رواية لعنة الخطيئه الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه فاطمه أحمد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
رواية لعنة الخطيئه الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم الكاتبه فاطمه أحمد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
الفصل السادس : حريق آخر
( شهق بضعف وهو يرمش بعينيه قبل أن يفتحهما ويحرك حدقتاه بعشوائية حتى وقعتا على ضوء النهار المنبعث من الخارج، تسارعت خفقاته وحاوى التحرك لكنه لم يستطع سوى إصدار تأوه مكتوم إسترعى إنتباه فاروق الذي نام على المقعد بجواره وحكمت التي كانت واقفة أمام النافذة بوجوم.
فأقبل عليه الإثنان بلهفة حتى يطمئنا عليه ومسحت السيدة حكمت على وجهه بحنان جلي ظهر على نبرتها وهي تهتف بلوعة :
- حمد لله على سلامتك ياحفيدي.
- حمد لله على سلامتك يا آدم بيه.
حدجهما بتركيز منعدم بدأ يتدفق رويدا رويظا مع تسلل آخر لقطات عاشها قبل فقدانه الوعي لذاكرته، فنضب اللون من عينيه واحتشدت أنفاسه لهجوم الذكرى المنبثقة من بين حناياه حينما عُرض نفس المشهد أمامه كأنه يعيشه مجددا، مشهد نيجار وهي تلقي نظرات سامة عليها ثم تطعنه !
شهق آدم مندفعا للمس مكان الطعنة يتأكد من أن ماعاشه حقيقي ورغم أنه ضغط على جرحه الحديث لكنه لم يأبه به لأن المحترقين بالنار لا يشعرون بوخزة الشوكة، وناره هو كانت المرأة التي عشقها وجازف بكل شيء لأجلها فغدرت له !!
أسدل جفناه وإحساس الخيانة ينهشه من الداخل ليكلمه فاروق بترقب :
- آدم بيه انت كويس حاسس بأي وجع ؟
- نيجار.
همس بإسمها وإنكمشت تقاسيم حكمت بينما فهمه الآخر على نحو مختلف فغمغم بهدوء :
- انت بتسأل نيجار فين ؟ احنا مشوفناهاش غالبا صفوان هو اللي داهم البيت وخدها معاه غصب بس متقلقش...
قاطعه بنبرة ميتة :
- نيجار اللي عملت فيا كده ...)
**عودة إلى الحاضر.
تراجعت نيجار خطوة للخلف وحاولت التحدث فخرجت كلماتها على هيئة حروف متقطعة :
- أنا ... أنا بحذرك وبقولك أنك هتندم لو بتفكر تؤذيني ... اللي حصل يومها مكنتش عايزاه بس ... متقربش مني.
تماهى صوتها مع آخر كلمة عندما وقف آدم أمامها وجذبها من ذراعها لتلتصق به، شحب وجهها وشهقت مجفلة فوضع أصبعه على شفتيها يمنع صدور حرف منها هامسا :
- هشش إهدي.
تسربت دموعها كخيوط شفافة فتنهد آدم بغير رضا وشرع يمسحها بحنان مفرط معقبا :
- ليه الدموع ديه بس ياحبيبتي إنتي عارفة إني مبحبش أشوفك بتعيطي.
عقدت نيجار حاجباها بتوجس كأنها تطالع مخبولا فارًّا من مستشفى المجانين وإحترزت متوقعة أي ضربة منه لكنه على عكس ماتوقعته جذبها إليها أكثر حتى لم تعد تفصل بين شفتيهما سوى سنتيمترات قليلة وللحظة خُيِّل لها أنه سيقبلها عنوة لكي يكسرها فطفقت تتململ بين ذراعيه بهستيرية توهجت بها ليحكم آدم قيده عليها مبتسما بهوس :
- قولتلك اهدي ومتخفيش ياحبيبتي انا مش هعملك حاجة انتي عارفة غلاوتك عندي ... تعرفي انك وحشتيني اوي.
تقلص حاجباها ببلاهة كأنها تطالع مخبولا ولكن الصدمة إكتسحتها بجدارة حين سمعته يتابع مستدركا :
- حتى من كتر شوقي ليكي حطيتلك هدية غالية عليا في اوضتك عشان لما تشوفيها تفتكريني انتي كمان.
أي هدية يتحدث عنها، فكرت نيجار بإستغراب وسرعان ما إنتفضت بهلع متمتمة :
- القلادة اللي ضاعت مني يوم كتب الكتاب وفجأة لقيتها في أوضتي ... معقول انت ... ازاي ...
لمعت عيناه بهوس خطير فهزت الأخرى رأسها بذعر غير مصدقة أنه قام بإقتحام غرفتها بينما كانت تستحم إذا هي لم تكن تتخيل عندما شعرت بشخص يتحرك في الشرفة !
- انت ناوي على ايه وايه اللي بتحاول تعمله ... ليه ضربت صفوان وكنت هتسيبه يموت بعدين جيت وعالجته ... وليه بتتصرف بالطريقة ديه.
صمتت تراقب تعبيراته ثم إستطردت بعنفوان :
- لو عايز تنتقم مني اقتلني دلوقتي انا واقفة قدامك اهو وبتقدر تعمل فيا اللي عايزه.
بقي آدم ينظر لها بعمقٍ سحبها نحوه بدون إرادة منها لترى مقدار النقمة والكره المشع من حدقتيه البنيتين وفي اللحظة التي ظنت فيها أنه سينفذ كلامها ويقتلها وجدته يفلت قيدها مدمدما بخشونة :
- خدي ابن عمك وارجعو لبيتكم وأوعى حد يسمع باللي حصل امبارح وإلا هيبقى آخر يوم في حياتك انتي وهو.
_________________
بعد مرور يومين.
توقفت السيارة أمام باب السرايا فترجل منها ودخل رفقة فاروق ليجد صوتا أنثويا يعلو مناديا بإسمه ثم تظهر شقيقته ليلى التي هرعت نحوه محتضنة إياه بعنفوان :
- ابيه آدم أنا مش مصدقة أنك واقف قدامي.
إبتسم آدم وهو يبادلها العناق ويداعب شعرها بحنو هاتفا :
- أنا هنا ياحبيبتي وحشتيني اوي.
رفعت وجهها إليه دون أن تفلت يداها من حوله :
- وانت وحشتني اوي يا ابيه انت كنت فين سبتنا وروحت ليه ديه الناس كانت بتقول أنك ... أنك مت في بيت الهضبة اللي اتحرق وتيتا مخبية الحقيقة عننا.
رافقت دموع ليلى كلماتها الأخيرة وعادت تشدد عليه فتنهد بوجل متذكرا ذلك اليوم الذي كاد يموت فيه حقا، طبع قبلة عليها مطمئنا إياها حتى هدأت وتنحت جانبا تفسح الطريق لجدتها التي سارت إتجاههما بشموخ مرددة :
- نورت يابن الغالي.
هز آدم رأسه بإحترام ثم أحناه حتى يقبل كف يدها، وبعد السلام والإطمئنان عليه صعدت ليلى حتى تنهي مراجعة دروسها أما حكمت فإسترجعت ملامح الجدية ونظرت إليه تسأله :
- انتو خلصتو اللي عليكم ؟
أماء برأسه مجيبا عليها :
- ايوة انا بعت السبايك للعمدة واتفقنا يسلمهم للتجار بتوعه بعد الاجتماع بتاع المسا حضرتك عارفة اني تواصلت معاه من كام يوم وقدرت اقنعه اني قاعد في المدينة بسبب مهمة شغل وهو وثق فيا وقالي ابعتله الدهب اول ما ارجع للبلد.
تدخل فاروق في الحوار متنهدا :
- كويس اننا قدرنا نسترجعهم قبل ميعاد التسليم مش عايز افكر ف ايه اللي كان هيحصل لو مسحبناش الكلام من نيجار و...
- متجيبش سيرتها !
قاطعه آدم بحدة مستعرة أجفلته فتدارك نفسه وصمت بينما تحدثت حكمت :
- انت هتلتقي بإبن الشرقاوي في الاجتماع النهارده وهتضطر تتعامل معاه علشان كده لازم تتحكم في أعصابك وتستحمل وجوده قدامك ... انا فاهمة قد ايه عايز تنتقم منهم وعارفة انك كنت ناوي تقتلهم بس الموت هيبقى أسهل عقاب ليهم يا آدم وهما لازم يتعذبو وكل واحد منهم بيبقى متمني الموت وميطولوش.
غامت عيناه بشرود طمسه وهو ينهض مغمغما بقتامة :
- متقلقيش انا هتحكم في غضبي واتعامل مع صفوان بشكل طبيعي اصلا انا كده كده مكنتش هطلع الموضوع لبرا لأني مش عايز حد يعرف قد ايه كنت غبي وخليت واحدة ست تلعب بيا وتوقعني في فخها ...ودلوقتي عن إذنك هطلع أجهز نفسي.
ألقى جملته وصعد إلى غرفته تاركا حكمت تحدق في الفراغ بحقد أهوج إسترعى ترقب فاروق الذي جلس ينتظر أمرها فقالت :
- انا هدفع عيلة الشرقاوي تمن كل قطرة دم نزلت من حفيدي أما نيجار ديه ليها حساب لوحده.
****
بعد سماع كلام الطرف الآخر على الهاتف أغلق الخط ورماه على السرير صارخا بعصبية :
- كل حاجة اتدمرت ابن سلطان رجع السبايك للعمدة والصفقة هتتم ومراد بطل يتعامل معايا وآدم ممكن يكشف للعمدة اللي حصل معاه ولو معملش كده ف احنا لازم نستنى ونشوف هيعمل ايه عشان ينتقم مننا !
ضغط على رأسه بهستيرية وإلتفت خلفه ملقيا إتهامه الغاضب :
- كل ده حصل بسببك انتي يا نيجار لو محكيتيش لآدم عن الطريق اللي هتعدي من عليه شاحنات السبايك مكنش هيعرف يجيبهم.
أغمضت عيناها بضيق من نفس الكلام الذي يردده عليها منذ إستيقاظه ثم فتحتهما مرددة بحدة :
- انت بتتهمني وكأني عملت كده عشان نفسي مش عشان آدم ميقتلكش ! متنساش انك كنت واقع وبتطلع في الروح ولو اني مقولتلوش عن مكانهم كنت انت نايم في قبرك دلوقتي يبقى ليه قاعد تتعصب عليا.
وبعدين انت ناسي انك ورطتني في الخطة ديه وخليتني أدخل لحياة آدم عشان سبايك الدهب وبسببك وقعت نفسي في مشكلة معاه يعني بدل ما تفكر ازاي تحميني منه قاعد تفكر في نفسك بس !
زفر صفوان بخنق وحاول تمالك أعصابه فهتف بروية :
- انا عارف انك خاطرتي بحياتك بسببي بس مع ذلك معتقدش ان ابن سلطان هيقدر يعمل حاجة وممكن هو لسه بيحبك علشان كده مقتلكيش.
مالت شفتا نيجار في تهكم منه وخطت نحوه مطرقة بأصبعها على صدره وهي تردد :
- انت لو شوفت وشه لما كان هيحدفني من على البلكونة ولو شوفته وقت لما ضربك بالنار وساومني بيك مكنتش هتقول كده.
- متخفيش انا هحميكي وهنقدر نسترجع اللي خسرناه بعد ما نعمل خطة تانية ونوقعه.
أكد لها صفوان حتى يطمئنها لكن ملامح وجهها لم تلِن بل إزدادت حدة وهي تغمغم بتحذير :
- مليش دعوة بالكلام ده انا خلاص طلعت برا اللعبة ديه ومبقاش يهمني مين يكسب ومين يخسر اللي يهمني دلوقتي هو اني اسافر في أسرع وقت قبل ما آدم و حكمت هانم يوصلولي ويؤذوني.
حكَّ ذقنه بطرف اصبعه ممتعظا من هذه الفكرة التي أقلقته حقا فنيجار الآن معرضة للخطر وربما ستدفع حياتها ثمنا للعبة التي أدخلها بها عنوة عندما طلب منها أن توقع آدم في شباكها وتسحره إلى درجة أن يثق بها ويأخذها بنفسه لمكان السبائك.
ثم نظر لها وحاوط كتفيها مغمغما بصلابة :
- أنا وعدتك اني هحميكي ومخليش حد يؤذيكي يا نيجار ثقي فيا.
إهتزت حدقتا عينيها بإنكسار متذكرة بأنه أخبرها بنفس الشيء شابقا لكنه جعلها تطعن آدم بسكين مسموم حتى تكون مشتركة معه في جريمة القتل فدرأت ضعفها المؤقت سريعا ثم أزاحت يداه وتراجعت للخلف معقبة عليه :
- اتمنى تكون قد وعدك المرة ديه.
إستدارت مغادرة الغرفة تاركة إياه بمفرده وسط أفكاره فأخذ نفسا عميقا وزفره على مهل مفكرا في حل لهذه المعضلة، وفجأة إلتقط هاتفه وأتصل بمراد الذي رد عليه بخشونة :
- خير مش انا قولتلك مش عايز اسمع صوتك تاني.
كتم تأففه منه وقال محاولا إستمالته :
- مراد انت عارف ان آدم خطفني وضربني وهدد بنت عمي بيا عشان كده هي اضطرت تقول اللي بتعرفه وتنقذني يعني انا مليش دعوة ومكنتش ناوي اتكلم خالص.
- وانا مليش دعوة بردو متنساش ان الضرر طالني زي ما طالك وخسرت كتير كمان وكل ده عشان وثقت فيك.
- بس احنا بيننا اتفاق عشان ندمر عيلة الصاوي ازاي تقدر تلغيه دلوقتي.
- احمد ربك لأني اكتفيت بإني الغيه ومجيتش قتلتك ومتنساش ان اتفاقنا كان ع اساس ادور ع مكان الدهب وابعتلك رجالي يساعدوك تداهم البيت وبعدين نتقاسم حقه بس انت حبيت تتذاكى وعملت خطة عشان تقتل آدم وياريت نجحت فيها لا فشلت بجدارة وورطتني معاك علشان كده انا مش عايز اعرفك تاني مفهوم !
فتح صفوان فمه حتى يدافع عن نفسه إلا أنه سمع صافرة الهاتف تعلن عن إنهاء المكالمة فأطلق مسبة ساخطة يلعن فيها آدم ومراد والجميع !
__________________
داخل القاعة الكبيرة الخاصة بالإستقبال في منزل العمدة، وعلى طاولة إمتد إتساعها لما يكفي عشرين مقعدا ترأسها العمدة ذو الخامسة والستون عاما الذي جلس بهيبة واضحة للعيان يسند عصاه على كرسيه بينما يجلس بجواره آدم وعلى الطرف الآخر صفوان أما بقية الكراسي فتوزعت على التجار المشتركين في الصفقة.
ساد الصمت حينما تنحنح الأخير طالبا إنتباه الجميع ثم قال بصوت جهوري :
- نورتو بيتي المتواضع يا جماعة الخير، ده آدم سلطان الصاوي صاحب البساتين اللي بنصدرلكم منها الخضر والفواكي ويعتبر إيدي اليمين وفي مقام إبني وده صفوان الشرقاوي إبن المرحوم محمود ومن اكبر عائلات البلد وصاحب بساتين الجهة الشمالية ... و دول تجارنا الكرماء اللي بنتعامل معاهم بقالنا سنين وعمرهم ما خيبو ظننا بيهم.
إرتفعت الهمهمات من جميع الأطراف مرحبين ببعضهم وشاكرين العمدة الذي أردف :
- الحمد لله ربنا كرمنا والصفقة تمت وسبايك الدهب موجودة في الشاحنات بتوعكم والنقل هيتم وسط حراسة كبيرة آدم وصفوان مسؤولين عليها أنا حطيت ثقتي فيهم وعارف انهم قدها.
رفع كل منهما عيناه مطالعا الآخر بقتامة لكن حدة وغضب آدم تغلبا على نظرات صفوان التي غلبها التوتر من أن يقوم بفضح فعلته بعد إنتهاء الإجتماع، ورغم هذا لم يظهرا ماهية دواخلهما بل أكملا تناول الطعام في هذه الوليمة التي قام بها العمدة على شرف إتمام الصفقة وتابعا التحدث معه ومع بقية التجار مدعيين تفاهمهما البارد.
وبعد ساعات قليلة كان منزل العمدة الفخم قد فرغ من التجار فعاد وجلس على مقعده هاتفا بهدوء :
- ودلوقتي يا ابن الصاوي قولي انت كنت فين وايه حكاية بيت الهضبة اللي اتحرق ومين المسؤول ع اللي حصل.
تشنج صفوان وأحس بضربات قلبه تزداد عنفا فإزدرد لعابه وإعتدل في جلسته ينتظر الإتهام الذي سينزل على رأسه ويجهز الردود التي ستكذبه.
غير أن الصدمة كانت من نصيبه عندما رد آدم بصلابة :
- محدش مسؤول عن الحريق حضرتك الحادثة مش بفعل فاعل بس حصل تسرب للغاز جوا البيت والحراس مخدوش بالهم وده خلى النار تولع فيه بس الحمد لله اني كنت نقلت السبايك لمكان تاني قبلها بيوم عشان كده فضلو في أمان.
إشرأب عنق العمدة ناحيته بنظرة حسابية غير موقنة من حديثه فلقد توقع أن يقوم بإتهام صفوان أو أي أحد آخر لكنه فاجأه بقول نفس الكلام الذي قالته السيدة حكمت حينما سألها عما حدث.
حمحم وهتف مستطردا :
- بس الناس قالت انك كنت هناك وفي اللي قال انك مُت انا مش فاهم الإشاعة ديه انتشرت ازاي وانت في المدينة.
أدرك آدم بأنه لم يصدقه بالكامل فحدجه قائلا بثقة :
- الناس ملهاش شغل غير انها تطلع كلام فارغ حضرتك عارف ان منافسيك كتار ممكن واحد منهم حب ينشر الإشاعة ديه عشان يأثروا على عيلتي وسمعتك أنت تقع في الأرض.
- يعني انت متأكد ان ده كل اللي حصل مفيش حاجة تانية ؟
نفى برأسه مجيبا ببرود :
- ايوة متأكد ... وبالمناسبة أنا عايز اشكر صفوان لولاه مكنتش الصفقة هتتم هو اللي جاب معدات آمنة وعندها جودة كبيرة عشان ننقل السبايك عليها وهو اكتر واح أشرف على أمن الطريق اللي هتعدي منه.
إنتصب واقفا ودنى من صفوان ثم مد له يده حتى يصافحه :
- أنا بتمنى نفتح صفحة جديدة مع بعض.
لو كان بمقدوره الآن لوقع على الأرض صارخا بجنون من الهراء الذي يسمعه، أو ينقض عليه ويسأله عن ما إذا كان يريد حرق أعصابه وإصابته بالخبل.
هل آدم يخفي حقيقة طعنه وحرق المنزل وسرقة الذهب ؟ ولكن لماذا إنه يستطيع بكل بساطة تأكيد إتهامه فيجعل العمدة ينزع منه صلاحياته ويطرده ولن يلومه أحد إن قام إبن الصاوي بقتله إنتقاما لدمه المهدور إذا لماذا يقوم بهذه التمثيلية.
إبتسم آدم على هيئته وكم راق له الضياع الذي يراه في عينيه فتنهد وهتف بأسف مصطنع :
- الواضح انه مش عايز يصالحني براحتك انا مش هجبرك.
- صفوان !
ناداه العمدة بخشونة محذرة وأشار له برأسه فوقف أمامه رامقا إياه بعشوائية قبل أن يمد يده له ويصافحه بصمت ... صمت لم يدم طويلا حيث وصله إتصال من أحد العمال لديه فإستأذن وأجاب عليه ليسمع الآخر يردد عليه بأنفاس متقطعة :
- الحقنا يا صفوان بيه النار ولعت في البساتين والزرايع اتحرقت مفضلش منها حاجة !!
_________________
الفصل السابع : قرار الصلح.
_________________
- الحقنا يا صفوان بيه النار ولعت في البساتين والزرايع اتحرقت مفضلش منها حاجة !
وكأنه سمع صافرة موته ! جحظت عيناه وشحب وجهه في بضع ثوانٍ كانت كفيلة لجعله يلفت الإنتباه وقبل أن يسأله العمدة عما حدث تحرك صفوان إلى الخلف صارخا :
- انت بتقول ايه بساتين مين ديه اللي اتحرقت ؟
إستمع للآخر الذي أجابه بخوف بأنه لا يعلم السبب حيث أن العمال كانوا في منازلهم حين سمعوا هرج الأهالي ليكتشفوا بأنه حدث إندلاع مهول للنيران في البساتين.
سقط الهاتف من يد صفوان وترنح في مكانه فإلتقطته ذراع آدم الذي غمغم متسائلا :
- في ايه يا صفوان ايه اللي حصل ؟
كرر العمدة نفس السؤال عليه فتمتم بتقطع :
- النار مسكت في البساتين بتاعتي ... بيتي اتخرب.
أجفل آدم وأظهر تعبيرات مصدومة فطفق يردد منذهلا :
- لا حول ولا قوة إلا بالله ازاي ده حصل ومين اللي قالك.
لم يجب عليه فتنهد مربتا عليه :
- انا عارف انك مصدوم دلوقتي بس هنعرف نحلها يلا تعالى نروح نشوف الوضع هناك.
- عايز تشوف نتايج اللي انت عملته وتشمت فيا ؟
همس صفوان بجمود ثم رفع عيناه المحمرتان وطالعه مكملا :
- انت اللي عملت كل ده صح.
قطب الآخر حاجباه بإستنكار :
- ايه اللي بتقوله ده.
هنا فقد آخر زمام صبره فإنتفض واقفا وقبض عليه من ياقته صائحا بجنون :
- انت اللي حرقت البساتين عشان تؤذيني وجاي دلوقتي تعمل نفسك مش فاهم فاكر اني مش هكشفك !
طحن ضروسه بغضب سافر وأبعده بغلاظة هاتفا :
- انت اكيد اتجننت انا هعمل كده ليه أصلا ازاي تفكر فيا كده.
كاد يهاجمه مجددا ولكن العمدة الذي كان صامتا منذ سمع بالحادثةأطرق عصاه على الأرض هادرا بصوت جهوري :
- بس أنت وهو كفاية لعب عيال اظاهر انكو مش مقدرين حجم المصيبة اللي حصلت ! ويا صفوان بدل ما تهاجمه من غير سبب ولا دليل روح شوف الخساير وفكر ازاي الحادثة ديه حصلت والغفر بتوعك كانو فين ولو في مسؤول عن اللي حصل انا هحاسبه بنفسي.
تجمدت عينا صفوان بنظرات صقيعية هوجاء ألقاها على آدم وواتته رغبة وحشية في قتله، كان قادرا على ملاحظة إبتسامته الجانبية التي طمسها خلف قناعه الهادئ البريء ومقتنعا تقريبا بأنه المسؤول عن الحريق لكنه لا يستطيع فعل شيء الآن لذلك آثر أن يتركه ويغادر حتى يتقفى مدى الأضرار التي لحقت به.
نادى العمدة لحارسه وأمره بأن يرسل مجموعة من الرجال للبساتين المحترقة ثم نظر لآدم الذي وقف بعبوس وقال :
- صفوان اعصابه تعبانة دلوقتي واللي عمله ناتج عن صدمته.
هز رأسه موافقا وأجابه برصانة :
- انا عارف حضرتك ومتفهم موقفه بس لازم نعرف ازاي الحريق حصل لأنه لو بفعل فاعل فده بيعني انهم بيهددونا كلنا بإعتبار اننا شركاء في عدة صفقات واللي بيضر واحد مننا بيضرنا كلنا.
رمقه العمدة بغموض مفكرا في مدى إحتمالية أن تكون لآدم يد فيما حصل بيدَ أن الوقت الحالي غير مناسب للتحقيق لهذا تنحى عن الشك مبدئيا وطلب منه الذهاب إلى مكان البساتين المتضررة وتقفي حجم الخسائر فوافقه الأخير سريعا مغادرا بصلابة.
وبمجرد خروج آدم من المنزل وركوبه لسيارته إختفى عبوسه وضيقه، ومالت شفتاه في إبتسامة خبيثة ظهرت بوضوح على معالمه وهو يهمهم بنبرة متوعدة :
- ديه البداية بس.
___________________
إنتشر خبر الحريق في القرية وهلع الأهالي والعمال الذين فقدوا مصدر رزقهم أما الحراس فتشتتوا بخوف من دفع ثمن الإهمال والجميع بدأ يتساءل عن كيف حصل هذا الحادث وإذا ماكان هناك مسؤول عنه أم أنه حادث عرضي ناتج عن إهمال الحراسة.
أما صفوان فكاد ينهار وهو يرى شقاء السنين يُهدر ببساطة لا يصدق بأن بساتينه التي كرس حياته من أجلها أُحرقت وأصبحت رمادا، إتكأ على سيارته بذهول تخلله الضعف يحاول إستيعاب مايراه حتى وصلت نيجار وركضت ناحيته مرددة بهلع :
- صفوان اللي حصل ده بجد ازاي ومين عمل كده ؟
رفع وجهه إليها وغمغم بغل شديد :
- اللي عمل فيا كده معروف.
إتسعت عيناها بإدراك ووضعت يدها على فمها تمنع شهقتها من الخروج ليتابع :
- إبن سلطان خرب بيتي حرقلي شقايا وتعبي عشان ينتقم مني ... بس أنا هقتله.
نطق جملته الأخيرة وهو يستل مسدسه ويلتف حتى يذهب لكن نيجار إنتفضت توقفه مهدئة إياه :
- استنى مينفعش تتحرك من غير ماتفكر اهدا شويا.
- اهدا ازاي انتي كمان مش شايفة حصل ايه ؟
أومأت بإيجاب مؤكدة له بأنها تتفهم موقفه لكنها هتفت بروية :
- محدش هيصدقك لما تروح تهاجم آدم من غير دليل هتبقى انت الخسران الوحيد وتتحاسب عشان كده لازم لازم نلاقي دليل ضده الاول وساعتها لو حبيت تقتله محدش هيلومك لأنك بكده هتبقى انتقمت لنفسك وللعمال اللي عندك.
توقف يستمع لحديثها بأنفاس متسارعة ووجه متعود وللأسف كانت إبنة عمه محقة لهذا حاول تهدئة نفسه والتفكير بما يجب عليه فعله.
غير أنه أدرك بأن فرصة الهدوء ليست متاحة له حينما لمح آدم ومساعده فاروق يدخلان لمنطقته ثم يقتربان منه ، وقف الأخير أمامه وتنهد ببرود :
- العوض بسلامتك ياصفوان الحمد لله ان مش كل البساتين اتحرقت لسه في أماكن متضررتش ... فاروق روح مع الرجالة بتوعنا وساعدوهم مش هيلحقو يطفو الحرايق كويس لوحدهم انت عارف الحرايق كترت اليومين دول ربنا يستر.
إبتسم فاروق بإستمتاع متمتما :
- أمرك يا بيه من عينيا.
غادر المكان وظل الثلاثة مع بعضهم فغمغم صفوان من بين أسنانه :
- أنا عارف ان نفسك تشوفني مقهور بس مش هنولك الشرف ده لأن مش إبن الشرقاوي اللي بيتذل قدام حد خاصة انت ... وهثبت أنك انت اللي سببت الحريق وانتقم منك يا ابن سلطان.
ظل على بروده ولم يطرأ عليه تعبير يدل على تأثره ثم إبتسم وهو يهمهم :
- ده آخرك يا بتهدد يا بتعمل حاجات غبية تقل منك، بس لو حصلت معجزة وقدرت تنفذ كلامك مرة واحدة يبقى ياريت تنتقم مني بنفسك مش تتخبى ورا الحريم وتستناهم يعملو اللي انت معملتوش.
إرتبكت نيجار التي ضربها تلميحه في الصميم فزفرت وأشاحت وجهها عنه بضيق متصاعد، أما آدم الذي لم يلقي عليها نظرة واحدة منذ مجيئه تابع حديثه العابث :
- عموما لو احتجت لأي مساعدة ف أنا موجود انت عارف آدم عيلة الصاوي مبتسيبش حد محتاج.
أنهى جملته وربت على كتفه بمؤازرة مصطنعة مغادرا بينما ظلت نيجار تلاحق أثره بعينيها وهي تفكر في ماهية خطوته القادمة، بعدما فهمت بأن إنتقامه منهما سيكون كالطعام الذي يؤكل باردا حيث أنه سيستمر بضرب عائلتها من نواحي غير متوقعة لكنها لن تكون نيجار الشرقاوي إن لم تتصدى له.
*** مر أسبوع على حادثة الحريق وأبدى آدم تعاونا كبيرا أمام العمدة مظهرا للناس بأنه سيتجاهل كل المشاكل بينه وبين صفوان ويساعده في تخطي المحنة التي يمر بها.
كما أنه لم يستطع أحد إثبات أن آدم هو المسؤول عن الحرائق حيث لم يتواجد دليل في الوسط فأرجح البعض إلى أن الحريق حدث نتيجة الأسباب الطبيعية المؤدية لإندلاع النيران ولم يستطيعوا السيطرة عليه بسبب إهمال المسؤولين عن البساتين والبعض الآخر فكر بأنه مفتعل من طرف مجهول بعيد عن القرية.
____________________
- قولتيلي مرضيتش تاكل ولا تاخد العلاج ؟
نطق بخشونة وهو يتحدث على الهاتف مستمعا للطرف الآخر ثم زفر بخنق مرددا :
- بس ليه كده ديه كانت كويسة النهارده الصبح ايه اللي حصلها فجأة اوعى يكون حد عملها حاجة ضايقتها !
أجابته الأخرى على الفور :
- لا يا مراد بيه انا باخد بالي منها ومحدش غيري بيدخل اوضتها بس الهانم بقالها فترة مش ع بعضها وبتتعصب بسرعة ... وحضرتك عارف حالتها مش هتقدر تقولنا ايه اللي مضايقها كده.
أسدل مراد جفناه بألم مبتلعا الغصة التي احتكمت حلقه على حين غرة حين تذكر حالتها المرضية لكنه حاول إستعادة رشده فلفظ الهواء على مهل وقال بنبرة شبه هادئة :
- ماشي انا هحاول اجي بدري النهارده واقعد معاها بس انتي خدي بالك منها و اوعى تنقصي عليها حاجة.
- أمرك يا بيه.
أغلق الخط ورمى الهاتف على سطح مكتبه بإهمال مدمدما بكلمات حاقدة متوعدة حتى تفاجأ بطرق الباب ودخول مساعده قائلا بجدية :
- يافندم في واحد طالب يقابل حضرتك رغم انه مش محدد موعد معاك بس مصمم يشوفك.
قضب حاجباه بنزق متوقعا أن يكون صفوان وتساءل :
- مين ده ؟
وقبل أن يجيبه الآخر تفاجأ مراد بظهور آخر شخص توقعه من العدم بهيئته المهيبة وهو يقف عند الباب بملامح صلبة راشقا إياه نظرات قاتمة تدل على أنه لا ينوي به خيرا ليغمغم بجمود :
- أنا ... آدم سلطان الصاوي.
إعتدل في جلسته رامقا إياه بذهول وللحظات إعتقد أنه يتخيل وجوده لكن عندما وجده يشير لمساعده "فاروق" بالبقاء خارجا ودخل هو بثقة تنحنح وجرب تمالك نفسه وإدعاء الثبات، جلس آدم بأريحية على الأريكة المقابلة ووضع قدما فوق الأخرى هاتفا :
- خير باين عليك متفاجأ أوعى اكون جيت في وقت مش مناسب او يمكن معرفتنيش.
طالعه مراد لهنيهة قبل أن يبتسم ويجيبه وهو يسند يداه على سطح المكتب ويجمعهما :
- لا أكيد عرفتك حضرتك غني عن التعريف بس أنا استغربت شويا لأني متوقعتش واحد زيك يجي لمكتب سمسار متواضع زيي.
تقلصت شفتاه في إبتسامة مماثلة وقال :
- حضرتي غني عن التعريف بس حضرتك مش معروف أبدا حتى اني عملت مجهود كبير عشان أقدر اوصلك.
أماء برأسه بينما يريح جسده على ظهر الكرسي الجالس عليه :
- أيوة أنا فتحت مكتبي في المنطقة ديه من فترة قصيرة ويدوب بدأت اتعرف بين العملاء اللي هنا، اؤمر حضرتك عايز انهي خدمة مني ؟
- عايز خدمة الحقيقة.
- مفهمتش.
إختفى البرود من تقاسيم وجهه وإنكمشت ملامحه بوحشية هاسًّا :
- ايه العلاقة مابينك وبين صفوان الشرقاوي عشان تتعاون معاه، وليه.
توضح لمراد من البداية بأن آدم قد زاره بعدما بحث عنه وحصل على أكثر قدر من المعلومات عنه نتيجة ذكر إسمه في خطة قتله الفاشلة فلعن صفوان وإبنة عمه بداخله بشزر ومع ذلك بقي محافظا على هدوئه وهو يقول :
- آدم بيه أنا لسه مش فاهم عليك، يعني أنا مجرد سمسار وظيفته يلاقي زباين عشان صفقات البيع والشراء يبقى ايه اللي ممكن يكون بيني وبين صفوان الشرقاوي غير الشغل.
- وشغلك بيتضمن ايه انك تتعاون معاه وتتهجمو عليا في بيت الهضبة وتحاولو تقتلوني بعدين تسرقو سبايك الدهب ؟ ده برضو جزء من السمسرة بتاعتك يلا رد عليا ولا انت مش راجل كفاية عشان تعترف باللي عملته.
إبتلع لسانه عاجزا هذه المرة على إيجابه بعدما واجهه آدم بأفعاله، فظل ينظر له بصمت ساد في الغرفة حتى همهم الآخر وإنتصب واقفا ثم إقترب وإنحنى عليه مستندا بيديه على السطح ، ملامحه الوحشية أكدت لمراد بأنه ينوي القضاء عليه الآن فتابع التحديق فيه بينما إنخفضت يده حتى تلتقط سلاحه المخبأ في الدرج.
إلا أن آدم كان أسرع حينما سحب مسدسه من خلف حزامه وضرب بأسفله وجه مراد فإنفجرت الدماء من أنفه لكن لم تتح له فرصة التأوه لأن آدم دفعه على الحائط وأطبق بيده على مجرى تنفسه ثم صوَّب فوهة السلاح على رأسه باصقا كلماته عليه بنبرة وحشية :
- لما اجي واسألك عن حاجة بترد عليا فورا وشغل ال**** ده متعملوش عليا.
أطلق مراد أنينا خفيضا وهو يحاول سحب يده من على عنقه لكنها كانت متصلبة حوله بعنف فكاد يلكم خاصرته المجروحة حتى يستطيع الإفلات منه بَيد أن آدم إبتعد بنفسه وتراجع للخلف مهددا بشراسة :
- أنا هسيبك المرة ديه لأني مش متعود أقتل حد قبل ما اخلص شغلي معاه وانت شغلي معاك لسه مخلصش بس وكيلك الله لو إسمك ده اتذكر مرة تانية ورجعت طلعت قدامي مش هستنى و هاجي أسلخ لحمك عن عظمك.
إسودت تقاسيم مراد وإهتزت حدقتاه بوضوح وهو يرشقه بحقد فلقد كان قادرا على التصدي له أو أمر رجاله بقتله بمجرد أن يغادر المكتب ولكن ليس الآن، ليس قبل أن ينتزع منه قوته ونفوذه ووقتها آدم بنفسه سيتوسل ليحصل على الموت !
لهذا إكتفى برشقه بإستهانة متمتما :
- أكيد ده مش آخر لقاء بيننا انا هبقى مستنيك تجي.
إرتعشت قبضة يده المتعطشة للنيل منه في الحال فضغط عليها وخرج صافقا الباب خلفه ليقابله فاروق بحرز فأشار له الآخر باللحاق به وبمجرد ركوبهما السيارة سأله مستفسرا :
- آدم بيه مش احنا كنا متفقين نستناك تخلص كلام معاه ونقتلهم واحد واحد ده حتى الرجالة كانو مستنيين منك إشارة عشان نبدأ انا مش فاهم حضرتك اتراجعت ليه.
ضيق حاجباه وزفر وهو يجيبه :
- لأني كنت فاكره متعاون مع صفوان عشان يكسب فلوس من وراه بس اللي شوفته غير.
رمقه فاروق بحيرة وعدم فهم ثم عاد ليركز على القيادة بينما يردد آدم بشرود :
- الراجل ده غريب اوي انا مشوفتش نظرة خوف واحدة فعينيه مع اني هددته وضربته وكنت هقتله بس فضل واقف بقوة قصادي ومتأثرش قالي هنرجع نلتقي.
رفع حاجباه وعلق عليه :
- مريض ده ولا ايه طيب محكالكش عن علاقته بصفوان.
تأفف نافيا بخنق :
- لا هو عمل نفسه مش فاهم وقعد يحاول يلعب بأعصابي ودلوقتي انا هتجنن من التفكير ليه واحد زي ده بيتفق مع عدوي يقتلني واحنا مبنعرفش بعض اصلا.
- ممكن يكون واحد من منافسينك زي صفوان وغيره فعايز يبعدك عن الساحة النوع ده مبيهموش ان كان بيعرفك وتعامل معاك شخصيا قبل كده ولا لأ.
بدى على آدم عدم الإقتناع متذكرا تعبيرات مراد ولوهلة شعر بأن تصرفاته تشبه شخصا ما ولكنه لم يستطع تذكر من هو فتنهد وإلتفت لرفيقه آمرا إياه بجدية :
- لو كان زيه زي التانيين كنا ع الاقل لقينا معلومات كفاية عنه بس احنا حتى عنوانه قدرنا نوصل ليه بالعافية علشان كده انا عايزكم تدورو اكتر هو مين ومنين وكان بيشتغل فين قبل مايجي للمنطقة ديه وبيتعامل مع مين.
هز رأسه بطاعة وركز على الطريق حتى هتف بإستدراك :
- اه صحيح نسيت اسألك صفوان عامل ايه في موضوع الحريق ده حتى انتو هتجتمعو عند العمدة بكره ممكن يرجع يتهمك.
إبتسم آدم بتهكم عند تذكره ورد عليه مستهزئا :
- مش هيقدر يعمل حاجة هو لسه بيتخبط عشان يثبت اني المسؤول عن اللي حصل بس مش هيقدر يوصل لحاجة هو مش عارف اني منفذتش العملية ديه بنفسي ولا رجالتي عملوها اللي ولع النار جماعة من قرية تانية وتابعين لستي مش ليا أنا.
ضحك فاروق بخفة معقبا :
- طالما حكمت هانم جوا الموضوع يبقى نقدر نقول على بيت الشرقاوي يارحمان يارحيم.
ردد كلماته بإجرام مسترجعا صورة ذلك الوغد وإبنة عمه ليتضخم قلبه بالغل ناحيتهما :
- ستي بتحاول تبرد ناري عشان مروحش أولع فيهم واحد واحد هي صحيح وافقتني في الاول لما روحت خطفت صفوان وجبت بنت عمه عشان اقتلهم هما الاتنين بس بعدما هديت اقترحت عليا ننتقم منهم بالبطيء وأنا اقتنعت ... مش هخليهم يموتو بالسهولة ديه.
___________________
عقد الإجتماع في مجلس العمدة وحضر فيه كبار البلدة لمناقشة شؤونها من ناحية السوق والتجارة والأحوال المعيشية للأهالي خاصة العمال المتضررين من الحريق وإرتؤوا النهاية تخصيص صندوق ولم التبرعات فيه ثم توزيعها عليهم ريثما يجدون عملا آخر.
وفجأة نطق آدم :
- عارف أن العمال اللي كانو بيشتغلو في بساتين صفوان متضررين شغلهم والتبرعات مننا هتساعدهم بس ده حلو مؤقت ويا عالم اذا هيقدرو يلاقو مصدر رزق تاني ولا لأ.
تكلم أحد الشيوخ بجدية :
- مفيش ف ايدينا حل تاني ده احنا لازم نحمد ربنا لأن متحرقتش كل البساتين وإلا حتى صفوان مكنش هيقدر يقف على رجليه.
إمتقع وجه الأخير بغيظ من الحالة التي وصل إليها بينما إستطرد آدم :
- الحمد لله بس مع ذلك لازم نلاقي حل تاني وأنا قعدت اليومين دول بفكر في المشكلة ديه ولقيتها ... من بعد اذن حضراتكم أنا مستعد اشغل كل العمال المتضررين عندي.
إندهش الجميع وبدأوا بالنظر لوجوه بعضهم بتفاجؤ ليكمل هو :
- انا الحمد لله رزقي متوسع وأساسا كنت مخطط أجيب عمال جدد لأن اللي عندي مش ملحقين مع اني يدوب محتاج لعشرة ع الاكتر بس مفيش مانع أضمهم كلهم بما أننا مضطرين.
- بس انت كده هتخسر لما تدفع زيادة لناس ملهاش لازمة عندك.
- معلش يا شيخ عثمان نكسب فيهم ثواب وإن شاء الله مخسرش انا اقترحت الفكرة ديه ع العمدة النهارده الصبح وهو قالي لازم صفوان يوافق الأول عشان مبقاش عملت عيب في حقه.
توجهت الأنظار إلى صفوان الذي كان مايزال متسمرا وكأن على رأسه الطير يحدق في آدم بصدمة مدركا بأنه يريد سرقة موظفيه بعدما أحرق رزقه ليبقى هو المتضرر الوحيد.
إحمرت عيناه بشدة وتصلبت عضلات وجهه فكاد يصرخ لاعنا إياه ثم ينهض ويتهجم عليه لكنه كان عاجزا وسط هؤلاء الحضور خاصة العمدة الذي وبخه أشد توبيخ لأنه لم يستطع معرفة هوية الجاني.
فإزدرد ريقه مبللا حلقه الشوكي وسحب الكلمات سحبا حتى يلفظها بإختناق :
- أنا ... مش عارف بس ...
ضغط على يده الموضوعة على ساقه مطالعا آدم الذي كان يرمقه ببرود مدعيا إنتظار الإجابة منه، وللحظات تمنى لو ينهض ويقلب هذه الطاولات على الجميع إلا أنه لم يجد سوى أن يقول بثبات مزيف :
- اللي تشوفوه.
تنهد الآخر وأراح جسده للخلف بينما هتف العمدة بإقرار :
- بما أن الطرفين متفقين يبقى على بركة الله هنبدأ من بكره بالإجراءات وأول ما يقف صفوان ع رجليه من تاني هنتعاون عشان نرجعله كل حاجة زي لما كانت في الأول مش كده.
تصاعد الهتاف الموافق لكلامه وظنوا بأن الإجتماع سينتهي الآن ويسمح لهم بالمغادرة لكنه أوقفهم بإشارة من يده هادرا :
- في حاجة تانية لازم تكونو حاضرين فيها ... زي ما انتو شايفين ابن سلطان وابن الشرقاوي وقفو جمب بعض في المحنة ديه وكل واحد منهم بين معدنه عشان كده فكرت أن جه وقت المشاكل مابينهم تنتهي ويبدأ عهد جديد مابين العيلتين لمصلحتهم ومصلحة البلد.
طالعا بعضهما بإستغراب وعدم فهم وقال آدم :
- حضرتك قلت اننا واقفين جمب بعض أساسا.
- ده بسبب المشكلة ديه ومحدش ضامن مترجعوش زي الأول عشان كده لازم ميثاق أبدي ينهي الخلاف ... آدم أنت عندك أخت صح ؟
إعتدل في جلسته بتحفز وقد بدأت أفكاره تأخذه لمنحى بعيد تمنى أن يكون خاطئا لكنه رد بحذر :
- أيوة ... اخت صغيرة ولسه بتدرس.
أومأ بتفهم ثم وجه حديثه لصفوان :
- وانت عندك أخت أصغر منك بكام سنة بس بظن انها في سن مناسب للجواز.
تنفس بحدة مجيبا :
- اه سلمى ... بس أنا مش فاهم حضرتك بتسأل عن حريم العيلة ليه.
ظل العمدة على ملامحه الثابتة ووجه ناظريه نحو الحضور مرددا بصوت عالٍ :
- الميثاق المناسب لصلح العيلتين هو الجواز، وبما أن بنت المرحوم سلطان لسه صغيرة ف أنا وبصفتي المسؤول عن أمن البلد وسلامته قررت اربطهم ببعض علشان كده ... آدم ولد سلطان هيتجوز المستورة سلمى أخت صفوان !!
___________________
الفصل الثامن : خيارٌ آخر.
__________________
أحيانا نلقي بأنفسنا في هاوية الخطيئة فداءً لشخص ما، ثم وحين ننتظر منه تقديرا وحماية نتفاجأ بأنه قدَّمنا قُربانا لنفس الهاوية مرة أخرى !
( قبل سبعة أشهر.
على قمة التلة المطلة كان راكبا فوق حصانه يطالع من علوه الوادي الصغير في الأسفل والذي يمتد بعده طريق منعطف طويل وطفيف الإرتفاع تبعثرت على إمتداده الأبنية الريفية الأنيسة والواقعة في الجهة الشرقية من البلدة...
كانت الشمس قد غربت منذ بعض الوقت ولكن الطبيعة إحتفظت بمعالمها واضحة في كنف سماء الغروب اللطيف فصار بإمكانه تأملها وحطت عيناه على البحيرة التي تكاد لا تُرى بسبب الأشجار المظللة لها ولمعت فوقها عند السماء نجمة لامعة كالزجاج، كأنها مصباح هداية وبشارة.
سمع فجأة صوت حوافر تقتحم خلوته وهي تدق بصلابة وسرعة في الأرض ليفهم أنها ناتجة عن ركض الحصان فإلتفَّ بإحتراز كي يرى صاحبه وهنا ...
وعلى ضوء الشفق المتغلغل في الأحراج لمح صاحبه الذي كان إمرأة تشد لجام فرسها راكضة بدون قيود في هذه المساحة الواسعة وبأقصى سرعة ممكنة على التلة، لم يكن يرى وجهها لأنها توليه ظهرها ولكن كان بوسعه مشاهدة شعرها متوسط الطول إلى الخلف بحرية لاقت بها.
تسمر مكانه متأملا إياها و وُدَّ حقا معرفة من تكون تلك الفتاة إلا أنه استفاق ونفض عنه هذه الأفكار مقررا العودة للمنزل وحين أعطى الإشارة لحصانه حتى ينطلق سمع صهيلا عاليا من الفرس تليه صرخة أنثوية نتج بعدها إختلال وزن الفتاة ففقدت تمسكها وسقطت على الأرض ، لم يفكر هو مرتين فإنطلق ناحيتها وقفز ببراعة مغمغما :
- سلامتك حصلك حاجة ؟
تأوهت تلك الواقعة وإستدارت تنظر إليه ليجدها تغطي وجهها بوشاح لم يظهر سوى جبينها وعينيها البنيتين فتنحنح مضيفا وهو يمد يده لها :
- جيبي إيدك.
ترددت في البداية وظهر هذا على تقطبية حاجبيها لكنها حسمت أمرها وتمسكت به لتقف أمامه هامسة :
- شكرا.
تجاوزته محاولة ركوب فرسها فتكلت بالفشل نتيجة لإصابة قدمها لتتأفف مبرطمة بضيق ويتنحنح هو بهدوء جلي :
- لو مش قادرة تركبي اتصلي بحد من عيلتك يجي ياخدك.
إستدار وكاد يمتطي ظهر حصانه حتى يعود وينجز شؤونه العالقة لكنه تراجع في آخر لحظة مفكرا بأنه ليس من الائق ترك شخص مصاب بمفرده في مكان خالٍ كهذا خاصة أنها امرأة لذلك ضغط على نفسه وعاد عارضا عليها المساعدة :
- تحبي اساعدك ؟
رغم خوفها من وجودها مع رجل غريب في أعلى التلة وقد بدأ الظلام يعم المكان إلا أنها لم تصل لحل آخر فأومأت ببطء وتقدم الآخر منها رافعا إياها بخفة ومحاولا قدر الإمكان ألا يطيل لمسها حتى لا تنزعج أو تنذعر، إعتدلت في جلستها وهتفت من خلف الوشاح بحرج وتردد :
- الدنيا ظلمة وانا خايفة اغلط في الطريق وأتوه ممكن تدلني ع الجهة اللي لازم اعدي منها عشان اوصل للبيوت اللي تحت ديه.
أشارت على المنازل التي تُلحظ من الأعلى فتنهد وأجابها بنعم ثم سارا معا في صمت مدقع قطعه بصوته الخشن :
- ايه اللي خلاكي تجي لوحدك في الوقت ده يا ... آنسة.
تلكأ متجاهلا سؤالها عن إسمها فردت عليه الأخرى موضحة :
- اسمي نيجار ... انا غايبة عن البلد يجي سنتين كنت بخلص دراستي في المدينة ولما رجعت حسيت قد ايه المكان ده وحشني بقالي زمان مجيتلوش مع مهرة علشان كده طلعت بالسر وغطيت وشي لأن عيلتي مبتسمحليش اجي لهنا ولو حد شافني وعرفني هتبقى مشكلة.
سكتت بعدما شعرت أنها تكلمت أكثر من الازم وعادت لجمودها أما هو فكادت تنبلج منه إبتسامة كتمها بشق الأنفس ورمقها بطرف عينه وقد تملكه فضول غريب لرؤية وجهها المغطى مع أنه كان سيقدر على لمحه من خلف هذا الوشاح الشفاف لولا ظلمة السماء على أي حال.
مرت دقائق أخرى قطعتها نيجار هذه المرة تسأله مستفسرة :
- واضح انك بتعرف البلد كويس مادامك حافظ المكان ده وقادر تتعرف ع الطريق في الظلمة.
همهم مجيبا بإيجاز :
- اه اكيد أنا ابن القرية ديه ومتعود اجي لهنا كتير.
شردت فيه نيجار وتعجبت من كونه لا ينظر إليها أو حتى يضايقها حسنا لقد كانت تتوقع السوء منه لذلك وقبل أن تطلب المساعدة منه تحسست ساقها التي تربط بها الخنجر مطمئنة على وجوده في حال ماإذا كان هذا الغريب ينوي لها شرا ، أفاقت من أفكارها عند تنبهيه بأنهما هبطا من التلة وأصبح الطريق متاحا أمامها كي تعبر لمنزلها وحين هبَّ للمغادرة نادته مبتسمة :
- متشكرة اوي ليك.
اشرأبت عنقه ناحيتها مطالعا إياها بشرود سرعان ما أفاق منه وهو يحمحم بجدية :
- العفو يا آنسة ده واجبي.
إتسعت إبتسامتها أكثر وساورها الإعجاب إتجاهه فهتفت محاولة إستنباط معلومات فضولية عنه :
- بالمناسبة انا لسه معرفتش إسمك.
- آدم ... آدم سلطان.
أجابها بنفس البسمة وغادر غير منتبه لملامحها التي انقشع منها الإرتياح وحلت مكانه الصدمة عند معرفة بأن الرجل الذي ساعدها وقطعت معه طريقا طويلا هو نفسه آدم سلطان عدو عائلتها ! )
**عودة إلى الحاضر.
مثلما أن الحياة مرهونة بتحديات فإن موازين العقل مرهونة بمدى تعلم صاحبها من تجاربه السابقة، فالذي تلدغه الأفعى مرتين لا نستطيع مناداته بالمغدور في المرة الثانية !
- آدم ولد سلطان هيتجوز المستورة سلمى أخت صفوان والعلاقة ديه هتربط العيلتين ببعض للأبد.
وكأنه تلقى طامته الكبرى بهذا الذي قيل ! تملكت الصدمة منه وأحس لوهلة بأنه يتخيل أو قد حدثت مشكلة في أذنه فسمع بالخطأ ولكن التعبير المرسوم على وجه صفوان وفغره المفتوح جعله يتأكد بأن العمدة أمر حقا بإقامة رابطة كهذه بينهما.
الزواج من أخت عدوه اللدود الذي ينتظر هذا الأخير الوقت المناسب حتى يرسل جثته لمنزل الشرقاوي ؟ مؤكد أن هذا ماهو إلا محض من الجنون.
حاول آدم تجاوز صدمته مؤقتا فرطب شفتاه وهمس :
- حضرتك بتقول ايه جواز مين.
لم يجبه الآخر وأولى إنتباهه للمباركات والتهليلات من أعضاء المجلس الذين كانت سعادة كل واحد منهم بهذا الزواج أكبر من فرحته بزفافه هو ربما ، فلطالما سببت هذه مالعداوة الممتدة من سنين طويلة مشاكل وإختلالات عدة في البلدة وأثرت على مشاغلهم وسير أعمالهم لذلك مصالحتهم الآن هي أفضل ما يمكن حدوثه.
بعد مدة فرغت القاعة وظل الإثنان جالسان بصمت كأن على رؤوسهم الطير حتى بادر صفوان بفتح الحوار وهو يقول بتزمت :
- ايه اللي حصل من شويا ده.
أجابه العمدة بثبات وهو يعود ليجلس :
- حصل الازم ياولد الشرقاوي ديه افضل حاجة ممكن تحصل عشان الصلح وزي لما اشتغلتو سوا قبل كده هتعملو نفس الشي دلوقتي.
- الشغل حاجة ... والجواز حاجة تانية.
غمغم آدم من بين أسنانه وعيناه أصبحتا كاللهيب من شدة إنفعاله ثم حدق به وتابع محاولا التكلم بإحترام قدر الإمكان :
- قرار زي ده مينفعش يتاخد بالبساطة ديه ياريت لو اتناقشت معانا في الموضوع قبل ما تعلنه قدام الناس وتحطنا في الموقف ده.
قبض العمدة على عصاه وإحتدت نبرته بضيق :
- انا تكلمت عشان مصلحتكم ومصلحة غيركم وشايف أن الموضوع عادي في كتير ناس بتتجوز عشان الصلح وبيتهم بيعمر عادي وعيلتك أبسط مثال يا آدم انت نسيت ان ستك والمرحوم جدك اتجوزو عشان يوقفو التار اللي بين عيلتهم ! الا لو انت معارض لأنك حاطط عينك على واحدة تانية.
إرتجفت يده بإنفعال مفاجئ وإنكمشت معالم وجهه بحقد كاد يظهر بوضوح لولا أنه أشاح بعينيه عن مرمى بصر العمدة ، ثم تنهد هاتفا بحزم :
- مش مسألة بعرف واحدة تانية بس الجواز ده حياة كاملة ومسؤولية كبيرة مينفعش نتعامل معاه كأنه شيء بسيط وبنقدر نتخذ قرارات بخصوصه في أي وقت.
وافقه صفوان الذي كان هو الآخر يحمل رفضا قاطعا بخصوص الزواج وهذا ليس بسبب عداوته فقط بل لأن زواج أخته من الرجل الذي أوقعه في شباك غادرة يُعد بمثابة إلقائها في الجحيم لأن آدم بالتأكيد لن يتوانى عن الإنتقام منه بواسطتها.
فقال هو أيضا :
- وانا معاه في كلامه انا شايف ان القرار ده اتاخد بإستعجال من الأحسن اننا ....
قطع صوته حين إنتفض العمدة واقفا وهو يهدر بصرامة :
- كفاية انا قولت اللي عندي الصلح هيتم والعلاقة ديه هي الوحيدة اللي بتقدر تضمنه احنا بقالنا سنين شاغلين بالنا بخناقكم والبلد والأهالي مش مضطرين يستحملوكم اكتر من كده.
صمت يسترد أنفاسه المسلوبة ثم إلتف لآدم مكملا :
- يا اما انت تتجوز أخت صفوان او هو يتجوز أختك وده آخر كلام عندي.
___________________
قذف الفازة الفخارية على الأرض بعصبية صارخا :
- هو فاكرني ايه عشان يفرض عليا اتجوز مين يعني عشان بحترمه وبعتبره زي أبويا هيعمل معايا كده ! انا اتجوز واحدة من العيلة ديه ليه من قلة الحريم يعني.
طالعته حكمت بصمت وهي تجلس على الأريكة في غرفته بعدما دخلتها متسائلة عن سبب صعوده كمن يرى الشياطين حوله فأخبرها عن قرار العمدة الذي إتخذه فجأة أمام كبار البلدة ، بينما تنهد آدم بخنق مردفا :
- كفاية كده انا سكت احتراما ليه ومحبتش اكسر كلامه قدام أمة محمد بس ده ميعنيش انه يسوق فيها خلاص مش هستحمل اكتر من كده.
- استنى.
نطقت حكمت فجأة عندما همَّ بالخروج فتوقف مكانه دون أن ينظر إليها في حين نهضت هي ووقفت أمامه مرددة بتعقل :
- اهدا شويا واقعد علشان نفكر كويس ملازمش تستسلم لغضبك وتتهور.
- اهدا ازاي حضرتك مستوعبة أن العمدة فرض عليا اتجوز أخت عديم الشرف ده ويا اما اقبل يا اما هو يتجوز اختي ايه الهبل ده.
تأفف آدم وقد كاد يجن من مجرد طرح هذه الفكرة لكن حكمت التي لطالما إتبعت عقلها وفكرت عشرات المرات قبل أن تخطو خطوة واحدة كانت تعلم جيدا بأن هناك سبب كبير خلف هذا القرار لذلك قالت بجدية :
- بص ياحفيدي حكاية الجواز مجتش كده والسلام انا بظن ان العمدة عارف باللي عملناه في بساتين الشرقاوي وعارف كمان انك مكنتش هتعمل كده إلا لو هو أذاك كتير وللسبب ده صرف نظر ع محاسبتك وفكر بأن الحل الوحيد لنهاية مشاكلكم هي ان نسل العيلتين يجتمع.
أغمض عيناه بإرهاق ثم جلس على السرير مرددا وهو يمسح على وجهه :
- وانا بردو فكرت بالشكل ده ومكنتش متأكد بس طالما مش انا الوحيد اللي فكرت كده يبقى توقعي طلع صحيح ومع ذلك مش هقبل بالنتيجة ديه مستحيل اتجوز.
- تمام يبقى نجوز ليلى لصفوان وخلاص.
- انتي بتقولي ايه.
صاح بعنهجية متوحشة وأكمل :
- انا اجوز اختي لل*** ده على جثتي !
إنفعلت حكمت ودنت منه ممسكة بكتفيه تبصق كلماتها بقوة :
- اومال عايز ترفض طلب العمدة وتكسر كلمته قدام الناس وتخسر مكانتك عنده ؟ نسيت انك دراعه اليمين وأكبر مرشح للزعامة ومن بعدها العمودية نسيت انك ولد سلطان ولازم تبقى زيه نسيت أن جدك كان العمدة يا آدم ومن حقهم عليك انك تاخد مكانهم !
انت عارف لو روحت قولت للعمدة وللناس انك مش هتتجوز ايه اللي هيحصل؟ هيشوفوك راجل ناقص ومش قد الكلمة اللي بتطلع منه ومنافسينك هيستغلو الوضع عشان يحرضو العمدة عليك.
- العمودية بتتاخد بالإستحقاق يا حكمت هانم مش بتنفيذ أوامر غيري ولو كان لازم عليا اعيش بدون شخصية عشان ابقى زعيم ولا عمدة فبلاش منها أحسن.
حدقت فيه قليلا ثم تنهدت وأزاحت يداها عنه متمتمة :
- ماشي طالما انت عايز كده يلا روح للعمدة وقوله انا حرقت بساتين صفوان بس مش ندمان ولا عايز اتصالح معاه وقوله انا مش مهتم بإحراجك وكسر كلمتك قدام الأهالي ومش هعمل اللي انت عايزه.
يلا روحله واخرب حياتك بسبب عيلة الشرقاوي ماهو مش كفاية انهم بعتو بنتهم عشان تضحك عليك هيزودو العيار ويخلوك تخسر العمودية بردو.
إشتعلت النيران في رأس آدم وهو يستمع لجدته تذكره بالخداع الذي تعرض له فطحن ضروسه بجنون مستشعرا بالحقد والكره اللذان يقطعانه، أولاها ظهره وتحرك بعيدا عنها خوفا من فقدان سيطرته أمامها ليضرب الجدار مفرغا به جزءا بسيطا من إنفعاله بينما تتساقط على أذنه كلمات حكمت :
- فكر باللي قولتهولك كويس انت عندك خيارين دلوقتي يا اما هتسمحلهم يأذوك تاني يا اما توافق ع الجواز وتحافظ ع مكانك واهي تبقى معاك ورقة رابحة ضدهم.
__________________
دخل صفوان للسرايا وجمع نساء المنزل مخبرا إياهن عن قرار العمدة بتزويج آدم وسلمى وكانت ردودهن لا تختلف كثيرا عن ردة فعله هو حيث إستقامت جميلة صائحة يإستنكار :
- اجوز بنتي لواحد من عيلة الصاوي اجوزها لحفيد حكمت هما اتجننو ولا ايه.
إنكمشت سلمى في مكانها بينما تتابع والدتها متسائلة بتوجس :
- و انت قولتله ايه اوعى تكون وافقت ؟
تأفف صفوان مجيبا بنفور :
- تجادلت معاه انا وآدم بس شكله مصمم على كلامه، وبعدين هو قالها قدام كبار البلد ومينفعش يتراجع.
- يعني ايه انت موافق ع الكلام ده ؟
- انا مقولتش اني موافق لو سمحتي كفاية كده وسيبيني اعرف افكر.
هدر بصبر نافذ وهو ينهض ليصعد إلى عرفته غير منتبه لتلك التي أصابتها الصدمة في مقتل فإبتلعت لسانها عاجزة عن النطق !
رمشت نيجار عدة مرات قبل أن تنتفض صاعدة خلفه ولم تعرف أن زوجة عمها تحركت لتذهب إلى إبنها مقسمة بأن لا تجعل الأمر يمر مرور الكرام ككل مرة.
طرقت الباب ودلفت مرددة بذهول :
- ايه اللي قولته ده يا صفوان ازاي العمدة عايز آدم وسلمى يتجوزو مالهم ومال الصلح احنا كنا فاكرينه هيطرد آدم بعد ما بدأ يشك ف حادثة الحرايق منين طلع جوازهم !
ضغط على شفته يمنع كلماته الاعنة من الخروج وقال :
- انا مش فاهم حاجة بس غالبا هو عارف ان آدم عمل كده عشان ينتقم مني في حاجة عملتها ولو فضل يلف حوالين المسألة ديه هيعرف اننا سرقنا سبايك الدهب من ابن سلطان وحاولنا نقتله ... وياريته مات ده بسبع ارواح انتي ضربتيه بخنجر مسموم وفضل فترة كويسة جوا النار ومع ذلك فضل عايش.
تضايقت نيجار من ذكره لها كجزء من السرقة ومحاولة القتل فكادت تعترض إلا أن شهقة جميلة التي جاءت وسمعت آخر جملة جعلاهما يلتفان لها بذعر بينما تهمهم هي بجنون كمن أصيبت بالمس :
- خنجر مسموم ايه ونار ايه مش فاهمة انتو عملتو ايه ؟
فزعت نيجار ونظرت لصفوان الذي حاول الإنكار قائلا :
- الموضوع مش زي ماانتي فاكرة احنا بنتكلم ع حاجة تانية ... يلا انا عندي شغل ولازم اخرج دلوقتي.
تحرك مغادرا إلا أن والدته أوقفته وهي تقبض على ذراعه صارخة :
- لا انا سمعت صح ولازم ترد عليا ! لو انا سايباك تعمل اللي عايزه ف ده عشان فاكرة اني مخلفة راجل وبيقدر يتصرف مش لأني غبية وبيتضحك عليا انطق وقول عملتو ايه انت وهي.
لعن صفوان بداخله هذا المأزق الذي وقع به وطفق يفكر بكذبة سريعة ينقذ بها نفسه إلا أن كذبته وُئِدت حينما نطقت نيجار بجمود :
- هقولك أنا يا مرات عمي.
- نيجار اسكتي.
- لا مش هسكت انا تعبت من القصة ديه بس جه وقت تنكشف.
هدرت بقوة وتنهدت ملتقطة أنفاسها ثم شرعت تحكي عن الخطة التي رسمها صفوان حول إستمالة آدم إليها وسحب الكلمات منه لعله يقر بمكان سبائك الذهب في غفلة منه، ثم تطور الموضوع وأصبحت مضطرة لجعله يحبها وفجأة وجدت نفسها في بيته وهي تطعنه بخنجر مسموم وتتركه وسط النيران ليعود هو بعد أيام ويتضح أنه لم يمت !
إستمعت جميلة لإعترافها حرفا حرفا محاولة تجميع الكلمات في رأسها لعلها تفهم ، بيد أنها كانت كمن مسَّها الخبل حين أدركت أن الفتاة التي تولت رعايتها قد دخلت في لعبة قذرة من صنع إبنها وإتفق كلاهما على أن يجنيا على عائلة بأكملها فلم تدري بنفسها إلا وهي ترفع يدها وتلقي صفعة على وجه نيجار التي ارتدت للخلف بذهول مطالعة إياها بينما صرخت عليها الأخرى بغضب :
- ازاي بتعملي كده وبتوافقي على اللعبة القذرة ديه انتي رايحة تضحكي على ابن سلطان وتغدري بيه عايزة تودينا في داهية.
إمتلأت عيناها بغشاوة الدموع فكتمتها قدر الإمكان حتى لا تسقط على وجهها وتظهر ضعفها بينما تحرك صفوان ناحية أمه وقال بضيق :
- كفاية يا أمي هي عملت اللي يليق ببنت الشرقاوي وساعدتني عشان استرجع حق عيلتنا ده بدل ماتشكريها لأنها عرضت حياتها للخطر عشاني.
- اشكرها ؟ انتو مستوعبين عملتو ايه والوضع اللي حطيتونا فيه ده خطفك وضربك وكان هيقتلكو وحرق رزقنا وخربلنا بيتنا ولسه بتقول حق عيلتنا حق ايه ده يا جاهل.
ودلوقتي بتقول العمدة قال هيجوزه لبنتي انت متخيل ممكن يعمل ايه في سلمى لما تتكتب ع اسمه وتدخل بيته ده ممكن يقتلها ومحدش هيقوله ايه ماهو جوزها وبيقدر يعمل فيها اللي عايزه.
بمجرد تفكيرها بهذا الشأن ضربت على صدرها بتضرع لله راسمة في عقلها أبشع التصورات فإبنتها سلمى عاقلة وضعيفة لن تتحمل العيش مع رجل قاسٍ ومجروح في كرامته مثل آدم و إمرأة قوية ومتسلطة كحكمت مؤكد سيجعلانها تتذوق المرار.
لذلك فكرت سريعا ثم رفعت نظرها لنيجار مخاطبة إياها بلين :
- روحي انتي لأوضتك ونامي انا عندي كام كلمة عايزة اقولهم لإبن عمك.
تلكأت في وقفتها وسألتها بترقب :
- انا عايزة افضل هنا و اسمع حضرتك عايزة تقوليله ايه.
- بالله عليكي انا اعصابي بايظة ومش حمل مناهدة يلا يابنتي روحي وهنبقى نتكلم بعدين.
وزعت بصرها بينهما هما الإثنان وأخيرا تخلت عن عنادها وغادرت، وبمجرد خروجها سقطت الدموع المحتجزة داخل عينيها متذكرة الصفعة التي تلقتها منذ قليل وإتهامات زوجة عمها لها شعرت ببوادر الإنهيار تصيبها فسارعت لكبح ذاتها ومسحت الخيوط الشفافة بقوة هامسة :
- انتي قوية ... ومينفعش تعيطي.
***
بعدما تأكدت جميلة من أن لا أحد يتسمع عليهما ذهبت لصفوان وضربت على صدره بحدة مغمغمة :
- ديه اخرة اللي بيتحرك ع مزاجه فاكر نفسك ذكي ومحدش قدك.
إشتعلت عيناه بغضب فطفق يردد بسخط :
- على الأقل بحاول وبعمل اللي عليا من غير خوف ممكن افهم ايه اللي مخليكي مرعوبة من حكمت وحفيدها للدرجة ديه ايه محدش قادر عليهم.
أجابته جميلة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التعرض لأزمة قلبية بسبب صلابة رأس ولدها :
- انت لو بتعرف اللي انا بعرفه مكنتش هتقول كده فاكر انك بقيت الأقوى لأنك لعبت عليهم مرة ونجحت لا انت غلطان وحكمت لوحدها قادرة تقضي علينا ديه بتمشي رجالة بشنبات ع صوابعها مش هتجي لعندك وتخسر.
- خلاص بقى اللي حصل حصل مفيش فايدة تتكلمي في موضوع انتهى.
- لا هو منتهاش انتو ولعتو النار فينا احنا بس مش هسيب بنتي تتحرق بيها اللي عملت كده هي اللي لازم تستحمل النتايج معنديش بنت اضحي بيها عشان خاطر عينيك انت ونيجار.
لفظت جملتها بصلابة وثبات ليعقد الآخر حاجباه بحيرة :
- قصدك ايه انا مش فاهم عليكي.
رطبت جميلة شفتيها بتردد سرعان ما طمسته مفكرة بأن هذا هو الصحيح ثم قالت :
- لو العمدة فضل مصمم ع قراره ومقدرتوش تقنعوه ف الجواز هيتم عشان الصلح ... بس نيجار هي اللي هتتجوز آدم !
______________________
الرجاء تفاعل على البارت قبل القراءة، متابعة ممتعة.
الفصل التاسع : خير .. أم شر ؟
_________________
بعد مرور يومين وفي صباح يوم جديد.
إستيقظ آدم من غفوته بعد ليلة قضاها في التفكير ولم تنغلق عيناه إلا بعد الفجر، إغتسل وإرتدى قميصا واسعا باللون الأبيض مع بنطال أسود وأرفقه بحذاء جلدي ذو رقبة مرتفعة يصل لأسفل ركبته بقليل، ثم عدّل مكان السلاح وأخفاه بسترته الخفيفة.
نزل للطابق السفلي ليجد الخادمة تضع اللمسات الأخيرة على طاولة الإفطار وعندما رأته إبتسمت بإحترام :
- صباح الخير يا آدم بيه.
هز رأسه مجيبا عليها :
- صباح النور يا ست أم محمود، ستي فين لسه مصحيتش ؟
- لا هي فايقة من ساعة الفجر اصلا بس يمكن الهانم الصغيرة قاعدة معاها عشان كده اتأخرت.
- ايه ده هي ليلى رجعت من عند عمتي ؟
في هذه اللحظة نزلت شقيقته مرددة بإبتسامة معاتبة :
- ايوة جيت امبارح ع اساس هلاقيك بتستقبلني بس انت اتأخرت برا وانا نمت من التعب.
وصلت له وعانقته بحب أخوي فبادلها إياه ببسمة غلبتها معالم الإمتعاض لأنه تعمد إرسالها منذ أسبوع لمنزل أخت والده (من ناحية الأب فقط) حتى لا تكون شاهدة على الأحداث التي تحصل في المنزل خاصة ماحدث من يومين لكنه لا يعلم لماذا عادت وهي من توسلته حتى يسمح لها بالسفر للمدينة.
سمع صوت خطوات مقترن مع صوت العكاز فرفع نظره ورأى جدته تنزل من على الدرج بثقة وشموخ وهنا ضغط على أسنانه بإقتضاب مدركا بأنها هي من جعلت أخته تعود.
إلا أنه لم يظهر مايفكر به وإبتعد عن ليلى قليلا مداعبا شعرها :
- في كام حاجة شاغلة بالي الأيام ديه عشان كده بتأخر برا البيت يلا اقعدي جمبي وافطري.
جلست حكمت على رأس الطاولة وبدأوا تناول الإفطار في جو يسوده الصمت حتى نطقت ليلى كمحاولة لكسره :
- امبارح وانا جاية لقيت زفة فرح في الشارع يا أبيه وكانت بتجنن طلبت من السواق يوقف عشان اتفرج اكتر بس مرضيش.
همهم متفاعلا معها :
- محمد عمل المطلوب منه انا مكلفه يوديكي ويجيبك من غير ما يضيع وقت في السكة.
زمت شفتها بعبوس وعلقت :
- بس انا بقالي زمان مشوفتش زفة هنا وحضرتك عارفني بحب الأجواء ديه.
في هذه اللحظة دخلت حكمت في الحوار وهي تردد بنبرة ذات معنى :
- غالبا هتشوفي زفة في البلد عن قريب وممكن تكون لواحد من العيلة ديه.
ضرب آدم الكأس على سطح الطاولة بحزم أمام ليلى فشهقت بذهول وحماس :
- ايه ده بجد انت نويت تتجوز أخيرا يا ابيه ؟
كان وجهه متصلبا وعيناه ملتصقتان في الصحن أمامه ولو نظر لشقيقته الآن لهالتها النيران المشتعلة فيهما، رطب شفته السفلية ثم حمحم وهو ينتصب واقفا :
- صحا وهنا انا عندي شغل في المزرعة دلوقتي ولازم اروح هنبقى نتكلم بعدين.
رشق حكمت بنظرة حادة بادلتها بأخرى باردة وهي ترشف من الشاي ثم غادر متجها إلى المزرعة ليجد فاروق يساعد العامل في رفع الصناديق الخشبية وعندما رآه إقترب منه برسمية :
- صباح الخير يا آدم بيه انت جاي بدري النهارده.
همهم وتحرك ناحية المقاعد الجانبية وهو يجيبه :
- ده لأن الست حكمت حالفة متسيبنيش في حالي.
- عشان قصة الجواز ؟
- اه، انا وصفوان هنتجمع مع العمدة بكره بليل ونقوله اذا موافقين ولا لأ ومع الأسف صعب جدا اني ارفض.
جلس آدم متابعا بتهكم :
- انا حاسس نفسي بقيت لعبة كل واحد بيحركها بمزاجه مش كفاية ان ابن سلطان اتلعب عليه واتسرق لأ هو كمان هيتجوز أخت عدوه ولو معملتش كده مكانتي هتقل عند العمدة ومش بعيد يرشح حد غيري للزعامة أو العمودية.
رفع فاروق حاجباه وأخفضهما دليلا على الحيرة التي إكتنفته هو أيضا بسبب ما يحدث، منذ أيام معدودة فقط كان آدم يخطط للزواج من نيجار التي يعشقها والآن أصبحت أكثر شخص يكرهه في الحياة ولم يكفي هذا بل سيتزوج قريبتها أيضا.
تردد قليلا في الكلام لكنه حسم أمره وقال :
- أنا شايف أن الست حكمت معاها حق في تفكيرها يعني انت ليه لازم تضيع حلمك من بين ايديك عشان كرهك لواحدة متستاهلش اتجوز اخت صفوان ديه وضمن المنصب بتاعك وبالمرة تخليها ورقة رابحة ضد صفوان كفاية أنه هيكون عارف ان اخته معاك.
علق آدم ساخرا وهو يفكر بأن صفوان الذي أرسل إبنة عمه لحضنه في السابق قادر على جعل شقيقته نسخة أخرى من نيجار :
- يعني هيخاف على اخته مني ؟ اطمن واحد زي ده متعود يستخبى ورا الحريم مش بعيد يرميها ويقولي هي مبقتش تخصني اعمل فيها اللي انت عايزه او يخليها نقالة علوم زي ما بيقولو ...
بس كفاية بقى انا زهقت وصبري عليه خلص.
ردد جملته الأخيرة بحزم ناهضا فجأة ليجد فاروق يقف ويُعدل سلاحه على وضعية الإستعداد للإطلاق فعقد حاجباه بتعجب :
- انت بتعمل ايه !
رد عليه فاروق ببساطة وكأنه يمارس فعلا إعتياديا :
- مش احنا رايحين نتهجم ع صفوان ونقتله ؟
- مين قال كده ؟
- انت اللي قولت دلوقتي ان صبرك عليه خلص.
تنهد آدم قائلا بإستهجان :
- انت يابني مابتصدق تحصل حاجة عشان اقولك يلا نعمل مداهمة ؟ انا مكنتش بقصد اننا نروح دلوقتي ونقتل صفوان خبي اللي ف ايدك ده.
تنحنح بحرج وهز رأسه بطاعة فتأفف الآخر متمتما وهو يتركه :
- ماهي لو الظروف سامحالي اقتله كنت قتلته من زمان مش هستناك انت يعني.
بدأ بإنجاز الأشغال مع عماله ومساعدتهم حتى مر اليوم سريعا وإقتربت الشمس من الغروب ، إتجه آدم إلى إسطبل الخيل وأخرج حصانه الذي سرعان ما بدأ يصهل عند رؤيته فإبتسم عليه قائلا بينما يداعبه بحب خالص :
- ايه ده انا وحشتك ولا ايه وانت كمان وحشتني يا سلطان عارف أنك زعلان مني بس أنا كنت مشغول في كام حاجة كده وأول ماخلصتهم جيتلك بسرعة.
صهل "سلطان" مجددا كأنه يبدي تفهما ثم أحنى رأسه فضحك هو ومسح عليه بلطف قبل أن يركب عليه ويبدأ جولته في الساحة الواسعة ، وبينما هو يركض ويستقبل الهواء الذي يضربه بعنف أغمض عيناه ورفع رأسه للأعلى ممررا شريط حياته في ذاكرته وسامحا لنفسه بإستقبال مشاعره الشتى ...
مشاعر الغضب والحقد على تلك العائلة، مشاعر خزي من ذاته لأنه سمح لإمرأة بإيقاعه في شباكها وهو الذي كان معروفا بحكمته وصلابته سمح لها بالتلاعب به تلك التي كانت أول امرأة يضعف معها فتبين بأنها لم تكن سوى ساقطة مخادعة ...
ومشاعر غدر لأنها طعنته بخنجر مسموم من أجل الحصول على المال وتقاسم الذهب مع إبن عمها.
في الحقيقة هو ليس حاقدا على نيجار بقدر ماهو حاقد على نفسه لأنه لو لم يسهل عليها الأمور لما إستطاعت خداعه.
تُرى كم مرة ضحكت سِرًّا وهي تنظر لإبتسامته معها، كم مرة جلست مع صفوان وسخرا منه مسترجعة الكلمات التي كان يقولها في لقاءاتهما عند البحيرة وكم مرة وصفته بالأحمق، وكيف رمقته بشماتة ورحلت تاركة إياه يحترق وسط النيران حتى تضمن موته ؟
تعمق آدم في الأفكار وإرتفع نسق دقات قلبه فضغط على لجام الحصان وشرع يركض بشكل دائري بعدما زاد من سرعته فقط يتذكر كل ما جعلته يعيشه حتى حينما صمم على قتلهما وكاد يفعلها وجد من يعترض طريقه والآن بدلا من أن يفكر في المكان الذي سيدفنهما فيه عليه أن يستعد ليكون صهرا لهما !
ركضه المريب هذا وعرقه المتصبب بغزارة من وجهه جعل أنظار العمال في المزرعة تلتفت إليه وبعضهم وقف بتوجس ينتظرون فقدان سيطرته على حصانه والوقوع في أي لحظة وبالفعل شعر آدم بنفسه يسقط ولكن ليس من على ظهر "سلطان" بل أحس أنه سقط من الهاوية حين فتح عيناه فتراءت له صورتها من بعيد وهي تمشي نحوه !!
شد آدم على اللجام فجأة وأدى ذلك إلى رفع الحصان لجزئه الأعلى في الهواء وهو يصهل بحدة ولوهلة كاد يفقد السيطرة عليه إلا أنه إستطاع التوقف بسلام أخيرا فحدق فيها بقوة وهو لا يسمع سوى صوت أنفاسه المتسارعة بنسق مجنون ونبضات قلبه المتقاتلة كأنها تتنافس على من ستنجح في شق صدره.
قبض على يده مستشعرا أحاسيس الكره التي تدفقت عليه في هذه الأثناء كتدفق قطرات المطر في ليلة عاصفة ولحظة فكر أنه يتخيل لكن نظرات العمال التي تحولت إليها جعلته يقفز بسرعة ويتجه نحو الإصطبل صارخا في فاروق الذي كان يطعم مهرة صغيرة :
- اطلع قول للبنت اللي برا اني مش عايز اشوفها قدامي دلوقتي وإلا انا مش عارف ممكن اعمل فيها ايه ... بسرعة !
إنتفض الآخر بتوجس ورغم أنه لم يعلم هوية هذه التي يتحدث عنها إلا أنه ركض ليرى ما الأمر فضرب آدم بقبضته على الباب الخشبي بوجه تخلو منه تقاسيم الآدمية وتعقل تطاير بفعل عواصف الهمجية التي تقدح من عينيه متذكرا وجهها الذي حفر في ذاكرته كالندبة.
إلا أن الخيال تجسد في الواقع فجأة عندما سمع صوتها الهادر خلفه :
- انا مش همشي من هنا قبل ما اكلمك.
زفر ماسحا على وجهه وإستدار ليجدها تقف عند الباب بعينين تنضحان بالتصميم وفاروق خلفها يشير له بأنه لم يستطع منعها فغمغم بجمود مشيحا وجهه عنها :
- اتقي شري واخرجي من هنا.
رفضت نيجار وتقدمت منه خطوة متجاهلة الذعر الذي جعل ركبتيها كالهلام الرفيع :
- انا عايزة اتكلم معاك عارفة انك مش طايقني بس مش هاخد اكتر من عشر دقايق لو سمحت.
بعد لحظات كانا يقفان بمفردهما فدنت نحوه وتمتمت بشجن :
- اول حاجة حابة اقولها اني آسفة ... صدقني مكنتش عايزة نوصل للنقطة ديه صحيح ا...
- انجزي.
قاطعها ببلادة جعلت الجو يتوتر أكثر ويزيد من خوفها ولوهلة ندمت لأنها جاءت إلى هنا كي تكلمه لكنها تحكمت في أحاسيسها وتنهدت مستطردة :
- انا سمعت بالقرار بتاع العمدة وبصراحة هو فاجأنا زيكم واكتر، وأكيد انتو مش موافقين تناسبونا واحنا نفس الشي بس صفوان مش هيقدر يرفض علشان كده بتمنى الرفض يجي من عندك بما انك مقرب من العمدة وهو مش هيزعل اوي منك.
- ايه ده انا هعمل ده كله ... طيب والمقابل ؟
- انا عارفة اني أذيتك ووجعتك كتير وللسبب ده هكون مستعدة لأي عقاب منك حتى لو قتلتني بس رجاء مينفعش تتجوز سلمى لانها بريئة وملهاش دعوة باللي حصل مابيننا.
سكتت نيجار منتظرة رده عليها وطالت مدة إنتظارها مساهمة في زيادة توترها حتى نفذ صبرها ورفعت عينيها له لتصدم حينما وجدته واقفا أمامها مباشرة تفصل بينهما مسافة لا تتعدى الخطوتين، أرجعت رأسها للخلف بإحتراز فأشرف آدم عليها من فوق موزعا بصره عليها بهدوء حتى قال :
- اقتلك ... بس كده ؟
قطبت حاجباها بعدم فهم فأكمل :
- مع اني كنت متوقع عرض أفضل من ده.
- مش فاهمة ؟
ولصدمتها وجدت آدم يقترب حتى إلتصق بها وأصبحت أنفاسه الساخنة تلفح بشرتها بضراوة فإزدردت نيجار ريقها بإرتباك بينما رفع هو يده وأزاح شعرها الذي كان يغطي وجهها هامسا :
- يعني اللي سبق ولعبت ع راجل وسمحتله يقرب منها ويحضنها عشان كام جرام دهب بتقدر تقدملي حاجات تانية عشان ابعد عن عيلتها مش كده.
جحظت حدقتاها وشحب وجهها عند فهمها لتلميحه فشهقت مبتعدة عنه بذهول ليضحك آدم ويردد :
- انتي بتتقلي ليه ياحبيبتي مش ده اللي ناوية عليه وجاية علشانه عامله نفسك مكسوفة ليه دلوقتي.
رمقته نيجار بذهول هاتفة :
- انت بجد شايفني كده ؟
- انتي اللي جاية في الوقت ده ودخلتي الاسطبل بتاعي وقفلتي الباب علينا وكل ده ليه تفسير واحد وهو انك جاية تعرضي نفسك عليا وأنا بقى موافق ... اقلعي اللي لبساه ده وقضي شوية وقت معايا وأنا بوعدك اعيد النظر في طلبك ده وممكن كمان أضيف عليه جرامين دهب حلاوة بعرفك بتموتي فيه.
صمت متابعا وقع كلماته عليه وأردف بإستهانة :
- بس تصدقي صفوان عرف يلعبها صح زي كل مرة لدرجة بعت بنت عمه تعرض نفسها على عدوه بصراحة أنا مبهور بيه.
كان يتحدث بجمود وهو يطالعها بنظرات لم تراها نيجار من قبل، نظرات تلاعب وإحتقار كمن يتكلم مع ساقطة ففكرت لهنيهة إن كان هذا الرجل الواقف أمامها هو نفسه آدم الذي كان ينتظرها لتكون حلاله ويعتذر منها إذا بالغ في معانقتها او لمس يدها !
ترقرقت عيناها بدموع أبت إنزالها حتى لا تظهر كسرتها أمامه وسيطر عليها غضبها بسبب إعتبارها رخيصة تقدم جسدها بمقابل فإنتفضت تدفعه من صدره ورفعت يدها كي تصفعه فأمسكها ضاغطا عليها بعنف مغمغما :
- هشش منصحكيش تعملي كده.
تململت نيجار محاولة إزاحته بينما تردد بإنفعال :
- ازاي تتجرأ تقولي الكلام ده انت فاكر نفسك ايه انا كنت جاية اعتذر منك واطلب منك تبعد عيلتي عن انتقامك ومحدش عارف اني جاية لعندك فاهم اوعى تتكلم عني بالطريقة ديه تاني.
حادت شفتاه في إبتسامة جانبية وإنخفض هامسا بقسوة في أذنها :
- كل واحد بيحدد قيمة نفسه في عيون غيره يا بنت الشرقاوي وبالنسبة ليا هو ده مقامك مجرد واحدة بتستخدم نفسها عشان تمشي شغل الرجالة ده لو اعتبرت ان ابن عمك راجل اصلا ومستعدة تنزل لأي مستوى علشان تحقق مصالحها.
كلماته الكارهة طعنتها في الصميم ، دون أن تعي بأن قهره كان مختبئا خلف قشرة كرهه الصلبة !
إستقبلت إهاناته بصمت بارد إستفز آدم وجعله يرغب في خنقها وقطع أنفاسها على الفور ثم تراجعت قليلا لتستدير في النهاية مغادرة الإسطبل غير منتبهة للأنظار المسلطة عليها والمتهمة فهذه أول مرة يرون فيها امرأة من هذه البلدة تذهب لمكان عمل رجل بكامل رغبتها وتنزوي معه بعيدا عن أنظار الجميع دون خجل !
راقبها آدم حتى إختفت عن أنظاره ثم تبددت معالم جموده وقرعت طبول الخبل في رأسه فأطلق سُبابا ساخطا وركل الباب بعنف جعل الأحصنة تلتاع ليستند بيديه على إطار خشبي لاهثا حمما من سعير.
سيجن ! وجنونه هذا سيحرقه قبل أن يحرقها هي...
كما لو أن الشياطين قد تلبسته عندما رآها تقف قباله بكل وقاحة وتعتذر طالبة منه الرفق بعائلتها والإنتقام منها هي !
جاءته برضوخ تلتمس الصفح متوقعة أن يقول لها نعم ككل مرة ثم تسأله إن كان حقا يراها بتلك الصورة الشائنة وهو من كان يعتبرها مبجَّلة نقية لدرجة أنه لو قام والده من القبر وأخبره أنها لا تنفعه لما صدق ذلك !
فجأة سمع صوت فاروق من خلفه متسائلا :
- ايه اللي حصل البنت ديه جت لهنا ليه ؟
تنهد ونظر له مغمغما :
- جاية تعمل صفقة قال ايه بنت عمها ملهاش دعوة باللي ما بينهم ولو انا عايز انتقم فهي موجودة قدامي عشان اقتلها.
إنكمش وجه فاروق مستنكرا وقاحة تلك الفتاة ثم زفر قائلا :
- مكنش ينفع تسمحلها تتكلم معاك انت مشوفتش العمال كانو بيبصولها ازاي انا خايف ان القصة تكبر والكلام يكتر عليك ماهو مش معقول تجي واحدة ست وتقعد مع راجل لوحديهم في الساعة ديه وفهمك كفاية.
لم يعقب عليه مما زاد من فضول الآخر ليسأله :
- طيب ممكن اعرف انت رديت عليها ب ايه ؟
___________________
مع غروب الشمس تماما دخلت هي للسرايا وعيناها لا تبصران من شدة الإنفعال فقابلتها زوجة عمها وسألتها بلهفة لا تخلو من الغضب :
- انتي كنتي فين ومردتيش على اتصالاتي ليه ؟
نزلت سلمى من الطابق العلوي وأعادت عليها نفس السؤال مردفة :
- احنا قلقنا عليكي بعد ما طلعتي من غير ماتكلمي حد وخفنا تحصلك حاجة يا نيجار معقول تعملي كده.
زفرت تمسح على وجهها محاولة تهدئة نفسها وقالت بخفوت :
- انا روحت لـ....
قاطعها صوت صفق الباب الخارجي بعنف يليه صراخ حاد :
- نيجار !
إنتفضت النساء ونظرن إلى صفوان الذي كان كمن تكالبت عليه شياطين الجن والإنس ولم تلحق أمه لسؤاله عما يجعله يصرخ هكذا لأنه تقدم ناحية نيجار وكاد يهجم عليها لولا أوقفته جميلة بذعر :
- في ايه مالك انت هتعمل ايه.
- سيبيني ... بقولك سيبيني خليني ارجع اربيها.
صاح بعصبية إسترعت خوف نيجار التي قالت :
- انت بتقول ايه انا مش فاهمة ايه اللي حصل.
صفوان :
- ومش عارفة حصل ايه كمان انتي ازاي تروحي لمزرعة ابن سلطان وتقعدي معاه لوحدكو كنتو بتعملو ايه سوا جوا !
فغرت فاهها بصدمة كما فعلت جميلة وهي تضرب على صدرها :
- يالهوي انت بتقول ايه.
- بقول الحقيقة البلدة كلها شافتها وهي داخلة لعنده وبتقفل الباب وراها ديه الناس كلها بتتكلم في السيرة وعمالين يقولو كلام طالع نازل علينا.
هزت رأسها نافية التهم الموجهة ضدها ونظرت لإبنة عمها قائلة :
- أنا روحت عشان سلمى وطلبت من آدم يبعد عنها وينتقم مني أنا لوحدي ومتكلمناش كتير أصلا هو رفض طلبي وطردني.
رفع يده في الهواء ملوحا بها بينما يهدر بصوتٍ عالٍ :
- وانتي ايه اللي وداكي ليه مخفتيش يؤذيكي او يعمل فيكي حاجة ويحط راسنا في الطين نسيتي ان الكل بيعرف الكل في المكان ده والكلام هيكتر علينا احنا مش هو لأنك انتي اللي روحتيله بنفسك ايه انتي مش لاقية حد يلمك ؟
وقفت نيجار تستمع لحديثه مدركة بأن غضبه ليس خوفا عليها بل خوف من الفضائح في حال حدث لها شيء ما، وهنا تذكرت كلام آدم عن أنها مجرد امرأة تحقق مصالح الرجال على حساب نفسها فإبتسمت بإستهزاء تداري كسرتها :
- مش لاقية حد يلمني؟ مكنش ده كلامك وقت كنت بتبعتني لآدم وتخليني اقعد معاه بالساعات عشان اسحب الكلام من لسانه ولا ده كان عادي ومسموح مادام مدارى عن عيون الناس.
ثانيتان فقط ووجدت نفسها ترتد للخلف إثر الصفعة التي وقعت على وجهها في غفلة منها فجعلتها تفقد توازنها لتلتقطها سلمى قبل وقوعها، إنتفضت جميلة مطالعة صفوان الذي ضرب نيجار لأول مرة في حياته وصاحت :
- لا ده انت اتجننت بقى ازاي تضرب اختك قدامي ايه مش عاملي حساب ولا كأني أمك.
- وهكسر دماغها كمان قليلة الرباية ديه !
وضعت نيجار يدها على شفتها النازفة بملامح جامدة تخفي وراءها قهرا عظيما ثم رفعت عيناها له بشموخ جعل صفوان يحترق حيرة من جبروتها الذي لا يُكسر مهما عايشت، لذلك وفي لحظة مجنونة وعند رؤيته لها تتحرك لتذهب إلى غرفتها ألقى بقنبلته إلى الوسط وهو يقول :
- مادام بتتصرفي على هواكي يبقى انتي اللي هتتجوزي آدم مش سلمى.
وقفت لبرهة دون أن تلتفت إليه، متمسكة بطرف فستانها تنشد منه تماسكا واهيا وعقلها عاجز عن إيجاد ثالث لإحتمالين إما أن صفوان جُنَّ وفقد رصيدا كبيرا من عقله الذي لا يملك منه الكثير بالمناسبة أو أنه يود اللعب على أعصابها ليعاقبها من وجهة نظره ، ولذعرها كان كل إحتمال أكثر رعبا من الثاني !
تجلّدت وإستنفرت حواسها فإلتفتت بوحشية إتقدت من عينيها متمتمة :
- بلاش الكلام الفاضي ده.
هدأ صفوان قليلا عند ملاحظته لصدمتها وإستطرد :
- انا مبقولش كلام فاضي يا نيجار ... بصراحة الموضوع زاد عن حده وعيلة الصاوي مش ناوية ع خير هما قدرو يضرونا في شغلنا وخلونا تابعين ليهم بسبب خسايرنا المادية والديون اللي علينا.
- و علشان كده انت قررت تقدمني قربان ليهم ؟
همهمت متجاهلة الغصة التي إحتكمت حلقها وتابعت :
- بس انا مش هنولهالك يا صفوان انا هسافر واروح للمدينة وابدأ حياتي هناك كفاية اللي عملته عشانك مش مستعدة اضحي بنفسي تاني.
أنهت جملتها وركضت إلى غرفتها وطفقت تكسر ما تطوله يداها حتى دلف صفوان وقال :
- عايز اتكلم معاكي.
شدت شعرها بحدة صارخة :
- وانا مش طايقة اشوف وشك اطلع برا !
لم يتزحزح من مكانه فإقتربت منه متشدقة بحرقة :
- مهانش عليك تبعتلهم سلمى بس هان عليك تبعتني ليهم صح كل ده لأني مش أختك الحقيقية مستعد تضحي بيا بالسهولة ديه.
أمسك ذراعيها سريعا وضغط عليهما مرددا بلهفة :
- عمري ما فكرت بالطريقة ديه انتي اختي اللي اتربيت معاها وبأتمنها على أسراري يا نيجار انتي بنت عيلة الشرقاوي وهتفضلي طول عمرك كده بس ... بس انتي عارفة اللي حصل بينك وبين آدم هو دلوقتي حاقد علينا ولو اتجوز سلمى هيؤذيها ومش بعيد يموتها وهي اساسا ضعيفة ومش قده مش هتقدر عليه معقوله هترضي تحصلها حاجة وحشة ؟
أزاحت يداها عنه معقبة بنقمة :
- وانا ايه اللي هيحصل فيا اول ما ادخل بيته نسيت اني خدعته وطعنته وسرقنا سبايك الدهب منه ؟
- انتي قوية وهتعرفي تواجهيه وتقفي في وش حكمت هانم أرجوكي جوازكم هيكون مؤقت على ما ألاقي حجة تخليه يطلقك وتبعدي عن هنا.
رغم لينه معها ومحاولته لإستمالتها إلا أن نيجار لم ترضخ فكيف ستدخل بنفسها لغرفة الرجل الذي غدرت به وطعنته كيف ستعيش في منزل مليء بأشخاص يكرهونها خاصة آدم الذي سبق وتركها للموت واليوم قام بإهانتها في شرفها.
لهذا مسحت دموعها مجيبة بتصميم :
- مستحيل انا مش موافقة أبدا هسيب هنا وأسافر و ابقى انت اتصرف معاه لوحدك.
نفذ صبره منها عند عجزه عن إقناعها وفكر بأنه ربما تسرع في الأمر لأن والدته ضغطت عليه، همَّ بالذهاب لكن قطعه طرق باب غرفتها يليه دخول جميلة وهي تقول بهدوء :
- ممكن اتكلم معاكي شويا.
أومأت نيجار بإقتضاب فتقدمت منها الأخرى وأمسك يدها متمتمة بحشرجة :
- انتي عارفة اني بعزك زي سلمى رضعتك مع عيالي لأن أمك كانت عيانة بعد ما خلفتك وساعدتها في تربيتك وسهرت عليكي وأبو صفوان ربنا يرحمه مخلاكيش تحسي بفقدان الأب هو خد باله منك ودرسك وكبرك وانا نفس الشي ومامتك كانت أعز من اختي بالنسبة ليا وهي كمان اعتبرتني كده ووصتني عليكي قبل ما تموت من عشر سنين.
شعرت بغصة في قلبها وحرق في عينيها عند ذكر والدها الذي توفى في طفولتها تبعته خسارة والدتها في سنوات مراهقتها فأخفضت رأسها ساحبة الهواء بعمق كي تهدأ ثم بلعت غصتها هامسة بنبرة مهزوزة :
- ايوة عارفة ... وانا اعتبرتك زي أمي.
إبتسمت جميلة ومررت كفها على شعر نيجار مردفة :
- طيب الست اللي معتبراها والدتك ملهاش حق عليكي ؟ معقول تعبي عليكي طول السنين ديه مخلاش ليا خاطر صغير عندك يا بنتي.
- لا طبعا خاطرك غالي.
- يبقى اعملي فيا الخير ده والحقي سلمى من الحفرة اللي هتقع فيها واتجوزي آدم بدالها يابنتي.
تفاجأت نيجار من كونها تفكر في نفس الشيء فسحبت نفسها منها ولكن جميلة ضغطت عليها باكية :
- ابوس ايديكي ديه سلمى رقيقة ومش قد عيلة الصاوي لا هو هيرحمها ولا جدته خاصة أنها أخت صفوان الحقيقية صفوان اللي لعب عليه وكان هيولع فيه اتخيلي هيعمل فيها ايه لو راحتله.
دمعت نيجار مجددا وشعرت كأنها تقف على خط رفيع بين نارين وكل طرف يسحبها إليه بضراوة حتى تحترق باللهيب !
أغمضت عينيها مستنجدة التماسك ثم فتحتهما وهزت رأسها موافقة :
- ماشي هعمل اللي انتو عايزينه أنا موافقة اتجوزه.
__________________
مساء اليوم التالي في قاعة الإستقبال الخاصة بعمدة البلدة.
جلس هو على المقعد الرئيسي وأشار لهما بالجلوس بجواره وقال :
- فكرتو في اللي قولتهولكم.
- ايوة.
أجاباه في نفس الوقت وأردف آدم بجدية :
- لقيت ان كلامك صحيح وده الحل الوحيد علشان نعمل صلح بين العيلتين عشان كده أنا موافق على الجواز.
هز رأسه برضا وإلتف لصفوان الذي قال :
- وأنا نفس الشي حضرتك بتمنى العداوة ديه تخلص وكل واحد مننا يكمل حياته في هدوء بس من بعد إذنك انا عايز اقول حاجة ... اجوزله بنت عمي نيجار مش سلمى.
ناظره آدم بذهول ولسان معقود عاجز عن الكلام قبل أن ينفرط تعقله وتتوحش ملامحه ويجز على أسنانه مبرطما :
- انت اتجننت مين ديه اللي ...
أحكم بقية كلماته في حلقه حتى لا يقول شيئا خاطئا أمام العمدة وزفر بغلظة مستطردا :
- ممكن افهم في ايه بعتقد اننا عملنا الإتفاق كرجالة يعني احنا مش بنلعب علشان كل مرة تجيبلي حاجة جديدة والمفروض أقول أمرك.
إنتصب واقفا وهمَّ بالمغادرة لكن العمدة إلتمس منه الهدوء والعودة لمكانه ثم خاطب صفوان مستفسرا :
- انا قلت انه هيتجوز أختك اشمعنا رايد تستبدل العروس بواحدة تانية.
حكَّ ذقنه ببلادة وقال :
- وأنا فعلا تكلمت مع عيلتي والست الوالدة وافقت مع أنها كانت خايفة على بنتها من الجوازة ديه بس اللي حصل امبارح قلب الموازين ووقعنا في مشكلة.
بنت عمي نيجار قلقت ع اختي جدا وده خلاها تغلط وتروح لمزرعة الصاوي عشان تقابل آدم وتطلب منه ميؤذيش سلمى وهو بدل ما يطردها او على الأقل يقابلها برا راح استقبلها في الاسطبل بتاعه والناس شافوهم وهما جوا لوحدهم ... وفهمك كفاية.
إستمع لتلميحاته المبطنة وإستشاط غضبا شاعرا بالنار تحرق خلايا تعلقه الذي لا يملك منه الكثير فضرب بقبضته على الطاولة الخشبية الموضوعة بجانبه وهدر بثورة :
- قصدك ايه بالكلام ده انت واعي للي بتقوله يلا !
رد عليه الآخر مدعيا الرصانة :
- أنا عارف انك مقصدتش حاجة وحشة وبنت عمي جتلك بنفسها علشان كده انا قاعد وبكلمك دلوقتي وإلا كان الموضوع هيتقبل لقضية شرف بس أنت كان المفروض تبقى واعي أكثر وتستوعب أنها صغيرة ومش دارية بنتايج اللي عملته مش تمشي معاها في الخط وتقابلها لوحدكو بعيد عن عيون الناس وأنت أدرى بالكلام اللي هيطلع عليكو.
مبالغة، كان حديثه من أوله لآخره مبالغا فيه حتى يضع نفسه في موضع الأخ الخائف على شرف أخته صفوان يعلم بأن آدم لن يكون قادرا على إخبار العمدة أنه كان على علاقة مع هذه الفتاة لأنه بهذه الطريقة سيظهر بشكل الأحمق الذي سمح لإمرأة بخداعه، لهذا هو الآن يستغل الموقف ويستفزه حتى يخرج أسوء ما لديه.
ضغط العمدة على عصاه بوجوم مرددا :
- الكلام ده صحيح يا ولد سلطان ؟
- ايوة صحيح بس انا مكنتش في نيتي حاجة وحشة هي جتلي بنفسها وانا قولتلها ان المواضيع ديه بين الرجالة بس وطلبت منها تطلع مش شايف ان الموضوع مستاهل الدوشة ديه كلها.
أجابه ببرود مفتعل مفكرا بأن نيجار جاءته قصدا حتى تفتعل هذه المشكلة ويرفض هو الزواج بها فيغضب العمدة منه ، كان يجب عليه أن يتوقع ذلك تلك الخائنة لا تفعل أي شيء بغرض شريف ولهذا السبب كان عليه أن يقرر في الحال شيئا سيقلب موازين حياته كليا فإعتدل في جلسته ورفع رأسه بشموخ هاتفا بوقار :
- بس طالما حصلت المشكلة ديه من غير قصد يبقى مفيش حل تاني ... مبتفرقش مين العروسة سواء نيجار او سلمى علشان كده انا موافق على عرضك يا صفوان وهتجوز بنت عمك عشان احفظ شرفك.
ضغط على يده بغيظ من إستفزاز الآخر له وتبيان بأنه سيفعل فيه خيرا ويحفظ شرفه لكنه أظهر إبتسامة مصطنعة وهز رأسه بإيجاب ، إنشرحت أسارير العمدة على تفاهمها فوقف وأشار لهما حتى يتصافحا بينما يردد :
- انتو بقيتو عيلة واحدة من النهاردة وأنا بوعدكم هعملكم فرح محصلش قبل كده.
إدع كل منهما التسليم على الآخر وقال آدم مبتسما :
- خيرك مغرقنا حضرتك بس بعد اذنك انا مش عاوز اعمل هيصة كبيرة كفاية كتب كتاب واحتفال صغير المهم حياتنا هتبقى ازاي بعد الجواز.
ربت على كتفه موافقا :
- انت إبن أصول وأنا متأكد أنك هتصون الست اللي ع اسمك حددو امتى ميعاد الفرح وانا معاكو.
همهم صفوان بإبتسامة صفراء سرعان ما اختلفت عندما نطق آدم على حين غرة :
- مفيش داعي نضيع وقت خلينا نجيب بنت عمه ومعاها مأذون يكتب كتابنا دلوقتي والفرح يتعمل الأسبوع الجاي ...
(بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير)
وكانت هذه العبارة بداية لصفحة جديدة بالنسبة إلى الجميع ... وبداية جحيمها هي !
__________________
الفصل العاشر : أسرار خفية.
_______________
تجلس أمام مرآة التسريحة بعقل شارد وصوت زغاريد النساء في الأسفل يكاد يصيبها بنوبة هستيرية، تناظر بعينين ميتتين هيأتها التي زينوها بعناية ولكنها لم تكن كأي عروس تنتظر بشوق لحظة الوصال مع زوجها، بل كانت كمن غسَّلوها وهي حية وهاهم سيأخذونها لقبرها وسط جو من الأغاني والصخب !
أغمضت عيناها مسيطرة على دموعها المحتجزة لتنطق إحدى الفتيات اللواتي كُنُّ جالسات معها :
- والله ووقعتي وانتي واقفة يا نيجار كنتي بتقولي مش هتجوز وفي الآخر خدتي شيخ شباب البلد.
ضحكت رفيقتها وضربتها ممازحة :
- اذكري الله هترقعيها عين توديها في داهية ... بس ابقي احكيلنا يا نيجار هيقولك ايه ويتصرف معاكي ازاي عشان نعرف طبيعته مش ممكن ربنا ينوب علينا بواحد زيه.
تعالت الضحكات مجددا ولاحظت سلمى تصلب نيجار بنفور فتنحنحت متدخلة :
- بس انتي وهي متضايقوهاش كده.
في هذه اللحظة طُرق باب غرفتها ودلفت جميلة تتأمل نيجار وهي ترتدي فستان أبيض ينزل على جسدها بإحتشام وتضع مكياجا خفيفا أما شعرها فأسدلته في تموجات بسيطة، كانت جميلة كعادتها ولكن نظارة وجهها لم تستطع إخفاء جمودها وكأنها ستزف لموتها.
وربما هذا صحيح فهي ألقتها في الجحيم لتنقذ إبنتها من الخطيئة المرتكبة في حق آدم الصاوي، لم تكن تريد هذا بالطبع بل وكانت تتأمل أن يرفض آدم الزواج لكن مع الأسف قد وافق ولم تستطع نيجار النجاة من لعنة الخطيئة هذه !
تنهدت بحسرة طمستها سريعا وإدعت الفرحة وهي تخاطبهن ببهجة مزيفة :
- ممكن تسيبونا لوحدنا شويا يا عرايس.
تغامزت الفتيات بإبتسامة ماكرة وخرجن أما هي فجلست مقابلها هامسة :
- بسم الله ماشاء الله طالعة زي القمر ياحبيبتي.
لم تجب نيجار عليها وظلت صامتة كأن على رأسها الطير فتابعت جميلة الحديث لعلها تحثها على التفاعل معها :
- أنا عارفة انك زعلانة وخايفة بس مين عارف ممكن تخلي حفيد حكمت يرجع يحبك ويسامحك وتعيشي مبسوطة معاه.
رشقتها بنظرات ساخرة صامتة إبتلعتها الأخرى على مضض عندما دلفت إحدى النساء تخبرهما بوجوب النزول الآن فتلكأت جميلة وهي ترزح بين طيات الكلمات التي تود قولها الآن فتشجعت وهمست بتلميح عندما أوشكت نيجار على النهوض :
- هنبقى نجي ف صباحيتك بكره ونطمن عليكي.
توقفت نيجار بمكانها وقطبت حاجبيها بترقب خطير لتنظر لها زوجة عمها بحزم قائلة :
- انتي كبيرة وعارفة ايه اللي بيحصل بين أي اتنين متجوزين في ليلة فرحهم ودلوقتي بقيتي عروسة في بيت الصاوي ولازم تعملي واجباتك الكاملة إتجاه جوزك.
- قصدك اني لازم استسلم وأسيبه يقرب مني مع أنه بيكرهني وبيحقد عليا وده علشان يكسرني وينتقم مني بطريقته صح.
برطمت نيجار بقهر مستشعرة بالدونية المريرة لأن عائلتها تقدمها كقربان لأعدائها حتى تنقذ نفسها من براثين غضب آدم رغم أن نيجار لم تكن لتدخل حياته أبدا لولا صفوان الذي دفعها إليه !
ولكنها هي نيجار الشرقاوي لطالما كانت صلبة وستبقى كذلك لن ترزح باكية تحت أنظار أي شخص أو تظهر روحها المجروحة أمامه فلقد توقعت على أن تكون دموعها عزيزة لا تنزل بسهولة ، لهذا رفعت رأسها بشموخ وغطت وجهها بالطرحة الشفافة التي كانت مثبتة في شعرها بدبوس خفي دون أي إضافات ونزلت مع زوجة عمها حتى تُزف له....
في الخارج كان صوت طلق النار والطبل يملأ المكان والفرس ترقص على المزمار حيث أشرف العمدة بنفسه على الإحتفال بزواج فردين من أكبر العائلات في البلدة.
وفي سرايا الصاوي كانت نيجار تجلس محاطة بالنساء إلى جانبها سلمى وعلى الطرف الآخر ليلى التي لا تكاد تستوعب الإرتباط المفاجئ لأخيها مع إبنة أعدائهم لكنها مجبرة على تدارك نفسها والتعامل بما يليق بشقيقة العريس فدعت النساء للرقص ليندلع جو من الصخب في المكان وتنتشر البهجة فيه.
ومن فوق كانت حكمت تطل عليهن وتطالع تلك العروس الجامدة بعينين تمطران شرًّا وتوعُدَّا بجعلها تتمنى الموت وهي حية.
لقد قامت عديمة الأصل هذه بجعل حفيدها ينزف وسط ألهبة النار لذلك ستجعلها هي تبكي الدم بدل الدموع بأضعاف وأضعاف وتحرق قلبها قبل جسدها ... !
جاءت خادمتها أم محمود وقالت لها بهمس :
- المعازيم عمالين يسألو عليكي يا ست هانم.
هزت رأسها بوقار ونزلت إليهن متحدثة بصوت عالٍ :
- نورتونا يا جماعة الخير ... فينك يا أم محمود خلي البنات يهتمو ب احتياجات ضيوفنا ده بيت الجود والكرم وفرح الغالي إبن الغالي مينفعش نقصر في حق حد.
- طول عمرك صاحبة واجب يا ست هانم.
تعالت المجاملات من النسوة فزفرت نيجار بضجر من هذه المسرحية الهزلية وإلتفت لجميلة التي همست لها بوجوب الإبتسام ولو قليلا لأن عبوسها جلب الإنتباه ، أما حكمت التي نظرت إليهما خاطبت جميلة قائلة بود زائف :
- اتفضلي يا ست أم صفوان متتكسفيش احنا بقينا أهل ومتقوليش العين متعلاش ع الحاجب لأن صحيح التعود صعب بما أننا طول عمرنا في مستوى أعلى منكو بس خلاص احنا قرايب دلوقتي.
إصفر لون جميلة وعجزت عن القيام بالتصرف المناسب لأن إهانة حكمت كانت تلبس قناع المودة أمام الحضور فتظهر لهم بأنها تحترمها لهذا إكتفت بالإبتسام ولم تغفل سلمى عن تحذير نيجار التي تحفزت بشر وأظلمت عيناها موشكة على ردِّ الإهانة إلا أنها توقفت عندما طالعتها حكمت مرددة :
- ايه يا كنتنا مش هتقومي ترقصي ده انتي حتى متجوزة سيد البلد.
رسمت نيجار إبتسامة لعوبة على وجهها مجيبة إياها :
- لا ازاي بس انا هقوم ارقص و اغني وازغلط كمان.
حدثت فيها بتحدّي ونهضت تنتشل شالا من إحدى النساء لتربطها أسفل خصرها ثم شرعت تتمايل برشاقة في وسطهن على إيقاع الطبل وهُن تصفقن و ترددن الأغاني المعروفة، اِبتسمت جميلة بإعجاب من قوتها وطبيعتها المتحدية أما حكمت فوقفت تناظرها بجمود مفكرة بأن هذه الفتاة تملك من الجرأة الكثير ولا شك في قدرتها على إيقاع آدم في شباكها فهو لم يكن لينجذب إلى امرأة ولكنها لن تكون السيدة حكمت إن لم تكسر شوكتها.
________________
وفجأة وجدت نفسها داخل غرفته وعلى سريره !
تسارعت نبضات قلبها المختض بين ضلوعها واِرتفع نسق أنفاسها بشكل زائد حتى كادت تظن أن هواء الغرفة لا يكفيها، صحيح أنها إدعت الصلابة ولكنها في الحقيقة خائفة بل مذعورة من فكرة تواجده معها بعد قليل لا تعلم ماذا سيفعل بعدما أصبحت زوجته مؤكد أنه سيعنفها ويذيقها العذاب تحت يديه.
إنتفضت نيجار وجفت الدماء في عروقها حين فُتح الباب ودخل آدم بهدوء وقف مكانه وجال بعينيه على هيأتها بفستانها الأبيض وهي تغطي وجهها بالطرحة الشفافة، كانت لتخيل للناظر من بعيد أنها ملاك منزل من السماء لكنه وحده يعلم القدر الهائل من السواد الذي كانت تبتلع فيه المغترين ببياضها المزيف !
من غرابة القدر أنه منذ شهرين فقط كان يتشوق لمثل هذه الليلة حيث تكتب حبيبته على إسمه ويجتمعان معا تحت سقف واحد لكنه الآن لا يطيق النظر إليها حتى !
تحرك ببطء مقصود يقلص الخطوات بينهما باعثا في جسدها إهتزازات لا إرادية حتى أشرف عليها فتنهدت نيجار بخنق متمتمة :
- انت دلوقتي فخور بنفسك طبعا لأنك قدرت توقعني تحت إيدك.
إنتظرت رده لكنه لم يعقب عليها فحادت ببصرها نحوه مطالعة إياه من خلف الطرحة ليبتسم آدم وينحني بركبة واحدة على السرير حتى أصبح يقابلها تماما ثم مدَّ يداه ورفع الطرحة ليظهر وجهها له وهمس بنبرة مثقلة :
- سيبك من الكلام ده دلوقتي ديه ليلة دخلتنا اللي استنيتها بقالي كتير علشان كده خلينا نركز مع بعض ياحبيبتي.
شحب وجه نيجار وإنكمشت على نفسها مرتعبة من الوهج الذي بعينيه، لقد أرادت إستفزازه حتى يغضب منها فتفسد الليلة بأكملها لكن من الواضح أنه ينوي بها شرّا حقا.
أشاحت وجهها عنه بإرتجاف غير أنه قبض على فكها وأجبرها على النظر إليه مستطردا :
- أكيد انتي عارفة ايه اللي هيحصل مابيننا دلوقتي ومش مستنية مني أقولك نامي ع السرير وانا هنام ع الارض مش كده، حبيبتي.
تغضنت ملامحها بغيظ من تكراره لكلمة "حبيبتي" المستفزة وتقلصت معدتها بنفور معقبة :
- مش ع أساس بتكرهني ومبطيقنيش اومال عايز تقرب مني ليه.
ثم أردفت بتهكم مستفز :
- ولا أنت لسه بتحبني زي الاول ومبسوط بجوازنا.
وعلى عكس ماتوقعت أن يثور عليها وجدته مستكينا بل وأنزل يداه على كتفيها ودفعها بقوة حتى تستلقي فاِنتفضت بهلع وحاولت النهوض غير أنه مال عليها مسيطرا على حركتها وهمس بقسوة عند أذنها :
- هقرب منك وبأبشع طريقة كمان عشان تعرفي قد ايه انتي واحدة بلا قيمة ومبتستاهليش راجل يعاملك بحب وإحترام.
شعرت نيجار بمدى جديته وسُحبت الدماء من وجهها في غضون ثوانٍ لتضع يدها تلقائيا على ساقها التي ربطت خنجرها به غير أنها أجفلت حينما نهض آدم معدلاً بدلته ثم غمغم آمرا :
- قومي.
رمشت بعينيها لوهلة غير مستوعبة فأعاد ما قاله بصوت أعلى لتنهض ويمسك يدها فسحبتها منه متمتمة بتلجلج :
- انت موديني ع فين انا مش جاية معاك.
إبتسم آدم بقسوة وقبض عليها مجددا مبرطما بقتامة :
- هتجي معايا واحسنلك متعمليش دوشة برا والا مش عارفة انا ممكن اعمل فيكي ايه.
سحبها خلفه وغادر السرايا تحت أنظار حكمت التي كانت تراقبهما من نافذة جناحها ثم جعلها تركب في سيارته وإنطلق بها بسرعة.....
_________________
أسند ظهره على المقعد بإرتياح وهو ينفث دخان سيجارته في الهواء ثم نظر إلى من بجواره وهو يتجرع الخمر بشراهة وقال :
- اتهدى شويا عشان ميغماش عليك دلوقتي.
هز رأسه بنفي وأفرغ القطرات الأخيرة من الزجاجة في كأسه مبرطما :
- لازم اشرب عشان انسى يا مراد كل لما افكر ان بنت عمي قاعدة مع عدوي بيبقى هاين عليا أموت نفسي.
مالت شفة مراد العليا بسخرية معقبا :
- مش انت ضحيت بنيجار بنفسك واديتهاله بدل اختك اومال ايه لزوم حركات الندم ديه.
جز صفوان على أسنانه بغيظ من برود الآخر فنظر له بعينيه الحمراوتين هادرا :
- كنت مجبور اعمل كده عشان آدم ميؤذيش عيلتي اكتر من كده ... انت كنت هتعمل ايه لو كنت مكاني ؟
الوغد الجبان، وكأنه لا يعلم أن صفوان لم يضحي بإبنة عمه سوى لأنه خائف من إكتشاف العمدة لمصائبه وأيضا بسبب طمعه في الحصول على إمتيازات أكثر بما أنه أصبح على علاقة عائلية مع واحد من أغنى التجار في البلدة حتى أنه لم يهتم بالفتاة التي ألقت نفسها في النار من أجله وقدمها قربانا حتى تظل أخته الحقيقية في أمان !
ورغم هذا لم ينطق بما يدور بداخله بل إلتهى في سيجارته وهو يجيب عليه :
- سيبك مني وطلعني من قصصكم العائلية ديه دلوقتي ، انت عارف ان آدم اتهجم عليا في مكتبي من كام يوم بعد ما كشف اني كنت شريكك والبركة فيك انت وبنت عمك.
- اه عارف وبعدين ؟
إعتدل مراد في جلسته وقابله وجها لوجه متشدقا بجدية :
- وزي ما انت عارف بردو اني اتصلت بيك الأسبوع اللي فات لحتى نشتغل مع بعض تاني بس آدم مستني مني أي حركة مريبة علشان يعرف لو انا مستقصده بشكل شخصي او تعاوني معاك من قبل كان مجرد صفقة عشان الفلوس مش اكتر وهو غالبا دور ع أي معلومة تخصني بس ملقاش وده هيخليه يشك فيا.
همهم يستوعب كلامه ثم اِستطرد :
- وانت عايز تخليه يفكر ان تعاونك معايا كان لمجرد مصلحة وانتهت صح فهيبقى تعاوننا المرة ديه مختلف ع المرة اللي فاتت.
- تماما، هساعدك بس بشكل غير مباشر انا هتواصل مع سماسرة وتجار بعرفهم وتعاملو مع آدم قبل كده هضبط علاقاتك معاهم وادخلك في مشاريعهم واقنعهم يبعدو عن التعامل مع ابن سلطان وطبعا احنا هنضرب عصفورين بحجر واحد من جهة نكسب فلوس ونتقاسم الربح سوا ومن جهة تانية نخليه يخسر العملاء بتوعه من غير ما اسمي يظهر في الوسط.
اِستمع له صفوان باِنتباه شديد وأومأ بإيجاب على خطته :
- نقطة قوة آدم هي صورته الكويسة وعلاقاته مع التجار وهنبقى دمرناه لو قدرنا نضربه من الناحية ديه ... عارف حاجة انا كل مرة بتعامل معاك بقعد افكر ايه نوع علاقتك مع بيت الصاوي وليه حاقد عليهم كده بس ملقتش سبب مقنع.
غامت عيناه بشرود أفاق منه سريعا وهو ينهض مرددا :
- الوقت اتأخر روح لبيتك وياريت متتواصلش معايا غير لما اطلبك انا بنفسي يلا تصبح على خير.
حدق صفوان فيه وهو يغادر ثم همس بثمل :
- ايه الغرور اللي فيه ده انا مش فاهم هو شايف نفسه ع ايه.
وضع الكأس على الطاولة بقوة وأكمل :
- انت قدرت تاخد بنت من عيلتي يا ابن سلطان بس لو فاكر انك كده هتقدر تمسكني من الإيد اللي بتوجعني بتبقى غلطان ... انا هحرمك من كل حاجة بتملكها وأخليك تترجاني ارحمك استنى عليا وشوف.
*** بينما قاد الآخر سيارته ووصل لمنزله بعد فترة ليدخل وتقابله سيدة كبيرة في السن قليلا فألقى عليها السلام وقال :
- ايه الاخبار هي كويسة ؟
هزت رأسها بإيجاب مبتسمة :
- الحمد لله يا مراد بيه الهانم كلت وخدت علاجها وهي نايمة دلوقتي.
تنفس براحة ثم قابلها بإبتسامة :
- شكرا بتقدري تروحي ترتاحي.
تحرك متجها ناحية إحدى الغرف ودخل ليراها مستلقية على السرير ونائمة بعمق، اقترب منها وأمسك يدها متمتما بصوت منخفض :
- كل لما أشوفك كده قلبي بيوجعني وبحقد عليهم اكتر عيلة الصاوي أذتنا كتير وسرقت حياتنا بس هانت ياحبيبتي انا بقيت قريب جدا من الهدف بتاعي خليهم يفرحو دلوقتي ويفتخرو كويس بإسمهم وصيتهم لأني هاخد كل حاجة منهم.
اِنحنى طابعا قبلة خفيفة على جبينها ثم أسند رأسه على كفها مستسلما للنوم ...
_________________
كان الصمت مرافقا لهما طوال الطريق مسببا صداعا لدى نيجار التي كادت تجن وهي تحاول توقع المكان الذي سيأخذها إليه وما سيفعل بها ومع الأسف كان كل إحتمال أسوء من الآخر فرطبت شفتها بقلب وجل وهتفت بصوت متقطع :
- على الاقل قول انت موديني ع فين ... هتقتلني وترمي جثتي صح.
لم يجب عليها لتستطرد هي بشجاعة مصطنعة :
- لو فاكر انك هتقدر تعمل كده من غير حد مايكشفك تبقى غلطان لأن الكل عارف اني معاك دلوقتي فقتلك ليا مش في صالحك.
ومجددا لم تجد سوى السكوت إنتفضت بإنفعال وأوشكت على فتح الباب وإلقاء نفسها من السيارة إلا أنها تراجعت وقد حسمت الأمر إذا أراد قتلها فلن تموت دون أن تأخذه معها.
كانت تلافيف الظلام مسيطرة على الأجواء ولم تستطع رؤية الطريق جيدا فأسندت رأسها على المقعد بإرهاق مقررة توفير طاقتها، وبعد مدة توقفت السيارة وللصدمة كان قد جلبها آدم إلى بيت الهضبة !
ترجل منها وأخرج نيجار بالقوة ثم تحرك بها وأدخلها مرددا :
- احنا هنقضي ليلتنا هنا زي ما كنت مخطط قبل كده ايه رأيك ده حتى بصي انا عدلت البيت عشانك.
تطلعت للمكان من حولها والذي كان في حال أحسن من حالته في الليلة التي خطف صفوان بها وإستدرجها إلى هنا ثم لمعت عيناها بالدموع متذكرة ما حدث يوم عقد قرانهما فاِختض قلبها بين ضلوعها وتأوهت بألم على إثره، نظرت إليه بصمت ولم تدرِ أن الشعور الذي كان بداخلها الآن ليس خوفا بقدر ماهو حرج من فعلتها...
ربما لأن شخصيتها المصبوغة بطبقة من السواد لم تكن لتتقبل يوما أن تكون الطرف المنكسر في علاقتها مع عدوها الذي تشربت كرهه منذ طفولتها !
سحبها آدم مجددا وهذه المرة اِنقادت خلفه دون مقاومة حتى وصلا للغرفة التي إجتمعا فيها سابقا ... بالنسبة لنيجار فهذه الغرفة هي نفسها التي طعنت فيها آدم وكادت تقتله.
أما بالنسبة له فكانت هذه الجدران هي نفسها الشاهدة على الغدر الذي تلقاه من المرأة التي أحبها !
غامت عيناه بسواد ذلك اليوم وإشتد حقده عليها في هذه الساعة فبدأ بنزع سترته وألقاها على الأرض مقتربا منها ثم لوى ذراع نيجار خلف ظهرها وجذبها ناحيته حتى اِلتصقت به تماما ليهدر بأنفاسه الساخنة فوق بشرتها :
- المكان ده عزيز علينا احنا الاتنين وعندنا فيه ذكريات جميلة وهتبقى أجمل لما نبدأ حياتنا الزوجية السعيدة في الاوضة ديه.
أطلقت صيحة ألم بسبب ضغطه على ذراعها واِرتعبت من كلامه فهمست باِستعطاف مستجدية شهامته التي لطالما عُرف بها :
- آدم انا فاهمة انت بتحاول تعمل ايه بس معقول تاخد واحدة غصب عنها عشان تنتقم انت عمرك ماعملت كده.
لم يبدو عليه التأثر ولو بمقدار ذرة بل كأن كلامها زاده رغبته أكثر فمدَّ يده الحرة واِنتزع الطرحة الشفافة بعنف ثم ألقاها على الفراش وجثى فوقها صرخت رافضة لكنه كتمها عندما اِنحنى عليها وضم شفتاها بشفتيه في أول قبلة لهما، قبلة رغم عمقها إلا أنها لم تحتوي على ذرة حب واحدة هذا ما شعرت به نيجار التي اِنصدمت من هذا الهجوم العاتي عليها وحاولت التحرر منه لكنها لم تستطع فأخفضت يدها كي تسحب سلاحها وهنا حلت عليها الصدمة الحقيقية حين وجدت يد آدم تتسلل لفستانها وترفعه حتى ظهرت ساقها بأكملها ثم سحب السكين واضعا إياه أمام عينيها بدهاء ماكر :
- كنت متوقع بردو.
نقلت نيجار بصرها بينه وبين السكين بحدقتين مشتعلتين بالغضب فألقاه على الأرض ثم قيد يداها في كف واحدة أعلى رأسها أما الأخرى فمسح بها وجهها هامسا :
- كني واهدي يابنت الشرقاوي ومفيش داعي تهدري طاقتك ع الفاضي لأني مش هتنازل عن حقي.
قبلها مجددا وشعرت به يزيح طرف فستانها فسكنت أخيرا بين ذراعيه باِستسلام مدركة أنه لا فائدة من مقاومتها وقد تمكن منها حقا ....
_________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه وهل كنتو تتوقعو ان آدم يتمم جوازه من نيجار ؟
مين اللي كان مراد بيكلمها وايه سبب حقده ع عيلة الصاوي ؟
هل نيجار هتقدر تتصدى ل آدم ولا هو هيقدر يتغلب عليها ؟
توقعاتكم.
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺