداث، ربطت بما قرأته و بما كان يتحدث به أبنها، و تذكرت وعيده بأن يذيق رؤوف من نفس الكأس وربطت ذلك بغيابه يومين لا تعلم عنه شيئاً وقد تزامن وقت وقوع تلك الجريمة مع غيابه، تأكد الشك داخلها بأنه هو الفاعل، وعندما واجهته لم ينكر، لكنه أكد لها أنه سيفعلها مرة أخرى و فى هذه المرة سيعتمد على نفسه و يحضر تالا الزينى الى بيته بنفسه، هذا ان لم يكن فى بيتها و أمام أعين أبيها حتى يذله من أجل ان ينتقم منه لرفضه له، ثم تركها فى حيرتها تفكر ماذا تفعل فى هذه الكارثة و غادر المنزل ذاهباً الى عمله و كل ما يشغل تفكيره كيف يحصل على تالا الزينى .

#الفصل_الأخير


          💔💔💔💔💔


الشبيهة بقلمي✍️_______لبنى دراز


العودة الى بيت رزان


  عادت رزان إلى بيتها بعد إنتهاء التحقيقات و سماح الطبيب لها الرحيل من المستشفى، حبست نفسها داخل الغرفة منكمشة فى أحدى الزوايا على ذلك الفراش الارضى، لا تتحدث مع أحد و لا ترغب فى رؤية أحد، أصبحت الدموع صديقتها الصدوقة لا تتركها أبداً، كلما نظر إليها أبيها لعن عجزه وفقره الذى جعله يتركها تعمل خادمة، أصبح الصمت سيد البيت لا أحد يتحدث به، فقط ينظرون الى بعضهم البعض بنظرات ألم و قهر على ما وصلوا إليه، وكلا من سيد و رقية و رازن يدور بذهنهم ماذا يفعل فيما هو أتٍ، فأن سيد يبكى ندماً على ما فعله فلذة كبده حسن بفلذة كبده رزان، واما رقية حائرة على من تحزن أكثر فالجانى و المجنى عليها الاثنان ابنائها، بينما تفكر رزان كيف تسترد حقها من ذلك المجرم .


فجأة كسر حاجز الصمت عدة طرقات على باب المنزل نهضت رقية بفتح الباب لترى أمامها سيدة وقورة تسأل عن أبنتها، سألتها رقية عن هويتها لكنها تحايلت على السؤال بلباقة، وأخبرتها انها تريد مقابلة رزان لأمر هام، لأنها تعلم جيدا إن علمت رقية بهويتها الحقيقية سوف ترفض دخولها الى بيتها بل ستغضب عليها كثيرا، دخلت راجية بعد ان سمحت لها رقية و افسحت لها الطريق الى الداخل لترى حالة لم تكن تتوقعها مهما خُيّل إليها، رأت أباً مكلوماً يبكى قهراً، وأم ليس بيدها حيلة سوى البكاء هى الأخرى على ما آل اليه حالهم و زاد الأمر سوءًا عندما رأت رزان و هى عاكفة على حالها مشتتة باكية فاقدة شغف الحياة، وعندما أبصرتها حتى دبت فى نفسها مشاعر الشفقة و هى لا تعلم ماذا تفعل لهذه الفتاة فهى ضحية ولدها الذى أمات ضميره و قضى عليها، أقتربت منها بأسى تسألها عن حالها و هى أعلم به


"ازيك يا رزان، عاملة ايه؟"


نظرت إليها رزان بأعين باكية ولم تهتم بمن تكون هذه السيدة، قائلة


" الحمدلله على كل حال "


" أنا جاية أطمن عليكي، و أساعدك تاخدي حقك من اللى أذاكِ "


" حضرتك تعرفيني؟"


"لا، أنا اول مرة أشوفك بس سمعت عنك كتير، و تعبت لغاية ما وصلت لك "


تدخلت رقية فى الحديث وأقتربت من راجية بعد تقديم الضيافة لها وقالت


"ما تأخذنيش يا هانم، لما حضرتك ما تعرفيش رزان وأول مرة تشوفيها هتساعديها أزاى تاخد حقها؟"


"مش لازم تعرفي ازاى، المهم أنها هتاخده و قريب أوى كمان، و مش بس كدا، بنتك هيترد لها كرامتها و ترجع ترفع راسها قصاد الناس"


أردفت رزان و عيناها غائرتين فى الحزن تترقرق الدموع منها 


" أرفع راسي قصاد الناس أزاى بعد اللى حصل يا هانم، انا اتدبحت و ماحدش سمى عليا"


" أنتِ ضحية يا رزان و الناس كلها عارفة كدا "


رقية بقهر 


" حتى لو الناس عارفة يا ست هانم،  ألف لسان و لسان هيتكلم فى سيرتها من وراها، وألف عين وعين هتشمت فيها، ربنا ينتقم من اللى كان السبب،  دمر بنتي و دمرنا معاها و هو عايش مبسوط، منه لله "


صمتت راجية قليلا عندما أستمعت الى دعوة رقية بحرقة على أبنها، حزنت كثيرا و زادت ضربات قلبها، لكن لابد ان تأخذ رزان حقها، ثم قالت


"لا هتاخد حقها، و ندور على حل نخرس بيه كل الالسنة"


نهضت راجية من مجلسها لترحل  عائدة الى منزلها، قد تملكها حزناً شديداً لما رأته فى بيت رزان، فقد كان مشهداً مؤثراً يثير اللوعة و الحسرة على هذه الاسرة المكلومة و أيضاً على حال أبنها الذى حتماً ستصيبه دعوة المظلوم وسيأخذ جزاؤه، جال بخاطرها أمرا ما و عقدت النية على تنفيذه .


فى اليوم التالى ذهب رؤوف الزيني و أبنته تالا الى بيت رزان كى يطمئن عليها و يساعدها فى أخذ حقها من ذلك المجهول ، لانه رجل ذو قوة ونفوذ و يستطيع ان يصل بنفوذه الى الجانى بكل سهولة، سألها عن ذلك المتعجرف يريد معرفة اى معلومة جديدة ترشده الى الجانى الحقيقى قائلا


" حاولى تفتكري أى حاجة يا رزان توصلني للحيوان ده، أى كلمة ممكن تكون دليل على إدانته "


" صدقنى يا بيه ماعرفش أكتر من اللى قولته فى النيابة "


" يعنى ما غلطش خالص و قال اى حاجة نعرف منها هو مين؟"


تحدثت و عيناها تذرفان الدمع، متألمة كسيرة القلب 


" والله يا بيه ما قالش غير، مادام تالا الزيني برة مصر انتِ تبقي مين "


أنتفخت أوداج رؤوف و تطاير الشرر من عينيه من شدة غضبه و تسلل الشك الى قلبه تجاه أمير السمري، فهو الشخص الوحيد الذي ثار غاضبا عندما رفض طلبه فى الزواج من أبنته، و قد قرر الأحتكام الى القضاء و رفع قضية بأسم رزان و هو من سيتكفل بأتعاب المحاماة و أخبر أبيها بذلك، أقتربت تالا من رازن وضمتها و هى مدمعة العين متأثرة بحالتها و ما رأتها عليه من فقر و مرض، تمنت تقديم يد المساعدة إليها، عرضت عليها عودتها إلى العمل مرة أخرى، كما عرضت عليها ان تنتقل هى و أسرتها للأقامة فى ملحق خاص بالڤيلا بدلا عن هذا المنزل، لكن رزان رفضت ما طلبته تالا وأردفت بحزن


" ماقدرش يا أنسة تالا أرجع الڤيلا  تاني، سامحيني"


قالت تالا فى تأثر 


" ليه بس يا رزان، أنتِ عارفة انى مستغناش عنك، و كمان ممكن الحيوان ده يتهجم عليكم و مافيش حد يحميكم"


"لو خرجت من البيت عيون الناس هتقتلني، ولو مشيت و سيبت الحارة 

الناس هتصدق فيا اللى بيقولوه عني"


 عقب رؤوف


" ماحدش يقدر يتكلم عنك كلمة واحدة يا رزان، اللى عارفك كويس و عارف أخلاقك هيبقى متأكد انك ضحية "


"بس أحنا يا بيه فى زمن بيسيبوا الجانى يعيش حياته، و بيدبحوا فى الضحية ويسلخوها، و انا زى ما حضرتك شايف حالى، فقيرة و ماحدش هيرحمني، هيقولوا الخدامة اللى رمت بلاها على البيه علشان طمعانة فيه "


نظر لها رؤوف و الغضب يحتل عقله و قلبه ينزف حزنا من كلامها، فهى معها كل الحق، نحن فى زمن يُترك فيه الجاني يعيث فى الأرض فسادًا و يعاقب المجني عليه على جريمة كان هو فيها الضحية، غادر رؤوف و ابنته المنزل تاركاً خلفه فتاة محطمة وأسرة أنهكها الفقر و المرض و دمرها الحزن، و فقدت مصدر رزقها الوحيد بعد ما حدث، فقرر العودة و أخبر الاب بأن ياتى إلى العمل بالمكتب الخاص به ككبير للسعاه نظراً لحالته الصحية، و أكد على ارسال محامى حتى تأخذ رزان حقها من ذلك الذئب، فهى أيضًا راحت ضحية التشابه الذي بينها و بين أبنته، ثم وعد رزان عند استرداد حقها سوف ينشر الخبر بجميع الجرائد و المجلات و مواقع التواصل الاجتماعي.


فى شقة أمير


ظلت راجية تفكر فى الأمر الذى جال بخاطرها منذ ان غادرت منزل رزان بعدما رأت ما رأته، من فقر المنزل و خلوه من الاثاث و عدم وجود ما يسد حاجتهم، وأن تلك المسكينة هى من تعول أسرتها، ثم اتخذت قرارها بأن تذهب إلى مقر النيابة و تطلب ان تدلي بشهادتها ضد أبنها تكفيرا عن ذنبها فى التقصير فى تربيته و تعطى كل ذى حقٍا حقه.


  ذهبت الى مقر النيابة العامة وطلبت التقدم بمعلومات تفيد قضية رزان سيد، بداخل مكتب وكيل النيابة قدمت بلاغاً عن أبنها، فأخبرها وكيل النيابة إن عقوبة هذه الجريمة بالقانون الجديد تصل إلى الإعدام، لكن كانت إجابتها صادمة فبالرغم من  حزنها الشديد و بكائها المرير قالت


" اللى غلط يتحاسب يا سيادة المستشار "


أراد وكيل النيابة التأكد من قرارها قبل إصدار أمر الضبط قائلا


" هتضحي بأبنك علشان بنت فقيرة ما تعرفيهاش وهو ظابط و له مركز  مرموق؟"


زفرت أنفاسها و تنهدت بأسى و أجابت


" أبنى غلط، ويستحق العقاب، بسبب غروره وعجرفته دمر أسرة كاملة و دنس رأس مالها الوحيد برجليه، و انا لا يمكن أسكت عن الحق حتى لو كان الجاني أبنى الوحيد "


" أنتِ متأكدة من قرارك يا مدام راجية؟ أبنك ممكن يتعدم!؟ و إذا عمل استئناف و اتقبل، هيتحكم عليه بالمؤبد ويفضل عمره كله فى السجن"


أغمضت عيناها بألم يعتصر قلبها و تسارعت ضرباته من شدة حزنها على فلذة كبدها الذى ستفقده جرَّاء فعلته النكراء، لكنها على يقين انها لن تستطيع الوقوف أمام الله فى محكمة الأخرة و فى رقبتها ذنب هذه الفتاة، و قالت بصوت مهزوز


" متأكدة يافندم "


بعد ان تأكد وكيل النيابة من صدق قرار السيدة راجية امر بفتح القضية مرة أخرى و أستدعاء رزان سيد و رؤوف الزيني و ضبط و أحضار كلا من امير السمري و عامر و شوقى و حسن، الى مقر النيابة و اعادة التحقيق معهم مرة أخرى تحت ضوء البلاغ المقدم من السيدة راجية، و يا لـ سخرية القدر، فإن من أصدر أمر الضبط والأحضار، هو ذاته صديق الأمس لذلك المتعجرف، و لكن لا أحد يقع فوق طائلة القانون.


 و تم القاء القبض على أمير من مقر عمله أمام أعين رؤسائه و زملائه تحت أضواء الكاميرات، بينما أحضر رؤوف كبار المحامين ليدّعى بالحق المدني و يطلب اقصى عقوبة لهذا المغرور والذى يستخدم سلطته فى إذاء الغير، عند وصول القضية إلى قاعات المحاكم بسبب نفوذ رؤوف الزينى تحولت القضية الى قضية رأى عام، لِكَون أمير السمري ضابط مباحث له نفوذ، فى مقابل رؤوف الزيني رجل أعمال ذو القوة و النفوذ و الشهرة فى عالم المال والأعمال، ويكأن الله أراد لتلك الفتاة ان تسترد كرامتها التى هدرت و ذبحت على يد من لا يرحم و تأخذ حقها بصدور الحكم عليه بالإعدام و عدم الاستئناف مع التوصية بسرعة تنفيذ الحكم وذلك لسبب منصب أمير المرموق حتى يصبح عبرة لكل من تسول له نفسه فعل مثل هذا الجُرم، و الحكم على معاونيه الثلاثة بالأشغال الشاقة المؤبدة، و بعد مرور شهر سعى فيه رؤوف الزيني بكل قوته تم تنفيذ الحكم الصادر ضد أمير السمري بعد تصديق مفتى الديار المصرية عليه .


فى قلب ڤيلا الزيني


بعد مرور شهور على صدور الحكم و تنفيذه، واسترداد رزان لحقها، زادت الصداقة بين تالا ورزان و لم تصبح العلاقة بينهما علاقة سيدة و خادمتها بل أصبحت علاقة أختين، و قررت ان تتحدث مع أبيها فى شأن الاصرار على رزان و أسرتها ان يقبلوا الأنتقال للأقامة معها فى الڤيلا، فقالت 


"بابى ممكن لو سمحت تقول لرزان و باباها يجوا يعيشوا هنا فى الڤيلا و ياريت تتصرف و خليه يوافق"


أرتسمت علامات الدهشة على وجه رؤوف من حديث تالا و أسرع بسؤالها


" هو أنتِ عايزة رزان تيجى تعيش هنا؟"


"أيوا يا بابى، تعيش فى الملحق اللى برة هى وأهلها وتخليها تدخل المدرسة تتعلم فى فصول محو الأمية وتكمل تعليمها و تعيش حياتها بشكل طبيعى"


"يا حبيبتى ما احنا عرضنا عليها قبل كدا تيجى تعيش هنا و هى رفضت "


" يا بابى يا حبيبى وقتها رفضت لانها كانت خايفة من كلام الناس انما دلوقتى الحقيقة ظهرت والعالم كله عرف انها مظلومة و ضحية و خلاص الحيوان اللي أذاها أخد جزائه "


"عايزة توصلى لإيه يا تالا بالظبط؟"


" عايزة أعوضها عن اللى حصل لها بسببي، بابى لو ما كانتش رزان خرجت فى الوقت ده كان زمانى انا اللى حصل فيا كدا، انا حاسة بالذنب ناحيتها وعايزة اعمل لها اى حاجة أكفر بيها عن الذنب ده "


أومأ رؤوف برأسه تعبيرا عن موافقته برأى أبنته، ثم نهض من مجلسه وذهب معاها الى بيت رزان ليقنعها و والديها بذلك الأمر و بعد عدة محاولات منهما لم توافق رزان، لكنها وافقت على العودة الى الدراسة مع العمل فى الفيلا لحين ان تتمكن من انهاء دراستها و العمل بشهادتها و يصبح تحسين حالتها المادية بيدها لا تفضلا من الاخرين، لذلك أحترم رؤوف رغبتها و ضاعف لها راتبها الشهري حتى تستطيع ان تنفق على دراستها و تتعلم و تعلم أخواتها الصغار كما كانت تتمنى، بعد مرور عدة سنوات نجحت رزان فى الالتحاق بكلية الهندسة و تعرفت على أحد المعيدين كان قد قرأ عن قضيتها و لم يهتم و تقدم للزواج منها، معجبا بكفاحها و وصولها إلى هذه المنزلة .


التخلص من جرائم الماضي ليس سهلاً، فاعلم أيها الظالم أن هناك رب عادل لا يرضى بالظلم مهما حاولت،  سيصبح الماضي أسوأ كوابيسك لن يتركك لترتاح، سوف يطاردك في أحلامك حتى ينتصر المظلوم عليك، سينتهي الليل المظلم ليأتي النهار بنوره الساطع وتنسدل أشعة الشمس لتعلن عن إنتصاري لتبدأ حياتي الجديدة الخاليه من الألم والحزن  وتطرق السعادة بابي من جديد فأنا من ظُلمت ولكن ظهر الحق أمام الجميع لتبدا ايامي بالإذهار من جديد.

تمت بحمد الله


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇 


روايات كامله وحصريه من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇


روايات جديده وكامله من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

إرسال تعليق

أحدث أقدم