رواية رحماء بينهم «كمثلِ الأُترُجَّةِ» الفصل الاول بقلم علياء شعبان حصريه وجديده علي مدونة عالم الروايات والمعلومات

رواية رحماء بينهم «كمثلِ الأُترُجَّةِ» الفصل الاول بقلم علياء شعبان حصريه وجديده علي مدونة عالم الروايات والمعلومات 

"هل جربت ذلك الشعورٌ يومًا؛ حينما يجعلك الله سببًا في إحياء حياة شخص رأيت موته بأُمة عينك؟! هل جربت أن تكون لحياتك معنى وأنت ترى تلك الروح التي أنت طوق نجاتها تحوم حولك من جديد!!!"•

~•~•~•~•~•~•~•~•~•~

نُقطة من بداية السطرٍ.

سبب لبداية حياة جديدة كادت أن تفنى.

مشهد جعل كيانهُ يهتز بصدعٍ حتى تعلم لأول مرةٍ معنى غياب الأمان ووجود أرواح سيئة تُشاركه في هذا العالم الذي انحسر دومًا في والده، دروس الدين المُحببة إلى قلبه ومُمارسة هواية السباحة الأكثر شغفًا في حياته على الإطلاق.


طفلٌ صغيرٌ عاش في بلدة قروية بسيطة تبدأ حدودها مع بداية قناة يجف ماؤها من حين لآخر ثم تعود تفيض من فيضٍ مائها مرة أخرى باختلاف فصول السنة وحالات الطقس.

وكعادتهُ الأسبوعية يختار يومًا شاغرًا من وظائفه المدرسية ثم يُقرر ممارسة هوايته فيه، سار إلى القناة بعلم والده واندمج في التمرين حتى تأخر الوقت ولم بلحظه، كانت الشجيرات القصيرة والعشب يحُفان القناة من جانبيها، طال اندماجه حتى قطع تدريبه مشهدُ لن تنساهُ ذاكرته على الإطلاق ولن يخدمه النسيان في تجاوزه مدى الحياة.

كانت تهرول بغير اهتداءٍ، تنظُر يُمنة ويُسرى في توجس وخوف شديدين إلى أن وصلت إلى الجسر القابع فوق القناة، كانت تبكي حُرقة ورغم ذلك لم يمنعها ارتجافها من التقاط طفل يمشي بمحاذاتها ثم دفعهُ بكُل ما أوتيت من قوة في القناة ولم تكتف بذلك!!!

كانت تستقر طفلة رضيعة على ذراعها فأطاحت بها أيضًا ثم شهقت شهقةً خافتة وهي تُتابع سقوطهما بالماء وما هي إلا لحظات حتى هرولت بعيدًا.. بعيدًا جدًا.

نُحتت ملامح وجهها في ذاكرته ولو مر ألف عام لن تُطمس هذه الملامح القاسية التي أصابها الاضطراب، ازدرد ريقهُ بالكاد وبقيت عيناه مُحدقة في الصغيرين، انتشل نفسه من الصدمة قبل فوات الأوان، خرج من خلف الشجيرات أثناء تواريه عن أنظارها ثم بدأ رحلة البحث عن الطفلين إلى أن وقعت عيناه على ذراع تلك الصغيرة الذي ظهر على سطح الماء بينما غاص جسدها كله، سبح نحوها حتى حملها بين ذراعيه ثم سار بها إلى شط القناة، كانت أنفاسها تتصاعد ببطء كمن يُصارع أنفاسه الأخيرة ولكنه تمكن من انتشالها من الماء قبل انقطاع الأنفس وفوات الأوان.

التفت نحو القناة من جديد ثم بدأ يبحث عن الطفل الآخر بعينيه المصدومتين ولكنه لم يجده، لم يتقبل الأمر حتى سبح مرة أخرى وراح يبحث عنه في كُل مكان ولكن انتهى الأمر دون جدوى!!!

عاد للشط مرة ثانية، حمل الصغيرة على ذراعيه ثم هرول مُبتعدًا والماء يقطر من ملابسه بينما ينظر (هو) للصغيرة بتعاطف وإشفاق.

ابتسم بخفوت وهو يتأمل ملامحها البريئة وهي تنام قريرة العين بعد أن كتب الله لها الحياة من بعد غدر!


هرول إلى البيت، دق بابه ففتح ذلك الشيخ الوقور.

"أبويا، بص أنا جبت أيه معايا؟!"

قطب (الشيخ) ما بين عينيه ثم سأل مُستفسرًا في دهشة:

"مين الطفلة دي يابني؟! وبتعمل أيه معاك!".


نظر الطفل للصغيرة تارة ولأبيه تارة أخرى، تنهد بأسى ثم قال:

"وأنا بعوم لقيت ست بترميها في القناة.. كان في عيّل تاني بس دورت عليه كتير وملقيتهوش!".


الشيخ وهو يشهق صدمةً ثم يردد:

"يارب لُطفك علينا من بلاوي الدنيا".

أطرق الصغير برأسه يتأمل الطفلة من جديد وبنبرة مرتجفة من شدة البرد قال:

"أنا لازم أجيب لها الدكتور عزت حالًا علشان بتتنفس بالعافية".

أومأ (الشيخ) مؤيدًا رأيه ثم أخذ منه الطفلة ليهرع (الصغير) إلى بيت الطبيب كي يأتي به لإغاثة الطفلة بأقصى سرعةً، كان جسده ينتفض من شدة البرد القارس الذي نخل عظامه ورغم ذلك لم يبالِ بالتعب الذي تسلل إليه وكان همه الوحيد إنعاش هذه الطفلة وإلا شعر بالذنب إن أصابها مكروه!

#رحماءٌ_بينهم

#علياء_شعبان

•••••••••••• 


(رحماءٌ بينهم) "كمثلِ الأُترُجَّةِ"•

[[الفصل الأول]]

•••••••••••••

"كمثلِ الأُترُجَّةِ؛ قُربها ترياق وغيابها علقم؛ ففي تذوق حلاوة القرب منها منافع كثيرة وفي غيابها يسود المرُ ولا يمُر!".

•••••••••••

أبان القمرُ وسط الغمام في ليلٍ مُشت وقارس البرودة بينما لم يأبه هو بانتفاضة جسده وبقى صامدًا في زاوية ما بتلك الغرفة، جمع ساقيه إلى فخذيه يتأملها وهي تُنجز عملها المساق إليها لإتمامه في أسرع وقت ممكن، شعرت بتنهده المُتكرر وعلمت أن ثمة شيء يجول في خُلده ويرهقه، نظرت إلى الفستان القابع أمامها وراحت تبتسم في هدوء؛ لقد نجحت في تصميمه بسهولة ويسر بعد أن جمع لها أغلب قمصانه المكدسة داخل دولابه وطلب منها أن تخيطهم على هيئة فساتين صغيرة ورقيقة تليق بتلك الطفلة الجميلة التي جلبها معه مُنذ عدة أيام مضت.

أطرق برأسه يُفكر في حديث والده وكأنما أُظلمت الحياة من بعد نورٍ، فقد تعلق قلبه بالطفلة ورغب في بقائها معه إلا أن والده كان يرى عكس ذلك.

كانت هذه المرة الأولى التي يتعلق فيها بشيء على الإطلاق وبقائها وسطهما كانت (الرغبة الأولى والوحيدة) له منذ أن وُلد وصار ولدًا بالمرحلة الإعدادية؛ فهل عليه أن يستسلم للأمر الواقع شاء أو أبى؟ أو يتشبث في رغبته بوجود مؤنسة له في وحدتها، وصفها داخل قلبه «كأنما هي بمثابة وميض أبيض انبلج من وسط سواد وحدته الموحشة إلى ذروة الألفة والنور».

حيث ظهر ذلك في تصرفه النشط والمتحمس وهو يجمع ملابسه ثم يطلب من الخياطة أن تخيط لها الكثير من الفساتين الجميلة ثم يستيقظ باكرًا حتى يأتي لها بالحليب الطازج ثم يُخففه لها كي ترتوي وتنام بسلام وأمان كما أنه لم يتوان عن تغيير حفاضتها المبللة كُل ليلة دون أن يشتكي ضيقًا أو نفورًا، لقد أحبها جمًّا وود لو يتخذ منها شقيقة تترعرع وسط رعايته هو ووالده وقد أقسم مرارًا أثناء حديثه مع والده أن يحفظها ويرعاها من كُل سوءٍ ولكن والده لم يتفهم مشاعره قط أو ربما يظن ذلك!

شرد في كُل لحظة قضاها مع هذه الصغيرة وهي تحبو صوبه بفرحة عارمة بينما يراوغها ببالون قابعة بين يديه، تمتلك غمزة رقيقة أسفل عينها اليسرى وكان هذه الصفة مُميزة وغريبة حيث أنه لم يرها قط في حياته ولكنها حالما تضحك بطفولة يبتهج داخله سرورًا ولم يبق من جهده مثقال ذرة كي يحتوي براءتها ويحنو عليها، عاش مع براءة روحها أيام فكيف بهذه السهولة يتقبل فراقها العزيز!، حينما أخبره والده أن هذه الطفلة مسؤولية كبيرة عليهما ولا يجوز تبنيها ثم التقصير معها في كثير من الجوانب!.

-مالك يا تليد؟ شايل هم الدنيا ليه؟!.

تنهد تنهيدًا ممدودًا ثم زفره بقوة، داهمت نبرة صوته حشرجة بكاء وهو يقول دون أن يرفع بصره لها:

-أبويا رافض إن الطفلة تعيش معانا وبيقول إننا وارد نقصر معاها وبكدا هنكون بنظلمها؟!.

أبصرت "هدى" إليه ثم سألتهُ باهتمام:

-أكيد الشيخ سليمان عنده وجهة نظر في كلامه؟!.

تليد وهو يقول باختناق:

-وجهة نظره إننا بيت من غير ست!

سكت هُنيهة ثم أضاف وهو يلتفت بنظراته إليها:

-بس أنا أقسمت له بالله إني هرعاها بس اقنعيه يخليها تعيش معانا، أنا حبيتها أوي!.

أومأت بتفهم ثم تابعت بهدوء:

-بس هييجي عليك وقت تنشغل، إنت ناسي إنك بتشتغل وعندك دراسة وامتحانات ولا أيه؟ وكمان الشيخ سليمان مش طول الوقت في البيت، هيكون مصيرها أيه وقتها!


افتر ثغرها عن ابتسامة لطيفة ثم أقرت بوجهة نظرها بلطف كي لا تزيد على همه:

-مش يمكن لمَّا تكون مع ناس تاني يحافظوا عليها وتعيش حياة أفضل؟!.

تأججت مشاعره ألمًا ثم قال بنبرة محتجة مكتومة:

-أنا أولى بيها، أنا اللي أنقذتها من الموت وأنا اللي حبيتها، ليه تعيش بعيد عني مش معايا؟ والله العظيم ههتم بيها بس قولي لأبويا مياخدهاش مني!!!

اغرورقت عيناهُ بالدموع ناظرًا إليها بسهام تنطلق من عينيه كي تتوسل إليها أن تُغيث قلبه الذي يخفق من التعلق والحزن إن فارقتهُ، اخفضت عينيها كي تتفادى نظراته البريئة المجروحة ثم تابعت بخفوت:

-حاضر يا تليد، أوعدك إني هحاول!.

التفتت إلى ماكينة الخياطة والتطريز الخاصة بها والتي تأكل من وراءها العيش ثم تابعت ما بدأته وفي غضون ذلك تذكرت أن تسأله بفضول:

-تليد، إنت شوفت الست اللي رميتها في القناة كويس؟!.

تليد وهو يقول بغضب متوارٍ:

-حفظت شكلها وعُمري ما هنساها.

التفتت إليه مرة أخرى ثم قالت بنبرة سادرة:

-مش يمكن تكون من البلد عندنا؟!.

تليد ينفي بتأكيد:

-لأ مش من البلد، كان شكلها غريبة مش من هنا.

أومأت "هدى" بتفهم ثم تابعت بقلب حزين:

-حسبي الله ونعم الوكيل، ربنا ينتقم منها.


ساد الصمتُ للحظات حتى عادت "هدى" بكرسيها للوراء ثم قالت بنبرة منشرحة وهي تتحدث إليه بعد أن وضعت الملابس داخل الشنطة:

-وبكدا أكون خلصت لك الفساتين والبلوڤرات، تحب تاخد باقي القماش المتقطع!!.

نهض من مكانه بسرعة ثم التقط الشنطة منها وراح يقول بنبرة حماسية:

-لأ، عايزك تعملي لها بيهم عرايس وهعدي وقت تاني أخدهم.


قامت "هدى" بالربت على كتفه بحنان وفيرٍ، ابتسم لها فبادلتهُ الابتسامة الصادقة ثم قالت بهدوء:

-متزعلش من أبوك يا تليد مهما كان قراره، فهو دايمًا الأصح.

أومأ مُتفهمًا ثم غادر في الحال.

••••••••••••••••••

جلس على إحدى الدكاك داخل مشتله الذي ورثه عن أبيه كأشياءٍ أُخرى ولكنه الشيء الوحيد الذي تمكن من استلامه وباقي إرثه من تركة أبيه مازال تحت سطوة شقيقه الأصغر الذي يرى أنه الأجدر والأحق بها إلا إذا انصاع "سليمان" لأوامره خاصةً أنه دائمًا يُفضل العيش بعيدًا عن حياة شقيقه التي تفتقر إلى الكثير من القيم والمبادئ الأساسية في الدين!

انتظر طويلًا حتى جاء الأخير كما أخبره برغبته في الالتقاء به لبعض الوقت ولم يتمنع "سليمان" عن مُقابلته بل انتظره حتى يرى ما عنده من جديدٍ يُقال.

كان المشتل عبارة عن مساحة شاسعة زُرع فيها الكثير من النباتات، الورود والأزهار، ثمة شيء يُجبرك على التحديق في المكان، شيء يُجبرك على الانغماس في تنشق عبق الزهور به كما لو أنك ذهبت في دنيا غير تلك التي عشت فيها دائمًا.

هرول أحد العمال بالمكان صوبه ثم قال وهو يلتقط أنفاسه اللاهثة:

-عثمان باشا وِصل يا شيخنا!.

كان يجلس مُقرفصًا على الدكة وتنام الصغيرة على حِجره في هدوء بعد أن تناولت الحليب الدافئ الذي أوصى به، أومأ برزانة مُشبعة في تفاصيل وجهه وروحه ثم قال بهدوء:

-خليه يتفضل.

هرول العامل مُبتعدًا حتى البوابة ثم فتحها على مصراعيها سامحًا للأخير بالمرور داخل المشتل، رمقهُ "سليمان" بثبات غامض لدرجة أنك لا تعرف إن كان غاضبًا عليه أو مُشفقًا على روحه التي أهلكها وهو يعدو نحو مغريات الحياة دون تفكير!

ترجل "عثمان" من السيارة ثم رصد مجلس أخيه فسعى إليه واسع الخطى وما أن وصل إليه حتى وقف أمامه شامخًا ثم قال بثبات:

-إزيك يا سليمان ياخويا، أخبارك أيه؟!.

سليمان وهو يبتسم بوقار لطيف:

-بخير وبدعي لك.

هز رأسه عدة هزات متتالية ثم أسرع بالجلوس بجواره ثم قال ببسمة باهتة بعد أن أدرك وجود طفلة في حجره:

-وبتدعي لي بأيه بقى!

سليمان بنبرة جادة يردف:

-بالهداية.

أمد "عثمان" ذراعيه نحو الصغيرة يُداعب وِجنتها الناعمة ثم قال بنبرة مراوغة:

-بنت مين دي يا شيخ سليمان، إنت أتجوزت وخلفت من ورايا؟!.

سليمان ببسمة خفيفة:

-دي زيّ الزرعة الخضرة اللي هناك دي، نبتة ضعيفة بس ربنا أراد لها تنبت في بيئة ريحها طيب، إنما سيبك من العيّلة وقول لي زرعت أيه إنت لدنيتك يا عثمان؟!.


عثمان وهو يُطلق ضحكة عالية ثم يجيبه:

-أتجوزت وخلفت وعملت اسم لعيلتي وفلوس آمن بيها مستقبل عيالي وبقيت رجل أعمال تفتخر إنك تتعامل معاه وصاحب أكبر شركة للصناعات الغذائية والإنتاج في الشرق الأوسط، تاني ولا أكمل!.

داهمت بسمة ساخرة ثغر "سليمان" الذي تابع بهدوء:

-قصدي زرعت أيه تحصده للآخرة؟ كُل اللي إنت بتقوله دا فاني يا ابن أبويا وأمي!.


عبس وجه "عثمان" الذي تابع بانفعال خفيف:

-من الآخر كدا يا سليمان، لو عايز باقي ورثك من أبوك يبقى تبطل بقى شغل شيخ سليمان راح وشيخ سليمان جه وتيجي تشتغل معايا في الشركة لأن أنا مش هسمح لكل حاجة بنيتها إنها تتهد بشوية مبادئ وأخلاق ومسميات مجردة.


سليمان وهو يقول بثبات أضمر الغيظ في نفس الأخير:

-مش إنتَ قابل!، أنا كمان مش عايز حاجة ولو على حق ابني فربنا يتولاه وكفاية علينا المشتل.


تأجج "عثمان" من شدة الغيظ ثم نهض على الفور مُقررًا الذهاب نادمًا على المجيء الذي أسفر عن فشله في إقناع شقيقه كالعادة، أوقفه "سليمان" بصوته الرخيم قائلًا ملحوظة كانت تائهة عنه للحظة ما:

-بس يكون في علمك يا عثمان يا خويا، مش هنصدر لك أي زرع أو محصول من مشتلنا، المعاملة بينا معادش ليها لازمة.

رفع "عثمان" أحد حاجبيه ثم استدار نحو شقيقه مرة أخرى وقال بغيظ:

-إنتَ بتلوي دراعي علشان عارف إن أغلب منتجاتنا قايمة على محاصيل المشتل؟!.

سليمان بنفي قاطع:

-مش لوي دراع بس تجنبًا لآثام مرتكبتهاش واتقي الله شوية في المزرعة، طبعًا إنت فاهمني!

عثمان بغضب مكتوم وملامح صلبة:

-دا آخر كلام عندك!!

سليمان وهو يشيح بوجهه للجهة الأخرى ثم يقول بلهجة حازمة:

-مع السلامة يا عثمان، ربنا يهديك يا ابن أمي وأبويا.


تشنجت ملامحه الصارمة وراح يبتعد ساخطًا على شقيقه الذي أنهى النقاش بينهما بمقاطعة نهائية ووضعه أمام الأمر الواقع من سرعة في إيجاد مشتل آخر يحصل منه على المحاصيل المستخدمة في إنتاج شركته من بضائع غذائية عالية الجودة وبأسعار تنافسية معقولة ومناسبة كما يقول بتفاخر في إعلاناته الثمينة.!


مرَّت لحظات وجاء "تليد" مُشتاقًا للعب مع رفيقته التي كملاكٍ بريء يُثلج قلبه هذا الطفل الوحيد منذ أن ذهبت والدته ولم يحظَ بأشقاء يؤنسون حياته الرتيبة، تخللت أسارير وجهه حينما أبصرها تنام على فخذي والده فأخذ أنفاسًا مُطمئنةً وهو يتوجه نحوهما ورغم شرود الشيخ "سليمان" في حزنه الصامت إلا أنه تيقظ لمجيئه فتدبر ابتسامة خفيفة كيلا يبدأ صغيره الفطن في طرح العديد من الأسئلة التي يلقى جوابًا لها بإصراره المعتاد فلم يُبعده الشيخ عن حياته بما تضمنها من توتر العلاقة بينه وبين شقيقه؛ بل كان يضعه في الصورة كي يكبر سريعًا ولا يتمكن أحدُ من استغلال صغر سنه وبراءته حينما يغيب الشيخ "سليمان" عن هذه الدنيا ولكنه دومًا يُثنيه عن السوء وارتكاب المعاصي في حق مظلوم؛ عليه فقط أن يسترد حقه دون زيادة أو نقصان؛ ألا يجور فتزول كُل فضائل الله عن وجهه!.

هرع إلى والده بحماس صبياني ثم امتد بصره نحو الصغيرة قائلًا بفضول:

-هي نايمة؟!.

أومأ الشيخ برأسه داعمًا سؤاله، فاقترب الصغير منها ثم مال مُقبلًا وِجنتها وبعدها جلس بجوار والده قائلًا:

-جبت لها غيارات ودفيت لها شوية لبن في الرضعة وكمان فصلت لها فساتين حلوة أوي لمَّا نروح هوريها لك.

ربت "سليمان" على كتفه بحنان غزيرٍ قاصدًا أن يغمره بهذه الكلمات:

-ربنا يجازيك خير يا تليد يابن الحاجة حورية ويجعلك غرس صالح ليا أنا وهي، ويجعلك ملاذ لكُل ضعيف أو فاقد الملاذ.

تليد بابتسامة خجولة يقول خافتًا:

-يارب يأبويا.

بادلهُ "سليمان" ابتسامة دافئة تبعث الطمأنينة على نفسه النفيسة الأبية مُنذ الصِغرٍ، ثم قال بنبرة ثابتة:

-يلا يا بطل على شغلك، في زرع آن حصاده.

تليد وهو يتوسل له برجاء:

-عايز ألعب مع أُترُج شوية.

اتسعت ضحكة "سليمان" وهو يستمع إلى إصرار صغيره على هذه الاسم الفريد، التقت نظرات سليمان" بابنه وشرد كُلًا منهما في مشهد مُختلف عن الآخر ولكن كلاهما يرتبط بهذا الاسم الفريد!


غاب الوالد إلى تلك اللحظة المزدهرة بكثير من الزرع والنباتات والأحلام الحالمة التي تطوف حول هذه المبهجات، وقف "تليد" بجواره ثم بدأ يسأل عن اسم كُل نبتة في مُحاولةً منه لمعاونة أبيه في الاعتناء بالمشتل وري المحاصيل به، كان يسأل كلما رغب في أن يستزيد ويتزود بالمعلومات القيمة والثرية من أبيه حتى وقعت عيناه عن نبتة يُحبها والده جمًّا وهي شجرة لثمرة تشبه ثمرة البرتقال في اللون والليمون في الحجم، اختلط عليه الأمر فالتفت يسأل بفضول وإعجاب:

-هي أيه الفاكهة دي يا بابا؟!.

ابتسم "سليمان" برصانة ثم أجابهُ باقتباس عن حديث للنبي، فتابع:

-”مثل المؤمن الذي يقرأ القُرآن كمثلِ الأُترُجَّةِ طعمها طيبٌ وريحها طيبٌ“.

قطب "تليد" ما بين عينيه ثم ردد بتعجب:

-أُترجة!!!

أومأ بتريث واستمر ينظُر إلى ابنه في اهتمام، فوجده يقول باستفسار وحيرة:

-يعني دا مش ليمون ولا برتقان؟!.

الشيخ بابتسامة خفيفة:

-لأ، دا بالمصري اسمه كبَّاد وأترج دي بالفُصحى وهي فاكهة جميلة أوي يابني، مليانة ڤيتامين سي وفوايدها كتير أوي علشان كدا كُنت مهتم طول الوقت أزرعها، وعلشان إنت سألت فلازم أقول لك إن الوصفة اللي بغليها لك لمَّا بيكون عندك حموضة معدة هي قشره والطَعم الحلو في السلطة اللي بعملها بسببه كمان.

حدق "تليد" فيه بصدمة ثم قال:

-دا بجد!!!.. دا أنا حبيته أوي من كلامك عنه يا شيخنا!.

انطلقت ضحكة كبيرة من فم "سليمان" الذي سحب "تليد" إلى حضنه وراح يربت برفق على ظهره ثم يُكمل:

-بس دا سر المِهنة، إياكَ والبوح به!.

انتظر "سليمان" كي يستمع إلى ردة فعل ابنه الذي لم يخيب ظنه، فقال بنبرة سادرة:

-يعني لو حد تعبان ومحتاج الوصفة دي ما أقولوش يا بويا؟!!.

خفتت ضحكة "سليمان" ولكنها بقيت اِبتسامة حانية مُجيبًا ابنه برقة أبٍ ناصحٍ:

-نقول له طبعًا يا روح أبوك.. نقول له يا عِز الناس.

تشبث "تليد" بخصر والده وراح يبتسم في سعادة ثم يتمتم بخفوت:

-أُترُج!!!!!!

ولم يسبح الوالد وحده في ذكرى جميلة عابرة؛ بل فعل ابنه الذي أراد وبشدة أن يطلق عليها هذا الاسم الذي يخص تلك الثمرة الطيبة النافعة والتي تعلق قلبه بأشجارها منذ تصريح والده بحبه لها وكثرة منافعها فصار يهتم بتلك الأشجار بصفة مستمرة وبشكلٍ خاصٍ فلا يجعلها تجف أو تلقى هلاكًا من الماشية القريبة من المشتل.

تذكر حينما دخل بالصغيرة على والده الذي طلب منه أن يُسعف الصغيرة معه بسرعة وأن يأتي بثوب من ثيابه التي صغرت وضاقت عليه كي يُلبسها للصغيرة التي يسقط الماء من ثيابها في هذا الشتاء القارسٍ ففعل "تليد" الذي انتظر حتى سها والده في إشعال المدفأة بالحطب وراح يضع ورقة داخل ملابسها المبتلة بسرعة، عاد الشيخ إلى الطفلة مرة أخرى ثم بدأ في نزع ثيابها حتى صادفهُ رؤية هذه الورقة التي كُتب عليها بخط مُنمقٍ غير متهادٍ قد كُتب على عجلة رغم التشبث الواضح في الحفاظ على تشكيل الكلمة ذلك الشيء الذي يشتهر به صغيره المولع باللغة العربية.

«اسمها أُترُج».

نظر "سليمان" الكلمتين بتوجس ثم شمل ابنه بنظرة عابرة قبل أن يضع عينيه في الورقة مرة أخرى ثم يبتسم بفطنة بينما جاهد "تليد" في أن يبدو غير مُهتمًا بما يقبع في يد والده، تنهد الشيخ بهدوء ثم قال:

-تخيل يا تليد البنت طلع اسمها أيه؟!.

تليد وهو يتظاهر غير مُبالٍ:

-اسمها أيه؟!.

الشيخ بابتسامة خفيفة يواريها عن أعين ابنه فيقول بثبات:

-اسمها أُترُج.. أيه الصدفة الجميلة دي!!!.. دا نفس نوع الفاكهة اللي إنتَ بتحبها!!!.

تليد بضحكة واسعة:

-قصدك اللي إحنا الاتنين بنحبها.


عادا للواقع معًا فتلاقت أعينهما بين نظرة مُحبة وابتسامة دافئة تتألق على مُحياهما، كانت هذه نفسها تلك الابتسامة المُمتنة بجزيل الشُكر حينما اعتمد الشيخ "سليمان" هذا الاسم للطفلة مما جعل صغيره يطير كعصفورٍ أوجد الحرية بعد ليالٍ طويلة من الأسر.

-أوعدك بعد ما تخلص حصاد الطماطم النهاردة إنك تاخد بكرا أجازة وتلعب معاها على راحتك.


انفرجت أسارير طفولته المُبهجة وراح يقفز في مكانه بمرح وحماس ليقطع مجيء "رابعة" قفزاته حينما قالت بحب وفير نحو هذا الصغير الذكي:

-يسعد قلبك دايمًا يا تليد يابني.

التفت "تليد" لها ثم أكمل بنفس الحماس الذي لم ينقص من تأججه درجة حتى:

-خالة رابعة، هتجازيني بأيه بعد ما أخلص الحصاد مع العمال؟!.

رابعة وهي تبتسم ابتسامة عريضة ثم تقول الجملة الأحب إلى قلبه على الإطلاق:

-هعمل لك سندوتشات زبدة بالعسل.

تليد وهو يقذفها بقبلة طائرة ثم ينصرف بحماس مُتقدٍ:

-هو دا الكلام.

تحول ضحكها مع الصغير إلى ابتسام هاديء يليق بالتحدث إلى الشيخ الوقور، أومأت برأسها في سلام ثم تابعت بهدوء:

-أخبارك يا شيخنا وأخبار البنت الصغيرة أيه؟!.


سليمان يومئ بثبات:

-نحمد الله على كل حال يا بنتي.

وقفت أمامه على استحياءٍ من ارتفاع قدره وسط أهالي البلدة وهو الذي يُعرف باصطفافه في صفوف الحق والعدل ومناصرة الفقير والمظلوم ووعظ الناس بالحُسنى والتماس الأعذار حتى تفنى وتلبس الحجج وشاح الأعذار فتجده لا يُخفيها كُلها، فتنجلي للجميع!.

-لسه عند قرارك وناوي تسلم البنت لناس تانية يا شيخنا؟

رفع "سليمان" سبابته ثم قال بنبرة حازمة لا يشوبها ذرة استخفاف أو تهويل:

-مش أيّ ناس يا بنتي، ناس أرضهم صالحة وطيبة لزراعة نبتة جميلة زيها علشان تكبر مُستقيمة وأخد أجر تأمين مستقبلها.

أومأت "رابعة" التي تعمل في بستان الشيخ مُنذ سنوات حتى وثق بها وجعلها المُشرفة العامة على العُمال بالمكان كما أنها تمتلك أرضًا زراعية بجوار المشتل وبعض الماشية التي تتركهم يرتعون فيها بحُرية أثناء جلوسها في عملها بالمشتل وتترك ابنتها الصغيرة تعيرهم الانتباه والاهتمام.

-طيب أنا عندي اقتراح يا سيدنا الشيخ، تسمح لي؟!.


رحب باقتراحها ببشاشة قبل أن تقوله، فهو يعلم أنها صاحبة رأي راجح عاقل حتى إن لم يتناسب مع ما يُفكر به فسوف يستفيد منه بشكلٍ آخر رغم أنها لم تدخل المدرسة أبدًا، تنحنحت "رابعة" باستعداد ثم قالت:

-فاكر يا شيخنا أستاذ علام ومراته؟! لمَّا كُنا بنجمع لهم تكاليف العملية بتاعة الخلفة من تبرعات المسجد والعملية للأسف منجحتش!!

تزين ثغره بابتسامة هادئة وهو يعي جيدًا ما سوف يأتي بعد هذا السؤال، أومأ ينتظر استكمال اقتراحها فقالت بهدوء:

-طب ما هم أولى بالبنت يا شيخنا؟.. خصوصًا إنهم ناس كويسين وإنتَ عارف أخلاقهم!.

تنهد الشيخ بثُقل يعكس شيئًا جللًا يستقر في نفسه، انتظرته "رابعة" أن يتكلم أو يرد بالاعتراض حتى على كلامها ولكنه ظل ينظر أمامه في صمتٍ مهيبٍ كأنما يُراجع أمرًا عظيمًا ويبحث فيه بحنكة، لم يدُم صمته طويلًا حينما أبصرها تترقب جوابه فقال بثبات:

-فكرت في الحل دا، بس تليد؟!.

رابعة تستفسر سريعًا:

-ماله؟!

تابع بنبرة هادئة:

-تليد متعلق بيها أوي يا بنتي وإنتِ عارفة إن علام شغال في قصر عثمان أخويا، دا معناه إن تليد لو عرف مكانها هيتردد على قصر عثمان كتير وأنا مش عايز كل دا يحصل.

رابعة بتفهم تقول:

-خلاص، منقولش لتليد عن الناس اللي هنديهم البنت!.

الشيخ بابتسامة خفيفة:

-هيزن.. هيسأل.. طول الليل هيسأل عنها.. مش هيبطل.

رابعة بابتسامة مثيلة:

-حاول إنت بس متضعفش قدامه يا شيخ سليمان وهو هيبطل يسأل.


أومأ صامتًا يُعيد التفكير في حديثها وقد طال هذا التفكير لأيام قليلة حتى اتخذ قراره بشكل نهائي بعد أن صلى لله أن يعينه على اختيار الصالح لطفلة مثلها. جاء ذلك اليوم حينما كان "تليد" يلعب مع الطفلة بطاقة مُتفاقمة خاصةً أن هذا اليوم هو المخصص لإجازته من المشتل، لم يكن الشيخ بحاجة لعمله ولكنه يريد أن يُنشئه على الحياة الصعبة وكسب القوت بالكد والتعب كي يشتد ساعده ولا ينتظر مجيء الشيء بسهولة إلى حجره.

-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ألقى الشيخُ التحيةَ وهو يدخل إلى المنزل، فرد "تليد" السلام دون أن يلتفت له فتابع الشيخ بتساؤل:

-تليد إنت مصليتش الضهر؟.

التفت إليه فورًا ثم أجاب بثبات:

-صليت طبعًا يا أبويا.

أومأ "سليمان" بتفهم ثم تمشى إلى الدكة القابعة بجوار المدفأة وبنبرة حانية قال:

-بطلت تروح دروس السباحة يا تليد باشا والكابتن اشتكى لي النهاردة حتى بطلت تدرب في القناة مع نفسك!.


جلس "تليد" أمام الصغيرة التي حبوت حديثًا ثم فرد ذراعيه أمامها كي تهرع إليهما فيلتقفها بين جنباته في حب واحتواء فتضحك ببراءة من مُداعبته لها، ضمها سعيدًا ثم توجه بنظراته صوب والده يقول بشغف:

-علشان أنا لقيت الأحسن من السباحة وكُل حاجة.


تنهد "سليمان" بصعوبة وهو يُطالع ملامح ابنه المُتقدة من الفرح أثناء وجودها معه، أوجد صعوبة أكبر فيما عزم على فعله اليوم وكيف يخبره بالأمر ووجودها قد أثلج نفس طفله وأنس وحدته؟ وقفت الكلمات ثقيلة في حلقومه يدقق النظر ويُمعن في هذه الملامح المُشرقة التي ستتحول بعد دقائق إلى أُخرى ذابلة؛ ولكنه لابد أن يفعل وإلا تفاجأ "تليد" بالأمر وكُسر خاطره، قرر أن يتحدث إليه في مناقشة عاقلة كما عوده متوسمًا في صغيره الناضج خيرًا أن يتفهم حياتهما الشاقة التي لا تتلاءم مع صغيرة تحتاج رعاية أمومية كافية، تنهد بحسم ثم قال بنبرة هادئة:

-تليد، تعالى يا بني اقعد جنبي!.

قال وهو يربت بكفه على طرف الدكة، أومأ الأخير مُطيعًا في سرعة وهو يضم الصغيرة إلى حضنه ثم يجلس بجواره أبيه ويضعها على ساقيه، رفع "سليمان" ذراعه صوب غُرة رأسه مُداعبًا خصلاته البُنية الفاتحة والتي تلمع مع شُعاع الشمس في وضح النهار وبنبرة هادئة استطرد:

-أترج مش هينفع تعيش معانا يا بني، لو حصل نبقى بنظلمها لأننا مهما قدمنا لها هيكون ناقص حاجة مهمة.

قطب "تليد" ما بين عينيه ثم تساءل متوجسًا خيفة مما هو قادم بعد هذه الافتتاحية العقلانية:

-أيه هي؟

سليمان بشرح مُبسط:

-الاحتواء والمشاعر الأمومية يا بني، إزاي إحنا راجلين هنربي طفلة صغيرة ونعتني بيها، الكلام سهل يا حبيب أبوك.

نكس "تليد" ذقنه حتى لامست صدره بانكسار ثم تمتم بخفوت:

-يعني إنت خلاص هتديها لناس تانية؟!

أومأ "سليمان" آسفًا على حزنه الذي لا يهون أبدًا ولكن ثمة ضروريات وجب الحُكم فيا وإن كان الحكمُ لا يُحيي مشاعر أحبائنا.

-مقداميش اختيار تاني يا عِز الناس.

-وهتديها لمين؟! ناس كويسين مش كدا؟!.


أغمض "سليمان" عينيه يستقبل سؤاله الذكي الذي توقعه قبل أن ينطق به ابنه، تنهد بتماسك في محاولة مُميتة منه كي يصمد أمام رغبة الأخير في الحصول على معلومة كتلك فقال الشيخ بثبات:

-أكيد مع ناس طيبين أوي، أنا سألت عليهم، بس آسف يا بني مش هقدر أقول لك مين ولو سمحت متتعبنيش وتصر على سؤالك.

ضم "تليد" الصغيرة إليه في حزن صامتٍ حتى أنه لم يُعلق على حديث والده بالطاعة حتى، امتلأت عيناه بالدمع رغم نفسه الأبية مُنذ صغره وكانت هذه المرة الأولى التي يسقط له دمعُ منذ أن نضج واشتد عوده وتخطى حاجز العشر سنوات، مر الكثير من الوقت على آخر مرة بكى فيها لتُجدد الصغيرة مشاعره المسجونة خلف جدران نصائح والده له بكونه رجلًا، وسقط دمعُ الرجُلَ ونسى ما تلقى من نصيحة يومًا. بكى في صمتٍ مهيبٍ يليق بشاب كبيرٍ يخشى رؤية أحدهم لضعفه فرق قلب الشيخِ له وراح يطبع قُبلة حنونة على جبهته في مواساة وبنبرة هادئة تابع:

-سامحني يا بني، بس مينفعش نكون أنانيين في رغباتنا متناسين الخير للغير!.


أومأ "تليد" دون أن يرد فتأكد الشيخ أنهُ ربما أدرك جيدًا فحوى رسالته، فابتسم بوقار ثم تابع:

-تقدر بقى تودعها وتجمع هدومها وعرايسها في شنطة علشان الناس جايين بالليل!

ارتفع صوت بكائه عاليًا بعد أن أعلن استسلامه بألا يُظهر ما يغمره من صمود أكثر من ذلك فقال الشيخ "سليمان" بنبرة صابرة:


-قادر ربنا يجمعك بيها تاني وإنتَ مش مقنن مشاعرك ناحيتها، إنتَ دلوقتي اختارتها تكون لك أختك.. بس مين العالِم لو فضلت معانا وربيناها هتقدر تسيطر على مشاعرك وهي بتكبر قدام عينك ويا ترى قلبك هيقبل القانون الجبري اللي فرضته عليه؟؟؟ ولا هيتمرد!.

صمت لبرهة ثم صرح بحكمة والأخير مُصغيًا في رسالته البليغة:

-وهل لو اتمرد، نضمن منين إن الأخ ميكِنش مشاعر متأججة لأخته!!!.

تنهد (سليمان) بصبر طال ومازال يطول ثم أسدى له نصيحة جوهرية لن يتلقاها مهما عاش إلا من والده الحكيم:

-مشاعر الأخوة جميلة وجوهرها ثمين بس للأسف لا تُطلق إلا على الأخوة الحقيقيين ورغم قيمتها الثمينة إلا إنها لو قيلت في غير موضعها بتكون ضعيفة مُميتة، فاهمني!!.


تلألأت قطرات الدمع في عين "تليد" الذي ابتلع أوجاعه صامتًا مُنصتًا فقط، ارتجفت شفتيه الجافتين ثم قال بحيرة:

-مُميتة!!!

سليمان مُجيبًا بحزم:

-أضعف ما يمكن، لأ وكمان طعمها ماسخ ومُر.. أخاف عليك يا بني روحك تتعلق بيها فتعشق وتخاف البوح علشان هي أختك بين الخلق وهي لا بنت أمك ولا أبوك!!!.


رأرأ بعينيه يواري صدق اقتناعه بكلمات والده التي رغم حقيقتها إلا أنه كمن ينفخ في النار فيرتفع وهجها ويفيض على جانبي قلبه الوحيد في الحياة دائمًا.


استسلمت قواه تمامًا في هذه اللحظة فقام حاملًا إياها ثم دخل غرفته وأغلق الباب بقوة تشي بنيران قلبه المُتأجج من ألم التعلق وتوجه إلى مكتبة صغيرة خصصها لترتيب ووضع ملابس الصغيرة بها وقبل أن يجمع أشيائها سمع صوت والده يقول بنبرة متأنية من وراء الباب:

-«من تعلق قلبه بغير الله، بكى وجعًا يا بُني».


أغمض عينيه باختناق محبوس في ضلوعه ثم أحضر حقيبة قماشية وبدأ يجمع فيها كُل ملابسها إلا ثوبًا واحدًا ودمية وحيدة راغبًا في الاحتفاظ بهما كي يتذكرها دائمًا، وضع جميع الدمى التي صنعها لها وكذلك الفساتين التي تم تخييطها من ملابسه وأثناء إنجازه لهذه المهمة الصعبة وجد تلك (التميمة) تسقط من بين الملابس وكانت على شكل فص من ثمرة الأُترُج مُطرزة بطريقة جذابة ومكتوب عليها حرف (أُ)، تنهد بأسى وهو يتذكر ذكرى هذه التميمة.

-دي العرايس اللي طلبتها مني يا تليد، ها تحب أعمل لك حاجة تاني؟!.

سألتهُ "هدى" باهتمام؛ ففكر قليلًا قبل أن يقول على مضض:

-لأ، كدا تمام شكرًا يا خالة هدى.

داعبت خصلاته بحب ثم قالت:

-مقولتليش، سميتها أيه؟!.

ضحك بانبساط وأجابها:

-أُترُج.

زوت "هدى" ما بين عينيها دهشةً وما أن وصله شعورها المتعجب حتى تساءل بتوجس:

-معجبكيش!!.

هدى بهدوء:

-هو حلو، بس مش تقيل شوية!!!


تليد يؤكد على رأيها مفسرًا وجهة نظره:

-يمكن عندك حق، بس أنا بحبها زيّ حبي للأُترُج والمشتل بتاعنا مليان بيه دا غير إن أبويا بيحبه وشايف إنه أنسب اسم لأنه جامعنا إحنا التلاتة في حاجة واحدة.

هدى بتفهم تقول:

-ربنا يصلح حالك يا بني وبمناسبة اختيارك للاسم، أنا بقى هعمل لك إنتَ وهي هدية حلوة أوي، عدي عليا كمان يومين علشان تستلمها.


انشرح قلبه وانتظر مرور يومين بفارغ الصبر حتى عاد إليها مرة أخرى وقامت بتسليمه تميمتين رائعتين على شكل فصين من ثمرة الأُترُج مُطرزين بخرز من اللونين الأبيض والبرتقالي معًا وقد كُتب على كُل واحدةٍ منهما الحرف الأول من اسميهما.

عاد من ذكرياته مُتذكرًا وجود التميمة الخاصة به في جيب بنطالونه، غرس يده حتى أخرجها ثم قرب الاثنتين من بعضهما وراح يبتسم في اشتياق؛ اشتياق للذكريات وشوق مُشتعل قد بدأ باكرًا عن وقته.

فرغ من توضيب حقيبتها بعد أن وضع التميمة الخاصة بها في الحقيبة أيضًا ثم قرر تجهيز ورقة مكتوب فيها كُل المعلومات التي تخص الصغيرة حتى يلتزم مرافقوها الجُدد بهذه المعلومات وطلب من والده أن يشترط عليهم؛ ألا يتم تغيير اسمها او تاريخ ميلادها مُطلقًا وقد احترم والده رغبته في الحقيقة.


حل الليل وتلاشت لحظات الانتظار السامة وحل مكانها لحظات الفراق القاتلة؛ اللحظتان يغمرانك بشعور مؤسف فتنجذب نحو أيسر موتةً من بينهما.


دق الباب وتوقع هو الطارق بسهولة، تمشى صوب الباب بخطوات مترددة وأكتاف مُتهدلة مُتمنيًا لو يرجع والده عن هذا القرار المُجحف في حق قلبه من وجهة نظره الضيقة، فتح البابَ واستقبل الطارق بفتور فلحق به والده ثم سلم على الرجل الواقف أمامه وطلب منه الدخول.


أسدى الشيخ "سليمان" للرجل المدعو "علَّام" مجموعة من النصائح لا سيما أن أهمها الحفاظ على الصغيرة كي يستحق ثقته واحترامه طوال العُمرٍ وكيلا يُجحف على نعمة وهبها الله له من بعد يأس.

تفهم "علَّام" لحِكمه الخيّرة النقية ووعده أن يفي بهذه العهود كاملةً، التفت "سليمان" إلى ولده الذي يحمل الصغيرة ويقف على جنب قائلًا بهدوء:

-أدي له البنت يا تليد.

طالعهُ "تليد" بنظرات مترجية لامعة ثم نحى بصره إليها وراح يتأملها لوقت طويلٍ ربما يشبع من رؤيتها قبل أن يُفلتها من بين يديه كأنها سراب لم يلمسه في الحقيقة، توجه بها إلى "علام" الذي شعر بيأس الفتى وهمه ولكنه تناولها منه بحذر يتأمل براءتها في سعادة متطايرة من معالم وجهه، تراجع "تليد" خطوتين قبل أن ينكس رأسه في عجز من إقناع والده عن العدول عن هذه الفكرة.

تكلم "سليمان" بعد تنهيدة ممدودة بعُمقٍ فقال:

-البنت اسمها (أُترُج) وعندها سنتين وتاريخ ميلادها هتلاقيه في الورقة اللي في الشنطة دي.

ناوله الحقيبة ثم تابع بإيجاز:

-شنطة لبسها ولعبها.

علَّام يهز رأسه بموافقة أكيدة:

-متقلقش مفيش أي حاجة من المعلومات دي هتتغير يا شيخ سليمان.

سليمان وهو يبتسم بخفوت:

-فيك الخير يا بني.

أظهر "علام" ابتسامة واسعة تنم عن امتلاكه للدنيا في هذه اللحظة ثم قال بتوتر تجاه الموقف الجديد عليه:

-مراتي مستنية على أعصابها وبتحضر لها الأوضة من ساعة ما بلغتنا، ربنا يرضى عنك يا شيخنا زيّ ما رضيتنا وأثلجت قلوبنا.

ابتسم "سليمان" بهدوء ثم قال بثبات:

-دي بُسرة، اعتبرها هدية مني لك، اكرم مثواها وانبتها على الصالح بس يا علام، لو فعلًا مش عايزني أندم على القرار دا.

علَّام يرد مُمتنًا:

-أوعدك مش هخذلك يا شيخنا.

وقف يستمع إلى حديثهما بانفطار قلب ضعيف أصابه الصدع بسهولة، ظل رأسه مُطرقًا وقد بسر وجهه بألم دفينٍ إلى أن سمع صوت "علَّام" يصيح بحسم وابتهاج:

-استأذنك يا شيخنا!!.


أومأ "سليمان" في صمتِ فذهب الأخير وخرج من البيت، سال دمعه المحبوس فور تجاوز "علَّام" لعتبة البيت فجرى ورائه ليجده يركب السيارة بسرعة وهنا خرجت منه صرخة مدوية وهو ينظر إلى السيارة تتحرك مُبتعدة، هرول على الفور خلفها مادًا ذراعه أمامه عازمًا النية على اللحاق بالسيارة وإبلاغ الرجل بتراجعه عن الأمر، بكى شاهقًا وهو يجري بسرعة البرق عله يسترجع حلمه الذي يبتعد كُل ثانية عن مرأى عينيه.

-استنى.. رجعها تاني.. رجع لي أُترُج.


لم يلتفت أحدُ إلى صوت صياحه المكلوم وبكائه المنهار حيث رأى أنه يحارب وحده للحصول على «صغيرته الضائعة»، أخذ صدره يعلو ويهبط في قوة وخفقان عالي ليجد نفسه يتعرقل فجأة ثم يسقط على الأرض بقوة لترتطم رأسه بحجر كبير أدى إلى إصابة حاجبه بشِق بليغ ينزف الدم منه بوفرة فأسرع "سليمان" به إلى العيادة الطبية وقام بتخييطه قبل أن يتلوث الجرح أو ينتكس.


مرَّت الأيام وجمع كُلًا من الشيخ "سليمان" ومُشرفة المشتل "رابعة"  حديث عابر وهي تبتسم بحذق ثم تسأل:

-أخبار تليد أيه يا شيخنا؟ اتحسن شوية؟

أومأ وقتها "سليمان" بثبات فطرحت سؤالًا آخرًا ذا مغزى:

-يا ترى ضعفت قدامه وقولت له على مكانها ولا رفضت تقول له زيّ ما اتفقنا؟!.

أنارت ثغره ابتسامة عذبة فأضاف:

-عايزة الصراحة، ضعفت قدامه يا بنتي، تليد ابني لمَّا قلبه بيتعلق بحاجة بيوصل لها ولو بعد مية سنة، فقررت أريحه من التفكير وأقول له على مكانها.

رابعة بشرود تسأله:

-تفتكر هيلاقي راحته في الإجابة وهيبطل تفكير فيها!!

أومأ "سليمان" سلبًا وأجاب بإيجاز:

-مش هيفكر إلا فيها.

مرَّ الزمان وأضحى الفارق الزمني بين هذه الذكريات وما بعدها أكثر من عشرين عامًا.

••••••••••••••••••


ظلت تعدو بأقصى سرعة لها كفرس يعبوب لا يُمكنك كبح جماحه، قصدت سيارتها المُصطفة في رأس الشارع ثم ركبتها وانطلقت قبل أن يلحقوا بها، ارتفعت أنفاسها بهياج كبير وعيناها تبحث عن مفر قبل الإمساك بها، استحال لون وجهها بحُمرة الذعر وراحت تنظر من مرآة السيارة فتجدهم يتبعونها بالسيارة.

أغمضت عينيها لثوانٍ وظلت تُتمتم في وجل شديدٍ أن يبعث الله لها بالحل بسرعة، ظلت السيارة تُحاذيها في المسافة فتزيد هي من سرعة السيارة كي تتباعد المسافة بين السيارتين ولكنها تفاجأت بتقدم السيارة نحوها ثم رأت أحد هؤلاء الرجال يطل من النافذة ثم يقول بلهجة صارمة:

-وقفي العربية وانزلي!.


ابتلعت ريقها على مهل ثم تظاهرت بالجدية والثبات وصرخت فيهم بحدة:

-إنتوا مين وعايزين مني أيه؟!.


في تلك اللحظة، التقط الرجل مسدسه ثم شهره نحو نافذة سيارتها وراح يهددها بصوت رخيمٍ:

-قولت لك وقفي العربية، يلا!.


انتفض جسدها بفزع فأومأت لا إراديًا حتى تتقي شره وما ينوي الإقدام عليه، تظاهرت بوضع قدمها على دواسة السيارة ولكنها في الحقيقة قد زادت من سرعة السيارة أكثر عن ذي قبل علها تلوذ بالفرار وتنجو بحياتها ثم أغلقت زجاج النافذة على الفور.

-استرها معايا يارب، أنا معملتش حاجة وحشة في حد!.


صرخت بأنفاس مُتحشرجة ثم بحثت عن هاتفها طويلًا رغم تواجده أمامها مُباشرة ولكن ما تمر به الآن أفقدها التركيز وشل تفكيرها، التقطته بأنامل مُرتجفة جعلتها لا تقوى على كتابة كلمة المرور حتى!.

رفعت رأسها تنظُر للطريق فجحظت عيناها ثم صرخت في صدمةً وهي تجد السيارة تقف على حافة النهر تمامًا ولو أنها لم تفرمل في الوقت المناسب لسقطت في الحال، التقطت أنفاسها اللاهثة على الفور ثم استدارت برأسها تتفقد تتبعهم لها وكانت الصدمة الكُبرى هي اصطفاف واحدة من السيارتين خلفها وقبل أن تُبدي رهبتها من الموقف وجدت الدفعة الوحيدة التي احتاجتها السيارة كي تسقُط في الماء ولم يمهلها الوقت أن تصرخ مُستغيثةً حتى!.


قامت السيارة بدفع سيارتها حتى سقطت في الماء ثم فروا بسرعة قبل أن يتم القبض عليهم، كانت تجلس داخل سيارتها حبيسة تنتظر الدقيقة الأخيرة من موتها ولم تُبدي سوى ردة فعل وحيدة (جحوظ عينيها مع بكاء صامت)، مرَّت هذه اللحظات عليها وكأنها دهر طويل لا نهاية له حتى بدأ الأكسجين يتسرب من حولها ولكنها في هذه الثانية رأت شبح رجل يأتي من هناك ويقصد طريقه إليها، كان يسبح بسرعة شديدة وعلامات الخوف بادية في نظرة عينيه فحاولت أن تمد ذراعيها نحو النافذة وبدأت تطرق عليها باستغاثة ولكن السيارة في هذه اللحظة قد امتلأت بالماء حتى وصل إلى عُنقها ونقص الأكسجين بصورة كبيرة فأصاب رأسها الدوارُ وأوجدت صعوبة في التنفس حتى أُغشي عليها.


اقترب بسرعة جامحة من النافذة ثم بدأ في تحطيم زجاجها بكُل ما أوتي من قوة، لحظاتٌ وانفجر الزجاج فأسرع بإحاطة خصرها ثم سحبها إليه وكان أول شيء يفعله بعد استقرارها بين ذراعيه أنه رفعها للأعلى كي تخرج رأسها عن حيز الماء وتبدأ في التنفس مرة أخرى ثم لحق بها وراح يسحبها نحو الشط مُزمجرًا باختناق شديدٍ.

-تفتكر عايشة ولا ماتت؟؟؟.

هتف "نوح" بقلق بالغٍ، فيما مال "تليد" نحوها ثم بدأ يضغط على صدرها مرات متتالية كي تلفظ الماء الزائد عن حاجتها خارج جوفها وبنبرة متحشرجة صاح:

-أُترُج!!.

قطب "نوح" ما بين حاجبيها ثم تساءل متوجسًا:

-إنتَ تعرفها يا تليد؟؟؟

أغمض عينيه يتمالك غضبه الحارق في هذه اللحظة، ولكنه سمع صوت صديقه يقول مرتاعًا:

-دي باين عليها ماتت!!.


قدح الغضب من عينيه فأسرع بالقبض على ياقة صديقه ثم صاح مُتشنجًا بصوت أجش:

-متقدرش البلى قبل وقوعه يا نوح!.. تمام؟.


ابتلع "نوح" ريقه بصعوبة ثم أجابه بتوتر:

-طيب حاول تعمل لها تنفس صناعي!!.. أنقذها بأي طريقة؟؟؟.

تليد وهو يطرد هذه الفكرة عن رأسه ثم يصيح فيه بلهجة حازمة:

-كلم الإسعاف بسرعة وبطل رغي!.

انصاع "نوح" فورًا، قام "تليد" بنزع سترة بذلته ثم رفعها عن الأرض قليلًا حتى ألبسها إياها، مدد جسدها بالأرض مرة ثانية وظل يضغط على صدرها بصورة أكبر ولمدة دقائق مُتصلة حتى انتفض جسدها فجأة وراحت تتقيأ كمية لا بأس بها من الماء.

انفرجت أسارير وجهه من بعد كربٍ، ابتسم بامتنان وهو يرفع وجهه للسماء ثم التفت إلى صديقه وأضاف بحزم:

-بدأت تستعيد وعيها، إنتَ لقيتها على الشط صدفة واتصلت بيهم، اوعي سيرتي تيجي في الموضوع، أنا هراقب الوضع من بعيد مش عايز أكون في الصورة، اوعي تتخلى عنها لحظة، خليك معاها لحد ما تفوق وتبقى أحسن، سايبها أمانة عندك!


كشر "نوح" في حيرة ثم قال مستفسرًا:

-ليه؟!.

ربت "تليد" على كتفه بحسم ثم قال وهو يبتعد قبل أن تتيقظ للأمر:

-موضوع يطول شرحه، هتابع عن بُعد.


بدأ يبتعد عنهما بخطوات سريعة وثابتة ولكن روحه لم تستطع الابتعاد عن التشبث بقربها الذي لطالما أراده شغوفًا ضعيف القوة في صغره، ظل يستدير برأسه بين الثانية والأخرى كي يُطالعها بافتقاد ملتهبٍ، أطال النظر في ملامحها الساكنة وتذكر نظرتها إليه أسفل الماء بهاتين العينين السماويتين، هل يا تُرى سوف تتذكر أنها رأته أسفل الماء؟! أم أنها لم تكُن في وعيها الكامل حتى تُدرك لحظة كربية وما حدث فيها؟؟ وَد لو تفقد الذاكرة تجاه هذه اللحظة تمامًا.

وَد لو تنسى هي ويتذكر هو كُل ذكرى جمعته بصغيرته الناعمة ذات البشرة القُطنية وهي تحبو إليه بضحكة بريئة وعينان سماويتين يملأها الشعور بالأمان والطمأنينة، ارتجف قلبه برعشة ثم ودعها بنظرة أخيرة قبل أن يتوارى عن الأعين، وجد حائطًا في طريقه فقرر التخفي ورائه لمُتابعة الحدث بقلب مُلتاعٍ لا يجد سوى هذا الحل وكيلا يراه أحد فتبدأ الشائعات حوله وتتزعزع مكانته كنموذجٍ جيد يُحتذى به لاقى شُهرة ونجاح كبيرين.


أراح جسده على الحائط وأرخى رأسه بهم ثم تلمس منطقة قلبه بأنامله، ابتلع مرارة حارقة في جوفه رغم انتفاضة قلبه الثائرة مذ أن رآها والتي اشتعلت بقربها الذي لم يذقه منذ أكثر من عشرين عامًا؛ لم يذق سوى المُر في تقفي أثرها عن بُعد دائمًا.


ذهب عقله إلى اللحظة التي تحدث إليه والده فيها بنبرة صلبة لا تقبل النقاش؛ فقال بحسم:

-اوعدني، إنك تنساها وتركز في حياتك وتنسى إنها كانت بينا في يوم، اوعي تقول دي حقي وملكي تاني يا تليد، الإنسان مش ملك حد غير ربه، بطل تراقبها كُل يومٍ يا بني، خليك واثق في قدر ربك؛ لأنه لو رايد لكم تجتمعوا.. هيحصل بس كُله متروك للوقت وتدابيره عز وجل.

شعر بسقوط عَبرة ساخنة على خده أعادته إلى الحاضر فورًا، تنهد بصبر ثم امتد عنقه للأمام قليلًا يتفقد حالها الآن!!!!!


تكملة الرواية من هنا

 

الروايات الأكثر قراءه 👇👇


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


الصفحه الرئيسيه من هنا


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


سكريبت يامرسال الهوي


سكريبت كامل


سكريبات كامله


رواية عشق الحور


رواية زهرة الياسمين


رواية زواج بالقوه


رواية الحب في زمن الحرب


روايات حصريه وجديده


رواية جريمه لاتغتفر


روايات حصريه وجديده


رواية تغيرت لأجلها


رواية زواج بالغصب


رواية قاصر وصعيدي


رواية حب ضايع



رواية نسمتي البريئه



رواية زوج ماما ولكن



رواية حكاية ليل



رواية باعني من احببت



رواية دبحت لحماتي القطه



حماتي عاوزه تجاوز



رواية القسوه



قصة صاحب الحيله



قصة عريس الهنا ياسعدي أنا



تزوجت زوجي وليس في الوجود مثله



نوفيلا بكاء في ليلة عرس



رواية عنيده ولكن



نوفيلا فطين وفطنطن



رواية ملكة الجبال



رواية ميراث الدم



رواية عشق الذئب



رواية كنت لي الدواء لقلبي



رواية رحماء بينهم




إرسال تعليق

أحدث أقدم