رواية العمده وبنت العم الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

رواية العمده وبنت العم الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


رواية العمده وبنت العم الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

في سرايا كبيره في الصعيد، حملت غالية كومة أخرى من الثياب الجافة على الطاولة المستديرة، قبل أن تنحني لتجلس فوق المقعد وبدأت في ترتيبهم وعلى الجانب الآخر جانبها كان باقي الخدم يقوم بتنظيف السرايا، انحنت أحدهم لتفرد السجادة المثنية بعد انتهائها من تجفيف الأرضية المبتلة بخرقةٍ قديمة ثم استقامت الخادمة تهاني واقفة وهي تمسح بظهر كفها العرق المُتَصبب على جبينها بتعب مرددًة باهتمام  


= محتاچه حاچه تاني يا ست غاليه ولا اروح ابدأ في الغداء قبل ما الچماعه يجوا....


استحسنت غالية ما بذلته الأخري من جهدٍ فقالت بامتنان لطيف 


=  لا خلاص يا تهاني، نتعبلك نهار فرحتنا بيكي إن شاءالله .


ردت عليها تهاني مبتسمة وهي تحمل دلو الماء والخرقة


= تسلمي يا ست غاليه عقبال ما نشيل عوضك ان شاء الله....


وقبل أن ترد غالية ظهرت حماتها فردوس، و هدرت بها بصوت عاليًا وهي تقف مستندًة بذراعها على الإطار الباب الخشبي


= يسمع منك ربنا يا تهاني واشيل عوض ابني الكبير بقى احسن الموضوع بوخ على الآخر، واهو مش فارقه بقى اذا كان من ستك غالية ولا من غيرها . 


نظرت إليها تهاني بتردد حزين ثم ذهبت، بينما كبتت غالية حنقها منها فكانت تعلم جيدًا أنها تحاول استفزازها بطريقتها هذه كعادتها حتى تستسلم لامرها، فلاذت بالصمت تجنبًا لبطشها الأهوج وتحفزت أكثر عندما سألتها بصوت خبث وهي تمسك الهاتف بيديها  ليظهر بعض الصور لفتيات اقارب من العيله  


= بصي أكده معايا يا غالية بنته (البنات) الست خيريه كبروا و بجوا عرايس كيف بسم الله ما شاء الله عليهم والكبيره منهم كومان مخلفه وارمله دلوج! 


نظرت ناحيتها في حنق وعلقت عليها ببرود تام


= آه حلوين! ربنا يبعتلهم عدالهم يا مرات عمي  


ابتسمت حماتها ابتسامة عريضة وهي تقول بحماس كبير


= إيه رأيك الكبيره ولا الصغيره تنفع لسراچ 

انا بقول احسن الكبيره على الأقل مخلفه وهنكون ضمنين انها هتجيب الواد ومش هتبقى كيف غيرها 


ازدادت غالية غضبًا من جملتها تلك، وأجابت بصوت جامد


= تقصدي مين يا مرات عمي؟ لو قصدك عشان لحد دلوج ما خلفناش فانا ولا سراچ چوزي عندنا اللي يمنع.. فبتهيالي البنته الحلوين دول خديهم لاولادك التوم !. 


ردت عليها في تحيزٍ وشرارات الغضب تنتفض في حدقتيها بأسلوب أمر 


= غاليه انا مش هقعد اتحدد كل مره في نفس الموضوع ديه بدل ما تساعديني! سراچ لازم يكون لي ولد من صلبه عشان هو الكبير و العمده لازم يكون لي اللي يسنده وفي ظهره... عشان اكده لازم يتچوز تاني وحتى لو العيب مش فيكي كيف ما بتقولي خليه يجرب مع غيرك يمكن تجيبلنا الواد اللي ما عرفتيش تجيبيه في ثلاث سنين چواز..


بلغ بها القهر مبلغه فقد نجحت الأخري في ألمها رغم أنها حقا ليس هناك ما يمنعها من الإنجاب، لكن حقا الحديث طوال الوقت حول ذلك الموضوع الذي تجاوز الثلاث سنوات و أكثر، كأن أحد يقتلها بخنجر بكلماته المسمومة و شعرت بالخواء والخوار من داخلها، انتشلت نفسها من شرودها المهموم هامسة باختناق 


= الصبر يارب!. 


لم تنظر فردوس تجاهها وعاملتها بتكبرٍ حين خاطبتها ونهرتها في نظرة صارمة


= انا ما عارفاش عاوزانا نستنى اكتر من اكده عليكي إيه، استنصحي و خليها تيجي منك عشان تكوني انتٍ الكل في الكل والاسم جوزتي جوزك بمزاجك . 


غامت تعبيراتها إلى حدٍ ما وعلى مضضٍ أخبرتها غالية 


= ما عاوزاش يتقال عليا ناصحه ولا شاطره قصاد حرق قلبي.. وللمره الأخيرة بقولها لك يا مرات عمي انا ما عنديش عيب عشان احط رأسي في الأرض واسكت ولا حد ماسك عليا ذله! انا هقوم اكمل مع البنته جوه الوكل أحسن .


اشتاطت فردوس غضبًا مما اعتبرته عجرفه منها وتحديها المستفزة فانفـجرت صائحة في تهددها علنًا بتحدٍ


= برده مش هسكت غير ما اجوزه يا غاليه يانا يا انتٍ في الدار دي! وهنشوف حديد مين اللي هيمشي؟!.  


❈-❈-❈


في نفس السرايا على الجانب الآخر، احتشد بعض الحضور في هذه الغرفة الفسيحة وكان الجميع مُلتفة بعينه حول العمده سراج وتلك المسكينه التي تقص حكايتها وتنتظر الأمر الناهي منه ليرجعلها كرامتها وحقها المهان من قبل زوجها وأسرته، نظراته المهتمة كانت ترتكز عليها وهي تكمل حديثها وسط دموعها قائلة 


= وبعد ما قالتلي الخدامه وخليتني اكتبلها جواب بخط يدي عشان تبعته لجوزها حسب ما فهمت منها ولا مؤاخذه في الكلمه كان الجواب فيه كلام حب وغرام، وانا صدقتها لما قالتلي ما بتعرفش تكتب ونفسها تبعتله اي حاچه تعبر بيها عن اشتياقها لي وهو مسافر بعيد عنها.. اتاريها خدت الجواب من اهنا و اديته لحماتي اللي كانت متفقه معاها عشان توري لچوزي وتفهمه ان انا على علاقه بواحد تاني، وهو صدق وطردني من الدار وخد كومان العيال مني.. ولولا ان الخدامه ضميرها صحي لما حست انها هتموت خلاص اعترفتله جالي يطلب السماح! 


وعندما انتهت من سرد قصتها، أخفضت رأسها وهي تحاول أن تتجاوز جميع الإهانات التي تعرضت لها منه أو من والدته عندما شعر بالشك نحوها وبعد إثبات براءتها حتي لم يجبر أحد خاطرها بكلمه واحده للتهوين عليها تلك الصعوبات التي تعرضت لها، لذلك لجأت  إلى العمده سراج وهي على علم جيد وثقه بحكمه الذي يعترف به الجميع ولا يرد، بدأت تضيف بكلماتٍ كانت كالخنجر في صدرها


=انا لا قادره اسامح ولا قادره ابعد عيالي عنه.. بس عاوزه العدل يا سياده العمده، انا عارفه ان چوزي يكون ابن خالتك يا سي سراچ لكن انا متوكده انك هتنسى صله القرابه اللي ما بينكم وهتحكم بالعدل، وترجعلي حقي وكرامتي اللي اتهانت منه ومن أمه... دي اتهامتني في شرفي يا ناس ارجعله كيف عادي اكده ونعيش في دار واحده ثاني ولا أكن حاچه حصلت؟!. 


تحدث شفيق عن اقتراحه وقال متمسكًا بأمله المعقود عليها في العوده لها، لأنه بدأ يعرف جيداً أنها الزوجة الصالحة بلع ريقه، وقال


= يا فاتن ما انا اعتذرتلك وقلتلك حقك عليا يا بنت الناس وراضي باي حكم منك ومن سراچ ابن خالتي برده... بس انتٍ اللي كبرتي الموضوع لما رحتي حكيتيله مع ان والله حلفتلك ان انا مش هعدي الموضوع عادي وهردلك حقك


سئمت زوجته من تساهله بالوضع ومن شخصه الضعيف والمغيظ أمام أمه حتى في الخطا، فهدرت فيه بانفعالٍ


= الحق اللي بيقولك هيرده ده يا سياده العمده امه رفضت تعتذر رغم انها غلطانه من ساسها لراسها بس هنعمل ايه التكبر والغرور لسه ماليها بالذمه يا ناس دي تستاهل ارجع اخدمها تاني واعتبرها كيف أمي، انا لما لقيته محتار بيني وبين أمه رغم أن واضح جوي مين فين الغلطان لكن ما اعرفش كيف يجيبلي حقي، حسيت ان الموضوع هيسكت عليه في الآخر ولا اكن واحده اتاخدت في الرجلين وسطيهم عشان اكده جيت اشتكيلك من ابن خالتك يا سراچ بيه ومستنيه حكمك اللي متوكده منه أنك مش هتظلمني زيهم.. واعتبرني خيتك هترضى ده يحصلها؟!. 


ظلت تعابير سراج المتأففة معكوسة على محياه وهو يسمعها وقد حدج زوجها بنظرة نارية جعلته يقلق من حكمه القادم، ثم قست تعابيره بشكلٍ مخيف ونظر إلي الاثنين قائلًا بتحدٍ


= من غير ما اعتبرك انتٍ خيتي فعلا يا فاتن وطالما وكلتيني مش هردك مكسوره الخاطر ما تخافيش، وانت يا أبن خالتي هترضى بحكمي ذيها وهتنفذه بالحرف ولا هتعمل كيف المره اللي فاتت وتيجي في صف الظالم وتسيب المظلوم و حقك مرتك!. 


نكس إبن خالته شفيق رأسه في خزي وخجل  قائلاً بصوتٍ مهتز


=مش محتاچه سؤال يا أبن خالتي آآ قول .


احتفظ العمدة بطريقته المحتدة في التعامل معه عندما أخبره بلهجة قاسية 


=اسمي سياده العمده دلوج لان لما اقولك حكمي هنسى أن ما بينا صله قرابه وان اللي هحكم عليها دي تكون خالتي، وهعتبرها واحده غريبه عني طالما مظلوم وكلني، عشان مش سراچ غانم اللي يرد حد مظلوم ووكله يجبله حقه!. 


بدأت الهمسات بين الجميع والصخب و الضوضاء، بينما هب العمدة واقف وهم خلفه   الكل وهو يوجه أوامره قائلا بصرامة شديدة 


= سكوت! حكمي هيكون كالاتي هترچع مرتك دارك ولو في اي حاچه ناقصاها من طلباتها هتجيبها من غير ولا كلمه وهتعتبر نفسك انك طلقتها وبتردها من چديد من مهر وشبكه.  وجهاز چديد لو لزم وطلبت كومان! وبالنسبه لامك كيف ما طلعت مرتك من الدار واتهمتها بشرفها هي اللي هتطلع وتشوفلها دار تانيه و حد يلزمها للخدمه غير مرتك، لكن طبعا انت عليك ودها عشان امك لكن هي من اهنا ورايح مش ملزمه بحاچه ليها.. اي حد عنده اعتراض علي حكمي يسمعني صوته.


تجمد الزوج شفيق في مكانه مصعوق عندما سمع أوامره التي لا ترد وتنهد باستسلام فليس لدي غيره، عم السكون ولم يستطيع أحد التحدث، لكن سرعان ما انتقلت فاتن نحوه وكادت أن تقبل يده من سعادتها بكرامتها التي ردت فقد شعرت أخيراً بالانتصار وليس الظلم، لتخاطب إياه في تلهفٍ


= ربنا يخليك يا عمدة سراچ ويستر طريقك ويرزقك بالخلفه الصالحه وما ينصر عليك عدو ابدأ ويباركلك.


تظاهر بعدم الاكتراث فبسبب هذه الدعوه فتحت جروح لم تشفى بعد، ووضع هذا القناع الجليدي على ملامحه ثم تحدث بخشونة


= توكلنا على الله اسبوع بالظبط وهذركم في الدار ولو عرفت منها ان في حاچه واحده بس ما نفذتهاش هنعمل جعده تانيه واحكم عليك حكم تاني أشد، يلا الجلسة اتفضت نادي يا غفير على اللي بعده !؟ 


❈-❈-❈


ابتسمت غالية في إعجابٍ للمطل عليها وقد التقط نظراته إلي رفيقته في الحياة و نقطه ضعفه وعشقه الوحيد وابنه العم وزوجته وكل شيء له بعد أسرته، ظلت تتابعه وهو يسير متفاخرًا متباهيًا بدأ وكأنه يمتلك زمام السلطة هنا وهناك، ولما لا؟ فهو العمده سراج وكبير العيله والولد البكري للعائله.


توقفت غالية عن مطالعتها حينما انضم إليها  جالسًا بجوارها وتارك الكرسي الأكبر للأم التي لوت شفتاها باستخفاف، بينما انضم أيضا للطاولة الشقيق الصغير فؤاد، و محمود الأخ الوسطاني والتوام لمحمد الذي كان متغيب عن الطعام اليوم، ليتساءل سراج عن شقيقه باهتمام 


= آمال فين أخوك محمد يا محمود؟ 


هز رأسه بعدم مبالاة وهو يقول بصوت جاد


= زي العاده راح يصطاد حمام بالبندقيه بتاعه ابوك الله يرحمه 


تحولت أنظار شقيقه الأكبر تجاه معلقًا بوجه تسوده تكشيرة عظيمة من القلق 


= ثاني انا مش نبهت عليه ما يطلعش ولا يمسك سلاح هو مش متدرب عليه يا چماعه انتوا مستهونين بالموضوع عادي أكده ليه؟ اذا كان ربنا بيسترها معاه في كل طلعه هيچي في مره يعمل مصيبه واحنا مش ناقصين!. 


شعر محمود بانه محقه وتوامه قد بالغ في ذلك الأمر حقا لكن لا يعرف كيف يمنعه من ذلك، ليقول بهدوء


= حاولت والله معاه كتير بس هنعمل ايه اخوك دماغه ناشفه، ما تقلقش عليه هحاول معاه مره تانيه لما يرجع وهقنعه المره دي.


هز رأسه بقله حيله ثم ارتكزت نظرات سراج على أخيه الأصغر متابعًا كلامه إليه بحب 


= وانت اخبار دراستك ايه يا فؤاد؟!. 


رسم فؤاد ابتسامه واسعه وهو يرد قائلاً


= بخير يا اخويا ما تقلقش هذاكر عشان ادخل الچامعه زي ما وعدتك وطلبت مني... 


وقبل أن ان يرد سراج على أخيه الصغير بفرحه وفخر استوقفته أمه قبل أن يخرج كلامها الصادم


= هو انت ايه اللي عملته في خالتك يا سراچ بقي تجوي مرات أبنها عليها وتطلعها من دارها وتسيبها لفاتن كأنها هي صاحبه الدار؟ خالتك لما قالتلي ما صدقتش في الاول و زعلانه منك جوي، برده مهما تعمل هي في النهايه خالتك وفي صله رحم ما بينا وما يصحش اللي عملته . 


قال سراج في ملامح جدية، لا تقبل المزح 


= وهي يصح تعمل مؤامره وتتهم واحده في شرفها وهي متوكده انها كدابه؟ تحمد ربنا ان ابنها ما تهورش وموتها وراح فيها..بقولك ايه ياما جفلي على السيره دي انتٍ عارفاني كويس ما برجعش في كلمتي ولا في حكمي طالما طلع مني لواحده مظلومه وكلتني.


كادت فردوس أن تجن من قوله فقالت بغضب 


= يا ابني دي خيتي وخالتك كنت شوف اي حكم تاني الا أنك تطردها من دارها وتجوي مرات ابنها عليها؟؟. 


هز كامل جسده بشراسةٍ وهو يقول بصرامة لا تقبل النقاش 


= هي اللي عملت في نفسها اكده مش انا ولازم تدفع ثمن غلطتها، وانتٍ عارفاني في الحق ما بتعرضش حتى لو مع مين... خلاص بقى خلينا نغير السيره دي لاني مش هرچع في حديتي مهما حصل وقوليلها تستغفر ربنا ممكن يسامحها! انا مش فاهم يعني عاوزيني اظلم واحده عشان واحده تانيه قريبتي اروح من ربنا فين؟ ولا يبقى اسمي عمده ازاي وعادل بين الناس وبرچع حقوق المظلومين..


ابتسمت غالية بفخر وحب له، بينما ضغطت أمه على شفتيها بضيق شديد ولم تتحدث بعد فرغم معرفتها بذلك، حاولت بدء الحديث معه لعلها تجعله يتراجع لكنه كما هو معروف عنه، يسير في طريق الحق حتى على حساب عائلته.. 


بدأت غالية في تقديم الطعام لهم وسكب الماء البارد في كأس زوجها، الذي نظر إليها بامتنان واحتضن يدها برفق أمام الجميع، كما اعتاد أن يظهر حبه لها بلا خجل. لكن هذا الأمر لم يعجب والدته فردوس، التي أرادت إفساد الأجواء فقالت بصوت ماكر.


= فاكر أحلام بنت خيريه يا سراچ اصلها اترملت وبقت محتاچه راچل يربي معاها العيلين وتخلف منه تاني لو عايز، ايه رايك فيها. 


علق عليها سراج في شيءٍ من الاستخفاف قبل أن يدير وجهه عنها


= رأيي في ايه ياما حد قالك ان انا بشتغل خاطبه الأيام دي وانا مالي ما تشوفيلها عريس بعيد عني، ولا تكونيش عايزه تجوزيها لمحمد ولا محمود اهم عندك انا ماسك حد فيهم ده يوم المنى لما اچوزهم .


أبتسم محمود وهتف بصوت مازحاً 


= إيه يا عم انت هتجيبها فيا انا مالي قلتلكم مش بفكر في الموضوع ده دلوقتي عندكم محمد لما يجي من بره فتحوه في الموضوع لكن انا وقت ما اعاوز انا اللي هختار بنفسي واظن فؤاد لسه عنده ١٦ سنه مش هينفع .


نفذ صبر فردوس منه وهتفت في حدةٍ


= انا مش بتحدد على انها عروسه للتوم محمود ومحمد ولا لفؤاد انا بتحدد عروسه ليك انت يا سراچ! وجبل ما تتحدد وترفض كيف كل مره احنا صبرنا كتير جوي علي بنت عمك وما فيش منها رجا حتى اندليتوا مصر وكشفته مخصوص وبرده ما فيش حاچه حصلت يبقى تجرب مع غيرها يمكن ربنا يرزقك وتجيب الواد اللي بتمنى من الدنيا.  


ضغط علي شفتيه ومع ذلك أشار بإصبعه إليها قائلًا في لهجةٍ  محذرة


= وبعدها لك ياما قلتلك بدل المره عشره غالية ماعندهاش عيب وديه حديد كل الدكاتره اللي رحنا لهم يبقى ليه مصممه اتجوز غيرها؟ ريحيني وريحي نفسك ده مش هيحصل وربنا مش كاتبها لنا يبقى خلاص ديه چواز مش لعبه هجربها ولو ما عجبتنيش عشوف غيرها  


لحظتها فقط تفجـرت بداخلها مشاعر الحنق والحقد وطغت مشاعر الكراهية على أي مشاعر أخرى غير متعاطفة ودعست بلا شفقة 

قائلة


= عشان انت كذاب يا سراچ الدكاتره قالوا لك ان فيها عيب بس انت مخبي علينا ومع ذلك صبرت عليها ثلاث سنين! والدليل كل ما اقولك وريني التحاليل اشوفها أنا ولا اخوك اللي شغال دكتور تجعد تلوع في الكلام وما تجيش معايا دغري 


فرك طرف ذقنه بضيق مكتوم وهو يهتف بانزعاج 


= ياما محمود شغال دكتور بهايم هيفهم ايه في تحاليل كيف دي؟ اللهم إما طولك يا روح احلفلك بايه غاليه ما فيهاش حاچه 


حاول محمود التدخل ليقول بصوت جاد


= ياما خلاص مش كل يوم تنكدي علينا بنفس الموضوع هم احرار مع بعض مش لازم نخش في مشاكلهم، ادعيلهم ربنا يرزقهم.. وبعدين سراج معاه حق انا هفهم في تحاليل زي كده ايه وعلى فكره عادي يكون ما فيش عيب في الاتنين ويتاخروا بتحصل كثير في الصعيد هنا او في مصر وانا لفيت كتير وبقولك المواضيع دي بتحصل عادي 


في حمئة شبه مغتاظة هتفت فردوس بنظرة حاقدة موجهة لغالية 


=اسكت انت انا فاهمه خيك كويس هو بيداري عليها عشان دايب في العشق وياها واي حاچه بتقوله عليها حاضر ونعم حتى لو كل عيوب الدنيا فيها، و أكيد في حاچه مخبيها و الهانم اللي چنبك دي مش بتخلف وانا مش هصبر 

زيك وعاوزه ولد من صلبك يشيل أسمك.


لم يتحمل سراج طريقتها ولا ذلك الضغط على زوجته الغير مذنبه في شيء، ليخاطبها باستياءٍ عارم


= برده ما فيش فايده! حاضر ياما مش عايزه تشوفي التحاليل هوريها لك عشان اخلص من زنك بس بعد اكده ما تعاتبيش الا نفسك  


حينها توسلته غالية في ارتياعٍ وهي تجاهد تجعله يتنازل عن ذلك وقد أحكمت من قبضتها المحكمة فوق ذراعيه 


= سراچ خلاص أهدى وحجك عليا أنا وما تردش عليها عاد وان شاء الله ربنا يسهلها لوحده


في التو اندفعت تجاه زوجته معتقده بانها تحاول منعه بان لا يخبرها الحقيقه وانها لا تستطيع الإنجاب، كيف لها بهذه الوقاحة الفجة لتصيح في وقاحةٍ قاسية 


= شايفين البنت قدامي بتجويه عليا ما يسمعش كلامي، يبقى انا حديدي صوح وانتٍ مش بتخلفي ومش هتعرفي تجيبيلي الواد اللي نفسي فيه، بطلي انانيه بقي وسيبيه يشوف حاله مع غيرك يا وش البومه انتٍ و بور !. 


أدارت غالية رأسها ببطءٍ تجاهها بحزن فتحشرج صوتها قائلة 


= الله يسامحك يا مرات عمي! بس انتٍ ما فاهماش حاچه 


ثار سراج عليها أكثر وهلل ازدراء بأعلى نبرته


= أمــا خلصت لحد اهنا هي استحملت بما فيه الكفايه معايره وهي ملهاش ذنب وانا من اول يوم كنت عايز اقول الحقيقه لكن هي اللي منعتني عشان خايفه من صدمك فيا، لكن طالما مصممه تعرفي ايه هي الحقيقه حاضر


صمت دقيقة والكل متراقب ثم أخبرها باعترافٍ صريح وموجع له


=الحقيقه انا اللي فيا العيب ومش بخلف مش هي!. سامعة؟


لم تكن مقتنعة بما فاه به، فأكملت على نفس المنوال القاسي، كأنما تزيد من قسوتها بكلماتها اللاذعة


= هي وصلت أنك بتتبلى على نفسك بحاچه مش حقيقيه عشان تداري عليها بعد الشر عليك هي اللي معيوبه يا ولدي مش انت.. انت خايف تقولنا عشان ما افضلش اقولك اتجوز غيرها.. وانا مش ظالمه كيف ما انتم فاكرين وما جلتلكش طلقها بس عايزك تجيب الواد اللي يكون سندك وظهرك في الدنيا.


في التو اشتاط غضبًا لكونها ما زالت مستنكره كل ذلك، وهدر بها ساخراً بألم 


= شوف اقولها إيه تقولي ايه مصممه برده أن غاليه هي اللي معيوبه وانانيه! ياما ارحمي نفسك وارحميني معاكي من اول يوم كشفت فيه انا وهي تحليلها طلعت سليمه وكلهم قالوا ان العيب عندي انا، وهي عشان ما تحرجنيش صممت ان الموضوع يفضل سر ما بينا واستحملت حديدك القاسي كتير عشاني.


راودها بالفعل ذلك الهاجس المخيف بأنه لا يستطيع الانجاب حقا، فسألته بقلب الأم الوجل


= ما تبطل بقى كذب وما تفولش على نفسك انت سليم وتقدر تخلف بدل العيل عشره انما هي لا، كل عيلتنا من ناحية أبوك سليمه عمرهم ما اشتكوا من حاچه كيف اكده .. 


أصر على قوله وهو بالكاد يحبس دموعه لكن رغمًا عنه تسرب من طرفيه بعض العبرات الغادرة عندما بدأ يتذكر كل حديثها القاسي لغالية سيصبح من نصيبه بعد الآن، فهي كانت تجرحه مع كل كلمه دون ان تدري لذلك


= انتٍ اللي لازم تصدقي الحقيقه ياما ورحمه ابويا اللي ما بحلفش بي كدب انا اللي معيوب مش هي! ومش بخلف .


شهقت أمه في ذهول فزع ونظر محمود و أخيه الصغير فؤاد الى بعضهم البعض بصدمه  

فالجميع يعرف بأنه عندما يقسم برحمه والده يكون صادق حقا، اقترب أخيه الوسطاني منه متسائلاً بعطف 


= من امتى الكلام ده يا سراچ وكيف ما تقوليش انا حتى! طب حد من الدكاتره قالك على علاج ولا في اي حاجه تعملها عشان تقدر تخلف 


سحب نفسًا عميقًا ليخنق به نوبة قهراً التي توشك على البدء فيه وأخبره بترددٍ يشوب نبرته


= الدكاتره اللي اهنا وفي مصر كلهم اچمعوا على حاچه واحده بس يا محمود العلاج عيطول وهياخدله اقل حاچه سبع عشر سنين  وممكن افضل اكده طول حياتي حالتي ميؤوس منها والأمل ضعيف... وغاليه طلبت مني لما نندل من مصر نقول ان إحنا سالمين ومحدش فيه عيب ونسيب الأمر على ربنا، وانتٍ ياما لما صدقتي و بقيتي عماله تسممي بدنها بحديد محدش يستحمله وهي ما نطجتش وكل ما احاول افهمك اللي في دماغك في دماغك أن هي المعيوبه وانا السليم! انما الحقيقه بقى العكس انا اللي معيوب وهي اللي مستحمله واحد زيي مفيش امل فيه و عمرها ما هتكون أم بسببي .


حركت زوجته يدها من على كتفه لتتشبث بمعصمه وهي ترجوه في صوتٍ باكٍ


= ما تقولش اكده يا سراچ انت راچل وسيد الرچاله وما فيكش عيوب إيه يعني ربنا ما رزقناش دلوج ولا طول العمر حتي، ربنا مديني حاچه ثانيه معوضنا بيها وزياده يبقى ليه هنبص على اللي ناقصنا عاد ونسيب كل ديه، وبعدين الدكتور قالنا في امل في العمليات الحقن المجهري بس انت اللي مش راضي 


نظر سراج إليها بقلقٍ حقيقي مؤكدًا لها بقوله 

بضيق شديد


= مش راضي عشان عارف انها هتكون صعبه وهتديكي أمل على الفاضي وانتٍ اكثر واحده هتضطري منها، يعني مش كفايه انك مستحملاني كومان هتشيلي حاچه انتٍ ما لكيش ذنب فيها... وبعدين حتي دي الدكاتره قالوا أملها ضعيف برده 


صمت قليلًا ليفكر محمود قائلاً بإصرار جاد


= بلاش التشاؤم ده يا سراچ حتى لو الأمل 1% دي حاچه بايد ربنا بس حاول تسمع كلامها فعلا وتجربوا حكايه الحقن المجهري طالما الامل ضعيف في الطبيعي.. وتوكل على الله وسيبها على ربنا . 


لم تنبس فردوس بحرف واحد بعدما تلقت هذه الصدمة المفجعة، فصارت غير قادرة على الوقوف أو الحركة، انما انخرطت في بكاء صامت.. 


أبقت على سكوتها المرير، فاستمر سراج في إخبارها لعلها تشعر بشيءٍ من الندم


= إيه ياما مش سامعلك صوت يعني دلوج؟ عرفتي مين فينا اللي أناني ومين اللي مستحمل التاني بعيوبه، عرفتي بقى ان غالية اللي مش عاچبكٍ دي طلعت بنت اصول وشايله كتير وما تستاهلش اللي انتٍ بتعمليه فيها، لو لسه شكه أني بكذب حاضر التحليل هتكون في ايديك دلوقيتٍ وعطلع اجيبهالك! 


ارتفعت وتيرة الضيق في ملامح فردوس و وصلت صوت انحباس أنفاسها، حينما نهضت لترحل دون الرد عليه وقد تحركت من امامهم 

بكل هدوءا زائف .


❈-❈-❈


جلس سراج فوق المقعد بداخل غرفته والألم يعتصر قلبه، انتابه ذلك الشعور الشديد بالحزن والممزوج بالرعب من فقدان غالية، فأحيانا يشعر بالانانية يعلم بأن حالته ميؤوس منها فلما تظل غالية جانبه ولا يتركها لتعيش حياتها وتكون أم! لكن كيف سيستطيع تركها لرجل آخر وينسى كل ذلك الحب الذي طال بينهما في تزايد مستمر بلا نهايه.


دخلت زوجته الغرفه بتلك اللحظة ولم يشعر بها من كثر التفكير فيه الهموم، فأخذت تحرك ذراعها بتمهلٍ فوق المعقد الجالس عليه و سرعان ما مدت يدها لتحتضن ذراعيه المسنود إلى جوار جسده الواهن أحس بوجودها أخيراً لفت كتفيه بذراعها ونظرت إليه بشغفٍ وهي تسأله في اهتمامٍ صادق


= مالك يا حبيت عيني، ليه الحزن عاد انا 

ما بحبش اشوفك أكده قولي اللي يريحك وأنا اعمله علي طول 


كان جالسًا بأعصابٍ مشدودة وقسماتٍ غير مرتخية ثم قال بجفاءٍ غامض 


= أنا عارف الحل يا غالية 


قطبت جبينها مندهشة قبل أن ترد بقلق 


= عارف إيه سراچ


أجاب باسمآ قليلًا رغم الوجع الذي عصف بقلبه


= مانا قولتك يا بنت الناس من اول ما عرفنا اللي فيها سيبيني و روحي شوفي حالك، أنا ما فيش فيا رجا 


دون تفكيرٍ مسبق أخبرته بنزقٍ وقد سحبت ذراعها لتمسك بكفه وتحتضنه بين راحتيها


= لااا يا سراچ اوعك تجول اكده تاني هزعل منك 


لم ينجح في مغالبة شعوره بالضيق والذي ظل ملازمًا له منذ معرفة عدم قدرته على الإنجاب والامر الذي يشعره بطعن رجولته فأشار لها بيده معقبًا بهدوءٍ حذر


= يا غالية طول ما انت چاري أكده عمرك ما هتكوني أم وانا..


اغرورقت عيناها بالدموع وأخبرته بألمٍ متزايد


= انت مكفيانى يا سراچ وما عايزاش اسمع حديد غير ديه صحيح مش أبو ولادى لكن أنت كل الخير ليا وشايلني على كفوف الراحة و عمرك ما رفضتلي طلب، وفوج كل ده عاشقاك يا ابن عمي، عايزنى بعد اكده اسيبك.!! شكلك اكده بطلت تحبني 


مرر ذراعه من خلف ظهرها ليحاوطها، ضمها إلى صدره وأخبرها بلطافةٍ وهذه النظرة الحزينة تبرق في حدقتيه


= انا برده يا غاليه انتٍ لو تعرفي النار اللي چوايا مش هتقولي أكده، ده انا من اول ما عيني طالتك وحبك اتزرع چوايا بجدارة لدرجه رحت وانا عيل ١٥ سنه طلبتك من ابوكي وانا لسه بشق طريقي لاني خفت تروحي لغيري! وابويا واعمامي قعدوا يضحكوا عليا ساعتها لكن انا صممت لما تكبري انا اللي هاخدك.. وابوكي الله يرحمه قالي وانا موافق بس بشرط! لو جد مهرها مش عمانع لان دي مهرها هيكون كبير دي البكريه واللي محيتليش غيرها .


رمقها بنظرة عميقة نافذة، فواصلت الحديث في مرارةٍ


= رديت عليه ساعتها وقلتله اذا كانت هي بالنسبه لك بنتك وحته منك! فهي بالنسبه لي هتكون كل حياتي وهشتغل ليل ونهار من دلوج عشان اچمعلك فعلا مهرها.. دي غالية وهي غاليه، وبعد ما كبرت وبقيت اشتغل وجمعت مهرك قالي اكده انت راچل من ضهر راچل بس ما جدامكش غير رأي العروسه لو هي جالت آمين اعتبرها من الساعه دي بقت ليك وهعملك فرح الكل يتحاكى عنه .


كانت بالفعل غاليه الفتاه الوحيده التي عاشت من بين خمس اخوات اشقاء ماتوا في عمر شهور، لذلك كانت الوحيده المحببه الى قلب أبيها وامها وكانت الغاليه لديهم بالفعل، و اصبحت الآن الغاليه لدى زوجها دس أنفه في منحنى عنقها لتشعر بلهيب أنفاسه الحارقة على جلدها وهو يضيف شارد الوصف في حبها


= ما كانتش ساعتها لسه بقيت عمده ولا ربنا اداني من خيرة كيف دلوج عشان اكده قالي انا اللي هشيل الفرح عنك وكفايه عليك المهر الغالية، بس كنت خايف جوي لا ترفضيني بعد كل ديه 


أبعدت يدها عنه لتحتضن وجهه بين راحتيها فحصه إياه بنظراتها الثاقبة بحب وقالت بنبرة تأثراً 


= ولما رحت سألتني قلتلك روحى ملكك يا سراچ يا ولد عمي


رمش عينه مشتعلاً بأشواقٍ زادت خفقان قلبه

ثم ابتعد هامسًا لها بحرارة


= صوح فاكر لحد دلوقيتٍ لما قولتلك يا غالية إحنا ماحليتناش كتير و أبويا راچل على باب الله وأنا محلتيش حاچه غير مهرك اللي جبته بطلوع الروح عشان املكك.. قالتلي هو الراچل الصوح بالفلوس عاد ولا احس انه شاريني بچد وهيحافظ عليا وعمره ما هيضرني وهيكون اماني وهو ديه بس اللي طالبه منك يا ابن عمي.


حدق متأملاً بوجهها بنظرات مطولة فإضاف بهدوء وهو يمسح تلك قطرات الدموع المتجمعة عند شفتيها


= كنتي وش الخير عليا بعد اكده يا غاليه ولما ربنا اداني عمرك ما طمعتي اكتر من الامان حتي الدبلة اللي لسه لبساها لحد دلوج هى شبكتك اللي كانت من زمان.. ومهما اجيبلك تقوليلي حلوين بس مش هخلع دبلت جوزي منك اللي بتفكرني باحلى أيامنا و لا يمكن أخلع الدبلة اللى أتجوزتك بيها يا سراچ..


سحبت نفسًا عميقًا هي تشعر بالتاثر أثر حديثه وحبه العميق لها، لتخنق به نوبة البكاء التي توشك على البدء فيها وأخبرته بابتسامة باهته 


= عشان كانت فعلا غاليه عليا يا سراچ ويومها انا فاكره حاولت تجمع فلوس اكتر عشان تجيبلي وزن زياده وحاچه تليق بيا وكنت زعلان لما ما قدرتش وانا قلتلك ده كفايه عليا وعمري ما هجلعها من كتر ما هي عچباني .


قام بعدها بالمسح بترفقٍ على وجنة زوجته وهو يقول بفخر واعتزاز بحبها


= طول عمرك بنت اصول يا غاليه وعمرك ما حسستيني أن أنا اقل من اي راچل تاني، عشان اكده حبك كان بيزيد جوايا يوم عن يوم ومعاوز اظلمك معايا انتٍ تستاهلي اكتر من اكده بس يا ريته بايدي والله وانا اجيبلك اللي اكتر من العيال.. وانتٍ تقوليلي بعد كل ديه بطلت أحبك ده انا معرفش هحبك اكتر من اكده إيه؟ بس عشان بعشقك فعلا حاسس نفسي اني وحش جوي واناني وظالم وبحاول افتح عينك ان انا ممكن حياتي تفضل طول العمر أكده فما تضيعيش عمرك جنبي يا بنت الناس .


استندت برأسها على كتفه وخللت أناملها بين أصابعه لتتشابك معًا، ثم رفعت يدها الأخرى الطليقة نحو عنقه لتداعبه برفقٍ، قبل أن تصر عليه بكلامها


= انتٌ مش هتظلمني ولا حاچه عشان انا راضيه وبعدين لو كان العكس و انا اللي مش بخلف كنت هتسيبني ولا ايه؟ 


ضمها إلى حضنه في رفقٍ أكثر ولف ذراعيه حولها ليحتويها وهو يقول بلهفة صادقه


= يمين بالله ورحمه ابويا والغاليين كلاتهم ما كنت هسيبك ولا حتى افكر اتجوز عليكي واظلمك كيف ما امي عماله تعمل دلوج وهي مفكره العيب فيكي، حتى لو قلت ان فعلا كان فيا عشان تحل عند دماغنا لكن ما ااذكيش بايدي يا غالية وانا عارف منيح يعني ايه تشوفيني مع غيري حتى لو الكل هيقولي حقي.. هرد واقول ما عاوزوش الحق ديه؟!. 


أبتعدت عنه وحدجته بهذه النظرة القوية المستنكرة قبل أن تلومه


= وانا واثقه فيك من غير حلفان يا ابن عمي  

وبعدين يعني انت اللي هتستحمل تشوفني مع غيرك عاد وانا مخلفه عيال مش من صلبك ولا إيه؟ هتستحمل يا سراچ حد غيرك يلمسنـ..


نظر لها شزرًا، سرعان ما تحول حزنه الفجائي لامتعاضٍ عابس وهو ينهرها بغيرة حارقة كأنما قد استاء من تلميحها فقط


= بس يا غاليه اجفلي خشمك خالص ده ما اتخلجش بس إللي يفكر يبصلك بصه ما تعجبنيش مش يتجوزك ولا يقرب منك؟ و بعدين مين قال اني هسمح بحاچه كيف اكده تحصل حتى لو هملتك  


تجاهلت غضبة بسخافة وأخبرته بما أغاظه أكثر


= الله ما شيء طبيعي طالما هتطلقني و عمال تقولي شوفي حياتك وانا مش هقدر اخلف معنى حديدك عاوزني اروح لغيرك واتجوز واخلف كومان.


انتفض من مكانه بغضب شديد كأنه يستحق ذلك لهجره القاسي، وبُعدها كلامه الموحش عن فراقه ليقول بصرامة حاده 


= وبتعديها تاني قلتلك اجفلي خشمك خالص مش هيحصل يا غالية حتى لو على موتي! ان شاء الله اكتب وصيه بكده عشان محدش بس يفكر يلمسك ولا وانا حي ولا و انا ميت.. يا بوي على حرجه الدم بس لما فكرت فيها على جثتي يا غاليه تكوني لغيري 


تأملت هذا التعبير الحانق على وجه بتمتع أكثر برؤيته يغار عليها مردده 


= طب هدي نفسك انا ليك دلوج مش لغيرك بس انت اللي هتضيعني منك طول ما بتخلي الكلام العفش ديه يدخل في دماغك وتسمع لغيرنا، انا ما يهمنيش في الكون ده غيرك و مش هتطلع احسن مني ونفس اللي كنت هتعمله معايا لو كان العيب فيا انا هعمله ومش هسيبك وبعدين بلاش تشاؤم لسه قدامنا علاچ وعمليات وحلول كتير ممكن نخلف بيها بس انت ربنا يهديك بس وتوافق وندعي ربنا يكرمنا .


ابتسم في غير تصديقٍ وابتهج كليًا، للدرجة التي جعلته يحتضنها بقوةٍ وهو يردد


= بتفوري دمي يعني ماشي يا غاليه بس بلاش تلعبي تاني مره بالطريقه دي معايا إلا غيرتي عليكي وانتٍ عارفه طبعي كويس فيها ما بشوفش قدامي ولا بكون العمدة الحكيم اللي بيحكم بالعدل بين الناس حتى لو على حساب عيلته.. في الحته دي بالذات بيركبني ميت عفريت فما تخليش جناني يطلع عليكي وبعد اكده ترچعي تشتكي . 


ابتسامة زهو علت ثغرها وهي تقول بنبرة حنان


= انا اشتكي برده من غيرتك عليا يا سراچ ديه هي احلى حاچه بحبها فيك عشان بتبين قد ايه حبك وعشقك ليا اللي ما لوش نهايه


اقترب منها أكثر والفرحة تملأ محياه، فظهرت ابتسامته المشرقة على الأخير وخاطب زوجته بعد أن قبل جبينها 


= أبا، ما تبقيش عامله كيف القطط تاكلي و تنكري عاد، انا ما بفوتش دقيقه إلا وأنا ببين قد ايه بحبك وما قادرش اقعد ثانيه واحده الا وانا بشوف طلتك عليا... في طرق كتير ممكن اعبرلك فيها عن حبي ليكي من غير حرجه دم 


ابتسمت غالية بسعاده وهتف بدلال اذهب

بعقله


= كيف ايه؟ عرفني عليها يا ولد عمي .


نظر إليها في محبةٍ فأحنى رأسه على شفتيها يقبلها منهما ليضيف في صوتٍ أقرب للهمس 


=بعشقك يا غالية.. بعشقك يا اغلى ماليه!. 


قالها أمام شفتيها وهو يدفعها برفق نحو الفراش ويميل عليها مختطف شفاهها بقبلات رقيقه متتالية.. فلم يجد القدرة على مقاومتها اكثر فقد اختطفته وجعلته يقع اسيرها منذ زمن طويل واسير كلماتها تلك، لذلك بكل استسلام انحنى عليها يقبلها بكل شوق ولهفة يسرق معها لحظات من العمر سيظل يتغنى لها قلبه وعمره بأكمله .


❈-❈-❈


كانت كمن تملك مفتاح زمامه بعدة ملاطفات مدروسة منها استطاعت أن تجعله يضحك من جديد ويشتهي وِدّها ويتحرق إلى حنانها لينسى كل احزانه في أحضانها لوقت لاحق، حتى يشبع افتقاده للحب الصادق والاهتمام الزائد معها، قبل طلوع الفجر بعدة ساعات أستيقظ سراج ولم يعود للنوم من بعدها بسبب التفكير الزائد في تلك المسألة! بالاضافه الى التردد الذي ظهر على ملامحه والقلق أيضاً 


آفاق على يد زوجته التي هتفت بصوت ناعس


= في ايه تاني يا سراچ صاحي ليه لحد دلوقيتٍ ما تنام بقي وريح حالك هبابه، انت عارف مليح من اول ما بتصحى ومشاكل الناس ما بتخلص والشكاوي.. فلازم ترتاح وبطل تفكير وسلم امرك لله   


أجابها باسلوب أكثر جدية محاولاً ألا تظهر نبرته الغامضة لها


= مش حابب انام وأنا قلقان ومزعلك يا غالية وانك تطلبي حاچه وانا مش قادر البها لك دي مأثره فيا كتير.


تنهدت الأخري بضيق وقالت بانزعاج


= تاني يا سراچ هدي أعصابك يا حبيبي، كل حاچة هتتحل احنا بس نسلم امورنا لربنا وهو هيحلها من عنده  


زفر سراج بتردد ثم قال بإبتسامة حنونة


= غالية انا موافق اننا نعمل عمليه الحقن المجهري يمكن تظبط معانا على رأيك 


انتفضت فوق الفراش بسعادة وقالت بلا تصدق


= بتتحدد صوح يا سراچ؟!


هز رأسه بالايجاب وهو يقول بصوت قلق 


= انا والله كنت رافض من البدايه عشان خاطرك بس! عشان عارف ان الموضوع ديه معناته امل كبير وكسر خاطر برده، غير التعب اللي هتتعبيه كيف ما بسمع.. لكن طالما ما قدمناش غيره يبقى نحاول ندي لنفسنا فرصه ممكن ربنا فعلا يرزقنا حتى لو حته عيل واحد 

هكون راضي والله.


لم ترف عيناها وهي تشعر كأنه يدغدغ مشاعرها نتيجة كلماته وحبه الذي أصبح ملازمًا لها، ثم ابتسمت قائلة بفرحه 


= ما تقلقش يا سراچ انا هبقى كويسه و بعدين تعب عادي كيف ما كل النسوان بتحس بيه امال الجنه تحت أقدام الأمهات من شويه.. ما تعرفش فرحتي قد ايه انك وافقت أخيرا 


داعبها في محبة وهو يهمس في أذنها برقة


= أنا موجود عشان أنسيكي أي زعل مش ايشيلك همي يا غالية، انا بحبك جوي وما ليش غيرك يا حبيبتي.. 


ابتسمت ابتسامه عريضه ثم قالت بلهفة


= طب هنبدا ميتي أعمل العمليه 


بدلها الإبتسامة على سعادتها ثم قال بجدية 


= اديني يومين بالظبط اخلص اللي ورايا اهنيه ونندل مصر عشان نتفق مع الدكتور اللي كشفنا عنده آخر مره باين عليه مليح والكل بيشكر فيه . 


❈-❈-❈


الخوض في تجربه جديده ممتلئ بمئات الاحتمالات السعيده والتعيسة جعلت سراج يشعر بقدرٍ من الرهبة يتسلل إليه لكن مع ذلك القلق تابع الطريق مع زوجته داعي الله ان يرزقه بمولود حتى وان كان طفلاً واحد فقط 

ليجعله يشعر بالابوه ويسمع كلمه أبي، كل ذلك ما كان يريده لذلك لم يهتم اذا كان المولود صبي أو فتاه عكس والدته التي كانت طوال الوقت تناشد باستمرار بأن يجب ان يكون المولود صبي وحاول سراج بكل الطرق ان يخبرها بان ذلك بأمر الله وليس لهم يدي فيه لكن مع ذلك لم تقتنع فهي رغبتها بان يكون المولود صبي كانت شديده للغاية...


هزت رأسها فردوس باعتراض صارم وهي تردد


= لازمت تكون خلفتك فيها صبيان ولا كلاتهم حتى! الولد يا سراچ هو اللي عيشيل عنك و يكون ظهرك وسندك سامعني! الولد يا سراچ لازمت اول خلفتك ولد لأجل يسندك في حياتك ويكون عزوتك.


وعندما كان يشعر بالياس من وجهه نظرها واصرارها على أن يكون المولود صبي كان يخبرها باختصار شديد 


= ادعي ياما الأمر ولا بايدك ولا بايدينا. 


مضي وقت طويل في تلك الاجراءات حتى أخيرا خضعت غاليه للعمليات ولم يتركها سراج لحظه واحده، فكان محق الأمر كان متعب ومرهق للغايه عليها حتى كان يأتي عليه لحظات ويريد أن يتراجع عن ذلك لكن لم يستطيع فعل ذلك وافساد فرحت غاليه بعد ان دب الأمل داخلها، وبعدها ظلوا في انتظار النتيجه بفارغ الصبر .


❈-❈-❈


أراح سراج مرفقيه على حافة النافذة و استند بذقنه عليهما معًا ليتطلع بشرودٍ حزين إلى المارة السائرين في الشوارع فهو في منزله بمصر، بدأ من بعيد كما لو كان غارق في دوامة من الهموم والأثقال وحين أتي زوجته وجلست إلى جواره لم يشعر بوجودها بقي في انفصاله عن الواقع لمزيد من الوقت، وضعت يدها على كتفه لتنبهه وهي تتساءل باهتمامٍ


= مالك يا سراچ من الصبح وانت واخد جنب ومش راضي تقعد مع حد ليه ؟ 


أجاب سراج دون أن ينظر تجاهها 


= قلبي متوغوش جوي يا غالية، معرفش لو النتيجه طلعت سلبيه و مش حامل ايه اللي عيحصل؟ الدكتور بنفسه قالنا ان ممكن ما تنجحش من اول مره، مش هنعيد كل ديه من تاني عاد انا مش هستحمل تعبك ديه من اول وچديد وانا السبب أصلا


مطت فمها قليلًا في تأثرٍ ثم غمغمت معقبة بصوت متوتر 


= وبعدها لك يا سراچ بلاش تشاؤم انا اعصابي مش مستحمله ومن الصبح وعماله اشغل نفسي فايتها حاچه عشان ما افكرش في الموضوع وادينا مستنيين تليفون منهم يقولوا النتيجه ايه؟ بس انا مش معاك ان احنا مش هنجرب تاني انت اكثر واحد عارف السعي مش بيچي من اول مره 


نهض والتفت نحوها بضيق شديد وهو يقول بصوت حزين


= غاليه حتى لو ما اشتكتيش انا شايفك بعيني، انا مش فارق معايا عيال ولا اي حاچه في الدنيا عندي غيرك، حتى ولو الحاچه دي روحي فيها ونفسي بجد في حته عيل واحد بس انتٍ عندي أهم.


وقبل أن يتحدث أحدهم مجدداً استمعوا الى صوت الهاتف، فتعالي صوت غالية اللهفى والمشتاقة لسماع الخبر اليقين هاتفه 


= ده أكيد هم التليفون من المستشفى ؟!. 


ابتلع ريقه بصعوبة ولحظتها أمرها في هدوء

إن تجيب هي بدلاً منه وفي عجله أجابت بالفعل وهو كان يراقب رده فعلها لعله يفهم ما حدث ويطمئن لكنها بعد دقيقتين أغلقت الهاتف بكل هدوء مريب وصمتت بلا تصدق، ثم تفاجأ بها عينها تدمع دون مقدمات أخفض رأسه بإحباط شديد وهو يقول بصوت مرتبك 


= هم قالوا لك ايه؟ طمنيني يا غاليه؟ خلاص يا حبيبتي لو ما فيش حمل نسيبها على ربنا بقى ونرضى بالمكتوب و...


شهقت فجأة مصدومة حينما تسارعت دقات قلبها في تلهفٍ فرح، وهي تردد بسعادة 


= أنا حامل يا سراچ العمليه نجحت .


صدمة كبيرة سيطرت علي الآخر حين سمع الخبر اليقين أخيراً ليزيح الحزن والهم ويرسم السعاده وهو يهبط ساجد ليشكر ربه، فهز شفتيه هامس بامتنان لله وحده عز وجل 


= ألف حمد وشكر ليك يا رب.. الحمدلله.


❈-❈-❈


مرت أشهر الحمل بطيئه على الإثنين وهم ينتظرون المولود الأول لهم بفارغ الصبر، وكان سراج دائما بجانب زوجته يرعاها ويهتم بها و من شعوره بالخوف لفقدان زوجته أو الجنين منعها من الحركه تماماً والنزول على الدرجه والعمل في المنزل مثل سابق، لتلازم الفراش فقط مرتاحه تتغذى هي وطفلها، وبالطبع لم   

يتخلص من تعليقات فردوس الساخره على اهتمامه البالغ بزوجته ومن ناحيه أخرى إصرارها على أن يكون المولود صبي .


وجاء أخيراً اليوم المنتظر يوم الولاده، بمنطقة الانتظار المخصصة لأهالي المرضى كان سراج وأمه في انتظار الأخبار السعيده على سلامه الاثنين لكن انطلاق منها صرخة أكثر فجيعة

جعلت سراج يشعر بالقلق أكثر وتخيل السيناريوهات السيئه ولم يطمئن الا عندما

التقطت عيناه ذلك الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات . 


قفزت أمه واقفًه من موضع جلوسها خلفه ملهوفه تري إذا كان الطفل صبي مثلما تتمنى، ليسرع سراج في خطاه تجاهه متسائلًا عن الأخبار فأعطاه البشرى بالمولوده طفله رقيقه كالنسمه اللطيفة، أبتسم بسعادة كبيرة وفي ذلك الأثناء تقدمت الممرضه بالطفله فشكرها سراج علي قدومها فقد انتظر على أحر من الجمر خروج رضيعته وكذلك زوجته من الداخل ليراهم معًا.


هتف سراج بفرحه للرضيعه النائمه كالملائكة


= انا بقيت اب، بقيت اب ياما وعندي بنت كيف البدر 


تجاهلت فردوس الصغيرة عن قصدٍ، و رفعت حاجبها للأعلى وردت بتجهمٍ طفيف


= حسره عليك يا ابني رايح چاي بيها من الصعيد لمصر ودافع دم قلبك تكاليف كثيره وكلنا اتعشمنا وفي الآخر تجيبلك بنت؟!. آه، يا وچع قلبي عليك يا ضنايا!


ضغط علي شفتيه وأصر علي كلامه وهذه الابتسامة الصغيرة تزين صفحة وجهه وهو يحمل أبنته بين يديه من الممرضه التي رحلت بعد 


= منيحه ياما احسن من ما فيش انا كنت طايل! الحمد لله مش هتشرط كمان على ربنا وانا ما كنتش لاقي اصلا وبعدين هي دي مبروك ليا ولا حتى قربتي تشوفي حفيدتك


لوت شفتاها بتهكم ولم تكتفِ بذلك بل صرخت عاليًا بجحود غير مبالية بلفت الأنظار إليهما


= يا ابني ما جلناش حاچه بس هيعملوا ايه البنته دول؟ على الاقل بعد تعب الاعصاب ده كلاته تجبر بخاطرك وتجيبلك الواد واديك شايف حملها كومان بعمليه مش كيف الخلق كومان وكيف النسوان العاديه 


اندهش أبنها لمبالغتها وظل يحدق بها وهو يأمرها بضيق شديد 


= لا حول ولا قوه الا بالله ياما وهي مالها بحاچة كيف دي، بالله عليكي سمعيني كلمه مبروك وما عاوز اسمع اكتر من اكده وما تكسريش فرحتي .


راحت تردد بذهولٍ وعيناها تبرقان بشدة


= فرحتك ببنت! تكونش فاكرها هتعرف تقلع في الارض كيف الرچاله وتحل وتربط في المجلس زيك وسط الناس.. ما معروفه اخره البنته القاعدة في البيوت للخبيز قدام الفرن والچواز ولا منهم منفعه اكتر من اكده .


نظر نحوها بغضب مكتوم، فنفد صبرها على الأخير فانتفضت تصيح به وهي تهتم بالرحيل 


= خلاص ما تبصليش كتير جفلت خشمي خلاص وسكت اهو، بس صدقني بكره هتندم على خلفتك دي.


تحرك سراج بابنته مبتعدا بعد ذلك لينظر لها بحب شديد وغريزته جعلت مشاعره المرهفة تتضاعف خوفًا عليها وحب، فهمهم بلا صوتٍ


= ما تزعليش من ستك ولا تصدقي حددتها انتٍ هتكوني عندي كيف غاليه بالضبط وعمري ما هفرق بينكم.. ما تعرفيش كنت مستنيك انا وامك قد ايه أنا مش مصدق اصلا انك بين ايديا دلوج


مط فمه معلقًا في إعجابٍ بينما رفع يدها برقةٍ إلى فمه ليقبلها بنعومة قائلًا 


= عارفه كومان هسميكي ايه؟ بسمله!. عشان انا متفائل خير بيكي وهتبقي البسمه اللي في حياتنا كلاتنا أن شاء الله.


❈-❈-❈


بعد مرور أربع سبع سنوات، تغيرت الأشياء الكثير في تلك السرايا وأصبحت السعاده و الدلال عنوان لها بعد قدوم تلك الصغيره على الحياه فالجميع تعلق بها واحبها ما عدا فردوس بالطبع والتي تضايقت اكثر عندما أخبر سراج الجميع بإنه سيكتفي بالصغيرة ولا يريد طفل آخر! 


فقد أصبحت بسمله المدلله لوالدها وفرحته الكبيرة فقد جاءت بعد اشتياق كبير لذلك أدخلت السعادة والأمل إلى حياتة بعد سلسلة طويلة من الخيبات المتواصلة، وكان اليوم عيد ميلادها السابع الذي كان كالعاده يتجهز بالسرايا وسط اجواء عائليه مبهجه .


كان محمود يلعب مع بسمله وهي كانت تضحك بشدة وعندما رأت أبيها داخل تركته و ركضت بسرعه الى والدها الذي استقبلها بحب شديد بين أحضانه وقبلها عده مرات بحنان 


= حبيبه ابوكي 


هبطت بعد ذلك الصغيرة لتذهب بسرعه على الاريكه لتجعل والدها يشاهد رسوماتها، لكن بتلك اللحظة أنهت فردوس صلاتها ودفعت الصغيرة بقسوة لتزيحها من أمامها وصوت صراخها يسبقها


= انتٍ يا بنت بطلي كل شويه رايحه چايه قدامي وانا بصلي ما كفكيش التنطيط اللي كل شيء تعمليه في السرايا والمقالب بتاعتك  

يا قليله الربايه، واللي ذات وغطى عاملينلك كومان عيد ميلاد محدش يحلف بيه دلع ماسخ 


شهقت الصغيرة بخوف وركضت إلي احضان والدها فهي معتاده على هذه المعامله القاسية من جدتها، حينها غامت تعابيره تمامًا وكز على أسنانه مهسهسًا


= بالراحه يا إما خلاص ما كانتش تقصد اكيد وحقك عليا انا.. بس مش مستاهله تذوقيها اكده وتخليها تخاف منك. 


نفخت بصوتٍ مسموع قبل أن تجيبه ببرود مستفز 


= ولا تقصد ما هو من دلالكم معاها اشربوا بكره تجيبلكم العار والمشاكل ما هو ده اللي بيقي من ورا خلفه البنته. 


تضايقت غالية من معاملتها لبنتها لكن حاولت إلزام الصمت حتى لا تسير المشاكل اكثر، بينما تنهد زوجها بضيق شديد وهو يقول بصوت جاد


= وبعدها لك ياما خلاص مش هتفتحي موال كل يوم! قلنا لك ما كانتش تقصد وخلاص كفلي بقى على السيره دي 


لوت ثغرها باستهزاء صائحة بإصرارٍ ووجهها يشتعل بحمرته الحانقة


= كومان هتتخانق معايا عشان خاطرها ولا ايه هتكبر عليا ولا ايه عاد


نظر لها شزرًا، وغالية مثله تشعر بسخونة الجو وتوقعت تغير الاجواء للاسوء فقالت في محاوله ما بعد زمة سريعة لشفتيها


= خلاص يا سراچ ما حصلش حاچه بسمله من الصبح فعلا عامله دوشه وانا عماله اقولها اسكتي وهي مش راضيه خلاص، حقك عليا يا مرات عمي امسحيها فيا و انا مش هخليها مره ثانيه تخرج من الاوضه وتلعب طول ما انتٍ قاعده بره... 


امسكه محمود بسرعه قبل ان يتشاجر وهتف بتذمرٍ


= خلاص يا جماعه النهارده عيد ميلاد مش هتقلبوها نكد يلا عشان بسمله تطفي شمع التورته بما انك جيت يا سراج.. 


عقد سراج حاجيبة باهتمام قائلاً بنبرة حادة


= اخوك فين برده لسه فيه العاده الهباب دي وبيصطاد بره


أومأت فردوس برأسها مغمغمة بسخرية 


= معلش بقى المره الچايه نحذره قبل ما يطلع من الدار عشان جنابك تطفي شمع بنتك والكل حواليك، سيب اخوك في حاله وما لكش دعوه بيه هو مش لسه عيل صغير هتتحكم فيه خليك في بنتك اللي مش قادر على تربيتها .


مال محمود بجسده نحو أخيها ليهمس في أذنه بحذر


= سراج عشان خاطري انا خلاص عدي الليله  عادتها وانت عارف انها بتعمل كل ده من ساعه ما خلفت بسمله وقلت انك هتكتفي بيها ومش هتجيب ولاد تاني... فما تردش عليها ولا تناولها اللي في بالها، وادعي ربنا يهديها لنا امك بقى هنعمل ايه عقلها كده .


هز رأسه سراج بقله حيله وحمل أبنته بحنان وذهب الجميع حول المائده لاطفاء الشموع، و حاول الجميع رسم الابتسامات والسعاده لأجل الصغيره، لكن بتلك اللحظة دخل الغفير صائحا 

بفزع


= يا سياده العمده.. يا سراچ بيه الحق اخوك محمد، عيله البدري بتجري وراه عايزه تموته عشان موت واحد من عيلتهم بالبندقيه وهو بيصطاد .


عندها انخلع قلب فردوس وغاص بين ضلوعها هلعًا وفي التو أظهرت صدتها الكامل بهتافها الحارق 


= لاااا ولـــــدي...

الفصل الثاني 

_________________


في السرايا احتضنت فردوس محمد أبنها وكأن وهج الحياة النابض قد عاد إليها دفعة واحدة، فما إن سمعت صوته العذب وراته بخير أمامها فاول ما سمعت ما حدث اعتقدت بأنه اصابه مكروه لذلك كان يتحرَّق قلبها حتى احتضنته و صاحت بلوعةٍ أموميةٍ شديدة


= يا حبيبي يا ابني بركه انك بخير وسليم يا ولدي 


نطق سراج بحزمٍ مُستعتب


= كام مره قلتلك بطل طلوع بالبندقية دي برا الدار وبرده بتنفذ اللي في دماغك وتخرج من ورايا وادي اخره مصايبك موت واحد من عيله البدري 


قال محمد بسرعه بندم بما لا يدع مجالًا للشك في نواياه الجميع تجاهه 


= قتلته من غير ما أقصد حاسب على كلامك يا سراچ انا مش قتال قتله، غصب عني وانا بعمر البندقيه لقيته فجاه ظهر قدامي وما اعرفش كيف صوبت عليه ومات لكن اقسم لكم بالله ما كانت نيتي أكده انا اصلا ما اعرفش مين الجدع ديه اللي انا قتلته!. 


ضغط توأمه علي شفتيه وهو يقول بصوت حاد


= برده غلطتك، اخوك معاه حق انا تعبت معاك من كتر الكلام وبرده بتنفذ اللي في دماغك تقدر تقولي هنطلع كيف من المصيبه دي 


أجابت أمه في صوتٍ حانٍ ومملوء بالشجن 

مدافعه عنه


= ما بالراحه على الواد مالكم ما جالكم ما كانش يقصد ما يعرفش حتى الچدع اللي ضربه ديه، وبعدين ما عيله البدري انكرت أن هو اللي ضرب ابنهم اكيد هم كومان عارفين ان احنا سمعتنا سبقانه ومش وش اكده 


تحولت ملامحه للإظلام وراح يحذرها بتشددٍ


= هو انتٍ خابره هم ليه انكروا؟ عشان ياخدوا التار من ابنك بنفسهم ويجتلوه! مش عشان عارفين أن ما كانش يقصد الحاچات دي ما تنفعش معاهم اصلا سواء قاصد ولا ما اقصدش حق ابنهم هيجيبوه مننا، ابنك لبسنا في حفره غويطه هتتفتح علينا ملهاش اول ولا آخر.. امال انا عامل احرق في دمي ليه معاه 


أكد محمود على حديثه قائلاً بحسرة


= احنا في الصعيد ياما وانتٍ خبره كويس عويتهم سراچ معاه حق لازم نتصرف عشان نحل الموضوع قبل ما يكبر و لا لقدر الله يعمله فيه حاجه 


نظرت له أمه بعينين حانقتين وهتفت بقلق 


= يا نصيبتي يا ولدي, وأنتم هتسكتوا لااا اعملوا حاچه أبني مش هيروح مني اتصرفوا 


صمت سراج قليلًا ليفكر قبل أن يقترح عليهما


= اهدي ياما هتشوفلها حل ان شاء الله اسمعني كويس يا محمد السرايا دي مش هتخطيها بره خالص لحد ما نحل الموضوع، عيله البدري لو شافوك لوحدك هيصطادوك، الكلام ليك انت كومان يا محمود خف شغل الفتره دي في المزرعه وانت كومان يا فؤاد ما فيش مرواح للمدرسه الفتره دي.. لحد ما اشوف هعرف احلها كيف مع عيله البدري 


ظل محمد يردد بصوت جاد حزين


= والله ما كنت اقصد اقتله هو اللي ظهر فجاه قدامي انت مش مصدقني ليه؟ طب سلموني حتى للبوليس وهم يتصرفوا واكيد هيعرفوا ان انا بريء 


رفعت أمه يدها تحوط ذراعه لتشير إليه بالآخري بحركة اعتراضية قبل أن تأكد على كلام أخيه هاتفه بقلق 


= انت بتقول ايه انت كومان مش هتتحرك من چاري خالص كيف ما اخوك قال و سيبه هو يتصرف، انا ما عنديش استعداد أخسر حد فيكم وما توجعوش قلبي عليكم اكتر من اكده 

جيب العواقي سليمه يا رب.


❈-❈-❈


لأشهر متواصلة خاض سراج فيها حربًا صعبة للغاية ليتمكن من الحصول على أي حل مفيدة يمكنه منه الوصول إلى الصلح والتنازل عن الثأر بعدما قتل محمد شخص بريء ليس له ذنب غير متعمداً لكن بنهاية الأمر يظل شقيقه ويحاول أن يوقف تلك الدماء حتى لا تطول أحد من اشقائه، وعند دخوله السرايا كان الجميع في انتظاره فنهضت غالية وتساءلت بلهفة 


= عملت ايه يا سراچ طمني عيله البدري وافقت على الصلح مش أكده.


استدار إلي أخيه محمد الجالس بينهما بصمت ليقول بتعصبٍ ليزيد من إحساسه بالذنب لما فعله


= متوقعه هيوافقوا بالسرعه دي وعلى طول اكده هو احنا دوسنا على رجليهم بالغلط احنا قتلنا لهم قتيل! رفضوا طبعا ومصممين انهم هياخدوا التار مننا وقولوا لي كومان اللي هنطوله من عيلتكم اترحموا عليه مش هيفرق معانا المهم ناخد حق ولدنا .


نظرت فردوس الى ابنها بقلق وتحدثت في رجــاءٍ


= والعمل يا أبني هنفضل قاعدين اكده لحد ما يخلصوا على حد منكم ويحرقه قلبي عليكم لاء اتصرف شوف اي حاچه هم عاوزينها عشان يتنازلوا عن التار ديه 


أغمض عينيه بعدما ألتفت بظهره ليقول بصوتٍ مهتز ومختنق


= كأنك مش من اهنا عاد وما عارفاش عوايد الصعيد وتقاليدها الموضوع مش بالساهل أكده ياما لازم نعمل كذا جلسه ونجيب كبار البلد ندخلهم في الموضوع لحد ما ربنا يهديهم ونشوف حل يرضي جميع الاطراف، بدل ما نفتح على بعض دم ما لوش نهايه كيف ما بيحصل مع العائلات اهنا ما بيقفوش لحد ما بيخلصوا على رچاله العيله كلاتها


تدلى فك والدته للأسفل وراحت تلوم في تحيزه 


= طب ما تعمل اكده يا ابني بسرعه مستني إيه، كل دقيقه بتعدي عليا بحس ان انا هخسر حد منكم جرب تاني وريح قلبي وحلها 


حاول السيطرة على الرجفة العظيمة التي تفشت فيه، وأكد لها بجدية شديدة


= تاني ياما قلتلك الموضوع مش بالساهل ما انا لسه چاي من عندهم قصادك اهو ومافيش حاچه اتحلت ومع ذلك هروح تاني وثالث لحد ما نشوف حل ويتنزلوا على اللي في دماغهم حتى لو هنعرض محمد على البوليس هيكون ارحم من الدم اللي هيتفتح علينا ده.. انا ما بنامش وطول الليل والنهار عمال افكر كيف احلها وما عارفش الموضوع ممكن ياخد اكتر من سنين عادي بس لازم ما يطولش صحيح، بس مش بايدي 


نظر إلي زوجته للحظةٍ قبل أن يتوجه بسؤاله بحذر


= المهم كيف ما قلتلكم ما حدش يخرچ من الدار الفتره دي خالص سامعين؟ امال فين محمود؟!. 


نظرت غالية له بتردد وهي تقول بقله حيله


= جاله شغل مستعجل في المزرعه وحاولنا والله كلنا نمنعه بس هو اللي صمم يمشي، و قال في جاموسه حالتها صعبه جوي و محتاچه تولد دلوقيتٍ وما فيش حد غيره .


انزعج سراج لخروج اخيه في هذا التوقيت، لم يحبذ ظهوره أمام عائله البدري حتى لا يصيبه مكروه، لذا استدار بجسده ليرحل ومواجهًا خاطبه في لهجته الآمرة


= برده ما فيش فايده بتمشوا بدماغكم! انا رايحله واياكم حد يطلع ورايا لحد ما اجيبه وارچع.. انا هلاقيها منين ولا منين بس يا رب 


تحرك بسرعه للخارج ليجد الغفير في وجهه 

ليردد بصوت مرتعش


= سياده العمده في حاچه لازم تعرفها حصلت 


لم يلتفت إليه وطلب منه في عجاله


=مش وقته هات العربيه بسرعه عشان نروح المزرعه ناخد محمود من هناك، يلا اتحرك انت واجف قدامي ليه عاوز اروحله بسرعه قبل ما حد يشوفه ويعمل فيه حاچه 


لم يتحرك الكثير من مكانه وراح يردد بصوت منخفض بحذر


= مـ آآ ما يا سياده العمده هو ديه الموضوع اللي عاوز اقولك عليه؟ محمود بيه لجوه في المزرعه مقتول وتعيش انت .


اتسعت عينا غير مصدق فاندفع تجاهه ليمسك بياقته وهو يصرخ فية بشراسة 


= بتقول إيه يا مخبل انت اخويا انا؟ لااا انت كذاب اكيد ما لحقوش بالسرعه دي وانا لسه چاي من عندهم ووعدوني مش هيعملوا حاچه.. محمود بخير وسع من قدامي انا هروح اچيبه من المزرعه بنفسي. 


شعر الغفير بأنه عاجزٌ عن تقديم أدنى مساعدة فبدا الآخر مشفقًا عليه، فقال كنوعٍ من المؤازرة


= سراچ بيه اهدى عشان الجثه نقلوها على المستشفى ومحتاچينك عشان تكمل الاجراءات اسلب طولك عشان تستحمل اللي جاي. 


❈-❈-❈


تعاونت الخادمة مع غالية لاسنادها وتهدئه فردوس المنهاره رغم كل ما أبداها من مقاومة واحتجاج لكنها جلست بالارض بلا حول ولا قوه تصيح بقلبٍ محترق


= آآآه يا حسره قلبي على أبني اللي راح حرصت علي التاني ونسيت ان الغدر في دمهم وموته اخوه التوم.. آآه يا محمود يا ولدي يا وجع قلبي عليك.. ده لسه في عز شبابه يروح أكده في غمضه عين ما لحقتش افرح بيه. آه يا ولدي آآه.


ظل سراج مكانه في موضعه، يرمقها بنظرة خالية من التعبير ليقول بعدها بصوت جاف


= بكفيك ياما البكاء والنواح مش هيرچع اللي راح ادعيله بالرحمه أحسن واقرا لي قران 


لكنها لم تتوقف لتواصل أمه و لطمت على فخذيها وراحت تنوح بكبدٍ


= خدوا زين الشباب يا ولدي وحرقوا قلبي عليه آآه يا محمود يا ولدي.


كان محمد في تلك اللحظه يقترب بخطوات متردده وهو يشعر بأنه المذنب في حق أخيه التوأم لأنه المتسبب الاول والاخير في ذلك وكان ذلك يزيد من لوعته وإحساسه بالذنب، رغم أنه لم يكن يقصد ذلك لكن ظل هذا الشعور المرير يلازمه ليؤلمه طوال الوقت بالاخص بعد مقتل أخيه بدلاً منه، وقف امامه ولم يحبس دموعه وأطلق لها العنان لتسيل بغزارة وهو يردد بندم 


= سراچ انا اسف والله ما اعرف ان الامور هتوصل لكده يا ريتك كنت سبتني اطلع وانا اللي رحت بدل اخويا اللي راح دمه هدر وهو ما عملش حاجه 


قال بهدوءٍ رغم الألم الذي يحز في قلبه ناحيته


= روح اقعد مكانك يا محمد وهملني في اللي انا فيه .


ابتلع محمد ريقه بصعوبة وطلب منه في رجــاءٍ


=سراچ بصلي وقول حاجه انا احساس الذنب مموتني ومش قادر اصدق لحد دلوقتي ان محمود خلاص مات ومش هشوفه تاني.. قول اي حاجه بدل ما والله العظيم اروح لعيله البدري بنفسي ويعملوا اللي يعملوه بقى انا تعبت .


رغم مشاعر التبلد والجمود التي صار به تجاه أخيه الآخر متغلغلة فيه مؤخرًا، إلا أن حديثه على ذلك النحو أعطاه دفقة من الشعور بالخوف عليه لخسارته هو الاخر نهض وصاح بانفعال 


= انت اتجننت اياك تعمل اكده، إيه مفكر مش هحزن عليك لو كنت انت اللي رحت بداله ولا مش عزيز وغالي زيه عندي ده ابني مش اخويا.. خلاص يا محمد اللي حصل لاخوك قضاء وقدر ونصيب وما تشيلش نفسك الذنب اكتر من اكده 


رفع يديه ليترمي في أحضانه وهو يهز رأسه بحسرة ليصرخ فيه بتوسلٍ ممزوجٍ بالبكاء


= يا ريتني كنت سمعت كلامكم وبطلت اخرج اصطاد كان دايما بيحذرني وخايف عليا انا السبب... أنا السبب سامحني يا اخويا .


تحجرت الدموع في عينيه سراج خاصة وهو يواسيه مرددًا بصوت خافت 


= خلاص اهدى وبطل عياط قلتلك ده نصيبه 


دخل في تلك اللحظه الغفير وهو يقول بهدوء 


=يا سياه العمده الحاچه اللي طلبتها خلاص جهزت والعزاء بقى جاهز لاستقبال كل الناس 


استنكرت فردوس هذا التصريح ونفت هذا بطريقتها العدائية بترديدها القاسي 


= عزاء إيه اللي بتتحددوا عليه ما فيش عزاء غير لما تاخدوا بتار أخوكم ايه هتنسوا بالسرعه دي.. كأنه كلب وراح ومحدش منكم هيفكر في دمه اللي راح هدر، مش هم عملوا فيها رچاله وخدوه على خوانه وهو لوحده يا حبه عيني يبقى انتوا كمان تشوفه اكتر عزيز عليهم وتحرقه قلوبهم 


هز سراج رأسه رافض باستهجانٍ كبير ما تقوله فقال بغضب 


= حديد ايه ده ياما انتٍ شايفه وقته وتار إيه ده كومان اللي طلعتلنا فيه، آه عشان نفضل في الدوامه دي! احنا نرد ونقتلهم واحد وهم يردوا ويقتلوا حد من اهلنا تاني وناس كتير ابريه تروح في الرچلين ما عملتش حاچه.. صوح! 


اتسعت عينا فردوس بعد استيعاب، و استعر داخلها كمدًا فهاجت في عصبيةٍ مبررة


= يعني ايه محدش منكم هياخد تار اخوه 

رچاله انتم ولا مش رچاله ولا مش قادرين عليهم؟ انا نار قلبي مش هتخمد غير لما اشوف حد عزيز عليهم مرمي جثه كيف ما عملوا في اخوكم 


استهجنت غالية طريقتها العدائية في التعامل فمن المفترض ان تخاف على باقي ابنائها وهي تطلب منهم العداوه مجدداً مع عائله البدري من جديد كأنها لا تعرف ماذا سيحدث مجدداً من خسائر فادحه، ناهيك عن إلقاء التهم جزافًا عليهم وحاولت غالية الصمت والسيطره على غضبها من حماتها من أفكارها المتهوره فدماء محمود لم تبرد بعد وهي تفكر في الانتقام، نظر لها سراج شزرًا مرددًا بحزم


= الحديد ديه مش هيحصل، الامور هتمشي كيف ما كنا مخططلها ما حدش هيخرج من الدار لحد ما نشوفلها حل مش ناقصين حد تاني يقع مننا .


قطبت جبينها وعبست بكامل ملامحها وقبل أن ينطق بشيءٍ لترد على نفس ذات المنوال

فزاد من وابل كلماتها الغير عطوفة بترديدها الغير رحيم


=واللي مات ده مش عزيز عليك ولا اخوك يا سراچ؟ يا حسره قلبي عليك يا محمود دمك هيروح هدر واخواتك مش عاوزين ياخدوا بتارك ولا ينتقموا من اللي عمل اكده فيك، نار قلبي مش هتتطفي طول ما انا شايفه عيله البدري شمتانه في موتك.. طلعت ما تسواش حاچه عند اخواتك يا ابني مع أنك لو مكانهم كنت اكلت باسنانك اللي عمل اكده فيهم 


تدخل شفيق وقال مؤيد كلام خالته بنظرة ازدراء مستحقرة


= امك معاها حق يا سراچ كيف ما هم بداوا احنا كمان لازم نرد؟ مش رچاله ولا ايه عاد وخليها عنك يا ابن خالتي وانا اللي هاخدلك بتار محمود 


قاطعهم سراج في صوتٍ جهوري أفزعهم 


=قلت ما حدش هيعمل حاچه سامعني ولا لاء وانا ما قلتش ان حق اخويا هيروح لكن في نفس الوقت خايف على الباقيين ومش عاوز اتصرف اي تصرف بتهور بعد اكده ادفع تمنه بموت حد فيكم، وطالما مش فاهم انا بعمل ايه يبقى تخرس خالص ومحدش يتدخل.. و سيبوني اكمل اللي بدأته بعقل وحكمه 


أكدت له بقوةٍ وكأنها تثبت له أنها لم تعد ترتعد من ذلك الأمر أو تخشاه، و على نفس النهج القاسي تحدثت عن الانتقام كأنما انتشل الحب من قلبها والرحمة 


= ما فيش حاچه هتحصل وتبرد نارنا غير لما ناخد بتار أخوك يا سراچ طول عمرنا عارفين عوايد الصعايده العين بالعين.. لحد دلوج مش قادره انسى منظر اخوك وهو سايح في دمه وانت تقول هنتصرف بحكمه وعقل هم خلوا فيها حكمه وعقل.. تار اخوك وبس هو اللي هيحصل .


تطلع فيها بنظرة ازدراء وقال بصوت معاندًا


= وبعد ما تاخدي بتار محمود منهم كيف ما انتٍ عاوزه فكرتي فلي هيحصل بعد اكده؟ فكرتي الدور هيكون عليا ولا على محمود ولا فؤاد؟ نارك اللي انتٍ بتتحددي عليها وعاوزه تطفيها دي هتقيد اكثر واكثر لما يقعلك عيل تاني من عيالك والعادات والتقاليد بتاعتك دي مش هتفيدك بحاچه غير وجع القلب تاني.. 


ومع كل ذلك لم تقتنع ولا هي ولا ابن خالته، فكيف يكون على هذا القدر الكبير من الثبات واليقين ولا يريد الانتقام مثلهما ومحروق على شقيقه لكنه كان يفكر في الباقي حقا بعقل عنهم، لكن كانت كل ما تفكر في فردوس في تلك اللحظه وعمي عينيها عن الحقيقه الرغبة في الانتقام بأبشع طريقه وأكثرها وحشية، لعل ذلك الغليان المستعر بداخلها يخبت...

اكتفت فردوس بإشاحة عينيها عنه بلا حديث آخر.


بينما لم يصدق أن مشاعر أمه الحزينه على ابنها قد تبدلت فجـأة هكذا لتصبح كارهة لكل ما حولها، وكأنه لم يحب أخيه يومًا وكان يفعل الكثير والكثير لأجلهم، لذلك تحدث برجاء وبقلبٍ مفطور


= ابوس ايديكم محدش يتصرف تاني وسيبوني انا اشوف حل وفي نفس الوقت هجيب حق اخويا لكن من غير ما نقتل ولا نخسر حد من العيله تاني!. 


❈-❈-❈


عاودت غالية إلي الغرفة بعدما انتهت من تأمل السرايا الشبه الفارغ لخلود الجميع للنوم، لتدنو بعدها من صغيرتها الغافلة في فراش الأطفال الخاصة بها والمجاور لغرفتهم تأملت وجهها الملائكي وابتسامتها العفوية التي تصدر عنها كل حين، جعل إحساسها بالسرور والرضا يتعاظم بداخلها رغم كل ما حدث معهم في تلك الظروف الصعبه.


تأكدت غالية من تغطية جسد طفلتها حتي لا تصيبها لفحة من الهواء لتبرد، ثم ذهبت لتتفقد زوجها و كما توقعت مازال مستيقظ متجهم الملامح استقرت جالسة جانبه بالفراش... رفعت بصرها ناظرة إليه وخاطبته باسمة في لطافةٍ


= سراچ تعالي بين أحضاني يا حبيبي وارمي حمولك عليا خلاص بقينا لوحدنا .


نظر إليها بإمعانٍ، فوجدت مظهره الخارجه غير مهندم لكنها أصرت علي قولها، وضمته إلى صدره كأنها تحميه من أحزانه وصوت داخل لا يسمعه أحد غيرها وهو يطلب مساعدتها بصمت، لذلك استجاب لها على الفور مطلق العنان، وبعد فترة قصيرة عفويًا نطق لسانه باسمها في صوتٍ هامس باحتياج 


= آه يا غالية انتٍ الوحيده اللي ببين ضعفي في حضنها من غير حرج!. 


امتدت ذراعها لتطوقه من كتفيه وتنهدت مليًا ثم قالت بحنان 


= كله هيعدي يا حبيبي شدي حيلك انت امال هي اول مره يعني تدق علينا اكده، انت قدها برده .


أمسك بكفها وهو ما زال بين احضانها، وركز بصره ليرد بعد زفرة سريعة


= المره دي غير اي مره يا غالية ده اخويا اللي راح والبقيه كلهم في خطر دلوقيتٍ وانا مش عارف اعمل ايه ولا اتصرف كيف، انا عارف امي كويس مش هتسكت الا لما تاخد تار ابنها  وانا لو عملت اكده متأكد اني هفتح بعدها بيبان دم ملهاش نهايه عشان اكده لازم افكر في حل بسرعه يرضي الجميع!. 


منحته نظرة هائمة غامرة بالحب، وهي تخلل أناملها في أصابع كفه المحتضن لها مخاطبة إياه بحب 


= طول عمرك بتدور على مصلحه الكل والناس كلها بتحلف بعقلك وعدلك، سلم امرك لربنا وان شاء الله هو هيجيبلك الحل لعندك بس بلاش تجهد نفسك كثير ده مش هيحل حاچه .


نظر لها بغير اقتناعٍ ثم وجه سراج حديثه إلى زوجته يردد بقلق بصدرٍ ما زال يتحرك علوًا وهبوطًا جراء انفعاله


= الهموم ما عايزاش تنزاح عشان القى الراحه يا غالية وحاسس اني داخل على هموم أكبر.


❈-❈-❈


كانت تجلس فردوس في صاله المنزل مبتسمة بهدوء غامض كأنها تنتظر شيء تخطط له مريب، وهبط في تلك اللحظه محمود علي الدرج وكان من الواضح بانه يستعد للخروج، تقدمت اليه والدته وهي تتساءل بحذر 


= رايح فين يا ضنايا انت ناسي ما ينفعش تخرج دلوج استنى شويه كومان.


نظر محمود نحوها بخيبة أمل ورد من هموم وأثقال


= ما خلاص ياما ما هم خدوا التار مننا وقتلوا أخويا هيعوزه مننا ايه تاني، ومع ذلك ياريت تحصل ويخلصوني من احساس الذنب اللي موتني كل يوم وانا كل ما اتخيل محمود إللي راح بسببي وانا اللي مفروض ابقى مكانه.


شعرت فردوس بالعطف والشفقه عليه لذلك لم تستطيع منعه وقالت بجدية


= بعد الشر عليك يا ابني ان شاء الله عدوينك،

خلاص كيف ما تحب روح بس ما تبعدش عن اهنا.


هز رأسه بالايجاب دون رد وتحرك للخارج لتعود لتجلس فردوس مكانها تتحدث بهاتفها مع ابن اختها، هاتفه بضيق 


= ايوه يا شفيق ما اتصلتش من الصبح ليه ولا بترد عليا؟ السبوع اللي چاي كيف ما اتفقنا هتخلص وهسمع نواح عيله البدري على ضناهم كيف ما عملوا معانا ولا رجعت في حديدك .


أبتسم شفيق ابتسامة عريضة قائلاً بانتصار


= عيب عليكي يا خالتي انا كلمتي واحده، و عشان افرحك كومان اكتر انا هنفذ الليله خلاص وهقتلك منهم عيل عنده ١٩ سنه اكده وحيد أمه وابوه عشان يتحرق قلوبهم عليه اكتر منك.. مبسوطه عاد


أذهلها بقراره بهذه السرعه وجعلها تحدق بعينين متسعتين وهتفت بقلق بالغ


=النهارده كيف؟ احنا ما اتفقناش على اكده انت قالتلي هتستنى عليهم اسبوع عشان ترتب مين اللي هتقتله ومين اللي هتوكله من رچالتك يعمل حاچه كيف اكده من غير ما تكون لينا يد.


عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول بجدية


= ما انا عملت كل ديه فعلا اليومين اللي فاتوا وبعدين انا قلت هتفرحي بخبر كيف اكده ايه اللي مضايقك دلوج مش ديه اللي كنتي عاوزاه وطلبتيه مني؟!. 


عادت الدنيا لتسود في عينيها وتسارعت دقات قلبها بخوف شديد لم ترغب بنفس الوقت الذي ابنها بالخارج، فقاطعته في رجاءٍ شديد 


= لا يا شفيق ارچع بسرعه وما تعملهاش الليله محمد ولدي لسه خارج من الدار وممكن يشوفوا ويقتلوه.. اعمل اي حاچه وبلاش تعملها النهارده 


اتسعت عينا الآخر بفزع وهو يردد بخوف 


= انتٍ بتقولي ايه واللي خليكي تسيبيه يخرج.. اكده هيفكروه هو اللي قتل وممكن يعملوا له حاچه؟ و مش هينفع ارچع في حديدي انا خلاص اتفقت مع الراچل وزمانه قتله اصلا.. اجفلي بسرعه وانا احاول ادور عليه والحقوا قبل ما يغوط بالطريق.


انخلع قلبها وعصفت فيه عواصف الخوف، و تلألأت الدموع في عينيها وهي تهتف بحده 


= شفيق الو رد عليا طب وطمني على ولدي.. 

جيب العوائي سليمه يا رب وما توجعش قلبي على ضنايا التاني.


كانت غاليه في تلك اللحظه تراقبها بعدم فهم

فاقتربت منها وهي تشعر بأن هناك شيء مريب يحدث، وهتفت باستفهام 


= مالك يا مرات عمي هو ايه اللي كنتي عماله تتحددي فيه وطلبتيه من شفيق وماله محمود كومان.


جزت علي أسنانها وهي تحاول الإتصال بمحمود لكنه لم يجيب عليها فخاطبتها بوجهها الغائم


= هملني لحالي انتٍ كومان انا ناقصاكي، رد عليا يا أبني وريحني.. ما بيردش ليه ديه كومان يا رب ما يكون حصوله حاچه 


لفظها بطريقة أوحت بأن هناك شئ خطير حدث وأكدت على ذلك حين بدأت تبكي بنحيب صامت، ابتلعت غالية ريقها بقلق شديد متسائلة بحذر 


= مرات عمي انتٍ عملتي ايه بالظبط؟ إيه إللي خلي محمد يخرج بعد ما سراچ نبه علينا اكتر من مره محدش مننا يعتب بره الدار؟ و إيه اللي طلبتيه من شفيق ولد اختك بالظبط حرام عليكي احنا ناقصين.. شكل اللي في دماغي صوح وهتخرب على الكل .


تحولت أنظارها نحوها لتحدجها فردوس بنظرة مُمـيتة قبل أن تطلق لسانها اللاذع عليها

بنفاذ صبر 


= بدل ما انتٍ عماله تقطميني اكده اتصلي بمحمد وشوفي فين لازما يرچع بسرعه الدار قبل ما حد يلمحه من عيله البدري ويموتوه كيف ما قتلنا ولد من عيلتهم .


شهقت غالية في قهرٍ مصدوم لم يأتِ ببالها أن تكون حماتها جبروت لهذه الدرجة من القسوة أليست مثلها تعاني من ألم الفقد والخسارة الغالية علي من مات؟ فكيف تسعى للشر وخسارة الأبن الآخر وضعت يديها فوق رأسها برعب وبدأت تعاتبها 


= يا مري..و يا مرارك يا غاليه، ليه اكده يا مرات عمي سراچ قالنا ما حدش يتصرف من دماغه وهو هيحلها ده دم محمود لسه ما بردش جالك قلب تعمليها كيف استرها يا رب.


كادت أن تصيح فيها بقسوة لتصمت لكن تفاجأت بهاتفها يرن برقم شفيق فاجابت بسرعه على أمل ترجوه في التياعٍ


= ايوه يا شفيق طمني عملت ايه؟ لحقته مش اكده وهو بخير معاك صوح؟ ما بتردش عليا ليه يا ابني انا ما بقاش فيا اعصاب انطق؟؟ 


جاء صوت الآخر أخيراً حزين للغاية


= الباقية في حياتك يا خالتي عيله البدري موتوه قصاد ما موتنا لهم ولد من عنهم.. ما لحقتش أمنع ده ولا ده سامحيني يا خالتي!. 


وكأن أحدهم قد سكب على رأسها وقودًا حارقًا فجعل الموت يزورها بغتة، رغم انها تعتبر الملامة على ما حدث على اغتيال شاب بريء لكن في تلك اللحظه يصل خبر موت أبنها الآخر قضت علي نفسها بسلب أعز ما في الدنيا لها، كانت طوال الوقت تشعر نفسها محظوظه بإنجاب أربع شباب وجودهما أعاد إليها نبض الحياة وبهجتها وها قد حُرمت من إثنين في غمضه عين، سقطت بالأرض وصرخت في غير تصديق


= ولدي .


❈-❈-❈


بثيابٍ زائف مهترئة وقلب ممزق ووجه لا يغطيه إلا صنوف القهر والهوان استطردت مكلومة تتكلم بغير عقلٍ وكأنه بموت الآخر سلب منها الثبات والعقل في تلك اللحظه فما ادراكم فقدان الإبن الغالي كأنك تصير فاقد لكل شيء تمنت الظفر به ذات يوم، بدأت فجاء كأنها تعاني من الهذيان فرفعت من نبرة صراخها الهيستري 


= ولدي التاني مات! الاتنين في شهر واحد ليـه حــرام.. يا زينت الشباب خدوكم غدر من غير وداع حتي! ابكي على مين ولا مين والحبايب كتر فرقها بالحياة، يا وجع قلبي عليكم يا ولادي.. مين يصبرني عليكم يا حبايبي.. آآآه يا حته مني اتحرمت منكم يا ضنايا !. 


ثم تطلعت بأعين مقهورة مليئه بالشر وهي تتوعد بأخذ الثأر والانتقام للمرة الثانية 


= بس برده هجيب تارك انت كومان يا ولدي.


لم يعبأ سراج بكلماتها وظل على وضعه جامد التعبيرات حاد النظرات، لكن لن تطيق غالية الصبر اكثر من ذلك فصرخت في صوتٍ منفعل


= ما بكفيكم بقى إيه روحكم جت على القتل وما حدش منكم بيفكر في الناس اللي بتموت دي ما لهاش ذنب! كل اللي عمالين تفكروا فيه التار وكيف ارد الضربه بنفس الطريقه حتى لو هموت ناس ما عملتليش حاچه 


أشعلت فردوس الغضب بدواخلها، فانطلقت تلومها بحقدٍ آخذٍ في التصاعد بينما لكزتها 

في ذراعها محذرًا إياها بغير تساهلٍ وبنظرة تسودها العداء


= اقفلي خشمك يا بنت ما عاوزاش اسمعلك صوت وما تدخليش في حديد الكبار! ما لو اللي مات ده ابنك ما كنتيش هتعملي اكده صحيح، وكان زمانك بنفسك خدتي اقرب سلاح ورحتي طختيهم وخلصتي عليهم عشان نارك تبرد.. 


ابتسمت في استهزاء أكثر استفزازًا، لتخبرها بعدها بقسوة أكبر 


= لكن انتٍ هتعرفي قيمه الضنا منين 

وانتٍ حي الله اللي معاكي بنت راحت ولا جت مش هيتفيدك بحاچه مش كيف الرچاله 


استنكرت ظلمها البين فهتفت غالية متحدية جبروتها بإصرارٍ


= لا مش هسكت يا مرات عمي! ووجع الضني على بنت ولا علي راچل واحد واللي خلاني كنت بسكت زمان لاني كنت بعذرك لكن طالما مش فارق معاكي عيالك اللي عاملين يموتوا واحد ورا الثاني دول! يبقى لازم حد يوقفك 


أرسلت لها فردوس نظرة نارية كالسهام المارقة وهي تزيد من غضبها المهين لها بكلامها الموجه لشخصها


= وانتٍ بقى اللي هتوقفيني قليله الربايه صحيح، كلمه واحده معوزاش اسمعلك صوت  بحديد أكبر منك عشان ما امدش ايدي عليكي 


كانت عبارتها الأخيرة تحمل تهديدًا خطيرًا، لكنها تغلبت على مخاوفها التي انعكست على ملامحها وهتفت تعنف الجميع بعنادٍ وبتحدٍ سافر


=معدش يهمني، أنا مش همشي من اهنا إلا لما توقفوا حكايه التار دي.. اللي راحوا كانوا بالنسبه لي كيف اخواتي واكتر واللي هيروحوا لسه اخواتي وچوزي منهم قريب.. وبعد اكده خلاص رچاله العيله هتخلص كلاتها عشان نارك تبرد لكنها بتقيد اكتر، يا ناس هتروحوا من ربنا فين وذنب الناس دول في رقبتكم .


وقبل ان تفعل رده فعل اخرى، تعالي صوت سراج فجاء ليفض تلك المشاحنات الدائره بينهما وهو ينذرها بحدةٍ


= غـــالـــــيــة! بكفيك خلاص على فوق ومش عاوز اسمع صوت لحد!. 


أولاها ظهره ورحل وتحركت خلفه غاليه بأمر منه، لكن الأخري أقسمت لنفسها ألا تتوانى أو تكف حتى تجعل عائله البدري أيضًا تتذوق من نفس الكأس، فالثأر بينهما لا يزال قائمًا وإن كان على حساب اللعب بأرواح الأبرياء! 


حدجتهم بنظرة أخرى أكثر كراهية لتردد بعدها بلا ندمٍ


= برده هجيب تار عيالي وما حدش هيوقفني! 


ألتفتت نحو فؤاد ابنها الصغير الذي كان جالس حزين على فراق اشقائه، وقالت وهي توبخه بحرقةٍ


= شفت اخوك يا فؤاد ضيع حق اخواتك الاتنين هدر! عشان خايف من مراته، عيله البدري من اهنا ورايح هنكون ملطشتهم.. بالنسبه لهم اكده وما عندناش رچاله في العيله ياخدوا بتار عيالنا 


وكأنها بالفعل وصلت الى ما تريده، فصاح في ضيقٍ


= ما تقوليش اكده ياما امال انا رحت فين، وسراچ كومان اكيد هياخد حقهم بس مستني الفرصه المناسبه .


وكأنها تزيد الطين بلة بمناطحتها، مصمصت أمه شفتيها مغمغمة في استحقارٍ صريح


= اخوك مش هيعمل حاچه لو كانت في نيته كان عمل من الاول! انت اللي فاضيلي يا ابني 

خلاص مش هنروح نطلب من الغريب تاني ياخد حقنا احنا اللي لازم ناخده بايدينا بدل ما يتقال علينا ما عندناش رچاله.. ولا انت هتكون كيف اخوك جبان ومش عاوز تاخد بتار اخواتك


مجددًا اتجهت نظراتها الحانقة نحوه فعاتبه في حزنٍ لاستغلال عواطفه 


= ولو مت ماشوفكش في دفنتي ولا واقف على قبري، وأنا هوصي الناس بكده!


أتاها رده بنفس اللهجة الجادة عند مشاعر طعنه بالاهانه برجولته


= لع عاوز طبعا، عاوز ايه ياما وانا اعملهلك علي طول 


ابتسمت في فخرٍ وبصوتٍ لافت لتقول بعدها 

وكأنها تنفث عن طاقتها الانتقامية بتلك الطريقه دون تفكير في العواقب


= تعجبني يا ابني أهو اكده تربيتي بصحيح، 

وعشان المره دي نلعبها صح من غير خشميه لازم تتدرب على السلاح الاول ونعمل العامله من غير ما نسيب ورانا أي أثر.. المهم نجيب تار اخواتك 


❈-❈-❈


لم يقوَ سراج على الجلوس، ظل واقفًا أمام النافذة يراقب بعينين خاليتين من الحياة ومن خلف الستائر المنسدلة الفضاء الممتد على مرمى بصره قست ملامحه وأصبح أكثر جمودًا وصلابة، أخذ على نفسه ميثاقًا غليظًا، لاول مره في حياته يشعر بالضعف والحيره! هل ياخذ بثأر أشقائه بالفعل أم يكون ضعيف في نظر الجميع ويوقف هذا الثأر!. 


بصعوبة يدع ما حدث لا يسيطر عليه ويظهر في الوقت الحالي كاي رجل صعيدي تربى على تلك العادات والتقاليد مجروح من موت اشقائه يقتل الجميع دون التفكير في عواقب مثلهما لكن في النهايه سيظل هو كبير العائله ويجب ان يكون العاقل الوحيد حتي لا تتازم الأمور اكثر، لكن لا احد يفهم ذلك حقا الجميع يتهمه بأنه لا يحب أشقائه لانه لا يريد ان يقتل شخص بريء مقابل اطفاء نار ستشتعل أكثر وليس ستبرد مثلما تقول امه طوال الوقت لذلك الأمر حقا صعب والدليل وفاء اخوه الثاني، ومن يعلم من القادم بعد.


في تلك اللحظه اقتربت منه زوجته، ارتعشت أطرافها وبدا ذلك ملحوظًا وهي تتحسس جبينها وقد نكست رأسها في خزي، لتهتف في ندمٍ ممزوج بخيبة الأمل وهي تستجدي غفرانه


= حقك عليا يا سراچ والله ما كان قصدي أقل من احترامك تحت بس تعبت من كتر ما هي عماله تفكر في التار ومش بتفكر في اللي عمالين يموتوا واحد ورا التاني دول.. سواء مننا ولا منهم.. ما هم برده ليهم عيله وزعلانين عليهم ذينا 


ألتفت نحوها بشيءٍ من الغل ودمدم في حنقٍ لم يخبت نهائيًا


= واحنا اللي مش زعلانين يعني عليهم يا غاليه دول اخواتي إللي كنت بعتبرهم كيف ولادي واكتر! 


أمسكت غالية يده من بين ذراعيه وردت نافية في توترٍ


= ما قصداش اكده أكيد كل اللي عاوزه اوصله  اني بدل ما نحرق قلوبهم وقلوبنا ندور لنا على حل من غير ما نموت حد هو لازم يعني الموت اللي مش هيرجع اللي راح ديه. ما هي جربت بنفسها و واحد ثاني مات.. انا مش هستنى لما انت تحصله بعد الشر اعمل حاچه قبل ما هي تتهور تاني.. ابوس ايدك حلها انت بعقل كيف ما اتعودنا منك 


ليدنو منها برأسه ببرود قاسٍ فلجأ إلى إخبارها بنوعٍ من الذم


= هي بقى فيها عقل يا غاليه! ولا شايفاني لقيت حل وقلت لا وده اللي كنت بحاول اعمله من اول يوم رغم ان محمود مات لكن هم خدوني على قد عقلي، و غدروا بدل الواحد اتنين.. فكرك ان انا مش بفكر زيها و نفسي دلوقيتٍ اطلع عليهم واموت فيهم كلاتهم عشان ناري تطفى فعلا .


تقدمت عنده في خطواتها ثم وقفت قبالته وسألته بتخوفٍ


=بقيت تتحدد كيف امك يا سراچ، يعني انت شايف زيها الحل تقعدوا تقتلوا في بعض! طب واحنا وعيالكم ما بتفكروش فينا وقلوبنا اللي بتتحرق عليكم واحد ورا الثاني 


اخشوشنت نبرته وتوحشت نظراته وهو يصيح بها 


= وانا مين يحس بالنار اللي جوايا على اخواتي اللي راحوا من غير ذنب! هو انا مش زيكم بحس ولا عشان خلاص كبير العيله ما عندوش وقت للحزن ولا للانتقام من ولاد الكلب دول.. يمكن في الاول كنت متعاطف معاهم شويه رغم اني في النهايه اخويا قتل منهم واحد من غير ما يقصد لكن هم كانوا يقصدوا في دول الاثنين.. وانتٍ تقوليلي احلها بالعقل هو فين العقل ده 


تفاجأت غالية من تجبره الغير اللائق عليه، صمتت لحظة مدهوشة وهي ترمقه بهذه النظرة وقالت بقلق 


= غلط يا سراچ تفكر اكده ابوس يدك اوعى تمشيها اكده احنا اللي هنندم في الاخر، انا معاك أنهم عملوا كل ديه واكتر بس كيف ما بنلاقي لنفسنا أعذار نلاقيلهم اعذار برده.. و خليك فاكر كويس ان احنا اللي بدانا حتى لو غصب عننا كيف ما بتقول ده ضناهم برده اللي راح وهم ما كانوش عارفين اكده، وللاسف دخل اللي شعلل بينكم 


أطلق زفرة بطيئة أتبعها استرساله بوجه شبه ممتعض


= انتٍ عاوزه توصلي لايه يا غاليه في حاچه بتفكري فيها، عماله تدوري وتلفي ليه ما تيجي دغري!. 


لم ينبس بكلمة وأصغى إليها فارتعش صوتها بتردد


=طب ما تفهمنيش غلط وتسمعني للاخر بس لازم تقدم الكفن يا أبن عمي عشان تقطع الدم ده بين العيلتين! و ده اللي هيخلي الاتنين غصب عنهم يلتزموا بالعهد ونقفل الحكايه دي بقى وبكفايه اللي راحوا .


تحفز في وقفته وتصلب وسدد لها نظرة نارية ليصيح بعدها بصوتٍ مرتفع محموم بالغضب


= انتٍ اتجنيتي عاد يا غاليه عاوزاهم يقولوا  عليا مش راچل وخايف منهم ولا مش قادر اقتل بدل الواحد عشره منهم بس انا اللي مصبرني الخوف على اخويا وباقي العيله وعليكم برده.. هو انا برده إللي هفهمك اللي بيعمل اكده بيقولوا عليه ايه عندنا في البلد 


انفعلت وهي تبرر له اتخاذها لذلك القرار الصادم


= ما ملعون ابو الناس كانت عملتلنا ايه في الاثنين اللي راحوا واللي لسه هيروحوا، وقت القتل ما بنلاقيش حد منهم انما قبل اكده بيقعدوا يشعليله بين الاثنين، ما هو صحيح اللي ايده في الميه البارده مش كيف الايده في النار واحنا اللي شالين الهم فوق دماغنا في الآخر.. وبعدين الموضوع هياخدله كام يوم لحد ما ينسوا ولا احنا ولا اخر ناس هنعمل اكده 


نظر لها شزرًا فأوله ظهره وراح يمشي ببطءٍ مبتعدا عنها وهدر بها في صوت مجلجل وأجش


= لا ده انتٍ مخك ضرب على الآخر، طب لو خلصت من حديد الناس هخلص من حديد امي ورچاله العيله كيف...ده انتٍ هتفتحي عليا فتوحه ملهاش اخر منهم لو فكرت بس مجرد تفكير في اكده غير ما حدش هيوافقني خالص .


هزت رأسها بإصرار عندما أجابته موضحة ما أنجزته من التفكير العميق في تلك المساله 


= انت كبير العيله ومحدش بيقدر يعرضك في كلمه، مهما يتحددوا ويعملوا صر على رايك وهم في الاخر هيستسلموا لما يلاقوا ما فيش حل غيره ويخافوا على عيالهم، فكرك برده ان عيله البدري ما فكروش في اكده بس مترددين و نفسهم اللي يشجعهم.. وبعدين انت العمده فلما تيجي منك هيقولوا راچل بصحيح و خايف على الناس الابريه اللي بتروح في الرچلين ومش بعيد كومان تشجع كل اللي بينهم تار يعملوا اكده ذيك.. 


اتجهت إليه و دارت حوله واستوقفته ثم مدت يدها نحو ذقنه تديره فرفع وجهه إليها رأي الحزن جسيمًا في حدقتيها فأسبلت عينيها تجاهه وخاطبت إياه في لينٍ


= جي الوقت اللي نوقف كل القرف دي.. انا اللي هقولك برده كام عيله عندنا في البلد راحت بسبب لعب العيال دي من غير ما يقصدوا، ولا لو كان عامله اكده من الأول كانوا وقفوا دم ناس كثير ابرياء ما لهمش ذنب.. فكر كويس في الموضوع يا سراچ وحياه بنتك بسمله اللي مش عاوزاها تتيتم من عم ولا اب لا توافق.. وبعدين يعني انت عاوز حد ثالث يموت من عندنا هو ده الحل بردك قلوبنا هتستحمل فراق ثاني يا عمده .


صمت دقيقة يفكر فشعر بالفعل بالقلق ثم هتف يضيق رافعًا سبابته أمام وجهها بتحذير 


= خلاص يا غالية قفلي على الموضوع وسيبيني أفكر.. بس حسك عينك تفتحي مع حد انا لسه بشاور عقلي ما وافقتش .


ابتسمت بأمل وهزت رأسها بالايجاب عدة مرات ثم رفعت يده برقةٍ إلى فمها لتقبلها بنعومة قائلًه


=عينيا يا اخويا والله ما هفتح بقي ولا اتحدد بس لأجل النبي لا تفكر في الموضوع كويس وبلاش ترفض ولا تنشف دماغك زيهم، ولا تفكر انك لو عملت اكده اسمه ضعف بالعكس اكده انت كبير وخايف على مصلحه العيله وهم هيفهموا اكده بعدين من نفسهم!. 


❈-❈-❈


توالت الأيام على الجميع بطيئة مستنزفة للأعصاب ومرهقة للتفكير وفي أحد الجلسات في محاوله للصلح التي تنتهي دوماً دون فائده كالعاده، تحدث كبير عائله البدري قائلاً بخشونة


= ربنا وحده اللي يعلم يا سراچ انا حاولت قد ايه اوقف التار ديه لأجل خاطرك وخاطر ربنا عشان انت غالي عليا يا عمده بس اديك شايف.. النار اللي قايده في عيلتي اكبر مني 


فأفصح له سراج عما يُحيره ويملأ صدره الملتاع قائلا بقلقٍ


= صادق يا حاچ مؤمن من غير حلفان، بس اديك شايف راح من عندي اخواتي الاتنين اصبر اكتر من اكده ايه لحد ما الدور ياچي عليا واهلي يبقوا من غير كبير والناس تنهش فيهم من بعدي.. لازم نشوف حل وانت أدري بالحكاوي دي ما بتخلص غير لما تصفي نص العيله.


هز رأسه كبير عائله البدري معقب في تأكيد جاد 


= عارف يا ولدي وصعبان عليا اللي راحوا من عيلتي برده، اسمعني زين ما فيش غير حل واحد وكتير عملوا في البلد عندنا وهو اللي بيوقف التار.. 


اعتدل سراج في جلسته هاتفًا بلهفة شديدة 


= الحقني بيه يستر عرضك يا حاج مؤمن وانا مستعد اعمل اي حاچه، بس ما حدش يتاذى من عيلتي تاني.


بادله نظرة غامضة، محملة بالكثير قبل أن يجيبه باقتراح باهتمام 


= لازم يكون في بينا نسب! بما ان انت الكبير في عيلتك وكبير العيله يبقى لازم تتجوز حد من عندنا، وما فيش انسب من زينب اللي اتقتل جوزها في الاول بقت يتيمه وعندها ولدين و اهو تسترها، هي صحيح البنيه معديه الاربعين لكن زينه وشرع ربنا ما فيهوش حاچه.


تجهم وجهه للغاية وعلى الفور فكر في غالية وصدمتها به وانها لا تستحق شيء كذلك منه، وراح يذم شفتيه في غير رضا، ثم تكلم في فتورٍ ولمحة من العبوس قد أخذت تزحف على وجهه


= شوف حل تاني غير ده يا حاچ مؤمن معلش 

اكيد في حلول كتير غير الجواز، بس الحل ديه هيخرب بيتي ومش هقدر بصراحه اكون عادل ما بينهم انت عارف زين غاليه بالنسبه لي ايه وما ينفعش تتحط في مقارنه مع حد اصلا.


اكفهر وجه مؤمن وقال باستياءٍ


= چري إيه يا سراچ يا عمده البلد يا كبير العيله، اقولك عايزين نوقف الدم اللي ما بين العيلتين وانت تقولي شوف حل تاني عشان خاطر مرتك! وانا اقول ليه ما جتش منك من الأول ولا حتي انت اللي بدات وعرضت عليا حاچه كيف دي .


أطبق على جفنيه للحظةٍ، قبل أن يهمس في حنقٍ مزعوج


= يا حاچه مؤمن أنا ما اقصدش اكده والله وشرف ليا اناسبك بس الموضوع انـ...


قبل أن يكمل الأخير باكثر نهض مؤمن وهدر في احتجاجٍ ناقم


= خلاص يا سراچ مش محتاچ توضح اكتر من اكده، بس خلي بالك ده كان الحل الوحيد اللي كان هيناسبنا احنا الاتنين! وانت اللي رفضت عشان مش عارف تحكم علي مرتك انها تقبل  تتجوز تاني ولا تكونش خايف منها.


نهره سراج عن التمادي في الأمر هاتفا بحدةٍ


= حج مؤمن انت على عيني وراسي وانا مقدر قعدتنا دي، لكن بعد اذنك ما تتدخلش في حياتي وتقولي اعمل ايه وما اعملش ايه، و بعدين اسمها بحافظ على كرامه مراتي و خايف على زعلها مش خايف منها ولا مش قادر احكم عليها.


ضجر الآخر منه فهو لا يصدق كيف يكون كبير العيله ويرفض شيء كذلك حتى لو على حساب زوجته فلا يهمه شيء غير إيقاف الدماء فقط مهما يكلف الامر، عكس الاخر فكر باول شيء بحزن زوجته وصدمتها به حينها، لذا أخبره بعد زفيرٍ ثقيل تشوبه الملل


= لا ما هو واضح على العموم انا مالي انت حر بس ما ترجعش بعد اكده تلوم إلا نفسك لما تلاقي الثالث من اخواتك راح يبقى ساعتها خلي مراتك تنفعك.


تنهيدة عميقة تحررت من صدر سراج الذي بدأ يشعر بقله الحيله حقا والخوف من القادم و للحظه شعر بأنه سيكون المذنب اذا حدث شيء سيء لعائلته مجدداً بعد رفضه لوجود نسب بينهما والزواج من آخر لكن بالفعل ذلك الأمر سيكون صعب عليه وسيشعر بأنه ظالم نتيجه لذلك فا غاليه لا تستحق منه ذلك ابدا ويكفي صبرها عليه سنوات طويله، رفع بصره للسماء وهو يناجي المولى بخفوتٍ


= استغفر الله العظيم يا رب، حلها من عندك.


❈-❈-❈


للحظة ظنت غالية عندما قال بأنه سيفكر كان وهمًا، لمجرد استرضائها بعد الذي قدمته إليه منذ اللحظة الأولى التي عرض فيها الزواج عليها، لكن كادت ان تطير من الفرحه عندما اخبرها بموافقته وانه سيقدم ذلك العرفان قريباً وتم الإتفاق أيضا مع أحد الظباط بذلك والذي بالطبع ايدوا حديثه على الفور حتى تتوقف قد تلك الدماء والاوراح البريئه التي تتساقط يوم بعد يوم بين العائلتين. 


القرع العنيف على باب غرفة المكتب جعلت سراج ترك ما في يديه ونظر إلى الأمام لدخول والدته فاتسعت عيناها ذهولًا تمنحه هذه النظرة الساخطة البغيضة والكارهة لم تمهد بشيءٍ واندفعت كالثور الهائج تجاه بعنفٍ  وهي توبخه بتسائل 


= صحيح الحديد اللي سمعته دي؟ انت عاوز تقدم الكفن لعيله البدر بعد ما قتلوا اخواتك الاثنين؟ رد عليا وكذب اللي سمعته 


حفظًا لماء الوجه أوجز سراج في رده


= اما اقعدي الأول عشان افهمك اللي حصل و انا عملت اكده عشان خايف عليكم، تقدري تقوليلي لو عملت اللي انتٍ عاوزاه ورحت قتلت واحد من العيله هم هيسكتوا كيف ما سكتوا المرتين اللي فاتوا خلاص لازم الدم ده يتقفل بقى !. 


قاطعته قبل أن يكمل تبريره وهي تصيح به في حنقٍ قهراً 


= يا حسرتك في ابنك الكبير يا فردوس هيعرك وسط البلد ويخلي اللي ما يشتري يتفرج علينا، يا المرار الطافح اللي هينزل فوق دماغنا! ما كنتش اعرف انك جبان اكده ومش فارق معاك دم اخواتك اللي راحوا 


دخل في تلك اللحظه فؤاد و خلفه غاليه، وهتف بقلق


= في ايه ياما صوتك وأصل لحد بره ليه؟ 


لانت نظراتها القاسية وارتخت تعابيرها حينما أخبرته باستهزاء 


= تعالى شوف اخوك الكبير العمده كبير العيله عاوز يعمل صلح بينا وبين عيله البدري و هيقدم الكفن كومان.. هيعرينا ويخلينا نطاطي راسنا في الرايحه وفي الچايه قدام الخلق، على آخر الزمن إسم عيلتنا هيتمرمغ في الوحل عشان العمده بجلاله قدره مش قادر ياخد بتار اخواته.


استنكر تصريحها وقال في غيظٍ مكبوت


= انت بجد هتعمل اكده يا أخويا كيف تفكر في حاچه كيف اكده من غير ما تاخد رايي حتي، هم اللي راحوا مش اخواتي برده! ولا اخواتك لوحدك عشان تكرر قرار كيف ديه من نفسك.. انا مش موافق طبعا على الهبل ده 


انتفض قائمًا، فأشار له الأخير ليقترب منه،

ثم هتف مرددًا بحذر في وجهٍ الصارم


= اتحدد مع اخوك الكبير عدل هو انا كنت بعلمك عشان تقف قصادي تعارضني.. حاسب على كلامك واتلم يا فؤاد مش هياجي عيل صغير علي اخر الزمن هيعدل على قراراتي، بقيلي سنين بحكم واعدل بين الخلق باللي محدش بيقدر ينطقه وانت جاي تعارضني! ليك حق ما انت مش عارف يعني ايه كبير عيله 


نظر فؤاد له بتعالٍ قبل أن يأتيه رده صادمًا على كافة الأصعدة


= اهو العيل الصغير اللي مش عاجبك ده هو اللي هياخد بتار اخواته مش جبان ذيك، عامل فيها كبير عيله وانت مش عارف تحكم في حاچه وبتضيع حقنا و آآه


صمت الآخر عندما صفعه أخيه الكبير بقوه ليصمت، لم يبدو اي تعابير على وجه فردوس مما حدث بينما شهقت غالية مذهولة وهي تهمس بعدم تصديقٍ


= يا مصيبتي جيب العوائي سليمه يا رب!. 


تنفس سراج بعمقٍ ليكبت هذا الشعور المؤلم،

وهو يقول بندم ظاهراً


= عمري ما كنت اتخيل ان انا ممكن اعملها في يوم سواء معاك ولا مع اخواتك اللي ماتوا! لكن انت اللي اجبرتني على اكده، دلوج بقيت جبان ومش عارف احكم.. الله يرحم ايام زمان كانت اي مشكله بتقع فيها بتجيلي و بحلها من غير ما افضحك عند أمك و اقولك عيب ده انت ابني مش اخويا وفي الآخر لما يطلعلك صوت تتجرأ عليا وتقل ادبك كومان 


ارتسمت على شفتي فردوس ابتسامة أكثر اتساعًا وشماتة وأمرته بلهجتها المعتادة معه بالاواني الاخيره 


= ما هو لازم يطلعله صوت لما يلاقي اخوه الكبير بقى يتصرف تصرفات ما يعملهاش عيل صغير.. وعاوز اللي يتدخل في قراراته، قصر الحديد يا سراچ ما فيش صلح هيتعمل و لو فضلت تمشي في الموضوع ده تنسى ان ليك أم ولما اموت ما تمشيش في دفنتي 


وكأنها تستفز مشاعره الذكورية بمقارنته بآخر ابنائها الصغير به، فقال بلا تصدق 


= بدل ما تادبيه على قله ادبه معايا بتقوي اكتر ياما، هي دي اخره المعروف اللي كنت بعمله معاكم زمان وياما اتدخلت في مشاكلكم 

وكنت ببقيكم عليا تكون هي دي النتيجه 


شملته أمه بنظرة مهينة من رأسه لأخمض قدميه قبل أن تتوالى عليه إهاناتها كالصفعات


= ما حدش طلب منك تتنازل عشان تقعد تذل فينا كل شويه، ومع ذلك شايلين معروفك فوق رأسنا يا سيدي بس لما تضيع حقنا مش هنتحملك ولا هنكون في صفك أكيد، كفايه ان انا خيرتك بين اللي عاوز تعمله وانك تنسى ان ليك ام وبرده مصر تمشي في الطريق ده يبقى احنا اللي مش فارقين معاك مش انت .


لم تتحمل غالية الصمت اكثر من ذلك علي بذاءة لسانها السليط، وأوقفتها بصياحها الهادر  بحده 


= يا جماعه ما تفهموه هو بيعمل اكده عشان مصلحتنا، عندك قلب تستحملي فراق حد من ولادك تاني يا حماتي؟ وانت يا فؤاد مش ديه اخوك اللي كان بيبقي اي حاچه عليكم وهو مش مهم وحتى التعليم ما كملوش عشانكم وقال انتم أولي هو انا برده اللي هقولكم ياما عمل معاكوا ايه، في ثانيه كده تنسوا كل حاچه عشان طلب وحيد بيطلبوا منكم ولمصلحتنا . 


أنهت جملتها عندما تحركت صوبها حماتها لتمسك بها من ذراعها وضغطت بشراسة عليها فتألمت من قوة ضغطتها هاتفه بغضب 


= سبق وقلتلك ما تدخليش في حديد الكبار ولا ليكي دعوه بمشاكل عيالي، انا عارفه كويس ان دي افكارك وهو كالعاده بيتدلدل ليكي وبيقولك حاضر ونعم.. خلصت لحد اهنا يا سراچ طالما اخترت اتحمل نتيجه اختياراتك بقى وخليها تنفعك . 


نظرت إليه أمه نظره اخيره وعيناها تتفحصان الاثنين بوهجٍ خبيث واشتدت قبضتها علي أبنها الآخر معتقده بتلك الطريقه تضغط على الكبير، و راحت تُحادث بوعيدٍ شيطاني لئيم


= يلا يا فؤاد ورايا وما لكش دعوه بيهم.. و خلينا احنا اللي نروح ونيجي وندور على حق عيالنا بايدينا والكبير قاعد بيدور كيف يفضحنا وسط الناس .


التفتت زوجته بناظريها إليه ومشت تجاهه تسأله في لوعةٍ للتخفيف عنه 


= معلش يا سراچ هم مش عارفين قيمه اللي انت بتعمله بكره لما يعرفوا عـ..


التفت بوجهه بعيد ليخفي آثار التفكير السائدة على ملامحه وعلق بزفرة سريعه


= غاليه سيبني لوحدي دلوج مش قادر اسمع ولا حرف زياده.


جلس مكانه وحده وراح يشتكي لنفسه بغير آمل، فمهما مضى الزمان به بما يجيش في صدره من أمور صعبة للغاية صامت، لكن ما جرى جعله يعيد حساباته ويتساءل هل بالفعل تسرع بذلك الامر؟!. 


❈-❈-❈


رفع رجب الغفير رأسه للأعلى صادم و أبقي على ملامحه الانزعاج حينما استمع الى أمر العمدة، فنظر سراج له بعينين مدهوشتين وهو يسترسل بتعابيرٍ منزعجة 


= خير يا رجب مالك واقف ليه اكده ما تروح يلا اعمل اللي قلتلك عليه.


تنحنح في صوتٍ خفيض قبل أن يرد وهو يسير بتمهلٍ 


= هاه آه حاضر.. بس معلش في الكلمه انا عارف انها حاچه ما تخصنيش بس هو فيش غير الحل ده يا حضره العمده، أصل آآ 


نظر سراج له بحده ثم قال بشيءٍ من الضيق


= عاوز تقول ايه يا رجب؟ 


ردت عليه بتعبيرات ضائقه غير مكترثة بتجهم الآخر


= انا ما اقصدش حاچه يعني بس على فكره في حل ممكن يكون ما جاش على بال جنابك ممكن يكون في نسب بين العيلتين وساعتها الدم ده هيقف بس بلاش حكايه الكفن دي، حكايه واعره جوي وفيها اهانه لينا انت مش عارف بره بيقولوا علينا ايه وان حضرتك... 


صمت الآخر عندما لاحظ نظراته النارية ثم أطبق على شفتيه رافضًا قول أي شيء، نبذ نظراتٍ قاسية فقط جعلته يشعر بالندم على قول كذلك، فصاح بصرامة وأمر 


= رجب! انا مش مستنيك تعرض عليا افكارك العظيمه روح نفذ اللي قلتلك عليه وما لكش صالح.


لوي رجب ثغرها مغمغم بتبرمٍ


= حقك عليا يا سعاده العمده حاضر هروح انفذ اللي انت عاوزه، وامر لله . 


❈-❈-❈


مرت عده أسابيع ولم تتحدث أمه معه مطلقاً أو حتى تجمعهم سفره واحده للطعام وفؤاد ايضا إنضم الى والدته بعد تصرف أخيه ضده و كأن لم يكن هو من بدأ لكن شحن أمه فردوس المتواصل وتعبئه عقله بتلك الاقوال عن الانتقام وانه بذلك سيكون رجلاً بحق جعلته ينضم إليها ويقتنع بحديثها ويخطط مثلها للانتقام من تلك العائله، لكن كل ذلك جعل سراج متردد ومتخبط في قراراته السابقة.


و على الجانب الآخر كانت قد اكتملت الترتيبات لتقديم الكفن ولم يبقى غير ذهاب سراج لتقديم ذلك وسط جميع العائلات وضباط الشرطه، وقف سراج امام المراه شارد 

فيما سوف يفعله اليوم ويعلم لا هناك للعوده بعد! وتقدمت من الخلف غاليه زوجته تضع فوق كتفه الشال لتجهيزه للنزول وهتفت بتشجيع ودعم 

       

= ما تفكرش كتير صدقني كلهم بكره هيعرفوا قيمه اللي انت بتعمله عشانهم وهيجوا يشكرك بنفسهم لما يفهموا انت بتفكر كيف. ربنا يهديهم يلا انت عشان ما تتاخرش 


شعرت غالية بالارتياب من صمت زوجها ولم تترك الأمر يحيرها كثيرًا، حيث هتفت بصوت جاد 


= سراچ انت مش سامعني خلاص كل حاچه جهزت تحت والكل مستنيك يلا !. 


تكلم أخيراً ليقول بصوت محتــرق من الندم والحزن 


= مش هنزل يا غالية ما قادرش اعمل أكده وانا عارف ان امي مش راضيه عني.. حتى لو اللي بعمله صوح .


عقدت حاجيبها للاعلي بقلق وسألته بتشككٍ مرتاب


= سراچ انت مالك تقصدي إيه بحديدك ده، طالما انت عارف ان ده الصوح كمله وما لكش دعوه بحاچه تاني ؟ 


سحب الهواء بعمق ليعيد انضباط أنفاسه  المنقطعة من التفكير وتلقائيًا أجابها مباشرةً


= مش ممكن يكون هم اللي صوح واحنا اللي غلط! من امتى واحنا بنخاف اكده وبنطاطي راسنا على رأي أمي احنا اكده مش رچاله 


في تلك اللحظه لا يعلمون من أين اتت فردوس وكانت تستمع الى الحديث مما أشعرها بالرضا والحبور فتقدمت نحو ابنها ربتت علي كتفه بحنان منتشية بانتصارها الزهيد من خلال ضغطها عليه للايام السابقه   وقالت بفخر


= اهو اكده انت ابني بصحيح چدع يا سراچ أخيرا يا ابني فوقت لنفسك! ومن شيطانك اللي كان راكبك طول الوقت ومعبي عقلك بكلام فارغ.. يلا يا حبيبتي اتحرك و قول للغفير ان كل واحد يروح لحاله اتفضت قبل ما تبدا . 


غشى بصرها الدموع تأثرًا بما جرى في طرفة عين كُسر داخلها وتفتت قلبها وهي تردد في صوت شبه مرتجف برجاء 


= سراچ قول حاچه ابوس يدك ما تعملش اكده خلاص هي خطوه واحده اللي كانت فاضله  وتفضي كل المعارك دي والحرب اللي ما بينا انت فاهم انت بتعمل ايه؟!. 


ليحرك رأسه بخزي رافضًا الانصياع لما قالته له، بينما استفزت حماتها من إصرارها ودفاعها المستميت عن فعل ذلك، فلكزتها في كتفها بعنف 


= ما تتحركي يا بنت وبطلي حديد ملهوش لازمه هو انتٍ بتحبي تتهزيقي على طول، راچل هو ولا مش راچل قدامك طالما كلمته طلعت ما حدش بعدها يقدر يفتح بقه بعديها سمعتي! ما فيش عربون هيتقدم والتار هيكمل !. 


كانت المرة الأولى التي تشهد فيها غالية عليه صامت أمام اهانتها دون أن يدافع عن كرامتها وإنسانيتها قبل ذلك بل ويحاسب المسيء بلا ندمٍ، لكن سراج يعلم جيد اذا تحدث بحرف سيفعل ما تريد؟ لذا يجب أن لا يجعل مشاعره تسوقه وقلبه يقوده هذة المرة، بل لا مكان للعاطفة في حياته بعد الأن.


الفصل الثالث 

_________________


في غرفة سراج لاذ بالصمت عاجزًا عن تبرير تراجعه عن تقديم الكفن بعد ما اتفق على كل الترتيبات اللازمه، لكن بالفعل ليكون صريح مع نفسه حديث والدته أثر عليه بالسلبي! وخضع في النهايه لرغبتها لكن مع ذلك ليس لدي نيه سيئه في قتل أي فرد من عائلة البدري.


غمغمت غالية بلا تصدق وغليل صدرها قد أخذ في التصاعد بسبب قلقها من القادم


= ما توقعتهاش منك يا سراچ كنت خلاص اطمنت وخدت منك الكلمه وقلت فعلا هو ده اللي حبيته وامنته على نفسي ويستاهل يتقال عليه كبير العيله العاقل، لكن ايه تفسير اللي عملته وفي لحظه واتراچعت ليه 


كز على أسنانه في غيظٍ ووجهه قد تلون بحمرة الغضب


= حسبي على حديدك يا غاليه انا كبير العيله غصب عنك وعن اي حد، بتلمحي لايه يا بنت العم.


زادت من ضغطها عليه بحديثها المقلق وهي تردد بلؤمٍ


= صوح كبير يا اخويا وغصب عني كومان وعمري ما اقدر اقول غير اكده، بس يا كبير العيله عارف معنى اللي عملته النهارده والتار إللي هيفضل شغال بين العيلتين! ولا انت عشان ترضي أمك عادي تموت ناس تاني بسببكم ومش مهم أي حد.


رد عليها سراج بتصميم وقد غامت تعابيره


= ما فيش حد هيموت اطمني بس انا هشوف حل تاني غير ده! انا حسيت اني اتسرعت لما سمعت حديدك في حكايه تقديم الكفن دي.. عارف ان امي غلط في كل حاچات كتير الا الموضوع ده هيخسرني كتير من هيبتي وسط البلد.. وبعدين ما أكيد في كذا حل غير ديه .


بدت هجومية إلى حدٍ كبير وهي تخاطبه 


= طب اتفضل حلها بسرعه يا ابن عمي بدل ما الخسائر تزيد تاني فوق دماغنا ونخسر من الأحباب اكتر، مع ان انت لو كان عندك الحل كنت حليتها من زمان بس انا فاهمه ان انت بتهودني وحديد امك اثر عليك، مع ان اللي كنت هتعمله النهارده ده للي بيفهم صوح كان هيزيد من هيبتك مش هيقلها !. 


رفع حاجبه للأعلى في استهجانٍ ثم رد عليها ونهرها بحذرٍ


= غاليه! بقيتي تدخلي في حاچات كتير ما تخصكيش ولو أنا كنت سامحلك زمان بكده، كان عشان قيمتك الكبيره عندي لكن اكتر من اكده خلاص وعلى رأي أمي ما تتدخليش في حديد الكبار، انتٍ عمرك ما هتفهمي ولا هتحسي أنا قد ايه بعيني من الموضوع ديه ومش عارف ارضي مين ولا مين 


اضطرت مرغمة سماع أوامره وبحرقة تستعر في صدرها فارتجف صوتها وهي تخبره بألم 


= دلوج امك اللي بقت صوح و انا اللي غلط ومش بحس كومان بيك؟ ده انا الوحيد اللي واقفه في صفك دايما وده مش عشان جوزي وحبيبي بس لا عشان شايفك قد ايه بتعاني عشان تمشي العدل اللي كله كان بيحلف بي بشرفك وبيجولك من اخر الدنيا عشان عارفين أنك مستحيل تظلم أيتها حد حتى لو كان امك ولا ابوك نفسهم . 


مط فمه للحظةٍ بفتورٍ وعلق بشيء من الضيق 


= و إيه اللي حصل دلوج يا غالية بقيت ظالم في عيونك ومش عادل!. 


لم ترغب في إثقال صدرها بالهموم والقلق دون داعٍ، لهذا طرحت عنها تفكيرها السوداوي، وهمهمت في خفوتٍ


= لاء يا ابن عمي لستك كبير عيله وبتعدل بس لأول مره تصيب معاك وكفت العواطف عندك هي اللي تنتصر علي العقل.. على العموم الشورى شورتك في النهايه و ربنا يخيب ظني.


❈-❈-❈


في الأسفل كانت فردوس تجلس واضعة ابتسامة متكلفة على محياها، بدت وكأنها غير راضية عن حديث ابنها البكري الذي طال مع زوجته في الأعلى فبعد إلغاء الاتفاق عن تقديم العرفان انسحبوا الاثنين الى الأعلى ولم يهبط حتى الآن، وكان ذلك يقلقها بالطبع خوفاً من أن تؤثر عليه غاليه ويغير رأيه للمره الثانيه وهي تعلم جيد حبه الشديد لها، أطبقت على جفنيها للحظةٍ، قبل أن تهمس في حنقٍ مزعوج


= هم عاملين يتحددوا في ايه كل ده؟ تلاقي بيتحايل عليها ويطيب في خاطرها عشان ترضى عنه بعد ما رفض اللي هي عاوزاه.. انا عارفه عقلي كان فين لما وافقت على الجوازه المنيله دي زمان.


مط شفيق فمه قليلًا ثم جاوبها بعدما استقر مجاورًا لها


= خلاص يا خالتي طالما سراچ بنفسه رفض والناس مشيت يبقى عمره ما هيرچع في حديده تاني! وحديد غاليه معاه ولا هيفيد ولا هياخر، و الحمد لله اني رچع في اخر لحظه وما عريناش وسط الخلق


لوت ثغرها باستهزاء ثم صاحت في حنقٍ


= وانت فكرك طالما الهانم اللي فوق دي وراه مش هتخليه يرچع في حديده انا اكثر واحده عارفاها كويس، مش هتسكت غير لما يرچع في كلامه ويقدم عربون الكفن من تاني 


ليرد شفيق بصوته الخشن المرتفع وهو يطرق بيده على الطاوله بحده


= لا اكده يبقى فيها حديد ثاني هو لعب عيال ولا إيه، أكيد مهما تقول وتعمل سراچ مش هيسمعلها المره دي ولا إحنا كومان لعبه في يده شويه هنقدم الصلح وبعد شويه خلاص.


تدخل فؤاد في الحوار ليقول بصوته الصارم إليهم


=حتى لو عمل اكده ياما ما تخافيش انا اللي هاخد بتار اخواتي ومش عاوزين منه حاچه 


رفعت فردوس سبابتها أمام وجهه تنذره بالتراجع عن اي شيء ويترك كل شيء لاخيه 


= اكتم انت يا فؤاد وملكش دعوه بحديد الكبار طالما أخوك ربنا هداه وهو اللي هياخد بتارهم أن شاء الله، وبعدين انت لساتك صغير على الحديد ده .


اتسعت عينا فؤاد في ذهول من تغيرها المفاجئ نحوه، ثم تحدث بعصبية متهورة 


= ما كانش ده حديدك ياما قبل اكده امال ليه خليتيني اتعلم النشال وامسك السلاح ودايما عماله تقوليلي لازم تاخد بتار اخواتك وانت اللي هتعمل اكده طالما اخوك مش عاوز! ولا كنتي بتاخديني سلم عشان ابنك يتحرك وهو اللي ياخد التار.. بس لا ياما انا مش عيل صغير وبكره تشوفي بنفسك أكده لما اقتلك حد من عيله البدري.


تجاهلت إياه والدته للمره الثانيه وذلك جعل فؤاد يغضب اكثر بينما في تلك اللحظه هبط سراج أخيراً لتخبره أمه في تعصبٍ


= ما لسه بدري يا كبير العيله، ها الهانم مراتك رضيت عنك خلاص ولا نطلع نستسمحها احنا كومان.. ما خلاص ما بقاش ورانا غيرها من ساعه اما دخلتها في اللي ما لهاش فيه 


انتصب سراج بكتفيه للأعلى في زهوٍ، وعلق بجديةٍ كأنما يسد لها وجهه نظره التي لم تتغير وستظل كما هي 


= اما فضيناها وخلاص اللي انتٍ عاوزاه عملتهلك اكثر من اكده ما تطلبيش مني، و بعدين مالكم متجمعين اكده ليه؟ آه لو فاكرين معنى أن أنا اتنازلت عن تقديم الكفن ان انا همسك سلاح زيكم واروح أقتل في عيله البدري تبقوا غلطانين.. انا تراچعت عشان اشوف حل تاني للموضوع بس قتل مش هقتل ولا انتم كومان، كفايه الارواح البريئه اللي راحت وذنبها في رقبتنا.. 


انقلبت سِحنتها بشدة، فما زال أبنها يسير على نفس النهج في عدم رغبته في أخذ الثأر و تطبيق حديث زوجته كما تعتقد، لتطلع له بنظرات مليئة بالاحتقار والتقليل من شأنه لتشعره بأنه غير كاملة مثل أخيه الصغير


= جالك كلامي يا شفيق قلتلك الهانم اللي فوق مش هتسكت غير لما تخليه يرجع في حديده، عيب لما تكون الإسم كبير عيله و حرمه تمشيك يا سراچ يا اللي محسوب علينا راچل 


تحولت نظراته للنارية فكان فاقدًا للصبر، متوترًا للغاية لذا هلل بها في شراسه صريحة جعل قلبها ينقبض بقوةٍ


= هو انا في نظرك لازم اكون سفاح ولا قتال قتله واقتل ناس ملهاش ذنب عشان اكون راچل أكده؟ لاء ياما ده ذنب كبير عتحسب عليه قدام ربنا وانا مش عشان ارضيكي في الغلط اشيل الذنب ده اللي متأكد ان هيتردلي، كيف ما انتٍ رحتي اتفقتي مع شفيق من ورايا عشان يقتل عيل من عيله البدري و في نفس اللحظه اتقتل ابنك الثاني ويا ريتك حرمتي على اكده! 


نظرت إليه بأعين مليئه بالشر بعدم اقتناع بينما هو رحل ولم يعطيها فرصه للحديث، و كان فؤاد يتابع الواضع وهو ينفث في غضب متصاعد داخله بالأخص بعد استهوان والدته والجميع به. لكن من ملامحه كانت غير مبشره بالخير ابدأ.


❈-❈-❈


مرت أيام دون جديد والوضع كما هو، تطلعت غاليه بتحيرٍ قلق إلى زوجها الجالس على الأريكة، واضعًا ساقه فوق الأخرى في البداية ترددت في سؤاله عن اذا يوجد جديد و تغلبت على خوفها وتساءلت باهتمام 


= عملت ايه فكرت في حل للي احنا فيه، طبعا لع مش أكده.. صدقني ما كانش في حل احسن من اللي كنت هتعمله من قيمه اسبوعين واتراجعت . 


نفخ سراج في سأمٍ شديد، ورد وهو ينهض يسير إلى فراشه 


= وبعدها لك يا غاليه مش كل ما تشوفي وشي هتقوليلي الكلمتين دول، انا على اخري ومش طايق نفسي مش ناقص ضغط اكتر من اكده.


امتلأ جوفها بذاك المذاق المرير وشعرت بانها الفتره السابقه بالفعل ضغطت عليه لكن ذلك بسبب قلقها الدائم، فقالت بندم وآسف معآ


= حقك عليا انا اسفه بس اعمل ايه صدقني انا بعمل كل ديه من خوفي عليك سراچ انت لو بعد الشر جريلك حاچه انا مش هستحمل انا وبنتك اعيش من غيرك، عشان اكده شوف حل في اقرب وقت .


شعر بدمائه تحنقنٍ، بقدرٍ من الغليل يسري في عروقه ويحتل كل ذرة في كيانه ليجعلها على أهبة الاستعداد للانتفاض والثورة لما يسمعه منها عندما تضاعف ذلك الشعور الحانق بقوله الغير متوقع 


= وانتٍ فاكره بالطريقه دي يعني هتخليني الاقي الحل بسرعه ما انا قدامك اهو مش بنام كفايه، وما بقيتش عارف الاقيها منك ولا من أمي ولا من كبير عيله البدري اللي عاوزاني اتجوز بنت من عندهم عشان يكون في نسب ما بينا و نوقف التار .


حدقت فيه مدهوشة للحظاتٍ ثم قطبت جبينها وسألته مستنكرة وبعض الضيق يكسو وجهها


= نعم تتچوز وانت قلتله ايه يا سراچ


امتقعت تعابيره وصار متجهمًا للغاية ومع ذلك 

بادر بالقول كأنما يسمع ما يدور في رأسها


= تفتكري لو كنت وافقت كنت لسه هبقى قدامك بفكر هعمل ايه؟ بس شكل اكده ما فيش حل إلا ده دلوقيتٍ منهم بس خايف لاني المره الچايه مش عارف هتسيب مين.


رده فعله هذه جعلتها تشعر بالقلق والصدمه بنفس الوقت، فأحست بغصة مريرة تعلق في حلقها فراحت تردد بصعوبةٍ وهذا الشعور الخانق يزداد ضغطًا على صدرها


= هو انت بتفكر في الحل ديه ولا ايه يا سراچ 

عاوز تتجوز عليا.. اصل معنى انك تقولي الموضوع ديه يبقى في حاچه في دماغك؟!. 


توتر قليلاً ليخبرها بما أجج بداخله مشاعر الضيق والحنق والحيرة 


= مش بالظبط يا غاليه بس كبير العيله ضاغط عليا وفهمني أن ما فيش حل إلا ده وأن ياما عائلات عملت أكده وهو ده اللي بيوقف التار ما بينهم لما يكون في نسب بين العيلتين، وقبل ما تفهمي غلط انا باخد شورتك بس وبفكر معاكي بصوت عالي آآ .


صمتت غالية للحظةٍ وقالت في فتورٍ


= ما قلتلك تعالى دغري يا ابن عمي ايه اللي في دماغك.. خد وادي معايا براحتك عاوز توصل لايه؟


هز رأسه بالايجاب وهتف بتريثٍ وهو يراقب ردة فعلها بحذر 


= حج مؤمن بيقول أنها ست كبيره وعندها ولدين وعاوزه تربيهم يعني اكيد هتكون عاوزه اي چوازه والسلام حتي لو مش بحق وحقيقي، فانا بقول مش يمكن تكون بنت حلال وتتعاون معانا ونعاملها أهنأ كيف الضيفه بالضبط ولا واحده مننا حتى لكن عمرها ما هتكون اكثر من اكده وانتٍ عارفه زين يا غاليه 

انتٍ بالنسبه لي ايه وعمري ما اغدر بيكي.


اتسعت عيناها بلا تصدق فما طلبه ليس بمسألة عادية يمكن توفيق أوضاعها عليها الأمر أصعب بكثير إنه متعلق بحبها له فكيف له أن يفكر في ذلك حتى، لوهلةٍ شردت مستعيدة لمحات سريعة وخاطفة من شريط حياتهم بما تضمنته من أحداثٍ سارة وأخرى مؤسفة، كان العامل المشترك فيها هو العشق بين الإثنين والتضحيه منها أكثر! فيكون يكون ذلك المعروف بالنهايه اول من يضحي بها هي!، أخرجها من سرحانها اللحظي صوته الرجاء والمحفوف كذلك بكلمات التحذير


= غاليه انتٍ ما بترديش ليه؟ انا بفهمك اللي في دماغي وباخد وادي معاكي في الكلام كيف ما قلتلك لكن لو مش موافقه خلاص بلاها.. انا بس كنت بقول ان يمكن يكون حل يخلصنا من كل ديه، انا في الأول والله رفضت اول ما الحج مؤمن عرض عليا حتى سمعني كلمتين ملهوش لازمه لما قالي معقول بتفكر في مرتك في وضع كيف اكده واحنا في عرض اي امل، لكن انا قلتله انا بحترمها وكرامتها من كرامتي واي حاچه ممكن تجرحها يبقى بلاها حتى لو على حسابي. 


امتدت يده لتمسك بكفها نظرت له بعينين مدهوشتين وهو يسترسل بتعابيرٍ منزعجة، وبنبرة نادمة ومؤكدة


= هو مش انتٍ اللي عماله تزني عليا وعاوزه اي حل، حكايه الكفن دي صعب عليا وانا عملتها عشانك بس ما قدرتش اكملها، بس لما عرفت انها واحده معديه الاربعين مش عيله صغيره يعني هتكون كل اللي عاوزاه تعيش وخلاص تحت ضل راچل واحتياجاتها على قدها، لكن مش هقدر اعملها كزوجه زيك.. ما تردي عليا يا غاليه ساكته ليه انتٍ عارفه كويس ما بحبش أكلم حد وما يردش عليا؟؟ 


كانت كمن لامسها تيار كهربي فانتفضت مصعوقة وسحبت يدها من أسفل لمسته لتنهره بعينين جاحظتين 


= أنت عاوز تتجوز عليا يا سراچ بعد كل اللي عملته معاك، ده احنا عدينا بمشاكل كثيره عمرك ما قلتها لي ولا فكرت فكده حتي، ده انت حتى حلفتلي لأجل خاطري لو كان انا اللي فيا العيب ومش مخلف كنت عمرك ما هتسمع حديد امك وتتجوز.. جاي تعملها دلوقتي، يبقى كل ديه كان كلام بقى وبتضحك عليا بيه وانت ولا بتحبني ولا حاچه .


نهض ناظرًا إليها بنظرات حانقة وردد مستنكرًا في زفيرٍ متشنج


= انتٍ مخبله انتٍ سامعه كويس انا قلتلك ايه 

وليه عاوز اعمل حاچه كيف اكده! بقولك مش چواز بحق وحقيقي وعمرها ما هتكون ذيك يعني مجرد واحده كده انا ما ليش علاقه بيها وهشوفها بالصدفه في الدار كومان، انا لولا الوقت عمال يعدي ومش لاقي اي حلول تانيه وامي مش هتسكت غير لما تعمل حاچه ثانيه كنت ولا عمري هفكر في حاچه اكده، بس اديك شايفها متعقده من كل حته .


بالكاد منعت نفسها من ذرف العبرات وهي تعاتبه في حرقه 


= طب ما انا قلتلك الحل و كنت هتعمله بس انت فضلت وجع قلبي وانا شايفاك مع غيري! قصاد هيبتك اللي خايف تروح.. ما كنتش اعرف أني ولا حاچه عندك اكده يا ولد عمي كيف ما كنت دايما تقولي.. وأي كانت الاسباب بقى إسمها عندي چواز !. 


تجهم وجهه للغاية ناظر لها بضيق فقال نافيًا


= برده هتهبل في الحديد انتٍ حبيبتي ومرتي وعمرك ما هتنزلي من المكنه دي وبطلي هبل واوعي في مره تشكي في حبي ليكي بس في حاچات ممكن تحصل تخليني اعمل حاچه غصب عني، بس خلاص يا غاليه اعتبريني ما قلتش حاچه ولا هعمل حاچه ممكن تضرك حلو أكده.


التفتت تنظر إليه وهي تحتج على مقصده بانفعالٍ ملحوظ


= لع ما خلصتش يا سراچ وسواء رجعت في كلامك ولا كملت، فالموضوع بالنسبه لي بس انك فكرت كيف كأنك عملتها بالظبط وعمري ما هنسالك حديدك ديه، وان هنت عليك.


لم ننتظر أي رد منه بل تحركت من امامه الى الخارج وظل هو مكانه يتنهد بعمق ويأس بعدها سمع دقات هاتفه ليرد بنفاذ صبر 


= الو يا حج مؤمن قلتلك انا هفكر في الموضوع مش لازم كل شويه تتصل بيا و عشان نخلص، أنا بصراحه اكده مش هقدر اتچوز كيف ما قلتلك فشوف حل ثاني.


جاء صوته صارم وحازم للغاية


= ما بقاش ينفع يا عمده، تعاليلي حالا اخوك فؤاد حاول يقتل حد من عيلتنا و لولا لحقته باخر لحظه وحابسينه أهنأ وانا بالعافيه وقفتهم وقلتلهم ده عيل صغير بلاش، و انك هتيجي دلوقتي وتحلها.. فتعالي خد اخوك وبالمره تكتب على زينب لا إلا تنساه لان عيله البدري مش هتسيبه حي بعد اللي كان ناوي يعمله. 


اتسعت عيناه في شيءٍ من الاستهجان والخوف فاستشاط غضبًا من فعلت أخيه وصاح مذعور


= حج مؤمن اياك إلا اخويا فؤاد ما فاضليش غيره، خلاص هعمل اللي انتم عاوزينه بس محدش يقربله حتى لو هتجوز....!!! 


❈-❈-❈


أمر سراج تلك السيدة أن تتبع إياه للداخل عند وصولهم السرايا، اكتفت بهز رأسها بطاعه و دخلت وراءه وهي تجذب اولادها الاثنين معها، بينما هو ما إن ولج للداخل حتى أغلق الباب خلفهم فأمسك أخيه الصغير من معصمه و جذبه نحو الأريكة ليسقط بقوه، وهو يردد بصوت غاضب 


= ادخل يا سبع البرمبه عاجبك اللي عملته ديه والمصيبه اللي كنت هتلبسنا فيها، جبت السلاح ده منين ومنين جاتلك الجراه تعمل أكده ده انت لسه ما كملتش ١٧ سنه راح تقتل! 


لوى ثغره ليتكلم في حدة طفيفة وكانه لم يخطأ 


= بعد عني يا سراچ امال كنت عاوزني اعمل ايه وانت مش راضي تاخد بتار اخواتي اقف اتفرج عليك، وبعدين عشان تعرفوا كلكم ان انا راچل فعلا واقدر اعملها .


أبتسم بسخرية وهو يسأله بتحدي منفعل


= وما عملتهاش ليه يا فالح ده انا لسه جايبك من تحت أيدهم بالعافيه وبسببك بيتي ممكن يتخرب، ناقصين احنا مصايب وبلاوي عاد.. مش كفايه اللي عندنا تعرف وضعنا كان هيكون ايه لما تروح انت كومان مع اخواتك وانا اقف اخذ عزاءك ونترحم عليك. 


اغتاظ من إهانته المبطنة والتحقير من شانه، فصاح بعبوسٍ


= هم اللي خدوني على خوانه لكن انا كنت هعملها.. وبعدين انا ما قلتلكش تعالي الحقني ولا تتجوز من عندهم عشان توقف التار 


دفعه من كتفه ليمر وهو يغمغم في صبرٍ شبه نافد


= انت كومان ليك عين تتكلم، اطلع فوق و مش عايز اشوف خلقتك كفايه البلاوي اللي هتدبسني فيها دلوقيتٍ.. يلا على فوق وما تفكرش نفسك كبرت عليا انا غصب عنك هربيك من اول وچديد وكلمتي هي اللي هتتسمع. 


في تلك اللحظه هبطت فردوس من الأعلى، و

اعتراها الفضول فسألته بحاجبين معقودين بحده 


= في ايه عمال تزعق في الواد اكده ليه عملك ايه ومين الهانم اللي وراك دي كومان؟؟. 


أسرع وقتها فؤاد يتحدث بتحدي 


= دي مراته الچديده اتچوزها عشان يخلي في نسب بينا وبين عيله البدري عشان يقفل على حكايه التار.


أعتقد الاثنين أنها ستثور بعد معرفتها بذلك الخبر لكنهم تفاجئوا بها هادئه للغاية وبدأت تنظر إليها بتقييم ثم تساءلت باهتمام كبير 


= برده عملت اللي في دماغك ويعني اتجوزت دلوقيتٍ عادي و زمان كنت بتحايل عليك  مش راضي لأجل خاطر السنيوره بتاعتك، هم العيلين اللي معاها دول تبعها انطقي يا بنت انتٍ دول ولادك فعلا وانتٍ خلفتك صبيان؟. 


هزت رأسها بالايجاب وهي تردد مبتسمة بفخر


= ايوه يا حچه فردوس دول ولادي! وكان معايا كومان اتنين بس الله يرحمهم وكانوا برده صبيان..و كل عيلتنا اكده اصلا بنخلف صبيان بس .


لحظتها أحست فردوس بالنشوة والابتهاج وفكرت بشئ ستفعله بأي طريقة، ثم لاحت ابتسامة عريضة على محياها وهي تخبره


= زينه مش بطاله على الاقل ارحم من حكايه الكفن ديه، وبالمره ممكن هي اللي تجيبلك الواد اللي نفسي فيه.. ساعتها ممكن افكر في حديدك واصرف نظر عن حكايه التار دي .


عقد فؤاد حاجيبة باستغراب وهو يقول بعصبية


= امي انتٍ بتقولي ايه بقولك دي من عيله البدري اللي المفروض نقتلهم مش نناسبهم.. وانا اللي فكرتك هتقوليله طلقها ويرجعها بيتها تاني وأننا لسه محروقين على اللي ماتوا 


فما كان من سراج إلا أن فقد هدوئه واندفع تجاهه في عصبيةٍ، ليقوم بدفعه دفعًا إلى الدرج وهو يهتف بحمئةٍ


= هو انا مش قلتلك على فوق ولا عاوز تضرب تاني، وانتٍ يا تهاني تعالي خديها وطلعيها فوق في اي اوضه من اوضه الضيوف و اسمعوا كلامي بقى وبطلوا مناهده.


هزت زينب كتفيها متمتمة وردت في طاعة


= حاضر يا سي سراچ.


ظل فؤاد مكانه غاضب من رده فعل أمه وأخيه، لتقول فردوس بلهجه أمر حاده


= اسمع كلام اخوك واطلع فوق وما تتدخلش ثاني مره في كلام الكبار.. وبعدين لسه حسابي معاك لما افهم من اخوك اللي خلاه يتچوز و انت راچع معاه ليه؟ عشان لو اللي في بالي صوح هتاخد مني علقه كيف زمان عشان تعرف تتصرف من دماغك حلوه.


صعد بالفعل بخزي فكل يوم تثبت له بأنها لم تثق فيه ابدأ بيوم لكن كانت تستخدمه إلا مجرد وسيله لا أكثر لأجل اغاظه اخيه الكبير.


مطت شفتاها للإمام فاستغلت الفرصة كحرباء متلونة ونجحت في استثارة حفيظتها بقولها المسموم


= ما تيلا يا عريس انت كومان اطلع لعروستك مش عايزين نضيع وقت وهاتلي الواد وانا كيف ما وعدتك هفكر اصرف نظر عن حكايه التار ديه بس تجيبلي واد من صلبك كيف ما كان نفسي وبحلم.


نفخ عاليًا وقد فهم ما تقصده بكلامها المتواري

فأجابها ساخراً 


=بتسوميني يعني ياما؟ طب عشان اجيبها لك من الناهيه اللي فوق دي هتكون كيف الضيفه أهنأ وانسي انها مرتي، ست الدور اهنا غاليه وهي الكل في الكل كيف الأول واكتر.. وانا اضطريت اتچوزها عشان فضلتي تشعليلي في ودن فؤاد يجيب حق اخواته واهو راحلهم وانا لحقتوا من ايديهم بالعافيه وكان لازم اتچوزها عشان يسيبوه.. فبطلي بقى عشان انا وانتٍ فاهمين كويس ان انتٍ بتستخدميه ضدي عشان تخليني اتحرك وانا اللي اخد التار لكن بسببك كان التالت هيضيع النهارده ولسه برده بتفكري في الانتقام.


كل ما فاه به أوحى بإدانة ملموسة ولكنها تظاهرت بأنها لم تكن متورطة في الأمر برمته، وأشاحت بوجهها للجانب هاتفه بسخط مستفز 


= كان هيضيع بسببك انت مش بسببي! انا ما عارفاش اعملك ايه تاني عشان تتحرك وتجيب حق اخواتك، بس اللي فوق ده حسابه معايا 

عشان أنا ما قلتليش يروحلهم، بس زينه حكايه النسب دي كيف ما فكرتش فيها من الأول ما انا في الحالتين نفسي انك تتجوز من زمان وتجيب الولد .


مسح علي وجهه بغضب مكتوم هاتفا بوجه غائم التعبيرات


= هو انتٍ بتنسي بسرعه، انا مش بخلف و بنتي الوحيده اللي ربنا رزقني بيها چايه بسبب عمليات الحقن المجهري غير اكده كان عمري ما هكون اب.. يعني سواء قربت منها ما قربتش مش هخلف منها، غير دلوقيتٍ فهمتك هي وضعها أهنأ ليه؟ وانا مش متجوز غير غاليه . 


ردت بامتعاضٍ، ونظرة ساخطة تطل من عينيها


= ما خلاص وجعت راسي بغاليه بتاعتك دي، هم الدكاتره هيتدخلوا في حكم ربنا كومان ولا ايه ما يمكن ربنا ينفخ في صورتها لما تقرب منها وتحمل من غير عمليات و لو لازم الامر جرب تعمل كيف ما عملت مع غاليه، يمكن حتى بالطريقه دي تحمل وتجيبلنا الولد والبنت باين عليها خلفتها كلها صبيان يعني لو حملت هتجيب الواد من اول مره. 


استشاط غضبًا من قولها المستمر باصرار حول إنجاب الصبي، فهدر صارخة بانفعال 


= محروق أبو الواد اللي وجعي دماغي بيه انتٍ ليه ما عاوزاش تفهمي وقافله عقلك، غاليه ما عندهاش اللي يمنع انا اللي عندي زفت عيب، وانا برده اللي قلت مكتفي ببنتي ومش هنعمل عمليه تانيه.. وبرده عماله تلفي وتدوري وتتحددي كأني غاليه هي اللي فيها العيب مش العكس وهي اللي مستحملاني . 


كادت أن تتحدث فحذرها بسرعه بصوت جاد متعباً من الجدال معها


=خلصت ياما وسيبيني في حالي انا خلاص جبت أخري منكم ومش طايقه اسمع لاي حد كلمه ولا نفس وكفايه اللي حصل.


تأملته بنظراتٍ شبه مغتاظة وردت بلا أدنى ذرة تعاطف


= خلاص يا ولدي هدي حالك واستهدى بالله واطلع لعروستك الچديده ممكن هي اللي تلاقي راحتك معاها وتعرف تغير مزاجك .


فقد آخر ذرات تحمله فانتفض يتحرك بتعصبٍ في السرايا باحث عن زوجته هادر بانفعال


= الصبر يا رب من عندك، غاليه يا غاليه هي فين دي كومان ما بتردش ليه .


أراحت ظهرها للخلف في مقعدها وقالت بخبثٍ قاصدة بذلك إشعال فتيل الكراهية بينهما


= هو انت ما تعرفش خدت حاجتها وبنتها و طلعت على دار ابوها من غير ما حد يكلمها ما لو كانت لاقيه اللي يحكمها صوح ما كانتش سابت الدار من غير اذنك لكن هنقول ايه.


❈-❈-❈


قامت في رأسها عواصف الأفكار المحيرات حينما سمعت باب منزل والدها يدق، فقامت لتفتح الباب وهي على علم جيد من الزائر بذلك الوقت، ففتحت له وعلقت غالية باقتضابٍ وبوجهٍ ذي ملامح متجهة لتقطع عليه سبل التودد إليها


= نعم يا ولد عمي چي في ساعه كيف دي ليه وعاوز ايه؟ ما يصحش تسيب عروستك لوحدها روحلها احسن حد من اهل البلد يشوفك وتبقى عيبه في حقك وحقها .


اقتضب زوجها جبينه، وهتف في شيءٍ من الغضب 


= انا قلت برده اكده أكيد هو ده السبب اللي خلاكي تسيبي الدار مع اني قبل ما امشي فهمتك وعرفتك أني لو عملتها هيكون غصب عني وليا اسبابي وبرده نفذتي اللي في دماغك ومشيتي.


رمقته بنظرة جامدة غير نادمة أبدًا على ما عقدت العزم عليه، وقالت في قهراً


= ما خلاص بقى هي اسطوانه حافظها على العموم ريح نفسك ما بقيتش اكل من الحديد ديه، يمكن زمان كنت بصدق اي كلمه تقولها لي وبصدق عشقك ليا كومان، لكن كل ديه راح في ثانيه من اول بس ما فكرت انك تتچوز عليا.. واديك النهارده كومان عملتها رغم انك وعدتني انك هتصرف نظر عن الموضوع طالما في وجع قلب ليا، عرفت مين فينا بقى اللي بيخلف في الوعود.


أطلق زفرة بطيئة من جوفه وعقب بلهجةٍ شبه منزعجة


= يبقي تترزعي في دارك وتستني لما ارچع و تفهمي انا عملت اكده ليه، وان طالما قلتي بنفسك انا وعدتك يبقى مش هيمنعني إلا الشديد القوي ان ارچع في كلامي.. وانتٍ عارفاني زين .


أحست بغصة قاسية تحز في قلبها، قاومت انعكاس تأثيرها عليها وحافظت على جمود ملامحها وهي تردد بحسرة 


= كنت عارفاك لكن دلوج إللي قدامي واحد ما اعرفوش مش ده اللي حبيته وعشرته سنين طويله.. مش ده إللي كان مستعد يبيع الدنيا كلها عشاني ولا عشان بس دمعه واحده من عيني ما تنزلش وابقي مكسوره.. لكن ادي كسرني وچاي كومان يجيب اللوم عليا أنا.. وقبل ما تحط مبرراتك ذي كل مره مش لاقيه ليك اي عذر للاسف يا ولد عمي.


نظر لها بنفاذ صبر ثم حذرها في جديةٍ


= طب تعالي نرچع دارنا وانا هناك هفهمك كل حاچه، واول واخر مره تعمليها يا غاليه وتسيبي دارك لاي سبب.


هزت رأسها برفض حزين قائلة بكرامةٍ وعزة نفسٍ عالية


= ما بقتش داري يا عمده بقت ملك واحده تانيه چايه تشاركني فيها وبعدين ريح حالك انا ولا راحه ولا چايه معاك ما فيش بعد اكده مكان واحد هيجمعنا انا وانت بعد اللي عملته.. يا أخي ده انا على اكده لو كنت انا اللي مش بخلف كنت زمانك عملتها من زمان بقى مش بقولك طلعت ما اعرفكش وبترسم عليا العشق 


أبد تعبيرًا ناقمًا وغاضب من عنادها فحذرها بلهجةٍ صارمة


= قلتلك قبل اكده ما تحاوليش تشككي في حبي ليكي، انا هو نفسه سراچ اللي كان بيحبك زمان وعشقك دلوج وما يقدرش يستغنى عنك.. بس غصب عني اتحطيت في ظروف كانت اصعب مني، والله على عيني اجرحك بس كنت مضطر.


صوته الحاني والمهتم جعل الرعدات تنبجس في أعماقها، كانت متعطشة لهذا الشعور المفعم بالامان والحب منه هو بالاخص فقاومت التخبط الذي يداهمها وحافظت على الحاجز الرسمي القائم بينهما، وخاطبته في نفس اللهجة الجادة


= بطل كدب انت من قبل اللي حصل دلوج وانت عرضت عليا الفكره وكانت في دماغك وانا قلتلك مجرد التفكير فيها بس كأنك عملتها بالظبط، ما بالك شعوري دلوج واللي حاسه بيه والنار اللي جوايا، جرحي كان بالنسبه لك عادي وانت استهونت بيه يا ابن عمي.. انا مش قادره أصدق معقول انا كنت مخدوعه فيك كل ديه؟ ده انا يا اللي كان نفسي في حته عيل من زمان حرمت نفسي لأجلك وقلت طالما العيل مش منك يبقى مش عاوزاه و عمري ما فكرت اسيبك ولا غيرك يلمسني.. تقوم انت تعملها اكده ببساطة على اهون سبب.


رفرف بجفنيه متأثرًا بقولها ليقول بصوت صادم


= أول مره تعايريني يا غاليه! ولا تقوليلي في وشي أن كان نفسك في العيال فعلا وانا كنت حارمك .


صممت للحظةٍ ونكست رأسها في حزنٍ قبل أن تجاوبه


= مش بعايرك ويتقطع لساني قبل ما أفكر اعملها، لكن بفكرك ان انا زمان صنتك كتير لكن انت ما شلتش الجميل.. 


ثبتت نظراته عليها وأنهي كلامه قائلاً بحسمٍ غاضب


= مش محتاچه تفكريني عملت ايه عشان كل حاچه كبيره وصغيره جوه عقلي متقيده، و جمايلك كلها فاكرها وشيلها فوق راسي يا بنت عمي تشكري.. وخلينا نقصر في الحديد طالما هنبداها أكده لبعض ويلا على الدار .


أكدت له بترفعٍ يحمل في طياته التهديد


= قلت لك ما بقتش داري وشكلك ما بقتش تسمع زين انا قلت مش هرچع الدار ديه..و أقولك على الكبيره كومان طلقني يا سراچ


استعدت للالتفاف، فاستوقفها بإنذاره القاسي


= طب تمام! طالما هي بقى وصلت لكده، فاستعنا على الشقي بالله وغصب عنك هتيچي معايا يا غاليه.


لم تدم طويلًا لتعرف ما الذي حدث في التو و كلمح البصر، أنحني يحملها بين يديه كما نجح كذلك في تحجيم حركتها بقواه الجسمانية، فأصبحت أسيرته تمامًا، حاولت غالية التملص منه وهي تصيح في ضيق


= بعد عني انت اتجننت هتاخدني غصب عاد.. بقولك اوعى نزلني البنت نايمه فوق 


انحنى عليها برأسه ليبدو قريبًا للغاية منها، مع نظرة مستمتعة مغيظة لها، وقبل ان تحاول الاعتراض مجدداً قاطعها بإصرارٍ وهو يرمقها بنظرة واثقة مملوءة بالغموض المثير


= مش هنزلك والغفير بره هبعته يجيبها، لكن مش مرات سراچ اللي تبات بره دارها بعيد عنه وهو يسيبها تمشي بدماغها حتى لو غصب وعافيه. 


❈-❈-❈


نظرت إلي معظم الأثاث حولها بملل شديد، فما زالت مستيقظه في انتظاره لكن لم يأتي حتى الآن! حتى أولادها جعلتهم يناموا مبكراً على غير العاده حتى تتجهز له الليله، لكن منذ أن خرج لم يعود بعد، فمن المفترض بان تكون ليلتها هي اليوم، لتبدأ تفكر هل هذه مكيده من زوجته الأولى ربما.


فسألت زينب نفسها مدهوشة بشيءٍ من الشك


= هو في إيه بقيلي كتير في الاوضه ومحدش عبرني ولا چي! هي من اولها أكده هتقوي عليا وتدبحلي القطه لع انا لازم من الاول اعرفهم انا مين أهنأ ووضعي بقي ايه.. ده انا بقيت مرات العمده مش حاچه قليله يعني .


وقبل أن تكمل تفكيرها المحدود حول ضرتها استمعت الى أصوات بالخارج تدل على عودته، فنهضت على الفوري لتخرج بعد أن ارتدت الروب المحكم فوق جسدها.


جذب سراج غالية رغم عنها وهو يقول بلهجة حادة بأمر 


= تعالي بقى وبطلي عند احنا خلاص وصلنا أصلا، وبعدين فاكره اني هسيبك تباتي بره بعيد عني. دي ما حصلتش عمرها ولا هتحصل.


وقبل أن يتكلم أحد استمعوا الى صوت رقيق أنثوي يأتي من فوق الدرج 


= يا عمده.. يا سي سراچ 


تركزت عينا غالية على تلك السيدة التي راحت تتمايل بدلالٍ مع ثوبها المثير لتشعر بالغيظ الشديد والغيره منها، بينما هتف الآخر مصدوم 


= ايه ديه انتٍ لسه صاحيه.. احم محتاچه حاچه يا زينب ؟!. 


انقلبت سحنتها وتعكر مزاجها وهي تردد بصوت جريئة


= إلا محتاچه حاچه هو مش النهارده برده دخلتنا انا بقيلي كتير مستنياك ونيمت العيال من بدري، بس شايفاك واقف مع اللي ما اعرفش اسمها ايه دي! بس لازما تكون عارفه وفاهمه ان النهارده ليلتي ولازم نقسمها بما يرضي الله وانت معروف عنك انك حكيم وعادل يا عمده.


استشاطت غالية غضبًا من كلماتها، وهتفت بسخرية طفيفة 


= ما ترد يا عمده الهانم مستنياك وبتقولي في وشي اللي اسمها ايه دي لازم تكون عارفه أنك هتقسم الليالي بينك وبيني..و يا ترى انا هكون كام ليله يا عمده ما انا القديمه برده ولازم تكرمني مش اكده؟!. 


اتسعت عينا سراج من جرأتها بالحديث فلم يتوقع طلبها ذلك ابدا، فأبد تعبيرًا مشمئزًا قبل أن يسمعها تهتف مجدداً بجدية 


= بس المفروض انا الچديده برده ولياليه هتبقى اكتر في البدايه.. وبعد اكده يبقى نقسم 

ما بينا ثلاث ايام وثلاث ايام ويوم الجمعه هو ومزاجه يشوف هيقعد مع مين و إللي مزاجه بيستريح معاها اكتر.


اقتضبت غالية جبينها باستهجان وضحكت بلا تصدق مردده بتهكم 


= ده ايه العدل ده يا بنت لا ما فيش كلام بعدك مش اكده يا عمده ما تقولها هتقعد اليوم الزياده مع مين.. عشان انا فاضلي ثانيه و هقوم اجيبها لك من شعرها ولا هحترم انها ست كبيره عشان هي مستفزه لا بعد حدود وهتطلعني عن شعوري وانا على اخري اصلا.


اندفعت زينب ناظرة إليها بنظرة ضيقة و

ردت ببرودٍ استفزها أكثر


= چري ايه يا اسمك ايه انتٍ ما تحترمي نفسك ايه ست كبيره دي! ليه يا اختي عندك كام سنه شكلك معديه الثلاثين اصلا ناقص كومان تقوليلي يا طنط كيف المصاروه.. و بعدين زعلانه ليه وحساكي بتتريقي اكده هو مش ده عدل ربنا برده وانا ولا بطلب حاچه عيب ولا حرام و من البدايه لازم تكوني عارفه ان انا ما افرقش حاچه عنك سواء چديده ولا قديمه انا مرات العمده.


ابتلعت غالية ريقها بصعوبةٍ وقالت بتعابيرٍ شاردة ونبرة مهتزة


= صوح انتٍ مراته وبقيتي كومان ما تفرقيش عني حاچه! شوف يا عمده هتقسمها معاها كيف وانا طالعه أشوف بنتي اللي ما بقاليش غيرها أهنأ.


مسح علي وجهه بضيق شديد وزفر معللًا لها رغبته


= استني يا غاليه كلامنا لسه ما خلص، وانتٍ يا زينب اطلعي دلوج عشان الوقت اتاخر وانا بكره هفهمك كل حاچه .


تمسكت باعتراضها قائلة بغضب مكتوم


= بس انت اكده بتظلمني يا عمده المفروض الليله تكون معايا انا، هي من أولها هتحرضك عليا وتخليك تنسى شرع ربنا و...


لم يمهلها الفرصة للاعتراض أكثر وقاطعها بصوتٍ حاسم وملامح صارمة


= زينب خلص الحديد على فوق! وانا محدش يقولي اعمل ايه وما عملش ايه وكلامي من دماغي.. وقصري في يومك وما لكيش دعوه بيها هي بالأخص لو عاوزه تكملي أهنأ.. يلا علي فوق ومش هعيد كلمتي تاني.


❈-❈-❈


رفرفت بجفنيها انسكبت عبراتها على صدغيها، لتبكي في صمت مقهور تأثرًا الآخر بحزنها الجلي ليظهر تعاطفًا منه فربت على ذراعها في رفقٍ وهتف بنبرة هادئة 


= أخويا فؤاد كان عندهم يا غاليه بسبب كلام امي اللي عماله تشعلله ضدهم وتشحنه خليته يتهور زيها وكان هيضيع، وكان قصاد ما هما يسيبوه سليم وما يروحش مني ان اتجوزها ويكون في بيننا نسب.. كنتي عاوزاني بقى اعمل ايه وانا محطوط بين نارين اكيد كان لازم اوافق بدل ما أخويا يروح مني .


سرت خفقة غريبة في قلبها بخوف من القادم فقالت بقهر وحسرة


= هي بتتكلم صوح على فكره ما ده شرع ربنا صحيح مش انت اتجوزتها وايا كان السبب بقى ليه فا للأسف مضطر تعملها اللي هي عاوزاه وتعاملها كيف مرتك، عرفت بقى انا ليه رافضه الموضوع من البدايه وبقولك انت ظلمتني!. 


عندها تكلم مرة أخرى في صوتٍ هادئ لكنه جاد


= انا هفهمها كل حاچه كيف ما قلتلك اول مره وصدقيني يا غاليه وخديها وعد مني المره دي بجد انا مش هقربلها تحت اي ظرف! وهفهمها أنها هتكون اهنا كيف الضيفة واختي كومان .


زحفت الدموع إلى مقلتيها حتى بدأ وجهه مشوشًا في عينيها تجاهلت ما قاله وهتفت بصوت ساخراً بألم 


= ما هي قالتها لك طول عمرك عادل يا عمده وانا اكتر واحده عارفاك حتى لو علي حساب أهلك، هتقدر تشيل ذنبها وترفض اللي هي عاوزاه وانت متاكد انه حقها.. 


صمت دقيقة بتوتر ثم تكلم في صوتٍ رزين بأمل 


= لو هي قبلت بحديدي يبقى اكده معليش ذنب يا غاليه وان شاء الله هحاول اقنعها بكده.


ابتسمت بسخرية مريرة وهي تردد بصوت حزين


= وفكرك هي هتوافق اللي كانت واقفه مستنياك دي واحده مش هتتنازل عن حقها فيك، دي بكل جرأة قالتها لك انها عاوزاك ما استنتش تيجي منك.. الله يسامحك يا سراچ حطيتنا في موقف صعب وهتشيلنا ذنب احنا مش قده ومن ناحيه تانيه متاكده انت نفسك مش هتقدر تتحمل الذنب ده وهتخلف وعدك ليا لتاني مرة. 


زفر سراج الهواء عاليًا فتنفس من بين أسنانه ببطءٍ وهو يقول بجدية 


= لا يا غاليه مش هيحصل ورحمه ابويا و كل الغاليين ما هعملها واطمني وخديها مني كلمي، وحتى لو رفضت كيف ما انتٍ بتقولي هشوف اي حاچه اعملها غير أني اوجعك تاني! وهي يعني اكيد مش هتقبل على نفسها واحد مش عاوزها.


لوت شفتاها بعدم رضا وقالت باكية بحسرة


= مش عاوزه اقولك كان الحل قدامك التاني لا تزعل وتتلوي عليا، وخصوصا أن خلاص بقيت مرتك وليها حقوق عليك ودلوج كومان بتطالبك بيها.. وخلاص قصاد هيبتك اللي خفت تتهز في داهيه انا. 


أطرق رأسه قليلًا ليبدو أقنعها قبل أن يقول بصوتٍ تحول للنعومة


= يا غاليه ما تقوليش اكده عشان خاطري انتٍ ليه حاسباها اكده يمكن لو ما كانش اللي اخويا عمله كنت هلاقي حل ثالث خالص، لكن انا اتحطيت في موقف صعب وكنت مضطر كيف ما فهمتك من شويه... ولو الحل ديه كان في دماغي ما كنت عملته اول حاچه لما اتعرض عليا.


سحبت نفسًا عميقًا لتعيد الهدوء إلى أوصالها، ثم تابعت وكأنها تعطيه تحذيرًا شديد اللهجة


= ما اتعودتش منك تكدب يا سراچ عشان انت أصلا قبل اللي اخوك عمله كنت فتحتني في الموضوع وبتلمح.. وعاوز تعرف رايي فيه لكن لما لقيتني رفضت رجعت وقلتلي خلاص انسي ولا اكني قلتلك حاچه ومش هعمل اكده بس عملت .


سقط القناع الواهي الذي اختبأ خلفه وطفا على وجهها التخبط والارتباك، وقال بضيق 


= ماشي مش هنكر أن لما الكل فضل يضغط عليا بالحل ده وعرفت انها ست كبيره مش عيله صغيره هظلمها معايا ومش هيكون ليها طلبات في ذمتي كتير.. فكرت في اللي قلتلك عليه ان انا اجيبها أهنأ ونتفق معاها وان اي حاچه غير اكده هعملها لها.. لكن بعد اكده والله العظيم رجعت في كلامي فعلا لما شفت قد ايه حزنتي لمجرد كلام بس.. لكن بعد اللي اخويا عمله خلاني غصب عني اوافق . 


ساد ملامح الحزن والتهكم عليها قبل أن تعلق بصوتٍ شبه مختنق


= واهي طلع ليها طلبات برده، وهو ده اول حاچه فكرت فيها واللي ما نرضاهوش على نفسنا ما نرضاهوش على غيرنا يا أبن عمي.. عشان احنا مش قد الذنب ده ما كانش لازم من البدايه نفكر فيه ولا نعمله.. فشوف هتحلها 

كيف.


شعر بأنها محقه لكن الأمر حدث وانتهي، ليحاول رسم الهدوء والثبات وهو يردد بصوت عذب 


= خلاص يا غاليه بطلي وجع دماغ قلتلك هحلها واحاول اقنعها.. ما تقلقيش عمرها ما هتكون زيك أهنأ ولا في قلبي والمفروض تكوني اكتر واحده عارفه أكده وانا عاشقك قد إيه يا بنت العم .


استسلمت مصدقة عذب كلامه وقالت بصوتٍ مهموم


= خلينا في الفعل وشوف هتعمل معاها ايه؟ بس حاچه اخيره يا سراج لو وعدك التاني خلفته معايا هتطلقني والمره دي ما فيهاش رچعه.. عشان انا ما استاهلش اكده منك وما فيش أي حاچه عملتها معاك وحشه تستحقي توجعني بالطريقه دي.. وكفايه اللي استحملته معاك كتير فما تجيش على آخر الزمن تبقى هي دي اخرتها .


نهضت فجأة وقد توقفت عن ذرف الدموع لتبدي له نواياها تجاهه وختمت كلماتها ثأرًا لكرامتها قائلة


= تصبح على خير يا ابن عمي.. وانا الليله دي هبات جنب بنتي ويبقى يحلها بكره لما أشوف رأي العروسه.


الفصل الرابع 

_________________


فاقت كامل توقعاته حين اعتقد أنها مجرد امرأة عادية ليس لها طلبات كثيره وسوف توافق على ذلك الاتفاق دون اعتراض، فعندما اخبرها بنواياه ورغبته في عدم لمسها وان توافق على هذا الأمر أيضاً حتى لا يشعر بالذنب تجاهها، وجدها بدأت تصيح في بعصبية


= يعني ايه الحديد ديه يا عمده؟ يعني ايه هفضل أهنأ كيف الاخوات بالظبط وما ليش حقوق عليك! بس ده ما كانش اتفاقك مع الشيخ مؤمن لما جيت اتجوزتي.. انت اكده بتغير كلامك.


كان الآخر في أوج ضيقه، كز على شفتيه محاولة كبت ما ينتابه من خانقة الانزعاج و بالكاد سيطر على نفسه ورد بهدوء زائف 


= انا ما قلتش من البدايه حاچه عشان اغيرها يا زينب وحسبي على حديدك معايا وافهمي قصدي، اي حاچه هتحتاجيها انتٍ وعيالك في ظرف ساعه هتكون عندك.. وانتٍ أكيد شايفه الوضع اللي احنا فيه وأننا اتجوزنا مضطرين عشان نوقف الدم اللي بين العيلتين ومحدش يروح فيها تاني. 


زفرت الهواء سريعًا لترد بعدها على مضضٍ


= عارفه كل ديه بس اللي فهماه دلوج اكتر ان انا مرتك وليا حقوق عليك كيف الهانم اللي خدتك مني امبارح.. ولا هي دي بقى اوامرها؟!. 


انعكس الحنق على تعبيراته وتجهمت نظراته وهو يقول بصوت جاد 


= غاليه ملهاش دعوه بحديدي معاكي، زينب هو انتٍ لو كان چوزك الله يرحمه جايلك و قالك عاوز اتجوز عليكي رده فعلك كانت هتكون ايه؟ ما تردي مش هتزعلي زيها وتضايقي وهتهدي الدنيا .


راقبته في غيظٍ شبه مكبوت وهي تخاطبه في عدم رضا 


= عاوز تقول إيه يا عمده ما في النهايه انا مرتك وليا حقوق عليك وما يصحش اللي انت بتطلبه مني ده، وانت طول عمرك الكل بيحلف بعدلك وحكمتك چاي لحد عندي وتظلمني ليه 


مسح علي وجهه بضيق شديد وقال بملامحٍ جادة للغاية وبصراحه 


=استغفر الله العظيم، عشان انا بحب غاليه لا بعشقها كومان من ونحنا عيال صغيرين ومش عايزه اعذبها معايا ولا اوجعها واكيد حاچه كيف اكده هتكون صعبه عليها وانتٍ ست وعارفه.. وفي نفس الوقت مش عاوز اشيل ذنبك وهي ما تستاهلش مني اكده يا زينب هي عملت معايا حاچات كثير عمري ما حد يتخيلها.. وجميل عمري ما هنساه لك لو فعلا عافيتي عن حقك ده وقلتي مسامحه ومتنازله

عنه. 


ارتفع حاجبها للاعلي قليلاً بحنق قبل أن ترد قائلة بتحدي وهي تقوس فمها في شيءٍ من التبرم


= بقي أكده؟ طب انا مش مسامحه ولا متنازله عن حقي يا عمده.. ومحدش ضربك على ايدك تيجي تتجوزني صوح ولا انا بتحدد غلط وانت أكيد عارف ان طالما اتجوزنا يبقى ده لازم هيحصل بينا وهي كومان عارفه أكده يبقي ما تمنعكش تقرب مني.


حدجها بنظرة نارية وهو يهمهم في صوتٍ مقلقة 


= وبعدها لك يا زينب بتصعبيه عليا وعليكي ليه؟ افهميني غاليه ملهاش دعوه انا نفسي اللي مش هقدر على اكده وعشان خاطري اعفيني عن الموضوع ده، وكيف ما قلتلك اي حاچه تاني تطلبيها مني هعملها لك حتى ولادك هعتبرهم كيف بنتي بالظبط ومش هقصر معاهم في حاچه.


لوت ثغرها باستهزاء ثم تعهدت بعزيمةٍ وهي تنتصب بكتفيها في كبرياءٍ ورفعة نظراتها تصبو إليه بتحدي 


= لا مقصر يا عمده ومقصر في حقي كتير كومان! لان انا مش هتنازل ولا هعفيك عند الأمر ده وهفضل اطالب بحقي فيك.


❈-❈-❈


تنهد يغمض عيناه بارهاق فقد تعب حقا من التحدث حول ذلك الوضع دون فائدة، وكل

ما أصبح يريدة هي ليشعر بالراحه معها لكنها ليس بوضع يسمح لها لاحتوائه، وهو لم يضع في الحسبان أنه بذلك يحزن زوجته، ود لو عاد به الزمن للوراء ولم يفعل ذلك لربما آنئذ نال رضائها وكلمة حنونة منها بذلك الوقت! ليقول بصوت مرهق 


= هحاول معاها تاني اكيد هتوافق، ومش هترضى بحاچه كيف اكده على كرامتها.


تحول نظرها عنه وراحت تلومه بشدة لأنه انساق وراء ذلك الحل وتزوج بغيرها دون التفكير فيها، فنفخت في سأمٍ وهي تقول بنبرة مقهورة 


= ما بكفيك بقى يا سراچ هو انت كل مره هتقعد تاكلني بالكلمتين دول! انا مش متفاجئه على فكره من رده فعلها وقلتلك هي مش هتتنازل عنك واهي جابتها لك على بلاطه عاوز ايه اكتر من اكده.


أطلق زفرة طويلة من رئتيه محملة بكل الرجاوات والآمال ليردد بعدها بارهاق


= غاليه انا مش ناقص ما انا بايدي ايه اعمله اكتر من اكده وما عملتوش! قلتلك خليكي متاكده ان مهما يحصل مش هقرب لها.


سحبت نفسًا عميقًا لتثبط به نوبة البكاء الوشيكة التي تهدد بمهاجمتها، وردت بصوتٍ مختنق


=وانت حتى لو ما قربتلهاش اكده خلاص ما جرحتنيش ما خلاص اللي حصل حصل، و بقيت علي ذمتك والنار ادت جوايا وبقيت بين نارين ولا قادره احيمي على نار غيرتي و وجعي منك ولا من احساسي بالذنب وانا حاسه نفسي واحده ما عندهاش احساس وهي بتقف تمنع شرع ربنا.. فكرك حتى وانا محروقه منها مش خايفه من ربنا .


سكت ولم يقل شيئًا، فاستأنفت وهي تضع ابتسامة حزينة على محياها 


= ليه يا سراچ عملت فينا اكدة، ليه حطيتنا في الوضع كيف ديه بقينا ولا عارفين نحل ولا عارفين نربط.


تقدم منها يحتويها بين ذراعه، و لامس بشفتيه جلد عنقها فلفحتها حرارة أنفاسه وتضاعفت رجفتها حين همس لها بشوقٍ آخذٍ في التعاظم


= خلاص يا غالي حقك عليا، انا اللي ورطتنا وانا إللي هحلها برده سيبيني أفكر فيها واكيد هنلاقيلها حل.. و انتٍ ما تتعبيش نفسك ولا تحملي نفسك ذنب.. عشان خاطري كفايه بكي 


شعر بالحزن لأجلها، ليمد يده يسحبها من خصرها يضمها له ونظر لها بإبتسامة متكلفة

تأمل جمالها بوله و رفع كفه يمررها على عنقها مستلذ بإقشعرارها فأراد خوض وقت ممتع معها حتى ينسى كل الامه وأحزانه كعادته بين ذراعيها لكن لا يعلم بأنها لم تعد كما هي! حبيبته التي كانت بانتظاره دوماً مهما كان الوقت ومهما فعل تسامحه وتغفر له فهذه المره غير حقا، وبدأت بالفعل تردد باعتراض 


= لع أبعد، مش وقته.. وما عايزاش . 


ساد التجهم على تعابير وجهه بصدمة مؤلمه من رده فعلها، ليتحدث بنبرة قاسية 


= بتبعديني عنك يا غاليه، للدرچه دي مش طايقاني ولا طايقه لمستي ليكي! بعد ما كنتي بتدوبي بين ايديا وبتبقى ملهوفة عليا دلوج بتبعدي وقرفانه مني لما بقربلك !!


دفعته في صدره وهي تصرخ بجنون وفقدت سيطرتها علي اعصابها


= انت شايفنا في ايه ولا في ايه وبعدين انت بتزعقلي ليه ما انت السبب فاللي انا ابقى اكده، بتلومني وبتجيب الحق عليا دلوج وأنت رحت تتجوز عليا، لحد ما بقيت مش طايقاك ولا طايقاه نفسي حتي ولا تلمسني.


اظلمت عينيه ولمعت ببريق مخيف بعدما طعنته في رجولته وكبريائه ليقول بصوت مؤلمة 


= يااه خلاص كرهتيني وكرهتي قربي منك، 

وبقيت وحش جوي أكده في نظرك! ماشي يا غالية بس خليكي فاكره انك لو فضلتي اكده يبقى بتبعدينا عنك و هتخسريني كومان .


ردت بعتاب وهي تقاوم زحف الدموع إلى مقلتيها


= وانت لما رحت اتجوزت عليا اكده ما خسرتنيش... ما تقلبش الترابيزه يا سراچ وانت السبب فاللي احنا فيه .


تنهد بضيق رجل عاشق ثم صرخ هادراً بجنون


= هو انا رحت اتجوزت واحده بحبها ولا برضايه حتي ما انتٍ عارفه اللي فيها، ومع ذلك برده اللي في دماغك في دماغك! وانا عمال اقول لنفسي استحمل ماهي معاها حق ما تبقاش عليها انت كومان وعامل ادادي واكبر دماغي لحد ما اديكي بتقوليها لي في وشي، يبقى مين دلوقيتٍ اللي بيخسر التاني.


جفائها القاسي أزعجه للغاية، فأبتسم بسخرية مريرة وخرج من جوفه صيحة مليئة بالشوق 


= انا كل اللي كنت محتاچه منك كيف كل مره تكوني جنبي وتفهميني وتطبطبي على وجعي مش تكوني انتٍ اول اللي يقف قصادي و تعانديني وتتعبيني زيهم! هو انتٍ معقوله مش حساه بالتعب والوجع اللي انا بقيت فيه طول الوقت وانا مش عارف الاقيها منين ولا منين، والكل عمال يضغط عليا وبقيت انتٍ أولهم.


انحشر صوتها وهي ترد بنبرة مهتزة


= معلش يا أبن عمي مش عارفه أمثل عليك واخدك في حضني وانا شايله منك، كيف ما كنت زمان بطبطت واكبر دماغي واجي على نفسي واستحمل وفي الآخر إيه اللي خته منك غير الغدر .


رفع حاجيبة للاعلي باستنكار وقال بصوتٍ مال للانكسار


= تقصدي موضوع الخلفه هو اللي استحملتي مش أكده، بتعايريني تاني يا غاليه! انا مش هفضل اعدي غلطاتك اللي ما ينفعش تعمليها كثير مهما عملت معاك.. وصدقيني لو فضلتي اكده هتندمي. 


وقفت تلهت بتوتر وصدرها يعلو ويهبط بعنف وهي تدمع بندم علي ما تفوهت به بعدما لمحت نظرة الألم والانكسار داخل مقلتيه، وفي التو أبدت ندمها قائلة دون تفكيرٍ


= انا ما قلتش اكده.. وما اقصدش حاچه واحده في حد ذاتها 


أبعد يديها قائلًا بجفاءٍ مريب قبل أن يستقيم واقفًا


= مش محتاچه تعرفيني عاوزه تقولي ايه خلاص وصلت يا بنت العم.


سقطت أرضا تبكي بنحيب وحسرة بعد رحيله وهي لا تعرف كيف تسيطر على غيرتها وحزنها منه، وبنفس الوقت لا تجرحة فيسيظل عشقها الأول والأخير مهما فعل !!. 


❈-❈-❈


بابتسامةٍ صغيرة وملامح وديعة تحركت زينب 

لتقف على عتبة باب المرحاض تنتظر انتهائه من غسل يديه لتعطيه المنشفة القطنية النظيفة ليجففهما بها بعدما تناول الطعام ورأت كيف انشغلت غالية في حمل باقي الطعام للمطبخ واطعام طفلتها الصغيرة.


فهي تفعل تعليمات والدتها عندما اخبرتها بأنه لم يقترب منها حتى الآن والسبب في ذلك غالية مثلما ما تعتقد وتظن! اقتربت بدلال وهي تردد بصوت رقيق مصطنع


= اتفضل يا سي سراچ الفوطه.


ألتفت للخلف ليتفاجا بها فتنهد بضيق مكتوم فكلما ذهب هنا وهناك يجدها أمامه، كانها تقول له انا الذنب الذي لم تستطيع الغفران منه إلا إذا لبيت النداء، سحب سراج من يدها المنشفه بخشونةٍ ونشف كفيه ليعيدها إليها

ورد في عبوسٍ


= شكرا يا زينب تعبتي نفسك ليه بس.


رغم جفاءه الواضح معها لكنها لم ترحل او تفقد الأمل وظلت مكانها وهي تهتف بعتاب وشكوى


= تعبك راحه يا سراچ، على فكره انا كنت عاوزه اعمل انا الوكل النهارده بس الزفت إللي اسمها غالية ما رضيتش وقال ايه أنت بتقرف تاكل من ايد حد غيرها، بس انا فاهمه كويس انها مش عايزه تخليني اقرب لاي حاچه في الدار اهنا، عشان تقولي ان انا ما ليش مكان.. أنت لازم توقفها عن حدها يا عمدة 


استدار سراج كليًا تجاهها، وهتف في صرامة


= زينب اتحددي كويس عنها هي ما غلطتش فيكي عشان تغلطي فيها.. وما يصحش أصلا تجيبي سيره حد ما غلطش فيكي بالوحش او بالحلوه وهو مش موجود.


هتفت محتجة بارتباكٍ عظيم وقد استندت بكفيها على صدره


= انا ما قصدتش يا عمده بس بشتكيلك منها هي اللي حطاني في دماغها مش انا، وبعدين ده بدل ما تقولها انا مرتك برده وليا حق زيها زيي أهنأ.


أبعد يديها على الفور واعترض عليها بصوتٍ وملامح هادئة


= وهي كومان أكيد ما تقصدش يا زينب هي بس مش عاوزه تتعبك، لان انا فعلا ما باكلش من ايد حد غيرها وبقيلي سنين طويله على اكده.


أخبرته بجرأةٍ صادمة له كعادتها وبما جعل قلبه يقصف كذلك فهي تلعب على الوتر الحساس ونقط الضعف لدي


= طب يا عمده طالما انت حقاني جوي اكده ومش عاوزني اغلط فيها وبتفهمني الغلط و الصح، مش عارف برده اللي انا ليا حق عليك ومن ساعه ما جيت اهنا و انت مش شايف غير غاليه وبس.. وانت اكده بتظلمني .


تحرج من تجرؤها وقال وهو يخفض رأسه بقله حيله 


= لا حول ولا قوه الا بالله ما انا فهمتك اللي فيها يا بنت الناس، يا زينب ريحي نفسك و ريحيني أنا مش هقدر على اللي انتٍ طالباه

ديه ومن مصلحتك بلاش لاني مش هعرف اعدل ما بينكم وانا بقولها لك اهو وصريح معاكي فبلاش تعلقي نفسك بيا.. بس جربي تطلبي اي حاچه انتٍ ولا عيالك انا هتكلف بيها كلها و كل طلباتك مجابه عندي.


انقلبت تعبيراتها للضيق من إصراره على عدم الاقتراب منها او الاعتراف حتى بانها لها حق عليه، لتردف بجدية 


= انت عارف زين انا عاوزه ايه يا عمده وهو الجوز بالنسبه لكم اكل وشرب وطلبات وبس... ما كانش حد غلب.. ما كنتش اعرف انك مش حقاني أكده يا سراچ على اهل بيتك.


في تلك اللحظه لم يكن يعلمون بأن غالية قد جاءت وتراقب ما يحدث بأعين مقهورة بغيظ، 

وتعالي صوتها الغاضب وهي تقترب منها 


= سراچ أكده حاف لا ده انتٍ خلاص فتحتي على الاخر.. بتعملي ايه أهنأ لما صدقتي انشغلت بره عشان تخشي تتسحبي لي مش أكده.


منحتها زينب هذه الابتسامة الماكرة وهي تخاطبها باستفزاز تام


= اتسحب! ليه اعوذ بالله داخله لواحد ما اعرفوش ده چوزي ويحق ليا ادخل واروح واجي قدامه براحتي واقوله كومان مشتاقه ليك ايه عندك مانع.


شعرت غالية بغيرة شديدة تجاه زوجها، حيث لم يكن يكفيها مجرد كلمات الحب أو العشق التي تشعر بها نحوه لذا، كان من الصعب عليها تحمل وجود امرأة أخرى أمامها تشاركها فيه حتى في أبسط الأمور بالإضافة إلى ذلك، كانت تلك المرأة تتحداها باستمرار وتثبت ملكيتها له، مما جعل غالية تشعر بالضيق والهم ولم تشعر بنفسها إلا وهي تشد قبضتها على ذراعها وكادت أن تضربها، بينما كان صوتها يحمل نبرة متهورة


= ده انتٍ مرا مستفزه طب تعالي بقى والله ما انا سايبك النهارده.


نظرت الأخري لها باستهزاء قبل أن تصيح بتهديد صارم


= اجي يا اختي وما جيش ليه مفكراني هخاف منك ده انا اللي على اخري منك ونفسي امسكك اديكي علقه.


تدخل سراج على الفور الذي انصدم برده فعل غالية ليقف في النصف وسطهم حتى يمنع ذلك الاشتباك، وهتف بعصبية منفعله 


= بس انتوا الاتنين هتتخانقوا قصادي كومان كل واحده على فوق يلا.. انتم هتبصوا لبعض يلا .


نظرت غالية الي سراج بدموع وهو لاذ بالصمت وتجنب النظر إلى عينيها نهائيًا حتى لا يضعف وترحل من امامه وذلك لأجلها ولاجله، وبالفعل رحلوا الاثنين. 


كانت اقتربت في تلك اللحظه والدته فردوس ونظرت إلى ازواج ابنها الراحلين بتأففٍ ساخراً قبل أن توجه كلامها لابنها صائحة بتذمرٍ


= مالك يا چوز الاثنين يعني حتى ولا قارد تحكم الأولى ولا الثانيه كومان، لو مش عارف تشد عليهم من البدايه سيبهم ليا وانا اربيهملك وبعدين ما هي معاها حق بصراحه هفضل كام مره اقولك اطلع بات معاها عشان تحمل وتجيبلي الواد.


حاد سراج ببصره عن أمه بسخطٍ ليردد بتجهم


= بالله عليكي انتٍ بالذات ياما ما فايقلك

اقولك على حاچه انا هسيبلكم السرايا كلاتها وهغور في داهيه.


❈-❈-❈


لحقها سراج إلي الاعلي وفتح باب الغرفة بحده جعلها تنتفض فوق الفراش بخضه و

اعتدلت في جلستها متسائلة بتوجسٍ قلق وهي تناظره من موضعها


= في ايه مالك داخل اكده ليه؟!. 


سحبها من ذراعيها بحده و هتف بصوته بلمحة استنكار


= عجبك اللي عملتيه تحت من ميتي وانتٍ متهوره اكده يا غاليه وبتغلطي؟ و ما بتعمليش احترام وانا واقف .


بلعت غصة مريرة في حلقها، فقالت بوجومٍ


=هو كل حاچه هتقلبها عليا وتغلطني، ماشي اعتبرني بقيت اتعلم منك التهور ديه كيف ما انت اتهورت واتجوزتها وخليتنا في الوضع ده.


حدجها بنظرة نارية وتعالي صوته العالية بتحذير قوي 


= غالية! ما تفتكريش عشان مرتي هسمحلك تغلطي واسكت وانتٍ بنفسك عارفه كويس وقلتيها ان انا مش بسمح بالغلط فلو عديت قبل سابق ليكي مش هفضل اكده على طول.. 

وكيف ما انا عاتبتها لما غلطت فيكي من غير ما تعمليلها حاچه انا كومان بعاتبك


افترت شفتاها مستنكرة و أصرت غالية على إيجاد المبررات لجفائها المتواصل، فقالت بضيق شديد 


= وانا كنت عملت ايه للهانم هي من اولها اكده بتدافع عنها وتيجي عليا عشانها، يا ترى بكره هيحصل ايه تاني.


تطلع نحوها بنظرة قاسية محتج على تصرفها فزفر الهواء بعمقٍ قبل أن يجيب عليها بجدية شديدة


= بتصرفك الغبي ده ضيعتي حقك لكن لو كنتي سكتي كان الغلط كله هيركبها هي و اعرف اخذلك حقك لكن لاول مره ما اعرفش ادافع عنك وفضلت ساكت، من ميتى وانتٍ بتردي اكده وانا موجود مش دايما بتسيبيني اخدلك حقك حتى لو من امي! ولا خلاص فعلا عشان ما بقتيش تحسي بالامان معايا قلتي اخد حقي بنفسي 


بهتت تعابيرها فحاولت التبرير له، فأفهمته بتلعثمٍ


= وانا عملت حاچه ما انا كل شويه الاقيها في وشي بتقرب منك و...


قاطعها سراج رافعًا يده أمام وجهها بلهجه شديده لاول مره عليها


=بصي يا بنت الناس أنا جبت اخري من وجع الدماغ ديه... و عاوز اللي تريحني، مش ناقص هم وقرف، فمن اهنا ورايح تاخدي بالك من تصرفاتك سامعة؟ وإلا هتلاقي رد مايعجبكيش!!


أذعنت أمام تحذيره القوي وردت في طاعة تامة وهي تدمع عينها بقهر


= ماشي حديدك يا سراچ اي اوامر تانيه .


تركها و زفر بيأس وعتاب منها قبل أن يرد قائلاً بصرامة حاده


= انا مش بديكي أوامر وبلاش اللهجه دي بينا! أنا بحذرك بس عشان ما تخربيش علينا، و نفسي تحكمي عقلك وتثقي فيا وترچعي غاليه بتاعه زمان بدل ما نخسر بعض بجد بس هيكون بسببك.


❈-❈-❈


بعد مرور أيام، ربتت تهاني علي كتفها بشكل حنونه وهي تواسيها متحدثة بعقلانية 


= بصراحه يا ست غاليه ومن غير زعل انتٍ بتتصرفي غلط مع الموضوع المفروض تحامي علي چوزك، وانتٍ شايفه واحده طول الوقت عماله تلف ونفسها بس تنول بصه منه لكن هو قلبه وعقله معاكي وكلنا عارفين اكده.


شعرت بالمرار وهي تشتكي وتقول بحسرة 


= غصب عني يا تهاني انتٍ لو حاسه بالنار اللي جوايا مش هتقولي اكده، انا كومان بحبه

وماليش غيره بس ولا قادره اصدق اللي عمله ولا قادره اتعامل مع الموضوع عادي.. سراچ كسرني جوي بعاملته دي حتى لو غصب عنه


تنهدت بعطف واشفاق عليها وقالت بجدية


= اللي حصل حصل خلاص يا ست غاليه، فـا اصبري لحد ما تشوفي سراچ بيه هيحلها كيف وعقبال ما ديه يحصل ما تديش فرصه للتانيه تاخده منك وتستغل الوضع اللي ما بينكم! هو انا برده اللي هقولك، ايه اللي چريلكم بس ده انتم كل الناس كانت بتحكي وتتحاكى علي قصه عشقكم لبعض ده اكيد شيطان ودخل ما بينكم.. استهدي بالله و روحي قربي منه قبل ما الفاس تقع في الراس ويحصل اللي خايفين منه.


حدجتها بنظرة مليئة بالخوف والقلق تفكر في حديثها لتدرك أن زينب تستغل أي فرصة لتقترب من زوجها عندما تكون بعيدة عنه، لكنها في كل مرة تعود وتواجه الوضع لكن ماذا سيحدث إذا لم تلاحظ ذلك من الأساس في مرة ما؟ نهضت وهي تهمهم في نفسها بغضب


= هي فين دلوج انا لما بتختفي من قدامي بقلق.. دي مش سهله.


❈-❈-❈


في مكان آخر، كان سراج نائمًا في غرفة المكتب ليأخذ قسطًا من الراحة من كل هذه الضغوط خاصة وأن الوضع لم يتغير. شعر بالانزعاج عندما أحس بشيء يتحرك على صدره وفكر للحظة أنها ربما غالية عادت إليه أخيرًا، ففتح عينيه بسرعة ليرى ما يحدث قائلاً بلهفة وأمل


= غالية!. 


جزت زينب على أسنانها وخاطبته بميوعةٍ وهي تحتضن وجهه بيديها


= لا زينب يا عمده و مرتك برده، وموجوده جارك وتحت امرك بس انت شاور بس وانت عمرك ما هتلاقي راحتك الا معاها.


تنهد بيأس وتعب وأبعدها عنه ليقف يهندم ثيابه التي تبعثرت بفعلتها عندما استغلت نومه العميق، لكن فجأة شعر بها تضمه من الخلف، كمحاولة غير مؤثرة منها لزرع وتيرة اللهفة مرغت وجهها في ظهره متسائلة في صوت ناعم


= انا واخده بالي أنها بقيلها كام يوم ولا طايقاك ولا انت طايقها، وانا عارفه زين انك في النهايه راچل واكيد محتاچ اللي تهتم بيك وترعاك وده حقك! وطالما عندك بدل الواحده اتنين فليه تمنع نفسك.. صدقني من بعدها هترجعلك ندمانه وتبكي بدل الدموع دم!. 


ابتلع ريقه بضيق و تأثر لكلامها عن غاليه، لكنه أبعد يديها بصعوبة مدمدمًا بلهاثٍ متلاحق 


= زينب آآ بعدي.. عني.


أطلقت ضحكة مائعه وتقلبت أمامه بخفه ودلال لتبدو أكثر إغواءً وهي تخبره بعد لحظةٍ من الصمت


= من قلبك الكلام ده يا عمده بذمتك انتٍ مش محتاجني؟ طب جرب تقرب وهيكون سر بينا احنا الاتنين ومش هقولها طالما يعني مش قادر عليها.. 


كانت تلعب على الوتر الحساس حقا، ليرد بانفعال


= زينب وبعدها لك قلتلك بدل المره الف رفضي ليكي من عقلي انا، أنا ما حدش طلب مني حاچه.. ولا بيمشي كلمته عليا.. وانا لو عاوزك فعلا هعمل أكده ومحدش هيمنعني.


اعتلى وجهها هذه الابتسامة الخطيرة الواثقة،

لتقف أمامه مباشرة وعادت تمسح بيديها على صدره باغواء مرددة بدلال خبيث 


= عارفه يا عمده طول عمرك راچل وسيدي الرچاله بس للاسف هي مش عارفه قيمتك الدليل انها سايباك بالشكل ده وهي عارفه قد ايه انك محتاج انا عارفه مين اللي قالك انها بتحبك وهي سايباك اكده حالتك تصعب على الكافر، بس انا موچوده بدل منها ايه رأيك.


شعر بتوتر وغضب تجاه غالية وحزن بسبب ابتعادها عنه بهذه الطريقة، مما جعله يشعر بأن كل مبرراته قد انتهت، بدأت هواجسه تتسلل إليه هل حقًا أحبته؟ إذن لماذا تتركه بهذه الطريقة دون أن تعاتبه أو تقترب منه لتداوي جروحه؟ هل يستحق منها ذلك حتى لو أخطأ؟ هل يجب أن يرد الخطأ بخطأ أكبر ويقترب من زينب لتتعلم كيف لا تتركه مجددًا في أصعب الظروف؟ أم يجب أن يبتعد عنها ويعود لنفس الدوامة دون حل؟


❈-❈-❈


ابتسمت زينب ابتسامة انتصار عندما لاحظت تأثير حديثها عليه وأخيرًا بدأ يفكر في كلامها واستسلم لفكرة أنها زوجته ولها الحق في ذلك لكن قبل أن تقترب منه وتبادر هي بالأول كما تفعل في كل مرة، استنكرت بشدة تحوله المفاجئ عندما سحب يديها لبعيد بقوة وتحدث بنبرة صارمة للغاية


= قلتلك كثير بلاش تتعبي نفسك معايا عشان ما هيفيدش اللي بتعمليه ديه، غالية ما حدش يقدر ياخد مكانها چوايا ولا عمري هلاقي بديل ليها حتى لو هي اللي مزعلاني وبعيده عني برده مش هقدر، اطلعي فوق يا غاليه والله يرضي عنك همليني لحالي .


ابتعدت خطوات للخلف ونظرت إليه بحقد واضح، فقد استنفدت كل طاقتها للتودد له، وفي النهاية انتهت بالفشل كعادتها. لم تعرف ماذا تفعل أكثر من ذلك حتى ينسى غالية قليلاً ويفكر بها حقاً، تعبت من جفائه وإهانته المستمرة لها ومع ذلك تمسكت بصمودها وصاحت بانفعال ملحوظ


= انا اسمي زينب يا عمده مش غاليه اللي رمياك ومش بتبص في وشك، على العموم كفايه قله قيمه لحد اكده لكن انا برده مش هسكت، وانت خليك قاعد أكده مستنيها تعبرك 

بس لما تلاقيه مفيش منها رجي هتيجي تدور عليا وانا ساعتها اللي هرفضك وهتشرط طالما بتحب اللي يطلع عينك اكده وسايب اللي رايدك.


هبط بصمت فوق الأريكة متعباً، بينما خرجت الأخرى من غرفة المكتب غاضبة، ولم ينتبه أحد لوجود غالية التي كانت تقف بجانب تتابع كل ما يحدث، في البداية كادت أن تدخل و تتعارك معها كعادتها بتهور، لكن في اللحظة الأخيرة فكرت أن تتأنى لترى رد فعل زوجها تجاهها وهو في أمس الحاجة إليها لكنها تفاجأت حقاً بأنه لا يزال يحبها حتى في أضعف حالاته، وكم كانت تشعر بالحقد تجاه تلك الخبيثة التي كانت تستغل كل لحظة ضدهم لصالحها. 


ندمت على جفائها معه في الليالي الماضية، لأنها بذلك كانت تترك لها المجال للتقرب من زوجها وإفساد علاقتها به أدركت أنها كانت تتعامل مع الوضع بطريقة خاطئة، وأنه لا ينبغي عليها تركه وهو بحاجة إليها وأن تترك غضبها وغيرتها لا تتحكم فيها أكثر من حبها له.


اقتربت منه بتردد وهي تشعر بالتباهي والفخر بعدما رأت زوجها كيف حتى في غيابها يحافظ علي حبهم وثقتها به، حمحمت وقالت بغضب زائف 


= كانت بتعمل البنت دي ايه في الاوضه؟ ما طردتهاش على طول ليه؟ 


نهض قائمًا ودنا منها مرددًا في عتابٍ رقيق


= كانت عاوزه تديني اللي حرماني منه؟ چايه تفتحلي إيدها وتقولي انا بين ايديك اهو اعمل ما بدالك وسيبك من اللي بتحبها وهي شايفك أكده ولا معبراك وهينت عليها.. لكن انا مش هاممني حاچه غير راحتك.


حفظًا لماء الوجه، حاولت أن تقول بعزة نفس


= كذابه هي مش عارفه راحتك فين ولا بالك مع مين عشان تريحك، وبعدين انت عمرك ما هنت عليا حتى بعد ما انا هنت عليك بس كنت مجروحه منك.. و ما تفتكرش سهل عليا اشوف ان احنا بنبعد عن بعض اكده واسكت .


تقدم منها فتراجعت بشكلٍ تلقائي للخلف بتوتر و أتبعها ذلك قوله المريب


= لع كانت سهل عليكي يا غالية طالما عملتيها، ده انا بعد كل اللي عملتيه عمال ادورلك على اعذار ومش قادر ابعد عنك ولا اقرب من غيرك.. عشان بحبك وما ليش غيرك.


رمشت بعينيها وهي تنظر إليه مباشرة وهي تخبره بصوتٍ أقرب للهمس


= طب ما انا كومان دورتلك على اعذار رغم كل اللي عملته فيا وبحبك وما ليش غيرك.


انتصبت شعيرات جسدها وراحت الوخزات الموترة تضرب كل كيانها وتضاعفت رجفتها حين همس لها بتنهيدة ثقيلة مغلفة برغبة متأججة


= طب لما هي الحكايه اكده ليه بنبعد؟ ليه نبعد طالما عارفين أن مهما يحصل من التاني ملناش الا حضن بعض ومحدش يقدر يستغنى عن التاني.


هزت رأسها بالايجاب مستسلمة و رسمت ابتسامتها الرقيقة وهي تردد بشوقٍ لاهث


= صوح انا ما ليش غيرك يا سراچ ولا اقدر استغنى حتى بعد ما عملت اكتر حاچه توجعني... لسه برده عاشقاك يا ابن عمي.


تبادلوا النظارات الى بعضهم البعض عده دقائق وبلمحة اندفع إليها وهو يقبض عليها من منبت ذراعها بيده، بعدما صفق الباب بقدمه قادها للأمام في لهفةٍ متزايدة لتحاول مجاراته وهو ينهال عليها بقبلاتٍ نهمة ومتعطشة للمزيد ثم طرحها على الأريكة بعدما استل حجابها القصير عنها لينسدل شعرها الحريرة أمامه عينه، بينما هي استقبلت ثورة مشاعره الحسية وفورانها بهذه الطريقة الغريبة بكل صدر رحب وحب، لكنه شعر بها تقاومه فرفع نظره إليها ليجدها تحتج في تذمرٍ متدلل


= آآه ما ينفعش أهنأ ممكن حد يدخل علينا. 


لتتوهج عينيه بوميضٍ مستثار وهو يهددها من بين نار شوقه ولهفته لها، وبصوت عاجز عن كبح جموحه


= يمين بالله العظيم لو اتحركتي من اهنا يا غاليه لا هيكون فيها حديد تاني وفعل ما هيعجبكيش، وعليا الطلاق ما حد متحرك مننا، اللي في الدار كلاتهم ناموا وما حدش هيدخل.


اتسعت عينا غالية بذهول فهذه أول مره يقسم بالطلاق لكنها لم تعترض بالتأكيد، ليمسك بعدها بمعصميها قيده بيده ليمنعها من الحركه قبل أن ينحني مجددًا على شفتيها ناهلًا منهما قدر ما يستطيع من حلوها باشتياق كبير واحتياج أكبر.....!!!. 


❈-❈-❈


استغرق سراج في نومٍ عميق ممتد وكأنه لم ينم هكذا سابقًا، مسحت غالية برفق على كتفه بهدوءٍ لأكثر من مرة، فلم تجد منه استجابة لذا 

قربت وجهها وبدأت تقبله بخفة مثلما كانت تفعل من قبل، وهتفت بدلال 


= اصحي يا سراچ خلينا نطلع قبل ما حد يشوفنا.


بذل مجهودًا ليفتح عينيه ونظر إليها بنصف عين لينظر لمن تخاطبه لحظة مرت عليه قبل أن يستفيق كليًا ويرى بوضوح ملامحها اللطيفة، أبتسم علي الفور وهتف


= والله انتٍ مخبوله يا غالية هو انا شقتك يا حبيبتي ما انتٍ مرتي ما يشوفوني عادي.


أعادت غالية تكرار كلامها بأسلوبها الودود بخجل 


= برده ما يصحش، و مكانش ينفع اللي عملناه ديه اهنا اصلا، هيقولوا علينا إيه دلوج لو حد خد باله؟


سلط أنظاره عليها ثم هز رأسه غير مهتمًا بالأمر وكان هادئًا للغاية بل مستمتعًا باللحظات التي نشبت بينهما للتو، ليغمز لها بطرف عينه قائلًا بشيءٍ من المرح 


= عادي هيقولوا راچل ومرته، وبعدين حد كيف مين هيشوفك يعني اذا كان على امي هتفرح و مش بعيد يبقى عندها امل ان احنا نجيب الواد اللي قرفاني ليل ونهار بيه، ولا قصدك بقى زينب؟ لا دي ممكن تزعل فعلا لو عرفت اللي حصل .


دنت منه في الحال ولكزته في كتفه كنوعٍ من التوبيخ وهي تردد بغيظ


=ما تجيبليش سيرتها ما تزعل ولا تتفلق اصلا 

كفايه حريقه الدم اللي أنا فيها ليل ونهار بسببها ولا كله كوم وسي سراچ دي اللي بتقولها كوم تاني خالص.. ولا كيف كانت بتقرب منك وعاوزه آآ. 


صمتت وتلونت بشرتها بحمرةٍ خجلة، ليبتسم بغلاسه وهو يتسائل بلا فهم زائف 


= عاوزه ايه ما تكملي؟؟. 


ضغطت على شفتيها بخجل وعاتبته في صوت خافت مرتبك


= بس بقي، ويلا قوم.


تلقائيًا مد يده نحو هاتفه لينظر إلى الساعة، اندهش أكثر لمرور الكثير من الوقت ثم عاود التحديق في وجه زوجته متسائلاً باندهاشٍ


= معقول نمت كل ديه وما صحتنيش ليه بدري عن اكده.


ربتت غالية على ذراعه بحنيةٍ وقالت 


= حسيتك كيف اللي بقيله زمن ما انامش عشان اكده سبتك براحتك حصل خير ولا يهمك...


أغمض عينه ثواني وفتحتها مرددًا بخمول


= انتٍ بتقولي فيها، انا فعلا الفتره اللي فاتت ما كنتش بنام خالص ولا من التفكير في اللي حصل ولا من بعدك.. 


هسهست غالية في صوت خفيض ما زال خجلًا نادم 


= سراچ انا والله ما كنت اقصد اضايقك ولا اشوفك محتاج ليا وابعد عنك كعقاب انت عارفني كويس انا مش اكده بس الموضوع أني...


وضع أصابعه علي شفتيها لتصمت ثم ردد بجدية وعقل 


= هششش غاليه انا مش مستنيكي ولا تتاسفي ولا تقولي مبررات انا اكثر واحد فاهمك اكثر من نفسك كومان، يا بنت ده انا اللي مربيك اصلا انتٍ نسيت احنا متجوزين و احنا عندنا كام سنه ولا نعرف بعض من ميتى.. معقول تعدي كل المده دي كلاتها وما بقاش فاهمك.. بس انا لو هعاتبك على حاچه واحده بس انك حتى وانتٍ زعلانه المفروض تيجي وتشتكيني كيف ما انا عودتك مش اكده.


لمحة من الضيق ظهرت على محياها حينما تكلمت عن ما بداخلها بقلق


= صوح ماشي، هعمل اكده ودلوج كومان! و انا أهو بشتكيك يا عمده من سراچ چوزي ما بقتش اعرف احط رأسي جانبه علي المخده وانام مطمنه كيف زمان طول ما انا حاسه بالذنب وطول ما انا خايفه لا تحصل حاچه تفرقنا عن بعض.


أمسك سراج بكفها وركز بصره عليها بنظرات عشق وهو يردد في بحبورٍ 


= وانا من قبل ما أسأل چوزك بقولك هو باسم بالعشره انه هينهي الموضوع وهيلاقي حل عشان يرچع يطمنك من تاني وتنامي وانتٍ مرتاحه.. وهو عمره ما هيخذلك ابدأ.. مش انتٍ بتثقي فيه برده .


ردت غالية مبتسمة ابتسامة عريضة


= طبعاً بحبه وبثق فيه .


شملها بنظراته العطوف متحدثًا إليها في عبثيةٍ


= وهو بيموت فيكي وما يقدرش يستغنى عنك، ووجعه من وجعك يا غاليتي.


ابتسمت بسعادة غامرة ثم عاد يحتويها من جديد وغمرها موجات من الشوق والشغف، والرغبة في المزيد من هذا الوصال الدافئ الذي لا ينتهي بينهما.


❈-❈-❈


مر شهر و غالية لا تزال تعاني من نفس الوضع، حيث لم تتلقَ أي رفض من جانب زينب حتى تتمكن من التخلص من شعورها بالذنب والقلق بسبب إصرارها على طلبها كزوجة وهذا الأمر جعل غالية فريسة سهلة للشكوك والهواجس التي تنهشها بعمق، مما يزيد من شعورها بالخوف والقلق مرة أخرى، خشية أن يتكرر الأمر معها وأن تجد نفسها مضطرة لقبول هذا الوضع أيضا وتحمل زوجها مع غيرها، حتى لا تُعتبر ظالمة أو ترفض شرع الله. لكنها لا تستطيع تقبل الأمر حقا، حيث تشعر بصعوبة كونها زوجته على الورق فقط، وتتساءل ماذا لو حدث الأمر فعلاً.


تعلم جيداً أن زوجها لا يسمح بتجاوز الحق مهما كانت التكاليف، لذا بدأت تشعر بالتوجس والقلق حتى في أحلامها، فتستيقظ على كوابيس مروعة في منتصف الليل بقلب متوتر، ويهاجمها هذا الأمر بشكل متكرر، حتى أنها أحياناً تستيقظ صارخة، مما يوقظ زوجها بفزع وهو لا يفهم ما الذي أصابها في البداية، لكنه بدأ بعد ذلك يفهم ويحزن على حالها.


وفي إحدى الليالي كعادتها مؤخراً، استيقظت على كابوس آخر حيث حلمت أن سراج استسلم لأمرها واقترب منها وأصبحت زوجته فعلياً! سار سراج ببطء نحو السرير، وهزها برفق ليوقظها وهو يهمس بالقرب من أذنها بحنان.


= هششش أهدي يا غاليه ده كابوساً يا حبيبتي مش حقيقي.. أنا أهو جارك ما رحتلهاش ولا هعمل اكده عمري .


فتحت عينيها بفزع لكنها اعتدلت فوق الفراش تتنفس بعمق ويأس، فاقترب منها يحاوطها بين ذراعه لكنها أبعدته وهي تبكي بحرقة 


= ما عملتهاش دلوج بس هتعملها قريب! ما اديك شايف كل يوم تفاتحك في الموضوع ومش ساكته ولا هتهمد غير لما يحصل اللي هي عاوزاه، انا عمري ما هسامحك على عملته دي ابدأ وعلى وجع القلب ده.


حاوط سراج زوجته من كتفيها بذراعه مجدداً رغم اعتراضها ودفعها لتسند راسها فوق صدره تستريح، قائلًا بعشق بائنة على تعابيره وظاهر في عينيه المحبتين


= تقول اللي تقوله انا لسه على رأيي ومش هقرب جنبها، وهفضل اكده مصمم على رايي أهدي بقي وبطلي بكي عاد.


كانت لا تزال بها لمحات باقية من العصبية والضيق، فظهرت في صوتها الذي ارتفع إلى حدٍ ما عندما هتفت بألم شديد 


= كان ليه وجع القلب ده كله؟ ما كنا عايشين مرتاحين يا اخي لكن انت لازم تسيب كل الحلول وتدور على الحل اللي يعمل فيا اكده ويوجع قلبي وفي الاخر تيجي تقولي بحبك وعشقك يا بنت العم، لا ما هو واضح باماره اللي اتجوزتها عليا.


لامس بشفتيه وجنتيها دون أن تتبدل وتيرة نبرته الرزينة


= انا لسه بحبك وهفضل احبك انتٍ وعمري ما هحب غيرك.. حقك عليا يا بنت العم.


حديثه الهادي كان مغيظًا لها بدرجة كبيرة، ناهيك عن كونه موترًا لها، لهذا رفعت إصبعها أمام وجهه تحذره وقد اكتسبت بشرتها حمرة منفعلة


= بعد عني انت بتحرق دمي اكتر يعني خلاص ما بقاش ياكل معايا الحديد ده، يكون في علمك عارفه ان شرع ربنا وكل حاچه لكن انا بقى انانيه و وحشه وفيا كل العبر ومش هسمحلك تعملها يا سراچ وتقرب منها.. سامع مش هتاخدك مني حتى لو مسموحلها تقرب وانا خدتك منها.. وربنا بقى يسامحني على الذنب اللي انت شيلته لي بسببك 


احتضن وجهها براحتيه قبل أن يميل على وجنتيها ليمنحها قبلة صغيرة وهو يخاطبها

بحنان


= لع انتٍ مش وحشه ولا انانيه انتٍ بتطلبي بحقك بيا وده حقك كيف ما انا كومان ما سمحتش العكس يحصل، ويعتبر هي اللي عاوزه تاخدني منك مش العكس عشان انا ليكي طول عمري وما هقربش لغيرك.. وبعدين انا اللي شايل الذنب مش انتٍ يا غاليه ريحي حالك وبطلي تفكري في اكده.


لم يكن مزاجها جيد لتواجهه أكثر، فأشارت له بيدها وهي تكلمه في صوتٍ مرتجف بعنادٍ


= ماشي.. بس برده مش هتقربلها حتى لو كلام عادي بينكم لازم اكون موجوده، هي مش سهله اصلا على فكره وحركاتها باينه أوي هي عاوزه توصل لايه لكن ديه في أحلامها . 


ضحك ملء عليها وعقب عليها باسمًا وعيناه تعاهدان إياها بما يسر النفس ويبهجها


= حاضر أوامر ما عليكي كلها اعتبريها اتنفذت. تعالي في حضني جاري.. يلا قربي ولا اقرب أنا.


وهل يحق لها الإعتراض في تلك الحاله فهي بحاجه الى احضانه ليبث لها الطمأنينة والأمان، 

وبالفعل قد فعل وعلم جيد كيف يحتويها هي واحزنها وخوفها من المستقبل لكن سيظل ذلك مؤقتاً.


❈-❈-❈


كان هو الملجأ لها لتفريغ مخاوفها والمتنفس الآمن عندما تقع في أي أزمة ولا تحسن التصرف أو التفكير في شيء ما، لأن حديثه واحتواءه يحملان ما ينفع ولا يضر، زوى ما بين حاجبيه للحظات معدودات، معتصرًا ذهنه بضع ثوانٍ من التفكير وهو يراها أصبحت الأيام الأخيرة تلتصق به كثيراً ولا تريد الإبتعاد عنه خوفاً من ضرتها المصونه، تكلم سراج بحيرة محسوسة في صوته


=وبعدها لك يا غاليه هتفضلي قفشه فيا اكده كتير مش هنشوف مصالحنا عاد، مالك برده لسه خايفه من الموضوع اياه .


أبتعدت عن أحضانه بضيق وهي تردد بعبوس


= وهي مصالحك اهم مني يا سراچ ما تاخد اجازه بقى مره من نفسك وتقعد جنبي. 


هز رأسه بيأس بعدما لكزها لكزه خفيفة من كتفه لكتفها ثم مال سراج على زوجته مرددا بصوت جاد


= ومين اللي هياخد باله من البلد واللي ورايا لما اقعد جارك، وما ليش مصالح محتاچه مراقبه مني ولا إيه؟ همليني يا بنت الناس ولما اخلص اللي ورايا هرجعلك واقعد جارك كيف ما انتٍ عاوزه .


ضاقت تعبيرها بغيظ وهتفت بحساسيه 


= ماشي يا سراچ معنى اكده مصالحك اهم مني اتفضل روحلهم وانا في داهيه اتفلق.


نفخ بصوتٍ شبه مسموعٍ بعدم رضا وقال باسمًا


= شوف الحديد العفش اللي هتقوله بطلي عقلك التخين ده اللي سياقك علي نفسك على طول، هو انا برده عندي أهم منك! ماشي يا غاليه ادي قعده ومش رايح في حته وهاخد النهارده اجازه ومش هقوم من جنبك كومان حلو اكده.


رددت في غير تصديق وقد أشرقت ملامحها وبرقت نظراتها سرورًا


= بتتحدد صوح؟ دي احلى حاچه عملتها خليك في دارك نتونس بيك وبالمره تريح نفسك شويه هو لازم يعني كل يوم شغل .


سدد لها نظرة مستخفة قبل أن يسألها ساخرًا


= آه فعلا انا اللي غاوي مرمطه واشتغل كل شويه، وتولع مصالحنا وشغلنا لأجل عيونك


تساءلت غالية باهتمامٍ لتغطي على الخجل المستبد بها


= هو انت لو وراك حاچه مهمه خلاص انا ما قصديش بس أنت كنت واحشني وعاوزك تبقى جنبي غلطت انا عاد في اكده.


رفع يدها إلى فمه ليطبع قبلة صغيرة عليها، ثم نظر إليها وهو محني قليلًا ليردد مرة ثانية وهو يرسم هذه الابتسامة الصغيرة الساحرة 


= لا ما غلطتيش وخلاص قلتلك مش هروح في حته وهتصل بيهم واقولهم اني تعبان شويه وعاوز اريح وهم مش هيقولوا حاچه وبكره يبقى نشوف اللي ورانا، المهم انك تتبسطي ما تشيليش هم حاچه وأصل 


اتسعت ابتسامتها الرقيقة ثم قبلته بخفة وقالت في صدرٍ شبه ناهج


= حبيبي هو انا بحبك من شويه، ايه رأيك انزل أعمل غدا ونتغدى سوا.. بس تفضل مكانك ما تتحركش انت وعدتني.. هاه؟ .


رفع حاجيبة للاعلي قليلاً يضرب رأسها برفق بيده بمزاحه، ثم علق عليها بتبرمٍ طفيف


= علي أساس اني خلفت وعدي معاكي عاد قبل سابق! ما تتلمي عاد يا بنت فاطمه 


هزت غالية رأسها برفض وقالت بتلبكٍ حرج


= لع يا اخويا ما اقصدش والله، انا قصدي يعني انك تفضل مكانك ما تتحركش أهنأ ولا أهنأ في الدار وانا هروح بسرعه اجيب الوكل ومش هتاخر.


تنهد بعمق وقد فهم سبب كل ذلك واحترم مخاوفها، فلامس بيده وجنتها وهتف على نفس النهج العابث


= خلاص روحي يا غالية وانا مش هتحرك من مكاني خالص كيف ما عايزه بس ما تتاخريش.. 


نظرت إليه بحب وأجابت وهي تبتسم ابتسامة عريضة


= عيوني يا قلب غالية، هو انا ليا غيرك .


حافظ على بسمته المتسلية فزاد من ملاطفته اللفظية الخافتة وهو يخبرها بصوت ماكر 


= ما تسيبك من الوكل دلوج وتاجي جاري هبابه طالما راضيه عني جوي اكده النهارده... 


تبسمت على استحياءٍ، وهي تردد بخفوت 


= ناكل الأول وبعد اكده انا كلي ملكك يا سيدي الناس وقدامنا الليل بطوله، هروح بسرعه ومش هتاخر.


❈-❈-❈


= نورتني يا شيخ مؤمن اتفضل أقعد، الشاي يا غاليه .


قال سراج بهذه العبارة المندهشة وهو يستقبل في منزله ضيفه المشتعل بالغضب بعدما لعبت زينب برأسه وجعلته يصل إلى ذروة الانزعاج والسخط منه، لذلك هتف في صوتٍ محموم


= لع استني يا غاليه معايز حاچه أنا ولا جاي أقعد ولا اضايف، انا جي في كلمتين وكلتني بيهم مرتك زينب وهمشي على طول . 


تعجب العمدة من ثورتة ضده وقال بخشونة 


= زينب.. قالتلك ايه؟!. 


نظر له بعتاب وضيق وهو يقول بصرامة حاده


= ايه يا عمده كومان مش عاوزها تشتكيلي ولا انت مفكر نفسك الكبير الوحيد أهنأ بس اللي الناس بتوكلك تجيبلهم حقهم واحنا لما بنجوز بناتنا ما بنسالش عليهم! لع يا عمدة غلطان احنا بنفضل نسال على بناتنا حتى بعد ما يتجوزوا.. وبعدين دلوج لو حد عاوز يشتكيك انت ذات نفسك يروح يشتكيك لمين؟!. 


نظر له باندهاشٍ وهو يتساءل بوجهٍ يضم علامات الحيرة


= يشتكيني انا.. انا مش فاهم حاچه انت عاوز تقول ايه يا شيخ مؤمن، وزينب وكلتك لايه بالظبط .


أجابه الآخر بصيغة تساؤلية مليئة بالاتهام


= مش عيب عليك يا عمده تبقي ظالم وما تعرفش تمشي شرع ربنا بين نسوانك الاتنين انا اول ما عرفت اللي فيها من زينب ما صدقتش انها تيجي منك انت بالذات، يا كبير بلدنا يا اللي ما بتسمحش بالغلط.. وكل ديه عشان خاطر مرتك الأولى طب خاف من ربنا هي هتنفعك في الاخره بردك.


برقت غالية عيناها ارتياعًا، وراح الذنب و الحرج يتولاها من كل جانب كأن هناك هجومًا ضاريًا على أعصابها دفعة واحدة، عندما صاح في عتابٍ حانق


= ما تردي يا غاليه، لو انتٍ مكان زينب وچوزك رفض يعاملك معامله الازواج وفضل عليكي مرته الاولى، وقالك هنعيشي اهنا كيف الأخوات ومرتي الاولى الكل في الكل واياكي تدوسلها على طرف وده اخرك عندي هتعملي ايه؟!. مش سامعلك صوت يعني.


ابتسمت زينب بانتصار وهي ترى ملامح غالية العاجزة عن التحدث أو الدفاع عن نفسها، لتعلق بصوت ساخراً 


= هتقولك ايه يا شيخ مؤمن يعني اكيد مش هترضي بحاچه كيف اكده انما يظلموني انا عادي.. انا قلت كومان لامي وابويا وهم كانوا هيجوا بس قالوا لي هنبعت شيخ مؤمن الاول وبعد اكده لينا حديد ثاني.


انصدم سراج من قولها المباغت، واحتج متسائلاً في استهجانٍ


= انتٍ ايه اللي خليكي تطلعي اسرارنا بره وهو برده ده يصح يا شيخ مؤمن اامن مرتي على سر الاقيها ما سايباش حد غير وهي قايله له

وبعدين ما حدش يوجه كلامه لغاليه هي ما لهاش دخل ده قراري وانا اللي مسؤول عليه هي ملهاش ذنب فيه.


انتفض بدنها من صراخه رغم خفوت نبرته، فقالت زينب بتوجس


= امال يعني كنت عاوزني اسكت وافضل اكده طول عمري كان لازم اوكل حد كبير يعرف مقامه معاك، وبعدين برده لسه بيتدافع على الهانم بتاعتك وانا ايه مش مرتك برده صدقني يا شيخ مؤمن هي اللي محرضه عليا ما يقربش مني واصل.


تحدث مؤمن بنفس الصوت الملام وشبه المنفعل رغم خفوته 


= بس يا زينب انا اللي بتكلم أهنأ طالما وكلتيني ما اسمعلكيش صوت، اسمعني زين يا عمده لو ما عملتش مرتك بما يرضي الله وما فرقتش بينها كيف ما بتعامل مع مرتك الاولى بالظبط ترجعها الدار عندنا، بس تعمل حسابك بكده هيرچع يتفتح التار بينا والدم هيرچع من تاني .


انقبض قلب غالية توجسًا، وأحست بطعم المرارة يملأ حلقها بينما الامر لم يختلف كثيراً عن سراج الذي لم يستطيع الاعتراض أو الرفض هذه المره، فتابع الشيخ على نفس النهج القاسي


= أسبوع واحد هستنى زينب تبلغني انه حصل، والامر بقى في ايدك دلوج يا عمده .


الفصل الخامس

#روايه #العمدة_وبنت_العم

_________________


كانت زينب تقف في منتصف السرايا تنتظر بفارغ الصبر عودة سراج الذي ذهب ليُوصل الحج مؤمن ويعود. لم تعكس ردود أفعاله الغامضة أي شيء، هل سيسمع حديثها أخيرًا ويعاملها كزوجته، أم سيظل يتجاهلها تمامًا ولا يرى سوا غالية؟ كانت تعلم جيدًا أنها تهورت في تصرفها هذا وربما ينعكس ذلك عليها، لكنها لم تجد حلاً آخر خاصة عندما تحسنت الأمور بينه وبين زوجته الأولى وأصبحت هي على الهامش تمامًا. 


بدأت نيران الغيرة تشتعل داخلها، فهي في النهاية زوجه ترى زوجها يعشق امرأة أخرى ولا يجد مثلها حوله أبدًا، فأرادت أن تجرب وتحظى بهذا الحب ولو قليلاً، لكن ذلك كان صعبًا، فالعمدة يحب ابنة عمه حبًا لا مثيل له ولم ترَ مثله من قبل.


جاءت من خلفها فردوس و ربتت علي كتفها قائلة بفخر


= چدعة يا بنت انك دخلتي الشيخ مؤمن في الموضوع، أكده غصب عنه وعن الهانم التانيه هيقرب منك عشان تجيبلنا الواد أن شاء اللة.. ولو ناصحه بچد اكسبني في صفك وانا هخليهلك مكانها وهو اصلا بينفذ كل طلباتي 


ضغطت على شفتيها للحظةٍ ثم أخبرتها بعد زفرة سريعة بتكهم 


= بعدي عني يا حچه انتٍ كومان انتٍ لو كان ليكي كلمه في الدار ديه كنتي من زمان خليتي ياخد بتار عيالك، احنا هنضحك على بعض انتٍ ولا بتقدري على الصغير ولا الكبير ولا  بيمشيلك أهنأ كلمه من اساسه عشان اكده انا بتصرف من دماغي وانا اللي هعرف اجيب حقي صوح 


بدت علامات الضيق جلية على قسمات فردوس ثم لوت ثغرها معبرًا عن انزعاجها وهي تضغط على ذراعها بقوة 


= اما أنك بنت قليله الادب صحيح وناقصه ربايه اتحددي معايا كويس وما تنسيش نفسك 

وانا اللي قلت انك احسن من غاليه جاتك ستين خيبه.. انا استاهل أني بنصح واحده حماره زيك 


التفتت زينب نحوها بسرعه وهي تحاول أبعادها بحده وما زالت تردد بطريقه ساخره  


= كنتي نصحتي نفسك يا أختي، واتلمي وما تشتمنيش و اوعي يدي اكده هو انا ناقصاكي هو كل واحد في الدار ديه هيعمل عليا 

رباطيه ويشوف نفسه عليا.. جاتكم الهم عيله كلكم بتاكلوا في بعض ولا حد طايق التاني . 


هذا الحديث زاد من غضب فردوس، فضغطت على يدها بقوة أكبر كما كانت تفعل مع غالية عندما تغضبها في شيء ما، لكن زينب لم تتحمل هذا الوضع فدفعتهما للخلف بقوة شديدة حتى كادت أن تسقط لولا أن شفيق  لحق بها ونظر إليها بعينين غاضبتين وصاح بحدة


= انتٍ اتجنيتي بتزقي خالتي اكده ليه؟ 


جاء من الخلف بسرعه فؤاد الذي رأى الوضع أيضاً، وتحدث قائلاً بنبرة غاضبة 


= تعالي يا سراچ شوف اللي انتٍ بلاتنا بيها بتمد ايدها على امك وكانت هتوقعها على وشها .


كان بالفعل وصل سراج واقترب بسرعه حتى يطمئن على والدته ثم تطلع فيها بأعين مليئه بالقسوة، بهتت تعابيرها خوفًا من غضبته الظاهرة فردت بصوتٍ شبه مرتعش


= دول كدابين ما تصدقهمش ده هي اللي كانت چايه تقل ادبها عليا، وقعده تقولي لو عاوزه سراچ يقربلك افضلي زني عليه ياخذ بتار اخواته ونفذي كل طلباتي وانا هقولك كيف يكون زي الخاتم في صباعك.


افترت شفتاها فردوس عن دهشة مستنكرة وهي تردد بصوت عالية


= يحرق مطنك ده انتٍ طلعتي ميه من تحت تبن ولله يا ابني ما قلتلها اكده دي بتزود كلام من عندها.. وانا اللي فاكراكي طيبه وعلى نياتك .


اقترب منها بسرعه وجذبها من ذراعيها بكل عنف ونظر لها شزرًا وصاح بوجومٍ


= انتٍ النهارده اتعديتي كل الخطوط الحمراء معايا وجبتي اخرك، كل مره اكبر دماغي واقول معلش كفايه اللي هي فيه واعذرك لكن تيجي لحد امي واسرار الدار اللي طلعتيها بره 

وكومان بتوقعي بيني وبينها وبتزودي كلام من عندك لحد اهنا وكفايه.


حذرته زينب بقدرٍ من التهكم رغم خوفها


= هتعمل ايه يعني انت نسيت كلام الشيخ مؤمن؟ لو طلقتني التار هيرچع بين العيلتين من تاني 


استاء من طريقتها حقا فطالعها بنظراتٍ ناقمة قبل أن يعلق عليها بأمر بازدراءٍ


= هو انتٍ هتلوي دراعي وتهدديني كومان اطلعي لمي خلقاتك ويلا على بره من اهنا،  والشيخ مؤمن لي حديد معايا تاني! غلطه عمري اللي انا اتجوزت واحده زيك تحت اي ظرف.. وقبل ما تفكري تنكري وتكدبي تاني السرايا مليانه كاميرات أصلا.


شعرت بالخوف ووجدت نفسها في مأزق، فحاولت التراجع عما فعلته لكن فات الأوان! 

عندما هز رأسه برفض قبل أن يتكلم في شيءٍ من القوة الحاسمة 


= اتحركي من قدامي يلا، واياكي المحك اهنا تاني.. أهي غلطتي من البدايه واديني بصلحها.

انتٍ طالق يا زينب.


تجمدت زينت في مكانها مصدومة مما حدث فقد تم طلاقها بشكلٍ فج تسبب في إحراجها أمام الحاضرين، فلم تتوقع ذلك أبدا منه بسبب أمر الثأر لذلك كانت طول الوقت تضغط على الوتر الحساس لدي، لكنها هذه المره لم تواصل جرأتها وتحركت لترحل بالفعل دون مزيد من اهانه خاصة وقد بدأت الهمهمات تصدر من حولها.


حضرت غالية وأعتقدت أنها ستشعر بالشماتة تجاهها، فقد تحقق ما كانت تريده أخيرًا و ستغادر من هنا، وسيبقى زوجها معها كما كان وبقي. 


لكن كانت غالية في حيره وخوفا فتعلم جيد 

طلاق ضرتها قرار سعيد لها لكن تعيس أيضا بنفس الوقت للقادم بعد فتح أمر الثأر من جديد، أمرها زوجها بخشونة صارمه 


= غالية على فوق انتٍ كومان وما تخرجيش من اوضتك، يلا معيز حد يهودني في الكلام نفذوا وبس .


هزت رأسها بالايجاب وتحركت بكل طاعه الى الأعلى، بينما أبتسم فؤاد وقال  


= اكده أحسن يا سراچ احنا من الاول كان لازم ناخد التار منهم مش نناسبهم، مش أكده ياما.


مالت أمه ناحيه سراج قليلًا لتضيق عينيها معقبة في عبثيةٍ غير مريحة


= اسكت انت اخوك الكبير هو اللي هيجيب تار اخواته و اهو طردتها من اهنا بنفسه، وهو عارف كويس اللي هيحصل بعد ما طلقها


ضغط فؤاد علي شفتيه بغضب من الاستخفاف به وتحقير مطلبه لكن لم يعطيه احد فرصه للحديث أصلا، بينما علت ملامح وجه سراج وظهر الضيق فعبر لهم عن مخاوفه بصوتٍ شبه مهموم


= لع ياما ما فيش تار هيتجاب ولا حد هيموت كذا مره اقعد اقولك الكلمتين دول مش عاوزه تحفظيهم، انا ما عنديش استعداد حد منكم يتاذي.. حتى انا خايف على نفسي عشانكم لكن انا في داهيه مش مهم.. لكن مصيرك هيكون ايه بعد ما اموت ده اللي مخوفني وما اعرفوش.. و ده السبب اللي منعني اخذ حق اخواتي بالطريقه دي، افهموني بقى مره واحده.


على الفور فكرت فردوس بأن تستخدم فؤاد ضده، فحدجته بنظرة قاسية محتجة على تصرفه الغليظ و زفرت الهواء بعمقٍ قبل أن تجيب بصوت مراوغ مستفسرة


= يعني ده آخر حديد عندك يا سراچ مش هتاخد بتار اخواتك وتقتل حد من عيله البدري وتحرق قلوبهم كيف ما حروقه قلبي على عيالي؟ بقي خيك الصغير يتحرك عنك وانت الـ... فؤاد فين؟؟. 


توقفت فردوس مرة واحدة بعد جملتها الموحية، فرد شفيق بعدم معرفة 


= معرفش كان اهنا من شويه، تلاقيه راح بره يعمل حاچه ولا طلع اوضه 


ظلت بسرعه تبحث عنه في السرايا بعيناها وصوتها يعلي بلمحة استنكار 


= لع كان واقف معانا من شويه وقبل ما سراچ ينزل كان على آخره وقالي لو اخويا ما خدش بتار اخواتي انا اللي هروح اخده بنفسي ليكون راحلهم؟ 


انتفضت مذعورة بخوف شديد و راحت تصيح بقلق بالغ 


= يا مصيبتي السوده الحق اخوك يا سراچ الثالث هيروح مننا.


وقبل أن يتساءل أحد عن أين ذهب؟ جاءت غالية تركض إليهما وتعلقت عينها عليه مرددة بنحيبٍ وكأنه الأمل الأخير المتبقي لها


= سراچ الحقني بسمله بنتنا مش بره والغفير قالي أنها كانت بتلعب قدام الدار بس فجاه اختفت وما يعرفش راحت فين .


عقد حاجيبة باستغراب وهو يقول بصوت غاضب


= يعني ايه اختفت؟ واللي خليها تطلع بره اصلا لوحدها .


هتفت فردوس في حرقةٍ بعينين تغرقان في الدموع الساخنة برعب 


= انت لسه هتاخد وتدي معاها اجري بسرعه شوف اخوك فؤاد لو راحلهم لوحده المره دي تاني هيموتوه، يا حزنك يا فردوس على عيالك .


❈-❈-❈


لم يحبذ فؤاد أن يظل ذلك الإبن الصغير على هذا القدر من السذاجة والحُمق والذي لم يثق في أحد حتى أمه كانت تستخدميه وسيله ليس أكثر لتستفز ابنها الكبير فقط، وذلك جعله يغضب اكثر لذلك انسحب من بينهما بالسلاح وهو في طريقه الى عائلة البدري مجدداً ليثبت اليهم ان ذلك الطفل الذي في عمر السادس عشر سيأخذ ثأر اشقائه، وفي طريقه الغاضب لم يلاحظ تسلل تلك الصغيره خلفه وهي تركض وراءه تحاول اللحاق به معتقده بانه ذاهب للتنزه مثل ما تعودت منه لذلك عندما رأيته يخرج من السرايا تبعته على الفور وهي تردد 


= فؤاد يا فؤاد استنى انت بتجري ليه أكده بسرعه خدني معاك لو رايح تشتري حاچه حلوه انا بقيلي كتير مش بخرج من الدار .. يوووه يا فؤاد رد عليا 


وقفت فجاه بسملة عندما لمحت ذلك الغفير يركض نحوه فؤاد لياخذ منه السلاح ويمنعه من تلك الكارثه التي ذاهب لفعلها 


= فؤاد استنى أهنأ كان قلبي حاسس انك رايح تعمل حاچه عفشه عشان اكده لحقتك.. ارچع يا ابن الناس كفايه الدار هناك شايطه مش ناقصين مصايب لازم تسمع كلمه العمدة في الاول والاخر هو أخوك الكبير وشوفوا هيقول ايه ويحكم بيه 


وقبل ان يتكلم فوائد لمح بسمله في الخلف تقف تراقبهم بقلق فصاح بحده


= انت اللي جيبك يا بنت انتٍ ورايا ارچعي بسرعه على الدار.. 


ألتفت رجب الغفير أيضا ليراها ليقول بسرعه بقلق عليها


= بسمله انتٍ اللي جايبك يا بنتي ورانا ارچعي بسرعه الدار زمانهم بيدوروا عليكي هناك يلا .


ليزيح فؤاد الغفير بعصبية عنه وقال معترض 


= وانت اتفضل معاها محدش ليه صالح بيا اعمل اللي هعمله طالما الكل مستقل بيا حتى أمي اللي كانت بتشحن فيا عشان اخويا يتحرك وياخد هو بتار اخواتي وانا بالنسبه لها عيل صغير انا هوريها بقى العيل الصغير ده هيعمل ايه 


اتسعت عينا رجب بخوف وهتف بنبرة جاده


= انت اتخبلت في عقلك هات السلاح ده مش هسيبك غير وانت معايا، يا ابني بكفاياك عاد الناس اللي عماله تتقتل دي ما تفتحش علينا فتوحه تاني.. 


هز رأسه برفض تام ليشد اجزاء السلاح كنوع من الاستعراض الجسمين لقوته التي يستهان بها الجميع، و ذلك جعل الأخير يشعر بالخوف اكثر لذلك اقترب رغم عنه لياخذ منه السلاح 

لكن فؤاد توعد بشراسة جمة


= قلتلك بعد عني مش راچع الا لما اقتل حد من عيله البدري قصاد اخواتي اللي راحوا، بعد عني يا غفير الغبره انت.. اوعي و... آآ


صمت الاثنان فجأة عندما خرجت رصاصة من السلاح واستقرت في جسد تلك الصغيرة التي كانت تراقبهما بخوف شديد، ثم سقطت على الأرض تنزف الدماء. تجمد قلب فؤاد في مكانه من عدم الاستيعاب، وسرعان ما هتف الغفير برعب 


= يا سنه سوخه.. بسمله!. 


❈-❈-❈


عندما بلغ الجميع بذلك الخبر المأساوي من الغفير والذي علم عنه كل معارف البلدة، جاء سراج وزوجته على وجه السرعة الى المستشفى الذي تم نقلها بها، تقدم سراج إلى الطبيب بقدمين مرتعشتين، وقلب وجل ومذعور متسائلاً بحذر 


= طمني يا دكتور بنتي عامله ايه؟ احب على يدك ما تخبيش عننا حاچه البنت حالتها ايه 


بدأ الطبيب جادًا رغم صوته الهادئ وهو ينظر إلى أهل المريضة بشيءٍ من التعاطف عندما حادث الأب


= احنا الحمد لله طلعنا الرصاصه بس ذي ما  انت شايف ده عيله صغيره وما تستحملش عمليه كبيره زي كده خصوصا ان الرصاصه جت في مركز حساس في الظهر وممكن...


برزت عينا سراج في ذهول، فأكمل عنه بما شتت تفكيره وأصابه بالتخبط 


= ما تقطمناش بالحديد يا دكتور هات من الاخر البنت مالها، هتعيش صوح.


هز الطبيب رأسه مرددًا بقله حيله 


= دي حاچه بايد ربنا وهي الحاله مستقره بس احتمال كبير الرصاصه دي تاثر على العمود الفقري وما تعرفش تمشي تاني!.


تعذر عليه إكمال جملته، فقال بصوتٍ شبه خافت


=الا طبعا بالعلاج الطبيعي بعد كده ان شاء الله والاشعه هي اللي هتبين هي محتاجه ايه الفترة الجايه.. شدوا حيلكم .


صدحت غالية من أعماقها صرخة مدوية رن صداها المفزع في الأرجاء، قبل أن ترتمي بجسدها على الأرضية وهي تصيح من الألم الرهيب الذي حل داخلها تولول فجيعة خوف فقدان ابنتها الوحيدة 


= آآآه يا بنتي يا حرقه قلبي عليكي يا حبه عيني.. صغيره على كل ديه هتروح مني اكده وهي لسه بتشق الدنيا، آآه يا بسمله يا بنتي .


أغمض سراج عينه بألم بعد سماعه لتلك الأخبار السيئه وصوت صراخ زوجته الهيستري والمفطور يهدر من ورائه لكنه لم يكن كافيًا ليخمد النيران المشتعلة في قلبها ولا قلبه، فهو خسر كل شيء دفعة واحدة بعد أن فاز بملذات الدنيا ومباهجها، وفي تلك اللحظه جاءت فردوس تركض بقلق شديد وهي تتسائل بتوجس 


= طمني يا ولدي فؤاد فين ما ارجعش الدار ليه لحد دلوج؟ ومرتك هتبكي ليه هو مين اللي مات و ايه اللي حصل.. اوعى تقولي اخوك حصوله حاچه والله ما هستحمل التالت يروح مني 


لم يرد عليها احد انما أبدى سراج استعداده الكامل لفعل كل ما يمليه عليه الطبيب طالما أنه يخدم في النهاية صالح أبنته، لذلك طلب منه ان يفعل كل ما بواسعه ولم يهتم بالمصاريف الأهم صحه ابنته، فأومأ برأسه بهذه البسمة الخفيفة، لعل وعسى تحدث المعجزة ويتم التسهل في علاجها وتعود تسير من جديد .


ليجيب عليها الغفير رجب أخيراً الذي تكلف بالأمر هاتفا بحزن على تلك الصغيره البريئه 


= اطمني يا حاچه فردوس فؤاد في امان بس احنا تويناه لحد ما نشوف هنعمل ايه معاه، أصل لما حاولت ارجعه عن اللي هيعمله غصب عنه طلعت رصاصه وجت في حفيدتك بسمله، ولا حول ولا قوه الا بالله والدكتور قال احتمال ما تعرفش تمشي على رجليها تاني بس ان شاء الله خير .


توقع أن تحزن على ما أصاب حفيدتها لكنها فاجأتهم عندما هتفت بعدم مبالاة بجحود


= الحمد لله ان ولدي بخير طمنتني أنها جت بسيطه على اكده، و ما راحش لعيله البدري 


رفعت غالية كلتا يديها أعلى رأسها وذلك الصداع ينخر في عقلها، كيف أصبحت بتلك الدرجة تعيش مع ناس بلا قلب وبتلك القسوه ومن السوء بلا رحمة، حركت جسدها يمينًا ويسارًا وهي تعنفها 


= بيقولك حفيدتك اتصابت برصاصه وممكن ما تعرفش تمشي تاني وانتٍ تقولي بسيطه و كويس انها جت على اكده ومش فارق معاكي العيله الصغيره اللي ابنك كان هيموتها وضيع مستقبلها وهي لسه بتشق طريقها؟ هو انتم  قلوبكم ايه حجر! مستحيل تكونوا بني ادمين بنتي بسببكم التار طلها حتى العيله الصغيره ما ترحمتش من شركم وانتٍ مش فارقه معاكي غير عيالك اللي عماله تموتي فيهم واحد ورا الثاني 


نظرت فردوس إليها بقسوةٍ لترد في وقاحةٍ


= انا مش هرد على طوله لسانك دي عشان مقدره اللي انتٍ فيه لكن ايوه جت سليمه انها ما جتش في الرچاله وهم بخير.. يمكن لو اول خلفتك ولد كنت زعلت عليها زيك واكتر 


خرجت منها شهقة بدت أقرب للصرخة وهي تردد بحسرة وقهرا 


= انتٍ مستحيل تكوني انسانه زينا ما كفاياكي شر يا شيخه اللي جوه دي بنتي وكانت هتروح مني بسبب التار اللي ما وراكيش غيره وقرفانه بيه مع انك السبب في موت عيالك أصلا! والثالث برده كان هيروح بسببك.. وانتٍ كل ده مش فارق معاكي! دي حته مني يا ناس استنيتها بعد صبر كبير تروح مني اكده عادي 

حسبي الله ونعم الوكيل فيكي ربنا ينتقم منك 


نهرتها حماتها بنظرة صارمة من عينيها قبل نبرتها القاسية 


= انتٍ بتحاسبيني عليا يا بنـ**


ببطءٍ و وهن أدار سراج رأسه لينظر إلي أمه فعاتبها بجديةٍ


= بـــس! خلاص كفايه هو انتٍ شايفانا في ايه ولا في ايه، وقت دلوج ولد ولا بنت ولا على مين هنحزن.. هو انتٍ حتى وجع قلوبنا وحزننا هتتحكمي فيه 


التفتت فردوس برأسها لتنظر إليه معقبة في شيءٍ من الحقد فزاد من استفزازه بقولها 


= طبعا كالعاده هتتحامق ليها حتى على حساب امك اللي عماله تزعق وتقل ادبها عليها لكن كل دي مش مهم.. مش هي مرتك حبيبتك اللي على الحجر طبيعي هتكون في صفها مش أكده!


ضم شفتيه وردد بعد لحظة من الصمت الموجع


= انا في صف الحق ياما طول عمري و المره الوحيده اللي حاولت اغير واجرب ارضيكي حتى على حساب الغلط دفعت انا الثمن في النهاية، وفوق كل ده لسه بتحاسبيني هملينا ياما الله يرضى عنك وروحي شوفي حالك ما تخلينيش افتح في القديم.


رجاها لتصمت، ليستريح من عناء المجهود الذي يبذله في الكلام معها دون فائدة لكنها أبت الإنصات إليه، لذلك حشرجة أخيرة انفلتت من جوفها بعصبية منفعله 


= لا ما تكتمش حاچه في قلبك واتفتح عاوز تقول ايه يا سراچ عملتلك ايه دلوج أنا؟ ولا ذنبي ايه ولا داخلي فاللي حصل لبنتك هتعوم على عوم مرتك ولا ايه؟ 


حرك رأسه بخزي رافضًا ما قالته له وانسابت دمعه من عينيه ندمًا، ثم هدر بها عاليًا حتى ظن أن من حوله سمعوا 


= انتٍ بتتحددي بجد؟ ما عارفاش ذنبك ايه دلوج ولا ايه دخلك! مش انتٍ اللي فضلتي 

تزني ليل ونهار على حكايه التار وتشحني ابنك فؤاد العيل الصغير اللي ما سلمش منك عشان تحركيني وتخليه كيف الكوبري وسيط بينا عشان أتأثر بالحديد واحس اني مش راچل واعملك اللي انتٍ عاوزاه؟ اوعي تفكريني مش فاهم من اول يوم الاعيبك، لكن كنت برچع واقول معلش اعذرها قلبها محروق على ولادها الاتنين.


ابتلع مرارة الوجع قسرًا وقال مدافع عن نفسه بألمٍ محسوسٍ في نبرته


= وحتى لما اتنازلت وما رضيتش اكمل حكايه تقديم الكفن عشان خفت على اسم العيله و فؤاد ما يتهورش ويعمل حاچه وقلت احاول ادور على حل تاني.. بس يا ريتني كنت قدمته ولا سمعت حديدك من الأول بس خلاص فات الأوان وربنا عاقبني في بنتي عشان بدل ما أفكر في ارواح الناس البريئه اللي هتروح فكرت في هبتي والعيله.


نظرت إليه باستخفاف فخاطبته بتهكمٍ ساخرٍ للغاية


= انت لسه بتفكر في حكايه الكفن دي والعار اللي كنت عايز تشيلهلنا طول العمر.


ثم تابعت قائلة بمكرِ الثعالب قاصدة تهز رجلته ليندفع كالاهوج مثل اخيه الصغير ويذهب للبحث عن ثأر اشقائه 


= بقى اخوك الصغير يطلع ارچل منك ويروح ياخد حقه لوحده قصادهم مرتين وانت لع!. 


هز رأسه بيأس منها متمتمًا بصوتٍ خافت للغاية وبه نبرة مليئة بالاتهام


= انتٍ اللي لساتك بتفكري عايزه تموتي مين فينا تاني! ابنك الاولاني راح بسبب دلعك في الصغير التاني محمد اللي كنت دايما اقولك شدي عليه وبلاش مروحه وجاي بالبندقيه وانتٍ تقوليلي ملكش دعوه واحكم علي مرتك وبس، واهو راح هو كومان بسبب انك حرتي شفيق على عيل صغير ملوش ذنب من عيله البدري، تسكتي بقى على اكده لع! 


غمره شعور المعذب العاجز الفاقد للحيلة والوسيلة، فإضاف محني الرأس يتخبط الأفكار السوداوية 


= ولما لقيتي ما فيش رجا دخلتي على الصغير اللي ما رحمتهوش وبقي عاوز يعمل اي حاچه في عيله البدري عشان يحس أنه راچل  وفي الآخر بنتي اللي راحت ضحيه كل ده ومش عاجبك كومان عاوزاني اعتبرها كلبه وراحت وكل ده عشان هي بنت مش ولد! وانتٍ عارفه كويس انا تعبت قد ايه عشان اكون اب وبنتي تيجي على الدنيا... وكل ده عشان التار إللي خد وراه اكثر من اربع انفار كفاياكي شر فعلا وابعدي عننا وسيبينا في حالنا .


❈-❈-❈


انزوت غالية في زاوية ودموعها تتساقط تتذكر كل ما حدث لها منذ اليوم الأول لدخولها تلك العائلة وكم تجاهلت من الأخطاء الشائعة من أجل زوجها فقط! لكن الأمور وصلت إلى حد لم تستطع فيه التجاهل، خاصة عندما طالت هذه المشكلات ابنتها الصغيرة، فلذة كبدها.


لم تغفل غالية منذ اليوم الأول لولادة تلك الصغيرة عن نظرات فردوس التي كانت تمنحها إياها كلما نظرت نحوها، إذ كانت تشعر بعدم الرضا من حماتها وكأنها أنجبت عبئًا وليس هبةً من الله، يدعوها الناس لينالوا منها! حتى أن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة لها، فقد رزقها الله بها بعد صبر طويل، وهذا كرم عظيم لهما.


وفي ذلك الأثناء تقدم سراج إلى غرفة ابنته ليطمئن عليها، ليجد زوجته واقفة أمام الغرفة. تنحنح بصوته الخشن ليجذب انتباهها، لكنها لم تتحرك وكأنها لم تسمعه، مما دفعه للتقدم والتحدث بنبرة صارمة


= طمنيني عليها فاقت ولا لسه، وبعدين مالك واقفه اكده ليه ما توسعي عاوز اشوف بنتي!. 


أطلقت غالية زفرة بطيئة وقالت في صوتٍ مفعم بالأسى 


= والله! دلوج بس افتكرت أن ليك بنت تخاف عليها كيف غيرك ولما يحصلها حاچه قلبك يتحرق عليها وتعرف معنى الضنى بجد! 


نظر إليها بقلقٍ حقيقي فقال بنفاذ صبر 


= غاليه ابوس يديك انا مش طايق نفسي وعلى اخري فبلاش تزوديها عليا، فابعدي وخليني أشوف بنتي واطمن عليها .


لم تتنازل الأخرى عما تريده لتقوم غالية بإبعاده عنها وهي تنهره بغلظةٍ وإصبعها موجه إليه بحزم وقوه لأول مره يشاهدها بها 


= لا يا سراچ مش هتدخل ولا هتعدي الاوضه دي، واعمل اللي تعمله فيا ان شاء الله حتى تضربني ولا تطلقني! بس كل الا بنتي طالما دخلتوها في حكايه التار والقتل ده وما ارحمتوش كبير ولا صغير يبقى انا وبنتي لازم نبعد عنكم ومن شركم 


أحس سراج وكأن مطرقة قاسية قد هوت على رأسه فجعلته في حالة من الخوار والهوان، بدأ لحظتها وكأن محيط غام وساد فيه التشوش والضباب، فهو كان بحاجه الى تهونها لا أكثر لكن لم يكن يعلم بأنه السبب في جرحها للمره الثانيه على التوالي، ليرد بصوت شبه لاهث مصدوم 


= تطلقي هي وصلت لكده! طب انا مش هاخد على حديدك دلوقيتٍ عشان عارف اللي انتٍ فيه لكن الحساب بينا بعدين عشان انتٍ اكتر واحده عارفه ان انا ما ليش ذنب في رقده بنتك دي.. وحتي أمي يعتبر طردتها من المستشفى 


بلعت ريقها وخنقت هذه الغصة التي برزت في حلقها بقولها وهي تنظر إليه بحزنٍ


= امك في كل الحالات كانت ماشيه طالما عرفت ان اللي مش راقد جوه ابنها انما دي حفيدتها اللي حيا الله بنت فداهيه كلبه و راحت ولا هتترحم عليها حتى لو كان جريلها حاچه، وبعدين ما تعملش فيها قلبك على بنتك عشان انت برده يعتبر السبب في رقدتها دي.. لو كنت قدمت الكفن وخلصت من حكايه التار دي كنا زمانه خلصنا، لكن كيف هيبتك وسط الخلق ورضا امك اهم من بنتك اللي كنا نتمنى بس دوفر منها ومش لاقيين 


أغمض عينه وفتحها يتنفس باجهاد وقال برجاء


= بكفاياكي عاد يا غاليه قلتلك انا مش ناقص اي كلمه، وبعدين دي اخرتها شايفين انا السبب في ايه اللي حصل لبنتك وانا اللي قتلتها 


أطلقت غالية زفرة بطيئة، وقالت في صوتٍ مفعم بالأسى


= ايوه انت السبب يا سراچ وانا قلت لك مش هسكت غير لما تمشي من اهنا ومش هتدخل تشوف بنتك.. ومش بس اكده اول ما تفوق هاخدها على دار أبويا و آآ ورقه طلاقي كومان يا ريت تبعتها لي وكل واحد يشوف حاله بعيد عن التاني يا ابن الناس وخلصت لحد اهنا.


فرك طرف ذقنه وهو يواصل الكلام في طيات رأسه ليستوعبه، ثم رد بما بدا أشبه بالوعيد


= ده انتٍ بقى لما طلبتي الطلاق اولاني كنتي قصداها مش كلمه خرجت منك اكده بدون قصد! ده انتٍ ما طلبتهاش لما عرفتي ان انا مش بخلف چايه تطلبيها دلوج


عندها عقبت غالية بعبارة قوية المعنى، وكأن فيها لومًا مستترًا على ما تعرضت له ابنته في غيابه ورفضه الغير الطبيعي لحل الأمر وكانت هي من دفعت الثمن بالنهايه


= طب كويس انك عارف ان انا استحملت و صبرت كتير معاك وآخر المعروف بنتي تروح، بس كان لازم من البدايه أعرف طالما عيلتك بالشر ده شرك برده هيطلنا، بس كنت ارجع اقول انت غيرهم! لكن خيبت ظني يا سراچ وما طلعتش غيرهم.. عشان اكده انا بطلب الطلاق كل إلا بنتي يا سراچ.. كله إلا بسملة..


وبشيءٍ من عزة النفس والكرامة خاطبته تضيف وهي تنظر إليها بعينين دامعتين


= انا غيرك مستعده عشانها اعمل اي حاچه حتى لو هتنازل عنك لكن انت اخترت خلاص، يبقي هملنا لحالنا الله يرضى عنك وسيبنا و روح لحالك بقى عاوز تكمل تار ما تكملش بس بعيد عننا.. و ما يطولناش.. ولا أنا ولا بنتي هندفع التمن .


❈-❈-❈


لم يصدر عن سراج أي صوت وهو يري اخيه يفتح باب مكتبة بحرصٍ شديد ليلج إلى الداخل كان البهو شبه معتم خافت الإضاءة 

لا ضوضاء جالس فقط بهدوء تام، متعباً الملامح رمقه فقط بنظرة غير مريحة بصمت لذلك أضطر الآخر الى التقدم إليه، نظر فؤاد له بتوترٍ قلق وهمس بصوت مرتعش بعذاب، كأنما يستجديه لينقذه من ضميرة الذي استيقظ قبل فوات الأوان 


= سراچ ممكن تسمعني من ساعه ما رجعتني الدار وانت مش راضي تبص بخلقتي وانا عذرك يا اخويا، بس اقسملك بايه ما كنت قاصد اعمل في بنتك اكده.. أنت عارف كويس أنا بحبها قد ايه وبعتبرها بنتي انا مش بنتك أنت. 


خاطب سراج أخيه بلهجته الهادئة وهو ينهض من مكانه


= خلصت بعد من قدامي!. 


انقبض قلبه بقوةٍ من رده فعله الجامدة تلك، فصرخ في حرقة ودموعه تنسال بغزارة


= يا سراچ ما تسيبنيش لضميري ورد عليا باي حاچه طفي ناري، طب سيبني حتى اروح لغاليه استسمحها تسامحني، حقكم عليا كلكم والله ما كنت قاصد أن كل ده يحصل 

 

رفض سراج الاستماع الى تلك الأمور الذي ليس لها قيمه لدي، وصاح في عصبيةٍ جمة


= لازم تبقى عارف كويس حاچه واحده انا اللي مصبرني عليك حتى لو مش قاصد اللي عملته ان غاليه ما اتهمتكش وقالتلي خليه يروح لحاله، لكن لو كانت نطقتها وقالتلي عاوزه حق بنتي من اخوك ما كنتش هتردد لحظه واحده وارميك في السجن.. 


تحشرجت أنفاسه ونظرت إليه بندم فقال بصوتٍ متقطع بيأس 


= طب يا ريتك كنت عملتها احسن من اللي انا فيه، يا ريتنا سمعنا كلنا حديد غاليه وقدمنا الكفن فعلا من زمان بدل القرف اللي عايشين  فيه ده كله دلوج.. احنا ايه اللي وصلنا لكده يا اخوي؟!. 


دفعه بخشونة تجاه باب غرفة المكتب بتعبيرٍ واجم للغاية وهتف بقسوةٍ


= أسأل أمك اللي حردتك عليا كيف ما حردتك على عيله البدري!. لحد ما بقى كلنا همامنا التار وما بنفكرش في حاچه غيره.. حتى اوجعنا نسيناها لحد ما القسوة اتملكت فينا وما بقاش في رحمه في قلوبنا.


❈-❈-❈


بعد مرور أسبوعين، رمشت بعينيها عده مرات ببطء وألم وتداركت نفسها فوق فراش المستشفى لتتطلع إلي حولها باستغرابٍ، فدنت الدكتوره منها مُلقية عليها التحية


= صباح الخير، حاسه بايه دلوج.


وضعت غالية يدها فوق رأسها بألم شديد وهي تتسائل بتوجس


= آه.. هو في ايه، ايه اللي حصل؟ 


أجابته بابتسامةٍ رقيقة وهي تساعدها في الجلوس 


= بالراحه على مهلك ما تقلقيش لقيناك فجاه وقعتي من طولك وانتٍ قاعده بتخلي بالك من بنتك.. وندوني عشان اكشف عليكي .


تنهدت بعمق ثم قالت بعدم مبالاة وهي تهم بالنهوض


= تلاقيني من قله الوكل والمجهود متشكره يا دكتوره انا بقيت زينه هروح اشوف بنتي.. لحسن تكون فاقت وما فيش حد جنبها .


منعتها الأخري من القيام مشيرة بنظراتها وبيدها باهتمام 


= انتٍ فعلا اللي حصولك بسبب قله الوكل والمجهود الكتير بس لازم تخلي بالك من نفسك خصوصا انك ما بقيتيش لوحدك دلوج وبقى جواك روح، مبروك انتٍ حامل!. 


كل ما استطاعت فعله غالية بتلك اللحظة هو حبس أنفاسها المصدومه والإطباق على جفنيها تستوعب هذه اللحظات القاسية التي تمر عليها، هل من المفترض ان تفرح وهي على علم جيد بان المولود هذه المره اذا كان صبي ستكون نارين اخرى تتفتح عليها ووجع على فراق طفل اخر، لذلك بين جنبات نفسها ظلت تردد بلا صوت بحسرة 


= يمرك يا غاليه لو جي ولد فردوس مش هتسيبه في حاله وهيكون مصيره كيف مصير اخوات جوزك، يا وجع قلبي علي إللي لسه ما جاش هلاقيها منين ولا منين يا ربي.


❈-❈-❈


تجمعت هموم الدنيا وشقائها في ملامح سراج التعيسة وكيف له ألا يحزن وقد فقد الكثير 

في غمضة عين، حاول قدر استطاعته توفير الحماية اللازمة لعائلته بكل ما في من عزيمه لكن تراجع باللحظه الاخيره ليتفاجا بابواب  الجحيم تفتح له وتطعنه في اعز ما يملك، ولم يقف هنأ الأمر فقط بل أيضا زوجته ابتعدت عنه هي وابنته خوفاً من هذه النيران التي طالتها مؤخرا، ولأنها لم تجد بعد الحمايه معه!. 


تقدمت في تلك اللحظه تهاني الخادمة نظرت إليه بشيءٍ من التعاطف، بينما هتفت تتساءل في ذهول مصدوم


= سراچ بيه ست غاليه بره وطلبت مني ادخل الم حاجتها هي وبنتها عشان هتقعد في دار ابوها! هي خلاص هتسيب الدار فعلا ؟. 


عقد حاجيبة بحده ثم قال باستفسار منها مع نظرة عميقة


= هي فين يا تهاني بره لوحدها ولا معاها حد! 


ردت عليه وهي تشير بيدها للخلف


= ما رضيتش تدخل الدار هتلاقيها بره، بس لو تقصد بسمله بنتك فانا سالت على صحتها قالتلي انها فاقت وبقت زينه ونقلتها دار ابوها الله يرحمه، و دلوج محتاچه حاجتهم  


نظر لها مطولاً ثم بعدما أمر الخادمه بان تجهز ما تريده فأومأت برأسها بخفةٍ، وهو تحرك بخطواتِ للخارج ليجدها تقف تخفض رأسها بطريقة شابه الخزي فيبدو أن أتعس لحظات حياتهم ما زالت في الانتظار، حمحم قائلاً بثبات 


= خير يا غاليه ما دخلتيش ليه دارك محتاچه عزومه عاد ولا إيه؟


ارتجفت كليًا عندما سمعت صوته وتلقائيا ضغطت على بطنها بحمايه وبدت غير قادرة على التماسك لمجرد تخيل ان يمسه ضرراً،  ابتلعت ريقها وقالت بصوتٍ واهن للغاية


= دي ما بقتش داري يا عمده أنا فعلا بقيت كيف الغريبه عليها وسطيكو! و من زمان حاسه بكده لكن كنت بقاوح عشان خاطرك..

و بعدين هو انت نسيت ان احنا اتفقنا على الطلاق ولا ايه؟ خلي الامور تمشي بهدوء عشان خاطر بنتنا يا سراچ وكفايه اللي راح .


جز علي أسنانه من عنادها وعنفها في غيظٍ


=انتٍ اللي اتفقتي مع نفسك مش انا، حتى بنتي بعداني عنها اشوفها.. عملت لك ايه عشان تعاقبيني كل العقاب القاسي ده!. 


انسكبت الدموع من مقلتيها وهي ترد عليه بأسئلة لا تجد أي إجابة مقنعة لها


=ما عملتش حاچه يا سيدي انا اللي ظالمه ووحشه كومان ولو عاوز تشوف بنتك مش همنعك! لكن قبل ما تيجي دار ابويا لازم تديني خبر 


برق حدقتاه بغضبٍ، وصاح في استنكار غاضب للغاية


= واه هنتعامل كيف الغرب كومان، ده انتٍ مصممه صوح على الطلاق مش موضوع غضبانه ولا زعل وهيروح لحاله... كل ده عشان رفضت الصلح يا غاليه بعد ما وعدتك انتٍ عارفه كويس ان انا ما ليش ذنب في اللي حصل لبنتنا، و غصب عني اتاثرت بحديد امي لكن وحياه بنتنا كنت هفكر في حل تاني الا ان اقتل واوجع واحد على إبنه، وانا اكتر واحد اتحرمت من النعمه دي ولما ربنا اديها لي عرفت قيمتها اكتر 


تقطع صوتها لهنيهة قبل أن تحاول إتمام عبارتها في حزنٍ متزايد


= انا مش بعاقبك يا سراچ وعارفه ان ده في الاول وفي الاخر نصيب وكان هيحصل لبنتي اكده، بس ما اقدرش ارجع كيف زمان عادي اكده وانسى اللي فات! اذا كان علي قسوه امك عليا ولا الامان اللي مابقتش حاسه بيه چارك . 


سدد لها نظرة نارية قاتلة مبطنه بالألم فصعب عليه يستمع جمله مثل تلك منها، فاقترب بسرعه وجذبها من ذراعيها سأله في لوعةٍ مشوبة بالإلحاح


= معناته ايه الحديد ده؟ انتٍ هتسيبيني بجد وتبعدي عني.. حتى بعد ما طلقت زينب و ما بقاش في غيرك كيف ما كان نفسك وعاوزه.


أبقت نظراتها المقهورة بعيدًا عن وجهه وأجابت بإيجازٍ حتى لا تضعف 


= سراچ عشان خاطر ربنا هملني، وبعدين هو انت مفكر أن زينب هي اللي كانت المشكله بينا وبس، احنا اكده اصلا من زمان!.  


اشتدت قبضته عليها واخشن صوته قليلًا حين حذرها


= هي وصلت لكده يا غاليه ما بقتيش حاسه بامان معايا، ماشي يا بنت العم روحي اقعدي في دار ابوكي كام يوم ويحلها ربنا بعدها.. بس خدي معاكي تهاني عشان لو احتجتي حاچه، ومش عاوز اعتراض وانا كومان يومين هاجي اشوف بنتي واديني اهو بعرفك قبليها.


❈-❈-❈


بعض الأشخاص الملامين بالشر لا يمكن السيطرة عليهم بسهولة خاصة حينما تتعلق الأمور معهم بتقدير الذات والتقليل من شأن هذه النزعة الغرورية التي يمتلكها كلا من كانت تتأثر بسوء اختيارات من حولهم ومهما يحاولون التغاضي عن تصرفاتهم الغير مقبولة تعود مشاعر الضيق والنفور لتستبد بهم.


بتعابيرٍ تبدو منزعجة ونظرات حانقة هتفت فردوس معترضة 


= يعني فات شهرين والحال كيف ما هو! ولا أخذت بتار أخواتك ولا رجعت مراتك اللي عملت فيها زعلانه وراحت تتصرمح في دار ابوها لوحدها.. والبنت كومان خرجت من المستشفى واخوك ما كانش يقصد


لم تخف حدة الضيق من على تقاسيمها وهي لا تزال تُحادث أبنها بتبرمٍ ناقم


= انا ما عارفاش طالعه فيها على إيه؟ ما بنتها كيف القرده وما فيهاش حاچه اما صدقت تتلكك عشان تغضب، ما انت لو تسمع حديده وتسيبك منها وتتجوز غيرها الله بسماه هي اللي هتجيلك ركعه غصب عنها و نادمه.. بس بلاش زينب شوف غيرها طلعت اعفش منها.


أوغر ما سمعه صدره وملأوه بالغضب فلم يتحمل كلماتها المسيئة على ابنته الوحيده ولا ظنونها الباطلة على زوجته، فنهض مندفع موجهة كلامه إليها بانفعالٍ


= هو انتٍ عاوزه توصلي لايه بالظبط من كل اللي بتعمليه ده؟ بنتي اتشلت وممكن تفضل اكده طول حياتها عايشه على كرسي بسبب التار اللي في فضلتي تحردي ابنك الصغير عليه؟ عشان انا اتحرك واقولك خلاص انا اللي هقتل ناس ملهاش ذنب عشان ترتاحي ونارك تبرد . 


هتفت فردوس بلا تفكيرٍ بتأففٍ أكبر


= يا ريتك كنت عملت اكده! مش ماشي ورا مرتك وكنت عاوز تقدم الكفن كومان... انا ما عرفاش ايه اللي جريلك فين نخوتك كراجل صعيدي سايب حق اخواتك اكده 


برقت عيناه ذهولًا وهو لا يزال يستوعب قسوتها ضده الصغيرة


=وبنتي اللي راحت رجليها وهي ما لها ذنب مش فارقه معاكي ما جبتيش سيرتها يعني ولا قلتي خذ بتارها؟ 


فصاحت باستنكارٍ ضاعف من شعور الذنب لديه لانه استمع اليها بلحظه ما 


= تاخد بتارها من مين انت اتجننت هتقتل اخوك ولا ايه عشان حته بنت؟ تلاقيه حديد مرتك مش اكده دلوج عرفت وجع الضنه و بتحرضك تقتل اخوك... عارف لو قربت منه أنا الـ...


نظر لها بنفس الحال البائس، بل يمكن القول أنه أصبح أكثر بؤسًا وشقاءً بعدما أحبطته بقسوتها الصريحة لتقديم يد العون له، ليقول بصوت ساخراً بألم


= هتعملي ايه ياما هتقفي وتقتليني! تعمليها ما انتٍ خلاص الشر اتملك منك و ما بقتيش تفكري غير كيف تخلصي علينا واحد ورا الثاني، وكل اللي عاوزاه التار ومش مهم بقى يجي كيف ولا مين يروح فيها؟ 


نظرت إليه مليًا فأكملت تعنيفها له بجحود 


= كل ده عشان خاطر بسمله بنتك! ما كانش يقصد وانت عارف اكده كويس، ومع ذلك اسفين يا سيدي حقك علينا انت و الهانم مرتك حلو كده! 


نظر لها شزرًا قبل أن يرد بانفعال ظاهر 


= بسهوله اكده طب وانتٍ ليه زعلانه لما قلتلك هنقدم كفن طالما الموضوع ممكن يتحل باسفين وحقك علينا وما كناش نقصد.؟ 


انتفضت مع صيحته الهادرة فأتى تبريره وقحًا ومهينًا في نفس الآن منها


= انت هتقارن اخواتك الرچاله الاثنين بحته البنت! هتفيدك بايه ولا هتعملك ايه هتكون كيف الرچاله هتبقى سندك ولا في ظهرك يوم ما تحتاجها، اخرها هتقعد في الدار وتقعد تشعلل فيك كيف امها ما هي تربيتها .


بهتت ملامحه وأصبحت شبه شاحبة بعدما فرت الدماء من وجهه، ليرد بجمودٍ


= طول عمري نفسي اعرف بتكرهي ليه بسمله للدرجه دي؟ من ساعه ما جيت على الدنيا ولا شفتك حنينه عليها مره واحده حتى! عملتلك ايه العيله الصغيره دي إللي ما تعرفش لسه حاچه في الدنيا كل ذنبها عشان اتولدت بنت حاچه مش بايديها ولا بايدينا... ما تستاهلش منك كل الكره ده حتى وهي بين الحياه والموت ما شفتكيش زعلانه عليها ولا اتعاطفتي معاها، بالعكس عماله تقوليلي ايه يعني كويس انها جت فيها وما جتش في حد من الرچاله.. دي لو فروجه (فرخه) هتزعلي عليها اكتر من أكده يا شيخه .


همَّت بالكلام؛ لكنه استمر مسترسل بغضبٍ اكبر نابع من نفاذ صبره


= خلاص بكفيكي عماله تحطي النار على البنزين لحد ما جبتي اخري! ما بتفكريش غير في نفسك ومش فارق معاكي البنت اللي ملهاش ذنب دي... بس لا ياما بسمله زيها كيف اي حد اهنا وكيف ما انتٍ زعلتي على ولادك انا كومان حقي ازعل عليها . 


زمت شفتيها وقد تعالي صوتها المنفر


= ازعل هو انا كنت مسكتك طول عمرك ما تعملش غير اللي في رأسك، انا خلاص غلبت معاك براحتك مشاكلك وحلها بنفسك!


ضحك ساخرًا منها بيأس ليردد بعدها بما أوقد نيران الحنق في صدره


= دلوج حلها بنفسك ومش فارق معاكي اللي كانت هتروح! ده انا على اكده لو كنت سمعت حديدك وقتلت حد من عيله البدري وبنتي برده حصلها حاچه كنتي هتقوليلي وانا مالي مشاكلك وحلها بنفسك برده مش اكده؟ 


تنفس بعمق وأكمل كلامه بنبرة جريحة


=انا عمري في حياتي ما هنسى قسوتك دي ياما، بس يمكن ربنا عمل اكده عشان يعرفني قيمه وجع الضانه.. والدم اللي انا استهونت بيه وما كنتش عاوز اقفله بين العيلتين، و اهي اتردتلي في اعز ما أملك .


❈-❈-❈


شعر بلفحه برودة غير عادية عندما أبتعد عن حضن أبنته الصغيره التي كان يحارب أمامها عدم انهيار دموعه وهو يراها بتلك الحاله غير قادره على السير والركض مثل قبل، لم يكن يتخيل ان لقاءه بها وهو يراها بتلك الحاله سيكون صعب لهذه الدرجه، وشعور الذنب داخله تضاعف .


تململ في جلسته جانبها ليجعلها تعود في احضانه والتفت ناظر إليها في اهتمامٍ، وسألها  باسمًا


= محتاچه حاچه يا حبيبتي لو في اي حاچه عاوزاها اطلبي وانا عيوني ليكي.


أجابته الصغيرة بإيماءة خفيفة بعبوس 


= هو انا مش همشي تاني وهفضل قاعده على الكرسي ده طول الوقت! انا زهقت وعاوزه اقوم.


نظر سراج لها مطولاً في أسف، وطلب منها في نبرة راجية مؤلمة 


= اصبري يا حبيبتي والله لا هعمل المستحيل وكل اللي يطلع بايدي عشان اخليكي تمشي من تاني... سامحيني يا بنتي لو انا السبب فعلا في اللي حصولك، يا ريتني كنت قبلت بتقديم الكفن لو هو ده اللي كان هيمنع اللي حصل. 


حاول أن يواسيها بالكلماته اللطيفة فودَّ لو أن يمتلك مفاتيح السعادة، وقتها لما بخل عليها بها.


❈-❈-❈


بـعـد مـرور أسبوعين.


تنهيدة عميقة خرجت من رئتيها لتمنحها بعدها

قبله عميقة فوق رأس طفلتها بعد أن نامت أخيراً، تطلعت نحوها مطولاً بنظرات آسف على ما هي بقت فيه! لا تعلم من السبب الحقيقي وراء ذلك لكن بالنهايه تعلم بأنة النصيب و زوجها ليس له ذنب! لكن من جهه أخرى اصبحت تشعر بالخوف وعدم الأمان بالعيش مع تلك العائله في وسط تلك الدماء كلها والثأر الذي طال حتى ابنتها الصغيره.. فبالتاكيد سيطول ذلك أبنها الآخر أيضا الذي لم يعلم والده وجوده حتى الآن!. 


وتعلم جيد اذا علم سيجبرها على العوده وحماتها ستامل بأن يكون المولود صبي و ستبدأ باقوالها السخيفه كعادتها ليكون هو السند للعائله بعد سراج وخصوصاً وان الرجال في العائله قلت! لذلك هي على يقين تام بان ابنها سيكون هو المتولي بكل الشؤون! لذلك هي فضلت البعد والانفصال لكن مؤقتا! فبالتاكيد الجميع سيعرف خبر حملها ولم تقدر على حمايه ابنها مثلما حدث مع بسملة بالضبط.


الإنفصال عن حبيبها كان عسيرً وغير يسيرٍ عليها فشعرت غالية وكأن روحها تتمزق، و قلبها يتفتت و بالكاد حاولت الاعتياد على مُفارقته لتباشر حياتها لكن تبدلت أحوالها كثيرًا، وصارت أكثر تعب وخوف ودائما يتردد شيء واحد في عقلها: يجب ان تتخلص من ذلك الطفل بنفسها قبل أن يأتي على الدنيا ويقبل بتلك العادات والتقاليد القاسيه مجبر مثل والده!. 


اقتربت منها تهاني بتلك اللحظة وربتت على كتفها في إشفاقٍ مهونة عليها حزنها قليلًا هاتفه 


= والله سراچ بيه بيحبك يا ست غاليه،

استهدي بالله وارجعي بيتك زمان ست فردوس مش ساكته وعماله تزن فوق دماغه

وما ينفعش نسيبه لوحده بردك.


نظرت إليها مطولاً فاستأنفت حديثها المرير


= مش مستنياكٍ تدافعي عنه يا تهاني انا الوحيده اللي عارفه كويس، وعارفه أن غصب عنه ضعف لتقاليدنا لكن انا مين يطمن قلبي على اللي جوه ولا على اللي جي!. 


عقدت حاجيبها باستغراب وعلقت عليها بحذرٍ


= ست غاليه هو انتٍ تقصدي ايه هو انتٍ حامل!؟ فرحيني وقوليلي ايوه ده سراچ بيه هيموت من الفرحه لو عرف خبر كيف ده في وسط الغم اللي احنا شايفينه.


انفجرت غالية باكية بحرقةٍ، وراحت تشتكي وتنوح في تعاسةٍ جلية


= مفيش حد هيعرف يا تهاني.. انا محدش حاسس بالنار اللي قايده في قلبي من ساعه ما عرفت ان انا حامل ومش عارفه افرح بابني زي الخلق، ده لو جه ولد فردوس مش هتسيبه في حاله وهتفضل تمليه شر وقسوة!. عشان اكده لازم اخلص منه قبل ما يجي.


شهقت تهاني بصدمة كبيرة، وبدأت الأخري 

تبكي على كتفها فظلت تربت على ظهرها بعدم تصديق وحزن، لكنها تجمدت مكانها حين أمرتها بصوت جاد


= عاوزاكي تتفقيلي مع خالتك "عقيلة" الدايه عشان تسقطني وحسك عينك حد يعرف حاچه بالموضوع ده!! 

انتظروووا الاخير


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


قارئاتي وقمراتي وقرائي الغاليين بعد ما تخلصوا القراءه هتلاقوا الروايات الجديده والحصريه إللي هتستعموا بيها من هنا 👇 ❤️ 👇 💙 👇 ❤️ 👇 




🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


إرسال تعليق

أحدث أقدم