رواية أسرت قلبه الفصل الحادي عشر حتى الفصل السادس عشر بقلم سولييه نصار حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

 رواية أسرت قلبه الفصل الحادي عشر حتى الفصل السادس عشر بقلم سولييه نصار حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


رواية أسرت قلبه الفصل الحادي عشر حتى الفصل السادس عشر بقلم سولييه نصار حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


الفصل الحادي عشر (تخضع للإبتزاز)

رأت بريق الدموع الشفاف في عينيه وازدردت ريقها وهي تشعر بالألم يعصف بها ...رباه لقد رأى كل شئ ...سمع كل شئ ....عرف ما كانت تحاول تهرب منه أنها تحب صالح ...وان طوال الوقت حاولت أن تحبه...ولكنها فشلت ...لقد طعنته هي أيضاً....لم تتخيل ابدا ان تكون المرأة التي سوف تؤذي سيف مرة أخرى....

كان سيف ينظر إليها بصدمة ...لقد اذته اخر امرأة من أنها قد تفعل هذا ...لقد أعطاها قلبه وهو مطمئن أنها سوف تحافظ عليه ولكنها خانته ...اقترب منها ..ينظر إلى وجهها ...دموعها كانت تهطل بغزارة...تنظر إليه...تطالب بالغفران...تجعدت ملامحه بإشمئزاز قتلها ...أرادت أن تنفي عنها كل الاتهامات ولكن هل تُكذب الحقائق...هل تنكر أنها خائنة ...هل تتجرأ من الأساس على تكذيب الحقائق ...والإجابة كانت واضحة ...لا بكل تأكيد ...هي مذنبة ...اخطأت بحقه ...ابتلعت ريقها وهي تحاول تشكيل الكلمات على شفتيها ولكن لسانها كان يخذلها في كل مرة تحاول فيها الدفاع عن نفسها ....

بدأ هو بالكلام وقال:

-توقعت من الكل الخيانة الا أنتِ يا نوال !! للاسف أنتِ زيهم كلهم ...متفرقيش عنهم ..

هزت رأسها ودموعها تنهمر بقوة ولكنه لم يشفق عليها وقال:

-اكيد لما شوفتي المشاكل بيني وبين بابا قولتي اكيد هيحرمني من ثروته وتروحي لضحية تانية يكون مغفل زيي ...يظهر انك نسيتي أنا اللي لميتك من الزريبة اللي كنتِ عايشة فيها...بس فعلا الرخيص بيفضل طول عمره رخيص....

هنا لم يتحمل صالح أكثر من هذا وأمسكه من قميصه القطني وهو يصرخ به:

-أنت ازاي تتكلم معاها  بالطريقة دي ؟!!

قم كادا ينخرطا في عراك إلا أن نوال أبعدت صالح عنه وهي تصرخ به بقوة :

-خلاص ابعد عنه سيبه ...امشي من هنا واطلع برا حياتي !!!..

بهت صالح وهو ينظر إليها ....ظل متصنماً مكانه  وهي تصرخ به بتلك الطريقة ...ازدرد ريقه وهو ينظر إليها ...كم كان مصدوماً متألماً ......

-ابعد انت السبب في كل حاجة ...امشي !!!

قالتها بغضب والدموع تطرف من عينيها ....

نظر إليه بجمود ثم انسحب بالفعل ....نظرت الى سيف الذي كان ينظر إليها بقرف وقال:

-فعلا رخيصة ....

شهقت وقالت بصوت مختنق:

-سيف متقولش كده ...ابوس ايديك متقولش عليا كده ...انت بالذات مش هتحملها منك ....

ابتسم بسخرية وقال:

-دي حقيقتك يا نوال....اللي تخون الراجل اللي حبها وكان مستعد يعمل اي حاجة عشان يبقى معاها يبقى رخيص وأنتِ رخيصة ...رخيصة أووي ....وللاسف دلوقتي أنا بضيع وقتي مع واحدة زيك....بس هنساكي يا نوال ...انتِ متستحقيش حتى اني اكرهك !!!

ثم تركها وذهب ليعلو صوتها بالبكاء وسط الشارع دون أن تهتم بالنظرات الفضولية من حولها ...شعرت حينها أن قلبها يُنتزع من مكانه ...لقد خسرت سيف ....سيف رغم أنها اكتشفت أن حبها له لم يكن حقيقي ولكنه كان اغلى شخص على قلبها ......كان الشخص الذي وقف بجوارها عندما تخلى الكل عنها....وكانت هي اغلى ما يملك ...كيف فعلت هذا ...كيف دمرت شئ بهذا الجمال !!!

.....

كان يقود سيارته بسرعة والدموع تنهمر من عينيه ..كان يشعر وكأن احد طعنه في قلبه ....والتي فعلت هذا هي أغلى إنسانة بحياته ...تلك المرأة التي كان مستعد للتخلي عن كل شئ من أجلها ...كم هو سئ الحظ كل ما يحبه يتركه...كل من يتعلق به يخونه هل كُتب عليه أن يكون تعيس طوال حياته !!!!

فاضت الدموع من عينيه ثم اوقف السيارة فجأة وهو ينهت بقوة ....ثم أخذ يضرب المقود بقوة وهو يبكي ويصرخ !!

،..........

-أنت...انت جايبني هنا ليه؟!

قالتها بصوت مرتجف والدموع تلسع عينيها بينما تنظر إلى غريمتها ...أليس لديه اي قلب ليفعل هذا بها ...يؤتي بها حتى منزل حبيبته ...أليس لديه مشاعر ....كانت تتنفس بعنف وهي تشعر بأنها مهددة أن تبكي في اي لحظة. ...

كادت أن تذهب...أن تهرب ...لا يمكنها أن تواجه الأمر ...لا يمكنها أن ترى نظرات العشق في عينيه وتصمت ....ولكنه أمسك كفها قبل أن تذهب وقال :

-استني لازم اقول اللي عايزه وبعدين قرري .....

كان وجه سيلا مكسو بالحيرة ...كانت حقاً لا تفهم ماذا يفعل ....

نظر إليها جورج فجأة .... عينيه أسرت عينيها للحظة .... الذكريات في قصتهما كانت الأقسى ...احيانا تكون الذكريات الجميلة نيران تشب في القلب وهذا ما كان يشعر به في تلك اللحظة ...ذكرياتهما الجميلة كانت تحرقه ...أخذ يتساءل لماذا لم تكن له ...لماذا انفصلا ....لقد عشقا بعضهما ولكنها ظلمته .. وهو بدوره ظلم ماريانا ..ولكنه الآن انسان ناضج متزوج ...وهو ليس برجل خائن ...رغم أنه لا يحب ماريانا ولكنه لن يخونها ...لن ينجرف بمشاعره نحو سيلا ...لن يُخطئ ....تنهد وقال :

-انا جاي عشان احط النقاط على الحروف ....جاي عشان اريح الكل من التشتت ....

كلاهما كانا ينظران إليه بحيرة ....دموع ماريانا هزمتها وانسابت على وجنتيها ....لن تتحمل ما سيقوله ...بالطبع سيخبرها أنه يحب سيلا ....بالطبع سوف يتركها !!!!هذا ما فكرت به.رغم تأكدها من الأمر إلا أن يحدث هذا أمامها فهو عذاب من نوع اخر .....

-انا عايزة امشي ...

قالتها بهياج وهي تحاول أن تفلت من بين يديه ولكنه كان يقبض على كفها بقوة ويقول :

-مش هتمشي الا لما اقول اللي عايزه ...الموضوع انتهى يا ماريانا ...لازم تسمعي الكلام اللي أنا هقوله ...لاني هقوله لآخر مرة ...فاهماني ....

تحولت نظراته إلى سيلا ...عينيها الزرقاء كانت ترمقانه بذهول بينما تشعر وكأن ما سيقوله لن يعجبها...تشعر أنه سيحطم قلبها الان ....ابتلعت ريقها وهي تنتظر بخوف ما سيقوله ...

-انا متجوز يا سيلا...وأنتِ عارفة كويس أن شخص زيي مستحيل يعمل حاجة غلط او يخون اللي متجوزها....

لسعت الدموع عينيها ونظرت إليه بصدمة وقالت :

-أنت بتحبني أنا ....

ضغطت  ماريانا على أسنانها بقوة ...تلك الحقيقة تقتلها ....تمنت أن تكون في تلك اللحظة مكان سيلا ...تمنت أن يحبها جورج ...وان ينظر إليها بنفس الطريقة التي ينظر بها إلى سيلا ....

-مهما كانت حقيقة مشاعري ده مينفيش حقيقة واضحة يا سيلا ..اني راجل متجوز ...وماريانا هي الست اللي هكمل معاها واجيب منها عيال كمان ...هي اللي هعجز معاها  وهموت معاها...ماريانا وبس ...

سالت الدموع من عينيها وقالت بصوت مختنق :

-وأنا ؟!

-أنتِ ملكيش تعريف في حياتي ...أنا مراتي هي ماريانا ...دي الإنسانة اللي حلفت اني مخونش ثقتها ابدا واهتم بيها ...ودي الإنسان اللي وقفت جنبي....

وضعت كفها على قلبها ...كانت تشعر أنها سوف تموت وهو يتكلم بتلك الطريقة ...

-وقلبي ...قلبي اللي اتكسر بسببك ...

-افتكري انك اللي في البداية قررتي تكسري قلبك وقلبي .... رجوعك مش هيغير حاجة يا سيلا ....أنا حبيت بس اقول الكلمتين دوول عشان متحاوليش تاني ...محاولاتك كلها هتفشل وأنتِ اللي هتزعلي في الاخر ....

قال كلمته الأخيرة واستطاع اخفاء انفعالاته خلف نظراته الجليدية 

ثم سرعان ما سحب ماريانا خلفه وهو يذهب بينما هي في حالة ذهول غريبة ....

......

-ها يا رحيق قولتي ايه يا بنتي؟!مش مش شارط الجمال خالص 

قالتها وفاء بإرتباك وهي تنظر الى رحيق بعد أن انفردت بها في استراحة الغداء ....نظرت رحيق إليها وهي تخفي دموعها...صحيح انها تعرف وفاء جيدا وأنها لا تقصد هذا ولكن كلمتها تلك ضربتها في الصميم ...بسبب كلام الجميع عن شكلها أصبحت ترى نفسها حقاً قبيحة ...تدمرت ثقتها بنفسها ....فركت كفيها لتمسك وفاء كفها وقد استوعبت اخر جملة قالتها ..ثم استرسلت بلطف :

-على فكرة أنتِ حلوة اووي ....بجد مش كل الناس بتشوف كويس عشان تعرف قد ايه أنتِ جميلة.... وعاصي بيه اكيد في يوم من الايام هيحبك لما تعاملي بنته كويس يا رحيق يا بنتي ...أنتِ هتتجوزي واحد ملياردير ...يمكن يكون ده العوض ليكي فكري كويس ....

هزت رحيق رأسها وقالت بإختناق :

-حاضر هفكر ....

ابتسمت وفاء وربتت على كفها وقالت :

-ربنا يوفقك يا بنتي ....وانا هبعتلك صورته على الواتس فكري عليا وردي بكرة الراجل مستعجل ...

ابتسمت أسفل نقابها بإنكسار...أنها تشعر بالذل...وكأن ليس لها قيمة ...كي تتزوج وتتخلص من لقب العنوسة لابد أن تتنازل ....عينيها وقفت برهة على مؤيد الذي كان يتكلم ببساطة مع أحدي المعلمات الجديدة ....حتى الشخص الوحيد الذي ظنت أنه رأى شئ مختلف فيها ...رفضها بسبب والدته والآن يتقرب من امرأة أخرى ...هي صحيح لم تكون أي مشاعر له ولكن هذا الأمر احزنها...تمنت أن يحبها أحد ...أن ينظر إليها بحب  ...يخبرها فقط أنه يحبها وهي تقسم أنها كانت شوف تعطيه حياتها ليس قلبها فحسب ...ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ...فكرت ببؤس ....ربما لن تحصل على الحب ابدا ...ربما تلك السعادة ليست من نصيبها

............

في قاعة المحاضرات ...كانت تدون بنشاط كل ما كان يقوله ...صغيرها مع جارتها ترعاه ....أنها تدعو لها دوما لأنها تساعدها...فحينما تذهب للجامعة هي تجالسه مع أطفالها..  العالم ما زال بخير ...

فكرت وهي تشعر براحة البال ... فجأة توترت عندما وقعت أنظار الدكتور يوسف عليها شعرت بأن دقات قلبها أخذت في الازدياد ....لا تعرف لماذا ينظر إليها بتلك الطريقة .....هو يكرهها بطريقة لا تفهمها حقاً. ....ابتلعت ريقها هي تضع رأسها أرضا ليكمل هو كلامه وعينيه لا تتركها .... لا يحب تلك المرأة ...لا يعرف لماذا ولكن وجودها يستفزه ....تثير أعصابه بشده ...هذا شئ لم يختبره من قبل خاصة وأنها لم تفعل شئ خاطئ لكي يعاملها بتلك الطريقة.....

شعرت ماجدة بإهتزاز الهاتف الصغير في جيب بنطالها. ...توترت أكثر ونظرت الى يوسف لتجده ينظر إليها ...لما نظراته مثبتة عليها لماذا ....أرادت أن ترد على الهاتف ...لابد أن تلك هي جارتها....رباه يجب أن ترد ...لكنها حتى لا تمتلك الجراءة لتطلب منه أن تخرج وترد على الهاتف لمده دقائق ...الجميع يفعل هذا ...ولكن لا تعرف لماذا يخيفها هو ......

رفعت كفها بتردد وقالت؛

--بعتذر يا دكتور ممكن ارد على التليفون ....

نظر إليها دون رضا للحظات ...لدرجة أنها ارتعشت بقوة ولكنه قال اخيرا بفظاظة :

-أطلعي برا وردي هي دقيقتين وتيجي تاني فاهمة .....

هزت رأسها وخرجت من قاعة المحاضرات وردت على جارتها ....

لحظات ودخلت قاعة المحاضرات مرة أخرى وهي تهرول مثل المجنونة...

-ايه اللي بتعمليه؟!

هدر يوسف بغضب وهو يراها تلملم أشياؤها وتكاد تخرج ....وقف أمامها فجأة وهذا التصرف منه صدمه اكثر مما صدمها ...

-خير رايحة فين ...لو طلعتي متحضريش محاضراتي تاني ...

-مش عايزة احضرها ...

قالتها وهي تتجاوزه وتخرج بينما الدموع تغرق وجهها!!!

.........

-كانت بتقولك ايه الست دي ؟!

قالتها مادونا وهي تجلس بجوار رحيق بعد أن ذهبت وفاء ...هزت رحيق  رأسها وهي تقول ببهوت:

-مكانتش بتقول حاجة ؟!.

نظرت إليها مادونا بدون تصديق ولوم لتتنهد رحيق وتقول :

-جايبالي عريس ... 

-تاني !!!مش كفاية اخر مرة ...والعريس المرة دي عنده كام سنة سبعين !!!!

قالتها مادونا بغضب لتتمتم رحيق:

-عنده ستة وتلاتين سنة !

توسعت عيني مادونا وقالت:

-قولي والله ...

هزت رحيق رأسها لتقول مادونا بدون تصديق :

-مستحيل ... اكيد فيه حاجة غلط ...الست دي كل اللي بتجيبهم ..اكيد في مشكلة في شكله أو جسمه ...شوفتيه يا بت قبل ما تتدبسي ...

ضحكت رحيق رغماً عنها وقالت :

-أنتِ مصيبة ...عارفة كده ولا لا ...

-عارفة ..عارفة ..المهم شوفتيه....

كادت أن ترد الا ان صوت قدوم رسالة على تطبيق الواتس أب جعلها تتوقف ...نظرت إلى الهاتف وابتسمت وهي تقول.:

-اهي الست وفاء بعتت صورته ...

-عايزة اشوفه ..عايزة اشوفه ..

قالتها مادونا بحماس لتضحك رحيق بتعب وتفتح لها الهاتف لكي تنظر إلى الصورة دون أن تكلف نفسها وتراه ...توسعت عيني مادونا بإعجاب وافلتت منها صرخة صغيرة وهي تقول:

-اتجوزيه ...بجد اتجوزيه...ايه العيون الحلوة دي !!

عبست رحيق وهي تدير شاشة الهاتف لتراه ...توسعت عينيها وهي تنظر إلى  اوسم رجل ؤأته في حياتها ...شهقت بالفعل بخفوت وهي تنظر إلى عينيه الزرقاء الحاده...شعره الاسود الطويل قليلاً وملامحه القوية....غضت الطرف عنه وهي تغلق هاتفها بينما أمسكت مادونا كفها وهي تصرخ بها :

-وافقي بجد وافقي يا رحيق ...

قالتها مادونا بحماس لتبتسم رحيق بحزن...لو فقط تعرف الحقيقة بالطبع لن تكون متحمسة لتلك الدرجة .  بل ستوبخها على الطريقة التي تريد إلقاء نفسها بها إلى أي رجل. ..والمبرر التخلص من لقب كريه بات يلاحقها ...ولكنها هل تجرؤ على اخبارها الحقيقة ...بالطبع لا ....هي لن تستطيع فعل هذا لا تريد أن ترى نظرات الشفقة بعينيها...هي لن تتحمل هذا ...لن تتحمل التوبيخ أو كلمات المواساه منها أنها جميلة ...أنها تستحق الافضل ...لقد اقتنعت أنها لم تحظى بالجمال ...وهذا لا يضايقها بعد الان ...هي تقبلت نصيبها .. ولكن ما لا تستطع تقبله هو كلام الناس ...اقرب ما لها يقتلونها بنظراتهم قبل كلماتهم وهي لن تنسى أبداً ما قالته لها نوران منذ يومين !!

.........

-نوران كنتِ بتكلمي مين ؟!

قالتها رحيق بشك بعد أن ولجت لغرفة نوران وسمعتها وهي تقول لأحدهم أنها تحبه ... 

احمر وجه نوران وصرخت بها :

-أنتِ ازاي تدخلي اوضتي من غير ما تخبطي على الباب مش هتبطلي عادتك الزفت دي ولا ايه ؟!!ولا خلاص عشان امي بدأت تعاملك حلو هتتفرعني؟!!!

-أنا سألتك سؤال يا نوران وعايزة إجابة لو سمحتي ...كنتِ بتكلمي مين ؟!

نظرت إليها بصدمة لوقاحتها ثم ضحكت وقالت:

-بجد مش مصدقة كمية الوقاحة بتاعتك...مين أنتِ عشان تهدديني ...ملكيش دعوة ...ملكيش فيه ...بطلي برود بقا وتحشري مناخيرك في اللي ملكيش فيه ....

كلماتها اوجعتها ولكنها لن تستسلم...نوران ترتكب خطأ ما وهي لا يمكنها أن تسكت ....

-نوران متخلنيش ألجأ  لأمجد لو سمحتي قوليلي مين اللي كنتي بتقوليله الكلام ده ...

انفجرت فجأة بها وهي تصرخ :

-أنت إنسانة غلاوية وحقودة صح ....عايزة تقولي لأمجد قولي بس مش هيصدقك عارفة ليه لاني انا مش من نوع البنات دي وهيعرف انك بتتبلي عليا عشان غيرانة مني أنا ....

-انا غيرانة منك ؟!أنا خايفة عليكي ...

قالتها رحيق بصدمة لتبتسم هي بسخرية وتقول :

-ايوة غيرانة مني ...لاني كذا عريس يتقدملي لكن أنتِ مفيش حد اصلا بيبصلك ولا هيبصلك ....اخرك أما هتقعدي وتخللي اكتر ما أنتِ مخللة أو هتلفي على راجل متجوز زي أمك !!!

عادت من شرودها وهي تتنهد ..لقد أذتها كثيرا نوران ولكن رغم هذا رحيق قلقة جدا عليها ....هل  يمكن ان ترتكب نوران خطأ بحق نفسها ....وهل أخطأت عندما لم تخبر شقيقها ...للاسف أمجد الآن يواجه مشاكل مع عائلة خطيبته وهي لا تريد أن تزيد المشاكل عليه ولكنها خائفة ...الطريقة الوحيدة هي أن تتقرب من نوران لكي ترشدها للطريق الصحيح


........

-أنت بقالك فترة بعيد ...بطلت تسأل أن تيجي البيت من ساعة ما ماما اتكلمت معاك في الموضوع بتاع الشقة...

قالتها أريام لأمجد الذي يدفع رأسه في الملف الذي أمامه ...هو لم ينظر إليها حتى وهذا حطم قلبها بالفعل ...لم يرد عليها وبقا متجهما ...لسعت الدموع عينيها وهي تقول بصوت مختنق :

-انا اسفة أن ماما اتكلمت معاك بالشكل ده ...بس الحقيقة دي كانت رغبتي أنا لما روحت بيتكم محبتش المنطقة هناك ...فكر فيا ومستقبلنا وأولادنا إن شاء الله ازاي هيتربوا في المكان ده....

نظر إليها فجأة ...عينيه العسلية كانت مشبعة بالبرود...زم شفتيه وهو يحاول تمالك نفسه ...ثم قال اخيراً:

-افندم مالها المنطقة بتاعتنا ....لا فيها مجرمين ولا حاجة وكلنا جيران وقرايب هناك ...أنا معرفش ليه تدخلي والدتك لما كنتي قادرة توضحي وجهة نظرك ليا ونوصل لحل....لكن كون تدخلي والدتك في شئ بسيط زي ده ...يبقى ازاي اديكي الامان تحافظي على سر بيتي ....

بهتت وهي تنظر إليه وقالت بإرتباك:

-انا بس ...أنا ....

-أنتِ افتكرتي لما والدتك تقول لاما تجيب شقة أو تفسخ الخطوبة كده بتلوا دراعي بس للاسف أنا مش من النوع اللي بتهدد ...لو كنتي اتكلمتي بهدوء معايا كنت هحترمك ...لكن أنتِ بتنهي اللي بيننا بسرعة

شحب وجهها بشكل أكبر وقال :

-ت...تقصد ايه ؟!

-اقصد اني مضطر افكر مرة تانية في موضوع جوازنا ده !!!!

.......

-اتفضلي ...

قالها بهدوء وهو يفتح الباب ...ولجت للمنزل وما زالت علامات الدهشة على وجهها ....

اتجهت بآلية إلى غرفتها ولكنه أوقفها بصوته الجامد وهو يقول :

-استني لو سمحتي محتاج اتكلم معاكي شوية ...

توقفت واستدارت ونظرت إليه ...ثم ضربها الإدراك ...هو لم يفعل ما فعله من أجلها ...بل من أجله....نعم هو اتخذها درع ليحمي نفسه من تأثير سيلا ...التفكير في هذا جعلها تشعر بالغثيان ...حقيقة أنه تم استغلالها من قبل الإنسان التي أحبته كانت تقتلها ....كان الغضب يتصاعد داخلها كبركان خطير على وشك تدمير كل شىء..وجدت نفسها تمسك سكين صغيرة كانت على الطاولة ملقية بإهمال ثم رمتها نحوه ...تدارك الأمر في آخر لحظة وابتعد....ثم اتسعت عينيه الزرقاء بصدمة وبريق مخيف ثم هدر بها:

-أنتِ مجنونة !!!كنتِ هتموتيني؛!!!

-وانت لسه شوفت حاجة يا عديم الشرف !!!

صرخت به ليبهت ويقول بصدمة :

-عديم الشرف ...

ثم تراجع بصدمة وهي تتقدم نحوه تنوي خدشه بوجهه ... أمسك كفها وصرخ بها ؛

-بس خلاص كفاية يا ماريانا ايه اللي أنتِ بتعمليه ده !!!

-أنت لسه شوفت حاجة ...أنا هقتلك ....أنا هموتك وأخلص منك ....

كانت تصارعه بإهتياج....كان الغضب يعمي عينيها ...لا يهم حتى لو قتلته طالما سوف تفرغ غضبها ....هذا الحقير يفقدها صوابها !!!

كان يحاول هو أن يمسكها ...يهدئها كي لا تتأذى....كان حقاً خائف عليها وهي بتلك الحالة ....اخيرا استطاع السيطرة عليها وقام يإدارتها ثم جذبها نحوه حتى اصطدم ظهرها بصدره ثم حاوط خصرها وهو يقول بلطف:

-اهدي يا ماريانا...خافي على صحتك ...لو مش عشان نفسك يبقى عشان اللي في بطنك ...

توسعت عينيها بصدمة بالغة ...ولسعت الدموع عينيها ...هو يعرف ...يعرف انها حامل ..لهذا أتى ...لهذا فعل كل هذا....هي لك تكن أبدا في حساباته ....هو حقاً لا يهتم بها .....سكنت بين ذراعيه بينما دموعها أخذت تنساب من عينيها ...وشهقاتها الخافتة تخرج من بين شفتيها .....

-أنت عرفت !!

-اغمض عينيه وهو يدفن وجهه في شعرها ويقول:

-ايوة ...الدكتورة اللي روحتي كشفتي عندها تبقى زميلة ليا ...وهي اللي قالتلي ...كنتي عارفة أن الموضوع مش هيبقى سر ...خبتيه عليا ليه ....

لم ترد بل أخذت تبكي بشكل أقوى

أدارها بلطف وهو يمسح دموعها ...كان يشعر بالشفقة عليها ...لقد عانت الكثير وهو السبب لن ينكر الأمر ...عانق وجهها وهو ينظر إلى عينيها ...يعد ما يقوله جيداً...سيطبق ما قاله لسيلا....ماريانا هي زوجته وكفى ...وكما أنها والدة ابنه القادم ...لن يدمر حياته بسبب مشاعره تلك أبداً 

-مش هقول اني بحبك لأن دي هتكون كذبه وأنتِ متستحقيش الا انك تعرفي الحقيقة ...بس كلامي قدام سيلا انك مراتي ومش هخونك صح مية في المية ...أنا عايز ابني حياتي معاكي ومع ابني ...مش عايز ابني يتحرم مني ولا أنا اتحرم منه ....

-هتعيش معايا وانت مش طايقني ولا بتحبني ؟!كل اللي فشلت اعمله الفترة اللي فاتت فشلت فيه ..بس كون اني حامل اخيرا قررت سيادتك تدينا فرصة عشان جوازنا...ومفروض أنا افرح واسكت ...

ابتلع ريقه وقال:

-أنا عايزك !!!.

توسعت عينيها بصدمة ليجذبها نحوه وهو يدفن يديه في شعرها :

-عايزك فاهماني ...

كانت ترتجف بين ذراعيها بصدمة ....زادت صدمتها وهو يهبط بشفتيه ليقبل خدها ثم تحرك نحو عنقها ليقبلها برفق .....ارتجفت ودموعها تتساقط بعنف ....

ثم فجأة ابتعدت ....ابتسمت بسخرية وهي تنظر إليه وقالت :

-بس أنا اللي مش عايزاك دلوقتي ....

ثم تركته  مصدوما وذهبت لغرفتها ....كان يفكر كيف تقاومه الآن 


.........

في اليوم التالي ....

-مش عايزة اتجوز ...قولتلك مش عايزة اتجوز ...

قالتها جيلان وهي تبكي ....وجهها الابيض احمر من الانفعال وتلهث بقوة بينما الدموع تلطخ وجهها...

-يا بنتي اسمعي بس ....

قالتها والدتها بتعب ولكن جيلان هزت رأسها :

-يا ماما قولتلك مش عايزة اتجوز...

-مين اتكلم على جواز يا بت المجانين انا بقول بس تقعدي مع العريس اللي جالك ....مش بتكلم على جواز خالص ....

-مش عايزة اقعد معاه ومش عايزة اتجوز ...ومش هتجوز ....

أمسكت شربات ذراعها وهي تقول :

-يعني ايه الكلام ده يا بت أنتِ هتفضلي طول عمرك تبكي عليه ؟!هو خلاص خطب وهيتجوز وأنتِ هتعنسي يعني ؟!!فاكرة لما تعملي كده هيبصلك ولا هيهتم اصلا فوقي...أنتِ بالنسبة لأمجد مش اكتر من أخت ....عمره ما هيشوفك غير كده ....امجد شايفك لسه عيلة صغيرة ...وبعدين هو اكبر منك بكتير يا بني....اتجوزي واحد قدك ....

-كفاية يا ماما ...كفاية ...

قالتها بنحيب ثم أكملت :

-حرام عليكي أنا بموت هنا وأنتِ بتقتليني بكلامك ....أنا عارفة أنه مش هيبصلي دي مش حاجة جديدة ...ومش مستنية حاجة....بس انا مش عايزة اتجوز ...قلبي مش متقبل حد دلوقتي ...استني بس شوية ...اكيد مش هقعد ك.ه واتجوز ...بس مش دلوقتي يا ماما ...خليني اخلص تعليمي الاول وبعدين نشوف الموضوع ده ....

نظرت إليها والدتها بدون رضا ....كانت حقا غاضبة من تفكير ابنتها بهذا الشكل ....لو فقط تعلم متى تعلقت به ....وكيف !!!

-مش عارفة اقولك ايه يا جيلان ....خايفة تضيعي حياتك وأنتِ بتجري ورا سراب ...أنا فاهماكي يا بنت بطني ...أنتِ لسه عندك امل فيه ...الراجل خطب وأنتِ لسه عندك امل ....

كادت أن تنفي ولكن الكلمات تجمدت على شفتيها ...ما الذي ستنفيه ...هل تجرؤ من الاساس أن تنفي ما تقوله ....هل هذا كذب ...بل هي الحقيقة بعينيها....أنها ما زالت تأمل ما زالت ترسم احلام لهما سويا في مخيلتها ....الأمر يسعدها ويجعلها تعيسة في ذات الوقت ...هي تعيسة وتشعر بالذنب لأنها تنظر إلى من ليس لها ...

أمسكتها والدتها وأخذت تهزها بقوة وتقول:

-انطقي يا بت اللي بقوله صحيح ...أنتِ بتفكري بجد لسه فيه ...لسه عندك أمل ....

انهمرت الدموع بغزارة من عينيها وقالت بصوت مختنق :

-بحبه ....بحبه ....

سقط كف شربات على وجه ابنتها ....انتحبت جيلان وهي تنظر أرضاً...كانت لا تستطيع أن تنظر إلى والدتها ....كانت تشعر بالخجل حقاً...

-انا مش مصدقة انك بنتي ...مش مصدقة انك بتفكري بالشكل ده ...الرجل خطب يا جيلان ...خطب ....ايه اللي بتفكري فيه ده ...عقلك فين ...أنتِ اتهبلتي ....ازاي عندك امل ....

نظرت إلى والدتها وزعقت :

-معنديش أمل يا ماما ...بس انا بحبه...دي حاجة مش بإيدي ...

أمسكت والدتها فكها وهي تصرخ بها وتقول :.

-بس ...بس اخرسي ..اخرسي يا قليلة الحيا...اسكتي متتكلميش....هتقابلي العريس يا جيلان غصب عنك والا اقسم بالله لا أنتِ بنتي ولا اعرفك....

ثم دفعتها عنها وذهبت بغضب لتجلس جيلان على الأريكة وتنفجر بالبكاء...قلبها يؤلمها ...لا يفهما احد....لا يريد أحد أن يفهمها.... ليتها لم تحبه ...ليتها !!!

انها تتألم بسبب هذا العشق وهو لا يشعر بها أصلا ...لا يراها...تشك انها غير مرئية بالنسبة له ...لماذا لم يحبها هي ...لماذا لم يراها ...تلك الاسئلة كانت تدور بعقلها وتؤلمها اكثر !!!ما يؤلمها اكثر انها ما زالت تأمل....احيانا تتخيل انه سوف ينفصل عن خطيبته ويرتبط بها هي ...وتلك الافكار تجعلها تشعر انها بشعة !!!

........

منذ ايام وهي لم تخرج لتناول الطعام معه ...حبست نفسها في غرفتها بعد ما حدث مع ابن خالتها ...لقد ظنت أنه سوف ينقذها ولكنه يريد الزواج منها وهي لا يمكنها أن تفعل هذا ...لا يمكنها أن تكسر قلب أخرى ....بالإضافة إلى أنها لا تحب معاذ...ولن تحبه ابدا...هي تتعافي مما فعله عمر بها .....لقد أهملت أهدافها ما أن أتت إلى هنا ...لم تكمل دراستها ولم تفعل أي شئ لكي تستقل بحياتها عن عمها ...يجب أن تكون قوية لكي تستقل بشكل كامل عنه دون أن تخاف على نفسها ...نظر إليها جلال وابتسم وهو يقول :

-اخيرا رضيتي عني وقررتي تشاركيني الاكل ...أنا مبسوط جدا ...

نظرت إليه ببرود من تحت نقابها...لم يرى وجهها ....ولكن عينيها كانت باردة للغاية ....جلست على طاولة الطعام وهي تتناول طعامها يصمت وتقول :

-انا عايزة اكمل تعليمي ....أنا كنت بدرس في حقوق بس بعد الحادثة اللي حصلتلي مقدرتش اكمل طبعا....

نظر إليها بآسف وقال:

-سامحيني يا مياس ...

أمسكت شوكتها وقالت بالامبالاة :

-معرفش هسامحك على ايه ولا ايه ...انت عملت كتير اووي....

-بس بحاول اصلح غلطتي ...

ابتسمت بسخرية وقالت:

-وغلطتك هتصلحها لما تجوزني ابنك اللي مش عاوزني ؟!

-سيف هيحميكي ...أنا مش هعيشلك العمر كله ...

-الحامي هو ربنا يا جلال به ....كنتوا بعاد عني لسنين كتيرة وعيشت اهو مموتش ولا حاجة ....جوز ابنك للبنت اللي بيحبها...متكسرش قلبه ....صدقني هيكرهك طول حياته لو عملت كده ....

كاد أن يتكلم ويرد عليها إلا أنه توقف فجأة وهو يرى ابنه يقترب منهما ....

-اهلا بيك يا بيه بقالك كام يوم مش بشوفك الا قليل...يدوب تخلص شغلك في الشركة وتجري تقفل على نفسك الباب ...ورافض حتى تقولي مالك ...قررت اخيرا تحن علينا وتاكل معايا أنا ومياس ....

رفع عينيه بتعب ونظر إلى والده ...ثم إلى مياس ...أعاد نظره إلى والده مرة أخرى وقال:

-بابا أنا موافق اتجوز مياس !!!


الفصل الثاني عشر (انفجار)

-ده اخرة اني اسيب ابني معاكي يا هانم ....الواد كان هيموت وحضرتك كنتي بتتسرمحي !!!

صرخ لطيف بها بينما هي تجلس بجوار ابنها الصغير الراقد بالمشفى ....منظره هذا يجعل قلبها يخفق بألم ....انسابت الدموع من عينيها وشهقت يخفوت وكلامها ينخر قلبها فيؤلمها أكثر ... 

قالت بصوت منخفض :

-خلاص يا لطيف ابوس ايديك خلاص ....أنا كمان بموت من القهر على ابني بعدين أنا مكنتش بتسرمح أنا بشتغل وادرس عشان اقدر اعيش ابني كويس. ...عشان يطلع ميبصش للي زيه ...مش عايزة احرمه من اللي أنا اتحرمت منه ...

نظر إليها بقسوة وهدر ...:

-انا كنت  معيش  ابني في مستوى كويس ومعيشك انتِ كمان بس أنتِ اتبترتي على النعمة ...

-انت عايز اعيش ابني على فلوس حرام ...فلوس انت بتاخدها على حساب قهر كل  ام على ابنها ...على حساب تدمير كل عيلة....فلوس تجارة المخدرات دي أنا لو هموت من الجوع أنا وابني مش هاخدها ابدا ....

ابتسم بشر وقال:

-تمام خلى ابنك يموت من الجوع أو من اهمالك...واسمعيني كويس أنا هعمل كل اللي اقدر عليه عشان اخد ابني ووقتها مش هخليكي تشوفيه ابدا ....

رفعت رأسها ونظرت إليه وقالت:

-انا عايزاك تعمل كده عشان بالأدلة اللي معايا ارميك في السجن طول حياتك ...وان كنت ناسي افكرك!!!

كانت تنظر إليه بقوة ...قوتها تلك جعلته يعقد حاجبيه بقوة  ...لم  يتخيل ابدا ان تكون هي بتلك القوة ....ان تجرؤ على تهديده هو !!!

كان حقاً مصدوم .....ولكنها تلك الادلة التي معها عليه هي من تجعلها تهدده الآن بثقة ...وللاسف الشديد لا يعرف أين وضعتها ولكنه متأكد انها اعطتها لشخص ما وان حدث واذاها سوف ينكشف كل شئ وهو لا يريد هذا...هو من الاساس لا يريد ان يؤذيها...هي لا تصدقه ولكنه حقا يحبها ...هو مغرم بها ...لا يمكنه محو ذكرياتهما من عقله ...صحيح ان زواجهما كان مدبر ولكنه احبها منذ أول لحظة راها ...احب خجلها المميز ...ابتسامتها الرائعة ....وقع في غرامها وتزوجها ...ثم عاش معها اجمل ايام حياته حتى انجبت له ....ولكن ما حدث بعد ذلك دمر حياتهما....

فكر بهذا ثم اغمض عينيه بتعب ....

ثم فتح عينيه مرة أخرى وقال بقوة:

-اقسم بالله لو اهملتي ابني مرة تانية لاخده منك وتحبسيني متحبسنيش دي متهمنيش فاهمة ولا لا !!

ثم تركها وغادر لتفرك وجهها بتوتر 

..كان وجهها متقلص من الألم ....الخوف ان ينفذ هو تهديده لا يمكنها ان تخسر ابنها...هو كل ما تمتلكه ...الا يكفي انها خسرت من قبله ...

فكرت ببؤس والدموع تنفجر من عينيها ....

طرقة بسيطة على الباب جعلتها تنتفض بخفوت ...نظرت لتجد جارتها تتقدم نحوها وهي ناكسة رأسها في الارض ...كانت لا تعرف ماذا ستقول ...هي من اهملت في الصغير حتى حدث ما حدث ولن تسامح نفسها ابدا ....

-اهلا بيكي يا ام مصطفي ...

انسابت دموعها وهي تقترب من ماجدة وهي تقول :

-سامحيني يا ماجدة ...أنا اسفة أنا اهملت ابنك...لولا اني سهيت شوية مكانش هيقع من على السلالم...ابوس ايديكي سامحيني ؛!!

ابتسمت ماجدة بسماح وقالت:.

-محصلش حاجة يا ام مصطفي خلاص الحمدلله الدكتور طمننا عليه ...الحمدلله على كل حال...كتر خيرك ..

مسحت والدة مصطفى ميسر دموعها وقالت:

-انا برضه السبب يا ماجدة...ده كان امانتي وانا اللي اهملت انا عمري ما هسامح نفسي ابدا ...ابدا ....

ربتت ماجدة على كتفها وصمتت ...لم تكن قادرة على مواستها ...هي ايضا كانت حزينة ...بسبب كل كل يحدث لها !!

..........


-تتجوز مين ؟!انت أهبل ولا ايه اللي الخرافات اللي بتقولها دي ...هو انا لعبة بينك وبين والدك ....لا انسى الكلام الفاضي ده ...أنا مستحيل اوافق على الهبل اللي بتقولوه ده ....والبيت ده مش هقعد فيه ثانية واحدة !!!

صرخت بها مياس ...والدموع تلسع عينيها ... ماذا يظنان هما ؟!ها هي لعبة بين أيديهما ....كيف يجرؤان على معاملتها بتلك الطريقة ؟!هل أصبحت دمية بيد عائلة الحسيني ....

نظر سيف إلى غضبها وهو يشعر بالقهر ...لا يعرف كيف خرجت من فمه تلك الكلمة....هو أراد أن يكسر نوال ...أراد أن ينتقم بها ....أن يحرق قلبها كما هي أحرقت قلبه ....واسكت ضميره الذي أخبره أنه يستغل مياس .....

رأي مياس تذهب بغضب الى غرفتها لينظر الى والدها فيقول :

-ايه حصل اللي قولته ولا ايه....ظهرت حقيقة التانية صح ؟!

نظر سيف إلى والده بجمود وقد اطفأ بريق الدموع غضبه الشديد...نظر جلال إلى ابنه وقد أشفق عليه واقترب منه وهو يقول :

-مالك يا سيف ؟!

-أنت كان عندك حق يا بابا ....أنا انسان فاشل في اختياراتي...من هنا ورايح انت اللي هتمشي حياتي. ..من ناحيتي أنا موافق على مياس ومستعد اتجوزها من بكرة لو عايز !!!

......

-والدتك كلمتني انك بترفضي اي حد من غير ما تشوفيه اصلا يا جيلان ممكن اعرف ايه المشكلة ؟!

قالها أمجد وهو ينظر للأرض ...لا يعرف لماذا تصر زوجة عمه على اقحامه في هذا الأمر...ماذا تريد من كل هذا .....الموضوع محرج أن يتكلم معها في تلك النقطة خاصة وأنه يشعر بإنجذابها له ...نعم هو يعلم ولم ينكر الأمر ...يعلم منذ البداية ....شجارها معه لم يكن سوى غطاء لتخفي مشاعرها الواضحة أمامه....عينيها التي تلمع له تجعله يختنق ...لانه لا يستطيع أن يبادلها تلك المشاعر ...رباه أنها صغيرة للغاية ...ما زالت في سنتها الاولى في الجامعة وهو كاد أن يبلغ الثلاثين !!!!بماذا تفكر تلك الفتاة ....

رفعت جيلان عينيها وهي تنظر إلى والدتها بلوم وانكسار....لقد فهمت ما تريد والدتها فعله ...أنها تريد أن تجعلها ترى بنفسها أن امجد لا يهتم بها ...أنه بسهولة سيدفعها نحو الزواج بسهولة....هي تعلم أنه لا يهتم بها قيد أنملة ولكن ما سيفعله سوف يحطم قلبها ...أن يدفعها الشخص الذي تحبه أكثر من أي شئ نحو الزواج بنفسه هذا الأمر يقتلها من الداخل ....لسعت الدموع عينيها وهي ترفع راسها وتنظر لوالدتها ثم قالت بصوت مرتجف:

-دي حياتي انا يا شيخ أمجد واظن انك ملكش اي دخل بيها ....

-جيلان عيب !!!

نهرتها والدتها ثم أكملت ؛

-فعلا مشوفتيش تربية

نظرت إلى والدتها بقهر وقالت:

-ليه بتدخليه في حياتنا ليه ؟!أنا حرة اتجوز متجوزش هو عشان بابا مات يبقى هو ولي امري !!

شعر أمجد بالغضب ....أنه لا يشعر بهذا الغضب الشديد ابدا ولكنها حقاً تخرجه عن طوره ...لا يرغب ابدا بتحطيم قلبها ولكنها مصرة على التمسك بوهم ......كان غضبه يتفاقم ولكنه سيطر على نفسه وهو ينظر إليها بدون رضا ....كانت هي ترفع رأسه تناظره بتحدي ....بينما طبقة رقيقة من الدموع تتكون  بعينيها كان يشعر بحزنها ...بغضبها ...يعلم ما تعانيه ولكن يجب أن تعرف حقيقه أنه حتى لو لم يكن خاطب لم يكن لينظر إليها ...الموضوع بالنسبة إليه غريب ...هو يعتبرها كنوران  مستحيل أن ينظر إليها بطريقة أخرى...هذا سيكون شاذ للغاية ...أنه يراها كشقيقته الصغيرة ...تنهد ليسيطر على غضبه وقال:

-لا طبعا مش ولي امرك يا جيلان بس انتِ أختي الصغيرة وأمرك يهمني ...

رأي الجرح في عينيها....هو قصد أن يخبرها أنها كشقيقته الصغرى كي لا تبني اي احلام بشأنه ......نعم هذا يجرحها ولكن أن ينتهي الأمر الآن هذا افضل ...لا يمكنها أن تبني احلام بشأنه ...ليس تلك الزوجة التي يطمح إليها ...هو يريد امرأة مسئولة وليس طفلة مدللة كجيلان!!

وأدت جيلان الجرح بعينيها ورفعت ذقنها وهي تجيبه بتحدي ؛

-لا متخافش عليا ...أنا اكيد هتجوز بس بعد ما اخلص دراستي ..مش حابة انشغل بأي حاجة دلوقتي ...دراستي هي أولويتي ...اخلص بس كلية وبعدين اول عريس مناسب هوافق عليه يا ابن عمي ...اكيد متقلقش ...

تنهد براحة وهو يهز رأسه ربما انتهى الأمر بخير ...ربما مشاعرها تلك نحوه مشاعر اعجاب سوف يتلاشى وحينها سوف تجد الرجل الذي يستحقها الرجل الذي يحبها لذاتها ...وحينها سوف تبقى سعيدة ...لن يجد ذلك الحزن في عينيها ...

هو طالما عهدها مدللة ....مرحة لا تعرف الحزن وهذا ما يريده أن تكون دوما ...يريد منها أن تكون مليئة بالسعادة والامل ....هذا ما يليق بجيلان...

نهض مبتسماً وقال؛

-انا شايف أن جيلان عندها وجهه نظر وهي عندها طموح يا مرات عمي ...سيبيها تحقق كيانها وبعدين العريس جاي جاي ...مش كده ...

هزت رأسها تأكيدا على. كلامه وهي تناظره بتحدى 

............ . 

في اليوم التالي 

-يا ماما أنا بحبه !!!

قالتها أريام والدموع بعينيها...كانت تنظر إلى والدتها التي تجلس على الأريكة تناظرها بقوة بينما والدها يجلس بجوارها دون أن يستطيع أن يدافع عن ابنته أو عن حقها ....لقد تنازل عن هذا الحق منذ زمن ...تنازل عن حق أن يكون رجل المنزل وترك زوجته تقوده والنتيجة هو لا يستطيع حتى أن يعارض قرارات زوجته المجحفة بحق ابنتهما...كانت والدتها تنظر إليها ببرود ...تراها منهارة من أجل رجل ...كم هي حمقاء ....ابنتها الغبية ورثت جانب والدها العاطفي ...وهي أكثر من تعرف أن العاطفة تدمر المرء......

-ممكن تسكتي!!!

قالتها بصوت قوي ثم أكملت :

-بطلي عياط ونواح خلاص عصبتيني ...على ايه العياط ده كله ؟!وعلى مين اصلا ؟!انتِ ازاي تعيطي على راجل اصلا وواحد مش شاريكي ...لو بينتي انك منهارة بالشكل ده هيجي عليكي ...لازم تفهميه أنه اخر همك ...وأنه لو منفذش اللي طلبناه يبقى خلاص كل واحد يروح لحاله !!!

شهقت اريام بقوة وهي تشعر أن قلبها يكاد ينخلع من مكانها ...أن تتخيل أن تنهي كل ما بينهما بعد ما طلبته يوميا من ربها ...لقد دعت كثيرا أن يكون من نصيبها والان تتخلى عنه بكل بساطة ...كيف يمكن أن تفعل هذا ...مجرد التفكير في الأمر  يجعلها تشعر بالرعب ....هزت رأسها وقالت :

-امي بتقولي ايه بس ....أنا مش عايزة اسيب أمجد ....

ابتسمت هي بثقة وقالت :

-وأمجد متمسك بيكي ...أنا بشوف ده في عينيه ...وعشان هو متمسك بيكي هينفذ اللي هنطلبه منه ...أنا بنتي متعيشش في المكان البيئة ده ...ولا تعيش مع أمه وأخواته ...لازم تعملي لنفسك شخصية من الاول ...مش.لازم تخلي جوزك هو اللي يقودك. .لازم يبقى العكس ...لازم الكلمة تكون هي كلمتك أنتِ ...

ابتلعت اريام ريقها وهي تنظر إلى والدها الذي وضع عينيه بالأرض وهو لا يستطيع أن يعارضها أو يتكلم ....انسابت الدموع من عيني أريام وهي ترى والدتها تزرع بها الأفكار المسمومة ...لقد أحبت والدها وشفقت عليه وكرهته بنفس الوقت ...كرهت ضعفه هذا ....لم تشعر ابدا أنه سند لها ...كانت تراه دوما شخصية ضعيفة...تستطيع والدتها أن تجعله طوع أمرها ...شخص مثل هذا ما كان سيحميها وربما هذا الذي جعلها تنجذب وتحب أمجد لان ترى بها القوة التي افتقدتها لدى والدها...ترى أنه رجل يعتمد عليه ...رجل تشعر بالأمان في ظل وجوده معها ...هي لا تريد أن تجعل امجد نسخة من والدها ...لا تريد أن تفرض رأيها عليه ...هي تريد أمجد كما هو ...تريده أن يكون هو الرجل وليس العكس. ..تريد أن تشعر بالأمان في ظله ...لا تريد تحويله ابدا لنسخة ثانية لوالدها..لا تريد لابنتهما في المستقبل أن تشعر مثلها الان ....لا تريدها أن تكره والدها وتشفق عليه في ذات الوقت !!

-بس أنا مش عايزة امجد يكون كده يا ماما ...أنا مش عايزة كلمتي هي اللي تمشي عليه ...مش عايزة اسيطر عليه ...أنا عايزة علاقتنا تمشي بشكل طبيعي...مش عايزاه تكون علاقة مشوهة ...مش عايزة حد فينا يكون هو الطرف الضعيف ...الطرف اللي بينفذ وبس ...أنا عايزة حياتنا تبقى فيها مشاركة ....محبة ومودة ...مش سيطرة واستغلال ...أنا مش كده يا ماما وأنتِ عارفة....

قلبت والدتها شفتيها بسخرية وقالت:

-غبية زي ابوكي يا قلب امك...هتشوفي بكرة امجد وأمه وأخواته هيخلوكي خدامة....مش هتمسعي كلامي هتغرقي وأنتِ حرة يا أريام أنا حذرتك ...اللي زي امجد عايز اللي تسيطر عليه مش العكس لانه هيتعبك وهتشوفي كلامي هو اللي هيكون صح يا بنت بطني 

..........   

-افندم !!!

قالها بغضب وهو ينظر إليها. ..كانت تقف امام الباب وهي ترتعش بقوة ...ازدردت ريقها وهي تقول بصوت باهت :

-ممكن ادخل ؟!

-تدخلي فين...أنا وضحتلك أنك مش هتدخلي أي محاضرة ليا تاني...اتفضلي امشي وتعالي قابليني لو نجحتي في مادتي...

توسعت عينيها برعب وهي تنظر إليه ...لا تصدق ما يقوله...حاولت ان تتكلم ان تبرر او تدافع ولكنه اقترب بهدوء وقال:

-لو سمحتي روحي دلوقتي عايزة اكمل محاضرتي مع الناس اللي بتلتزم ...يالا برا ....

انسابت الدموع عينيها وكسا الانكسار ملامحها ...بسرعة استدارت ثم ذهبت مسرعة وهي تبكي وتشهق ....

زفر وهو يشعر بضيق غريب ...هو لا يتعامل بتلك الطريقة مع النساء فماذا به ...لما تلك هي المرأة الوحيدة التي تثير اعصابه.....

هز رأسه لينفض الافكار عن عقله ثم اكمل شرحه ...

......

في مكتبه كان يجلس وهو يشرب كوب الشاي الخاص به بينما بيده بضعة اوراق يطلع عليها....

رفع رأسه عندما شعر بأحدهما يدق الباب ...ابتسم بلطف وهو يرى ميادة إحدى أفضل طلابه ...كانت طالبة حقا مجتهدة رغم صغر سنها ...هي اصغر طالبة تقريبا ولكنها تفوق الجميع ....

-ازاي حضرتك يا دكتور ؟!

-الحمدلله يا ميادة اتفضلي فيه حاجة مفهمتهاش من المحاضرة ...

ولجت للمكتب وهي تهز رأسها باسمة وتقول :

-لا طبعا بس انا جيت اتكلم معاك في موضوع معين تسمحلي؟

عبس بحيرة ونظر إليها...تُرى ما هو الموضوع التي تريد التحدث عنه ...نفض حيرته جانباً ؛

-طيب اقعدي واتكلمي...

جلست على المقعد وهي تفرك كفيها بتوتر ...تخاف أن تتكلم فيغضب ...هي لا تعرف لماذا  يعامل ماجدة بتلك الطريقة...لماذا يغضب منها على ابسط الأسباب ...يبدو وكأن بينهما ثأر ...لولا أنها مقربة قليلا من ماجدة لشكت أن ماجدة ويوسف يعرفان بعضهما من قبل ....

-ايه يا بنتي أنتِ جاية تسرحي هنا ولا ايه ؟!مش قولتي هتتكلمي ؟!

قالها يوسف بمزاح ولكن الفضول كان يلمع بعينيه ...فركت ميادة كفيها وهي تحاول تجميع الكلمات لكي تتكلم معه ...وكما أنها كانت تجمع شجاعتها ....بدأت في الكلام بنبرة مرتبكة خافتة :

-هو حضرتك ليه بتتعامل مع ماجدة بشكل سئ؟!

نظر إليها بحيرة فعرفت أنه حتى لا يعرف اسمها فابتسمت ببساطة وقالت:

-ماجدة اللي هي الست اللي حضرتك طردتها النهاردة من المحاضرة ....

كسا وجهه البرود وقال:

-وانتِ بقا المحامية بتاعتها وهي بعتاكي عشان تدافعي عنها ؟!ليه معندهاش لسان؟!

هزت رأسها بسرعة ونفي وقالت:

-ابدا والله يا دكتور الموضوع مش كده ابدا أنا بس عارفة ظروف ماجدة ...والله دي إنسانة مكافحة ...

-الانسان المكافح يحضر محاضراته يا ميادة ...ميسرحش أثناء المحاضرات ولا يسيب المحاضرات في النص ويمشي من غير سبب ....

هزت رأسها بالنفي للمرة الثانية وقالت:

-يا دكتور والله هي مسابتش المحاضرة  من غير سبب...ابنها وقع واتكسرت أيده وفضلت معاه ...ماجدة  والله الحياة جاية عليها اووي ....اتطلقت وطليقها رما الحمل عليها بقت تشتغل وتدرس عشان تحسن من دخلها عشان خاطر متحرمش ابنها من حاجة ...عاملة زي اللي بيدور في ساقية ومش بترتاح...والله يا دكتور هي مش مهملة هي بس تعيسة ...حياتها مش ليها لابنها ...بتعمل المستحيل عشان يكون مبسوط ...ياريت حضرتك كمان متجيش عليها أو تسقطها ...هي بالعافية جمعت فلوس الدبلومة ...هي حبت بس تطور من نفسها.... لو سمحت يا دكتور أنا مكنتش هقولك كل ده غير وانا متأكدة أن حضرتك طيب ومش هتيجي عليها اكتر من كده ...اسفة طولت عليك ...

أنهت كلامها ثم نهضت وذهبت من أمامه لتتركه غارق بأفكاره ...

........

-اسمها رحيق الراوي من طرف خالتي يا باشا ...بت غلبانة كسرت التلاتين السنة ....عايشة مع اخوها ومرات ابوها وبتشتغل مدرسة وإنسانة طيبة مش هيكون ليها طلبات كتير ...خالتي وضحت ليها اسباب الجواز ايه وهي موافقة ...بس هي منقبة يا باشا عشان كده معرفتش اجيب ليها صورة ...ممكن تروح تتقدم وتشوفها هناك ...ولو معجبتكش نشوف تاني ....

تنهد عاصي وقال:

-الشكل مش مشكلة ..انت عارف....

تردد هو قليلا وقال:

-بس هي عندها شرط ...

رفع عاصي حاجبيه وقال:

-خير ايه شرطها ...عايزة فلوس يعني ؟!!

-لا يا باشا هي مش عايزة أهلها يعرفوا عن السبب الحقيقي للجواز ....

........

فتحت الباب ورفعت حاجبيها وهي تراه أمامها ...شعرها الاحمر ينسدل على ظهرها وعينيها الزرقاء تبرق بشدة .....كانت ماريانا تنظر إلى غريمتها بجمود وقالت؛

-خير ؟!

ولجت سيلا لمنزلها دون أي دعوى وقالت بسخرية:

-اوعي تكوني فاكرة انك كسبتي....جورج هيبقى ليا طول العمر !!!.

ابتسمت ماريانا بسخرية وقالت:

-انا مش فاكرة كده ...هو بنفسه قالك كده ...ودي الحقيقة أنا مراته !!

-أنتِ مراته صحيح ...بس قلبه ملكي أنا ..

قالتها سيلا بفخر وهي ترجع خصلات شعرها الحمراء النارية للخلف وأكملت وهي ترى إهتزاز جسد ماريانا من شدة الإنفعال :

-جورج لحد دلوقتي مقدرش ينساني رغم اللي أهله عملوه...بس أنا لسه في قلبه...هو فشل ينساني زي ما أنتِ فشلتي تخليه يحبك ..بجد بشفق عليكِ يا ماريانا أنتِ متستاهليش المعاملة دي 

سيطرت ماريانا على انفعالاتها ...رفضت تماماً أن تترك امرأة مثلها تنتصر عليها ...لذلك ابتسمت في وجهها بلطف وهي ترفع كفها لها وتقول مشيرة لطوق الزفاف الذهبي :

-أنا مراته وده المهم اللي بيجمعنا أقوى بكتير من أي حاجة وأنتِ ملكيش مكان في حياة جورج ...ولو كان هيكون ليكي مكان هتكوني بس عشيقته وهو ده هيكون تمامك ...بس كمان للأسف مش هتكوني حتى عشيقة لان جورج حبيبي ملوش في العك!يالا يا حلوة أطلعي برا بيتي!

.......

في الليل....


-انا عايزة اعرف ايه مشكلتك بالضبط ...بتتجاهلني ليه هو مش انت بنفسك قولت عايزين نبقى أصحاب ومنخليش بيننا أي توتر عشان خاطر عمر ....

قالتها سما بإنفعال بعد أن انفجرت اخيرا بعد عدة أيام من التجاهل التي لا تعرف سببه حقا....هي حقا محتارة ...ماذا فعلت لتنال منه هذا التجاهل ....كان قلبها يعتصر ألما بينما الدموع تلسع عينيها ...اللعنة عليه يجعلها ضعيفة مثيرة للشفقة ....

فكرت بأسى....بينما هي كانت على حافة الانفجار كان ينظر إليها هو ببرود شديد ....يحاول أن يسيطر على مشاعره ...تلك المرأة خطيرة أنها تتسلل داخله ببطء مخيف ...تمنحه الآمان ولكن بغتة منه تريد أن توقعه ...أن تسلب قلبه وقلبه ابدا لن يكون ملكها ...قلبه ملك لمريم...لا يجب أن ينساها ...لا يجب أن تطأ امرأة أخرى قلبه ولكن هل هو في مأمن ..هل سما فشلت في الدخول لقلبه ؟!كل تلك الأسئلة كانت تدور بعقله وهو يبحث عنها عن إجابة والجواب الواضح مخيف للغاية ....

-أمير رد عليا أنا بكلمك ....

-انا جيبتك هنا عشان تكوني ام لابني مش عشان اكون صاحبك !!

قالها ببرود شديد لتشحب قليلا ثم أكمل.:

-كونك تحاولي تسرقي مكان اختك في حياتي ده رخص منك .....

احمر وجهها بقوة وصرخت به ؛

-أنت بتقول ايه يا حيوان !!!

ثم رفعت كفها لتضربه ولكنها أمسك كفها وقال:

-اياكِ تحاولي تعمليها حتى ..

ثم دفعها لتنفجر الدموع من عينيها وتقول بإختناق :

-أنا بكرهك ...سامعني وعمري ما هسامحك عشان اهانتك دي ...انت ازاي تفكر اني كده...عمري ما فكرت في ده اصلا أنا عمري ما اخد مكان اختي ...

-ولا هتاخديه اصلا ...مستحيل تبقي مكانها...حتى لو عملتي ايه مش هتقربي من قلبي ...

اخذت تنهت بعنف ...دموعها هزمتها...كانت تشعر انها ضعيفة ...هي التي اقسمت انها لن تظهر ضعفها له ...حبها له ...الآن كسرت كل وعودها...ودت لو قتلته لانه عراها امام نفسها ولكن يجب أن تتمالك نفسها ...لن تدعه يربح...لن تدعه يدرك انه جرحها...مسحت دموعها بقوة ألمت بشرتها الحساسة وقالت:

-متقلقش خالص مش عايزة قلبك ولا مهتمة بيه ...أنا جوازي منك كان علشان خاطر عمر...عمر وبس وفي اليوم اللي هيقدر فيه عمر يعتمد على نفسه أنا هتحرر منك واشوف حياتي مع انسان غيرك .....

ضغط على اسنانه بقوة....ذكر رجل اخرى اشعل بقلبه النيران ....حاول بقوة ان يمحي آثار الغيرة عن وجهه وقال :

-أكيد طبعا حقك ....

-بالضبط ده هيكون حقي....

اغتاظ من نبرة الثقة في صوتها وقال:

-وكمان حقي اني اشوف حياتي ....

ابتسمت ساخرة وقالت:

-قولتها وهقولها تاني ...البنت اللي حاطط عينيك عليها شاور عليها وانا هجوزهالك من غير تفكير ....

تنهدت وأكملت :

-تعاملنا المرة دي هيكون عشان خاطر عمر وبس .....متتوقعش مني أي حاجة خالص 

ثم انسحبت من امامه ليجلس هو على الاريكة ويغمض عينيه...ماذا فعل ؟!هو ابعدها عنه ...خاف من التأثير الكبير التي تحدثه بحياته...خاف من خفقات قلبه التي باتت تدق لها ..عينيه التي بدأت تخونه وتنظر إليها ...عينيها ...شعرها...كل ما بها يأثره..انها تمثل خطورة على قلبه !!....

......

اغلقت الباب على نفسها وهي تلوذ لفراشها ثم تنفجر بالبكاء ...تدفن رأسها في الوسادة ....لماذا احبت شخص مثله ...ماذا ظنت هل سيحبها ...كم هي بشعة....فكرت في اخذ مكان شقيقتها ...لقد حلمت بهذا ولن تنكر ...حلمت بحياة معه ...حلمت ان يحبها ....تلك الحقيقة جعلت ضميرها يؤلمها ...لقد طمعت فيما ليس لها !!


......

في اليوم التالي...

-هو ليه القميص الأسود متغسلش ؟!

قالها أمير بغضب وهو يمسك قميصه الأسود ويخرج به للصالة حيث تمسح سما فم ابنه الصغير وتبتسم له بإتساع وهي تقول :

-بالهنا والشفا يا بطل ..يالا عشان نمشي...

خانته عيناه وهو ينظر إليها كانت ترتدي بنطال اسود وسترة ناعمة باللون الكريمي اسفلها قميص اسود يناسبها كثير...حجابها ملفوف بطريقة مميزة ...لا تضع مساحيق تجميل سوى ماسكارا ومرطب شفاه ....كانت بسيطة ولكن جميلة ...لم تنظر إليه رغم تحدثه معها...شعر بالغليان وخرج من الغيمة الوردية التي كانت تلفه وقال:

-انا بتكلم ليه القميص الأسود متغسلش؟!ردي يا سما....

نظرت إليه وهي ترفع حاجبيها بدهشة وتقول ؛

-افندم وانا هغسله ليه ؟!هو أنا خدامتك يعني ولا ايه ؟!.

عبس وهو ينظر إليها وقال :

-ايه ؟!ازاي يعني ؟!

-يعني أنا مش خدامتك ...عندك ايد واغسل بنفسك .... أنا قولتلك متتوقعش مني أي حاجة ...أنا مش مراتك !!!!

القى القميص ارضا من الغضب وقال :

-انا جوزك يا هانم!!

ابتسمت ساخرة وتمتمت:

-مكانش كلامك ده آخر مرة  ...

ثم لمعت عينيها بألم وهي تتذكر اهانته تلك ...لقد قضت اليوم بطولة تبكي ...حتى انها لم تأكل وهو لم يهتم بالسؤال عنها بل اخذ عمر بالخارج وقام بالترفيه عنه جاعلاً اياها تداوي جروحها بنفسها...لن تنسى هذا ابدا ....

-هو ده تلكيك يعني ؟!عايزة توصلي لأيه ؟!

هدر بها لتبتسم بلطف وهي تنظر لعمر وتقول له :

-ممكن تروح اوضتك يا حبيبي وتجيب شنطتك..

هز الصغير رأسه بطاعة واتجه الى غرفته بسلاسة...ربعت ذراعها واقتربت منه ...عينيها تلمع بقوة وهي تنظر إليه وتقول :

-اولا أي خناق بيننا يكون بعيد عن الولد ...عشان ميطلعش معقد زي ابوه...

اتسعت عينيه بصدمة وقال:

-انتِ 

ولكنها قاطعته وهي تقول :

-لو سمحت لسه مخلصتش كلامي....ثانيا ده اتفاقنا انت مش معتبرني مراتك ولا أنا معتبراك جوزي ...أنا هنا قبلت بوضعي مربية لعمر وبس متتوقعش مني اني اخدم جنابك كمان ممكن تخدم نفسك او تجيب خدامة ميهمنيش ....

أمال رأسه وهو يقول بإبتسامة متوحشة :

-او ممكن اتجوز تاني !!!

ابتسمت ببساطة وقالت :

-وماله ده هيكون افضل ...اهو على الأقل تغيب عندها يومين ولا تلاتة تهوينا شوية ...

-لا أنا هجبها تعيش معاكي هنا...

اقتربت منه وابتسامتها تتسع وعينيها تلمع بقوة وتقول :

-وانا هوضب اوضتكم بنفسي يا عمري ...

ثم ابتعدت عنه وابتسمت بحنان وهي ترى عمر يقبل نحوها ...مدت كفها وقالت:

-يالا يا روحي ..قول باي لبابا ...

-انا ممكن امنعك مش شغلك تعرفي كده ؟!

قالها فجأة بإندفاع ...كلماتها اشعلته لقد ظن انه هو الرابح في تلك اللحظة ولكنها قلبت اللعبة عليه...افلتت منها ضحكة فجأة وقالت:

-لا متقدرش في اليوم اللي هتمنعني فيه هتلاقيني جايبة المأذون واهلي عشان نتطلق وابقى ربي ابنك بمعرفته أنا مفيش حاجة عندي اهم من شغلي ...

ثم سحبت عمر وخرجت من المنزل ...ليلكم هو الحائط بقوة وهو يتنفس بعنف :

انها تغضبه...تخرجه عن طوره ...هو لا يستطيع أن يتحملها اكثر من هذا....لا يعجبه القرب منها ولا البعد عنها هو ذات نفسه لا يعرف ماذا يريد ....أغمض عينيه وهيئته منذ قليل ترفض نفارقة خياله...رباه انها تتسلل داخله وان لم يتصرف سوف يلقي كل ذكرياته مع مريم وسوف تحتله سما ....ربما ما تفعله هو الافضل ...يجب أن يتجنبها هو أيضا 

-...........

في المساء ....

-اللي بعمله ده غلط ...ابوس ايديك يا عادل متخلينيش اعمل كده تاني ؟!!

قالتها نوران على الهاتف وهي تبكي وتشهق ليزفر بضيق ويقول :

-وايه اللي خلاه غلط بس ...ما قولت خلاص هتجوزك ...بس انا مبحبش البنت اللي هتجوزها تمنع مني حاجة...مصدعة راسي بشوية صور بعتيهم ...لا راضية تيجي معايا الشقة ومش واثقة فيا ...بقولك عايز اعرفك كويس ومش هعرفك الا بالطريقة دي فهمتي !!!!

عضت شفتيها وهي تبكي بعنف وقالت:

-اللي بنعمله.ده غلط...

-يوووه غلط ...غلط ...أنتِ مفيش على بوقك غير الكلمة دي ...انا زهقت منك وقرفت ...اسمعيني يا بنت انتِ أما تيجي الشقة عندي بكرة أو صورك الحلوة دي هتروح لاخوكي.....

بهتت وهي تسمع كلمته تلك وقالت بإختناق :

-أ....أنت بتقول ايه ؟!

-اللي سمعتيه يا حيلتها ...بكرة الاقيكي قدامي في الشقة هنقعد سوا مش هعملك حاجة وعد مني بس لو مجتيش صورك كلها اللي بعتيها ليا هتوصل لأخوكي ....

ها قد سقط قناعه.....كلام العشق والهيام التي كان يغرقها بها كلها كانت كذبه ...العشق في عينيه كان خدعة ....حبهما كذبة هي عاشتها وهو حاكها بمهارة .....أعتصرت عينيها بقوة والدموع تنفجر من عينيها وقالت بصوت خرج مذهولاً:

-بتقول ايه يا عادل ...انت بتقول ايه ؟!انت فاهم اللي بتقوله ده ...أنا نوران ..حبيبتك ...مراتك زي ما بتقول ...أنت هتعمل فيا كده ....

ابتسم ساخرا وهو يضع الهاتف على أذنه الأخرى ...يحارب ضحكاته الساخرة التي تكاد تهرب من بين شفتيه ويقول :

-ايه مراتي؟!انتِ مجنونة....هو انا مجنون عشان اتجوز واحدة زيك !!

-واحدة زيي؟!

قالتها بصدمة ليرد :

-ايوة واحدة زيك ...راحت تبعت صورها وهي شبه قالعة ليا ....يا حبيبتي أنا لولا أني قررت انهي اللعبة السخيفة دي دلوقتي كنتِ أنتِ اللي هتترجيني عشان تجيلي الشقة ...المهم يا قلبي قدامك حلين أما تجيلي الشقة أو صورك هتكون عند اخوكي الشيخ امجد ...مسكين أمجود شيخ واخته بتتصرف زي بنات الليل ...دي هتكون صدمة العمر ليه يا حرام ...بس أخته عشان ذكية هتيجي بكرة في الميعاد اللي اتفقنا عليه ها يا عمري هتيجي ؟!

لم ينتظر ردها واغلق الهاتف لتنهار على فراشها وهي تبكي بعنف ...لا تصدق ما ورطت نفسها بها 

..........

في اليوم التالي ....

فتح عادل الباب لينظر إليها بخبث ويقول :

-اهلا بيكي يا عمري ....ادخلي ....

ابتلعت نوران ريقها ...تعرف انها عندما تلج لن تخرج كما هي ابدا....ولكن ربما ...ربما عادل يتحلى ببعض الرحمة ...هي مستعدة لتقبيل قدمه حتى يتركها وشأنها ....فقط ليتركها مستعدة لفعل اي شئ ....

-ما تدخلي يا عمري ...هنفضل واقفين على الباب كتير كده ولا ايه ؟!

اهتزت بعنف وهو يكلمها بتلك الطريقة ...وكأن طريقته اللطيفة اختفت تماماً ما أن  قرر أن يكشف عن نواياه نحوها ....

لسعت الدموع عينيها وهي تلج لمنزله ....اغلق الباب خلفها لترتعش بقوة وهي تنظر إليها ....الدموع تنفجر من عينيها وهي تقول :

-انا جاية ابوس ايديك ...ورجليك ...ارحمني ...امسح الصور والله ما هتشوف وشي تاني ... عادل عشان خاطري أنا ...

-ومين قال ان ليكي عندي خاطر ...انتِ ولا حاجة بالنسبالي ....

أغمضت عينيها وهي تبكي بعنف وتقول :

-عارفة اني ولا حاجة وعندك حق....وحياة اغلى حاجة عندك اعتقني لوجه الله ...

-حاضر طبعا يا عمري ...هسيبك طبعا بس بعد ما تعملي اللي أنا عايزه ....

ثم أخرج شيئا من جيبه وقال؛

-خدي من دي يالا ....

أمسكت العبوة بذهول لتجد أنه حبوب مانع الحمل!!!!


الفصل الثالث عشر (سقطت في الخطيئة )

-اتأخرتي ليه يا نوران ؟!

قالتها والدتها وهي تنظر لوجهها الشاحب ...كانت تتمعن بها وهي قلقة ..هي لم ترى هذا الشحوب على وجه ابنتها من قبل ....اقتربت دلال من ابنتها وهي تقول :

-مالك يا بت فيه ايه؟!

زاغت عيني نوران كي لا تنظر لعيني والدتها ....كانت تشعر بتأنيب الضمير ....لا يمكنها اصلا أن تصدق انها تصرفت بتلك الطريقة ....أنها رمت شرف العائلة ...شعرت وكأن العالم يدور بها ...تمنت أن تنشق الأرض وتبلعها أو تموت .....

-تعبانة شوية يا ماما ....

ثم انسحبت وذهبت إلى. غرفتها سريعا ... اغلقت الباب وهي تشعر بشئ بشع يجثم على قلبها ......انهارت نوران على فراشها وهي تبكي بعنف وما حدث يدور في عقلها.... يهاجمه بشراسة ....لقد خسرت ....خسرت كل شئ .....دفنت وجهها في الوسادة وهي تتذكر كل شئ ...كيف تم سلب منها براءتها ولكن الخطأ خطأها أيضاً....هي من سمحت له بفعل هذا ...هي من فرطت في شرفها لواحد حقير مثله ...هي السبب .....

بكت اكثر وهي تشعر بالقرف من نفسها ...لقد خسرت كل شئ ...لقد اعتدي عليها من تحب وهي لا تستطيع الكلام حتى ...لا تستطيع أن تلجأ لشقيقها لان هي من اخطأت بالبداية ...ولكن الخطأ كان خطأ الجميع لم يهتم بها أحد ....الجميع كان يهتم برحيق ...حتى والدتها رغم معاملتها الجافة أصبحت تهتم برحيق الان ...لا احد يحبها ...الجميع يقف بصف رحيق تلك ...الجميع فقد عقله ونسوا أنها ابنة المرأة التي سرقت ووالدها ....نست أنها ستكون كوالدتها ....عينيها التي تذرفان دموع كانت تلمعان بحقد ...أنها تكره تلك الفتاة. ..تتمنى لها الموت هي السبب في الذي هي فيه الآن ...ولن تسامح أهلها على الذي وصلت له الآن...لو اهتموا بها ...لو فضلوها على رحيق لم يكن لتنزلق إلى هذا الطريق....الآن هي لن تستطيع الزواج ...وبالطبع عادل لن يتزوجها ...لقد القى الحقيقة بوجهها ....أغمضت عينيها والدموع تنفجر من عينيها أكثر .... رباه... رباه ماذا تفعل الآن ...لو علم أمجد بما فعلته سوف يقتلها ...ولو تزوجت وانكشفت  الحقيقة سوف تكون بوضع صعب ...لولا أنها تخاف الله لأنتحرت في تلك الله ...ولكن اين كان خوفها من أهلها وهي تبعث له تلك الصور...تجاريه فيما يطلبه منه مهما كان فاحش وشاذ ....كيف فعلت هذا بنفسها يا الله. ..ليتها تموت ...حقا ليتها تموت !!

نهضت بتعب من الفراش وهي تتجه نحو خزانتها ثم أخرجت لها ملابس ....جسدها كان يرتجف وما حصل يهاجم عقلها بضراوة ....تريد أن تنسى ...تتمنى أن تنسى ولكنها لا تستطيع....كل شئ في عقلها.....عقلها ما زال يحتفظ بكل لحظة من تلك المأساة ...ابتعدت عن الخزانة ثم اتجهت إلى الخارج نحو الحمام ...فتحت الباب ثم اغلقته ....

.

بعد ثواني فتحت صنبور المياه 

ثم وقفت تحت صنبور المياة وهي تدعك كل جزء في جسدها بينما تبكي بعنف ...واللحظات التي عاشتها معه هاجمت عقلها بشراسة وجعلتها تشعر بالقرف من نفسها ...لقد خسرت شرفها .. فرطت بنفسها ولكنها لم تستمتع بأي شئ ...الامر كان اشبه بالإغتصاب ....لقد انتهكها من عشقته ...لقد توسلته ...قبلت قدمه ان يرحمها...ولكنه ابدا لم يرحمها بل ظل ينظر إليها  بسخرية ...يأمرها بكل وقاحة أن تنفذ ما يقوله ...كان اسوأ يوم في حياتها ...فكرت أن تهرب ولكن الصور التي كانت معه جعلتها تتراجع عن هذا الأمر لانها جبانة خافت ان تقف امامه ...لانها جبانة خافت ان تقول لا ...توقف .....انفجرت الدموع اكثر وهي تشعر ام قلبها سوف ينفجر داخل صدرها ...كان الامر رهيباً ...انها تموت ...حقا تموت الآن .....ضاع شرفها ....اغمضت عينيها بقوة وهي تتذكر ما حدث الذكريات تتسرب الى عقلها....تشعر بالإشمئزاز من نفسها ....شهقت وهي تتذكر كل شئ

......

امسكت العبوة بذهول وقد انسابت الدموع من عينيها ....نظرت إليه وقد اتسعت عينيها بصدمة وهي تقول بإختناق؛

-اي....ايه ده ؟!

-مش شايفة ولا ايه يا عينيا ....دي حبوب منع الحمل.....

-انت مجنون...مجنون ...بتفكر في ايه ؟!اللي في بالك ده مستحيل يحصل ....انت مستحيل تلمس مني شعرة وانا همشي دلوقتي ....

ابتسم بشر وقال:

-وانا مش همنعك يا بيبي بس افتكري أنك مسافة ما تخرجي من هنا أنا هبعت الصور دي لاخوكي عشان يتفرج على جمال اخته...ايه رأيك يا قمر ....

نظرت إليه والدموع تنفجر من عينيها بقوة ....اقترب منها وهو يقول :

-ايوة هو ده اللي انا عايزه ...عايزك كده تكوني مكسورة ملكيش عين تبصي في عيني وتتحديني ....عرفتي بقا أنك واحدة شمال ....كنتي بتتقلي عليا بس مخدتيش في ايدي غلوة...غبية افتكرتي اني هبصلك او هحبك ...انتِ واحدة عشان تسليني وبس...يالا يا حبيبة  قلبي نفذي اللي بقوله من غير كلام أنا مش عايز ازعلك ...خلينا نقضي يوم لطيف مع بعض 

......

عادت من شرودها ودموعها تتسابق بقوة أكبر لقد سقطت في الهاوية !!!

..........

لم تصدق اذنيها عندما اخبرتها ميادة بأن الدكتور يوسف سمح لها أخيرا بحضور محاضراته ....كانت تظن انها تمزح ولكنها الآن تقف امام باب المحاضرة متأخرة كالعادة ...ترتجف داخلها وهي تراه سقف بهيبته المعتادة....نظر إليها فجأة ليتبعثر داخلها بقوة ....ظل ينظر إليها بعينيه العسلية لفترة حتى ظنت انه سيصرخ بها مجددا ..ولكنه قال أخيرا :

-اتفضلي ادخلي ولو سمحتي نلتزم بمواعيد المحاضرة ....

هزت ماجدة رأسها وولجت للداخل وعلى ثغرها بسمة سعيدة ثم لوحت لميادة بسعادة وجلست بجوارها وهي تخرج الدفتر الخاص بها وعلى شفتيها ابتسامة سعيدة بينما تدون خلف يوسف ما يقوله .....

كان يوسف يشرح وعينيه تعلق بها احيانا ...يتأملها وهو يفكر لماذا ما زالت تثير حنقه ...هو حقاً يشفق عليها ولكنه يشعر بالغيظ منها وحقاً لا يعرف السبب ...لقد ظن ان اهمالها أو ضعفه هذا ما جعله يغتاظ منها ولكن ميادة استطاعت ان تجعله يفهم...هي ليست بإمراة ضعيفة ...على العكس تماما ..هي قوية....محاربة ومجتهدة أيضاً...ولكن شئ ما يثيره بها ....ربما ذلك الضعف الفطري بعينيها....الضعف المختبئ خلف قناع القوة التي تبرزه للعالم.....

هز رأسه ليبعد افكارها عنه ...كان حانق من نفسه. ..هو لا يفهم ماذا به ولما يفكر بها من الأساس ..منذ ان اخبرته ميادة عنها وهي اضحت تشغل باله بشكل غير اعتيادي ... 

......

انتهت المحاضرة وقد لملمت ماجدة اوراقها سريعاً كي تلحق عملها الجديد ...للأسف تركت عملها القديم بسبب رعاية ابنها ووجدت عمل آخر كبائعة في متجر كُتب يملكه رجل طيب في الحي الذي تسكن به وهذا العمل مناسب جدا لها ....صحيح ليس يدر عليها الكثير من المال ولكن على الأقل تستطيع ان تُذاكر هناك ولا تقلق على ابنها ...وكما انه قريب من البيت ... كادت ان تخرج من قاعة المحاضرات مسرعة الا ان صوت يوسف اوقفها مكانها وهو يقول :

-مدام ماجدة ممكن لحظة ؟!

ابتلعت ريقها وهي تنظر إليه ...انها تشعر بالتوتر من نظراته تلك ...انه حقا يخيفها اكثر من طليقها حتى ...

اقتربت بهدوء منه وهي تقول بتوتر بينما عينيها تزوغان بكل مكان حتى لا تتواصل بصرياً معه .. .

تنهد وهو يدرك توترها منه وقال:

-ميادة قالتلي على ظروفك اللي بتمري بيها وقالتلي أنك مش بتقصدي تهملي في المحاضرات قصداً ....أنا مقدر طبعا اللي انتِ فيه بس مادام دخلتي طريق تكمليه للآخر...

حرقت الدموع عينيها وقالت:

--انا ما كنتش ههمل لولا مشاكلي يا دكتور....بعدين متقلقش من اليوم هلتزم بإذن الله لحد ما اكمل الدبلومة على خير ...شكرا جدا لحضرتك...عن اذنك ...

ثم تركته وخرجت من القاعة...وجدت ميادة تقف بجوار خطيبها وذهبت إليها وقالت:

-ميادة معلش عايزاكي ...

ابتسمت ميادة بلطف وهزت رأسها وهي تترك خطيبها وتذهب معها ...توقفت مع ماجدة بعيدا عن خطيبها قليلا وهي تبتسم لها ....نظرت إليها ماجدة بلوم وقالت :

-ليه يا ميادة قولتي لدكتور يوسف عن مشاكلي ؟!ليه بتخليه يشفق عليا ؟!

عبست ميادة قليلا وقالت :

-انا مقولتلهوش عشان يشفق عليكي يا ماجدة ....أنا قولتله عشان يعرف انك مش من النوع اللي بيتدلع أو بيأثر في دراسته ....عايزة يعرف انك إنسانة مجتهدة بتعملي اللي تقدري عليه عشان تطوري من نفسك....وبالعكس هو مش بيشفق عليكي هو احترمك اكتر عشان كده سمحلك تدخلي محاضراته تاني  وده اللي احنا عايزينه ...انا بعتذر لو جرحتك يا ماجدة بس انا مكنتش هسمح اني اسيبه واخد عنك فكرة غلط واسكت ...كان لازم اتكلم واقول انك مش كده وأنه فاهمك غلط وهو الراجل أتفهم ...

ابتسمت ماجدة ابتسامة منكسرة ...رغم أن ميادة حاولت أن تجعلها تشعر بالفخر من نفسها ولكنها تعرف أن ما فعله يوسف بدافع الشفقة وهذا واضح للغاية ...تنهدت وهي تربت على كتف صديقتها وتقول :

-شكرا على كل حاجة يا ميادة ...بجد...

ثم تركتها وذهبت ....لا يهم شعور الشفقة الذي باتت تشعره من الجميع ...الاهم من هذا كله أنها لن تواجه صعوبات بعد الان ...يكفي ما يفعله بها زوجها السابق لا تريد أن يتعندها أيضا يوسف ....هي لن تستطيع تحمل هذا كله ....

......

استقلت وسيلة المواصلات العامة وهي تنظر في هاتفها الصغير لتعرف الوقت ...جيدا أمامها أكثر من ساعتين تستطيع فيهما أن تعد الطعام لابنها الصغير ثم تذهب للمكتبة لكي تعمل ....

........

-ماما..

قالها محمد ابنها الصغير وهو يندفع إلى أحضانها برقة لتبتسم ماجدة بحب وهي تضمه إليها ثم تقبل شعره وهي تقول :

-وحشتني يا قرد....

أبعدته برفق حتى لا يتألم بسبب يده التي موضوعة داخل جبيرة ثم نظرت إلى جارتها وهي تقول :

-شكرا يا أم مصطفى  كتر خيرك ...

ابتسمت ميسر وقالت :

-متقوليش كدة يا ماجدة ده زي ابني ...وأنتِ زي اختي واكتر كمان ....

ابتسمت لها ماجدة وهي تشعر وكأن اخيرا كل شئ سوف يكون بخير ...

...........

في الليل 

لم يصدق عينيه وهو يراها تمسك حقيبتها وتجرها راغبة في الخروج من القصر ..

كانت ترتدي عباءة سوداء ونقابها ...تجر حقيبتها بعزم ...تريد أن تتسلل في الليل وتذهب من هنا.....لا يصدق ...هل تفعل هذا بسبب ما قاله...فكرة سيف بصدمة ثم ركض نحوه وهو يمسك ذراعها ويقول :

-فيه ايه؟!رايحة فين ؟!....

-ابعد سيب ايدي !!!

صرخت به وهي تبعد ذراعه عنها بإحكام ثم صرخت به:

-اقسم بالله لو مسكت ايدي تاني لاقطعهالك...انتوا فاكرين نفسكم ايه ؟!اني هرضى بالعبث اللي بتفكر فيه انت وابوك ....انت لو آخر راجل في العالم مستحيل اتجوزك  انت فاهم ...أنا مستحيل اربط نفسي اكتر بعيلتكم ...أنا بكرهكم كلكم ....بكرهكم عشان مكنتوش موجودين في أسوأ ايام حياتي ...سيبتوني لوحدي ...ودلوقتي عايزين تربطوني بيكم ...دلوقتي عايزين تمشوا حياتي على كيفكم...فاكرين نفسكم ايه ...هتتحكموا فيا 

-مياس احنا عيلتك ويهمنا امرك !!

قالها بصدمة 

-لما انتوا مهتمين بيا كده قولي كنتوا فين ؟!كنتوا فين لما اهلي ماتوا ...دي كانت اكتر لحظة كنت محتاجاكم فيها...كنت مستنياكم تيجوا .. تطبطوا عليا لكن محدش ظهر ....محدش وقف معايا الا خالتي. . خالتي وبس ...وانت...انت يا سيف كنت صاحبي قبل ما تكون ابن عمي نبذتني بسهولة ودلوقتي جاي تقول هتبقى معايا وتتجوزني ...ومين قال اصلا اني عايزة اتجوزك ...مين قال اصلا اني عايزاك من اساسه ....أنا عمري ما فكرت بيك بالشكل ده ولا هفكر وعمري ما هتجوزك !!!

كانت كلماتها تجلده بقوة. ..كان الذنب يثقل روحه ....تنهد وهو ينظر لعينيها الدامعة....ورغم الدموع كانت قوة كبيرة تشع من تلك العينين...تلك الفتاة اقسمت ان تكون قوية .... مصرة على مواجهة مشاكلها بمفردها....لا يعرف لماذا ولكن تلك اللحظة كان مصرا اكثر على الزواج منها ...هي من ستساعده لينسى نوال...يجب أن يقنعها ....للحظة انانيته غلبته... ربما بزواجهما سيكونان سند لبعضهما...هو سيعوضها عما عاشته وهي ستنسيه تلك الخائنة ....

ارتعش قليلا وهو ينظر إليها ....ثم قال بهدوء رغم ارتجافه الواضح :

-انا عايز اتجوزك ...

نظرت إليه بصدمة ليكمل :

-عايز اعوضك عن كل اللي عملته معاكِ ...عايز افضل جمبك واحميكي من أي حاجة ...اعوضك عن اللي شوفتيه ..اتجوزيني وهكون سندك بعد ربنا...محدش هيقدر يفرض عليكي كلمة وهحترمك طول حياتي ..اتجوزيني يا مياس ....

ظلت تنظر إليه بصدمة ....تشعر وكأن رأسها يغلي...ماذا يقول هذا المجنون وكيف يفكر ...هل يظن انها سوف توافق على هذا العبث....لن توافق ابدا...يكفي انهم تخلوا عنها .. وهي تعرف لماذا يريد الزواج منها.....نعم تعرف جيدا !!

-ليه عايز تتجوزني يا سيف؟!

قالتها بنبرة غريبة ليزدرد ريقه وهو يقول محاولا ازاحة عينيه عن عينيها ويقول:

-عايز اعو....

-انت كداب !!!

القت الكلمة بوجهها ثم أكملت :

-انت مش عايز تعوضني ولا حاجة ...انت عايز تتجوزني شفقة ..قولت المسكينة محدش هيرضى بيها بعد ما اتحرق وشها وانا اتجوزها واهو اكسب ثواب ...مش ده اللي بتفكر بيه !!!

هز رأسه بقوة نافياً ما تقوله ...لم تكن الشفقة هي نيته ابداً ...هو لم يراها ابدا كفتاة تثير شفقته ...رغم حالتها الا انه يراها دوما قوية!!!

-بطل كدب !!!

صرخت به وقد طرفت الدموع من عينيها ...كانت تلهث بعنف وهي تراه ما زال ينظر إليها بثبات ثم قالت ؛

-انت شفقان عليا عشان كده عايز تتجوزني !!!...فاكر اني محتاجة الشفقة بتاعتك ...فاكر اني هموت لاني مش هتجوز!!!..ايه رأيك تشوف البنت اللي انت عايز تتجوزها ...تحب تشوفني !!!

قالت كلمتها تلك ثم ازاحت النقاب عن وجهها لتظهر الحروق التي مست معظم جلدها ...كانت تنظر إليه بثبات ...تتنظره ان يشيح عينيه ولكنه ظل ينظر لها  لم ينفر من تلك الحروق ...لم يزيح عينيه بل ظل  ينظر إليها وهي تقترب منه وتقول وهي تشير الى وجهها وتقول :

-ده هو الوش اللي أنت هتعيش معاه طول حياتك ....هتشوفه أربعة وعشرين ساعة....

ده اللي أنت هتعيش معاه ....انت فاكر الموضوع هيكون سهل...أنا ذات نفسي قرفانة من شكلي ... أنا كل يوم بدعي ربنا اني اموت ....حتى المرايات بطلت ابص فيها ...مبقتش اطيق شكلي حتى بيني وبين نفسي ..أنا ذات نفسي مش قادرة ابص لشكلي...انت هتتحمل!!!

قالتها له بقهر الدموع تجرى على جلدها المشوه...تبحث بعينيها عن أي اثر للإشمئزاز بعينيه فلا تجد....كيف لا يشمئز منها ...هي ذات نفسها تشمىز من نفسها ....كادت ان تجن...،كيف يفكر هو 

-انا عايز اتجوزك ....نقطة من أول السطر....أنا دلوقتي بمد ايدي ليكي وبقولك اتجوزيني ...

نظرت إليه بصدمة ...كانت حقاً مصدومة كيف لا يشمئز منها ...كيف ....

هزت راسها وقالت :

-وانا مش هتجوزك هو مش عافية وانا همشي من هنا!!

ثم كادت ان تتحرك الا انه امسك ذراعها وقال:

-ليكي الحق ترفضيني بس مش هخليكي تمشي خليكي هنا وانا اوعدك محدش هيجبرك على حاجة انتِ مش عايزاها ...ده وعدي ليكي يا مياس 


................

بعد أسبوع ...

-عايزة اعرف مالك ...مش طبيعتك أنك تفضلي ساكتة كده ....نوران والدتك بدأت تقلق عليكي !!!

قالتها جيلان وهي تنظر لوجه نوران بقلق ...كانت تجلس على فراشها ...الهالات السوداء تغزو عينيها....تبدو في حالة يرثى لها حقا ...لقد اشفقت بالفعل عليها....امسكت كفها وقالت:

-قوليلي يا نوران ايه اللي حصل ؟!الكل قلقان عليكي ....فيه ايه احكيلي .

ابتسمت نوران ساخرة وقالت بصوت جاف:

- هو مين ده اللي قلقان عليا يا جيلان ؟!مين ؟!هو فيه حد مهتم بيا اصلا من اهلي ....لا امي ولا أمجد شايفيني ....الكل مهتم بآنسة رحيق اللي أخيرا حد اتكرم وبص في وشها وهيتجوزها ....أنا اصلا لما شوفت صورة الراجل اتصدمت ان واحد زيه جاي يتجوز واحدة زيها....بس أكيد لما يشوف شكلها هيهرب...مفيش حد عاقل هيتدبس فيها !!!

نظرت جيلان الى نوران بصدمة وقالت بصوت مصدوم :

-ايه اللي بتقوليه ده ازاي تتكلمي عن اختك بالطريقة دي ....نوران انتِ مش قريبتي وبس ...انتِ اختي وانا بحبك اووي ...بس كرهك لرحيق غريب ...البنت حرفيا معملتش ليكي أي حاجة 

-لا عملت ...وعملت كتير !!

صرخت نوران بعصبية ثم اكملت وهي تطحن اسنانها بعنف وتقول :

-دي سرقت مني اهتمام امي واخويا ...الاتنين بيحبوها اكتر مني ...أمي بعد ما كانت بتعاملها وحش دلوقتي بقت بتعاملها حلو ومبتسمحش لأي حد يضايقها...واهي عشان الهانم أخيرا حد فكرة يتقدملها...شغالة في البيت بإيديها وأسنانها وعايزاني اساعدها كمان .. عايزاني ابقى خدامة لبنت الست اللي سرقت جوزها ...معرفش ماما ازاي بتفكر بجد !!!تعرفي بتمنى ان الجوازة دي تفشل والعريس اللي جاي ده يهرب بسرعة أول ما يشوف خلقتها!!

كانت جيلان تنظر الى ابنة عمها بصدمة ...كيف لنوران ان تحمل هذا الكم من الكراهية ...هي حقاً لا تفهم !!

-بجد مش فاهماكي يا نوران ...اللي بتتكلمي عنها دي اختك....بجد مش قادرة استوعب كرهك ليها...أنك اللي هي معنية بالأمر مبتكرهاش بالشكل ده....رحيق ملهاش ذنب في مشاكل العيلة واللي حصل ...هي بنت يتيمة واختكم وجات تعيش معاكم وطول معرفتي بيها عمري ما شوفت منها حاجة وحشة ابدا ...بالعكس كانت بنت طيبة دايما...لسانها حلو....

نظرت نوران إليها بحرقة وقالت؛

-اه كملي ..كملي...وتستاهل تتحب صح ... تستاهل ان اهلي يتجاهلوني تماما ويفضلوها عني ...أنا بجد بكرهها وبتمنى انها تموت 

عبست جيلان وهي تنظر الى نوران ...لم تتخيل ابدا انها تحمل كل هذا الكره لشقيقتها ...ولكنها عرفت الآن ان هذا الكره تتبع من غيرتها من شقيقتها ....

تنهدت جيلان وقالت:

-ربنا يهديكي يا نوران مش هقولك اكتر من كده...أنا رايحة اشوفهم برا عايزين حاجة ولا لا ...

ثم خرجت من الغرفة تاركة  نوران تنظر الى أثرها والدموع تحرق عينيها ...بينما صدرها يضيق بقوة ...كم تتمنى ان تتكلم مع أي احد ...لكي ترتاح من هذا الحمل على الأقل ....وضعت كفها على قلبها وهي تبكي ....ليتها تمتلك الشجاعة لتنهي حياتها !!!

......

توقفت للحظة وهي تجده يقف في صالة المنزل ....تسارعت دقات قلبها وهي تتأمله...كان جالس على الاريكة يمسك المصحف ويقرأ بهدوء ....لسعت الدموع عينيها....هو قريب للغاية ولكنه في نفس الوقت بعيد جدا ...هو ليس ملكها ...تعلقها به هذا خطأ ...نظراتها خطأ ....حتى مشاعرها تلك خاطئة تماما...وكان رغماً عينيها كانت مثبتة عليه ...على ملامحه الرائعة...لحيته الخفيفة ....كل ما به يأثرها واكثر ما يأثرها هي عيناه...عينيه اجمل عينين رأتهم بحياتها كلها ....انها تذوب به ......حبها له يجعلها تشعر بالمرض ...انها تعيش الجحيم بسبب ضميرها الذي يجلدها بإستمرار...كثيرا ما تحلم انه ترك خطيبته تلك واتى إليها...ليعترف انه لم يحب غيرها ...تظل تحلم وتحلم وفي النهاية تبكي حتى الصباح....حياتها اصبحت فوضى ...ليتها تملك القدرة على نبذه خارج حياتها ...كانت لتكون حياتها افضل بكثير ....تنهدت بقوة ليشعر هو بها ويرفع عينيه لينظر إليها ...

ارتبكت وهي تراه ينظر إليها....بسرعة وضعت عينيها في الارض ....اغلق هو مصحفه وهو يشعر بالإختناق واراد ان يذهب من هنا على الفور ...هو لا يحب وجودها في منزلنا يذكره هذا بمشاعرها غير المرغوبة نحوه !!!

نهض وهو يضع المصحف على الطاولة وكاد ان يذهب لتوقفه والدته وهي تخرج من المطبخ وتقول :

-أمجد روح جيب جاتوه وفاكهة أنا هبدأ ارتب البيت دلوقتي مش عايزين نتزنق شوية لما الضيوف يجوا ...

هز أمجد رأسه لتكمل دلال وهي تنظر الى باب غرفة نوران بيأس:

+هي الهانم برضه مصممة انها متساعدش ...ولا مرة كده تقف معانا ....سايبة الحمل عليا أنا ورحيق ...بجد مينفعش كده

تدخلت جيلان وقالت بصوت ضعيف:

-سيبها يا مرات عمي أنا هساعدكم هي تعبانة شوية ....

نظر أمجد إليها لثواني بدهشة ولكنه اشاح بصره عنها وهو يخرج من المنزل سريعاً...رائع هو الآن سوف يظل خارج المنزل حتى يأتوا ضيوفه

.......

في المساء 

اهتزت الصينية في يدها وهي تلج لصالون المنزل ....تثبت عينيها للاسفل وهي كاشفة وجهها....تلف الحجاب بطريقة اعتيادية بينما ترتدي ذلك الفستان الازرق الذي اختارته والدتها دلال لها ....كان فستان مميز ....لا يبرز جسدها يا واسع جعلها تشعر بالراحة ...رفضت ان تضع أي من مساحيق التجميل على وجهها بل فضلت ان تكون بهيئتها الحقيقية ...دون تجميل ...هي تعرف ان هذا الزواج ليس بحقيقي ...هي ستكون مهنتها الحقيقية مربية تحت ظل زوجة !!!أحرقت الدموع عينيها ...هي أيضا كان لديها احلام .....هي أيضا تريد أن تُحب....تريد زواج حقيقي .....رجل يشعرها بأنوثتها .....لقد حاولت دوما مقاومة وساوس الشيطان وشكرت الله على نعمه....لقد اعطاها الله الكثير ولا يجب أن تطمع....لن تجعل الشيطان ينتصر عليها ......سوف تصبر....وهي تعلم جيدا أن الله سوف يعوضها خير عن صبرها ....تعلقت عيني عاصي بها وهو ينظر إليها بحيرة .....هي ليست بشعة أبداً....فلماذا تم ايصال له تلك الفكرة ...مط شفتيه بدون اهتمام وهو يفكر ان هذا لا يعنيه....لا يعنيه ابداً....هو يريد زوجة كي ترعى ابنته....لا امرأة تدفئ قلبه....لقد تيقن ان حظه في النساء سئ للغاية ....

جلست رحيق على الاريكة وهي تضع رأسها ارضا غير قادرة على مواجهته ...ربت امجد على ظهرها وقال:

-هروح اقعد على الانترية البعيد اللي هناك عشان تتكلموا براحتكم ...

كان يشير الى الاريكة البعيدة التي تقع في اخر رمز في صالة المنزل ...هزت رأسها بإبتسامة لطيفة لينهض الجميع والدتها الى المطبخ واخاها بمكانه الذي اشار عليه...بلعت ريقها وهي تضع عينيها في الارض ... كانن مرتبكة جدا فلم تستطع رفع عينيها ...تنهد هو وقال :

-طيب عشان نكون على نور....

صمت قليلاً وبدأ الكلام بنبرته الجافة:

-لازم تعرفي أن جوازي منك مش هيكون حباً فيكي ...انتِ هتكوني مجرد دادة لبنتي ..ممنوع تبني احلام معايا ...انا مش هشوفك لا زوجة ولا هقرب منك عشان بس متحاوليش ولو مجرد محاولة أنك تغريني أو تحاولي تخليني احبك ...لانك في كل الأحوال هتخسري وهطردك من حياتي ....مفهوم !!هتكوني أم لبنتي وبس وفي المقابل خدي الفلوس اللي أنتِ عايزاها.. ..

لسعت الدموع عينيها وهي تنظر إليه....ملامحه الباردة ....نبرته القوية ... الحقائق التي يلقيها بوجهها يخبرها أنها لن تكون زوجة ...لن يراها كزوجة ....بل ستكون مجرد مربية لابنته والمقابل سوف يجعلها تحمل أسمه ...ينقذها من لقب العنوسة الذي التصق بها ....كانت تعيش الجحيم على اي حال ...فأن تعيش جحيم عاصي صفوت لن يكون الأمر اسوأ ...هي لا تحبه على كل حال...

هزت رأسها بينما تقول بصوت مختنق :

-موافقة!

فرك كفيها وقال بصوت مهتز 

-انا مطلق ....معنديش أغلى من بنتي ملاك ...هي أغلى حاجة في حياتي ....هي كل حياتي يا انسة رحيق....عامليها كويس وانا هشيلك فوق راسي ...لكن في اليوم اللي تأذي فيه بنتي هتشوفي فيه أسوأ يوم في حياتك اتفقنا .....

قالها بجفاف النظر إليه بدون اي تعابير وتقول :

-مفيش داعي تهدد ده مش احسن أسلوب نبدأ بيه ....بنتك ههتم بيها مش خوفاً منك بس خوفاً من ربنا ....وزي ما حطيت شروطك أنا كمان ليا شروطي اللي اتمنى تنفذها ....أولا جوازنا سيكون طبيعي قدام الناس ...مش عايزة أي حد من اهلي يعرف بإتفاقنا ده ابدا ....تاني حاجة عايزين نمثل قدام الكل اني سعيدة.....

تنهدت بشرود وهي تقول :

-أمجد وماما دلال شالوا همي بما فيه الكفاية ...مش عايزة اشيلهم همي كمان لما اتجوز.... 

تنهدت وهي ترتجف بينما تحاول ان تواجه عينيه التي تتركزان عليها ...لا تعرف هل تقول هذا ام لا ...ولكنها تخاف ان يفهمها خطأ ....ان يظن انها تغار عليه مثلا !!!وهذا غير صحيح ...

-عايزة تقولي حاجة تاني ؟!

قالها وهو يلاحظ ترددها ...صوته كان ثابتاً بينما سمح لنفسه بتأملها جيداً .....عينيها السوداء كانتا لا تنظر إليه ...بل تنظران في كل مكان سوى عينيه...

-اتكلمي يا انسة رحيق ده حقك زي ما أنا حطيت شروطي

تشجعت قليلا وقالت :

-عايزة اقول اني لما يحصل نصيب ما بيننا ...صحيح هيكون جوازنا مش حقيقي بس مش عايزة أنك تقلل من احترامي ولا تخرج مع ستات تانية ....

أمال رأسه وهو ينظر إليه ويقول :

-غيرة دي !!

رفعت عينيها وقالت بحزم:

-لا مش غيرة بس مبحبش الحال المايل....لو قلبك او عينيك مالوا لست يبقى تتجوزها متعملش حاجة حرام ....

ابتسم ساخرا وقال:

-من الناحية دي متقلقيش ...مبقاش في أي ست تقدر تملى عيني ....أنا دلوقتي ميهمنيش الا بنتي ...باب الستات ده قفلته للأبد...كده احنا اتفقنا صح

تنهدت براحة وهزت رأسها وهي تنهض من على الأريكة تنظر الى أمجد الذي كان يجلس معهما في نفس المكان ولكنه بعيد قليلا كي يسمح لهما بالتحدث بحرية ...انسحبت من الصالة واتجهت لغرفتها ....لا تعرف لماذا ولكنها مرتاحة للغاية له ...نعم هو قد للغاية ولكنه صادق وتشعر انها لن تواجه مشاكل معه وهي حقا لا تريد أن تثير معه أي مشاكل ...هي ترغب بجعل حياتهما تسير بسلاسة إذا حدث ووافق عليها ...ظل ينظر الى اثرها وهو يفكر ملياً...هذة هي المرأة المناسبة بكل تأكيد ...فكر مبتسماً...تلك من ستتحمل ابنته 

...............

ولج الى الغرفة فجأة ليجدها قد تجهزت ...ترتدي فستان باللون الفيروزي واسع وانيق وتلف حجابها بطريقته المميزة ....تضع كحل يبرز جمال اتساع عينيها ومرطب شفاه ...تسمر في مكانه وهو يستوعب كمية الجمال التي يراها الآن ...رباه هي جميلة ...جميلة بشكل لا يُصدق!!يحاول ازاحة عينيه عنها فلا يستطيع ...رغم انها منذ نقاشهما الأخير تتجاهله بطريقة تثير اعصابه ولكنه هو من اراد هذا ولا يستطيع أن يتذمر....

شعرت بوجوده في الغرفة ونظرت إليه وهي تقول بجمود :

-انا جهزت خلاص ...

هز رأسه وهو يخرج بها من المنزل ليذهبا لمنزل والديه وقد سبقه ابنه هناك حيث ان والدته اتت صباحاً واخذته ....

......

في منزل والدي أمير 

-أومال فين عمر ؟!

قالها أمير ما أن ولج لمنزل والديه...لتبتسم والدته وتقول :

-ابنك نام قبل ما تيجي بعشر دقايق...ما شاء الله عليكي يا سما يا بنتي ...مواعيد نوم عمر مضبوطة أووي...

ابتسمت سما ابتسامة حقيقية وهي تقترب من حماتها وتعانقها ...

-أمير أخيرا جيت...

قالتها سهيلة وهي تخرج من المطبخ تحمل بيدها قطعة كعك صغيرة ثم اقتربت منه وعانقته بجراءة وهي تقول :

-وحشتني اووي ....

توسعت عيني سما وقد شعرت ان رأسها سوف ينفجر ...ماذا تفعل تلك المرأة!!!!

ولم تكن سما فقط من صُدمت بتصرفات سهيلة...بل الجميع أيضا حتى أمير الذي ابعدها سريعا وهو ينظر إليها بغضب ....

-انتِ متربتيش ؟!!معلمكيش ان مش مفروض تتصرفي بالطريقة دي مع راجل غريب عنك وكمان متجوز !!

قالها أمير وهو يصرخ بها ....

تصاعدت الدموع بعيني سهيلة وقالت:

-لو حاولت تكدب على الكل بس أنا لا ...أنا عارفة كل حاجة ...عارفة حقيقة جوازكم ...انت عمرك ما حبيتها ولا هتحبها....هي واحدة كانت دايما بتحاول تاخد مكان اختها وفشلت ....

ثم نظرت الى سما وقالت بكره:

-وعمرها ما هتفوز...

لم تتحمل سما اكثر من هذا امسكت كوب العصير على الطاولة ثم سكبته على وجهها !!!


...............

-سيلا ايه اللي جابك تاني ؟!ودخلتي هنا ازاي اصلا ....

قالها بتعب وهو يراها تقف أمامه في عيادته !!!.

-مكانش فيه حد برا المساعدة بتاعتك مشيت ودخلت عادي ...

قالتها بصوت مختنق ...عينيها رطبة بفعل الدموع ....هو لا يتحمل ان يراها تبكي ...حتى الآن ......انسابت دموعها من عينيها وهي تقول بإختناق :

-مش قادرة اصدق أنك بترميني برا حياتك بالسهولة دي ...مش قادرة استوعب ....أنا رميت كبريائي وجيتلك برجلي ....عايزاك تبص في عيني وتقول أنك مش عايزني .....

فرك عينيه بتعب وقال:

-سيلا لو سمحتي خلاص روحي مبقاش بيننا حاجة تتقال ....

-لا فيه ....

اقتربت منه لحد غير مسموح به ...حاول الابتعاد عنها ولكن سحر عينيها سمره بمكانه ...وضعت كفها على وجنته وهي تكمل :

-بص في عيني يا جورج وقول أنك مبتحبنيش....يالا بص في عيني وقولها وانا هصدقك !!قول أنك مبقتش عايزني ....تقدر تبص في  عيني وتقولها ... 

-لا مش هقولها ولا هكدب أنا لسه بحبك ...مبطلتش احبك ولو للحظة واحدة ....ذكرياتنا هي اجمل حاجة في حياتي ....

انهمرت الدموع من عينيها وهي تبتسم بسعادة بينما لمعت عينيه بدموع الألم وهو يقول بإختناق:

-بس الحقيقة ان فيه واحدة تاني في حياتي....فيه مراتي اللي انا عمري ما هجرحها تاني ولا هاجي عليها ...قصتنا خلصت واتكتبت كلمة النهاية ...انصحك....

اهتزت نبرته قليلا وقال بألم :

-انصحك تشوفي حياتك مع غيري ...

شهقت بألم وهي تنظر إليه وتقول :

-وهتتحمل ده ...هتتحمل اني اكون لغيرك ...يلمسني راجل غيرك...مكونش ملكك...

-انتِ مش ملكي يا سيلا...ماريانا بس اللي ملكي...هي الحاضر بتاعي و المستقبل ....

كانت الدموع تنفجر من عينيها وهي تمسك وجهه...تضع جبهتها على جبهته وتقول :

-بس أنا كل حياتك ...انت قولتلي كده ...كنت بتقول دايما مش هتحب غيري !!

-انتِ اللي سيبتيني يا سيلا....

شهقت وهي تبكي بنعومة وقالت:

-كان غصب عني...بس أنا لسه بحبك ...هموت من غيرك يا جورج....عشان خاطري متسينيش ...رجعني حياتك ....

أغمض عينيه بقوة ثم أبعدها عنه وهو يقول :

-مبقاش ينفع خلاص يا سيلا ...قولتلك خلاص قصتنا انتهت للأبد !!!

عينيها لمعت بمكر رغم الدموع بهما واقتربت منه وهي تمسك يده ثم تقبل باطن كفه بجراءة وتقول :

-انت مش هتقدر تقاومني ...

هز رأسه وهو ينظر إليها وقال:

-عندك حق مش هقدر اقاومك ...ودلوقتي حالا هستسلم لو اخدتي أي خطوة...بس صدقيني لو حصل بيننا أي حاجة مش هيكون ليكي مسمى في حياتي الا أنك عشيقة...وده مش لايق عليكي...مش لايق عليكي الرخص يا سيلا ....روحي شوفي حياتك بعيد عني...أنا اختارت حياتي !!

.....

وقفت امام المرأة وهي تنظر الى نفسها ...ابتسامة تتكون على شفتيها وهي تتذكر نبرة الثقة في كلماتها عندما طردت تلك المدعوة سيلا ...ثقتها كانت نابعة من الكلام الذي اطلقه زوجها بوجه سيلا ...انها تعرف ان جورج ليس برجل يخون...قد لا يكون يحبها ولكنه ابدا لن يخونها وتلك هي فرصتها للحصول عليه....سوف تفعل المستحيل لتحصل عليه ....سوف تجعله يحبها....لمعت عينيها وهي تنظر الى نفسها بالمرأة ...غلالة سوداء تناقض بياض جسدها يعلوه مئزر من نفس اللون وجهها ليس به أي اثر لمساحيق التجميل غير لون احمر الشفاه القاني الذي يزين شفتيها ...اغلقت عينيها وهي ترتجف وتتذكر قبلاته لها ...ربما تستطيع ان تنجح هذا الزواج ...لقد اعترف انه يريدها وربما رغبته يوما ما ستتحول الى عشق ....رغم ان عقلها الآن سخر منها واخبرها انها بدون كرامة ولكن قلبها كان له راي آخر ....قلبها يعشقه ...ولا يهمه أي شئ ...سوف تنجح هذا الزواج مهما كلفها الأمر 

.......

ولج لمنزله بتعب ...مواجهته مع سيلا استنزفته كلياً....كل ما يريده الآن ان يعانق فراشه وينام ...ينام ولا يفكر بأي شئ....وجد البيت هادئ قليلا وظن ان ماريانا قد ذهبت للنوم ....تنهد بتعب منها هي الآخرى ...انها تبتعد عنه ....لا تريه وجهها ابدا ....ليس بينهما أي لغة للحوار...كان في البداية ليفرح بأمر هكذا ولكن الآن لا....الآن هو حقا يريد ان يبدأ حياة جديدة مع ماريانا.  حياة طبيعية ...من أجل طفله الذي لم يلد بعد على الأقل .....اتجه الى غرفته التي ينام بها حاليا وفتحها ثم تسمر مكانه وهو يراها امامه ....كحورية خرجت من كتاب الأساطير ..تجلس على الفراش الصغير الذي ينام عليه ....ترتدي غلالة سوداء قصيرة تبرز الكثير ...بينما تبتسم له بإغواء ونواجزها تبرزان بقوة....

-ماريانا !!

اقتربت منه هي بحركات مدروسة لم تتردد ابدا وهي تعانقه بينما تغمض عينيها بقوة ...لقد اشتاقت إليه كثيراً ....ابتلع ريقه وهو يعانقها بدوره...ماذا يحدث آخر مرة حاول لمسها كادت ان تقتله ...فكر بتوتر ...

-ماريانا انتِ كويسة !!

قالها بإرتباك وهو يربت على شعرها ...ابتعدت عنه وهي تنظر إليه بحب ...حب لا يمكنه أن يتجاهله وقالت:

--انا عايزة ابدأ صفحة جديدة معاك يا جورج ...عايزة انسى كل اللي حصل ونبدأ من جديد !!


الفصل الرابع عشر(يبكي الفؤاد)

-,سيلا اهدي!!!

صرخت بها اختها وسيلا تحطم كل ما تراه ...كانت منهاردة بطريقة لم تراها من قبل ....الدموع تطرف من عينيها ...انها خسرته...خسرته للأبد.  .

فكرت وهي تكاد  تفقد عقلها ...كيف تخسره ..هو حبيبها ملكها.   كيف يذهب لأخرى ...هو لها حبيبها ...ملكها هي ..كيف يحدث هذا ...طفرت الدموع من عينيها اكثر  وهي تشعر أنها سوف تموت من فرط الحزن ....سقطت فجأة على الأرض وقد ارتفع نشيجها...نظرت إليها شقيقتها بخوف ثم جلست بجوارها وهي تضمها وتقول :

-اهدي يا روحي ...اهدي ابوس ايديكي !!

-سابني ....اتخلى عني ...جورج اتخلى عني ...

قالتها والدموع تنهمر من عينيها بدون توقف ...كانت تشعر أن قلبها سوف يتوقف ...كانت تشعر بجمود عقلها تماماً...ألم يعد يحبها ...هل ما فعلته سوف ينقلب عليها .....طفرت الدموع أكثر من عينيها وهي تتمتم بجنون ؛

-هموت ...هموت لو سابني......هموت لو راح لغيري ...انا رجعت عشانه ...اتحديت كل حاجة ورجعت ...رجعت وانا عارفة ممكن يحصل فيا ليه .....هموت يا بتول....جورج لازم يرجعلي !!!

-سيلا ..سيلا ...

قالتها بتول بخوف ولكن سيلا نظرت إليها وعينيها الزرقاء تبرق بشكل اخافها وقالت:

-جورج ليا أنا مش هخلي واحدة زي دي تاخده مني يا بتول ...جورج حبيبي ...هو بيحبني أنا ...غلطت لما خوفت من والده وروحت على فرنسا ...بس انا رجعت ...والمرة دي لا بابا ولا باباه هيقدروا يبعدوه عني ...أنا كنت غبية لما خليتهم يأثروا عليا ...بس دلوقتي جورج هيرجعلي ...هعمل اللي محدش هيتخيله عشان يرجعلي ...جورج هيبقى ليا انا وبس ...جورج بيحبني أنا ...أنا شوفت ده في عينيه يا بتول ...روحه بتصرخ بإسمي ...عينيه بتلمع ليا أنا وبس ...أنا وبس يا بتول...ازاي بعد ده كله يروح لغيري..لازم يرجعلي لازم

-جورج متجوز يا سيلا ...مفيش اي فرصة ليكم سوا...هو ليه حياته دلوقتي ...انسيه وابدأي حياتك من جديد...أنتِ صغيرة وحلوة والف واحد يتمناكي !!!

قالتها بتول بلطف وهي تحاول أن تجعلها تصرف نظر عن الجنون الذي تتفوه به ...ولكن سيلا هزت رأسها بقوة وهي تقول :

-لا جورج ليا زي ما أنا ليه ..هو بيحبني أنا ...أنا وبس ....هي مش موجودة اصلا في قلبه

ابتسمت بإنتصار وهي تمسح دموعها وتقول ؛

-مشوفتيش بيبصلي ازاي يا بتول ...الحب في عيونه متغيرش ...هو بس متضايق مني عشان هربت ...بس انا رجعت ومش ههرب منه تاني ...وهنرجع لبعض ....هكون ليه...هنفضل مع بعض طول العمر ...هو مش هيتخلى عني ...هنبقى لحد ما نموت مع بعض !!

لم تتحمل بتول الهراء التي تتفوه به شقيقتها ونهضت ثم قالت بعنف :

-أنتِ بجد مجنونة...بتفكري ازاي يا سيلا ...جورج مين اللي عايزة ترجعيه ده ...بقولك الراجل متجوز ....أنتِ بجد فيه في عقلك حاجة مش طبيعية. . ازاي هتكوني مع واحد متجوز...ده مستحيل ....جورج متجوز ومش هيسيب مراته ...عايزة اعرف ازاي هتكوني معاه وبأي صفة !!!

ملست على شعرها الاحمر الناري بتوتر وقالت :

-بأي طريقة مش مشكلة ...ومش لازم اللي بيننا يكون جواز ....اللي بيني وبين جورج اكبر من كده ...

-أنتِ بجد اتجننتي يا سيلا وبتدمري حياتك وحياة جورج ومراته المسكينة! ...

-مراته المسكينة !!!

صرخت سيلا وهي تنهض وقد توسعت بؤبؤتها غضباً ثم أكملت:

-مين دي اللي مسكينة ..دي خطفته مني !!!أنا وجورج بنحب بعض وهي اللي دخلت وسطنا !!!

-انا عارفة وأنتِ عارفة انها مش خطفته منك ولا حاجة يا سيلا.....وبرضه أنتِ عارفة أنك اللي خسرتي جورج بإيديكي لما هربتي .. كان ممكن تقولي الحقيقة وهو يختار يسامحك ولا لا. .. 

عضت شفتيها وهي تمنع شهقاتها من الخروج وشقيقتها تصفعها بالحقيقة المرة.   نعم هي من خسرته طوعاً ....هي من هربت لانها خافت ان تخسره ...خافت ان يعرف الحقيقة ويكرهها !!

-سيلا والد جورج لو اختار يقوله الحقيقة هيكرهك ...بجد هيكرهك ...مش لأنك استغلتيه ...عشان هربتي ومقررتيش تقوليله الحقيقة

ارتعشت سيلا وهي تسمع كلمات شقيقتها وقالت بصوت ضعيف :

-لا  ...جورج هيتفهمني ...جورج هيسامحني ...أنتِ مش عارفة هو بيحبني قد ايه ...هو بيعشقني ...جورج بيحبني ...أنا عملت كده بسبب بابا ...مكانش قصدي أعمل كده ومكانش في نيتي اصلا ..أنا كنت صغيرة يا بتول ومكنتش عارفة أنا بعمل ايه ...بابا هو اللي كان بيتحكم فيا...أنا مليش ذنب أنا حبيته ...حبيته اووي...وعشان أنا مظلومة جورج هيتفهمني ...جورج بيحبني وهيسامح ...هيعرف اني مكانش قصدي أعمل كده ...ايوة حبيبي جورج هيفهمني!!

كانت تتكلم بسرعة وهي تقنع نفسها أن جورج سيغفر لها ...كانت تحاول قصرا أن تقنع نفسها بهذا ...ولكن داخلها كانت مرتعبة فلو تكلم والده وعرف جورج الحقيقة سوف يكرهها بكل تأكيد...اعتصر قلبها داخل صدرها وهي تتمنى أن يتفهم ....أن يغفر لها وأن يعود ..فهي عرفت بعد فوات الاوان أنها تعشقه

............

كانت جالسة على فراشها ...عينيها تلمع بفعل الدموع لا تعرف ماذا تفعل تشعر ان كل الطرق مسدودة ....هل تستسلم وتوافق على سيف !!هي تعرف انه لا يحبها ...وهي أيضا لا تحبه وقد اقسمت الا تحب بعد قصتها مع خطيبها...ذلك الرجل الذي تركها ...حطم قلبها ...هو من جعلها تكره شكلها اكثر ..ما ذنبها هي ....هي تلعن ذلك الرجل الذي فعل هذا بها...لقد دمر حياتها ...دفنت رأسها بين ساقيها بينما الدموع تنساب من عينيها...ليتها تموت هذا سوف يكون افضل لها !!!ربما الموت هو الحل الأفضل لها ...بتلك الطريقة هي لن تكون عبأ على احد ...لن يتحكم بها أي أحد كما يريد ....سوف تكون حرة...سوف تكون مع والديها للأبد ...تلك الفكرة كانت تتسلل لعقلها ...فكرة أن تقتل نفسها لترتاح ولكن خوفها من غضب ربها كان يمنعها كل مرة ...

انتبهت عندما سمعت طرقة خفيفة على الباب ....نهضت مسرعة وهي تأخذ نقابها وقالت بصوت مختنق :

-اتفضل...

ولج جلال للغرفة وهو يحمل صينية الطعام ...عينيها الزرقاء لمعت بغضب وقالت بصوت مكتوم :

-نعم ...

-متغدتيش النهاردة...حتى الاكل اللي حضرتهولك عزيزة ممدتيش ايديكي عليه وانا سيبتك براحتك...بس أنا جيبتلك العشا بنفسي ....

زمت شفتيها وهي تمنع نفسها من قول اي تعليق قد يجرحه...معاملته اللطيفة تلك تجعلها تشعر بالذنب ....تحاول أن تتمسك بغضبها نحوه ..تتذكر أنه تخلى عنها ...تتمسك بتلك الفكرة كي لا تغفر له هو وابنه ....

-مش عايز اكل شكرا !!!

قالتها بصوت مكتوم ليبتسم بلطف ويقترب أكثر ثم يضع الصينية على الفراش ...شدها برفق وجعلها تجلس على الفراش وقال:

-عشان خاطري كلي....أنا عارف اني مليش عندك خاطر بس معلش اجبري بخاطري مرة ....

تأففت وهي تشيح بوجهها بعيدا ...حاول هو أن يبعد نقابها لكي يطعمها ولكنها انتفضت وهي تبعد يده ....لم تكن تسمح له ان يرى وجهها ....

-لو سمحت ...

قالت بصوت مختنق ...ثم اكملت وهي تشهق :

-خلاص سيب الاكل هنا أنا هاكل لوحدي ....

نظر إليها بحزن ...كان ضميره يعذبه بشأنها...كيف ترك المشاكل التي بينه وبين شقيقه يتخلى عنها هي ...هي من اعتبرها ابنته...صحيح انه كان يطمئن عليها عن طريق التواصل مع خالتها ...نعم هو تواصل مع خالتها كثيرا ليعرف اخبارها ...ولكنه لم يكن ابدا بالصورة ...وهذا تسبب انها قد تأذت...ولكنه يقسم انه لن يترك الشخص الذي فعل هذا بها...سوف يجده وسوف يقتله بيده ...لن يرحم الشخص الذي دمر حياة مياس وكما انه سوف يعوضها عن كل ما حدث لها 

كانت تتابع نظراته وهي تشعر انها تختنق  ...نظارات الشفقة تلك تقتلها ...هي لا تريده ان يشفق عليها...هذا الشعور يقتلها...

-ممكن متشفقش عليا !!!

قالتها بحرقة لتتركز عينيه عليها فتكمل :

-مش محتاجة شفقة من حد أنا كويسة وهقوم على رجلي حتي لو وقعت مرة او اتنين او مية حتى أنا هقوم ومش هحتاج لأي حد فيكم ...

ابتسم جلال وهو يشعر بالفخر وقال:

-انا عارف ده كويس يا مياس ...عارف قد ايه انتِ قوية ...عارفة أنك هتقومي تاني  ...عارفة أنك مش محتاجة أي حد فينا...أنا واثق فيكي ...

اشاحت بوجهه عنه ....

امسك جلال كفها فجأة لتنتفض وهي تنظر إليه ...شعرت بعدم الراحة وهي تجده يمسك كفها...إذ شعرت بمشاعر الابوة التي افتقدتها منذ وفاة والدها....رغم انها تقنع نفسها انها تكره جلال ولكنها تشعر نحوه بمشاعر الابوة التي حُرمت منه ...تشعر نحوه بالامان ....تلك المشاعر التي تغضبها بشدة لان هذا الرجل تخلى عنها ...لم يكن معها في اكثر لحظاتها ظلاماً...

-أنا آسف يا بنتي ...آسف يا مياس ....

فغؤت فاها وهي تسمع اعتذاره الصادق...شد على كفها وقال :

-انا غلطت في حقك يا مياس ...سيبت المشاكل اللي بيني وبين اخويا تأثر عليكي ...سامحيني يا بنتي.  ....أنا هعوضك عن كل حاجة شوفتيها وحشة في حياتك ...ده وعد مني 

ارتعشت وهي تنظر إليه ...اعترافه الصادق زلزال شئ داخلها....اعتذاره هزها بقوة ....شعرت ان غضبها يتسرب شيئا فشئ ...حاولت ان تتمسك يغضبها نحوه ...الا تضعف وتغفر ولكن الغضب كان فعليا ينسل من قلبها ولم يبقى الا الألم ...الألم فقط ...وجدت نفسها دون ارادة منها الدموع تكرف من عينيها بقوة ....ووجدت نشيجها يرتفع...حاولت ان تكتم بكاؤها ولكن الأمر فوق طاقتها....أحرقت لدموع عيني جلال وهو يراها تبكي بتلك الطريقة 

-ليه اتخليت عني يا عمي ...أنا ذنبي ايه!!أنا كنت محتاجاك...طول عمري كنت محتاجاك ....كان نفسي تيجي تطبطب عليا لما اهلي ماتوا ...تقولي أنك معايا ومش هتسيني ابدا ...استنيتك كتير ....

قالتها بنبرة كسيرة...ثم نظرت إليه بلوم وقالت :

-تعرف اني كمان استنيتك لما حصلتلي الحادثة دي ...كنت خايفة اووي ...كان نفسي احس بالامان ..بس أنت مجتش ...ولما جيت جيت بعد ما الاوان فات...

لم يتحمل وجذبها إليه ثم عانقها وقال:

-سامحيني أنا هعوضك عن كل اللي شوفتيه في حياتك ....

ابعدها قليلا وهو يمسح دموعها ويقول بتوسل:

-بس اقبلي طلبي....اتجوزي سيف ابني!!

...........

بعد أسبوع ...

فتحت عينيها بكسل وهي تجد مكانه فارغ . .نهضت وهي تتثاءب بكسل ... لقد مر  أسبوع تقريباً منذ تلك الليلة التي قررت أن تعطيه فرصة  ...وهو اثبت فعلا أنه يستحق.....فهو قد تغير معها لدرجة مبهرة ....أصبحت تحظى بإهتمامه....ولكن ليس حبه ...ولا قلبه  ..احتشد الألم في قلبها وهي تتنهد بتعب ...هي لا ترى في عينيه تلك النظرات التي كانت تراها بعينيه عندما نظر إلى سيلا ...صحيح أنه مخلص لها ...مراعي ومهتم ...يعاملها بتهذيب ولكنها لم تلج إلى قلبه ...ما زالت تشعر وكأنه يحيط قلبه بالجليد نحوها...هو لا يسمح لها بالولوج لقلبه ....لا يستسلم لحبها ...مهما حاولت أن تنفذ لاعماقه تفشل ...أنها تحارب ...تحارب جموده وتحارب بقايا مشاعره لسيلا ..ولكن هل هي فعلا بقايا مشاعر أم أن قلبه بالكامل ملكها ...ذلك الخاطر كان يزعجها للغاية .....هل يمكن أن يفشل في ان ينسى سيلا...هل يمكن أن تظل هي بينهما للأبد ....هل ستحظى بقلبه يوما ام سيظل قلبه مع سيلا وستظل كي تكتوي بنيران الغيرة ....تلك الأغطار ازعجتها بشدة لدرجة ان هذا ظهر على صفحة وجهها ....

تجهم وجهها وهي جالسة على فراشها بينما تلك الافكار تتقافز بعقلها .. ...

-ماريانا ...

قالها جورج وهو يلج للغرفة ليجدها جالسة على الفراش بشرود ...كانت تبدو فاتنة هذا الصباح شعرها الاسود الطويل ينسدل على جانبي وجهها ...مشعث قليلا ....وجهها صافى للغاية بعينيها السوداء بريق جذاب ...بدت ببساطتها جميلة للغاية....ابتسم بلطف وهو يقترب منها ثم جلس بجوارها وقال وهو يتأملها بإهتمام :

-ماريانا ....

ولكن لا رد ...مد كفه نحوها 

-سرحانة في ايه ؟!

قالها وهو يلمس كفها ...شهقت بخفوت وانتبهت له ..ثم ابتسمت له بإتساع حتى باتت نواجزها وهي تقول :

-بفكر فيك وبس يا حبيبي. ..

-بتفكري فيا لدرجة أنك مش سامعاني وانا بنادي عليكي ...

اابتسمت بإتساع وقالت :

-بالضبط ...

نهض بهدوء وقال:

-طيب كفاية تفكير فيا ويالا بقا أنا جهزت الفطار ...يالا اغسلي وشك عشان تفطري وبعدين تجهزي عشان اوصلك للبيوتي سنتر ...

هزت رأسها بطاعة ثم مدت كفها لكي يساعدها ليهز رأسه مبتسماً ويقول :

-بجد متدلعة ...

ولكنه ساعدها كي تنهض لتقترب منه ثم تعانقه بحب...حاوطت  بذراعيها الناعمة  ظهره وهي تشده إليها  ....توتر قليلاً ....هو لا يحب مباردتها تلك ...يعرف ما تريد أن تفعله ...تريد أن تكسب قلبه ...تريد أن تحتله ...تبقى هي المالكة الوحيدة !!...وكل ما تفعله للاسف لن يفيد ...هو حُكم عليه أن يعشق من لن يمتلكها ابدا...حُكم عليه أن يحب امرأة لن يحصل عليها أبدا !!!.....تنهد بتعب وهو يبعدها بلطف ويقول وهو يحاول التهرب من عينيها التي تنظر إليه بحزن ...

-يالا عشان تفطري 

ثم تركها وذهب....

...........

وقفت أمام المغسل وهي تنظر إلى انعاكسها في المرآة ...تتذكر كيف تملص منها ...وضعت كفها على قلبها وهي تفكر أنها تحبه ...تحبه بجنون ولكنه لا يحبها مهما فعلت ...ما زالت تلك تسيطر عليه...التهمتها نيران الغيرة من الداخل .. شعرت انها تموت من فرط الغيرة ....اسئلة كثيرة بدأت تشغل عقلها ...لماذا هي ...لماذا ...لماذا لا تحظى ماريانا بقلبها...هي تعشقه ..تفعل المستحيل من اجله فلماذا لا تحظى بحبه بكل بساطة ...تلك الاسئلة كانت تنهكها بالفعل ....فتحت صنبور المياة وامسكت غسول الوجه الخاص بها ثم بدأت في انعاش نفسها استعدادا للفطور 

......

كان جالس يتناول إفطاره بشرود...لقد اختفت سيلا من حياته تلك الأيام ...لم تعد تزعجه ...ما زال يتذكر اخر لقاء بينهما ...تذكر انهيارها ...اعترافها المتكرر لحبه ...ثقتها أنه سوف يضعف أمامها ...الثقة التي كانت بمحلها فعليا ...هي لو حاولت معه سوف يستسلم لها بكل تأكيد ...صحيح أن الندم سوف سأكله من الداخل ...ولكنه يعرف أن أي محاولة لها معه ستجعله يستسلم ....هي تدرك سلطانها عليه جيدا...وهو لا ينكر سلطانها ...لقد قضى معظم حياته وهو يعشقها هي فقط .....رسم احلام كثير معها ....رغم أنها حطمت قلبه من قبل إلا أنه عجز عن كرهها ... حبها كان كالمرض رفض هو أن يتعافى منه ....لقد تغلغلت داخل قلبه وحكمته...فكيف يتوقف عن حب المرأة الوحيدة التي ملكت قلبه...هذا مستحيل تماما ....سيلا ستظل داخل قلبه حتى يموت هو متأكد من ذلك ولن يقرب احد مكانها...ومهما حاولت ماريانا لن تحصل على قلبه ...كل ما تفعله غير مجدي حقاً!!!

كانت تنظر  ماريانا إليه بحزن..تريد النفاذ إلى عقله ...أنه يفكر بها. ..تعرف هذا جيدا ...هذا واضح من شروده...ما زالت تحتله تلك المرأة....مهما حاولت ازاحتها عن عقله تفشل تماماً ...ولقد سئمت ماريانا من الفشل ...سئمت من ان تكون بالمرتبة الثانية بعدها ....حقاً تعبت!!!

فجأة انساب السؤال بنعومة من فمها وقالت:

-جورج انت بتحبني ؟!

رفع جورج رأسه وقد لمعت عينيه الزرقاء وهو ينظر إليها بحيرة لتكرر سؤالها :

-جورج انت بتحبني ...

-ايه السؤال ده يا ماريانا ..

-ماله السؤال ...سؤال عادي ،  بسأل بتحبني ولا لا ...سؤال بسيط من حقي تعرف اجابته !!!

ابتلع ريقه وهو ينظر إليها و قال بكل صراحة:

-للأسف مقدرتش  احبك ..

...............

لا يعرف متى بدأت تتعلق نظراته بها ....متى أنقلب النفور لألفة بقلبه ....متى بدأت عينيه تتأملانها ....ومنى بدأ بتأنيب نفسه لدرجة أنه يفعل المستحيل كي لا تقع عينيه عليها...هل فقد عقله ...هل يعقل أن الشفقة التي يشعر بها حيالها هي من تفعل هذا ....لا يمكن أن يكون هناك مبرر آخر ...هو مجنون لو فكر في أمر آخر ...لقد جرب حظه بالحب مرتين وفشل في كل منهما ...لقد انكسر قلبه ولن يسمح لنفسه أن ينكسر مره اخرى يكفي ما حدث له ...يكفي الخيانة التي تعرض لها مرات عديدة ركز أكثر على ما سيشرحه ولكن عيناه كانت تخونه احيانا وتسقط عليها ...

على الناحية الأخرى كانت تشعر ماجدة بسخونة وجنتيها كلما تشعر ان عينيه تسقط عليها ...لقد ظنت في البداية انها تتوهم ولكن لا ...الأمر واضح ...انه ينظر إليها....الأمر بقدر ما كان مربك الا انها كانت غاضبة أيضا ...لماذا ينظر إليها بتلك الطريقة ...تحاشت النظر إليه قدر الامكان ولكن كفيها بدءا في الارتعاش ...شعرت فجأة بالإختناق وانها تريد مغادرة قاعة المحاضرات ....تريد الهروب ....لا تعرف سبب هذا الضيق ولا تفهمه....حل ما تعرفه انه يوترها ...يبث الرعب بقلبها ...والسبب مجهول 

.......

انتهت المحاضرة على خير وتنفست الصعداء ثم قررت ان تهرب الآن ...لملمت اشياءها ثم نهضت مسرعة ترى باب الخروج من القاعة كبوابة إنقاذ  لها ..ما ان كادت ان تخطي باب الخروج حتي تجمدت وهي تسمع صوته يهتف بإسمها ...ابتلعت ريقها وهي تستدير وتنظر إليه ...أطرقت براسها وهي تنظر الى الأرض  بينما اخذت تبتلع ريقها بشكل مبالغ به ....كان هو من الأساس مصدوم من نفسه ...لماذا هتف بإسمها ...هل هو مجنون...بما كان يفكر ...كيف يتصرف بتلك الطفولة...

حك جبهته بضيق وهو يراها تقترب منه ...لا تقوى على النظر إليه من الاساس....كان يفكر بحجة يخبرها اياها كي لا تعتقد انه مجنون....

وقفت امامه وهي تنظر إليه عينيها السوداء تحدقان به بحيرة وقالت بصوت مرتبك :

-نعم يا دكتور ...

حك انفه وقال :

-كنت بس حابة اسألك فيه حاجة واقفة معاكي في الشرح...انتِ غيبتي فترة طويلة شوية ....وانا بس كنت حابب اتأكد أنك مفاتكيش كتير ....

فركت كفيها بتوتر بينما عض لسانه بغباء...حقا ما الذي يقوله !!!!

حك جبهته بتوتر وقال :

-انا بعتذر لو عطلتك تقدري تروحي ...

هزت رأسها بسرعة ثم خرجت من قاعة المحاضرات ليطحن اسنانه بغضب وكل ما يريده الآن ان يلكم نفسه على غباءه !!!ماذا يحدث معه ....هل فقد رشده ام ماذا!!!...هز رأسه بعنف نوعاً ما وهو يقرر ان يضع لجنونه حد !!

......

كانت تسند رأسها على نافذة سيارة التوصيل العامة...بينما تشعر بقلبها يرتجف كلما تتذكر نظراته إليها....ابتسمت ساخرة من نفسها ....هل هي مراهقة لتهاجمها تلك المشاعر السخيفة ...كانت تشعر حقاً بالإختناق ...ما الذي تفكر به ...الم تقسم انها سوف تعيش لاجل ابنها...ابنها فقط ...لن تدخل أي رجل حياتها أبدا....لقد اقترفت هذا الخطأ مرتين  ولن ترتكبه مرة ثالثة....أحرقت الدموع عينيها وهي تتذكر أول حب لها ... رأفت ...جارها ....الشخص الذي عاش في نفس حارتهم لسنوات عديدة جداً .  لقد قضت طفولتها ومراهقتها وشبابها وهي معجبة به بالسر ....لم تبوح بإعجابها له ابدا....بل دفنته داخلها...كانت ناضجة لدرجة انها عرفت ان مشاعرها تلك لا يجب أن تخرج ...ولو كان هو يبادلها اعجابها سوف يتخذ خطوة رسمية ...مرت السنوات وهي تشعر بعينيه ترقبانها ولكن دون ان يتخذ خطوة رئيسية وهي لما تعيره أي انتباه ...كانت تتحكم بنفسها  جيدا تعرف حدودها ....لم تسمح لنفسها ان تنزلق خلف المشاعر العاصفة التي تعصف بها ....الى ان اتى  اليوم الذي تقدم لخطبتها الرجل المناسب من وجهة نظر والديها .....كان الرجل المثالي ...وسيم وميسور الحال  ومن عائلة محترمة....ورغم ذلك قالت لا ...ولكن الرد عليها كان صفعة من والدها....صفعة قوية ما زالت تشعر بألمها حتى الان ...تلك الصفعة احدثت ضرر كبير داخلها ...خاصة وان والدها كان دوما حنون ولم يضربها قط ...ولكن رفضها المفاجئ جعل الجميع يشكون بأمرها ...ولتمحي أي كلام يُقال وافقت مضطرة على الزواج منه....تزوجت لطيف ومحت رأفت من عقلها .....رسمت احلامها مع لطيف ....وجعلته اهم شخص بحياتها وهو كان رجل رائع للغاية....كان يعشقها...لم يجرحها بكلمة قط ...دللها كما لم يدللها احد من قبل ....حتى أنه وقف بجانبها عندما توفيا والديها ...وهي أحبته ...احبت حنانه ...تفهمه لها....شعرت ان تحبه لذاته...سمحت لقلبها ان يعشقه حتى أصبح ملكه..كان زوج رائع ...ووالد رائع ...كان رجل مثالي بمعنى الكلمة ولكن .....

اغمضت عينيها والدموع الساخنة تتسلل من عينيها ...لقد اكتشفت حقيقته السيئة ...الحقيقة التي احرقتها ...دمرت عالمها...اكتشفت ان زوجها ...والد أطفالها هو تاجر مخدرات .....رجل بغيض دمر الكثير. ..تلك الحقيقة لم تدمرها فحسب بل دمرت ابنائها أيضا !!!

........

-انا بجد مش مصدقة ..النهاردة خطوبتك !!

قالتها مادونا وهي تعانق صديقتها بصدق بينما تضحك بكل سعادة...ابتعدت عن رحيق وامسكت كفها وهي تقول:

-اهو ربنا عوضك بواحد وسيم وحالته المادية مرتاحة كمان ...كنت عارفة ان ربنا هيعوضك عن أي حد خذلك...

ثم نظرت بطرف عينيها لمؤيد الذي ولج بغرفة المدرسين ....

كان ينظر الى رحيق بحزن ...ما ان سمع انها سوف ترتبط بشخص  آخر واهتز عالمه...لا يعرف لماذا ولكن هذا ألمه بقوة ...هل يمكن أن يكون احبها لتلك الدرجة ....ابتلع ريقه عندما شعر بالتوتر في الجو ولكنه ابتسم بكل هدوء وقال بلطف بالغ :

-ألف مبروك يا انسة رحيق ...

-الله يبارك في حضرتك ...

قالتها برسمية شديدة ليخرج هو مسرعاً...

-بجد جبان...

قالتها مادونا بتقزز...نظرت إليها رحيق بلوم لترد بعصبية وتقول :

-بقول الحقيقة ..هو انسان جبان بتاع امه مش بيعرف ياخد قرار عملك البحر طحينة وفي الاخر مقدرش حتى يقف قصاد امه...

ابتسمت رحيق من تحت نقابها بلطف .....انها حقاً تحب مادونا ...دوما تشعرها بالحماية ...تغضب ام احزنها أحدهم ....تمنت دوما ان تحبها شقيقتها نوران بتلك الطريقة...ولكن نوران لم تستطع بعد تجاوز كراهيتها نحوها ...تنهدت مبتسمة ثم قالت :

-ده نصيب يا مادونا ..وبعدين يمكن ده الاحسن أنا لو ارتبطت بيه ممكن مكنتش هتفق مع والدته ويحصل مشاكل ...فاعرفي أن ربنا مبيقدرش حاجة وحشة وهو ربنا بإذن الله يديله الاحسن ...دي اقدار ومكتوبة وبعدين يا ستي اتقدم وزي أي واحد محصلش نصيب الحمدلله على كل حال وبإذن اللي ربنا يعوضه باللي احسن مني 


-انا بجد مش عارفة انتِ ليه طيبة بالشكل ده يا رحيق ...ده واحد جبان قرر ياخد خطوة وبعدين اتراجع ...أنا بجد بكره الناس الجبانة اللي زيه ...مش بطيقهم ابدا ...هو جه وقال هتجوزك وبعدين اتراجع عشان خايف على امه...اسم الله عليه ابن امه ...كان مفروض يتفطم الأول قبل ما يروح يخبط على بيوت الناس ....رجالة آخر زمن 

فركت رحيق جبينها وهي تكتم ضحكتها...ربتت على كتف صديقتها وقالت:

-انا عايزاكي تنسي الموضوع بجد هو مش مهم ...أنا دلوقتي مرتاحة...كل حاجة نصيب ....

ابتسمت مادونا وقالت وهي تمسك كف رحيق ...كانت نظراتها تشع من السعادة وقالت :

-يالا مش مهم مش هنديله أهمية ...المهم انك مبسوطة يا رحيق ...وانا مبسوطة اووي عشانك ...مش مصدقة انك هتتجوزي يا قطة اخيرا ...قولتلك يا بنت ربنا هيعوضك بإذن الله ...واهو عوضك بواحد وسيم وغني وبيحبك وبإذن الله تكمل الفرحة ويبقى ابو اولادك في المستقبل 

شحبت  رحيق وهي تنظر إليها ...شعرت بغصة في قلبها ....لو فقط تعلم بحقيقةوهذا الزواج...لو تعلم انها سوف تكون مجرد مربية والمسمى زوجة ....بالتأكيد سوف توبخها على ما افعلها بنفسها ...ولكن هل بيدها شئ آخر لكي تفعله...هي مجبرة على هذا ...مجبرة على ان تمضي في هذا الزواج ....لا تريد لأي احد ان يعايرها مجددا...،لا تريد أن ترى نظارات الشماتة والشفقة مرة أخرى ...سوف تتقبل نصيبها بنفس راضية ولن تشتكي او تحزن...سوف تذكر ربها على كل شئ!

.......

كان جالس بفناء المدرسة يشعر بالألم يعصف به....لا يصدق أنها سوف تتزوج...شعور مقيت بالغضب والحزن يلف قلبه ...لقد أرادها حقا وظن أنها سوف تكون له ...بغباؤه ظن أنها لن تتزوج وبالأخير سوف تكون من نصيبه عندما يقنع والدته ولكن خبر خطبتها من شخص آخر زلزل كيانه ...وأخذت الاسئلة تنهش عقله عن ماهية هذا الشخص وهل احبها ليتقدم لطلبها ....واين رأته ...الأسئلة تدور بعقله ولا تنتهي ...وكبما عجز عن ايجاد الإجابة كلما شعر بغضب اكثر ...وكلما نهشته الغيرة اكثر ....تنفس عدة مرات ليسيطر على نفسه ...فجأة تجمد وهو يراها تخرج مسرعة ...بالتأكيد خرجت اليوم مبكراً كي تجهز لخطبتها. ..فكر بضيق !!

وقف فجأة  في طريقها ...كان يعلم أن ما يفعله ضرب من الجنون ولكنه كان غاضب ...غاضب بشكل كبير....وغضبه كان نحو نفسه لأنه اضاعها ...توترت وهي تراه يقف في طريقها بتلك الطريقة وتصاعد غضبها ...لقد اكتفت من وقاحته ...لا يمكنه أن يفعل هذا وتصمت له ....يجب ألا يتعدى حدوده معها ...ولكنها بمهارة تمسكت بأعصابها التي كادت أن تفلت منها ثم كادت أن تتجاوزه إلا أنه وقف في طريقها مرة أخرى ..عينيها السوداء التمعت بغضب وهي تقول :

-سيد مؤيد ايه اللي انت بتعمله ده ...ميصحش كده !!!!

ازدرد ريقه وهو ينظر إليها ...ام يعرف ماذا يقول وكأن الحروف تعسرت على لسانه ...

-رحيق أنا ....

توسعت عينيها بغضب وتراجعت وهي تقول :

-لو سمحت متتكلمش معايا بطريقة مش رسمية ...ولو سمحت متقفش في طريقة مرة تانية اللي بتعمله ده ميصحش أبداً...حاولت افهمك بالذوق قبل كده ...لكن بجد لو اتكرر انت هشتكيك....

ابتعد بإنهزام عن طريقها وقال بيأس:

-أنا آسف يا آنسة رحيق !!!

............


في المساء ...

-أنتِ لسه ملبستيش ؟!النهاردة خطوبة اختك يا نوران ...مش معقول ؛!!

قالتها والدتها بغضب وهي ترى نوران تتسطح بدون مبالاة على الفراش...نظرت نوران الى والدتها وقالت ببرود:

+مليون مرة قولتلك دي مش اختي ...ان كنتي اتقبلتيها خلاص وبقيتي تعامليها زي بنتك ونسيتي انها بنت الست اللي خطفت بابا منك براحتك ...لكن أنا مش نسيت ولا عمري هنسى...فريحي دماغك وسيبيني في حالي ...

احمر وجه دلال من الغضب ...غضبها كان موجه لنفسها في البداية...ربما هي السبب في كره ابنتها لرحيق...تلك الفتاة المسكينة لم يكن لها ذنب في أي شئ ...لقد تزوج زوجها وهي رضت وبقت معه...بل انجبت منه أيضا...وربت ابنته...هي اختارت هذا الطريق بملء ارادتها ...لانها احبت زوجها ...حبها كان أقوى من انين كرامتها...صحيح ان كرامتها ثارت لما يحدث ولكن قلبها كان له السلطة ...قلبها الذي عشقه رفض بشدة ان يتركه وهي اتبعت قلبها ولم تندم...خطأها الوحيد انها دون قصد زرعت الكراهية بقلب نوران ابنتها نحو رحيق ووالدتها....رحيق ليس لها أي ذنب في هذا ...الفتاة المسكينة عانت الكثير .....

-قومي يا بنتي الله يهديكي البسي عشان خطوبة اختك  ...

قالتها والدتها وهي تتوسلها تقريبا ..

كتفت ذراعيها وقالت :

-لا يا ماما قولتلك مش هلبس ومتقوليش اختي ...دي مش اختي !!!

ولج امجد للغرفة وهو يقول بينما ينظر لشقيقته :

-فيه ايه ؟!

-اختك مش عايزة تحضر خطوبة اختها يا أمجد !!!

نظرت نوران إليها شذرا وقالت:

-قولتلك متقوليش انها اختي ...دي مش اختي ...ومش هحضر حاجة ويارب خطوبتها تتفركش

-نوران ايه اللي بتقوليه ده ؟!عايزة تكسري فرحة رحيق ...حرام عليكي!!

قالها أمجد بضيق وهو ينظر إليها ..احتشدت الدموع بعينيها شعرت وكأن نيران تحرقانها.....تنظر إليه بحزن بالغ وهي ترى اهتمامه برحيق....لماذا يهتم برحيق لتلك الدرجة ....لماذا لا يرى حزنها ...لا يرى انهيارها ...لماذا غفلا عما حدث معها ...عن انتهاكها....الجميع اهتم برحيق ...وهي لا ....

ما امجد ينظر إليها بثبات ...يرى دموعها تتساقط تباعا ...تألم قلبه وهو يراها بتلك الحالة ...يجب أن يعرف ان انشغاله بمشاكله مع خطيبته وانشغاله مع رحيق جعله يهمل شقيقته الصغيرة ...هو ابدا لم يلاحظ تلك العلامات القاسية التي تظهر على وجهها ...لقد نسى شقيقته الصغرى...اهملها ويعترف بهذا ...

تنهد وهو يقترب من نوران ...سحبها من ذراعها حتى اوقفها امامه...ثم عانقها وهو يربت على شعرها وقال برفق :

-انا عايزك تحضري معانا الخطوبة...الفرحة من غيرك هتبقى ناقصة يا نوران .....

انتحبت بخفوت ودفعته برفق قائلة بنبرة مكسورة :

-لا هتكون ناقصة ولا حاجة يا أمجد...محدش فيكم اصلا مهتم أنا بيحصل ايه في حياتي ....تقريبا لو موت محدش هياخد باله .. .

شهقت دلال  لينظر إليها امجد بصدمة فأكملت نوران :

-ايه صدمتك يا أمجد ..دي هي الحقيقة ...محدش فيكم مهتم بمشاكلي ..محدش مهتم أنا تعبانة زلت حزينة ...ولا بموت حتى ...الاهم عندكم هي رحيق ...والمبرر اصلها حرام يتيمة ...اصلها حرام كبرت ومتجوزتش....انشغلتوا بمشاكلها وسيبتوني...فاعملوا فيا معروف  وسيبوني للاخر...أنا مش عايزة احضر خطوبة حد ...روحي افرحوا وانبسطوا وسيبوني في حالي !!!

.....

بالفعل بعد دقائق كانت جالسة على فراشها وقد تركها شقيقها ووالدتها ...دقة اخرى على الباب جعلتها تزفر بضيق ...لقد اتت والدتها مرة أخرى لتقنعها هذا أكيد !!!

-ادخل ...

قالتها بضجر وهي متوقعة انها سوف ترى والدتها ...ولكن من رأته هي رحيق  قد ولجت للغرفة بينما ترتدي فستان كريمي فضفاض ونقاب من نفس اللون وقالت:

-فينك مش هتحضري خطوبتي ....

نظرت إليها بكره وقالت:

-لت مش هحضر الخطوبة ....واحضرها بتاع ايه اصلا !!

-انتِ اختي!!!

قالتها رحيق وقلبها يعتصر ألما....هزت نوران راسها وقالت :

-لا أنا مش اختك ولا عمري اعتبرت أنك اختي ..عمري ما حبيتك ولا هحبك ...انتِ زي امك بالضبط ...مجرد حرامية ....هي سرقت مكان امي وانتِ قدرتي تسرقي مكاني....محدش بقا مهتم بيا بسببك ....

دموع رحيق انسابت من عينيها ....انها حقا تحب شقيقتها يؤلمها ان تراها بتلك الحالة ...انقبض قلبها من حالة نوران ....هل هكذا تشعر نحوها ....هزت رحيق رأسها وقالت بصوت مختنق:

-محدش يقدر يسرق مكانك في قلب امجد وما دلال يا نوران ...أنا حتى لو كنت عايزة أعمل كده مش هقدر...احنا كلنا هنا بنحبك وحقك عليا لو في يوم زعلتك من غير قصد ..لكن أنا والله بحب ....

-اخرسي!!!اياكي تتكلمي وبلاش تلعبي الدور الرخيص ده ...انتِ مبتحبيش الا نفسك ...نفسك وبس...يالا اتفضلي اطلعي برا ...مش عايزة اشوف وشك ....

هزت رحيق رأسها وهي تغالب دموعها ثم خرجت مسرعاً ....

ما ان خرجت رحيق حتى انهارت نوران على الفراش كان قلبها يتمزق ...تشعر انها سوف تموت ...الغضب والندم وشعورها بالذنب بتصارعان داخلها ...انها تشعر وكأن شر كبير يجثم على صدرها....تريد أن تتحدث ...تصرخ بقوة...تتحدث عما حدث لها ...عن انتهاكها من قبل شخص لا يعرف الرحمة . .ولكن هي لا تلوم نفسها بس....عائلتها هي السبب ...نعم هي من تسببت في هذا كله ...وهي لن تغفر لهم ما فعلوه بها...لقد كانت ضحية الجميع ....دفنت رأسها عميقا في الوسادة وهي تبكي بعنف ...الألم في قلبها شديد ....تتمنى ان ينتهي يوما المها....تتمنى ان تعود وتحب الحياة من جديد !!

....

ولج أمجد لغرفة شقيقته نوران ليجدها تبكي على الفراش بإنهيار 

وقف امام فراشها وهو يراها تبكي بذلك الشكل ...لقد فتحت عينيه بقوة ....لا يصدق انه قصر بحق شقيقته الصغيرة ...لقد وعد والده ان يهتم برحيق وبها وهو لم ينفذ وعده له ....هو اهمل صغيرته وعليه ان يصلح الوضع ....اقترب من فراشها وشدها لحضنه ...قاومته بشراسة وهي تبكي بإنهيار :

-لا لا ابعد خلاص...مش قررتوا كلكم تبقوا في صفها...خلاص سيبوني أنا في حالي ....سيبوني ...

-نوران اهدي ...

-لا مش ههدي....خلاص ابعدوا عني ....رحيق هي الاهم عندكم دلوقتي ...ليه جايين....

-نوران اهدي ...اهدي يا حبيبتي ؛!!

قالها أمجد وهو يضمها بقوة ثم اكمل بندم :

-انا آسف ...آسف بجد يا حبيبتي اني ماخدش بالي أنك بتعاني ...آسف جدا يا نوران ...بس من النهاردة هاخد بالي كويس منك اووي....

ابعدته عنها وقالت وهي تنظر إليه بعيني حمراء بفعل البكاء :

-للاسف يا شيخ امجد الاوان فات !!

................


-يا عيني عليكي يا بنتي هتعيشي في المكان ده طول حياتك !!

قالتها والدة اريام وهي تنظر لمنزل امجد حيث أنها أتت لتحضر خطبة شقيقته رحيق. ..كانت تنظر للمنزل بإمتعاض...رغم أن المنزل كان راقي إلى حد ما ومنظم إلا أن وجوده وسط تلك الحارة الوضيعة جعلتها تمتعض أكثر ...هي لا تريد لابنتها أن تعيش هنا ...كيف يمكن لابنتها المهندسة أن تعيش بهذا المكان ...لقد حلمت أن تمتلك ابنتها مكان بأرقى حي في مصر ...لا تريد لها أن تقطن بحارة وضيعة مثل تلك ....تنهدت أريام بنفاذ صبر وهي تقول :

-أمي لو سمحتي خلاص كفاية كده !!

قلبت شفتيها بسخرية وقالت:

-بشوقك يا حبيبتي انتِ اللي هتندمي بعدين ...ياريت متجيش تعيطيلي بعدين ...أصل بصراحة ده مش مستوى حد يعيش فيه ...

قالت جملتها الأخيرة بإشمئزاز.

.......

كانت جيلان تقف بعيد وهي تنظر إليها تشعر بقلبها يعتصر وهي تنظر إليها ...تنظر إلى تلك المرأة التي أخذت مكانها ...تلك المرأة التي اختارها امجد ..

كتمت حسرة في قلبها وهي تحاول الا تنهار أو تبكي ...اطرقت بعينيها أرضا وهي تفرك كفيها بتوتر ....ترغب في الذهاب الهروب ولكنها لا تستطيع ....شهقت بخفوت وهي ترى والدتها تقف بجوارها ...تنظر إلى اريام أيضا وتقول :

-عقبال ما ربنا يهديكي يا بنتي ...ونفرح بيكي ...

نظرت إليها جيلان وهي تشعر بالإختناق لتكمل ؛

-بصي على الحقيقة ومتبقيش غبية ...جايب خطيبته هنا .....شوفيه متمسك بيها ازاي ...بيحارب عشان ميبصش عليها كتير .....تعرفي أن بعد جواز رحيق هيتجوزها علطول....دلال هي اللي قالتلي ...يا بنتي فوقي وشوفي مصلحتك ...هو مش شايفك اصلا !!!هتفضلي طول عمرك كده تطاردي في وهم ...الراجل بيحب خطيبته افهميها بقا !!!

-خلاص يا ماما ...خلاص كفاية ابوس ايديكي !!

قالتها بصوت مختنق ثم هربت إلى المطبخ وهي لا تتحمل كلام والدتها ...كان الدموع تطرف من عينيها ...أرادت أن تذهب الى مكان ما وتبكي كما تريد ...تريد أن تنهار....الألم في قلبها شديد ...لا تستطيع أن تتحمله ..رباه هي سوف تموت بكل تأكيد ....

وقفت بالمطبخ ثم وضعت كفها على قلبها وهي تسقط رأسها للأسفل  بينما تنفجر دموعها بشكل بائس .....وجودهما بجوار بعض لا يفارق خيالها...لقد حلمت هي وحققت أريام ما تريده ...هل هي بتلك البشاعة لكي لا ينظر إليها أمجد....وضعت  كفها على فمها وهي تكتم نشيجها لا تريد لأحد ما أن يسمعها ....رباه تشعر بالدوار .....سوف تفقد وعيها من شدة الحزن ...

ولج فجأة امجد للمطبخ وتجمد وهو يراها بذلك الشكل 

-جيلان ...

قالها أمجد بتردد وهو ينظر إليها ويحدها بتلك الحالة كان يشعر بالشفقة عليها ...الشفقة لانه يعرف لماذا هي تبكي ...ويعرف أنه السبب ...

شهقت بخوف وهي تنظر إليه وعينيها متسعة بصدمة ....

مسحت دموعها بسرعة وهي تهرب بعينيها منها ...تلعن نفسها الف مرة لأنها انهارت هنا ...ماذا ان شك بمشاعرها نحوه ... ماذا أن اكتشف الكل الحقيقة ..كيف ستواجه الجميع !!!بالطبع سوف تصير اضحوكة...يجب أن تخفي مشاعرها تلك ...يجب ألا يعلم أي شخص بها

-جيلان بقولك فيه ايه ؟!

كررها أمجد....

-مفيش حاجة !!

قالتها بجمود وهي تهرب بعينيها منه ...تمسح دموعها التي تتسلل من عينيها وهي تحاول ان نهرب منه ...ان بقت هنا اكثر من هذا سوف تنهار فعلا وهي لا تريد هذا ....قد تعترف له بكل غباء  عن مشاعرها وقد تتوسل له ان يحبها ....كانت في تلك اللحظة اضعف من ان تفكر بعقلها ....كانت غاضبة.  .حزينة ويائسة. ..والشيطان يتلاعب  بعقلها....لقد احبته لسنوات سرا...تغيرت من اجله...فعلت المستحيل كي يرضى عنها ولكنه بكل بساطة لم يراها...لم يفهم لمعة عينيها له. ..لم يصنع دقات قلبها العنيفة وهي تصرخ بإسمه !!

-شكلك معيطة وازاي بتقولي مفيش حاجة ...

قالها امجد بإصرار 

-قولتلك مفيش حاجة ...لو سمحت خليني.  ااطلع !!

قالتها بإرتباك وغضب وهي تتهرب بعينيها منه ...رباه لو بقت دقيقة اخرى سوف تعترف بمشاعرها له ...لماذا يقف في طريقها ...لماذا يهتم !!!

من ناحية اخرى كان هو يصرخ بنفسه كي يبتعد ...ماذا يفعل ...ذلك ليس اسلوبه...لا تربيته ولا دينه يخبرانه أن يفعل هذا ...فماذا يفعل هو ....شعر بالإختناق والشيطان ظل يتلاعب به...سيطر عليه للحظات ....فلم يتحرك من مكانه وهو. يثبت نظراته عليها...هو يعرف سبب بكاؤها...يعرف سبب حزنها ...يعرف ان السبب هو والحل الامثل في تلك اللحظة ان يبتعد عنها ...الا ينجرف ورا شيطانه ولكنه بدأ وكأنه تصنم مكانه ....

-ايه المشكلة يا جيلان ليه بتعيطي؟!

قالها بهدوء وعقله يصرخ به ان يبتعد ....احمر وجهها وهي تنظر إليه اخيراً...تظراته تخبرها انه يعرف ...يعرف بمشاعرها الخفية تلك ...شعرت وقتها وكأن دلو من الماء البارد قد انسكب عليها....

-انت عارف مش كده ...عارف !!!

-عارف ايه ؟!

قالها بإرتباك لترد هي ؛

-عارف بمشاعري ناحيتم  ...انت عارف ده...

تنهد وقال :

-ايوة عارف بحقيقة مشاعرك ....وعارف ان ...

-أمجد ...

صوت مصدوم وقع على اذنه كالصاعقة لينظر نحوه ليجدها خطيبته أريام تنظر إليه !!!


الفصل الخامس عشر (ندوب الماضي .)

اهتزت  جيلان  بإنفعال وهي تطالع خطيبة  أمجد ...الدموع أحرقت عينيها وتمنت ان تنشق الأرض وتبلعها ...كانت تشعر انها سوف تموت بالفعل ...ليتها لم تتكلم ...بل ليتها لم تأتي ...لم يقطع  أي حد الصمت الثقيل الذي حل على المكان ...اخذت دموع جيلان تنساب وهي تشعر بقلبها يتمزق ...تطرق برأسها أرضا وهي تحاول  ان تجد مخرج ....وأخيراً خرجت مسرعة من المطبخ متجاوزة أريام ...وخرجت من المنزل بأكلمه ...

.....

كانت أريام تنظر الى اثرها بصدمة ثم نظرت الى أمجد الذي تجهم وجهه وقالت بإنفعال :

-ايه ده ...قولي ايه ده يا أمجد ...يعني ايه الكلام ده....

-مش وقته الكلام ده يا أريام ...مش وقته خالص ثم كاد أن يخرج لتقف بوجهه وتقول بإنفعال:

-ايه هو اللي مش وقته يا أمجد ...أنا سمعت بنت عمك بتعترف انها بتحبك ...انت شايف ان ده طبيعي وان ده حوار لازم يتأجل ...

-ايوة لازم يتأجل ...مش وقته خالص ...خصوصا ان دي خطوبة رحيق اختي وانا مش هسمح أن أي حاجة تعكر فرحتها...

-ومش مهم أنا اولع صح....اقعد افكر فيك وفي بنت عمك اللي بتحبك دي !!!

نظر إليها بغضب وقال بحزم:

-أريام وطي صوتك ..خلاص نتكلم بعدين ...روحي دلوقتي....وجودنا هنا مش حلو ...

-ووجودك.مع بنت عمك اللي بتحبك حلو؟!ولا هي المشيخة بتاعتك مش شغالة معاها...

اغمض عينيه وقال بغضب :

-اقسم بالله كلمه تاني يا أريام وهعتبر اللي بيننا انتهى ...يالا اتفضلي امشي دلوقتي وبعدين نتكلم ....

ابتسمت بسخرية وقالت:

-طيب وعلى ايه ؟!أنا دلوقتي بنهي كل حاجة ...

ثم بتهور خلعت طوق خطبتها وألقته على الأرض ثم ذهبت ......تنهد أمجد بتعب وهو ينحني ويمسك الطوق .....رباه ماذا يفعل لقد انهدم كل شئ على رأسه....

....

في بيت جيلان ...

ما ان ولجت لغرفتها  حتى انهارت على فراشها واخذت تبكي بعنف ....كان قلبها يتمزق ...تشعر انها قد تعرت امام الجميع ...لقد عرف امجد وخطيبته مشاعرها الحقيقية ...عرفوا بأنها تحبه !!!...الجميع عرف انها تحب أمجد ...كيف ستواجه الجميع ...كيف ستضع عينيها بعيني أمجد وخطيبته مجددا ...لابد انهما  يسخران منها ...ولكن هي التي أخطأت بحق نفسها. ...هي من تركت مشاعرها تتحكم بها ...كان ينبغي أن تدوس على قلبها...كان ينبغي الا تنسج أي احلام بشأنه ...شهقت بقوة ودموعها تنفجر من عينيها ....كان صوت بكاؤها يرتفع شئ فشئ حتى أصبح صراخ يخرج من أعماق قلبها.!!!

-جيلان !!!

قالتها شربات والدتها وهي تلج للمنزل بصدمة وخوف ...كانت قد رأت ابنتها وهي تغادر منزل امجد وقد تعجبت من سبب مغاردتها بتلك الطريقة ... لذلك ذهبت خلفها ...وها هي تأتي لترى ابنتهت منهارة بشكل لم.تراه من قبل ضميرها أنبها قليلاً وهي تظن أنها سبب انهيار ابنتها بسبب كلامها الذي قالته ...

-جيلان بنتي !!

قالتها شربات وعينيها تلمعان بفعل الدموع واقتربت من ابنتها ثم ضمتها بقوة وهي تقول بندم :

-سامحيني يا بنتي ...سامحيني ...مكانش لازم اقولك الكلام ده ...أنا بس كان قصدي افوقك ...كنت عايزاكي متبنيش احلام على الفاضي ..سامحيني يا بنتي سامحيني!!!

هزت هي رأسها بينما تبكي بعنف وتقول :

-لا أنتِ عندك حق ..عندك حق ...كان لازم تضربيني كمان ...كان لازم تعمليها ...أنتِ كنتي صح وانا اللي كنت غلط يا ماما ...ياريتني كنت سمعت كلامك 

أبتعدت شربات ابنتها عنها وعبست دون فهم ثم قالت ؛

-تقصدي ايه ؟!

اطرقت جيلان برأسها وهي تنفجر أكثر بالبكاء ...قلبها كان يتمزق ...رباه الآن بداخلها لا يهدأ ابدا ...

-جيلان بنتي قوليلي فيه ايه ؟!!

قالتها شربات وهي تهزها وقد قلقت قليلا ...مسحت جيلان دموعها بكف يديها ورفعت عينيها بخجل لوالدتها وقالت ؛

-عرف بمشاعري !!!

توسعت عيني شربات بصدمة وهي تنظر لابنتها وقالت بتوتر ؛

-مين ..مين اللي عرف بمشاعرك يا بت !!

بكت جيلان أكثر وقالت:

-أمجد ..أمجد عرف بمشاعري يا ماما...هو كان عارف ...ومش هو وبس ...كمان خطيبته أريام ....

قالت كلمتها تلك ثم انفجرت بالبكاء !!

-عرف بمشاعرك ازاي ...انطقي وقولي !!!

رفعت جيلان عينيها وبدأت تحكي لوالدتها كل شئ

بعد قليل 

نهضت شربات كالملسوعة وقالت:

-بتقولي ايه ؟!

بكت  جيلان أكثر وهي وهي تشعر بالخجل أكثر بينما أخذت والدتها تدور حول نفسها وهي تشعر أنها سوف تفقد عقلها بينما تتمتم :

-يا دي الفضيحة ...ده اللي كنت خايفة منه ...يقولوا عليكي ايه ؟!

-هيقولوا ايه يا ماما ...هو انا عملت ايه يعني ...أنا مغلطتش ...دي مشاعري مقدرش اتحكم فيها ...

-غبية غبية...مشاعرك تكتميها مش تروحي تعترفي لواحد خاطب ...تعرفي هيقولي عليكي ايه ...تعرفي سمعتك هتكون ايه ....أمجد خاطب ...تعرفي انك ممكن تعملي مشاكل بينه وبين خطيبته بغباءك.....

بكت هي أكثر وقالت بإختناق ؛

-ط...طب اعمل ايه ؟!!

-الحاجة الوحيدة اللي تقدري تعمليها انك توافقي على اول عريس مناسب يتقدملك !!!

نظرت جيلان إلى والدتها وهزت رأسها وهي تقول بإستسلام ؛

-حاضر 

............. ......

في اليوم التالي 

إنه يوم الجمعة ....يوم اجازتها من الجامعة والعمل ...اليوم الذي ترتاح فيه ....تنعزل فيه عن العالم ...اليوم الذي تزور به ابنها ....اليوم الذي تعتبره اصعب يوم بحياتها كلها فكل الذكريات تعود إليها في هذا اليوم.

.....

كانت تقف أمام المرآة وهي ترتدي الحجاب الأسود ...عدلت حجابها جيدا ثم امسكت الحقيبة المصنوعة من القماش ووضعت به مصحف ....امسكت كف ابنها الصغير وقررت ان تودعه لدى جارتها لكي تذهب لزيارة ابنها ....تلك الزيارة التي اعتادتها...وعلى الرغم من انهيارها كل مرة الا أنها لا تقوى على ترك زيارته 

........

-حاسس أنك بقيت غريب شوية يا يوسف ...

قالت منير ليوسف وهو يراه يجلس بهدوء يرتدي نظاراته الطبية بينما يقرأ كتاب ما ....عبس يوسف ونظر إليه بدون فهم وقال:

-غريب ازاي يا منير مش فاهم يعني ...

هز منير كتفيه وقال:

-يعني بقيت هادي...اللمعة اللي في عينيك اطفت ...حتى بطلت تجيب سيرة نسرين كتير ...

لمعت عيني يوسف وهو ينظر إليه وقال :

-واجيب سيرة واحدة متجوزة ليه يا منير ..الله يسعدها خلاص اختارت حياتها 

-يعني بجد نسيتها ..خلاص معدتش تفكر فيها مبقتش تحبها؟!

قالها منير بلهفة...كان يتمنى حقا ان يكون نسيها حقا...يتمنى ان يمضي قدماً في حياته  وان ينسى تلك المرأة ...ان يرتبط بآخرى...هو يعرف كم عاني صديقه...يعرف كيف انه قد كُسر مرتين ...

رفع يوسف عينيه إليه وهو ينظر الى منير بتفكير...هل نسى فعلا نسرين ؟!هل اخرجها من قلبه وعقله نهائياً؟!هو لا يعرف اجابة هذا السؤال حقيقة....لكنه يعرف أنه لم يعد يفكر بها كما اعتاد أن يفكر ...تلك النيران في قلبه قد خمدت قليلا من ناحيتها ...بهتت مشاعره المتأججة نحوها كما بهتت مشاعره  نحو رقية...لم يعد يؤلمه قلبه عندما يفكر أنها تزوجت اخر...لم يعد يشعر بالغيرة وهو يفكر أنها مع فؤاد الان ...هو حتى لا يعرف متى بهتت مشاعره بتلك الطريقة ....هل يمكن للحب الحقيقي أن يُنسى بتلك السهولة 

-معرفش يا منير ان كنت نسيتها نهائيا ...بس كل اللي اعرفه انها بتتسرب من جوايا ...مشاعري ناحيتها مبقتش قوية زي الأول ...احيانا بفكر اني كنت مجنون لما بصيت لبنت صاحبي .....يمكن لو كنت سيطرت على نفسي مكانش ده حصل ....

توقف عن الكلام فجأة وعينيه تلمع بشجن وأكمل؛

-تعرف لما افكر في نسرين دلوقتي كل اللي بيجي في بالي اني فعلا اتمنى انها تكون مبسوطة مع جوزها ...بطلت احس بالغيرة منها ومن فؤاد بالعكس يتمنى انه يسعدها ...هي عانت كتير بسبب باباها ولازم تفرح ...أنا اللي بحسه احيانا بالندم بسبب اللي عملته معاها ...كتير بشوف نفسي أنا اللي كنت غلطان ومجنون واناني عشان اتمسك بيها ...مبصتش لسنها الصغير واتصرفت بأنانية ...اه صحيح اتكسرت بس اتعلمت من غلطي 

-مادام كده يبقى انت فعلا نسيتها ...مشاعرك ناحيتها انتهت ....لأنك مبقتش تحس بالغيرة عليها ...ايه شكل في واحدة تانية واحدة عقلك ولا ايه ؟!...فيه حد تاني يا يوسف ...حاسس ان حد تاني شاغل بالك ...

كان صديقه يتكلم بسرعة وبلهفة ...يتمنى أن يكون هذا صحيح ...يتمنى أن يجد يوسف حبه الحقيقي !!

شحب وجهه وهو ينظر لصديقه...لا يعرف لماذا انحرف تفكيره الى تلك المرأة التي باتت تشغل عقله كثيرا في الآونة الأخيرة ...تلك التى اصبحت عينيه لا تحيد عنها ...ولكنه ينفي بشدة ان يكون لهذا علاقة بالحب ....هو بالتأكيد لم يرتكب تلك الحماقة للمرة الثالثة ...خاصة أنه لا يريد الدخول في تعقيدات جديدة ...فتلك المرة لديها أبناء ....لن تناسبه حتى لو أرادها كما أنها منفصلة عن زوجها وهو لا يريد الدخول في صراع مع طليقها 

كان منير يراقب تعاقب المشاعر على وجه صديقه وهو يبتسم بخبث....يبدو ان صديقه بالفعل قد هوى احدهما....ولكن من تكون ...

غمز منير فجأة وقال:

-شكلك وقعت يا باشا ومحدش سمى عليك...يالا قولي اسمها مين سعيدة الحظ اللي وقعت ابننا .....

شحب وجه يوسف بشكل مبالغ فيه ليقول منير بذهول :

-ايه يا راجل انت اتكسفت مفيش داعي تتوتر...سرك في بير...يالا قولي مين الجبارة اللي جابتك على وشك !!!يالا قول أنا والله هفرحلك ...

هو يوسف رأسه بيأس وقال:

-لا في واحدة ولا اتنين حتى يا منير ...انت عملت قصة من دماغك وبتمشي فيها ...أنا مفيش حد في حياتي ...ومفيش ست هتدخل حياتي تاني ..كفاية اللي حصلي بسببهم أنا مش مجنون عشان ادخل ست تاني حياتي ...أنا خلاص قررت اعيش حياتي كده ...مش عايزة اتجرح مرة تانية ...أنا اكتشفت أن الحب مش من نصيبي ...واقفل على السيرة دي يا منير أنا فرحان كده ومبسوط 

-يعني هتعيش طول عمرك لوحدك يا يوسف  معقولة...هتعيش حياتك من غير ما تتجوز ويكون عندك عيال معقول ؟!

قالها منير بإستنكار ليرد عليه يوسف ويقول وهو يهز كتفيه :

-وفيها ايه يا منير هو الجواز هو نهاية المطاف ؟!لو متجوزتش ايه اللي هيحصل يعني ...مش هيحصل حاجة...أنا جربت حظي مرتين مع الستات وخلاص اكتفيت ..أنا اتكسرت  مرتين ومش مستعد انكسر مرة تالتة ..كفاية عليا كده

-ايه التشاؤم اللي انت فيه ده يا عم ؟ما يمكن المرة دي تضبط .....ما يمكن تلاقي حبك الحقيقي...تلاقي الست اللي هتداوي قلبك 

-لا هتضبط ولا غيره ...اقفل على الموضوع لو سمحت !!!

-حاضر ...

قالها منير بيأس 

.......

تدخل المقبرة بصعوبة ...تشعر أن ساقيها قد تجمدتا مكانهما ...قلبها يخفق برعب ...بحزن ...والذنب يجلدها ....هي من قتلت ابنها...نعم هي من اهلكته ولن تسامح نفسها ابدا ...طرقت الدموع من عينيها وهي تشعر وكأن قلبها سوف يتمزق بفعل الحزن ...بقت الدموع تنساب من عينيها دون أن تقوى حتى على منعها !!وقفت أمام قبره وهي تقول :

-انا جيت يا معتز ..جيتلك يا حبيبي ...جيتلك يا عمري ...

ثم هوت على الأرض. هي تبكيه ...تبكيه كأول يوم افترق عنها فيه ..اليوم الذي مات فيه كان ابشع يوم بحياتها ...هذا اليوم اتخذت فيه قرار أن تنفصل عن زوجها لتنقذ ابنها الاخر من حياة لطيف الملعونة 

......

في اليوم التالي 

تجمدت قدميها وهي تقف أمام الجامعة ....منذ ما حدث بينها وبين عادل وهي لم تأتي إلى هنا ....اخترعت مئات الحجج كي لا تذهب ..وعلى الرغم من اقتراب اختباراتها إلا أنها لم تكترث حتى حدثها شقيقها بالأمس ...أغمضت عينيها وهي تتذكر كلام شقيقها لها ....كلامه الذي جعلها تشعر بالذنب أكثر مما تشعر به ....ولكن شئ داخلها كان يهون عليها ويخبرها أن عائلتها هي السبب ..

........

....

كانت جالسة كالعادة في غرفتها تحتضن ساقيها ...الدموع لا تتواني عن التوقف ...تشعر بالإختناق ...رباه انها تموت فعليا ...تشعر أنها سوف تفقد عقلها ...تفكر وتفكر...والذنب يقتلها من الداخل ...تتذكر كيف فرطت في نفسها ...في شرفها ...لن تنكر هي لها يد في هذا ...هي من بعثت له تلك الصور ...هي من القت بيديها إلى الهلاك ولن تسامح ابدا نفسها ...انفجرت الدموع من عينيها اكثر وهي تشعر بالإختناق ....فجأة انتفضت والباب يدق ...مسحت دموعها بسرعة وعدلت من وضع شعرها المشعث ...وحاولت ارتداء قناع البرود على وجهها 

-ممكن ادخل ؟!

قالها بلطف وهو يلج لغرفتها ...عينيه العسلية ترمقانها بلطف بينما يبتسم لها بحنو ...لطفه المعتاد لم يسقط قناع البرود التي ارتدته ...كانت غاضبة من شقيقها بقدر غضبها من نفسها ..غاضبة لانه ابتعد عنها...لانه اهتم برحيق ولم يهتم بها ...ابتعد عنها حتى انساقت لطرق مظلمة وهي الآن تدفع الثمن ولا احد يشعر بما تعانيه ابدا ...انكمشت لا إراديا وابتعدت عنه وهي ترمقه ببرود ضايقه ...حسنا متضايق من معاملتها الجافة له ...هو يعاني من المشاكل بسبب اريام التي تصر على فسخ الخطبة ...بالإضافة لمشاكل العمل ...لكنه يعرف أن ما تعاني منه نوران أيضا صعب ...هي لا تذهب الى كليتها وتلك سنتها الأخيرة يجب أن تجتهد ...ولذلك بما أنه اطمئن على رحيق ليطمئن على نوران أيضا!!

.-نوران حبيبتي ممكن نتكلم

-مش عايزة اتكلم مع حد 

قالتها ببرود

-مالك يا نوران ؟!

قالها أمجد بنفاذ صبر لترد بلامبالاة :

-مالي يعني ما أنا كويسة اهو...

تنهد وهو يقترب ليجلس بجوارها وقال :

-لا مش كويسة وحالك مش عاجبني ابدا يا نوران ....ماشي بعترف اني بجد جرحتك وانا اسف جدا ...أنا مكانش قصدي اهملك...نوران أنتِ اختى حتة مني ...ليه بتبعديني عنك بالشكل ده...ليه منغلقة على نفسك بالشكل ده ودايما  حزينة وزعلانة ....أنا ووالدتك قلقانين عليكي 

-مش أنا اللي بعدت يا أمجد ..انتوا اللي بعدتوا عني. ..انتوا فضلتوا رحيق عليا ...

قالتها بقهر ليغمض عينيه بتعب ويقول :

-نوران حبيبتي رحيق دي تبقى اختك ...

-متقوليش اختي ..دي مش اختي ...مش اختي ...

قاطعها بقوة وقال:

-لا اختك ...حتى لو انكرتي ده ميت مرة يا نوران رحيق تبقى اختك وبتحبك ...حرام تعامليها بالطريقة دي و...

-قولتلك متقولش اختي ...دي بنت الست اللي سرقت بابا من ماما ...ازاي انت معتبرها اختك ...دي بنت الست اللي قهرت ماما ...نسيت أن ابوك اتجوزها على امك لما اتأخرت في الخلفة....نسيت ازاي سرقته !!!

-نوران بطلي تفكيرك الطفولي ده اكبري شوية ..محدش سرق ابوكي من امك ولا حاجة...ابوكي الله يرحمه مكانش عيل عشان يتسرق ...هو راجل وهو اللي اختار يتجوزها...وده شرعا مش حرام ...وماما لو كانت عايزة كان ممكن تنفصل عنه بس هي رضيت بالوضع وكملت ...فمعرفش ليه بتلومي رحيق على اختيارات اهلنا ...هي ملهاش دعوة ...هي اختي زي ما أنتِ اختي وانا بحبكم انتوا الاتنين زي بعض ......انتوا الاتنين اخواتي وزي بعض ...

نظرت إليه بحزن  وقالت :

-لا مش زي بعض يا أمجد أنا للاسف مش بغلاوة رحيق عندك ...ولا حتى عند ماما ...

-يا نوران والله انتوا الاتنين زي بعض ...

قالها بإحباط فردت :

-انا مش حاسة بكدة يا أمجد ...مش شايفة كده ....التجاهل منكم ده مضايقني ...محسسني اني مليش مكان وسطكم 

-انا اسف ...اسف عن كل لحظة حسيتي فيها اني مش مهتم بيكي ولا بحبك ...أنا بحبك يا نوران ..أنتِ من دمي ...

قالها بندم لتكمل هي بشرود ؛


-انا لوحدي يا أمجد ...مش حاسة أن حد معايا ..لا ماما ولا انت ....أنا بقالي فترة مروحتش الكلية محدش فكر فيا ...محدش فكر يا ترى أنا تعبانة ولا ايه المشكلة اللي معايا ...محدش فكر يجي يسألني مالك الكل مشغول برحيق وجواز رحيق ...وخطوبة رحيق ...طيب أنا فين من ده كله ...ليه محدش بيفكر فيا أنا ..حد فكر يجي يسألني مالي...محدش فكر يعمل كده ..اقولك ليه لان محدش مهتم أنا فيا ايه ؟!أنا بالنسبالكم مش موجودة ....ماما ضميرها وجعها عشان رحيق فقررت انها تهملني وتهتم بيها عشان تعوضها ...حتى انت بعيد عني يا أمجد...فليه بتلوموني دلوقتي .....

شدها إليه وعانقها وهو يقول :

-انا اسف ...اسف ... اوعدك من النهاردة مش ههملك تاني ....أنا آسف 

خرجت من شرودها وهي تخطي باب الجامعة وقد قررت أن ترمي الماضي خلف ظهرها

.....

في احد المقاهي المطلة على النهر كانا يجلسان مقابل بعضهما ....تحت طلب مياس التي اصرت ان يكون لقاءهما خارج المنزل ...كانت ارادت ان تحسم رأيها بخصوص الزواج منه ...فكرة مجنونة نعم فهي لا تحبه ..ومتأكدة مليون في المية انه لا يحبها...لا تعرف لماذا متأكدة ولكن شعور داخلها يخبرها ان سيف يريد الزواج منها لسبب معين في باله ولا تدري ما هو..وهي هنا الآن وسوف تفعل المستحيل لكي تعرف السبب الحقيقي الذي يجبر رجل  مثله من الزواج منها ....ظلت ترمقه من خلف نقابها ...عينيها الزرقاء تشع بعشرات الاسئلة وهي مصممة على نيل كل اجابتها اليوم ...الآن وفي تلك اللحظة ...لن تمنحه موافقتها حتى يمنحها السبب الحقيقي الذي جعله يقبل الزواج منها بل يصر على هذا ....وهي كانت متأكدة ان الشفقة ليست جزء من اسبابه !!!هي ليست ساذجة ...تعرف أن خلف موافقته المفاجأة سبب قوي وهي تريد أن تعرف هذا السبب 

تملص بضيق تحت تأثير نظراتها التي كانت تصوبها نحوها...هو يشعر بالإرتباك وهي تنظر إليه بتلك الطريقة وكأن عينيها الزرقاء تنفذ داخل اعماقه ....تعرف دواخله وتقرأ افكاره ...انه يشعر انها تعرف كل شئ...تعرف ان زواجه منها ما هو الا علاج لجرح من حبه الأول ...نوال التي ظن أنها سوف تكون دواء لكل جروحه ..ولكنها اصبحت جرح جديد يُضاف إليه....توتر اكثر من الصمت الثقيل الذي حل على المكان وقال بتململ :

-اتفضلي يا مياس حابة تقولي ايه ؟!

ظلت صامتة للحظات وهي تدرس توتره حتى كاد ان يعيد سؤاله مرة أخرى ولكنها فجأة قالت :

-أنت عايز تتجوزني ليه يا سيف...ليه فجأة غيرت رأيك وعايز تتجوزني ...ومتقولش أنك بتحبني او حابب تتجوزني وتكون سندي والكلام ده ..صدقني مش هصدقه....

-صدقيني عشان ....

كاد ان يبرر ولكنها قاطعته وقالت بهدوء:

-لو سمحت يا سيف خليك صريح معايا للاخر...أنا عارفة ان سبب جوازك مني مش حب ...محدش هيحب ابدا الشكل اللي تحت النقاب....فأنا متقبلة ان محدش هيحبني ومش زعلانة خالص ...وكمان عارفة ان الموضوع مش شفقة ...فيه سبب تاني ولو سمحت حابة اعرفه !!!

تنهد بإحباط ...لقد حاصرته في زاوية ضيقة...نظر إليها وهو يشعر بالضيق لانه لا يستطيع أن يرى تعابيرها كما هي ترى تعابيره ....اراد أن يعرف فيما تفكر هي ...ولكن يبدو انه لم يعرف هذا ...

-ها ناوي تقول الحقيقة ؟!

قالتها بنبرة تشبة نبرة والدته رحمها الله عندما كانت تكتشف انه كذب بأمر ما ...

زفر بإحباط وقد حاول ترتيب الكلمات ليقول لها كل الحقيقة ...كانت تنتظر بصبر أن يخبرها الحقيقة بينما هو رأى أن لا فائدة من التملص من الإجابة ...كانت ذكية وكان يدرك هذا جيداً

-نوال!!

قالها بنبرة مرتجفة....شعر بألم حاد في قلبه وهو ينطق اسمها وقد عادت تلك الصورة التي تحرق قلبه...صورتها بين ذراعي آخر ...

-دي اللي كنت بتحبها صح ...اللي رفضتني من قبل عشان خاطرها صح ..

قالتها بتقرير ..لتهبط رأسه ارضا ويهز رأسه بالإيجاب ...ثم قال:

-نوال كانت صاحبتي المقربة...البيست وبعدين علاقتنا اتحولت لحب...حبيتها اكتر مما تتخيلي ...كنت مستعد اقف قدام بابا عشان خاطرها...تخيلي حتى اني فكرت اسيب البيت ةالشركة وكل حاجة عشان خاطرها ...كنت مستعد أعمل أي حاجة ...بس يظهر ان مكانش كفاية بالنسبة ليها....كل اللي عملته مكانش كفاية ....

قالها ثم أطرق برأسه وقد تجهم وجهه وظهر الألم حالياً عليه ...انها تفهمه ...تفهم جيدا أن تحب شخصا ما ثم يكسرك هذا الشخص ...هذا ما فعله عمر بها .....الم يدمرها كما دمرته نوال ...نعم لم يقولها ولكنها عرفت انها هي أيضا تخلت عنه ...والان ماذا هل يبحث عن بديل لنوال....هل ستكون هى التي تداوي جراحه ...نعم تشفق على حالته لأنها عاشت نفس الشعور ولكنها لا تريد أن تكون بديل ...سيكون مخطئ لو ظن أن حالتها سوف تجعلها توافق على هذا العبث 

-وانت هتتجوزني اكون بديل ولا سد خانة...

قالت كلماتها بصوت خالى من المشاعر ....لينظر إليها سريعا وهو ينفي بقوة ويقول:

-لا والله ابدا ...أنا عايز نداوي جراح بعض ...

-نداوي جراح بعض بأننا نتجوز ...انت صاحي لنفسك يا سيف ؟!بجد فاهم بتقول ايه ؟؛انت عايز تتجوزني عشان تنسى اللي كسرتك ...وانا اتجوزك عشان انسى خطيبي .. لا أنت بتحبني ولا أنا بحبك ...جوازنا هيكون كارثة فعليا وهيفشل فشل ذريع....

-ما تخلينا نجرب!!

قالها بتوسل لتنظر إليه دون رضا وتقول :

-روح اتجوز واحدة تملى عينيك ...تعرف ازاي تنسيك حب حياتك .. أنا لا ...انت شوفت وشي ...عارف هتعيش مع ايه ......شوفت شكلي عامل ازاي ...

-ميهمنيش ...

قالها بسرعة لترد :

-أنت كداب كلكم بتهتموا بالشكل ...هتقدر تتحمل تبص في وشي لحد امتى ...يوم ...شهر ...سنة !!في يوم هتيجي ومش هتقدر...ولو كملنا جوازنا وخلفنا ..تفتكر اولادنا اللي هنخلفها مش هيخافوا من شكلي ...انت ذات نفسك هتتكسف لما امشي جمبك لو قررت اخلع النقاب ده ...فوق يا سيف. ...احنا جوازنا محكوم عليه بالفشل .. .أنا اخدت قراري ...هعيش كده طول حياتي وراضية بيها ...انت ملكش مكان فيها !!


.......

مر أكثر من أسبوع ولم تتحدث معه بشأن ما حدث مع سهيلة قريبته اخر مرة ...لقد سكبت العصير بوجهها لأنها تجرأت واقتربت من أمير ...ومنذ ذلك الحين وأمير يرمقها بتسلية تجعلها تفقد أعصابها أكثر ....

كانت تجهز الصغير لكي يذهب معها إلى عملها كالمعتاد حيث أنها سجلت له في روضة الأطفال الملحقة بالمدرسة التي تعمل بها ..شعرت أنه يجب أن يختلط بالأخرين ...

-وادي الباشا عمر جهز اهو ....

قالتها بلطف وهي تقبله على وجنته وتعانقه ...ولج أمير إلى الغرفة وهو مبتسماً كان يسعده أن سما اتخذت هذا الخطوة ...حمل ابنه وهو يبتسم وقال :

-مبروك يا بطل أول يوم حضانة ..

.كان صغيره يبتسم له بسعادة ....وجه نظراته إلى سما التي تتجنب النظر إليه ....قبل ابنه مرة أخرى ثم أنزله وقال :

-يالا روح جيب حاجاتك عشان تمشي مع سما ....

-حاضر يا بابا ...

قالها وخرج ....

اتجه انتباه أمير الكامل إلى سما كان ينظر إليه وعلى وجهه ابتسامة خبيثة ...رغم البرود والصراعات التي بينهما إلا أنه لا ينكر أن غيرتها عليه اخر مرة جعلته يسعد ....لقد كان تجاهلها مؤلم رغم أنه من طلب هذا ولكن اخر مرة تيقن أنها تدعي ...هي لا تتجاهله...هي فقط تحاول أن تحمي نفسها ...تنهد مفكرا أنها على حق ...فهو قد جرحها كثيرا ..ولكنه أيضا يحمي نفسه ....لا يريد أن ينجذب اليها....لا يريد أن يحبها ...لكن لا يعرف ما الذي يجذبه إليها ...في كل مرة يحاول أن يبتعد عنها ...يجرحها بكلماته كي لا تقترب منه ثم يندم لانه يتأكد أنه لا يريد الابتعاد ...احيانا يشعر أنه مختل عقليا ولا يعرف كيف يفكر .......تنبهت سما أنه ينظر إليها وشعرت بالضيق ...منذ المشكلة الأخيرة وهو يرميها بنظرات مستفزة وكأنه يعرف انها تغار منه ...لا تعرف كيف لم تسيطر على أعصابها ...حسنا الجميع قد يقول لأنها تحب زوجها فعلت هذا ...ولكن هو سوف يأخذ رد فعلها هذا كدليل ادانه أنها تحبه ...نظرت إلى عينيه اخيراً

-بتبصلي كده ليه؟!وليه بتبتسم بالشكل ده !!!

قالتها بضيق لتتسع ابتسامته أكثر ويقول :

-ليه متعترفيش انك بتغيري عليا !

قالها فجأة بطريقة اربكتها لتنفجر في وجهه بإرتباك وتقول :

-مين ؟!أنا بحبك مين قال كده ...

ضحك وقال :

-انا قولت بتغيري مش بتحبيني ..عقلك فين ....عقلك الايام دي مش معاكي ابدا ...

كانت نبرته استفزازية لدرجة أنه اغضبها بالفعل...احمر وجهها بشكل مبالغ فيه وقالت :

-انت  هتكون بتضحك على نفسك لو افتكرت أني بغير عليك ولا حاجة ...بس قريبتك دي قللت مني وانا وقفتها عند حدها ...وواثقة أنها مش هتقدر تقلل مني تاني لأن المرة الجاية لو عملتها هتكون ردة فعلي اسوأ ..أنا مسمحش لاي حد يقلل مني أو يدوسلي على طرف ...

-بس برضه متنكريش انك بتغيري ...اعترفي يالا 

-لا مش بغير ...ولو عايز دليل...هي شكلها بتحبك ...مستعدة اروح واطلبهالك بنفسي ...وكمان هضحي واخليها تعيش معانا في البيت ....أو ممكن تاخد بيت ليها تاني وتقضي كل ايام الاسبوع عندها أنا مش مهتمة بجد ....

اختفت الابتسامة من وجهه وتجهم وجهه وقد شعر بالضيق...لتبتسم هي بإستفزاز وتقول :

-اديني بس اشارة واحدة وانا اروح اطلبها من اهلها ..بكلمك بجد لو عايزها اتجوزها ...معنديش اي مانع ...لو ده هيبسطك....انت عارف انك زي اخويا ويهمني سعادتك !!

-بجد ..

قالها بغموض لترد ببساطة :

-ايوة بجد ...كده كده جوازنا مش حقيقي ...أنا هنا عشان عمر بس ...وانت من حقك تشوف حياتك ..مع واحدة بتحبك بجد ...

-وحياتك أنتِ...

أعطته ابتسامة واثقة وقالت:

-عمر بس يكبر شوية واخلص من الجواز ده هشوف حياتي مع اللي هيقدرني ...فمتقلقش أنا مخططة لمستقبلي 

اقترب منها بخطورة وأمسك كفها وقال:

-في اليوم اللي تفكري تتخلصي من الجواز ده وتروحي لحد تاني هقتلك.!!!

أعطته ابتسامة مستفزة وقالت:

-حاسب لافتكر انك انت اللي بتغير ...اصل انت أي حركة بعملها بتحسبها أني بغير عليك...بس انا مبقولش عليك كده ...رغم أن كل حركاتك ...نظراتك وغضبك بيقولوا انك هتموت من الغيرة عليا ...فحاسب بقا لافتكر انك بتحبني واتغر ...وصدقني مش عايزاك تحبني لاني هزعل أووي عشان هتتجرح اكيد لما اسيبك ...

اشتعلت عيناه بنيران الغضب ..ولكن قبل أن يعلق كان قد تركته وغادرت الغرفة بسرعة ...

اغمض عينيه ما أن غادرت وقد شعر بالشياطين تعبث بعقله ...تنهد اخيرا وقال:

-الصبر من عندك يارب !!!

....

بينما هي خرجت من الشقة وهي تمسك كف عمر الصغير وعلى ثغرها ابتسامة منتصرة ...كلما حاول  أن يتذاكي عليها ويخبرها أنها تحبه أو تغار تجعله هي يدور حول نفسه .. هذا ما ستفعله منذ الآن ...فهو لا يستحق الرآفة ...ربما لا يعلم ولكن عبث مع المرأة الخاطئة تماماً أن كانت السنوات التي قضتها تعشقه في صمت علمتها شئ فقد علمتها اهم شئ ..وهو كيف تتحكم في مشاعرها نحوه...كيف لا ترتجف لقربه ...كيف لا تلمع عينيها لرؤيتها ...كيف لا تتوتر أن نظر إليها ...لقد دربت نفسها جيدا !!!

.......

-اتفضلي ..

قالها عاصي  وهي يعطيها عبوة مخملية حمراء ....امسكتها بيد مرتعشة تحت عيني دلال الراضية...فتحتها لتجد بها سوار ذهبي جميل ...يتدلى منه فراشة ...كان بسيط ولكنه جميل للغاية لدرجة أنه جعل دلال تتنهد بسعادة ..فيبدو أن اخيرا رحيق وجدت من سوف يسعدها.  ....

ارتبكت رحيق وهي تنظر لتلك الهدية وقالت بإرتجاف :

-شكرا ليك ....

بينما أمجد كان بعيدا قليلاً على الأريكة الأخرى يبدو شارداً...فمشكلته مع خطيبته قد كبرت وهي مصرة على فسخ الخطبة ...رباه...هو يريدها ...صحيح أنهما لا يتفاهمان ولكنه خطط حياته معها ...ظل ممسكاً سبحته وهو يتمتم ويدعو ان تعود المياه لمجاريها ....

........


غادر عاصي اخيرا منزل خطيبته المزعومة ثم استقل سيارته الفارهة التي لا تلائم ابدا الحي الذي يتواجد به حاليا ...كان متضايق من ذلك المسلسل السخيف ...فخطيبته المصون فرضت عليه أن يزورها وان يتصرف كأي خطيب طبيعي ...هي تظن أنها سوف توقعه بتلك الطريقة ...الغبية لا تعرف أن تلك الألعاب لا تنطلي عليه ...هو ليس احمق ليقع في شباكها ...

.............

-مقدرتش أحبك !!

أغمضت عينيها والدموع ما زالت تنهمر من عينيها  ...ما زالت تلك الكلمة تتردد بعقلها بينما تشعر ان قلبها يكاد ينفجر من الأسى ...سؤال غاضب ألح على عقلها ...الى متى ...الى متى سوف تظل بديل في حياته ...هو موجود معها لانه لا يمكن أن يكون مع سيلا ...لا يمكن ....

-ماريانا يا بنتي كفاية عياط ...ليه الدموع دي كلها !!

قالتها والدتها وهي تجلس بجوارها ....تربت على كتفها برفق ..كان قلبها يعتصر ألما على ابنتها ...كلما ظنت أن حياتها سوف تتصلح مع جورج تنتكس من جديد ...

-قالي أنه مقدرش يحبني يا ماما....

-يا بنتي ...

كادت أن تبرر ولكن ماريانا قاطعتها وقالت:

-متبرريش يا ماما ...متبرريش ليه عشان خاطري ...كفاية ....مش كل شوية اسكت واتنازل...مش كل شوية اتكسر بسببه ...

-يا بنتي ما أنتِ عارفة الكلام ده ..عارفة أنه محبكيش وان قلبه لسه مع الملعونة دي ...

احمر وجه ماريانا بشدة وارتسمت على تعابيرها الإنكار والنفور لتكمل  والدتها وتقول:

-الانكار مش هيمحي الحقيقة أنه لسه بيحبها...ده صعب عليكي أنا عارفة كويس يا بنتي ...بس دي الحقيقة اللي مش مفروض ننكرها ...هو بيحبها....بس هو راجل عاقل عارف ان مفيش حاجة ممكن تجمعهم وعايز ينساها ...أنتِ ساعديه ينساها مش كل مرة تتقمصي ...اي كلمة يقولها تتقمصي وتيجي هنا ...مينفعش كده يا حبيبتي ....انتِ كده بتستلمي بسرعة ...الراجل عايزك ...حتى لو مش بيحبك ...هو عايزك وانا اتحداكي أنه هيجي النهاردة عشان يصالحك ...مش لازم يحبك بسرعة. .مرة في مرة هينساها ...

-امتى يا ماما ...

قالتها بإنهزام لتمسك والدتها كفها وتقول :

-قريب جدا ...أنتِ بس هتجيبيلوا العيل اللي نفسه فيه وهيحبك ...هتبقى كل حياته 

تنهدت ماريانا والدموع تنهمر من عينيها . .في كل مرة حاولت أن تثور لكرامتها كانت والدتها من تجعلها تتراجع لتعود مرة أخرى ناكسة رأسها تقبل بالفتات الذي يقدمه لها جورج ...والمبرر أنها تعشقه ...سوف تموت من غيره...تشعر بالقهر وهي تتنازل مرة بعد اخرى...تموت وهي ترى زوجها مع أخرى بقلبه ....

....

كانت جالسة على فراشها تفكر كيف ستستعيده ...هي بالطبع لن تتركه لتلك المرأة ...جورج لها. ...ترطبت عينيها بفعل الدموع وذكرى معينة تلمع بذاكرتها .


.....

-لا مش هعمل كده تاني مش هستغل جورج تاني واطلب فلوس ...كفاية !!

قالتها سيلا وهي تهز رأسها بجنون بينما الدموع تطرف من عينيها ...نظر إليها والدها بغضب ثم رفع كله وصفعها حتى سقطت أرضا ....

انحنى بجوارها ثم قبض على خصلاتها النارية وهدر:

-بتقولي ايه يا روح أمك؟!!ده انتِ يومك مش فايت ...بتقولي لا ....

-ايوة لا ...مش هستغل جورج تاني مش هعمل اللي أنت بتطلبه ده مستحيل ....

شد على شعرها بقوة اكثر حتى صرخت وقال:

-ايه يا بت مالك حبتيه ولا ايه ؟!عرف يوقعك ...وانا اللي حطيتك في طريقه عشان توقعيه !!!

-ايوة أنا بحب جورج ..وبقولك مش هطلب فلوس منه تاني ...ولو عايز تقتلني اقتلني...

تركها بغتة ونهض بينما عينيه الزرقاء كعينيها تلمعان بقسوة وقال:

-جميل اووي ...أنا مش هضربك يا سيلا ...أنا هعمل الأسوأ ...هقول لحبيب القلب كل الحقيقة ...هقوله أنك قربتي منه عشان بس تضحكي عليه وتاخدي فلوسه ...هحكيله عن كدبك كله ...أنا هموتك...بس بالحيا!!!

خرجت من شرودها والدموع تنساب من عينيها ...لقد أخطأت عندما استغلته وهي ستصلح هذا الخطأ

..............

في المساء ....

كان جالس على الأريكة يطرق رأسه بصمت بينما تراقبه والدة زوجته ...شعر بالتوتر وهي تنظر إليه بهذا الشكل ...كان لا يعرف ماذا يقول ...لقد غضبت ماريانا من اخر نقاش لهما وتركت له المنزل ...كان غاضب منها وغاضب من نفسه ...ولكن غضبه من نفسه اكبر ...كان حزين لانه ألمها بتلك الطريقة....لكنه لا يستطيع أن يكذب عليها...لا يستطيع أن يخبرها أنه يحبها وهو لا يفعل هي لا تستحق كنه هذا ابدا ...ليته يستطيع أن يجعل قلبه يحبها ...ليته له سلطان على قلبه لم يكن ليحب غيرها ولكن للاسف....ولكن لن ينكر أنه يرغبها. ..يريدها ...كزوجة وكأم لأطفاله...هي فقط ...لقد عرف انها المرأة المناسبة له 

-هو انت كل شوية هتزعل بنتي يا جورج ...مش ملاحظ أنها حامل ولازم تتحملها شوية !!

قالتها والدة زوجته بحزم ليرتبك وهو يفرك كفيه بتوتر ....ابتلع ريقه وقال :

-انا مش قصدي ابدا ازعلها ولا اجرحها ...أنا آسف يا حماتي ...والله ما كنت اقصد ...أنا بس عايز اكون صريح معاها ...

-لو صراحتك معاها هتأذيها يبقى تكدب عليها احسن ...

نظر بصدمة إليها لتهز رأسها وتقول :

-ايوة ...أنا بنتي حامل ومش مستعد اخسرها يا جورج ....لو سعادتها هتكون في انك تكدب عليها احسن لك تكدب عليها ...قولها انك بتحبها ...مش مشكلة اكدب عليها قولها انك بتحبها ....قول انك محبتش غيرها ما دام ده هيسعدها ...جورج بنتي لو رجعت زعلانة تاني بيتي مش هتشوف حتى ضفرها....لا هي ولا ابنك انت فاهم !!!!



الفصل السادس عشر(حطام أمرأة)

تنهد وهو يستمع لكلماتها...ربما هي على حق ....ربما عليه أن يسمع ماريانا ما تريده ...يخبرها أنه لم يعشق غيرها ...أن كان هذا سيسعدها ...كان يجب أن يفعل هذا من البداية وفي هذا الوقت بالذات ...هي امرأة حامل وكان يجب أن يراعي أنها تمر بفترة صعبة ....ولكنه ضغط عليها ...أخبرها دوما أنه لا يحبها .

.هل فقد عقله ليفعل هذا ؟!!!

-رد عليا يا جورج ...هتهتم ببنتي ولا تسيبها عندي أنا مش هسمحلك تأذيها مرة تانية ...بنتي لو جات تعيط منك أنا مش هخليك تشوف شعرة منها حتى ...انت اللي اختار ...

كانت حازمة معه بشدة ...صحيح انها تدافع عنه أمام ماريانا ولكنها تفعل هذا كي لا تفسد علاقة ماريانا مع زوجها وتعاني ابنتها ...هي تعرف كم أن ماريانا تعشق زوجها ...تحبه لدرجة كبيرة ولو انفصلت عنه سوف تتدمر ...وكما أنها حامل ...ولا لا تريد أن ينشأ الطفل في عائلة مشتتة ولأنها تعرف كم أن جورج رجل يحب تحمل المسؤولية لم يكن ليترك طفله يبتعد عنه...نعم هي استغلت تلك النقطة 

-حاضر يا حماتي ...

قالها بتعب ...فردت عليه :

-حاضر ايه ؟!

نظر إليه وقد خبت لمعة عينيه ورد:

-هقول لماريانا اني بحبها  ...هقولها اني محبتش غيرها ...هقول أنها كل حياتي ...أنا عايز ماريانا يا حياتي ...عايزها هي وابني ...واوعدك مش هزعلها تاني ابدا ...

رفعت رأسها وقالت:

-يستحسن متزعلهاش تاني عشان والله يا جورج المرة اللي جاية فعلا مش هخليك تشوف ضفرها حتى ...

هز رأسه وهو يزدرد ريقه بخوف ...الخوف الجديد من خسارة ماريانا ...وها هو خوف جديد يُضاف لحياته....


..........

كانت تجلس على الفراش تضم ساقيها إليها بينما تنظر للفراغ ...الدموع تطرف من عينيها ...تتذكر الأخطاء التي ارتكبتها بحق حبيبها الوحيد وبحق نفسها ...


كانت صغيرة ...صغيرة للغاية ...لم تكمل السبع عشر عام ...كانت في سنتها الأخيرة بالثانوية العامة ...كانت فتاة مجتهدة لديها احلام كثيرة ...لم يكن في بالها الا دراستها ....الا أن والدها قرر أن يدمر براءتها تلك ...وحياتها بالكامل !!!

اأتي إليها يوما بعد شهادة الثانوية العامة ....واخبرها لاول مرة بخطته ....فقد كان يرسم خطط دوما لبناته !!!

......


-جورج الحكيم ...اكيد عارفاه ...زميلك في المدرسة وكمان هيكون زميلك في الكلية ...هو دخل طب عين شمس زيك !!

قالها نشأت والد سيلا ...نظرت إليه بدون فهم وقالت؛

-اكيد يا بابا عارفة جورج...ده زميلي ...الحقيقة أنا وهو دايما علي  خلاف عشان كنا بنافس بعض ...بس طبعا بنتك اتفوقت عليه ....

قالت جملتها الأخيرة وهي تشعر بالفخر ولكن والدها لم يبتسم بل أكمل :

-انا عايزك تخليه يحبك !!!

-نعم ؟!!

قالت كلمتها ببهوت...كانت تنظر إليه وعينيها متسعة بصدمة ...ماذا يقول والدها ...هل هو جاد ...

هل ما يقوله هذا منطقي.....هل فقد عقله أم ماذا ؟!!!كيف تجعله يحبها ....كلمته تلك لم تدخل عقلها ..رمشت عدة مرات وهي تنظر إلى ملامحه الجامدة ....كان يبدو جاداً . 

-أخليه يحبني ازاي يا بابا مش فاهمة يعني ؟!

قالتها بتوجس وهي تنظر لوالدها وكأنه فقد عقله ليعقد حاجبيه بغضب ويقول :

-زي الناس يا حبيبتي ....خليه يحبك ....دوبيه فيكي ....

-انا مش فاهمة حاجة ...

قالتها وهي تشعر أن رأسها أصبح يؤلمها من التفكير الا أن والدها أراحها قليلا  وقال:

-جورج الحكيم يبقى ابن عزمي الحكيم من رجال الأعمال الكبار في البلد....وانا شوفته في المدرسة كذا مرة لما كنت بجيلك واقدر اضمنلك أنه معجب بيكي. ...

-برضه مش فاهمة ...

قالتها بتوتر وهي تحاول أن تنفي ما فهمته ...

-أنتِ غبية يا بت ...الواد معجب بيكي...جاريه لحد ما توقعيه ويتجوزك وتبقى ثروته ملكك

نهضت بعنف وقالت بإرتعاش:

-انا مستحيل اعمل كده يا بابا انت بتقول ايه ؟!

نهض هو وأمسكها من شعرها وقال:

-نهارك زي وشك ...بتقولي لمين لا يا بت أنتِ ...انتِ فاكرة الموضوع بمزاجك ...أنتِ هتعملي كده غصب عنك والا والله أطين عيشتك معايا ...متنسيش ان امك اللي كانت بتدافع عنك ماتت خلاص واختك هتتجوز وانا ممكن احول حياتك لجحيم ...

كانت الدموع تطرف من عينيها وهي ترى والدها وقد تحول كليا إلى شخص قاسي...ولكنها لم تكن أبدا متفاجئة ...تلك هي طبيعته حتى لو ادعى العكس ...كان دوما زوجاً سيئاً ووالداً أسوأ...لا يهمه الا المال ومصلحته....كيف ظنت أنها سوف تنجو من جشعه ...لقد كانت شقيقتها اذكى منها فتزوجت سريعا ما أن تخرجت واستنجدت بجدها ولكن جدها الان مات ...من سوف يساعدها !!!

...

عادت من شرودها وهي تنتحب وكل ما يحدث حولها يخنقها!!!

......

كان جالس على ركبتيه أرضاً أمامها بينما كانت تجلس على الأريكة ..تطرق بعينيها للأسفل وقد غطى شعرها كامل وجهها ...مد كفه وأمسك ذقنها ثم رفع وجهها إليه ...كانت مكسورة ....محطمة ...لم يصدق أنه هو من احدث كل هذا الخراب داخلها !!

انسابت الدموع من عينيها ومسحهما برفق ...تردد قليلا ثم تكلم وقال:

-أنا بحبك يا ماريانا ..بحبك!!

توسعت عينيها بصدمة وكلماته دفعت المزيد من الدموع لعينيها وهي تقول بلهفة :

-أنت بتحبني ...بجد بتحبني !!

كانت تشعر أنها سوف تفقد عقلها ...ابتسم بلطف ثم نهض قليلا وقبل رأسها وقال :

-ايوة بحبك ...وحاليا مبحبش غيرك....

ثم ضمها إليه لتضمه بقوة وهي تبكي ....كانت اسعد أمراة الان ...جورج يحبها ....يحبها ...حبيبها أصبح لها أخيراً...لقد محت ذكرى سيلا من عقله ...لا يمكنها أن تكون أكثر سعادة !!!


............

كانت متسطحة على فراشها تضم ابنها لها بينما تنظر للسقف ...شاردة بعينيها ...تهاجمها ذكرياتها التعيسة فتمزق قلبها ...تشعر أنها سجينة للماضي لا تستطيع أن تتخطاه ..هي تبتسم ...تضحك ...تحاول المضي قدما ولكن الجرح الذي في قلبها لايندمل ....كلما حاولت المضي قدما تعود لنفس النقطة ....أن ضميرها قاسي ..قاسي عليها للغاية...يجلدها دون رحمة أو شفقة ....يخبرها أنها هي السبب أن لها يد في موت ابنها ...تظل تصرخ داخلها أن ليس لها ذنب ...تصرخ وتصرخ حتي تشعر بالإنهاك ولكن رغم ذلك ضميرها لا يتوقف ...يواجهها بالحقيقة التي تريد أن تتهرب منها ....وشئ داخلها يعترف فعليا أنها لها يد ...أن ابنها معتز مات بسببها ...بسبب سلبيتها.....بسبب أنها قبلت أموال الحرام ....

أغمضت عينيها والدموع تنساب من عينيها دون توقف والذكريات لا تتوقف عن مهاجمتها...لا ترحمها ذكرياتها ....

.......

-تاجر مخدرات !!!

خرجت الكلمات من فمها مرتعشة ...كانت تشعر بالدوار وزوجها يعترف بهذا لها ...نظرت إلى وجهه ...عينيه السوداء الحالكة تبحث عن أي لمحة عن مزاح أو كذب فتختنق وهي تدرك أنه جاد للغاية ...لا ...لا يمكن هذا كررت داخل عقلها وبدأت حد يخرج مختنقاً...

-انت بتكدب ...بتكدب عليا صح !!!مستحيل يكون ده صح ...انت مش كده يا لطيف ...قول أن ده كدب ...لطيف بلاش هزار عشان خاطري....قول أن ده كدب !!!

كان ماجدة  تكرر كلماتها بطريقة محمومة ..تكاد تموت الان لينفي كلماته تلك !!!.

ازدرد ريقه وهو يرى  شحوبها ...ترى هل أخطأ وهو يخبرها بهذا ولكن ضميره لم يتحمل أن يكذب عليها.....ولكن هل هو لديه ضمير من الأساس ...من يدمر جيل بأكمله هل لديه ضمير !!!!!

رأى الدموع تنفجر من عينيها وشعر بألم كبير في قلبه....يخاف أن تقرر تركه ....سيموت لو فعلت هذا ...هو يحبها ...لا يستطيع أن يبتعد عنها ...هي روحه...نعم روحه التي لا يستطيع أن يتخلى عنها ...كان يستطيع أن يكذب عليها ...يجعلها تعيش بأوهام معتقدة أنه رجل شريف .. لكنه لم يفعل ذلك ...هي بالذات لم يكن ليستطيع ان ينظر إليها ويكذب ...لا يقوى قلبه على فعلها ...قلبه العاشق لها ...كيف يخدعها ...أيخدع الانسان روحه ...لا يستطيع فعل هذا ....لا يستطيع أن ينظر الى عينيها ويخبرها انه رجل شريف ....

-لطيف رد.عليا وقولي ايه اللي بتقوله ده...قول  أنك بتهزر ...

نبرتها كانت كلها أمل...عينيها تنظر إليه بلهفة لعله ينفي ما قاله ...رباه تلك ستكون كارثة كبيرة ...فكرت هي ....ازدرد ريقه وقال بنبرة وأدت الامل داخلها:

-لا مش بهزر ...هو ده أنا ...دي حقيقتي...

ابعدت يديها عنه كالملسوعة وانفجرت الدموع من عينيها دون توقف ثم ارتفع صوت بكاؤها ...وحلمها بعائلة سعيدة قد.تحطم الآن !!!

انتحبت وهي تقول :

-ليه...ليه؟!

نهض وهو يقول بحرقة :

-ليه..مش عارفة ليه؟!!عشان اعرف اعيش في البلد دي يا ماجدة ...اشتغلت الشغلانة.دي عشان اعيش ولادي حياة كريمة...عشان متبقهاش حقوقهم اماني ليهم...عشان بكرة ممدش ايدي لحد عشان اكل عيال ...ايوة أنا اشتغلت الشغلانة دي بس مع احوالي اتقلبت بعد ما الشركة بتاعة العيلة فلست ...فكان قدامي حلين اما نموت من الجوع او نعيش...وانا اختارت اعيش ...واختارت ده عشانكم انتوا...عشانك يا ماجدة وعشان ولادنا...انتِ عايزة معتز وابني اللي في بطنك يعيشوا محرومين ...عايزة كده يا ماجدة !!!

طفرت الدموع من عينيها ..

وشيطانها تغلب عليها وهي تطرق برأسها صامتة ...وصمتها اعطاه الجواب الذي يريده!!!

.....

خرجت من شرودها وهي تمسح الدموع التي أغرقت وجهها...كتمت فمها بكفها كي لا تنفلت شهقاتها ...لا تريد أن تجعل ابنها يستيقظ...اغمضت عينيها وهي تحاول ان تسيطر بينما دموعها لا تتوقف كالألم في قلبها ....هي تستحق هذا الألم تستحقه لانها سكتت عن الحق ...وما زالت صامتة ....فتحت عينيها...

نظرت الى ابنها وهي تتأمله بينما الدموع تنساب من عينيها دون توقف ...هو من تبقى لها ...هو من يجب أن تحارب من اجله...يجب ان تقف على قدميها من أجل طفلها ...يجب أن تنسى الماضي ..

لا يمكنها ان تنهار الآن 

..لن تسمح لنفسها بالإنهيار ...ضمته إليها وهي تتشممه ...هو حياتها...روحها سوف تحارب من اجله...سوف تحارب نفسها ...سوف تحارب لطيف ...وكل شخص يحاول أن يؤذي ابنها ...

...........


كان جالس على الاريكة الأثيرة ...ينظر الى منزله الفاخر ...كان قد جدده منذ ايام ....هو يعيش حياة رائعة ...أي أحد يتمنى تلك الحياة .....لديه أموال طائلة في حسابه البنكي ...عمل ثابت ...ولكنه وحيد ....قلبه يؤلمه وهو يفكر انه سوف يموت وحيداً....نهض وهو يضع الكتاب الذي كان من المفترض ان يقرأه الآن ...كان قد فقد شهيته للقراءة...وقرر ان يتحمم وينام ..

فتح خزانته ليخرج له الملابس ...فجأة وهو يبحث وقع البوم به صور ....نظر بقلب خافق الى الألبوم الذي يعرفه جيدا ....ذكرياتهما سوياً

انحنى على ركبته وأمسك الألبوم وهو يفتحه...ابتسامة شاردة تشكلت على شفتيه وهو ينظر لصوره مع نسرين ...يشعر بحنين غريب ...ليس العشق القوى او الهوس بل هو اشتياق للمشاعر التي كان يشعر بها ...تلك المشاعر اللذيذة التي كان يشعر بها معها ....السعادة الغريبة التي كانت تغزو قلبه معها ....ان الحب اصله شئ ىائع ولكن اختياره كان خاطئ تماما ...العشق لم يكن ابدا لعنة...بل اختيارنا لمن نحب يجعله لعنة...ولكن كيف للإنسان ان يتحكم بقلبه !!!

نهض وخرج بألبوم الصور ...ثم وضع الصور بمنفضة الدخان المعدنية الكبيرة  وأشعل بها النار...ربما عليه أن يتجاوز هذا ...عليه أن ينساها ...يتجاوز الماضي ...أن ينظر للحاضر...المستقبل ...ومع تفكيره بالمستقبل برزت هي بعقله ....زفر بضيق وهو يهز رأسه ليخرجها من عقله لابد أنه فقد عقله ...ترك الصور تحترق حتى النهاية ثم ولج لغرفته وهو يخرج ملابسه بينما عينيها السوداء لا تتركانه  وشأنه 


........

في اليوم التالي ....

-معقول وكل ده محاولش يصالحك.؟!

قالتها سلوى بصدمة لتنهمر الدموع من عيني أريام وتقول :

-انا مش مصدقة يا سلوى ...ده زي ما يكون ما  صدق ما خلص مني ...حتى بطل يبص في وشي ....لحد دلوقتي اهلى ميعرفوش اني فسخت الخطوبة ...امي فاكرة ان مشكلة بسيطة ما بيننا ...

عقدت سلوى حاجبيها بحيرة وقالت :

-وانتِ مقولتيش لوالدتك الحقيقة ليه؟!

-عشان امي مبتحبش أمجد...شايفة اني مينفعش اعيش معاه ...شايفة انه مش هيعيشني في المستوى اللى.انا استحقه ...عشان كده أنا مكنتش عايزة اقولها اني فسخت الخطوبة ...

-او يمكن عشان عندك آمل ترجعوا ...

قالتها سلوى ببساطة فأبتلعت أريام ريقها وقد انحنت عينيها وهي تقر بالحقيقة ...نعم هي لديها آمل أن يحاول أمجد ان يسترضيها....ولكنه حطم كل احلامها وهو يتجاهلها بكل برود ...وكأنه مرتاح اخيراً لانه ابتعد عنها ...لم تشعر ابدا بمشاعره...كانت تظن انه معجب بها في البداية ولكن بعد الخطبة باتت تشعر انها لا تهمه ...تعرف كم هو رجل ملتزم ولكن لم تراه يوماً يشبع  انوثتها...رغم انه كان رائع ...كريم ويحترم والديها ...ورغم ان والدتها قللت منه مرات عديدة ولكنه لم يحاول ابدا ان يقلل من احترامها ...كان يوقفها عند حدودها بطريقة مهذبة لا تحمل الإهانة  ولا تقلل من والدتها ...انه رائع مع الجميع ...حتى معها هي ...ولكن تجاهله لها يؤلمها ...ذلك الجفاء الذي صدر منه بعد ان ألقت خاتم الخطبة بوجهه يؤلمها ....

-هو غلط ولازم يعتذر يا سلوى !!!

قالتها بضيق لترد سلوى :

-بس أنا بصراحة مش شايفة أنه غلط بس حاسة  بتعملي كده عشان بس تضغطي عليه...

-معلش تقصدي ايه يا سلوي ؟!

قالتها أريام وقد بدأت تشعر بالضيق من تلميحات صديقتها ...ارتبكت سلوى قليلا وقالت وهي تربت على كتفها برفق :

-مش قصدي حاجة ....بس بقولك على اللي حاساه ...يمكن مش قصدك تعملي كده ...بس في نيتك فعلا أنك.تضغطي على أمجد عشان يسيب المنطقة اللي عايش فيها وتعيشوا في مكان تاني...

ابتلعت ريقها وهي تشعر انها مكشوفة للجميع...ابتسمت سلوى بحزن لحالتها واكملت؛

-جيلان بنت صغيرة يا أريام ...ممكن تكون انجذبت لأمجد ...وأمجد راجل محترم ومتدين...وانتِ مشوفتهوش في وضع مش كويس ولا حاجة ...حاسة أنك كبرتي المشكلة ...حتى لو هي بتحبه هو اختارك انتِ وبس ....بس دي يمكن كانت فرصة ليكي عشان تضغطي عليه ...

نظرت إليها وهي تشعر بالجرح وقالت:

-يااااه للدرجادي شايفاني وحشة كده ...

-والله ابداً...انتِ اختي يا أريام اللي امي مجابتهاش ...بس أنا فاهماكي ...وفاهمة ان للأسف غضب عنك بتتأثري بكلام والدتك ...انتِ بتعملي كده عشان تضغطي على أمجد....بس نصيحة مني بلاش لان الموضوع ممكن يتقلب ضدك ...ممكن امجد فعلا ينهي الموضوع ...

ارتعبت وهي تفكر في تلك النقطة ...رباه لا يمكن أن يحدث هذا ...لا يمكن أن يتركها أمجد...لقد كشفتها بالفعل سلوى ...واجهتها لما حاولت انكاره الايام التي مضت... ولكنها لفتت انتباهها لنقطة أن أمجد يمكنه أن يتخلى عنها ...يمكن أن يتركها وهذا سيقتلها...هي لا يمكنها أن تخسره ...هو حب حياتها ...صحيح انها لم تخبره ابدا ...ولكنها حقاً تحبه ...وكل ما تفعله كي لا يحدث أي شئ يعيق زواجهما ؛!

-لا ان شاء الله مش هيحصل كده امجد مش هيسيبني ....

تنهدت سلوى بحزن وقالت بإستسلام:

-يارب ....

.....

كان يعمل بكتبه على احد التصميمات مشروع مهم يعمل به منذ فترة ...كان مشغول لدرجة انه لم يسمع صوت طرقة الباب او دخول خطيبته أريام ...

توقفت أريام وهي تنظر إليه ...قلبها يقفز داخل صدرها برعب ...لا تعرف ماذا سيقول...هل.سيتجاهلها الآن أيضاً...هي حقا لا تعرف ....

-أمجد...

قالت أسمه بتردد فرفع رأسه لها ...وفي اللحظة التانية اخفض عينيه ونهض ثم وقف أمامها وهو ينظر أرضا ويقول :

-خير يا أنسة أريام فيه حاجة !!

نظرت إليه وقالت بنبرة جريحة:

-وكمان انت اللي زعلان!!!

-انسة أريام أنا عندي شغل فعلا ...لو كلامك برا الشغل ياريت نأجله 

ثم عزم ان يستدير ليعود الى عمله 


-أنت حتى مهانش عليك توضحلي ولا تيجي تحاول تطيب خاطري ...

قالتها بكسرة ليتوقف مكانه ويقول دون أن ينظر إليها ؛

-مفيش حاجة اوضحها ...ولا مفروض اطيب خاطرك عشان أنا مغلطش....جيلان اختى الصغيرة...عادي واحدة لسه في أولى كلية يعني مراهقة مبتفكرش كويس ....عيلة بمعنى اصح ...هناخد بكلام عيلة ...لو هتحطي عقلك بعقلها يبقى نفضها سيرة احسن ...أنا اللي مفروض اكون متضايق مش أنتِ ...كلامك كان فيه إهانة ليا وانا مقبلهوش يا آنسة أريام ...بالنسبة للخطوبة فدي براحتك عايزة نفسخها مفيش اي مشكلة أنا هكلم والدك ومتقلقيش مش هجيب سيرتك بحاجة ....وربنا يوفقك مع حد احسن مني ...

وضعت كفها على قلبها وقالت بصدمة :

-عايز تفسخ الخطوبة ...

-مش أنا اللي عايز ...أنتِ اللي عايزة يا آنسة أريام ...أنتِ اللي رميتي الخاتم في وشي ولا أنا شخص صعب كنت عمري ما اسامحك على الحركة دي بس انا قدرت شعورك لما سمعتي كلام جيلان ...وانا عمري ما هغصب حد عليا....عادي ده هيكون نصيب ...لو مش شايفة اني مناسب ليكي عادي 

-بس أنا مش عايزة افسخ الخطوبة !!!

قالتها برعب ثم أكملت :

-انا عايزة اكمل معاك ....بس انا برضه إنسانة وبحس ....وبعد اللي سمعته من بنت خالتك دي مستحيل اتعامل معاها عادي ...هفضل في شك طول حياتي 

تنهد وقال:

-عشان حياتنا مع بعض تكمل لازم تثقي فيا ...

هزت رأسها وقالت بقوة ..

-لا عشان حياتنا مع بعض تكمل لازم توافق أننا نعيش بعد الجواز في مكان تاني غير بيت عيلتك ...حتى في شارع تاني بعيد عنهم !!!

............... .

في المساء ...

-أنا عايز الجواز يكون الشهر اللي جاي ....

قالها عاصي بهدوء بينما يجلس بجوار الكرسي المتحرك الذي تجلس عليه ابنته...كان يمسك كف أملاك ابنته بلطف بينما يقول كلماته لأمجد .....

اطرقت رحيق برأسها بينما تركت امجد من يتكلم ....تنهد أمجد وقال:

-مش شايف ان ده بدري شوية ...انتوا لسه مخطوبين وبعدين لسه مجهزناش حاجة .. ..

قاطعه عاصي بلطف وقال :

-مفيش داعي لاي جهاز أنا جددت الفيلا وبعدين مش محتاجين تجهزوا اي حاجة ...آنسة رحيق أوضحت رغبتها أن الفرح بتاعها يكون اسلامي بسيط وانا معنديش مانع ...وفستان الفرح أنا وصيت عليه ...وشايف أن مفيش اي حاجة ممكن تعطلنا...الا لما قلقان مني يا شيخ أمجد وحابب تسأل عني مرة تانية ...

ابتسم امجد بلطف وقال:

-لا طبعا يا عاصي بيه ...انت لا غبار عليك ...عموما الرأي رأي رحيق ...أنا هحترم رأيها مهما كان...

ثم نظر لشقيقته رحيق وقال:

-ها يا حبيبتي ايه رايك موافقة على كلام عاصي ؟!

هزت رأسها بهدوء موافقة على كلامه ...هي تعرف لماذا سوف تتزوجه فلماذا الادعاء إذن ...لماذا التجهيزات تلك كأنها عروس عادية...هي لم تكن يوما عادية !!!

نظرت إلى الطفلة الصغيرة وقلبها يعتصر ألماً على حالها ..تلك الصغيرة هي من جعلتها تتمسك بتلك الزيجة ...لقد أحبتها من المرة الأولى....وقد عاهدت ربها أنها سوف ترعاها دوما ولن تقصر معها أبداً....

نهضت بهدوء وقالت :

-هقعد ما أملاك شوية ...

ثم اتجهت نحو الصغيرة وابتسمت لها من تحت نقابها وهي تدفع المقعد المتحرك بعيدا قليلاً لتلعب معها في الجزء الآخر من صالة المنزل ...

كان عاصي يراقب كل هذا وهو يشعر بالرضا بينما يرى ابتسامة ابنته تتسع شيئا فشئ 

.......

بعد قليل ..كان جالس يحتسي القهوة الخاصة به بينما ينظر إلى ابنته التي تجلس مع رحيق بعيدا ...كان يبدو عليها السعادة وتضحك من داخل قلبها ...ضحكاتها تلك أثلجت قلبه ...وعرف أنه قد اختار صح ...رحيق هي الأم المثالية لابنته ..لم يرى أملاك ابنته تنسجم مع أحد كما انسجمت مع رحيق ...ظروفها الصحية جعلتها طفلة وحيدة ...صحيح أنه تحدى كل شئ وأدخلها مدرسة ...حاول أن يساعدها لتكوين صداقات ولكنها كانت دوما خائفة كما أنها لم تسلم من التنمر ....وهو وقف عاجز بينما لا يعرف كيف يسعد ابنته .....ولكنه ها هو يراها تضحك من قلبها بينما يرى كيف تعاملها رحيق بحنان فطري...حنان لم تتلقاه من والدتها الحقيقية !!!

وعند.تذكر زوجته السابقة تجهم وجهه وهو يضغط على أسنانه بقوة ..لن يسامحها ابدا على ما فعلته ...رغم أنها ماتت إلا أنه لن يسامحها حتى لو ذهبت للجحيم     

.........

كان جالس بغرفته ينظر للفراغ بينما شعور قاسي يسحق قلبه...لا يصدق أنها ذهبت لغيره ...كانت بين يديه ...كاد أن يحصل عليها....ولكنه كان أجبن من أن يدافع عن حبه ليخسرها للأبد ....لمعت عينيه بفعل الدموع كان يشعر بالاختناق ...كل ما يرغب به الان ان يحطم كل شئ أمامه ...يرغب أن يصرخ ويصرخ ...أنه غبي ...غبي ...لماذا لا يحارب ...لماذا انتظر حتى ذهبت لغيره....الآن هو بعض أنامله من الندم ....يريد أن يذهب إليها يترجاها لتعطيه فرصة أخرى ....أن يخبرها أنه أخطأ لانه تخلى عنها ...ولكنها خطيبة رجل آخر....ليس من أخلاقه أن يحاول سرقة ما ليس له ...

ولجت والدته لغرفته لتجده جالس في الظلام ينظر للفراغ ...عقدت حاجبيها بحيرة وقالت:

-مؤيد قاعد ليه يا بني كده وقافل النور ليه ...

فتحت الضوء لينتشر الضوء مبددا الظلام بسهولة ....

نظرت إليه وهي تراه جالس على فراشه ...عينيه جامدة بينما يقبض على فراش السرير بعنف ...كان يبدو في حالة غريبة ...كان يبدو ضائعاً....

-مؤيد مالك ؟!

قالتها بتوجس  وهي تراه هكذا ...كان الدمار يظهر.بوضوح.على وجهه ..ابنها الذي كان يضحك دوما فقد سعادته ....لم يعد يبتسم الا نادرا ...حتى في المرات النادرة التي يبتسم فيها تكون بسمته دون روح ....

-مؤيد ابني رد عليا فيه ايه ...قاعد كده ليه ؟!

-ماما لو سمحتي روحي ...لو سمحتي سيبيني في حالي ....

عقدت حاجبيها وهي تنظر إليها وقال :

-مالك يا مؤيد بتكلمني كده ليه !!!

-ليه...ليه عملتي كده ؟!

قالها وهو محطم بينما الدموع تحرق عينيه ...مرارة  الخسارة يشعر بها بحلقه ...نظرت إليه بحيرة وقالت :

-عملت ايه يا بني مش فاهمة ؟!

نهض وقال بقهر :

-كسرتي قلبي ...حرمتيني من البنت اللي أنا حبيتها ...أنا حبيت رحيق يا ماما ...حبيتها بجد ..دي مش مشاعر مراهقة أنا مش صغير ...وحبيتها...والإنسان مش بيختار اللي بيحبه...بس انتِ وقفتي في وش سعادتي ...استخسرتي فيا افرح ...

وضعت كفها على صدرها وقالت بنبرة جريحة :

-انا يا مؤيد ...أنا استخسرت فيك انك تفرح..

أنا ...

-ايوة أنتِ ...أنتِ يا ماما ...قولتلك بحبها ...عايزها بس أنتِ ضغطتي عليا وخيرتيني بينك وبينها وأنتِ عارفة اني مستحيل اختارها عليكي ...ولو رجع الزمن بيا كنت هختارك برضه بس حابة اقولك انك كسرتي قلبي ...

هزت رأسها دون تصديق وصرخت به :

-كسرت قلبك ايه ؟!!دي اكبر منك ب٥سنين يا ابني .....انت عايز تقضي حياتك مع واحدة اكبر منك ...فرصها في الخلفة  قليلة ......واحدة ملامحها اكبر من ملامحك ..اللي يشوفها يقول انها امك!!!

-أمي رحيق مش باين عليها السن ولا حاجة...متبالغيش ...بعدين ده.كان اختياري وانا بحبها ...واهي ضاعت من ايدي ...وانا ضعت ...ضعت يا أمي ...

-خلاص لو عايزها ارجعلها عشان مبقاش ظلمتك ...ارجعلها ومش هتكلم عشان متحيش تلومني بكرة ...بس لما اختيارك يفشل متجيش تشتكي لاني مش هدعمك ...

قالتها والدته بنبرة قوية ليقول بإنهزام :

-خلاص هي ضاعت من ايدي يا ماما ...رحيق اتخطبت لواحد تاني!!

.........

كانت تتسطح بجوار عمر وتقرأ له أحد قصص الاطفال لكي يغفو ...بينما أمير كان واقف على الباب ينظر إليها ....كان شارد ويفكر في تصرفاته المتناقضة معها...ويفكر كم هي أمرأة قوية لأنها لم تنكسر رغم ما يفعله ...بل دوما تتحداه ...تشعره أن ليس له أهمية ابدا بحياتها ...احيانا يشعر أنها تحبه ولكن أحيانا أخرى يشعر أنه لا يمثل لديها أي شئ.    

تنهد وهو يراها قد وضعت الغطاء على جسد صغيره ثم وضعت القصة جانبا ونهضت وهي تخرج من الغرفة ..خرجت من دون أن تنظر إليه حتى !!!!

خرج خلفها وأمسك ذراعها برفق....نظرت إليه وهي عاقدة حاجبيها وقالت:

-خير فيه ايه ؟؛

-سما أنا عارف اني اتصرفت بسخافة الايام اللي فاتت ...معرفش ليه احيانا بتصرف بالطريقة دي معاكي ...أنا مبيكنش اقصد اني اجرحك ...بالعكس أنتِ بتربي ابني و....

-عايز ايه يا أمير ...

قالتها ببرود وهي تسحب ذراعها ليرد هو سريعاً :

-عايز نرجع أصحاب ...

-كان فيه وخلص يا حبيبي....امير أنا هنا أم عمر وبس ...لكن لا هكون صاحبتك ولا مراتك ...دور على واحدة تاني تقوم بالدور ده ...عن اذنك !!

قالتها ثم تركته وذهبت !

.........

في اليوم التالي 

-انا مش مستعدة اكون بديل لحد يا عمي ؟!ابنك عايز يتجاوز أحزانه بيا أنا ...

قالتها مياس وهي على طاولة الافطار ...كانت اخر مرة قد رفضت عرض سيف ...لا تريد أن تكون تلك حياتها ...هذا سيكون مثير للشفقة ...لا يمكن أن تقبل أن تكون الدواء لجروحه...لا تستطيع ...كيف تداوي شخص وهي من الأساس مجروحة...

نظر إليها برجاء وقال:

-مياس...

قاطعته وقالت بإنفعال:

-انت بجد بتعمل ده كله ...والندم اللي بتحاول تبينهولي عشان اتجوز ابنك وابقى مسكن ليه؟! عمي انت ازاي بتفكر ...ابنك مش محتاج مسكن محتاج يتخطى حبه الاول ويحب من جديد ...يبدأ من جديد مش نتجاهل جرحه ونجوزه...دي طريقة فاشلة وانا مش هكون طرف فيها....

-وأنا بترجاكي انك تتجوزيه ...ابوس ايديكي يا بنتي اتجوزيه!!!

توسعت عينيها بصدمة وهي تنظر إليه ...كانت لا تصدق ما يقوله ...هل يتوسلها لكي تتزوج ابنه ولكن لماذا ...لماذا يفعل هذا ولماذا يتوسل ...كانت تحاول ان تفهم ولكن لا تستطيع 

-انا بجد مش فاهماك ...لو عايز ابنك ينسى ليه متجوزهوش واحدة تاني غيري....واحدة على الأقل ...

صمتت قليلاً وقالت بنبرة مختنقة وقد برزت الدموع بعينيها وأكملت ؛

-واحدة تكون حلوة تقدر تملأ عينين  ابنك مش واحدة زيي ..جوازي أنا  و ابنك محكوم عليه بالفشل ...

-انا عايزك أنتِ تتجوزيه يا مياس...ده طلبي الاخير منك ومش هطلب منك اي حاجة ابدا ...بالله عليكي يا بنتي اتجوزي سيف ....عشان خاطري ......

كانت تنظر إليه وهي مصدومة لا تصدق ما يقوله ...هل يترجاها لكي تتزوج ابنه ...شعرت أنها داخل متاهة ...لم تستطع أن ترد ...ماذا تقول ؟!

أمسك جلال كفها وقال:

-انا عارف اني غلطت في حقك غلط كبير ...مش أنا وبس ..لا سيف كمان ...وانا عايز بس فرصة اصلح غلطي في حقك ...صدقيني يا مياس سيف وانا هنعوضك عن كل لحظة حزن وقهر عشتيها ...بس اسمحيلنا نقرب منك ...اسمحيلنا نحميكي ...وصدقيني جوازك.من ابني مش هيوقف حياتك ...بالعكس أنا هوقف جمبك في كل خطوة ...ده كلامي وربنا شاهد عليه ...

ازدردت ريقها بعسر وهي تنظر إليه ...لا تعرف ماذا تقول له ...كانت ملامحها تحمل التوسل ...شعرت أن عقلها قد توقف لوهلة ... لدرجة أن لسانها عجز عن رفض طلبه ...شعرت بالحصار وكأن كلمة لا أضحت مستحيلة!!!

بينما جلال يشد علي يدها...لا يمنحها الوقت لكي تفكر حتى ...شعرت بالتشتت ...نظر إليها وقد رق لحالها...كان يحاصرها بالزاوية لكي توافق...نعم يعترف أنه يفعل هذا ...قد لا تفهم الان ولكنه لا يفعل هذا من أجل ابنه بل من أجلها ...لأنه يخاف عليها ...يريد أن يطمئن أنها سوف تكون تحت رعاية سيف !!.كي لا يؤذيها احد ...لقد نالت كفايتها وقد اذاها هذا الرجل بما فيه الكفاية ...

تنهدت بتعب لا تصدق انها ستقول هذا

-موافقة بس ليا شروط....

في المساء ....

-انا بجد مش مصدق انك وافقتي عليا ...اوعدك مش هتندمي....

قالها سيف براحة بينما نظرت إليه بحيرة ...لا تعرف ولكنها تشك أن تلك العائلة قد فقدت عقلها ...

-قولت لعمي لازم الاول تشوف وشي كويس عشان نتمم الجواز ده ...

-انا شوفته كتير ..

قالها ببساطة لترد :

-معلش شوفه تاني ....

قالتها ثم رفعت النقاب لينظر الى وجهها ببساطة بينما لا تظهر على ملامحه أي شئ ....فقط مجرد ابتسامة هادئة تحتل وجهه...تساقطت الدموع من عينيها وقالت بإختناق:

-انت ازاي قادر تمثل بالشكل ده ...أنا ذات نفسي مبطقش ابص في وشي في المرايا ...

-ليه ؟!

توسعت عينيها بصدمة وقالت:

-ليه ايه؟!انت اعمي.مش شايف...أنا .....

قاطعها بقوة وقال :

-انا شايف أنك بتشفقي على نفسك زيادة عن اللزوم ...شايفة أنك مسودة الدنيا في وشك يا مياس ...انتِ اللي بس حاسة ان الناس قرفانة منك ..رغم ان محدش حسسك بكدة حتى ..مياس أنا.طلبتك وانا شوفت وشك عادي ...وده مش هيمنعني اني هتجوزك....مش هقولك حب لان ده هيكون كذب...بس أنا فعلا عايز اتجوزك ...

-عشان تنسى حبيبتك القديمة صح.!!!

قالتها والدموع ملء عينيها ...

-مش هنكر...بس ده جزء من الاسباب ...

مسحت الدموع التي انسابت من عينيها  وتنهدت 

-فيه شروط عشان نتمم الجواز ده ...

قالتها بقوة قم أكملت وهي تنظر لسيف بقوة :

-جوازنا يكون على ورق ....ويكون مؤقت في الوقت اللي أنا عايزة اتطلق فيه اتطلق متمنعنيش.....

عبس وهو ينظر إليها لتكمل كلامها :

-هكمل تعليمي ...متحاولش في مرة تمنعني ...اليوم اللي هتحاول تمنعني فيه انا من حقي اتطلق....متحاولش تخونني او تتجوز عليا ...لو حبيت تعيش حياتك بشكل طبيعي مع حد تاني تعالى.بكل بساطة  وقولى عايز اتجوز ونتطلق وانا وقتها هتنازل على كامل حقوقي مادام احترمتني وصارحتني بالحقيقة ....هي دي شروطي عشان نتجوز ...متقبلها يا سيف ...موافق تكمل ..

ابتسم بحزن وقال ؛

-بحس انك بتطفشيني ...

ابتسمت بعينين دامعة وقالت :

-اعتبرها كده ....

-وأنا موافق ...بس اسمعي شرطي الوحيد جوازنا هيتم.في خلال أسبوع !!!بابا جهز دعاوي الفرح من دلوقتي ....

-كنتوا متأكدين اني هوافق ولا ايه ؟!

قالتها بحيرة ليهز رأسه ويقول :

-بصراحة كده أيوة ...

د......

في اليوم التالي 

في منزل معاذ ...

كان ينظر إلى جلال الحسيني بحقد بينما الرجل يبنظر إليه بسعادة خبيثة ..

-مياس خلاص هتتجوز ابني !!!

قالها جلال الحسيني بإنتصار وهو يمد لمعاذ دعوة الزفاف ..احمرت عيني معاذ بغضب وهمس من بين أسنانه:

-ده على جثتي !!

ضحك جلال وقال؛

-مش هتقدر تعمل حاجة تاني لمياس يا معاذ ...هي خلاص بقت تحت حمايتي ...وهتتجوز ابني ..وسيف بنفسه هيحميها ...المرة دي مش هتواجه مياس لوحدها ...هتواجهني أنا وسيف قبلها وصدقني سيف مش هيتردد يقتلك لو عرف اللي عملته في مياس ...

ارتبك معاذ وقال بتوتر :

-تقصد ايه ؟!

تجهم وجهه ولمع عينيه بغضب وقال:

-انا عارف انك انت اللي شوهت وش مياس !!!انت اللي رشيت عليها ماية النار!!!!

.. .....


انتهت محاضراتها على خير وخرجت وهي تضم كتبها لصدرها...تطرق أرضا وتمشي مسرعة قليلاً كعادتها الايام الفائتة....تشكر الله انها لم تجده امامها ...فهو لم يكن يأتي الى الكلية وتتمنى الا تراه حتى تتخرج من كليتها وتبتعد عنه ...حينها قد قررت سوف تفعل ...سوف تعمل في مجالها هندسة الديكور وتنسى كل شئ ...ولن تتزوج أبداً...فلن يقبل احد بفتاة فرطت في شرفها ...اغمضت عينيها والدموع الساخنة تنساب من عينيها ...تلك الفكرة تكاد تقتلها ...الايام الفائتة ..اصبح شقيقها قريب منها اكثر من قبل ...اصبح يهتم بها ...حتى ان رحيق تعاملها كالعادة بلطف ولكنها تتجاهلها...لا تريد أن تلين من ناحيتها ...لا تريد أن تقع بالفخ.كما وقع شقيقها ووالدتها ....بالايام التي مضت تقربت من ربها ....صلت وأخذت تدعو كثيرا ان يغفر لها ذنبها وان يرحمها ...والا يفضحها ...ارادت ما حدث الا ينكشف ابدا ...أرادت أن تنسى للابد ما اقترفته بحق نفسها .... فجأة تجمدت مكانها وهي تشعر وكأن جسدها بأكمله تجمده وهي تراه أمامها ...يقف بتكاسل وهو يضع كفيه بجيب بنطاله بينما تتشكل على شفتيه ابتسامة خبيثة برمقها بحرارة ويذكرها باليوم الذي سلب منها كل شىء ..اليوم الذي حولها لحطام أنثى !!!

اقترب منها وتشدق مبتسماً

-يا اهلا  وسهلا بالعروسة ...أخيراً جيتي الكلية ....أنا محظوظ اني جيت بالصدفة وشوفتك بجد كنتِ وحشاني....آخر مرة ....

صمت قليلا وهو ينظر إليها بإبتسامة خبيثة ...ابتسامة جعلتها تشعر بالغثيان ...ابتسامته ذكرتها بما عاشته على يديه.....

تنهد وهو يصفر وأكمل :

-كنتي بطل اووي بصراحة...مش قادر انسى اليوم ده وبعيده كل يوم في احلامي....

-ابعد !!

قالتها بصوت مكتوم وبدموع تنفجر من عينيها ....ارتدى قناع الحزن وقال:

-ايه ده يظهر أنك.منبسطيش ...ممكن نكرر ده مرة تانية وتبقى في الاعادة إفادة ....ممكن تنبسطي المرة دي 

وضعت كفها على فمها وهي تشعر بالغثيان ثم تجاوزته وهي تركض نحو الحمام ...نظر هو إليها وهو يبتسم بخبث ...لقد حطم كبرياءها ...وقلبها...فعل ما كان يريده... ..لقد أصبحت تحت قدميه ويعرف أنه في الوقت الذي سوف يطلبها ستأتيه خوفاً منه

.......

فتحت الباب الحمام ثم سقطت بعنف بجوار المرحاض وهي تتقيأ

بعنف اخذت تتقيأ في الحمام وهي تشعر ان روحها سوف تخرج من جسدها ...اخذت الذكريات العنيفة تطاردها ...ما فعله بها يثير اشمئزازها...يجعلها تموت من القرف ...هي تمشئز من نفسها ....احيانا ترغب في ان تسلخ جلدها لانه لمسه يوماً...هي هالكة لا محالة....جل ما تتمناه الآن ان يرحمها الله ويقبض روحها!!!لا تريد أن تعيش مجددا...كلما حاولت النسيان أتى هو وذكرها بما ارتكبته !!!نهضت بتعب ثم اتجهت للحوض وهي تغسل وجهها بينما تشعر بالمرض ...أمسكت المحارم الورقية وبدأت بمسح وجهها 

خرجت من الحمام وهي تتجه  لبوابة الجامعة كي تذهب مسرعة ...كان هو يقف بعيدا وينظر إليها بشرود ...لقد حقق ما يريده...ليكن صريحا ..هو قد أُعجب بنوران ...ارادها بشدة ولكن هو الابن المدلل للرجل الثري لا يليق به ان يتزوج فتاة مثلها من الطبقة المتوسطة...هي ليست مناسبة ليجعلها زوجته ويدخلها عائلته...لذلك قرر ان يأخذها دون زواج وقد خطط وفعل المستحيل وبقت له ...ولكن هذا لا يكفيه...هو يريدها مرة أخرى. ..يريد ان ينعم بقربها...تلك اللحظات التي عاشها معها كانت لا تضاهي أي لحظة عاشها من قبل ...صحيح انه اخذها عنوة...كانت تقاومه حتى انها بكت وتوسلت ان يتركها الا انه لم يسمعها...كان يريدها واخذها ...والان يريدها مرة أخرى ...حسنا عليه ان يضع خطة مرة أخرى !!!

ابتسم ثم أخذ يصفر وهو يتجه للمطعم الخاص بالكلية 

..........

كانت جالسة بوسيلة المواصلات العامة تسند رأسها على الزجاج ...تشعر ان عينيها اصبحت متقرحة بسبب ,كثرة البكاء ...باتت تشعر بجمود بكل جسدها 

تشعر انها مستنزفة و الذكريات لا تتوقف عن مهاجمتها ذكرياتها كعدو متربص بها يذكرها دوما بأخكائها ...ما فعلته بنفسها ..اغمضت عينيها والصوت تهاجمها بشراسة ....

....

-لا يا عادل ابوس ايديك سيبني امشي !!!

قالتها بتوسل وهي تبكي ...بينما تقف بمنتصف الغرفة ...ترتجف كورقة ضعيفة تواجه رياح عاتية..تظن الورقة انها ستنجو ولكنها تضيع ...وكانت هي مثل تلك الورقة ..ظلت انها سوف تواجه الرياح ولن تتزحزح ولكن هي الأخرى على وشك الضياع الآن الا لو قرر هو أن يرحمها....

خلع قميصه وقال :

-هخليكي تمشي ...بس لما اخد اللي انا عايزه ..فيالا بقا ننجز مش عايز ازعلك في اول يوم لينا مع بعض ...

اخذ جسمها يرتجف  بشكل واضح ليقول هو :

-قربي ....

هزت رأسها بالنفي والدموع تنفجر من عينيها...

اقترب بغتة ثم شدها من حجابها حتى قربها منه ...توسعت عينيها بصدمة وانفجرت الدموع اكثر وهي تنظر إليه بينما تقول بإرتجاف:

-ابوس..ايديك...خليني امشي ...وحياة اغلى حاجة عندك ..عايزة امشي بالله عليك متأذنيش...

لم يهتم بتوسلاتها بل شد حجابها حتى انسدل شعرها على كتفها ...ابتسم بشراسة وهو يتلمس شعرها ثم قال بإنبهار:

-أنتِ جميلة اووي...اجمل مما تخيلت ...

ثم قرب وجهه ليقبلها لكنها ابتعدت عنه برعب ...ابتسم وقال بخبث :

-شكلك.عايزة نبدأ علطول ...

وبغتة  دفعها نحو الفراش وهو يهجم عليها مدمراً أحلامها ....

خرجت من شروده وهي تضع كفها على فمها تقتل نحيب كاد أن يخرج ...بينما دموعها انسابت بغزارة 

......

وصلت للمنزل وولجت إليه وهي تتنهد بتعب ...تشعر بغثيان في معدتها ....وانها مرهقة للغاية ....توقفت فجأة في المنزل وهي ترى والدتها قد قلبت المنزل رأساً على عقب هي ورحيق...عقدت حاجبيها بحيرة وقالت:

-ايه اللي انتوا بتعملوه ده ...

ابتسمت دلال بسعادة وقالت:

-بنوضب البيت عشان متقدملك عريس يا عروسة

يتبع




❤️💙🌺🌹❤️💙🌺🌹❤️💙🌺🌹❤️💙🌺🌹🌺❤️

قارئاتي وقمراتي وقرائي الغاليين بعد ما تخلصوا القراءه هتلاقوا الروايات الجديده والحصريه إللي هتستعموا بيها من هنا 👇 ❤️ 👇 💙 👇 ❤️ 👇 





🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


إرسال تعليق

أحدث أقدم