وصية جدي حصريه وجديده وكامله على مدونة أفكارنا
وصية جدي حصريه وجديده وكامله على مدونة أفكارنا
جلس الجميع وبدأ المحامي يقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا العبد لله عبد الله آل عثمان، في كامل قوتي العقلية، أكتب وصيتي إلى أبنائي وملك حفيدتي.
توزع أملاكي بشرع الله على الجميع بشرط بقاء المنزل الكبير غير مقسم لتجتمع به العائلة، ولتبقى ملك بداخله.
كما أترك جميع أوراق أملاك ملك من والديها وتجارتهما لدي المحامي إبراهيم الشناوي، تستلمهم منه بعد موتي.
وأخيراً، لا تقسوا على يتيمةٍ من بعدي، واتقوا الله فيها.
ملك صغيرتي وابنتي التي عوضتني وأكثر عن ولدي رحمه الله، أستودعكِ الله الذي لا تضيع ودائعه.
وهنا بكت ملك كما لم تبكِ يوم وفاة جدها.
هو يشعر بي، يعلم أنهم قساة، يعلم أني مطمع بسبب مالي وجمالي الذي لم أطلب منهم شيئاً، قد منحني إياه الله.
ما ذنبي أنا إن كنتُ بدون أم أو أب أو حتى أخ؟ وها قد ذهب جدي وسندي.
يا الله، ليس لي إلا إياك، اكتفيت بك يا ذو الجلال، فاكنفني برحمتك.
_ المحامي: استهدي بالله يا بنتي.
= لا إله إلا الله.
_ تحبي تاخدي ورقك دلوقتي؟
= من بين دموعها: لأ، خليهم مع حضرتك لحد أما أحتاجهم.
_ تمام، كلميني في أي وقت.
= شكراً.
_ العفو.
سلام عليكم.
ردد الجميع: وعليكم السلام.
نهضت ملك لتصعد إلى غرفتها، فنادى عليها عمها عمران:
_ ملك، استني عايزك.
= خير يا عمي؟ أنا تعبانه ومش قادرة أنطق حتى.
_ خمس دقايق وننهي يا بنت أخويا.
جلست على مضض، وصداع قاسٍ يغزو رأسها.
= حاضر.
_ دلوقتي جدك مات، الله يرحمه، وانتي مبقتيش صغيرة.
= والله عارفة، ادخل يا عمي في الموضوع.
_ انتي هتفضلي لمضة كده كتير؟ يعني اللي أقصده محتاجة حد يونسك ويساعدك وياخد باله منك.
= حضرتكوا موجودين يا عمي، ما إحنا عايشين في بيت واحد كلنا أهو. هحتاج مين وأنا وسطكوا؟
_ طبعاً يا بنت أخويا، طبعاً، بس مفهمتنيش.
= فهمني طيب.
_ تتجوزي.
= خرج صوتها ضعيفاً وعلى وشك البكاء: جدي لسه ميت.
_ الله يرحمه، أكيد هو عايز مصلحتك، وإحنا كمان، والحي أبقى من الميت.
الآن قد نفذ صبرها.
= لما يجي النصيب.
هنا تحدث عمها فاروق وأشار إلى ولده محمد:
_ أنتي عارفة من زمان إن محمد عايز يتجوزك.
= بس أنا مش عايزة أتجوز دلوقتي، ومحمد زي أخويا، ماينفعش.
صفية: 24 سنة ولسه مش عايزة؟ اللي قدك عندهم عيال!
= ما بالكم؟ لا تدعوني وشأني، كفاية ثرثرة، رأسي بتوجعني.
= بعدين يا مرات عمي، بعدين.
محمد: إحنا أولى من الغريب.
= هي صدقة ولا بيعة؟ ولا صفقة؟ لاحظ إنك بتتكلم عني.
_ الناس هتطمع فيكي لو من غير راجل.
= وإنت لو آخر واحد مش هتجوزه.
قام من مجلسه غاضباً:
_ أنتي قليلة التربية، وأنا اللي هربيكي.
= احترم نفسك يا متربي يا محترم.
عمران: ملك، أتكلمي كويس.
= هو اللي غلط الأول، حضرتك ما سمعتوش.
هو راجل وهيبقى جوزك.
= مش هيبقى، وعلى جثتي.
شدها محمد من ذراعها.
_ ليه بقى إن شاء الله؟ في حد تاني؟
= سيب إيدي يا بني آدم، واحترم نفسك.
هنا تدخل شاهين بن عمها الأكبر، أخذها من ذراع محمد وأوقفها خلفه.
شاهين: في إيه يا جماعة؟ أهدوا مش كده. الجواز مش كده يا بابا، بالراحة يا عمي، ادوها فرصة تفكر يا محمد.
محمد: مالكش دعوة يا شاهين بالموضوع ده، اطلع منها.
أخرجت رأسها من تحت ذراع شاهين المفرودة لتحميها من محمد.
= أنا دخلته يا عمي يقول اللي هو عايزه، إنت اللي تخرس خالص.
حاول محمد أن يجذبها من خلف شاهين ولم يفلح.
كل هذا والجميع صامتون، يشاهدون فقط، كأنهم عزموا أمرهم بزواجها ولا مفر.
كانوا يعرفون أن شاهين سيتصدى لهم، لذلك أرادوا إنهاكه واستسلامه لأمرهم.
شعر بها شاهين تمسك بقميصه وترتجف وتناديه بصوت واهن:
= ش.. شا.. هين.
_ ملك، ملك!
يخبط على خدها:
_ أتبسطوا؟ هتروح مننا! الله يحرق الفلوس اللي تعمل كده! ملك! ملك، ردي عليا!
اتصل عمها بالإسعاف، وحملها شاهين وخرج بها.
_ افتح الباب يا محمد! الإسعاف يومهم بسنة!
هرول محمد.
لا زالت ملك، رفيقة الصبا التي يخشى عليها، وإن تغلبت طباعه عليه كثيراً، لكن العلاقة التي تربط بينهم أقوى بكثير من تلك الترهات.
وصلا بها إلى المستشفى.
خرج الطبيب إليهم، فأسرعا إليه.
_ خير يا دكتور؟
= إزاي تسكتوا عنها؟ أنيميا حادة وجفاف من يومين، ده غير الانهيار العصبي المتوقع.
محمد: طب، هتبقى كويسة؟
_ محتاجة كام يوم في المستشفى راحة، وما تضغطوش عليها.
شاهين: طب، ممكن ندخلها؟
_ بس مش كتير.
دخلا، رأياها تتوسد فراشاً حديدياً، وتتعلق بيديها المحاليل التي تعوض غذاءها، كما أن أسلاكاً تخرج من أنفها وصدرها تنظم التنفس.
اقترب منها شاهين وعدل عباءتها.
_ أنت بتعمل إيه؟ أنت؟
= اخرج بره يا محمد.
_ هو حلال عليك، حرام عليا؟
= لم نفسك يلا واخرس.
_ خلاص، هسكت.
عدل شاهين من وضع حجابها وأدخل شعرها الذي خرج عنوة وهي نائمة.
في غرفة أخرى بالمستشفى، يمسك بكفها يبكي كطفل اقترف خطأ ويخشى عقاب أمه.
_ أنا آسف يا ماما، ارجعي لي، ومش هبعد تاني، والله وعد مني، بس ما تروحيش كده.
ملحقتش يا أمي أحضنك وأشبع من ريحتك، ملحقتش أتأسفلك وأفضفضلك من وجعي.
بالله عليكي يا ماما، ما تسيبينيش، أنا لوحدي، أختي ملهاش غيرك.
تحركت أناملها بين كفه، فنظر لها بلهفة.
= ماما، أنتي سمعاني؟
_ ها.. ش.. م.. بني.
قبل يديها مرات عدة وهو يبكي.
= أيوة يا ماما، هاشم أنا هنا.
_ خلي بالك من أمينة ومن نفسك يا هاشم، سامح نفسك، أنا راضية عنك يا حبيبي.
= ملوش لازمة يا ماما، هنادي للدكتور.
هرول إلى الطبيب يناديه، دخل الطبيب ومعه طاقمه، وخرج كأنه اعتاد الأمر.
_ البقاء لله يا بشمهندس.
= البقاء لله؟! بقولك أمي فاقت، حتى شوف!
تركه الطبيب يذهب، فوجدها قد فارقت الحياة ملتحفة بالبياض.
كشف عن رأسها:
_ ماما! ماما، أنتي لسه مكلماني!
احتقن صوته واهتزت حروفه:
= والله، حلفتلك إني ما أمشي، أقولك هجيب أمينة كمان، نرجع ونعيش سوا، بس ما تخضنيش.
بدأ الهواء يقل من الغرفة....يتبع

تعليقات
إرسال تعليق