القائمة الرئيسية

الصفحات

الأخبار[LastPost]

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة كاملة الاول والتاني



 رواية الثلاثة يحبونها 

للكاتبة شاهندة كاملة - كل يوم 

تقديم الرواية


حبهم لها كان بمثابة لعنة أصابتها، فأحدهم يحبها بصمت، تارة يدللها وتارة يقسو عليها والآخر أقسم أن تكون له حتى وإن أساء لسمعتها أما الثالث والذي أحبها وعشقته بجنون، تخلى عنها واصما إياها بعار لاذنب لها فيه، فهل تقاوم تلك اللعنة أم تستسلم وتصبح في النهاية ضحيتها؟

شخصيات الرواية


يحيي:

عدت رحمتي وعادت معكي إلى قلبي النبضات.

ورغم ألم الغدر وضباب الخطيئة.. وقسوة الذكريات.

مازلت راهب في محرابك.. أسيرك ياساحرة الضحكات.

ألقيتي تعويذتك علي بالماضي.. وزدتي الخفقات.

وأبيتي أن تطلقي سراحي، وتبعدي الطلاسم والتعويذات.

فأصبح إسمك أغنيتي، وعشقك أجمل التهويدات.


عدت فزلزلتي كياني وخضعت لعشقك في لحظات.

أريد فكاكا من أسرك، يمنعني سحرك و النغمات.

فهمسك أنغام تسحرني، وترسم على ثغري البسمات.

لأشعر بالعشق يكملنى.. لتهرب من عقلي الكلمات.

يكويني عشقك.. يسعدني.. يجعلني في كل الحالات.


رحمة:

في طريق عشقك تناثرت ذرات كياني.

بعثرها برودك ..فراقك.. وأضاع أحلامي وأماني.

ورغما عني أخطو في طريقك كالمسحورة..أصم آذاني.

وأغمض عيني... وكأني لا أرى نكرانك وخذلاني.

أبغي وصالا لهاجرا ....هجرانه أتعبني وآذاني.

لا ألقي بالا لصخور القسوة ..أمشي فتجرحني وأعاني.


فأنا عاشقة عمياء.. يفجر هجرك حزني و بركاني.

يخنقني بعدك.. يبهتني..يقتلني الدمع وأحزاني.

أبغي هربا ..أو فرصة لألملم باقي وجداني.

كالمسحورة أعود لدربك..وكأن طريقك عنواني.

أدرك أني لعنت بعشقك..فأصبحت هلاكي.. وإيماني.

رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الأول


كان يحيى مغمض العينان غارقا في سبات عميق، ولكنه إستيقظ على الفور حين أحس بيدها تمر على ظهره بنعومة، و تثير كيانه الذي يعشقها بكل ذرة فيه، إنفلجت عيناه ببطئ وإرتسمت على ثغره إبتسامة، لتتسع إبتسامته وهو يشعر بتلك اليد تمتد لتصل إلى صدره تداعبه في رقة ليمد يده يمسك يدها على الفور، يسحبها بسرعة ثم يعتدل هو لتصبح هي ممددة أسفله وهو مشرف عليها، تطالعه بعينين رماديتين رائعتين، متسعتين من المفاجأة بينما يتابع هو ملامحها بشغف، بعشق سرق النوم من عينيه، تتسارع أنفاسه لمرأى شفتيها المرتعشتين، مد يده ومررها على بشرة وجهها السمراء الناعمة بقلب تصدعت جنباته شوقا إليها ليقول بصوت هامس متهدج:.


وحشتيني أوي.

تأملته بعيون عاشقة وقد أذابتها همساته ولمساته قائلة:

إنت كمان، وحشتني أوي يا يحيى.

مال يقبل وجنتها اليسرى قائلا في نعومة:

روح يحيى.

ثم قبل وجنتها اليمنى قائلا:

وعمر يحيى.

لينظر إلى شفتيها قائلا بعشق:

ونبض قلبه كله.


ليتوقف عن الحديث وهو يميل مقبلا شفتيها في رقة لم تلبث أن تحولت إلى إجتياح، يشعر بقلبه على وشك التوقف من شدة الإنفعال وهي بين يديه ينهل من شهدها حد الإكتفاء، ولكن كيف يكتفي من حبيبته التي يعشقها من كل قلبه، كيف يكتفي من روح سكنت روحه وتغلغلت فيها، كيف؟

فجأة...


تلاشت من بين يديه وكأنها لم تكن في أحضانه منذ ثوان، إنتفض يبحث عنها بعينيه وعندما لم يجدها صرخ بإسمها في لوعة، ليحيره صوت يأتيه من بعيد، هل هو صوتها؟لا إنه ليس بصوتها أبدا، ولكنه وعلى الرغم من ذلك صوت يعرفه جيدا، إنه صوت راوية والتي كانت تقول بقلق:

يحيى، فوق يايحيى.


فتح يحيى عيناه ببطئ ليجد عينا راوية في مواجهته وهي تنظر إليه في حزن إمتزج بالقلق، لقد بات يعرف تلك النظرة جيدا، فقد باتت تتكرر مؤخرا بشكل أشعره بالذنب ليشيح بعينيه عنها وهو ينأى بجانبه مانحا إياها ظهره ليتمالك نفسه التي ضاعت في عشق أخرى، مسببا الألم لكليهما، فقد أدرك في الآونة الأخيرة أن راوية تعلم بأن قلبه مشغول بسواها، ربما لا تعلم من هي ولكنها متأكدة من وجودها في قلب زوجها، قلب يحيى الذي يأبى أن ينساها رغم مرور كل تلك السنوات على فراقهما، ورغم انه لم يرها خلالهم ولو لمرة واحدة ولكنه لم يستطع إخراج صورتها من خياله ولا عشقها من قلبه رغم محاولاته المستميتة لفعل ذلك.


أفاق مجددا من أفكاره على لمسة راوية لكتفه وهي تقول:

يحيى، إنت كويس؟

تجمد جسد يحيى تحت يدها لثوان قبل أن يلين قائلا:

أنا كويس يا راوية متقلقيش، ده مجرد كابوس وفقت منه خلاص.

ليلتفت إليها ثم يمسك وجهها بين يديه طابعا قبلة خفيفة على جبهتها قائلا:

إرجعى نامى إنتى وأنا هقوم آخد شاور وألبس عشان إتأخرت على الشغل.

ثم تركها ناهضا ومتجها إلى الحمام ليتوقف في جمود على صوت راوية وهي تقول بتردد:.


كلمتها يايحيى، كلمت رحمة؟

أجابها دون أن يلتفت إليها قائلا بجمود:

إنتى لسة مصممة ياراوية إنها تيجى هنا من تانى؟

قالت راوية بحزم:

أيوة يايحيى، أنا مصممة؟قلتهالك كتير، ليه مش قادر تفهمنى؟

مال بجانب وجهه يقول بصوت خال من المشاعر:

إنتى عارفة إنى مش حابب وجودها هنا في البيت معانا وعارفة السبب.

قالت راوية برجاء وهي تتجه بضعف إلى يحيى وتقف قبالته:.


إسمعنى بس يايحيى، رحمة ملهاش ذنب في موت هشام ولازم كلكم تفهموا ده، رحمة مش ممكن تكون السبب في موته، انتوا كلكم ظالمينها.

نظر يحيى إلى عيون راوية قائلا في برود:

رحمة انتهت بالنسبة لنا كلنا من زمان ياراوية، من قبل حادثة هشام، ولا نسيتى؟

أطرقت راوية برأسها في حزن ليزفر يحيى وهو يمد يده إلى ذقنها يرفعها لتتقابل عينيها الدامعتين مع عينيه ليقول هو بحنان:.


لو مصممة بجد، فأنا هبعتلها حد يبلغها رغبتك في إنك تشوفيها ياراوية، أنا أهم حاجة عندى إنى مش عايز أشوفك زعلانة تانى ولا عايز أشوف في عنيكى دموع، مفهوم؟

أومأت راوية برأسها ليربت على وجنتها بحنان ثم يتركها متجها إلى الحمام ليستوقفه صوتها مجددا وهي تنادى بإسمه قائلة:

يحيى.

نظر إليها متسائلا، لتقول بألم ظهر في نبرات صوتها وعيونها التي غشيتها الدموع:

ياريت بسرعة مبقاش فيه وقت.


مزقت قلبه دموعها وكلماتها ليسرع إليها قاطعا المسافة بينهما في خطوتين ليأخذها بين أحضانه يضمها إليه بقوة لتترك لدموعها العنان تفرغها داخل صدره، ليتركها هو حتى أفرغت دموعها بالكامل، ثم أبعدها عنه قائلا بحنان وهو يمسح دموع وجهها بيديه:

قلتلك مبحبش أشوف دموعك دى ياراوية، بتوجعنى، عشان خاطرى تنسى الحزن وتبعديه عن قلبك، انتى أقوى منه، وأنا كمان جنبك، ولا إيه؟


أومأت برأسها ليبتسم إبتسامة حانية وهو يقبلها على وجنتها ثم يلتفت متجها إلى الحمام ومغلقا بابه خلفه، لتنظر راوية في إثره، وتقول بحزن:.


كان نفسى أفضل جنبك طول العمر بس إرادة ربنا بقى، أو يمكن عقابه لية عشان كنت عارفة الحقيقة وخبيت عنك، كنت أنانية، ومفكرتش غير في حبى ليك، مع إنى متأكدة إن عمرك ما حبيتنى، إنت حبيتها هي وبس، وهي كمان، هي كمان محبتش غيرك، غلطة أنا غلطها زمان، وكلنا دفعنا تمنها، يشهد ربى إنى كنت بتعذب كل يوم بسبب الغلطة دى، بس خلاص لازم أصلحها ويارب أقدر أصلحها قبل فوات الأوان، يااارب.


قال مراد بنبرة حاول أن يجعلها طبيعية قدر الإمكان:

هتخليها تيجى بجد يايحيى؟

نهض يحيى وإلتف حول مكتبه ليقف أمام النافذة يتطلع إلى الخارج قائلا في جمود:

مكنش أدامى حل تانى، أنا أكتر واحد مش حابب إنى أشوفها أدامى من جديد، بس راوية طلبت منى إنها تشوفها كتير وأنا ماطلت أكتر، ومبقاش فيه وقت زي ما قالت، وأنا خايف.

اقترب منه مراد قائلا في حيرة:

خايف من إيه بس؟


ابتلع يحيى ريقه بصعوبة وهو يلتفت مواجها عينا أخيه ومستطرد في ألم:

خايف يامراد، خايف أندم بعد كدة إنى حرمتها من إنها تشوف أختها، يمكن للمرة الأخيرة.

مزقت نبرات يحيى الحزينة نياط قلب مراد، ليربت على كتفه قائلا بعطف:

شايل كتير ياأخويا جوة قلبك، ومضطر تشيل أكتر، وللأسف مش بإيدى حاجة أقدر أخفف بيها عنك.

تمالك يحيى نفسه وهو يرى نظرة الشفقة في عيون أخيه، ليربت على يده الرابضة على كتفه قائلا بهدوء:.


أنا كويس يامراد، متقلقش علية.

ثم إبتعد متجها إلى مقعده خلف مكتبه ليجلس عليه قائلا:

المشكلة دلوقتى في وجودها هنا معانا تحت سقف بيت واحد والمشاكل اللى هتيجى من وراها.

عقد مراد حاجبيه قائلا:

قصدك إيه؟

تراجع يحيى في مقعده وهو ينظر إليه نظرة ذات مغزى قائلا:

يعنى مش عارف يامراد أقصد إيه؟

ظهر التوتر على محيا مراد ليقول بإرتباك:.


لو قصدك، يعنى، الموضوع القديم ده، يبقى إنسى، ومتقلقش خالص، أنا نسيت رحمة من زمان ومبقتش في دماغى أساسا.

رفع يحيى إحدى حاجبيه قائلا:

متأكد يامراد؟

ظهر التوتر أكثر على ملامح مراد ليقول بعصبية:

طبعا متأكد، من يوم ما بقت رحمة مرات هشام والموضوع ده إتقفل بالنسبة لى يا يحيى.


تنازعت يحيى مشاعر ثائرة هزت كيانه، مابين غيرة وألم وندم وشعور يستقر في أعماقه، إنه شعور عميق بالخيانة تجاه إخوته، ولكنه قال بهدوء لا يعكس تلك المشاعر:

بس هشام مات يامراد، و...

قاطعه مراد قائلا بحزم:.


بالنسبة لى هيفضل عايش العمر كله، هشام مش بس كان أخويا الأصغر منى، لأ ده أخويا اللى ربيته على إيدى و مستحيل أخون ذكراه مهما حصل وأقرب لمراته، ده غير إنى متجوز، وياريت منفتحش الموضوع ده تانى يايحيى، متندمنيش إنى قلتلك على مشاعرى في لحظة ضعف، رحمة بالنسبة لى دلوقتى مش أكتر من أرملة أخويا الله يرحمه وبس، مفهوم؟

هز يحيى رأسه بإرتياح ثم قال:

طب وبشرى، تعرف حاجة عن الموضوع ده؟

قال مراد نافيا:.


لأ طبعا، مكنش ينفع تعرف، بشرى طول عمرها مبطيقش رحمة لله في لله، مابالك بقى لو عرفت حاجة زي دى، الموضوع ده لازم يفضل سر بينا وبس.

اومأ يحيى برأسه موافقا، ليقترب مراد ويجلس على المقعد المواجه ليحيي قائلا:

تفتكر هتيجى؟

ظهرت البرودة على ملامح يحيى وهو يقول:.


مش عارف، أنا عملت اللى علية وبعتلها تقارير أختها الصحية، وهي حرة، لو كنا بنتكلم عن رحمة اللى كنا فاكرين إننا عارفينها زمان كنت قلت أكيد هتيجى، بس إنت عارف كويس إن دى مش رحمة بنت عمنا اللى إتربينا معاها، وإنت شفت بنفسك هي عملت إيه، دى واحدة احنا بجد منعرفهاش، وبعد اللى عملته زمان، ممكن نتوقع منها أي حاجة، إنت ناسى كمان لما أخوك مات وكنت أنا برة مصر، وخبيتوا علية وسافرت إنت عشان تجيب جثة أخوك تدفنها في مقابرنا هنا في القاهرة، و لما طلبت منها تيجى معاك رفضت، فيه زوجة في الدنيا ترفض تحضر مراسم دفن جوزها الأخيرة، مهما كان بينا وبينها من مشاكل؟


أومأ مراد برأسه قائلا في حزن:

معاك حق، رحمة صحيح كانت منتهية بالنسبة لى كحبيبة من يوم ما إتجوزت أخوك بس في اليوم ده انتهت بالنسبة لى كبنت عمى كمان وبقت بالنسبة لى واحدة غريبة زيها زي أي حد معرفوش، دى حتى مهنش عليها تسألنا عن مكان قبره، أو تحضر الذكرى السنوية بتاعته.

أغمض يحيى عينه في ألم ثم فتحهما وقد ذهب الألم وحل محله برودة قاسية وهو يقول:.


رحمة بالنسبة لنا بقت واحدة غريبة فعلا، مش أكتر من أخت لراوية اللى أمنيتها الأخيرة تشوفها قبل ما تموت، لو جت يبقى هتيجى وتمشى من غير أي مشاكل وأنا بنفسى اللى هتأكد من كدة، ولو شفت منها أي حاجة معجبتنيش، يبقى هي اللى جابته لنفسها وهيكون عليها تواجهنى أنا، وساعتها والله ماهرحمها.


توجس قلب مراد خيفة من نبرات يحيى الصارمة يدرك أنه من الأفضل لرحمة أن لا تثير غضب يحيى، فيحيي عندما يغضب يجب ان يبتعد عنه الجميع، فغضبه قد يحرق الاخضر واليابس، وكل من يقع في طريقه هو هالك لا محالة، ليتمنى في قرارة نفسه أن لا تلبى رحمة دعوة أختها وأن تظل بعيدة تماما عنهم، فهذا هو الأفضل للجميع.


بينما كانت هناك أذن قد سمعت حوارهما وعينان قد ظهر بهما حقد شديد، تتوعد صاحبتهما تلك الرحمة والتي تنوى اقتحام حياتهم من جديد بإنتقام يليق بها، وستتأكد تلك المرة من أنها ستغادرهم بلا رجعة، خاصة بعد اعتراف زوجها الصريح بأنه كان يحمل لها مشاعرا بداخله، حتى وإن زالت تلك المشاعر فلن يزول حقدها الأبدي تجاه فتاة أحبها أفضل ثلاثة رجال في عائلة الشناوي، لقد كانوا شركاء في الدم والعشق، بينما هي لم يحبها أحد منهم، وعانت الكثير لتتزوج أحدهم حتى تصبح قريبة من هدفها الذي شعرت بقربها من تحقيقه في تلك الأيام، لتحضر تلك الأفعى وتحاول أن تفسد لها كل ما خططت له لسنوات ولكنها لن تسمح بذلك أبدا، ستتفنن في خلق المشاكل والعقبات والتي ستؤدى برحمة إلى الإقصاء من حياتهم مجددا، ستبذل قصارى جهدها لتنحيتها من طريقها تلك المرة، للأبد.


كانت رحمة تضع أشياءها وملابسها الخاصة داخل حقيبتها، تستعد للسفر إلى القاهرة حيث توجد أختها هناك تصارع مرضا ميئوسا منه كما قالت تقاريرها، حاولت عرض تلك التقارير على بعض الأطباء المشهورين في دبي ولكن مع الأسف كانت النتيجة واحدة، أجمع الكل على أن صاحبة تلك التقارير تنتظر الموت مابين لحظة وأخرى، أدمعت عيونها في تلك اللحظة وهي تترك ما بيدها وتجلس ساكنة تحاول ان تستجمع شجاعتها، تلملم جراح قلبها المتألم حزنا على أخت كان أمامها سنوات عديدة لتحياها في كنف زوجها وطفلها ذو العامين ولكن القدر أبى أن يمحنها تلك السنوات، أغمضت عيونها تسمح لدموعها بالسقوط على وجهها تتذكر ذلك الزوج، تتقطع نياط قلبها عندما تمثلت أمامها صورته، عينيه العسليتين، حواجبه المعقوفة، غمازتيه، ضحكته التي تبرزهما وتحملها إلى عالم آخر، فتحت عينيها تنفض مسار أفكارها، كيف تفكر فيه مجددا؟، كيف سمحت لنفسها أن تتذكره؟أو لم تعد نفسها مرارا وتكرارا أن تنساه؟أو لم تقسم أن تمحى ذكراه من حياتها إلى الأبد، ليس فقط من أجل أختها، بل أيضا من أجل كرامتها المذبوحة على أعتاب قدميه، قلبها المكسور الممزقة مشاعره، هل جنت؟بالتأكيد نعم، لتتساءل في ألم، كيف تتذكره وهي لم تنساه للحظة، صورته تلك و التي تخشى تذكرها الآن لم تفارق خيالها يوما، لذا فضلت الإبتعاد عنه وعدم رؤيته طوال تلك السنوات، فهي تدرك أنها مازالت تعشقه رغم كل شئ، وهو لم يعد لها رغم كل شئ أيضا.


، نهضت من مكانها، وإقتربت من دولابها تبحث عن ألبوم الصور المخبأ تحت طيات ملابسها لتلتمع عيناها وهي تجده وتمسكه بين يديها وكأنه كنز ثمين لتذهب إلى السرير وتجلس عليه تفتحه بلهفة، تجرى عيناها على صوره والتي تعيد إليها الذكريات بقوة، ترى تلك الصور لعائلة الشناوي واحدة تلو الآخرى، حتى وصلت لصورة يحيى لتطالعها عينيه الجميلتين وإبتسامته الرائعة، رفعت يدها ولمست وجهه برقة تدرك أنها تفتقده بشدة من أنفاس تسارعت و قلب إزدادت خفقاته تعلن عن وجيب إشتياقها له، أبعدت أصابعها عن الصورة بسرعة وقد أحست بنيران الشوق تلفحها، لتنظر إلى تلك الصورة المقابلة لصورة يحيى، إنها آخر صورة لعائلة الشناوي مجتمعين، قبل أن تفترق عنهم، تأملت تلك الصورة جيدا، ترى لأول مرة ما عجزت عن رؤيته طوال سنوات حياتها معهم، فها هي رحمة تضع يدها في ذراع يحيى بأريحية تعودت عليها منذ صغرها فقد كان دائما لها كظلها، صديقها، حبيبها وحاميها، تبدو السعادة على وجه كليهما جلية، بينما يتطلع لهما هشام بعيون امتلأت حقدا، أما راوية، تلك الرزينة العاقلة، تنظر بدورها إلى يحيى بنظرة عشق تعرفت عليها رحمة على الفور، بينما تلتصق بشرى بمراد ناظرين لرحمة ولكن نظرة بشرى يتخلل أعماقها كره شديد يتسلل منها ليصل إلى قلب رحمة الآن على الفور وتفهمها بوضوح، تدرك ان تلك الأفعى لم تحبها يوما، كما لم تكن تدعى يوما، فلطالما سخرت منها ومن إلتصاقها بيحيي كظله وأرجعت رحمة تلك السخرية لغيرة طفولية لأن يحيى لا يعيرها إهتماما بينما ينصب كل إهتمامه على رحمة والقليل منه على راوية، ولكن يبدو أن الموضوع أكبر من ذلك، وغيرة بشرى الطفولية شبت معها حتى صار ما صار.


نفضت رحمة أفكارها وهي تنظر إلى صورة الجد الذي يتوسط الجميع، إنه هاشم الشناوي، كبير العائلة وسندها، كم يشبه يحيى في الشكل والطباع، لتقول بحزن:.


ظلمتنى أوي ياجدى، بس هفضل لآخر نفس فية أحبك، مش هنسالك لحظة حنية حسيتها مرة وأنا صغيرة لما سخنت وكنت هموت، وأول ما فوقت ضمتنى لصدرك وقلتلى حمد الله على السلامة يابنتى، وبعد ما بابا مات في الحادثة ضمتنا تحت جناحك أنا وأختى راوية، وان كنت مقدرتش تشوف انى كنت مظلومة وقتها وقسيت علية زيهم، إذا كنت شفتنى ساعتها بهيرة أمى، فأنا هعذرك، إذا كان هو صدق انى ممكن أعمل كدة، يبقى إنت مش هتصدق، مكنش فيه حد في الدنيا دى ممكن يصدق إنى مظلومة غيره هو، هو أكتر واحد عارفنى، ده مربينى على إيديه ومع ذلك صدقهم، حكم علية وظلمنى معاكم، يبقى إزاي هلوم عليك إنت، كان كل أمنيتى إنى أشوفك وأشوف اختى قبل فوات الأوان وان كنت مقدرتش أشوفك فالظاهر ربنا هيحققلى أمنيتى التانية بإنى أشوف أختى وأضمها لحضنى، ورغم إنى مش قادرة أتخيل رجوعى هناك من تانى بس هرجع، هرجع بس عشانها هي، راوية،.


لتلمس وجه أختها بالصورة قائلة بحنان:

إستنينى لإنى خلاص ناوية أواجه، هواجه اللى دبحونى لأول وآخر مرة عشانك انتى، وده وعد منى.

ليظهر التصميم على وجهها وهي ترفع سماعة هاتفها تتصل برقم لتقول لمحدثها:

أنا بتصل أأكد الحجز، أيوة، طيارة القاهرة، بكرة الصبح


رواية الثلاثة يحبونها للكاتبة شاهندة الفصل الثاني


وقفت رحمة تتطلع إلى هذا المنزل الكبير، ورغما عنها عندما تقابلت جروحها القديمة مع حاضرها لأول مرة حدث انفجارا لسد أحزانها وسقط على خديها شلال من مياه مالحة مرة المذاق، تعبر عن مرارة شعورها بعودتها مجددا إلى هذا المنزل، منزل عائلة الشناوي.


نظرت رحمة إلى ذلك البيت الذي غادرته مجبورة منذ خمس سنوات مضت، لقد خرجت منه مكسورة الفؤاد، ذليلة، دامعة العينان غاضبة من قاطنيه، واليوم عادت إليه، مضطرة مجبورة أيضا، مازالت مكسورة الفؤاد دامعة العينان، ولكنها أبدا ليست بذليلة فقد تخطت ماحدث وأصبحت أقوى مما كانت عليه بالماضى ومستعدة للمواجهة بكل حزم، ولم تعد أيضا غاضبة من قاطنيه، فقط هم لا شئ بالنسبة إليها، وربما تشفق علي بعضهم، لكنها تقسم في نفسها أن من سيلتزم منهم جانبه ستدعه وشأنه أما من سيحاول أن يضايقها فستتصدى له بكل قوة حتى وإن كان يحيى بنفسه من يفعل ذلك، نعم، ستكون له بالمرصاد ولن تدع له أي فرصة ليحطمها من جديد.


ذكرتها دموعها بضعفها القديم، لتنتفض ماسحة إياهم بعصبية قبل أن تتجه بخطوات رشيقة بإتجاه الباب تأخذ نفسا عميقا قبل أن تمد يدها و تدق جرس الباب بحزم، غافلة عن عينان تابعتها منذ اللحظة الأولى لدلوفها من باب الحديقة، عينان اشتعلت فيهما نيران الشوق والنفور، العشق والكره، الشفقة والغضب، نيران امتدت إلى قلب صاحبها تشعله بدورها بكل تلك المشاعر المتناقضة وتمزق نبضاته ليدرك أنه أخطأ بشدة حين لبى طلب زوجته وإستدعاها إلى هنا، ولكن بماذا يفيد الندم الآن، وقد فات الأوان؟


فتحت الخادمة روحية الباب لتفاجئ برحمة تقف أمامها لتظهر السعادة جلية على ملامحها وهي تقول:

ست رحمة، حمد الله ع السلامة.

إبتسمت رحمة قائلة:

الله يسلمك ياروحية.

أفسحت لها الخادمة لتدلف إلى المنزل قائلة:

اتفضلى ياستى، بيتك ومطرحك، نورتينا، ووحشتينا والله.

دلفت رحمة إلى المنزل قائلة:

تسلمى.

لتتبعها روحية التي مالبثت أن سبقتها قائلة بحبور:

ثوانى بس أبلغ كل اللى في البيت إنك رجعتى.

إستوقفتها رحمة قائلة:.


إستنى ياروحية.

توقفت روحية تنظر إلى رحمة بتساؤل لتقول رحمة بهدوء:

من فضلك بلغى بس راوية إنى جيت و عايزة أشوفها.

نظرت إليها روحية في حيرة قائلة:

بس ياستى، يحيى بيه...

قاطعها صوت تعرفه رحمة جيدا يقول بصرامة:

نفذى كلام الهانم ياروحية.


أغمضت رحمة عينيها عند سماع نبرات صوته التي زادت من دقات قلبها، قاومت رغبة هائلة في أن تلتفت إليه تشبع شوقها إلى رؤيته، تملأ عيونها بملامحه، لتفتحهما مجددا على صوت الخادمة وهي تقول بإحترام:

أمرك يايحيى بيه، عن إذنكم.


لم تلتفت إليه رحمة بعد إنصراف الخادمة، بل ظلت واقفة مكانها في جمود تدرك أنه يقترب منها من خلال صوت خطواته، لتشعر أنه أصبح خلفها تماما تصل إليها رائحة عطره المميز والتي لطالما أسكرتها، لتغمض عينيها مجددا وتأخذ نفسا عميقا ثم تفتحهما على إتساعهما عندما سمعته يقول ببرود:

حمد الله ع السلامة ياهانم.


لاحظت تجنبه نطقه لإسمها، لتلتفت إليه ببطئ تتلاقى به وجها لوجه لأول مرة منذ خمس سنوات، رغما عنها رقت عيناها لثوان وهي تلتقى بعينيه الخاليتين من المشاعر، تتشرب بلهفة من ملامحه التي شعرت بها قد زادتها السنون وسامة ولكن في نفس الوقت جعلته يبدو أكبر من سنه، تبا، لقد إشتاقت إليه حقا، ولكن برودة ملامحه رغم تأمله لوجهها بدوره أعادتها من رحلة شوق بائسة وجدت نفسها فيها، لتتذكر حاضرها المرير وأن هذا الرجل الذي أمامها الآن لم يعد حبيبها الذي دق القلب لأول مرة على يديه، بل إنه جارحها وهو أيضا زوج أختها الآن لذا لابد وأن تتعامل معه بما يناسبه حقا، لتظهر على وجهها بدورها برودة قاسية وهي تقول:.


الله يسلمك.

أحست رحمة بلمحة من الإعجاب ظهرت في عمق عسليتيه لا تدرى سببا لها، ثم مالبثت ان اختفت وكأنها لم تكن أبدا، آه من عسليتاه، و اللتان تطالعانها الآن ببرود، تشعر بقلبها يذوب فيهما، فهي تعشق عيناه، فلطالما كانتا نافذتها إلى روحه، ولكن تلك النافذة مغلقة الآن أمامها، لتشيح بوجهها بعيدا عنه، ثم تعود إليه بنظراتها مجددا عندما قال في برود:.


ياريت ما تتعبيش راوية في الكلام، الدكتور قايل متتكلمش كتير، وحاولى متزعليهاش او تضايقيها بأي شكل من الأشكال، أنا على فكرة، مكنتش موافق على زيارتك دى بس مع الأسف مرضيتش أزعلها لما طلبت تشوفك.

رغم قسوة كلماته التي غرست سكين بارد في قلبها فقد عبر بكلمات واضحة ومباشرة عن عدم رغبته في رؤيتها، ولكنها تجاهلت ذلك الألم بقلبها تماما وهي تقول بقلق:

هي أخبارها إيه دلوقتى؟وهو إحنا ممكن نسفرها تتعالج برة؟


تأمل يحيى قلقها بريبة يتساءل هل حقا لديها مشاعر تجاه أختها أم أن قلقها هذا مجرد تمثيل؟، لم يتوقف كثيرا عند تلك النقطة بل تخطاها وهو يقول ببرود رغما عنه أمتزج بالألم:

مريضة سرطان وبتموت، هتكون حالتها عاملة إزاي يعنى؟أكيد تعبانة وبتتألم، ولو ع السفر برة فأكيد مكنتش هستنى اقتراحك عشان أنفذه، انا عرضتها على أكبر الدكاترة برة وجوة، ومع الأسف، الكل أجمع على إن الحالة ميئوس منها.


أحست رحمة بالتحطم لدى سماعها كلمات يحيى، لقد كانت تعلم أن حالة أختها ميئوس منها ولكن كان لديها أمل في عرضها على بعض الأطباء بالخارج، لكن يحيى أزال هذا الأمل بكل قسوة، شعرت بالدوار وأن المكان من حولها يلف بشدة، كادت أن تسقط ولكنها شعرت بيد قوية تسندها، نظرت إلى صاحبها تلاحظ القلق في عينيه، إرتعشت أطرافها من نظراته ولمسته لها، أعادها قربه هذا لذكريات مضت، حين كانت تذوب بين يديه، رمشت بعينيها وتسارعت أنفاسها، وإرتعش جسدها تأثرا، لتفيق من حالتها تلك على برودة اجتاحت ملامحه بقسوة، تذكرها مجددا بحاضرها المرير، لتعتدل بسرعة، مبتعدة عنه تشيح بوجهها، تلتقط أنفاسها بصعوبة، وتحاول أن تهدئ نبضات خافقها، بينما تأملها هو بوجه بارد لا يعكس ذلك الإشتعال الذي أحرق كيانه بالكامل حين لامسها وطالعته بتلك العيون الرمادية البريئة التي لطالما سحرته، لقد زادتها السنون جمالا بالفعل، ربما غيرت لون شعرها من الأسود إلى الكستنائي ولكن تظل رحمة كما هي، الوحيدة التي إستطاعت أن تجعل خافقه يدق بتلك الطريقة، يطالبه بإمتلاكها، ولكن كيف؟، كيف وبينهما كل الحواجز والسدود والخطوط الحمراء؟، فلو تغاضى عن خيانتها له قديما فكيف يتغاضى عن أنه الآن زوج أختها، أشاح بوجهه عنها بدوره ليخفى ذلك الألم الظاهر بعينيه، يدرك أن رحمة جاءت إلى منزله وجلبت معها كل شعور قد تناساه، وأهمهم الآن هو هذا الشقاء، الذي يشعر به بين أركان فؤاده، مجددا.


أفاقا سويا من مشاعرهما على صوت الخادمة تقول بإحترام:

راوية هانم مستنياكى في أوضتها ياست رحمة.

ألقت رحمة نظرة أخيرة على يحيى قبل أن تومئ برأسها وتتبع روحية، تتجه إلى حجرة أختها، لينظر يحيى بإثرها تاركا مشاعره الحقيقية تظهر على وجهه بعد أن أخفاها كثيرا، قبل ان يتهدل كتفاه ويتجه بدوره إلى حجرة المكتب،.


لتتراجع بشرى بحذر، تتجه إلى حجرتها بعد أن شاهدت هذا اللقاء من مكان خفي، كادت ان تشعر بالسعادة ف بداية هذا اللقاء وهي تستشعر البرودة والجمود في لقاءهما ولكن ظهور مشاعرهما رغما عنهما أشعل الحقد في قلب بشرى من جديد، لتعقد النية على فعل أي شئ لكي تغادر تلك الرحمة المنزل بأسرع وقت، تلك التي حصلت على قلوب رجال الشناوي بينما لم تحصل هي على شئ، حتى الآن.


دلفت شروق إلى الحجرة تحمل في يدها صينية عليها كوبين من العصير، لترى مراد يلبس قميصه ويبدوا مستعدا للمغادرة، لتضع الصينية على تلك الطاولة الصغيرة الجانبية وتتجه إليه قائلة في حيرة امتزجت بالحزن:

إنت ماشى بسرعة كدة؟

إلتفت إليها ليرى ملامحها الجميلة تمتزج بهم الحيرة بالحزن، ليرفع يده ويقرص بها أنفها بخفة قائلا:.


معلش مضطر أمشى، بنت عمى ومرات أخويا الله يرحمه جاية من السفر النهاردة ولازم أكون في البيت دلوقتى، عموما متزعليش، هحاول أجيلك بكرة.


أومأت برأسها موافقة دون أن تنطق بحرف، ليقبلها في رأسها بحنان قبل أن يتجه لمغادرة الحجرة ليوقفه صوتها المتهدج حزنا وهي تنادى بإسمه، إلتفت إليها يدرك أنها حزينة على فراقه من ملامحها الشفافة، فهو يعلم أنها تعشقه بجنون وتود لو ظل بجوارها إلى الأبد، يؤلمها إبتعاده الحتمي وذهابه إلى زوجته بشرى، يشعر قلبه بألمها وغيرتها، مشاعرها الحزينة و التي تخفيها عنه بصعوبة ولكنه يدركها، ويحزن من أجلها، ولكن يسعده أيضا ان هناك من تجعله ملكا على قلبها وتاجا فوق رأسها، بينما يؤلمه أنه لا يستطيع أن يبادلها كل ذلك الحب، فقلبه قد مات منذ زمن، فقده منذ أحب فتاة جعلته عاشقا لأول مرة وجعلت خافقه يدق بشدة وحين كاد ان يصارحها بعشقه، اكتشف أنها على علاقة غير شرعية مع أخيه ليزوجهم الجد خوفا من الفضيحة ثم يبتعدا عن عائلة الشناوي لسنوات، سنوات شعر فيها بموت القلب والمشاعر، حاول فيها أن ينسى هذا العشق الذي أضناه، يكاد يقسم أنه قد نجح في ذلك، لولا أن رآها مجددا عند موت أخيه ليدرك أنه لم ينساها يوما، بعد ذلك حاول أن يؤكد لنفسه أنها ربما تكون السبب في موت أخيه، حتى يغضب منها ويتناساها، خاصة عندما رفضت الرجوع معه لتحضر مراسم دفن زوجها، ليغضب منها بشدة، ليعتقد بأنه صار يبغضها ولكنه ليس متأكدا من ذلك الآن، خاصة بعد سماع صوتها في الصباح تخبره بأنها قادمة، وقلبه الذي ازدادت دقاته وقتها، ربما يخشى هذا اللقاء، أو يخشى حقا تجدد مشاعره؟، هو حقا لا يدرى.


، تأمل شروق الماثلة أمامه، تلك الفتاة الجميلة والتي تزوجها لأنها تشبه رحمة في شقاوتها وطيبتها القديمتين، تشبه حبيبته التي لم تعد حبيبته، نسخة منها تختلف فقط في الملامح، أو ربما تزوجها لأنها على نقيض زوجته بشرى المتعالية، خالية المشاعر، والتي يملأ قلبها حقد تجاه الجميع، حقد اكتشفه بعد زواجها منه، شعر بأنه تسرع في ذلك الزواج ولكنه لم يستطع أن ينفصل عنها، فهي إبنة عمه اليتيمة والتي لا أحد لها سواه، ليكمل معها حياة بائسة لا يهونها سوى لحظاته مع شروق، رآها تتجه نحوه، تمسك كوب العصير من على الطاولة وتناوله إياه قائلة:.


طيب، إشرب عصير المانجة قبل ما تنزل، إنت بتحبه وأنا عاملاهولك مخصوص.


إبتسم وهو يأخذ الكوب منها يرتشف منه بينما أخذت هي كوبها وإرتشفت منه بدورها، نظر إلى تلك القطرة من العصير والتي إستقرت على شفتيها الكرزيتين لتغيم عينيه وهو يتطلع إليها، مد يده ومسحها بنعومة وهو يلامس شفتيها برغبة جعلتها تتمسح بيده كقطة صغيرة ليميل آخذا شفتيها في قبلة خطفت أنفاسها، لتقع أكواب العصير من أيديهما ولكن أحد منهم لم يهتم، ليحملها مراد بين يديه دون ان يفارق شفتيها ينهل من شهدهما، يمددها على السرير وهو يفك أزرار قميصه بسرعة يتأمل عيونها الخضراء الناعسة والتي تدعوه بكل نعومة للعودة إليها، ليرتوى من فيض عشقها، حد الإرتواء.


أمسكت بشرى هاتفها لتتصل برقم ما وما إن رد عليها محدثها حتى قالت بعصبية:

إنت فين، بقالى ساعة بكلمك وتليفونك خارج التغطية؟

إستمعت إلى محدثها لتقول بعدها:

طيب إستنانى في الشقة أنا جاية حالا.

لتغلق الهاتف وهي تتجه إلى دولابها تختار منه فستانا كي ترتديه للخروج، تفرغ مشاعرها الغاضبة قبل ان تنفجر غيظا لتعود لتلك الفتاة بخطة جديدة تخرجها من حياتهم للأبد، نعم، للأبد.


كاد مراد أن يقود سيارته متجها إلى المنزل عندما إستمع إلى رنين هاتفه ليمسك الهاتف ويرى رقم أخيه، وضع السماعة في أذنه وهو يجيب قائلا:

آلو.

أجابه يحيى قائلا بإختصار:

رحمة جت.

أخذ مراد نفسا عميقا وهو يقود السيارة قائلا:

عارف.

عقد يحيى حاجبيه قائلا:

وعرفت منين؟

قال مراد:

كلمتنى الصبح قبل ما تركب الطيارة.


شعر يحيى بغيرة حارقة تكوي شرايينه وهو يدرك أنها تحادث أخاه الذي يدرك أيضا مشاعره تجاهها، ليقول بهدوء لا يشعر به البتة:

تمام، إنت فين دلوقتى؟

قال مراد:

أنا في الطريق.

قال يحيى بجمود:

طيب، مستنيك.

ثم أغلق الهاتف ليزيد مراد من سرعته متجها إلى المنزل وقلبه يرتجف قلقا، يشعر من لهجة يحيى، إلى جانب قلبه الذي ازدادت دقاته وهو يشعر بقرب لقاءه بها مجددا، أن حياتهم جميعا على وشك التغير، تماما.

تعليقات