رواية آصرة العزايزه الحلقه الاولى والثانيه بقلم الكاتبه نهال مصطفى حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

 رواية آصرة العزايزه الحلقه الاولى والثانيه بقلم الكاتبه نهال مصطفى حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


رواية آصرة العزايزه الحلقه الاولى والثانيه بقلم الكاتبه نهال مصطفى حصريه وجديده على مدونة أفكارنا


♣️ الآصرة الأولى ♣️

أَحِنُّ إلى لَيْلَى وإنْ شَطَّتِ النَّوَى

 بليلى كما حن اليراع المنشب

 يقولون ليلى عذبتك بحبّها 

ألا حبذا ذاك الحبيب المعذّب.


قد يُفاجئك لحن قديـم فيفتح شهيتك على مذاق الحُب الذي تعمدت أن تتجاهله آمدًا طويلًا ، جر " هارون " عباءته الصعيديـة وهو يقترب رويدًا رويدًا من أخيـه الجالس بالأرض تحت ظل شجرة البرتقـال ممسكًا عودهُ ويعزف عليـه قصائد " قيس بن الملوح " التي يحبها كثيرًا .. خطوات متمهلة على لحن الكلمـات ودقات العود المتناسقة وصلت أقدام أخيه لعنده وبدون إحداث صوت يقاطعه جلس منسجمًا متخذًا من جذع الشجرة مسندًا لظهره .. 


كرر " هيثم " لحن الأبيات بطرق مختلفة بتركيز شديد حتى توصل للحن الذي هتف فيه هارون معلنًا إعجابه :


-الله !!!! 


ترك العود أرضًا ودار نحـو أخيه متحمسًا وهو يعقد قدميه :

-عجبك ، صوح ؟! شايف في تطور زين !! 


ثنى هارون قدمه اليسـرى وسند علي ركبته كفه الممسك بالسواك ؛ وقال ذائبًا بسحر الغنـاء :

-إلا عجبني !! ماهو الصباح ما يبقاش صباح من غير عزفك الحلو ديه .. 


ضحكة طفيفة اندلعت من شدقه :

-طيب قول لي حابب اسمعك أيه ، بس يكون في معلومك خدمة قصاد خدمـة .


رفع هارون حاجبـه من جراءة أخيه وتجاوزه في الحديث معه :

-هي حصلت ؟! عـتساومني يا واد أنت ؟! 


-أقلع عبايـة خليفة العزايزي دي ، وركز مع أخوك الصغير ، أنا بردك ماليش كبير غيرك بعد أبوي . 


عقد حاجبيه الكثيفين ببعضهمـا :

-مطلع القصيدة كُفر !!مالها عاد عبايـة أبوك يا واد أنتَ ؟! هتخترف من أولها ؟! 


-فوق رأسي ، ورأس النجع كله يا كبيرنا .. بس اسمعني اللول .


رد بجفاء مفتعل :

-هااه ، سمعني عايز تقول أيه .. ؟!


-عايز أخطب بت عمي وهدان  يا هارون ، البت قالتها في وشي إكده  لو مجبتش ناسي الجِمعة الجاية هتتخطب لوِلد غريب .


ثم اندفع نحو أخيـه :

-أنا عحبها قوي يا هارون ، أعمل حاجة عشان خاطر أخوك ، حتى نربطوا كلام مع ناسها والجواز على مهله ياسيدي .. أي قولك ؟!


ألتوى ثغره باستهزاء :

-ما تنشف وتصلب طولك ، مالك ؟!! هي الخسرانة مش أنت ، وبعدين ما عاش ولا كان الـ يلوي دراع وِلد خلفية العزايزي .


رد متيمًا :

-لاه هو عاش وكان وادهولت ، أخوك حب وطب  يا أخوي .. والحب والكيف ذلتهم واعرة .. مايعرفوش لا كبير ولا طبيب يداويه ...


-مش عاجبني حالك يا وِلد أمي وأبوي بس .

ثم رفع عينيه ولم تفارق البسمـة ثغره ولكنه أتبع قائلًا :

-خد رضـا صفيّة اللول وأنا اروح معاك من عشية .


انكمش وجهه بثنايا اليأس :

-ودي أعملها كيف ؟! دي حالفة ما في قرع طبل يرن بالدوار غير لما تفرح بولدها البكري ، الـ هو جنابك .. ما تتجوز وتفك نحسنا يا هارون وسيبك من مشاكل العزايزة الـ تقصف العُمر دي .


هز رأسـه بشموخ ثم أتبع بمزاح  :

- أديك حافظها زين ، ومتنساش بعد مني هاشـم أخوك ، يعني لسه قدامك كتير .. عمومًا اتفق مع البت الـ عتحبها تحجزلك بتها لو ملكش نصيب فيها  ؟! 


-بتها يا هارون ؟!! 


-يبقى طولت من الحب جانب يا مغفل، وهي أيه وبتها أيه ؟!


اكفهر وجه هيثم المغرم بـ رحاب  وأخذ يلملم آلته الموسيقية :

-تصدق أنا غلطان إني عتكلم معاك ، ااه وأنت هتعرف الحب والمشاعر منين عشان تحس بي كفاية عليك غُلب ناسك .. مش عاوز منك حاجة يا هارون .. يا كبيرنـا ... متشكر قوي .. خليك فاكرها .


أسبل عينيه ساخرًا :

-خُد أهنـه ، واخد في وشك ورايح على فين يا عم الحبيب أنتَ .


لوح بيده بدون اهتمام :

-قفل على الحديت دِلوق يا هارون . 


على مساحة الثلاثون فدان بقلب الجبل يلف سور قصر خليفة العزايزي  الفخم الذي يضم بداخله مساحة شاسعة من المباني المتعددة المتناسقة بجوار بعضها التي يسكنها أفراد العائلة المترابطة ، ومزرعة ضخمة للخيـول ، وحديقة واسعة تحتوي على مشاتل من الورود والبساتين المتنوعة  ، يطوقها عدد هائل من الأشجار والنخيل التي تضلل عليـهم ..


طارت الفراشات من جواره فتبسـم ضاحكًا بسخرية :

-ماهو الـ بيغني لكم هج ، هـ تقعدوا معاي أنا ليه ؟!! 


~المبنى الداخلي~ 


صوت رنين الجرس المزعج الذي لم يخلٌ منه القصـر ، ركضت " فردوس " لتفتح الباب مع علمها بهوية الطارق الذي استقبلته بنفس ثقيل :


-يسعد صباحك يا ست نغم .


طبعت نغم قُبلة سريعة على وجنتها وقالت بفرحة :

-وصباحك يا فردوس يا سكر أنتِ ..


ثم طافت أنظارها بساحة المبنى بسرعة بأعين متلصصة :

-خالتي صحيت ؟!


ردت فردوس على مضضٍ :

-طبعًا صحيت وهو في حد يصحى قبلهـا في البيت ديه  ..


بخفة الفراشـة لملمت نغم طرف فستانها المشجر وهو تتمم على حجابها ، ولكنها توقفت متسائلة :

-وهارون .. ؟! 


-ماله سي هارون يا ست نغم ؟! 


تأملتها مليًا :

-جرالك أيه يا فردوس ؟! هتـردي عليّ السؤال بسؤال ؟! أقصد صحى هو كمان ؟! 


-صاحي وقاعد في الجنينة الورانيـة . 


قُبلة أخرى كانت من نصيب وجنتها الأخرى وقالت بشغف المراهقة المنسوجة من حبها الكبير لهارون ابن خالتها :

-هروح احضر له فطور ، أدعي لي يا فردوس ، هحليلك خشمك ده لو المراد بتاعي تم . 


ضربت فردوس كف على الأخر :

-البنتة بقيت هي الـ تجري ورا الرجالة الزمن ده ؟! ألطف بينـا يا رب .


شرعت أن تقفل الباب ولكن باغتتها زينـة وهي تتدفعه بلهفة :

-استنى استنى يا فردوس ..


ثم وقفت أمامها معاتبة وهى تنزع وشاح رأسها :

-أنتِ مش شايفاني جاية رمح على نفس واحد .


امتقع وجهها وردت بحسرة :

-العتب على النظر يا ست زينة   !


داعبت وجنتها بخفة كمن يمزاح طفل صغيـر وهي تمد أنظارها للداخل  :

-بكرة أخدك ونشوفوا مقاسات النضارة .. الا قوليلي يا دوسه  يا قمر أنتِ ، عمتي صفية فينها ؟! 


-في المخزن بتشوف المحاصيل هتقضي ولا لا لغاية المحاصيل الجديدة ماتخش علينا .


أصدرت زينـة صوت إيماءة خفيفة بحذر وهي توشوش لها:

-طب وهارون .. فين أراضيه ؟! 


-قاعد في الجنينة جار سي هيثم . 


أخرجت زينـة من جيب فستانها ورقـة مطوية داخل قطعة قماش بيضاء ودسته في يدها :

-أقولك أيه يا فردوس ، عايزاكي تحطي ده تحت مخدة هارون .. أياكي حد يوعالك .. 


-ده أيه ده يا ست زينة ؟!


رمقته بأعين محذرة :

-وطي صوتك يا فردوس هتفضحينا .


بصوت منخفض :

-أيوة معرفتش إيه ده بردك ؟!


ارتبكت زينة قليلًا :

-أممممم دهوت حجاب عشان يحفظ هارون من كل شـر .. هتطلعي تحطيه ولا أطلع أنا .


أجابت فردوس باستسلام :

-لا هحطه متتعبيش روحك.. 


-أحبك يا دوسه وأنتِ مطيعة ، هروح افطر وياه هارون قبل الوكل ما يلسلس . 


ما كادت أن تخطو خطوتين ثم تراجعت لتؤكد عليها :

-فردوس ، أوعاكي تنسي .. هاه ؟! 


-طوالي يا ست زينة .. متعتليش هم  . 


بخطوات أرنب مُقبل على الحياة تمايلت على طراطيف أصابعها نحو الحديقة التي يجلس بها هارون حاملة حقيبة الطعام بيدها وهي تدندن:

 " طايـر يا هوا طايـر على المينـا .. رايح يا هوا تخبر أهالينـا .. قصة الهوى وتفتن علينـا !! أمرك يا هوىٰ و  "

حتى ارتطمت بكتف هيثم الذي يتشاجر مع طوب الأرض ، فهب صارخًا :

-مش تفتحي يا زينة ؟!!!قطر معدي ؟! 


-أباي عليك يا هيثم !! وأنا كُنت ضربتك بطلقة ؟! مالك على الصبح !قول يسعد صباحك يا زينة !


لوح بيده متجاهلًا اسئلتها :

-مفيش .. وحلي عن راسي الساعة دي .


مطت شفتها بتعجب :

-ماله ديه ؟!


ثم نفضت غبار حيرتها وأتبعت سيرها :

-وأنا مالي .. 

ثم أتبعت مدندنة:

-جينا يا هوا للبحر جينا .


وصلت زينة إلى الشجرة التي يجلس هارون تحتها فأقبلت عليـه بسعادة مترنمة :

-يا صباح الهنـا على كبيرنا وكبير نجع العزايزي كله من شرقه لغربه وضواحيه .. يسعد صباحك يا سيـد الناس .


-كيفك يا زينـة ؟!

أردف سؤاله بهدوء خالٍ من أي ضيق أو شغف في حوارها ، فـ جلست مقابله :

-أنا زينة وهفضل زينة طول ما حسك في الدنيـا ياسيد الناس .. 


ثم أخذت تفتش وتفتح بالحقيبة البلاستيكية وتخرج منه عُلب الطعام :

-تعرف أن عيني مشافتش النوم طول الليل ..


-ده ليه ؟! عيانة أياك نشوف لك داكتور ؟!


داهمهـا الحُب وهي تبرر سبب يقظتها طوال الليل :

-بعد الشر عليـا ، عياي واحد وطبيبه واحد ما ينفعش بعيديه الطب كله .. بس هو يقول آه .


رصت الأطباق أمامه وهي جالسه على رُكبتيها وأكملت :

-سهرانة أعملك بيدي الفطير الـ عتحبـه ، مع هبابة العسـل هينسوك وكل صفيـة .


تربع هارون ليستقبـل إفطارها بفرحة عارمـة ويعبر عنها :

-وه وه .. جيتي في وقتك يا زينة ، ده الفطير لسه بناره .


-مطرح ما يسري يمري يا وِلد عمتي . 


ما شرع أن يتذوق الطعام ويتلذذ من مذاق العسل الطبيعي أتت نغم على عجل وهي تحمل فوق رأسهـا المائدة المعدنيـة وتقول بضجرٍ :


-أنتِ أيه جابك الساعة دي يا زينة !!


شنت الحرب النسائية بينهن ، فردت عليها وهي تضع الخبز الساخن بيده :

-جرب دي كمان يا هارون من يدي ..


ثم عادت لنغم :

-عازمة ولد عمتي على الفطور ، فيها حاجة دي ؟!


وضعت نغم المائدة على الأرض ثم شدت الخبز من يد هارون بعنفٍ :

-والله ما هيفطر غير من وكلي يا زينة . 


ثم ولت ناحيـة هارون وأخذت تبعد عنه الطعام الخاص بزينة :

-سيبك من الوكل الـ ينشف المعدة ده ، واشرب كوباية اللبن دي تِرُم عضمك .


تدخلت زينة بغضب :

-جرالك أيه يا نغم !! مش هتبطلي حركات العيال دي .. ما تسيبيه يختار على كيفه .


ردت الأخرى بتحدٍ :

-مش هياكل غير وكلي يا زينة ، ما تقول حاجة يا هارون .


مازال محافظًا على هدوئه يراقب تلك الحروب الدائرة حوله ، شدت زينة كوب الحليب من يد نغم بإصرار :

-متسديش نفسه على الـوكل وسيبيه يملى بطنه عيش اللول . 


شدت نغم كوب الحليب منها :

-مالكيش فيه ، لازم يشق ريقه على كوباية اللبن الصبح ، مش فطير وعسل . 


تأفف باختناق وهو يتمتم لنفسه :

-ياصبر الصبر على الصُبح !


تدخلت زينة وغمست اللقمة بالعسل وقربتها من فم هارون :

-سيبك منها ومن تقاليعها يا هارون وخد كُل من يدي والله ما أنت مرجعها . 


انفجرت نغم بغضب يتطاير وهي تخطف اللقمة من يدها :

-قولتلك يشق ريقه باللبن اللول أنت ما عتفهميش . 


طاحت يدي هارون بوجههن وهو يسب جنونهن :

-ولا وكلك ولا وكلها ، ومش طافح في أم اصطباحتكم المقندلة دي .


كادت زينة أن تدخل لتعارضه فقطعها بحزمٍ وهو يفارق مجلسهن :

-ولا كلمة قُلت  ...


لملم عباءته وترك لهن ساحة الحـرب الطاحنـة عليـه ، وصراع كل واحدة منهن أن تصل لقلب هارون العزايزي كبير عائلة العزايزي نيابة عن أبيه ، صاحب الرابعة والثلاثون عامًا تجمعت به هيبة وشجاعة الرجال لذا أصبح جديرًا بأن من يتولى حكم قبيلته بعد أبيه الذي أصابه الهرم ، فتنازل لابنه كي يطمئن على حكم العائلة في حياته .. زفرت زينة بامتعاض :

-استريحتي ؟! أهو مشي وهو على لحم بطنه .. 


أردفت نغـم قائلة بحنق :

-ما بلاش كهن الحريم ده يا زينـة ، هارون مش هيجي بالحركات دي !


زينـة بسخرية :

-أومال هيجي بأيه يا ست العارفين يابتاعت المدارس ؟!! 


ردت نغم متدللة وهي تفارقها :

-القلب وما يريد عاد ، مش بالحنجل والمنجل .. والسبع ورقات بتوعك .


تنهدت زينة ببغضاء :

-طيب يا نغم يا بت ونيسة أمـا وريتك ! 


~ أمام البوابة الخلفية ~


-خُد خُد إهنـه ، مالك طايح وواخد في وشك من غير حتى ما تصبح على صفيـة .


اكفهر وجهه واعتلاه الضيق :

-مفيش يا صفيـة ..


ربتت على صدر بحنو :

-على أمك بردك ؟! دول عينيك بيطق منيهم الشـرار . 


انفجر بوجه أمه معبرًا عن غضبه :

-فهمي بنات أخواتك إني مش بتاع جواز دلوق خليهم يفكوا مني لوجه الله ، مش ناقص خوتة ووجع راس أنا يا أما .


ضحكت بملامح عجوز على أعتاب الستين :

-هدي روحك يا حبيبي ، وقول لي قلبك مايل لمين أكتر ، نغم ولا زينـة .. ولا أقول لك ؛ الاتنين غلابة ، أنا أجوزك الاتنين في ليلة واحدة ، أيه قولك ؟


استولى على صوته الأسى والهزء :

-ياصبـر الصبر ؟! أنا هارون العزايزي يا أما مش هارون الرشيدي .. فوقي الله يراضيكي مش ناقصين خوتة  ..


انكمشت ملامحها بامتعاض :

-يعني أيه هتقضي العمر إكده بطولك من غير لا عيل ولا تيل ؟! ده أبوك وهو في سنك كان معاه أربع رجالة يسدوا عين الشمس . 


جز على شفته السفلية :

-صفيـة ، حلي عن راسي الساعة دي ، مش أنتِ وبنات أخواتك عليّ . 


وقفت أمامه كالجبل الذي لا تحركه ريح غضبه :

-أوعاك تكون باصص على واحدة من براة القبيلة ؟! أنت عارف زين عرف العزايزة  ؛ مستحيل يدخلوا دم غريب بيناتهم .. أوعاك يا روهان ياولدي . 


بكبرياء الطاووس هب بوجه أمه معارضًا :

-لا بره ولا جوه ولا يشغلني صنف الحرام ده واصل ، وسعي عاد خليني أروح أشوف مصالحي . 


-ماشي يا هارون بس يكون في معلومك أنا صبرت بما فيه الكفاية ، وصبري له آخر .. 


ربت على كتف أمه برفق :

-خشي عشان متستهويش يا أما ..


ثم انصرف وهو يسب بنات حواء جميعهن :

-والله العاقل يخوتوه ..


-روح ياولدي ربنا يفتح نفسك على صنف الحريم قادر يا كريـم .. دعوة وليـة في ساعة صُبحية .. أقبلها مني يارب ..  


••••••••

" مرسى علـم " 


صف هاشم سيارته المرسيدس أمام المنزل السكنى المكون من ثلاثة طوابق يسورها حديقة غاية في البساطة والجمال ، تناول " كابه العسكري " ووضعه تحت إبطه وهبط من سيارتـه متجهًا نحو بوابة منزله الأنبق .. ما أن اخترق مفتاح كالون الباب الخشبي الكبير سبقته " رغد " زوجته وهي تفتح الباب  ويسطع اللؤلؤ من عينيها وهي تردد اسمه وترتمي بين ذراعيه :


-هاشم، أخيرًا جيت . 


هاج قلبها ببلابل الشوق وهي معلقة بين يديه بأقدام محلقه في سماء الحُب :

-أسبوعين بحالهم يا هاشم .. ؟! 


طوق زوجتـه السرية عن أهله بلهفـة مُحب وهو يطبع وسام اشتياقه على جدار عنقها :

-أنتِ عارفـة أن ما يبعدنيش عنك غير الشديد القوي . 


فارقت حضنه بأعجوبـة وهي تسحبـه للداخل بحماس الطفولة :

-تعالى تعالى ، مامي جوه سلم عليها . 


قال في شيء من التهكم هامسًا :

-هي مطولة ! 


لكزته بحرج تابعته نظرة تحذيرية :

-بس بقا لتسمعك وتزعل .


رمى " الكاب " على الطاولة ذات السطح الرُخامي واتبع بهمس يشعله الشوق :

-أنا أجازة ٤٨ ساعة مش عايز أضيع منهم دقيقة واحدة .. 


ضغطت على كفه وهي تقترب من أمها وبثغـر ضاحك :

-مامي ، هاشم جيـه .. قوليلو بقا أنا كُنت لسه بعيط لك وأقولك واحشني أد أيـه . 


وثبت سامية لتُصافحـه ثم تعانقـه بقلب أم :

-نورت بيتك يا حبيبي ، شيـل بقا شوية من نكد ست رغد .. 


ألتف ذراعه حول خصرها وشدها إليـه :

-مش أنا قايل لك عندي مأموريـة المكان الـ رايحهُ مفيهوش شبكة . 


نظرت إليه نظرة تملأها نار الحب التي تلتهم غابة وهي تمرر ظهر كفها على وجهه بهيام :

-أعمل أيه في قلبي طيب .. !!


تدخلت أمها بلطفٍ :

-أنا كده اطمنت عليها ، اسيبكم بقـا وأروح بيتي وأشوف زرعي اللي دبل بسبب الست رغد .


تدخلت رغد باعتراض :

-مامي استني اتغدي معانا .. 


ضغط هاشم على كفها كي تصمت فلاحظت أمها فعلته  فاستقبلتها برحب وابتسامة هادئة ، بادلتها ابنتها ابتسامة رقيقة لكسر ما سببه إليها من إحراج :

-سيبيني بقا أرجع بيتي وحشني .. هغيـر هدومي وامشي .


أخذ يترقب خطوات حماته المتهملة حتى لمست أقدامها أعتاب الدرج ، فأنقض هاشم على فريستـه التى تراجعت للوراء بفزعٍ  ورفض قاطع لتصرفه الذي ينتويه في تلك الأثناء طاحت يدها بالفازة الزجاجيـة لترتطم بالأرض فيتهشم فتاتها هنا وهناك ، توقفت نادية بقلق بمنتصف السُلم متسائلة :


-في حاجة يا ولاد ؟!


رد هاشم على الفور وهو يحمل رغد ليحمي أقدامها الحافيـة من فتات الزجاج المنتشر وبلهجته القهراوية التي لا تتبدل إلا معهما :

-لا يا طنت ، دي رغد عندها فرط حركة بس زي ما أنتِ عارفه .


عاتبته رغد هامسـة :

-عاجبك كده ؟! 


توغل في أحشاء عينيها :

-وحشتيني الله .. !!


ثم حملها برفق وأجلسها على الطاولة مبتعدًا عن دائرة انتشار الزجاج وقال بتنهيدة تشبه شهقة الغريق متغزلًا بجمال المرأة ذات الشعر الغجري التى وقع بشباك عينيها منذ عامين وقبلت أن تكون زوجته بدون علم أهله رغم علم أهلها وأصدقائها وإقامتهم لحفل زفاف عائلي بمرسى علم ، العشق كالضبابة السوداء إن حلت بقلب إمراة عمتها عن جميع حقوقها  :

-وبعدين فيكي ؟


-الله ؟! وأنا عملت أيه ؟!


ارتدى ثوب الصعيدي المُتيم وهو يجيب :

-كفاياكي حلاوة عاد .. 


رن صوت ضحكتها بأرجاء " ڤيلاتهم " الصغيرة وقالت :

-بخاف منك لما تقلب صعيدي فجأة كده . 


رفع حاجبـه مستنكرًا فأنقذت نفسها موضحة :

-بس بعشقك في كل حالاتك ..... 


•••••••••


~ الاسكندرية ~


في غُرفـة المرأة الأكثر اختلافًا ، إمراة لا تشبه إلا نفسها  غير عاديّة.. لا يقارن جمالها إلا بـ الأشياء الأكثر رقّة وصلابة  ..  يقويها الجرح لا يضعفها و يزهر فيها بدلًا من أن يذبلها  وتحوّل أحزانها إلى درجات سُلم تدوس عليها كي تعلو أكثر وأكثر  .


ضمت الإطار الذي يحمل صورة والدها ، سيادة اللواء "سامح الجوهري" الذي أصابته المنيّة قبل أربع سنوات ، اطالت النظر بالصورة بملامح يخالطها العجز والشوق :


-يعني مش لو كُنت موجود دلوقتي كنت وفرت علـيا التعب ده كله ، مفيش حاجة كسرتني أد غيابك يا حبيبي .. لو كان بس ينفع أديك من عُمري ، عمري كله بس تبقى موجود ، أو نفارق الحياة دي سوا .. محدش فينـا يسبق التاني .. وحشتني يا بابا . 


قطعت لحظات شكواها صوت المساعدة الخاصة بمنزلهم وهي تقول :


-أنسة " ليـلة " .. شريف بيه على التليفون .


تناولت الهاتف من يدها وهزت ورأسها على مضض وقالت :

-أقفلي الباب وراكي يا دادة لو سَمحتِ ..


ثم قعدت بمللٍ على طرف السرير وهي ترد على الهاتف المنزلي :

-شريف .. أنتَ بتكلمني هنا ليه ؟! 


أجابها الرائد شريف أبو العلا ، معاون مباحث المركز الذي ينتمي له قبيلة العزايزي .. ويكون خطيبًا لـ ليلة منذ عامين ماضيين .. زفر شريف بضيق:

-شوفي موبايلك وأنتِ هتعرفي .. 


ألقت نظرة سريعة على شاشة هاتفها وهي تضغط على شفاهها بإحراج وبلهجة اسكندرانية عبرت عن خجلها متمتمة " أحيـه** ؟! " ، ثم قالت لتلطف الأجواء بينهم :


-سوري سوري ، بجد آخر مرة هنسى فيها الموبايل سايلنت ، بجد سوري .


تامر تحت ضغط الانزعاج :

-مش كل مرة يا لي لي .. أنا بجد تعبت معاكِ وزهقت . 


-خلاص بقا يا سيادة الرائد قلت آخر مرة ..مش هتتكـرر تاني .


زفر بحنق  :

-ماهي كل مرة بتبقى آخر مرة وبردو .


ابتسمت بلطف لتنهي الشِجار القائم بينهم :

-خلاص بقا قلت سوري .. متقفشش وتعكر اليوم .


جلس " شريف " على مقعد مكتبـه مغلوبًا على أمره :

-جهزتي حاجاتك ؟!


-اه يا حبيبي .. هسلم على مامي وهنزل على طول .


هز رأسه متعجبًا بجبين منكمش :

-هتنزلي فين مش الطيارة بالليل ؟! لسه بدري ..


شعرت بالتوتر  إثر انكشاف كذبتها أمامه ، فبررت موضحة :

-أحيـــه !! قصدي هنزل أروح القنـاة اسلم التقاريـر الـ معايا وهروح اقعد مع جوري والبنات لحد ميعاد الطيارة. 


تعجل في إنهاء المكالمة الهاتفية إثر دخول العسكري ، فقال بتسرع :

-تمام يا لي لي ، هكلمك كمان شوية ، باي باي دلوقتِ عندي شغل .


ألتوى ثغرها بمللٍ :

-باي باي .


ثم قفلت الهاتف لتتنفس الصعداء وتطرد غبار مخاوفها من كشف أمرها ، أخذت تسب نفسها علنًا :


-غبية غبية ، كام مرة أقول لك هتخبي حاجة كوني أدها .. لسانك الفالت ده وبعدين فيه !!


ثم نظرت في ساعة يدها بحماس وهي تلملم حقيبتها وشاحن هاتفها :

-كده يا دوب ألحق .. 


" ليلة سامح الجوهري " تلك جميلة الروح قبل الملامح صاحبـة الثامنة والعشرين عامًا من العمـر بقلب لم يبلغ الثماني سنوات وعقل بلغ الستون من النضج ببعض الأوقات .. ‏اتدرك المعاناة التي يجتمع فيها براءة  القلب مع نضج العقل ؟! .. 

شعور يجبرك أن تعيش في صراع دائم حائرًا بين طفل في صدرك وعجوز في راسك ،كِلاهما لا يتقبـل أفعال الآخر ... 

فتاة متعددة المواهب تعشق المغامر والغناء والعزف ، تفضل قيادة السيارات لم يفارقها سباق إلا وشاركت فيه .. خريجة إعلام حلمها الـوحيد أن تبقى إعلاميـة مشهورة ولديها برنامجها الخاص الذي تتحدث فيه عن كل الحقائق الكامنة والمكتوب عليها بالخط العريض ممنوع الاقتراب دون قيود أو خوف ، مؤمنة بأن الأعلام هو المنارة الأولى  لتنويـر العقـول ونصرة الحقوق .. جاءتها الفرصة العظيمـة لتحقق حلمهـا ولم تتردد للحظة في السير إليه بكل شغف وإصرار مهما كانت النتيجة؟!!


يقال أن للسُبل نتائج آخرى غير تلك التي نقطعها لأجلها ؛ فيا ترى ما تلك النتائج التي ستواجه " ليلة " أثناء بحثها عن ذاتها عن حلمهـا ؟! والأكثر إيلامًا هي ستصل أم سيكون مصيرها كمصيـر كل من سعى وكان الخذلان نهايته ؟!


انتهت من وداع أمها السيدة نادية أبو العلا  من أمهر وأشهر طبيبات مصـر في معالجة الأمراض النفسية والعقلية.. هبطت " ليلة " من منزلها لتتوجه إلى سيارتها المركونة أمام البنية ذات الطراز الحديث ، وضعت النظارة الشمسية على عينيها وهي تحمل شالها الصوف خوفًا من انقلاب الطقس الخريفي فجأة ثم أخذت المفتاح من السائق وهو يؤكد عليها :

-يا استاذة ليلة متأكدة إنك هتنزلي نجع حمادي لوحدك بالعربية ؟!


ردت باستهزاء للموضوع :

-وفيها أيه يا عمو !!، أنا متعودة أسافر أماكن أبعد من كده كمان لوحدي بالعربية .


تابع خُطاها مقترحًا :

-طيب تحبي أجي معاكي عشان لو تعبتي لقدر الله .. بصراحة قلبي مش مطاوعني اسيبك لوحدك يا بنتي أنتِ أمانة سامح بيه الله يرحمه .


مازحته قائلة :

-أنت عارف إن ميتخفش عليـا بالذات من السواقة .. يلا بقا يا عم حسن كلها كام يوم وهتلاقيني رجعت أدوشك من تاني .. أدعيلي بس الموضوع يظبط ... 


-منصورة إن شاء الله يا بنتي . 

قال جملته وهو يفتح لها باب سيارتها " بيجـو 3008 " حمراء اللون .. صعدت ليلة والحماس يتطاير من صوتها كما تتطاير خصلات شعرها البنية في الهواء :

-أشوفك على خير يا عم حسن ..


باستسلام :

-ربنا يسلم طريقك يا بنتي ويوقف لك ولاد الحلال ...


••••••


~ عودة لقصـر العزازي ~ 


-يا خبـر !! ودي تيجي يا عمـتي ، تُقفي تطبخي وأنـا موجودة ، ده أنا عليـا شهقة ملوخية مفيش بعديها . 


قالت زينـة جُملتها وهي تتناول المغرفـة من يد " صفيـة " وتتأهب لإعداد الوجبة بدلاً منها كي تنال رضاها .. سحبت صفيـة المقعد وجلست فوقـه بتعب وهي تتأوه :

-شالله تعيشي يا زينة يا بتي .. 


ثم نادت على فردوس التي لبت النداء على الفور :

-استعجلي خضر يا فردوس عشان ياخد الغدا للعمال في المحجـر تلاقيهم وقعوا من الجوع .. 


ما كادت أن تتحرك ولكنها أوقفتها قائلة :

-وروحي المطبخ الكبير قولي للبنات يشهلوا ويبطلوا مياعة وهيء وميء ، الضهر جيه وهما لسـه مخلصوش الوكل للناس .


فردوس بطاعة :

-حالًا يا ست صفيـة ..


جاءت نغـم في تلك اللحظة مهللة :

-أنا فضلت واقفة فوق راس البنات لحد ما خلصوا كل الوكل  يا خالة ..


ثم طبعت قُبلة على كتف خالتها وهي تحملق النظر بزينة  :

-شوفتي محدش حاسس بيكي غير نغم .


ربتت صفية على كفهـا بحب :

-ربنا يباركلي فيكي يابتي .. 


ثم همست لها :

-أوعى تفكري الأم هي الـ ولدت ، لا دي اللي ربت يا عبيطة ، الله يرحمها أمك سابتك حتة لحمة حمرة وأنا اللي ربيتك وكبرتك ودخلتك كليـة التجارة زي ما أمك كانت عايزة بتها تحون متعلمة ومتنورة .


دب الغيظ بقلب زينة التي تركت الطعام وانضمت لحديثها قائلة :

-يعني أيه الحديت ده يا عمتي !! وأنا يعني مش بتك ولا نابني من الحُب جانب .


ألتوى ثغر نغم بضيق:

-واحدة وخالتها ، حاشرة نفسك ليـه بيناتهم يا زينة ؟! ياباي منك . 


لكزتها زينة بغيرة نسائية وجلست تحت يدي عمتها :

-عاجبك حديتها الماسخ ده يا عمة ؟!


ضحكت صفيـة من جنانهن :

-أنتوا على طول ناقر ونقير إكده ؟! مولدين فوق روس بعض ؟!!


حملقت نغم باستنكار :

-أنا نقري من نقر دي ؟!! محصلش ، الا لو هي الـ عينها مني .. عشان أنا الأحلى  . 


زينة بامتعاض :

-ما تحاسبي على كلامك يا ست نغم ، أنتِ ناسية أنا مين وأبويا منين ؟! ولو على الحلاوة النجع كله بيتحاكي بجمال بت صالح العزايزي .


وضعت نغم يديها بخصرها وهي تزيح شعرها الأسود جهة كتها الأيمن :

-وقالولك أنا الـلي جاية من الشارع أياك يا زينة ؟!! . 


رمقتها زينـة باستهزاء ثم سحبت المقعد الخشبي والتصقت بعمتها :

-يعني يا صفية لو قالولك اختاري واحدة بس تكون مراة هارون ولدك ، هتختاري مين ؟! 


جرت نغم مقعدها والتصقت بخالتها من الجهة الأخرى بمزاح :

-آكيد أنا ، متعلمة كيف هارون وراسي توزن بلد وأنسب واحدة لِيه . 


صرخت صفيـة بوجههن :

-انا عن نفسي قولتله اجوزك الاتنين عشان اخلص منكم ومنه ومن خوتتكم دي .. أنا كبرت ومعتش حِمل المناهدة دي ! 


هب الاثنتان بنفس واحد وبأعين متحمسة :

-هاه وايه قوله ؟!


تفوهت بملل بعد ما فاض صبرها من ابنها وبنات أخواتها :

-لعن الجواز على اللي عايز يتجوز ، وبصراحة عنده حق ، أنتوا الجوز تجيبوا الفقر .. قومي يا بت منك ليها شوفي لك مُصلحة ... بدل ما سادين نفس الولد عن الجواز إكده .


امتنعت نغم  بشدة :

-أنا ابقى ضرة دي ؟! 


هزت زينة رأسها بكيد انثوي :

-ومالها دي يا عينيا !! ناقصة أيد ولا رجل ؟!! 


دخلت " هيـام " أختهم الكبرى عليهن وهي تحمل جبال الهم فوق ملامحها ، فنظرت لها نغم بترحاب :


-أهي عروستنا وصلت أهي ؟!! 


تدخلت زينـة عندما لاحظت وجهها الشاحب :

-وه وه!! مالك لاوية بوزك يا عروسـة ولا كأنك هتتجوزي أخر السبـوع  .


تجاهلت حديثهن واسئلتهن الفضولية :

-فين هارون يا أما ؟! 


-نزل شغله ياهيام يشوف مصالحه ..


جلست " هيام " تحت قدمي أمها بأعين باكية :

-يا أما أحب على يدك انا مش عايزة اتجوز " ضيا " ولا قادرة أبص في وشه .. حرام عليكم حسوا بي .


قالت زينة معترضة :

-ما أنتِ كنتِ رايده وموافقة عليه يا هيام !! جرالك أيه !! 


جلست نغم بمستوى خالتها وضمت كفيها :

-يا حبيبتي !! هو الجواز بالعافية يا خالة ، البت مش رايداه ومعاها حق ، ضيا مين يطيقوه في النجع كله . 


تعلقت " هيام " بحبال كلمات نغم :

-قوليلهم يا نغـم ، أنا تعبت .. مش عايزاه يا ناس مش عايزاه .. 


تدخلت صفيـة بحدة المراة الصعيدية :

-اسمعك تقولي إكده تاني هكسر راسك ، أياكي تكوني شايفالك شوفة من الجامعـة بتاعتك ، والله اقطع خبرك عن النجع..


انفجرت هيام باكية :

-مش عحبه يا أما .. مش عايزاه .. ولا عايزة اتجوز من أصلو أيه قولك عاد ! .


هبت رياح صفية الحاسمة :

-وأحنا مش عنتجوزوا عشان الحب والكلام الفارغ دهوت يا بت بطني .. الجواز سُترة للبت وعشان نحفظوا نسـل العزايزة  ، أما الحُب والتقاليع دي مش في عُرفنـا ياضنايا..الـ يتفقوا عليه الرجالة يصير وأنتِ وافقتي من اللول  . 


ربتت زينـة على كتف عمتهـا بيدها المكدسة بالغوايش الذهب :

-روقي يا صفيـة ، الزعل غلط عليكِ .. هدي روحك وأحنا هنتكلموا معاها ونفهموها .


تفوهت صفية بحزم :

-ولا كلمة زيادة في الحديت ديه ، سامعة يا بت بطني .. روح جهزي روحك وأفرحي . 


ثم سبت الحب جهرًا :

-قال حُب وكلام مايع ملوش لون ولا ريحة !! 


فرغت " هيام " كالملدوغـة وهي تفارق مجلسهن :

-إكده يا أما ؟! طيب أنا هروح اشتكي لأبوي ولو موقفش جاري وربنا وقبل ماالبس الفستان لضيا هتلبسوني الكفن . 


أغرورقت العبرات من عيني صفية بحسرة :

-أبوكي عيان ومش حِمل هم يا بت .. خِدي إهنه !! يارب خدني أنا وريحني من عيالي ، لا عارفة احكم على واد ولا بت .. عملت أنا ايه في دنيتي بس يارب ، شيعي لهلال ولدي يرقيني ، دي عين مراة صديق ورشقت . 


•••••••


~ مرسى علم ~ 


بأقدام حافيـة تتدلل رغـد أمام " بـار " مطبخها الذي اقترب منها هاشم بعد ما تحرر من قيود زيه العسكري مكتفيًا ببنطال رياضة تاركًا عضلات جسده للهواء الطلق .. تناول ثمرة من الفاكهة وجلس على أحد المقاعد وهو يسألها :


-هتأكليني أيه من أيدك ... 


ردت رغد وهي تعد قطع الدجاج :

-بيكاتا بالمشروم والوايت صوص وجمبهـا رز أبيض هتاكل صوابعك وراها .. 


جذب كفها لعند ثغره وطبع بداخله قبلة دافئة ثم قال :

-أنا نفسي كدا تسيبك من الأكل الخواجاتي ده ، وتجربي الأكل الصعيدي الـ على أصله .. رقاق بالسمنه البلدي .. فتة باللحمة الضاني .. فطير مشلتت بالعسل والجبنة .. 


تركت السكين من يدها متحمسـة :

-بجد يا هاشم ؟!! أنا نفسي أوي نروح هناك وتعرفني على أهلك .. حقيقي بحاول اتخيل هما ازاي وعاملين أيه .. أنا بجد نفسي أحس أن ليـا عيلة وعزوة ..


لُطخ وجهه بحمرة الامتعاض واكتفى بهز رأسه بدون اهتمام :

-قريب قريب ياحبيبتـي .. 


شيعته بنظرة تكذيبه ولكنها غيرت مجرى الحديث قائلة :

-هتنزل الصعيد طبعًا ؟!


ابتسم بهدوء لدهائها :

-طبعا لازم أخد رضا صفية قبل كُل مأموريـة ..وكمان عشان فرح هيام أختي آخر الأسبوع .. 


رغد بفضول :

-احكي لي عن الصعيد شوية .. وصفيـة وأخواتك ، كله كله ؟! أنا نفسي أجي معاك أحضر الفرح . 


دار إليها باهتمام :

-الأول عايـزة تعرفي أيه ياستي عن الصعيـد ؟! 


برقت عينيها بحماس وهي تدنو منه قليلًا :

-قول لي عندكم بنات حلوة في الصعيد  .. ؟! 


رفع حاجبه مشيدًا بجمال بنات موطنه :

-وهو فيه زي حلاوة بنات الصعيد ، عارفة الفرق بين الفرس العربي الأصيل والأمريكي ؟!! أنتِ طبعًا  خيالة وعارفة الفرق كويس .


اكفهرت ملامح وجهها بضيق :

-والله ؟!! وسبتهم لي بقا وجيت لي.. ؟!


امتلأ محياه بالضحك وهو يفارق مقعده ويتحرك إليها :

-عشان لقيت فرس عربي أصيـل تايه في مرسى علم قلت مكنش ينفع أسيبه أبدًا .. لازم يكون ملكي . 


ثم طوق خصرها بقوة وأكمل :

-وأنا خيـال وأعرف أقدر زين قيمة المهرة اللي قصادي . 


حاولت التملص منه مفتعلة الزعل :

-مابقتش أكل من الكلام ده .. ووسع كده مخصماك ..


ثم قفلت عين الموقد وقالت بحدة :

-ومفيش أكل كمان  .. روح بقا للبنات الحلوين في الصعيد وهما  يأكلولك . 


ذاب بين خصيلات شعرها الغجري وهو يقول متيمًا بتلك المراة التي جعلته يتمرد على أعراف بلدته بأكملها ويختارها :

-مش مهم الأكل ؛ تيجي أعزمك أنا ؟!! 


دارت بين يديـه لتبقى يديهـا بعنقـه ويديه مطوقها خصرها النحيـل ، متعلقة بعينه المنكسرة في حضرة جمالها :

-هتعزمني على أيه ؟!!! 


-على الباقي من عمري ليكي لوحدك .

كانت جملته بمذاق القُبلة التي بدأت بلهفـة ثم متمهلة تدريجيـًا بمقدار الأدرينالين المتدفق من جسده عند رؤيتها ، زاح خصلة عن وجهها وسألهـا : 

-أي رأيك ؟! 


كل نظرة منها كانت تحمل بيان صريح لاعترافها بعشقه الذي فاق الحدود لذلك الرجل الذي غمرها بماء الحب حتى باتت لا تستطيع التنفس إلا بوجوده ،‏بالرغم من وجوده الشحيح معها  لدرجة أن بُعده يقتلها مثلما يحييها قربه بالرغم من إنه لا يقدم لقلبها إلا الحُب فقط الخالٍ من أي تضحيات ولكنه قادر على زرع الزهور بصدرها ،  بالرغم من اللاشيء الذي لا يُقدمه إلا انها تعشقه   :

-وأنا موافقة طبعًا .. هاشم أنا بحبك أكتر من أكتر حاجة في الدنيـا ....


ثم ......

قد يحدث ألا يكفي المرء إلا الصمت لا مزيد من

 الكلام يمكن أن يصف ما يشعر به ، لا مزيد من الشعور والنظرات والعبرات توفى لسعة الحب بالصدر المدجج بناره ، ولكن ربمـا للروح تنجح في التعبير لأي درجة من الحب وصل لها القلب ... 


•••••••


غَرُبت الشمـس وطوت خيوط نهارها مع الهموم المُعلقة بالقلوب الحائرة .. اجتمع كبار آل العزايزي وعلى رأسهم خليفة العزايزي الجالس معهم يستفسر عن أمور بلدتهم وغيـرهم بالمندرة الكبيرة الخاصـة بالعائلة لحسـم بعض الأمور العائليـة .. غادر هيثم مجلس الرجال ليهاتف أخيـه :


-فينك يا هارون ، اشحال مأكد عليهم يجوا بعد العشية ..؟!أبوك على آخره . 


على الطريق الصحراوي يقود سيارته بأقصى سُرعـة :

-مشوار في سوهاج كان لازمًا أروح له ، كلها نص ساعة وأكون عندكم .. عشي الرجالة لحد ما أوصل .. وخليك جار أبوك . 


-طيب يا أخوى استعجل .. ألو .. هارون الشبكة عندك ساقطة لو سامعني عجل الله يرضى عنك مش ناقصين لت وعجن  ..


كرر ندائه :

-هارون .. سامعني  ؟!


شرعت حبات المطر تتقطر على زُجاج سيارته ربما تعلن باستقبال ضيف جديـد لضواحي المنطقة .. شغل مساحات سيارته وزود من السرعة كي يلحق بضيوفه متأففًا :

-مش بعادتها تنطر يعني !! 


وعلى جانب الطريق تقف "ليلة" تلعن حظها الذي لم يسعفها لمواصلة طريقها بدون عوائق .. توقفت جانب الطريق تفحص " عجلات " السيارة التي انفجرت أحدهن بكشاف الهاتف .. وقفت بملامح عجزها ثم ركلت العجلة بقدمها وهي تعاتبها :

-لازم تعمليها يعني ..؟!!


ثم نظرت للسمـاء التي تُمطر قطرات خفيفة فوق رأسها :

-اااه ما كملت بقا ؟!! أيه الحظ ده ..؟!


حاولت الاتصال بشريف كي ينقذها من تلك الورطـة وهي تقول :

-مش لازم اقلق مامي .. أي نعم شريف مش هيعديها بس أعمل ايه مفيش حل تاني؟!!


أغرورقت عينيها بالدموع للعجز وقلة الحيلة التي تعاني منها :

-لااا وكمان السيجنال واقعة ؟!! كده كتير ؟!!!! والحل ؟! 


أضاءت جميع فوانيس السيارة لتلفت نظر أي شخص على الطريق الصحراوي و يقوم بمساعدتها وقفت بعجز وقلة حيلة أمام سيارتها وقطرات المطر تزداد رويدًا رويدًا .. تحول حماسها لخوف وقلق ، قررت تطلب المسـاعدة من السيارات المارة بجوارها ، اشعلت كشاف هاتفها مرة آخرى وأخذت تلوح كالغريق أمام السيارات حتى رماها القدر أمام سيارة هارون القادم بأقصى سُرعة ممكنة ، لفت نظره الأنوار المتحركة عن بُعد ، هدأ من سرعة السيارة وكثف الضوء الصادر من مصابيح سيارته حتى صف بجوارها .. 


نزل من سيـارته بجلبابه الصعيدي الذي يزيده هيبـة ووقار وعشرين عامًا فوق عمره  متعجبًا عن سبب وقوف فتاة بمفردها بهذا المكان .. أقبلت " ليلة " نحوه كالعطشان المقبل على بحيرة من الماء :


-من فضلك ممكن تساعدني ؟!


قفل هارون خلفه باب سيارته مندهشًا ومعاتبًا :

-أنتِ كيف واقفة بروحك في مكان زي دِه !! اتهوستي ؟!


ردت بعنفوان يحمل وميض السخرية :

-أكيد مش واقفة ألعب تحت المطر !!


ثم أخذت زفيرًا قويا لتهدأ :

-مش معايا استبـن والكوتشي نام ومش عارفة أعمل أيه ؟!


تحرك خطوتين ليفحص السيارة فأتبعت خُطاه :

-أنت ممكن تساعدني مش كده ؟! بص أنا كنت سايقة على الطريق كده فجأة سمعت صوت غريب زي الفرقعة بصراحة اتخضيت أوي ، وو 


فاض صبره من ثرثرتها الفوضوية :

-ينفع تبلعي ريقك هبابة لحد ما أشوف العربية ..


أجابته بتوتر يتقاذف من كلماتها :

-حاضر حاضر .. أنا بس كنت بحكي لحضرتك أيه الـ حصل بالظبط قبل ما تكشف على العربية ...


تنهد بجزع وهو يتمتم لنفسه أثناء فحصه لعجلة السيارة:

-يا مثبت العقل والدين يا رب. 


مالت نحوه بفضول :

-هااه عرفت فيها أيه ؟!! 


نصب هارون قامتـه الصلبة :

-مسمار ولازم الكاوتش يتغيـر .. وطبعًا مش معاكِ استبن . 


وضعت كفها على فمها من حول الصدمة وبنبرة طفولية :

-أحيـ**ـه ؟!!!!


تمددت ملامحه من شدة الدهشة لهول الكلمة التي تعد من الخطوط الحمراء في قاموسهم :

-أيه ؟!!!!


ردت بقلق :

-لالا .. قصدي وهعمل أيه في الورطة دي ؟! 


تأفف بضيق :

-كُنتي رايحة فين الساعة دي ؟!


-كنت نازلة في فندق "___" بنجع حمادي .


قطع كلماتها بدون أن تُكمل :

-طب اركبي اخدك في طريقي ، هو يوم باين من أوله !! 


هبت معبرة عن اعتراضها بطريقتها المميزة  :

-أحيـ**ـه ؟!! 


جحظت عينها بالغضب :

-تاني ؟!!!! 


-لالا ، قصدي يعني والعربية ؟! دي ممكن تتسرق  !!


وجهه الكشاف ناحية السيارة ليفحصها :

-متخافيش محدش هيسرقها 

♣️ الآصرة الثانيـة  ♣️


لم أجد وصفًا مؤلمًا للحب أكثر ما ذكره نزار قباني :

"الحب ليس رواية شرقية في ختامها يتزوج الابطال ..

الحُب هو أن تظل على الأصابع رجفة وعلى الشفاه المطبقات سؤال .. "

-بل مائة سؤال وألف حُلم ومليون فرضيـة لفرصة لقاء واحدة .. وبقيـة العمر في شوق وحنين .


#نهال_مصطفى. 


•••••••


حُسم رعد التمرد والكبرياء والموقف ، فتاة مدللة مثل ليلة الجوهري لم يخلق من يفرض عليهـا آرائه كما تربت على الدلال المفرط لوحيدة أبيها وأن كل طلباتها مُجابة  ، و هارون العزايزي لن يمتلك رفاهيـة الصبـر التي تجبره أن يتحمل دلال وتمرد إمراة مثلها .


مع غروب سيارته أحست " ليلة " بالخوف والصقيع في آنٍ واحد ، أخذت تتلفت حولها بذعرٍ حتى وصل لمسامعها صوت عواء الذئاب كأنه جاء ليذكرها بتلك الكارثة التي تُحيط بها ورحل.. بدون تفكـير هرولت مسرعة لتختبئ بسيارتها قافلة جميع أبوابها بإحكام ، دفنت وجهها بين راحتي يديها وهي تلهث بفزع لتواسي نفسها حتى دخلت في نوبة هستيرية  ..  بصرخة متقنة الإخفاء في مكان خالٍ:


-إن شاء الله مفيش حاجة عادي ده مجرد صوت من بعيد ، بس الصوت يدل أنه قُريب مني  .. لالا أنا مش هموت هنـا آكيد .. يامامي !! 


في تلك اللحظة أخذت أنياب الشهامـة تأكل برأسه مما جعله لأول مرة يكسر كلمته ويتراجع عن قرارٍ أتخذه ، لف مقود السيارة وعاد مرغمًا لعندها فكانت وصلت لذروة خوفهـا ، طرق على نافذة السيارة المقفولة فهبت صارخة بوجهه ، فبادرها قائلًا :

-شوفتي عفريت إياك ؟!! اندلي . 


فتحت النافذة تدريجيا لتتأكد من هويتـه برعب :

-ااه أنت ، الكابتين الـ كُنت من شوية .. أنت رجعت !! 


ثم شرعت لتسرد له معاناتها :

-انا سمعت صوت الثعلب ، كان قريب أوي أوي ، أهو اسمع كده لسـه شغال .. هو كان ممكن يأكلني صح ؟! 


كز على فكيـه بنفـاذ صبـر  :

-ده ديب  مش صعلوك .


ما زالت تحت سطو خوفها ولكنها لم تنكر نفحات الونس التي هلت عليها بعودته :


-هااه ؟! يعني أيه ؟! معلش استحملني بس عشان أنا بخاف من أي حاجة عندها رجلين وبتمشي . 


زفر باختناق:

-ياستي فُضيني وخفي عَطلة ، طلعتي لي منين أنتِ بس ؟! يلا انزلي هوصلك . 


ردت بعجـلٍ وهي تلملم أشياءها  :

-حاضر حاضر ، أخد حاجاتي بس .. استنى عليا وبلاش تزعق عشان بتوتر . 


ثم نظرت له بتوسل :

-ممكن يا كابتن تنزل شنطتي من العربية .. معلش كمل جِميلك معايا للآخر .. شكلك شهم وابن بلد وجيت لي من السمـا والله .. أنت بركة دعوات عمو حسن ليا !


قفل جفونه للحظة يستوعب طلبها الذي لم يجرؤ عليه أحد:

-كمـان شيال ؟!! ومين حسن ده "راخر" !! 


ضرب كف على الأخر قبل أن ينتظر جوابها :

-افتحي الشنطة لحد ما أشوف أخرتها معاكٍ يا بت الناس .


وضع هارون حقيبتها بسيارته في تلك الأثناء فرغت ليلة من جمع أغراضها المبعثرة بحقيبة يدها الكبيرة .. أخذت مفتاح سيارتها وهبطت لتقطع تلك المسافة القصيرة التي لم تتجاوز بضعة أمتار فاصلة بين السيارتين ركضًا .. تأفف هارون ممتعضًا :


-هو يوم باين من أوله .. اصطباحة كانت على وش زينة ونغم ؟!! مستني أيه أخر اليوم ؟! مبروك ربحت المليون !


أكمل دمدمة حتى وصل لمقعد سيارته المخصص بالقيادة وهو يتحدث بصوت مسموع :

-وقال صفية عايزاني اتجوز واحدة منيهم ؟! عشان يبقى الفقر ملازمني لآخر عمري !!


ثم نظر إليها ناطقًا بسؤاله التعجبي :

 -يرضيكي يا بت الناس الحديت ده !! 


حركت كفتيها بجهل تام وبأعينها المتسعة غمغمت متبعة نهجه :

-لا طبعًا ، مادام حاجة مزعلاك أوي كده  متعملهاش. 


-شكلك نبيهه !!


استقبلت جملته الغامضة بابتسامة مزيفة تكسر بها حاجز الخوف المسيطر على قلبها والحرج  ؛ فأكملت  :


-مرسي ليك يا كابتن، كنت متأكدة وحياة ربنا أن الصعيد كله رجالة جدعان والشهامة بتجري في دمهم .. أهو أنتَ أكبر مثال .


اكتفى بنظرة مطولة تحمل السخرية والاستهزاء ثم عاد ليواصل سيره .. تعجبت للحظة من رد فعله الغامض ثم عادت لتفتح مسارًا جديدًا للحوار :


-نتعرف .. أنا ليلة الجوهري .


رفع حاجبه وعلى محياه ضحكة ساخرة :

-دي هي ليـلة هارون المقندلة !! 


تصلبت تعابير وجهها مكذبـة مسامعها ولكنها تجاهلت وأكملت بنفس الابتسامة 

-إعلامية على أدها .. ولو الموضوع الـ جاية عشانه تم ، هابقى إعلامية مشهورة و هتشوفني كل يوم على التليفزيون.. وكمان هحلي لك بؤك .


ثم تمتمت بحماس الطفولة :

-قول بس يا رب يتم .


رد ببرود دون أن يلتفت إليهـا :

-ما عتفرجش على تلفيزيون .


أحست بقليل من الإحراج انعكس في ابتسامتها المهزوزة ، ثم عادت لتسأله :

-أنت عارف طريق الفندق صح ؟! 


رد باختصار وهو يهز برأسه التي أوشكت أن تتفجر من ثرثرتها المبالغـة :

-عارفو ... 


-"لو مش عارفه ممكن الـ GpS يساعدنا .. أنا مش بعرف أمشي من غيره في أي مكان . "


نفذ صبـره وهو يتأفف بضيق ، فجهر بصوته الأجش:

-قلت لك عارفو ، واسكتي خليني أركز في الطريق والليلة الغَبرة دي ! 


لم تشم رائحة جزعه إثر ثرثرتها المُبالغـة ، فأتبعت مبررة لعصبيته وملتمسة له العُذر :


-ااه حضرتك من النوع الـ بيحب يركز أوي في السواقة ، وهدوء بقا ومش عايز صوت والجو ده ، تعرف أنا مش كده خالص .. أنا بعرف أسوق من وأنا عندي ١٤ سنـه .. وكل سباق لازم اشارك فيه وكمان باخد مركز اول على طول .. بابي الله يرحمه هو الـ حببني في السواقة والعربيات وو 


قذفها بنظرة حادة جعلتها تبتلع ما تبقى بفاهها من كلمات وتندس بمقعد سيارته الفارهة .. التزمت الصمت تمامًا مكتفية بسيل من النظرات المتأرجحة نحوه ذهابًا وإياباً.. أحس هارون بتأنيب الضميـر على أسلوبه الفظ في معاملتها ، فقرر أن يكسـر حاجز الصمت وكأنه يعتذر بلطف خفي :


-جاية الصعيد تعملي إيه لحالك ؟! 


كالغريق الذي تعلق بالسؤال ليفتح لها مجالًا للحديث فهي تكره الصمت والسكوت مؤمنة بأن شخصية المرء لا تبرز إلا بالكلمات ، دارت نحوه بشغف وهي تلوح بكفها :


-جايه أعمل تقرير إعلامي عن عائلة العزايزي  ..


دقت الدهشة برأسه فدار لعندها مشدوهًا:

-لا ياشيخة !!


أكملت بنفس الحماس :

-العيلة دي عاملة قلق جامد عندنا .. وفي اتهامات كتير موجهة لرجالتهم رغم أنهم بيمسكوا مناصب قيادية في البلد ، والتقارير عن الكسب غير المشروع ، ناس بتقول مصدر دخلهم آثار .. وناس تانية بتقول سلاح .. بس جدو الله يرحمه يارب،  اللواء رفعت الجوهري كان ماسك هنا ، فاكرة زمان أنه حكى لي أن جدهم العزايزي وهما بيحفروا في الجبل لان زي ما سمعت بردو أن كل شغل في الجبل .. حكى لنا انه لقى مقبرة فرعونيـة كبيرة أوي ، ودي كانت سبب سعدهم .. بس للأسف الحكومة معرفتش تمسك عليهم أي دليل .. بس بردو درجة الثراء الـ العيلة دي وصلت لها من مصادر مجهولة أمر يحير ..أنتَ أيه رأيك في كلامي؟! 


ثم وضعت سبابتها على ثغرها وقالت متحيرة :

-تفتكر يطلعوا تُجار سلاح ولا آثار ؟! 


أخذ يسحب منها الكلام دون الإفصاح عن هويـته الحقيقية ، رفع حاجبه مستفسرًا :

-وأنتِ جاية إهنه ليه يعني ؟!


ردت بصوت مدجج بالحماس :

-عشان أفضحهم واكشف حقيقتهم للعالم كله .. هما فاكرين نفسهم مين عشان يتحايلوا على القانون .. 


لم يستطع التحكم في تمدد ثغره بـ سخرية :

-أصلًا ؟!!! ودي هتعمليها أزاي ؟! الـ خلى جدك الراجل الكُبرة معرفش يعملها !! 


-أنا عندي أساليبي الخاصة الـ هكشفهم بيها .


ضحكة مكتومة بدى طيفها على محياه مستهزءًا بهمس :

-في المشمش !! 


ثم أكملت " ليلة " بنفس ذات النبرة الحمقاء متأملة:

-وأثبت نفسي عشان دي فرصتي الوحيدة يكون ليا برنامجي الخاص على أكبر المحطات .. لازم موضوع هيفرقع الرأي ويعمل بووم  ... 


دمدم بسخرية وهو لم يتوقف عن الضحك الساخر الغير مسموع :

-ده هيفرقع في وشك إن شاء الله  .


عقدت حاجبيه مستفهمة وهي تتابعه عن كثب  :

-أفندم ؟!! 


جهر معلنًا وهو يجز على فكيه  :

-ربنا يوفقك  يا استاذة .. وتجيبي رأسهم الأرض ، ونخلصوا منهم ومن أذاهم .. معاكِ حق دول عيلة لوش وليهم تقاليع عجيبة .. افضحيهم وأنا معاكِ .


رفعت سبابتها بإعجاب شديد ، وبنفس النبرة الحمقاء :

-أنتَ أجدع حد أنا قابلته في حياتي والله العظيم ..


فتحت " ليلة " النافذة لتستنشق الهواء البارد باستمتاع وهي تقفل جفونها وتسترخي متلذذة بنسمة الهواء الممزوجة برائحة المطـر الخفيف وكأن نجوم السماء تُزين ملامحها ، التفت إليها بدون رغبة منه ولكن شعور ما بداخله أجبره أن يتأملها مليًا .. ربما السر يكمن في خصلة شعرها القصيرة المتطايرة ، أم بملامحها الرقيقة التي تحمل براءة الطفولة .. تنهد وكأنه أراد أن يبتلعها دفعة واحدة لداخل صدره .. فتحت مُقلتيلها كمن تذكر شيئا ودارت نحوه لتسأله بوميض من الإحراج :


-أنا عارفة إني تقلت عليك .. بس ده والله آخر طلب ... بليز ممكن .


اكتفى بنظرة واحدة فتحت لها مجالًا لاستكمال حديثها وقالت :

-كُنت عايزة أوصل لحد هنا اسمـه .. 


فتحت حقيبتها بعجلٍ وهي تخرج هاتفها تبحث عن اسم ذلك الرجل الذي تريد لقاءه ، فتشت لدقيقة بهاتفه ثم هبت متحمسة :

-ايوة أهو ، اسمه هارون العزايزي .. ده العُمدة بتاعهم مكان باباه الـ اسمه خليفة مش كده ؟! بيقولوا عليه رجل صعب أوي وأصعب من باباه ، فاتح صدره على الناس ومحدش هامه .. وصعب التفاهم معاه وخُلقه ضيق ومحدش بيعرف ياخد معاه حق ولا باطل  .. بيلعب بالسبع ورقات !


دمدم لنفسه متعجبًا :

-أنا عملت كل ده ميتة !! 


وهنا تفرض التساؤلات نفسها في ساحة فضوله عن هوية تلك الفتاة تبحث عنـه وتفتش وراء عائلته عامة ووراءه بالأخص ، تعامل بهدوء وجهل تام مع سؤالها وقال :

-و سمعتي أيه كمان ؟! قولي قولي ، دا أنتِ طلعتي لقُطة .


ردت باندفاع متبعة فضولها وهي تتساءل  :

-صحيـح القبيلة دي حاطة قانون جواز الدم ، ممنوع أي حد يتجوز من بره القبيلة ؟! يعني مش بيتجوزوا غيـر قرايب بعض وبس؟! 


رد بثبات :

-ده أهم عُرف للـعزايزة  .


ابدت اعتراضها معبرة :

-what?! 

فاتبعت دهشتها بضحكة ساخرة وأكلمت بتلقائية :

-أحيـ**ـه ؟! 


يبدو لوقع الكلمة أثار فجة على قلبـه فظهرت بوادرها بإحمرار جمر الغضب على ملامحه :


-اسمعي يا بت الناس ، طول ما أنتِ قاعدة إهنه متقوليش الكلمة دي حتى قِدام عيل صغير .. فاهمة ؟!


بدون اقتناع :

-كلمة أيه ؟! ااه ليـه يعني ؟! عندنا كلمة اعتراضيـة أن الكلام مش عاجبني أو مندهشة .. !! فين المشكلة ؟! وبعدين دي لهجتنا كلنا كاسكندرانية ومش مسموح لأحد حد مهما كان يتريق عليها . 


يبدو أن حديثها لم يرق له ، اكتفى بتنهيدة عقبت خلفها زفيرًا قويـًا ليتخلص مما يشعر به ، غيرت مسار الحوار ومازالت تحت تأثير صدمتها من عُرف تلك القبيلة :


-نرجع لمرجوعنا .. لو واحد مثلًا حب واحدة تانية ومش عايز يطبق العرف ده  ، مفيش أي ثغرة ممكن يستخدمها  ، خلاص كده يتجوز حد مش بيحبه ولا متقبله عشان أعراف وتخاريف ؟!! أحنا فـ الجاهلية !! دول عيلة متخلفة بجد وتستاهل تتفضح . 


بات الغضب كحبات الفشار التي تتقاذف من عينيه وهو يشيعها بنظراته الحادة ليجيب بحزم وانتماء لقوانين قبيلتهم  :

-عرف العزايزة متخلقش اللي يكسروا ، والقوانين سيف يحترمه الصغير قبل الكبير ، بعيد عن الحب والمياعة اللي عتتكلمي عنِها دي؟! 


تراجعت للخلف برعب يتطاير من مُقلتيها :

-حضرتك اتعصبت لي ؟! أحنا مش خلاص بقينا صُحاب وبندردش. عادي !! ليه الأفشة دي يا كابتين ؟!!


طريقتها الطفولية كانت مرهمًا على شروخ غضبه التي جعلتها تتخدر في نفس اللحظة .. التوى ثغره مبتسمًا عندما رأي خوفها فبادر ليطمئنها بعودته لهدوئه مبررًا لنفسه إنه ضيفته وبلداه ، تحمحم بخفوت وهو يجادلها  :


-كملي سمعتي أي كمان على العُمدة ولد المجلحف ( مُجحف ) ..


بفضول مُلح بجهل  :

-مُجـ..مجلفح يعني أي؟!


ببسمة كبرياء ممزوجة بـ الشكوى :

-أنتِ جِيتي لي منين يابت الناس ؟! فتحي مخك معاي مش كل كلمة هنزلك بقاموسها ؟! 


ثم ولى النظر إليها للمرة الثانية التي انحرفت فيها عينيه عن الطريق وقال :

-مجلحف يعني ظالم مفتري بلغتكم في بحري .. ومش دهوت كلامك !! 


-أهااه فهمت يا كابتين.. سوري مش متعودة على اللهجة بتاعتكم ، أصل دي أول مرة انزل فيها الصعيـد .


ثم تململت في جلستها بحماس الطفولة :

-متحمسة أوي أشوف العمدة بتاعهم وبالأخص الحج خليفة ، أنا متخيلاه راجل رجله والقبـر ، هلقى سنانه واقعة ولابس عمة وجلابيـة بس له هيبة تخض أي حد يقرب منه ، أنتَ شوفته ؟! قصدي تعرفـه ؟! احكي لي كمان عن ابنه هارون ده !! 


رد بإنكار :

-لا هعرفه من فين أنا على قد حالي؟! راجل بالسُمعة دي وآثار وفلوس هيقابل أي حد والسلام زيي إكده على باب الله !! 


حدجته بعدم تصديق وهي تتأمل ماركة السيارة التي يقودها :

-مش باين الصراحة !!


تفهم قصدها شارحًا :

-قصدك العربية !! دي بتاعت الجماعة الـ شغال عنديهم . 


-اااه فهمت .


أصابها اليأس في مقتل لصعوبة مهمتها بخلق حوار صحفي مع ذلك الرجل الغامض الذي قطعت مسافة أميال لأجله .. سألته بفضول :


-قولي تعرف أيه عنهم كمان ؟! حضرتك من هنا ؟! يعني من البلد ..


أكمل مسرحيته المزيفة :

-أنا من البلد اللي بعيدهم طوالي .. بس قوليلي عايزة تعرفي أيه ؟! 


-قول لي مثلًا أيـه أغرب حاجة سمعتها عنهم ؟! 


فكر مليًا ثم قال بإختصار متعمدًا إخافتها :

-أيام جدهم العزايزي الكبير ، ولد أخوه حب واحدة قهراوية واتجوزها من وراهم .. ولما وصلهم الخبـر ..


قطعته مع اتساع بؤبؤ عينيها بفضول رهيب :

-وبعدين ، عملو فيـه أيه المجرمين دول ؟! 


وصلت سيارتـه لبوابـة الفندق ، فهدأ السرعة تدريجيًا وأجابها :

-من يومها محدش سمع خبرهم ، في أقاويل بتقول أنهم حبسوهم في كهف في الجبل لحد ما ماتوا ، واللي يقولك قتلوهم ورموهم للديابة .. 


زام فاهها من هول ما سمعته :

-يا حرام ؟! دول مجرمين بجد ؟! طيب ليه بيعملوا كده ؟! 


صف سيارته أمام مدخل الفندق ثم أبطل المُحرك وطل عليها للمرة الثالثة ليجيبها بنبرة أهدى عن بداية لقائهم وكأنه يذكر نفسه بقوانين قبيلته التي قطع عهدًا للحفاظ عليها أمام عينيها النبدقية :


-العزايزة دمهم عزيز وشرفي .. ومش أي حد يستحق يكون منيهم .. هما إمبراطورية اكتفت بحالها في وسط الجبل .. وأي دم غريب عليهم مصيره القتـل ..... 


بللت حلقها إثر الخوف الذي دب في أوصالها حتى أوشكت على البكاء :

-يامامي !! أنا عايزة أروح ....


انفجر ضاحكًا بصوته الأجش وملامحه الجادة التي لا يغازلها الضحك :

-تقلي قلبك عاد ، بدأتي مشوار يبقى تقطعيه لأخره  ميبقاش قلبك خفيف ... وصلنا .


تعرقلت الأعين المختلفة ببعضهـا أعين تحمل رائحة موج البحـر الرطبة بتلك الأعين التي ينعكس منها رمال الصحراء الحارقة ، كتعرقل سمكة بكمين صيادها المخادع.. يا ترى هل ذلك إثر حماقة السمكة أم للذة الطُعم ؟! أم لدهاء صيادها ؟! أحست لوهلة بشعور ليس من المفترض أن تشعر بـه ، قلب يرتجف وكأن قطرات المطر الخفيفة غسلت قلبها بدلًا من أرصفة الشوارع .. بتنهيدة تشبه شهقة الغريق وكأنها تود الاعتذار عما سببته له من إحراج :


-مرسيي أوي تعبتك معايـا يا كابتن .. جميلك ده أنا عمري ما هنساه .. حسابك كام بقا ؟!


تعجب بغرابة :

-حساب ايه !! 


-التوصيلة !!


زفر بضيقٍ:

-انزلي وبطلي حديت ماسخ !! 


شكرته بعرفان :

-ماشوفتش عمري في جدعنتك والله .. أنتَ رجل بصحيح وكُلك ذوق بجد ..


كادت أن تهبط ولكنها تراجعت متسائلة :

-والعربية ؟!! عربيتي ؟!! 


رد بثقة :

-الصُبح هتلاقيها قدام اللوكاندة .. والمفتاح مع الموظف . 


أردفت ممتنـة بإعجاب وبثرثرة :

-حقيقي أنت أجدع حد قابلته .. بجد مفيش منك ، بس أنا معرفتش اسمك لحد دلوقت تصور ؟! 


أشار بيده لرجل الأمن كي يأتي ليأخذ حقيبتها متجاهلًا الرد على سؤالها حتى يئست من تلقي الجواب فترجمت صمته :


-خلاص مش مهم ، شكلك من الناس الـ بتحب تعمل الخيـر وترميه في البحر .. أنا هفضـل فاكرة الجميل ده طول عمري .. وهحكي لكل الناس عنك . 


اكتفى بميلة خفيفة برأسه التي تحمل بداخلها مسئولية ومشاكل عائلة من أكبر وأهم عائلات الصعيـد .. هبطت " ليلة " من سيارته فلم ينتظر دخولها لبوابة الفندق .. انطلق مُسرعًا نحو قبيلتـه التي تنتظره على مراجل من نار .. وقف رجل الأمن على الرصيف ملقيًا التحية :


-معالي الباشا نورت نورت ..نورتنا .


اقتربت ليلة من موظف الأمن وسألته بفضول قاتل :

-واضح إنك تعرفه .. هو مشهور أوي كده!!


مع ابتسامـة حمقاء أكملت :

-مين ده  ؟!! 


رمقها الموظف بذهول يحمل ألف سؤال ناتج سؤالها الأبله :

-ده هارون بيـه ... هارون بيه العزايزي. 


وقع الاسم على رأسها كالصاعقـة التي رجت كيانها فأغمضت عينيها لتسترد أنفاسها محاولة تلقى هذه الصدمة التي طاحت بجميع أحلامها وأن ماتبحث عنه يجلس بجوارها ، فغمغمت بصوت خفيض يحمل البكاء :


-أحيـــه !! 


••••••••


تقف " صفيـة " وراء الجدران تلطم على وجهها بقلق يتتطاير من معالم وجهها المنكمشـة رغم بياض وصفاء بشرتها .. نادت هامسـة لهيثم برعب :


-أخوك مش بعادته يعوق على الناس إكده ، ما تمشي رجلك للجسر ليكون دق في حد على الطريق .. 


فاض صبر " هيثم " الذي بدا عليه التوتـر من ضجيج عمومته وأبنائهم من طيلة انتظارهم لـ هارون ونظرات أبيه التي تحمل التوعد  :

-ياما مش أنتِ وهما علىّ !! دي مابقتش عيشـة ، وهارون ولدك مش بتاع عراك عشان يمشي يدق في خلق الله .. أقولك روحي نامي يا صفية . 


-أنام كيف بس والدوار والع حريقة وكلهم هيدقوا في روس بعض ! طيب هلال أخوك فينه !


-فـ الجامع ، وروحت له قال لي أُغرب عن وجهي  يا أخ هيثم . 


ثم انصرف هيثـم ليكرر مهاتفة أخيه للمرة الذي لا يعرف عددها وهو يركض نحو مندرة اجتماع العائلة .. هرولت صفية فاتبعت زينـة خُطاها :

-روقي يا عمتي .. ربنا يجيب العواقب سليمة .


ضربت صفية على صدرها بارتباك :

-كلميلي الداكتورة هاجر بتي ، هاجر هي اللي هتقدر توصل لهارون أخوها .. هي الـ عتريح قلبي . 


-وتشغلي هاجر لي بس دلوك وهي متغربة في أسيوط لحالها ؟! سبيها تركز في جامعتها ومذاكرتها . 


جلست صفية على أقرب مقعد :

-متقاوحيش معاي يا زينة وكلمي هاجر . 


لبت زينة طلب عمتها وهاتفت هاجر الأخت الصغرى لهارون صاحبة العشرين عامًا طالبة بكلية الصيدلة وتقيم بأحدى المدن الجامعية التابعة لجامعة أسيوط .. ردت " هاجر " على هاتفها باستغراب :

-زينة ؟!! أزيك ؟! 


هتفت زينـة بـ عجلٍ :

-خُدي أمك عايزاكي يا هاجر ... خدي يا عمة أهي هاجر على المحمول .


شدت صفية الهاتف من ابنة أخيها :

-ألو .. يا هاجر .. سمعاني يابتي  ؟! 


وضعت هاجر غطاء رأسها وخرجت للنافذة :

-معاكي يا صفصف ، مال صوتك متاخد ليه ؟


-سوقت عليكي حبيبك النبي يا بتي شوفيلي فين مكان أخوكي على النت بتاعكم دهون ، لو مجاش هتحصل عركة كبيرة وأبوكي مش هيعديها وأنتِ عارفة عمامك ما عيصدقوا يمسكوا في بعض .


تبسمت هاجر مستخفة بالأمر :

-عمامي بردك ؟! ولا قلبك اللي مش هايهدأ غير وهارون جاره ، هكلمهولك متقلقيش .


-مش وقت مقلدة وشوفي لي أخوكي فين يالا استعجلي .. 


دبت عجلات سيارته الفارهة دهليز القصـر ، فدلف منها على الفور وهو ينُادي على كبير الحرس :


-جابر خد المفتاح ده هتلاقي عربية عطلانة عند الكيلو " —" وديها لدنقل وقوله البيه بيقول لك تسيب كل اللي في يدك وتخلصها قبل طلعة النهار .. اتحرك يلا . 


ركض هثيم على أخيـه :

-كنت فين يا هارون ؟!! 


-حصل أيه ؟! 


حذره مغمغًا :

-أبوك على آخره !! هارون ما فكرتش في موضوعي أنا ورحاب ؟!


زفر بضيق:

-وده وقته ياهيثم !!


مسح بكفه على صدره وقال متيمًا :

-حاسس أن رحاب دي هي حُب عمري يا خوي وغير كل البنات الـ عرفتهم !هنتقدمولها ميتة ؟! 


تجاهل سؤال أخيه وهو يسير بخطوات سريعة ناحية المندرة المتجاهر منها الأصوات المبهمة والهمهمات الغاضبة ، ما وطأت قدميه عتبة المكان جهر بشموخ :

-عاملين غاغا لي .. طارت الدنيا ما تاخدوا نايبكم صبر ؟!!!! 


••••••••


"مرسى علـم" 


ضحكات متكررة من فاه " هاشم " وهو يتحدث مع أختـه عبر الهاتف وهي تشكي له أمه .. ثنى سيجارته بقلب المطفأة وقال بنبرته الصعيدية التي لا يمكن أن يتجاوزها وينساها مع أهله :


-ولدها البكري اللي مخلفتش غيره !! صفيـة هي صفيـة مش هتتغير . 


جلست " هاجر " على طرف مقعد مكتبها وهي غارقة بالضحك :

-حقيقي أنا وأنت المتغربين مش بتفكر فينا كيف ما هارون شاغلها .. 


جلس على الأريكة بجوار " رغد " بعد ما طبع وسام حبه على جدار عنقها بقُبلة صامتـة ولكنها قادرة على وصف مدى حبـه فلبت ندائه وتركت هاتفها ومالت برأسها على صدره ثم عاد لحديثه مع هاجر :

-هو اللي على الحجر ياستي .. بكرة يتجوز وتيجي اللي تأخده منها .. وهنشوف صفية هتعمل فيها أيه ! 


هبت معترضة :

-مين دي ؟!!دي صفية هطلع عين اللي جابوها .. وقول هاجر أختي قالت . 


-يحيينا ويورينا يا ستي ، قوليلي ناقصك حاجة عندك ، فلوس، حد مزعلك ؟! 


قفلت الكتاب المفتوح أمامها :

-مين ده اللي يقدر يزعلني ، دول بس يسمعوا إني بت العزايزة يخافوا يقربوا مني .. عاملين رُعب أنتوا في كل مكان . 


-أومال أنتِ فاكرة أيه !! بطلة كيف أخوكِ .. 


-قعدتك في بحري علمتك الحديت المزوق والبكش ، بس هعمل أيه أخوي وعحبـه .


ظلت يده تمسح على رأس رغد النائمة بحضنـه ثم قال :

-وحشتيني يا مقرودة .. 


-كلها يومين وهنتجمعوا على فرحة هيام وهزهقك مني .


-مقدرش .. 


-ربنا يخليك لي يا هاشم أنت وهارون وهلال وهيثم  ، أنتوا سندنا من بعد أبوي ربنا يديم حسه .. اسيبك عشان تشوف شغلك ماتقولش عليا رطاطة ، بس أنت عارف عحب الحديت وياك . 


-وأنا عحبك أنتِ .. خلي بالك من روحك . 


رسمت البسمة على محياها :

-من عيني .. هاشم لا اله إلا الله .


-محمد رسول الله يا حبيبتي . 


أنهى المكالمـة مع أخته الصغرى ثم ألتفت لتلك الأعين التي تتغزل به في صمتها .. رفع حاجبه مندهشًا ومازال محافظًا على لهجته الصعيدية   :

-أنا مش قد البصة دي يا بت الحلال !! 


اتسعت ابتسامتها الرقيقة وسألته :

-لسه النظرة من عيني بتهزمك زي أول مرة اتقابلنـا ؟! 


-بتهزمني ؟! أنا اتمسح بيا أسفلت مرسى علم . 


قال جملته بتلقائيـة جعلتها تخر ضاحكة ، تلك الضحكة المسروقة من لحن قديم لفنان ماهر .. بزهوة الملامح التي اختارها الورد لتكون مرآته لتردف تحت سطو ازدهارها :

-أكبر بكاش شوفته في حياتي .. حتى هاجر متفقة معايـا إنك بكاش. 


احتمت بالوسادة عندما قرب منها ،  فأنقذها من شروره رنين هاتفـه ، عض على شفته السُفليـة :

-فلتتي المرة دي ..


رد على هاتفه بعجل فتحركت من جاره بأقدامها الحافية ، تلقى التعليمات الخاصة من الفرقة المسئول عنها حتى بعد انتهاء المكالمة واصل حديثـه المُزيف وهو يتقدم إليهـا بخطوات خفيفة تلك الواقفة بداخل الخزانة تبحث عن ملابسـها ، جهر مكملًا مسرحيته وهي يعبث بشعرها :


-يعني أيه مش عارفين تتصرفوا من غيري ؟! بقولك مش هينفع أجي  .. 


دارت نحوه بأعين خائفة من رحيـل منتظرة بقية حديثه برهبة ، عقد هاشم حاجبيه :

-هجوم مسلح ؟! لا اله إلا الله ، أمتى ده ؟؟!! خلاص قلت جاي ... 


خيمت معالم الحزن على ملامحه :

-رغد أديكي سمعتي ووو 


قفلت الخزانة بضيق وهي تخفي عبراتها المترقرقة:

-لا يا هاشم ، أنا ما بصدق تيجي هنا ، أنا مش بطمن غير ونفسك معايا في البيت ، واليوم اللي عشمت نفسي هتنام جمبي تنزل وكمان ضرب نار وهجوم ، أقولك اترفد وتعالى اقعد جمبي . 


جفف عبراتها بإبهامه مكملًا مسرحيتـه :

-طيب الشغل ودي تعليمات .. أنا لو عليـا عايز أقعد جمبك عمري كله .. 


انفجرت باكيـه خارجة عن صمتها :

-بس دي مش عيشة ، أفضل مستنياك من الشهر للشهر على كام ساعة وبعدين نلف في نفس الدايرة ، أنتَ لا سامح لي اشتغل ولا حتى أخرج من بره البيت ، البازار بتاعي وشغلي كله وقف عشانك والنتيجة كانت أيه ؟! قاعدة محبوسة بين أربع حيطان .. أنا مش قادرة أكمل كده شوف لنا حل ؟؟ 


ضمها إليها قبل أن تنهار كليًا أمامه :

-رغود حياتي بهزر .. مش رايح لحتة ولو عايزني منزلش الصعيد مش هعارض بس بلاش دموعك دي .. غاليين عليا. 


حاولت التملص من يده ولكنه لم يمنح لها فرصة للهرب :

-بس بس طيب بصيلي كده !! 


تحاشت النظر إليه :

-لو سمحت يا هاشم ؟! 


-هاشم أيه بس ؟!!! أنتِ عايزة تبقي معايا وفي حضني وكمان تعيطي ؟!! ليه كوافير حريمي أنا هنا .. بنت أنت بصي لي .. 


رفع وجهها عنوة لعينيه وقال بنبرة خافتة :

-أنتِ عايزة تعذبيني بالدموع دي .. ولا بتعاقبيني!! هو الواحد ما يعرفش يهزر معاكِ !! 


عبرت عن حزنها ببكاء :

-غصب عني يا هاشم والله مابقتش قادرة ، أنت في شغلك وانا هنا عمري بيتسرق ، حتى الخلفة مش عايزنا نخلف ؟!! أنا زي اللي غمضت عيني ونزلت معاك البحر حتى ولو هغرق بس المهم معاك ... ضريبة حبي ليك تعذبني كده ؟! 


لملم شعرها الغجري بحنان ذاخر ثم قطف منديلًا ورقيًا وشرع بتنشيف قطرات الحزن من فوق وجنتيها بحنـو ثم طبع قبلتي إعتذاره على كل واحدة منهم وقال :


-الكلام ده ما ينفعش يتقال من غير عياط يعني ؟! ولا أنتِ حابة توجعي قلبي وخلاص . 


عضت على شفتيها بحيرة :

-أنا عايزة اتكلم ومش عارفة اشتكي لمين ، غصب عني صبري له آخر يا هاشم . 


هب بنبرته الصعيدية قائلًا :

-طيب أيه يراضيكي دلوك وأنا أعمله .. تعوزي لبن العصفور هيجيلك ..


-خليني ارجع لحياتي وشغلي اللي بحبه .. يعني مش هجبرك على الخلفة دلوقتي أنا مقدرة الظروف أهلك وانهم لازم يفرحوا بهارون الأول .. بس على الأقل يكون لي حياة في غيابك ، الوحدة بتقتلني يا هاشم . 


احتوى وجنتيها براحتي كفيه :

-وعد هفكر في الموضوع ده ، ولما اتأكد مفيش خطورة عليكي هخليكي تنزلي . 


هتفت معارضـة :

-هاشم أنا مش طفـ .... 


سد أبخرة عتابها وعنادها بأنامله  :

-رغود مش هيبقى نكد هنا وفي الشغل وفي البلد ؟!! ارحمي اللي خلفوني .. أنا بهرب من الدنيـا ليكِ . 


هزت رأسها منسحبة من رحى الحرب بينهم :

-تمام اللي تشوفه ، أقفل النور عايزة أنام .. 


شد قبضته على خصرها :

-بس أنا مش عايز أنام .. 


-هاشم ..... !!


 بعينيه نظرة متحفزة للاعتذار قائلًا بنبرته الصعيدية التي تذوب بها :

-انسي .. معندناش حريم تنام قبل رجالتها .. 


ابتلعت ابتسامتها الخفيفة كي لا تنهزم ككل مرة أمامه :

-هنا عندنا عادي .. لما أجي الصعيد عندكم أبقى مشي عليا عاداتكم .. 


بنبرته الحادة هتف :

-رغد ؟!!! 


تأففت مُجبرة :

-نعم يا هاشم ؟! 


-غيري هننزل نشم هوا . 


-ماليش مزاج . 


حك ذقنه الأملس وقال :

-خلاص نامي وأنا هنزل أشوف واحدة متنكدش عليا . 


اتسعت عينيها بتحدٍ وحزم وهي تقفل باب الغرفة بالمفتاح وتخفيه بداخلها :

-هاشم أنا هروح أنام ، وسيادتك هتسبقني وتنام قبلي ومفيش خروج من البيت .. ولا من الأوضة دي . 


-يعني ليلتنا dry night ؟! 


هتفت بإصرار :

-هاشم !!! 


مسح على شعره بطاعة دون أي جدال وبنبرته العسكرية المعتادة :

-علم وجارٍ التنفيذ معاليـكِ .. تمام يافندم .


أشارت له ناحية مرقده بنفس النبرة الآمرة بعد ما قفلت الباب عليهما بالمفتاح كأنها أعلنت الحرب عليـه  :

-اتفضل نام يلا ... 


اقترب مطاوعًا من فراشه وهو يرمقها بنظرات خبيثة حتى باغتـها بحملها بقبضة يده القـوية متجاهلًا صرختها وهو يدلف بها إلى المرحاض ويقفل الباب عليهما ... هبت متمنعة لقربه :


-هاشم متفقناش علي كده ، أنا كلامي مش بيتسمع ليه ؟!


أجلسها فوق رُخامة الحوض :

-أي الشراسة دي كلها دا أنا اتهزيت ؟!! أنا محدش يستجرى ويكلمني كده في الشغل ولا في البلد. 


تمردت قائلة :

-متحاولش مش هصالحك لا .. ووسع بقا عايز مني أيه مش بكلمك يا اخي لحد ما تبطل رخامة ! 


-مش بعرف أنام من غير ما احلق ؟! 


رغد باستنكار :

-ده من أمتى بقا ؟!! 


-من الساعة دي ؟! 


نال بشدقه فوهة غضبها معتذرًا عما سببه لها من آلام ، رغم عنها هزمت أمام سيف الحب القوي ، فلم تُخلق امرأةً هشة ولم تكن يومًا من النوع الذي يغلبهُ هواه  ولكن الأمر كلهُ انحصر في كونه هو .... هو الذي تنحني أمامه جميع القواعد والقوانين .... 


••••••••


-أنتَ واعي لحديتك ؟!! 


فوهة سلاحه انغرست بجبين " معتز " ابن عمه عندما علم بحقيقة ميله لفتاة آخرى لا تنتمى لنسل العزايزة .. لم يغمض جفن الرحمة لهارون وهو يشد السلاح من يد أحد الخفر ليستقر بين عينه .. ما زال معتز محتفظًا بثباته معارضًا :


-يعني لو هاشم أخوك جيه وقالك إنه رايد واحدة من بحري هتعمل معاه إكده .. 


هجر هارون بعنفوان وهو يوبخه :

-أخويا هاشم  لو فكر بس قبل ما ينطقها هتكون روحه طالعة في يدي ؟!! مش أنا ولا أنت ولا حد يستجرى يكسر عرف لهوارة العزايزة ... أنت فاهم ... ؟! 


تدخل هيثم ليدافع عن ابن عمه :

-استهدى بالله يا هارون ، معتز آكيد ما يقصدش ... 


جهر بصوته الأشبه بالرعد :

-ولا يقصد .... عند الأعراف الكل يخرس وينفذ ويحط مركوب بخشمه  . 


هب معتز معارضًا :

-وطالما إكده أنتَ متجوزتش ليه لحد دلوك ؟! ولا أنتَ فالح بس تقول مين يتجوز ومين لا ...؟! طالما عارف الأصول زين فين حفيد ووريث خليفة العزايزي ؟؟! 


لكزه هارون بفوهة السلاح بكتفه كي يتراجع جالسًا على الأريكة :

-أنتَ كمان جاي تحاسبني يعني بجاحة وقلة أدب ؟!!! 


جادله معتز :

-لا جاي أعرف عقوبتي لما اتجوز بت الإعرابي ... 


طال صمت هارون وهو ينظر لأييه الذي يراقب أسلوبه بالحكم بدلًا منه  حتى قطعه مجمهرًا :


-هخلي أبوك اللي معرفش يربيك يرد عليك ... سمعنا يا عم رفاعي ردك على حديت ولدك الماسخ ؟!!عشان موال كُل سنة ده مش هنخلصوا منه . 


انتفض العجوز من جلسته وهو يحدج النظر بالحاضرين بخجل :

-يتقل هو وهي في الكوشة .. 


قطم هارون الحديث وأكمل :

-سمعت، قبل ما يتخلط دمه بدمها ، بنشربوا من دمهم ... 


ثم أغمض عينيه وآمر :

-كمل يا عمي وسمعنا ... 


أكمل العم رفاعي ذلك العجوز الذي أصابه الهرم :

-يا أما يتطرد من العيلة ومن البلد كلها ونتبروا منه قصاد كُل الناس .. ويبقى مقطوع مش شجرة العمر كله .. ومالهوش في ذمتنا جنيه ...


عارضه معتز غاضبًا :

-أنا مش مجبر أنفذ أعراف وقوانين ناس ماتت وشبعت موت ؟!


حدجه هارون بانفعال :

-ولو مكتمتش وقفلت خشمك وقمت حبيت على راس أبوك وأبويا ، هبعتك ليهم وابقى اتعارك معاهم تحت الأرض ... قلت أيه ؟؟!!!! 


صدر صوت جمهوري من محشد الرجال وهم يؤيدون حديث هارون بإعجاب :

-عداك العيب يا عمدة .. 


تراجع هارون وترك السلاح بيد الحارس ليعود لعرشه بشموخ : 

-الحديت خِلص ومعتز وِلد عمي عقل ومستحيل يكسر هيبة العزايزة بينات الخلق .. نورتوا يا رجالة ... 


نهض كبار العائلة واحد تلو الأخر حتى تقهقر العم رفاعي آخر واحد ، فأوقفه نداء هارون الذي لا يحمل الا الوعيد :

-عم رفاعي ، يا تعقل ولدك يا أما البت اللي رايدها مش هيطلع عليها نهار ... والموضوع دِه ما يتفتحش مرة تانية ..


قَبل رفاعي على مضض : 

-آومرك يا ولدي ، ماتعتلش هم ، أنا هكلمه...... 


••••••••


~ صباح اليوم التالي ~ 


بعد ليلة طويلة وصعبة حملة ممنهجة هجمت على رأس"  ليلة " محاولة استيعاب ما مرت بـه ليلة أمس ، هربت من العالم برُمته بعدما طمئنت أمها بوصولها ثم قفلت هاتفها وأخذت تهذي مع نفسها حول هويـة ذلك الرجل الذي فشت أمامه أسرارها ومحاولة بحثها عن كبير العزايزة لـ كونه هو من تبحث عنه حتى غلبها النعاس على أحد المقاعد ..... داعبت أشعة الشمس أعينها فاستيقظت لتحكم غلق الستائر وتواصل نومها على فراشها لتغتال مشقة سفر الأمس ... 


جاءت " صفية " حاملة كوب الشاي لابنها الجالس بحديقة منزلهم مع طلوع الشمس يتفحص أوراق المحاجر والأراضي التي تقع في حيازة آل العزايزة .. وضعت الكأس أمامه :


-كوبايـة شاي من يد صفية هتروق عليك .. وتروق يومك .


رد باهتمام :

-سلم يدك ياما ... 


-حالك مش عاجبني يا حبيبي ، أيه شاغل راسك مش مريحك من إمبارح؟!أوعاك كلام معتز فرق معاك !! أقول لك ما تتجوز وتخرسه ، الحديت كتير يا ولدي وكل الخلق مركز معاك .. ومستني يشوف عروستك .


ترك ما بيده ثم نزع نظارته الطبية وبعدها تناول كأس الشاي ليرتشفه .. رشفة واحدة منه ثم قال :

-مشاكل العزايزة ماعتخلصش يا صفية .. من يوم ما قعدت على الكرسي ده مش عارف ارتاح .. كل يوم بمصايبه ..


ثم تنهد بكلل:

-جواز ويبقى زيادة الهم همين ياما !! 


انتقلت من مقعدها لتجلس للمقعد المجاور له:

-طيب أنت مش ناوي تريح قلب صفية يا حبيبي ، العُمر بيجري يا هارون والقعدة مافيش منها لازمة .. لازمًا تتجوز يا نور عيني.


أكملت صفية بنبرة لا تقبل أي نقاش :

-الليلة هكلم خالك على زيـنة وتخطبها وتخشوا بعد العيد الصغير .. 

ونغم دي غاوية علام ودماغها بحري كيف فكر هاشم .. وزينة غاوياك ، اخطب لك أنت زينة وهاشم نغم .. وافرح بيكم في ليلة واحدة .. هروح أخبر أبوك .


كاد أن يجادلها معترضًا فتوسلت له بنبـرتها الاستعطافية :

-وغلاوتي عندك ما تكسر بخاطر أمك ، زينة دي هتحطك جوة نين عينها .. ونغم خسارة تروح منينا أخوك هاشم أولى بيها .. وافق لو أمك ليها عندك خاطر يا هارون .. ولا عايزني أموت من قهرتي عليك ؟!


وثب من مكانه وقبل رأسها مبتلعًا غصة اقتراحها وقال على مضض :

-اللي تشوفيه يا صفية ، أعملي اللي عايزاه ... 


صفية بفرحة تتقاذف من مقلتيها :

-يا فرج الله ، يا ما أنت كريم يارب ، آخيرًا ، آخيرًا هفرح بيكم ، متتصورش أنا روحي ردت فيّ كيف ... الليلة هكلم خالك ، ويجي هاشم نروحوا نطلبوا يدها رسمي.. 


رد كالمضطر لأمر لا مفر منه خاصـة بعد توبيخ معتز له ليلة أمس :

-أعملي اللي عايزاه يا صفية .. مش فارقـة .


ثم تراجع ممازحًا :

-هو مفيش غير زينة قصادك يا صفية ؟!! ما تدوري إهنه ولا إهنه يمكن تعتري في واحدة غيرها .. أصل زينة دي عفية وراسها فاضية وأنا راجل شقيان .


-رايداك يا حبيبي ودي تربية يدي ، يعني هتقولها شرقي هتشرق ، غربي هتغرب .. مفيش أغلب منها.


فرغ من ارتشاف كأسه ثم ضب جلبابه وهمّ راحلًا :

-خدتي اللي عايزاه بكوباية شاي أهو يا صفية ، أهملك أنا عاد  .. 


ردت بلهفة :

-الود ودي ازغرد بس مش دلوك عشان النقم والعين ما بترحمش .. وعيون حريم عمامك مفنجلة كد إكده علينا .. أنتَ وهاشم في ليلة واحدة بعون الله .


ضرب كف على الأخر وهو يتساءل ألف مرة بينه وبين نفسه ما الذي يجبره أن يوافق بعرض أمه ؟! أن يقبل بفتاة لم يتحرك لها قلبـه للحظة ، ما الذي يجبره لقبول أمرًا رفضه قطعًا  ، جاءت " هيام " تركض بلهفة أن تلحق به :

-هارون فينه يا ما  أنا مش عارفة أعتر عليه من امبارح؟! 


-مشي يا هيام .. يلا يلا تعالي نشوفوا عفشتك ناقص فيها أيه ؟! 


صرخت هيام بوجهها :

-مش عايزة أشوف حاجة ولا عايزة اتجوز من أصلو وهملوني لحالي عاد .. والجوازة دي على جثتي لو تمت .


تجاهلت صفية صراخ ابنتها وحرقة قلبها إثر سطو فرحتها بهارون وهاشم ، اتسعت ابتسامتها بفرحة :

-أهو جلع البنتة دهون بعينه ؟! أعيش واشوفك متستتة يابت بطني وأنتِ بتصرخي إكده عشان متهمليش جوزك .. 


مرت أحداث اليوم المعتاد سريعًا حتى ذابت الشمس بصحن السماء ، نهضت " ليلة " مفزوعة من نومها وهي تنظر للساعة لتجدها السادسة مساءً .. وضعت يدها على شدقها :


-يا خبر ؟!! أنا نمت كل ده ؟!!


ثم فزعت من مرقدها :

-شريف قالب عليـا الدنيـا ..


أخذت تركض بالغرفة 


الحلقه الثالثه والرابعة والخامسة من هنا


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇 


أجدد وأحدث الروايات من هنا



روايات كامله وحصريه من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇


روايات جديده وكامله من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

إرسال تعليق

أحدث أقدم