رواية حب بلا جواب الحلقة الأولى بقلم الكاتب سيد الفوارس حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

 رواية حب بلا جواب الحلقة الأولى بقلم الكاتب سيد الفوارس حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


رواية حب بلا جواب الحلقة الأولى بقلم الكاتب سيد الفوارس حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


في جامعة بنغازي، حيث الأجواء مليئة بالحركة والنشاط، كنت أعيش حياتي كأي طالبة جامعية أخرى. اسمي نور، وأنا طالبة في كلية تقنية المعلومات. كنت غالبًا ما أجد نفسي بين أصدقائي، نتبادل الضحكات والحديث حول كل شيء وأي شيء، باستثناء المحاضرات أحيانًا، لأنني لم أكن أرى أهمية كبيرة فيها. كان بالنسبة لي التخرج من الجامعة مجرد خطوة لتحقيق شيء كنت أراه تقليديًا في حياتي، ولم أكن أضع الدراسة في أولوياتي. 


كنت دائمًا أذهب إلى المحاضرات، ولكن في كثير من الأحيان كنت أغيب عنها، لأنني كنت أستمتع بقضاء الوقت مع صديقاتي. لم أكن طموحة في دراستي بقدر ما كنت طموحة في بناء علاقات اجتماعية جديدة واستكشاف الحياة الجامعية بمذاقها الخاص. كما أنني لم أكن مهتمة بمنافسة الآخرين أو التفوق عليهم؛ كنت فقط أريد أن أكون هناك وأعيش اللحظة. 


لكن في أحد الأيام، تغير كل شيء، وبدأت ألاحظ وجود شخص جديد في حياتي، شخص لم يكن يشبه الآخرين. كنت جالسة مع صديقاتي في الحرم الجامعي، نتناول قهوة الصباح، حين مر من أمامنا شخص مختلف. هو طالب في كلية تقنية المعلومات في السمسترات المتقدمة ؛ كان يبدو كأحد تلك الشخصيات التي لا يمكن أن تُنسى بسهولة. طويل القامة، ذو ملامح هادئة وجذابة. كان يمشي بتلك الخطوات الواثقة التي تجذب الأنظار دون أن يسعى لذلك. لم يكن يرتدي ملابس فاخرة، بل كان يفضل الملابس البسيطة التي تعكس أناقته الشخصية. كان يبدو دائم الابتسامة لأصدقائه، لكنه كان يتجنب النظر إلى الفتيات، وكأنه يعيش في عالمه الخاص، بعيدًا عن أية محاولات لجذب الانتباه. 


لم أكن أعتقد أنني قد أتعامل مع مشاعر من هذا النوع، ولكنني وجدت نفسي أفكر فيه بطريقة غريبة. كلما مر أمامي، كنت أشعر بنبضات قلبي تتسارع. كانت تلك اللحظات التي أراه فيها تُشعل في داخلي شيئًا غير مفسر، شيء جعلني أشعر بشيء جديد، شعورًا بالانجذاب. كانت عيناي تتابعانه من بعيد دون أن أتمكن من السيطرة على ذلك. لكنني كنت في حالة من الارتباك، لا أستطيع أن أشرح لنفسي ما يحدث. 

لم يكن الأمر مجرد إعجاب عابر. كان هناك شيء ما في شخصيته جعلني أريد أن أتعرف عليه أكثر. كنت أراه يمر من أمامي يومًا بعد يوم، دون أن أتجرأ على التحدث إليه. وكلما حاولت أن ألفت انتباهه، كان لا يبدو أنه يلاحظني. كانت محاولاتي تذهب سدى، وأصبح تفكيري فيه يتسلل إلى عقلي بشكل مستمر. كنت أحاول أن أستمر في حياتي كالمعتاد، لكن رامي، هذا الشخص الذي كان يبدو دائم الابتسام دون أن ينظر إلى عينيَّ، أصبح شغلي الشاغل.

 

حتى عندما كنت أجلس في مكتبة الجامعة، حيث كنت أبحث في كتب دراستي، كان عقلي يشرد دائمًا. كنت أتابع حسابه على فيسبوك  وأرى صورته الظليلة التي لا تعطي تفاصيل واضحة عن ملامحه. كانت صورة مظلمة، لكنه كتب تحتها اسمه: "رامي". كان هذا الاسم يلاحقني في كل مكان، وأصبح جزءًا من حياتي اليومية. لا أستطيع أن أستمر في تجاهله. 

في يوم آخر، وبينما كنت جالسة في المكتبة، كنت أبحث عن شيء مهم في الكتب، لكن فجأة دخل من الباب. كان رامي. تلاشى كل شيء حولي في تلك اللحظة، وكأنني كنت أعيش في عالم آخر بعيدًا عن الحقيقة. كان يمشي بثقة كعادته، لكن هذه المرة كان هناك شيء مختلف. كان قريبًا جدًا مني، وكان يمر من أمام طاولتي. كلما اقترب، كنت أشعر أنني أعيش في حالة من الارتباك الشديد. رغم أنه كان يبدو مشغولًا في أفكاره الخاصة، إلا أنني قررت أن أكون جريئة وأتحدث معه. 

نهضت من مكاني وأنا أشعر بأن قلبني ينبض بسرعة. اقتربت منه وقلت: "هل يمكنك مساعدتي في شيء؟" كنت أتمنى أن يكون الحديث طبيعيًا، لكن قلبي كان يكاد يخرج من صدري من شدة الخوف والترقب. 


أجابني بصوته الهادئ، لكنه لم يرفع عينيه عن الكتب التي كان يحملها. لم يبدو عليه أنه مهتم كثيرًا، وكأنه قد اعتاد على التجنب. لكنني شعرت بشيء غريب عندما تحدث معي، حتى ولو لم ينظر إليَّ. أجابني بلطف، وقال: "بالطبع، في أي شيء تحتاجين المساعدة؟" 


لم أتمكن من قول المزيد. كنت أريد أن أقول له أشياء كثيرة، أن أخبره كم كان وجوده يثير مشاعري، لكن الكلمات كانت تقف في حنجرتي. لم يكن ينظر إلي مباشرة، وكان حديثه قصيرًا، لكنه بطريقة ما كان يعكس نوعًا من الراحة، وكأن الحديث معه يزيل عني بعض التوتر. 


ابتسم لي قليلاً، وجاوبني علي استفساري عن كتاب معين ؛  ثم عاد لينشغل بما كان يفعله، وكأن تلك اللحظة لم تكن أكثر من مجرد لقاء عابر. لكنه بالنسبة لي كان كل شيء، وكل كلمة قالها كانت تسكن قلبي. 


منذ تلك اللحظة، أصبح رامي جزءًا من تفكيري اليومي. ورغم أن حديثنا كان مختصرًا، إلا أن مشاعري تجاهه كانت تتعمق أكثر. كنت أتابعه من بعيد، وأشعر بأن كل حركة يقوم بها تترك في نفسي أثرًا كبيرًا. لم أكن أستطيع أن أشرح هذه المشاعر، لكنني شعرت أنني قد دخلت في عالم جديد، عالم مليء بالأمل والتوتر والحلم. 


كانت تلك البداية، البداية التي غيرت مجرى حياتي. رامي أصبح في تفكيري دائمًا، وأصبح قلبي ينبض باسم شخص لم أتحدث معه أكثر من بضع كلمات. لكنني كنت أعلم أن شيئًا ما قد بدأ، وأن الحياة الجامعية في جامعة بنغازي قد أصبحت مليئة بمشاعر جديدة اصبحت أركز على دراستي وقلّت علاقاتي الاجتماعية في الكلية


تخيلوا أن تعجبوا بشخصٍ لا يدري حتى بوجودكم، أن تحملوا في قلوبكم شعورًا ثقيلًا لا يستطيع أحدٌ مشاركتكم فيه، أن يكون الإعجاب من طرفٍ واحد، عذابًا ينهش أعماقكم بصمتٍ مرير. 


أنا، التي عُرفت بين صديقاتي بأنني القدوة، الواثقة، التي لا تبالي بنظرات الطلاب أو كلماتهم. كنت تلك الفتاة التي ظن الجميع أن قلبها محصن، لا يطرق بابه أحد. ولكن الحقيقة؟ الحقيقة كانت مغايرة تمامًا. 


كنت أعجب به، ذلك الساب الذي لا يعلم حتى بوجودي. عذابي كان صامتًا، لأنني لم أجرؤ يومًا على الحديث عنه، لا لصديقة ولا حتى لنفسي. كنت أدفن هذا الشعور في أعماقي، أخشى أن يُكتشف، أخشى أن تهتز صورتي التي صنعتها بعناية أمام صديقاتي. 


كنت أجلس معهن أحيانًا، أضحك وأشاركهن أحاديث لا تنتهي، ولكن قلبي كان هناك... عنده. كنت أراه في الممرات، في الكافيتيريا، في المحاضرات. أراقبه من بعيد، أحفظ ملامحه، طريقته في الحديث، حتى صمته كان يثير شيئًا في داخلي. 

كنت أتساءل: هل يعلم بوجودي؟ هل رأى يومًا تلك النظرات التي أرسلها إليه خفية؟ هل شعر بالارتباك الذي يملأني كلما اقتربت منه؟ لا، بالطبع لا. كيف يمكن لشخصٍ مثل رامي، الذي بدا وكأنه يعيش في عالمٍ بعيدٍ عن عالمي، أن يلاحظ فتاة مثلي؟ 


ورغم كل هذا، لم أكن أجرؤ على التحدث عنه. كنت أخشى أن يُسأل: "أنتِ؟ نور؟ التي لا تكترث لأحد؟ التي لا تلتفت لأي طالب؟ كيف يمكن أن تعجبي بشخصٍ لا يبادلك حتى نظرة؟" 

كان صمتي سلاحًا وعبئًا في الوقت نفسه. صديقاتي كنَّ يرونني قوية، ولكنني كنت أختبئ خلف قناعٍ هش. وفي كل مرةٍ أراه فيها، كنت أشعر أنني أعيش تناقضًا بين ما أظهره وما أحمله داخلي. 


الإعجاب من طرفٍ واحد ليس مجرد شعورٍ مؤلم. إنه حربٌ داخلية، تنهشك بصمت. تشعر أنك صغيرٌ، عاجز، تائه بين الأمل واليأس. وكلما رأيته، كنت أتساءل: متى ينتهي هذا العذاب؟ 

........

........ 

مرت الأيام، وكأن الزمن في جامعة بنغازي يسير ببطء شديد بالنسبة لي. رغم أنني كنت أحاول إقناع نفسي بأن الحياة الجامعية ليست كل شيء، وأنه يجب عليّ التركيز في دراستي، إلا أن مشاعري تجاه رامي كانت تزداد كل يوم. كانت تلك اللحظات القصيرة التي التقيت فيها به في المكتبة، حين تحدثنا لبضع دقائق، كافية ليشعلوا في داخلي شيئًا لا أستطيع تفسيره. ورغم أن حديثنا كان قصيرًا جدًا، إلا أنه لم يكن كأي حديث آخر. كان وكأن كلامه ينغمس في أعماق قلبي، حتى وإن لم يكن ينظر إلي مباشرة. 


بدأت أتتبع خطواته، ليس بدافع الفضول، بل لأنني كنت أبحث عن فرصة أخرى للحديث معه. وفي كل مرة كنت أراه، كنت أشعر بشيء مختلف في داخلي. كانت تلك الابتسامة التي تظهر على وجهه بين الحين والآخر، وكل كلمة يقولها، مهما كانت بسيطة، تجعلني أشعر بأنني أقترب منه أكثر. 


مرت فترة، وبقيت أراقب رامي من بعيد، متمنية أن تكون هناك فرصة أكبر للتحدث معه. كان دائم التوجه إلى المكتبة، وفي كل مرة كنت أراه، كان يدخل باحتشام، وكأنما هو عالم آخر بعيد عن أي شيء يخصني. كنت أراقب خطواته وكأنني أريد أن أتعلم منها شيئًا، ربما كيف أكون أكثر هدوءًا وثقة، مثله. 


ثم جاء اليوم الذي كنت أنتظره. كنت جالسة وحدي انتظر صديقاتي في حديقة الجامعة، وفجأة رأيته يدخل الحديقة من بعيد. كنت أعرف أنني إذا لم أتحرك الآن، فلن تتاح لي فرصة أخرى للتحدث معه. ارتبكت قليلًا، شعرت بأنني أعيش في حلم لا أستطيع الهروب منه. تركت مكاني بسرعة وتوجهت نحوه، رغم أنني كنت أعلم أن ذلك سيتطلب الكثير من الشجاعة مني. 


اقتربت منه قليلاً، وكان يبدو مشغولًا، لكنني لم أتمكن من التراجع الآن. قلت له بتردد: "مرحبًا، رامي، هل لديك لحظة؟" 

رفع رأسه فجأة، لكنه لم يبتسم كما يفعل عادة، وكان وجهه غير معبر، كما لو أنني أزعجته. "مرحبًا"، قال ببساطة، لكن لم يبدُ عليه أنه سعيد للحديث. 


"أردت أن أسألك عن شيء..." بدأت حديثي وأنا أشعر بالارتباك، لكنني أصررت على مواصلة الحديث، "كنت بحاجة إلى نصيحة بشأن إحدى المواد الدراسية. هل يمكن أن تساعدني؟" 


نظر إلي لوهلة طويلة، كأنه يقيّم ما إذا كان ينبغي عليه أن يواصل الحديث أم لا. شعرت أن كل ثانية تمر، كنت أسمع دقات قلبي تتسارع، لكنني كنت مصرة على أن أجعل هذه اللحظة تنجح. 


"بالطبع، في أي شيء تحتاجين المساعدة؟" قال رامي أخيرًا، وكأنه غير متحمس، لكنه أيضًا لم يرفض حديثي. 

كنت أشعر بارتياح في داخلي، رغم أنه لم يظهر أي اهتمام خاص. كان يتحدث بنبرة هادئة، لكن لم يكن هناك أي نوع من الارتباط أو التفاعل العاطفي في حديثه. 

"أحتاج إلى شرح هذا الموضوع قليلاً، وأعتقد أنك تفهمه جيدًا..." أضفت وأنا ألتقط أنفاسي، "هل يمكننا أن نذاكر معًا؟" 

على الرغم من أن عينيه كانت تركز على الأوراق التي كانت بين يديه، لم يكن في عينيه أي نوع من الاهتمام الخاص. كان وكأنني أتحدث مع شخص بعيد جدًا عني. 

"أنا مشغول الآن، ربما في وقت لاحق..." قال وهو ينظر حوله، وكأنه يحاول أن يجد طريقة للهروب من الحديث. 

كان واضحًا الآن أنني لم أكن في اهتمامه. مشاعري كانت تتدفق في داخلي كالأمواج، لكنني شعرت بالخجل من نفسي، لأنني كنت أسعى وراء شيء غير موجود، أو ربما هو مجرد وهم في ذهني. 


أبتسمت بحرج وقلت: "لا بأس، ربما في وقت آخر..." ثم ابتعدت بخفة، رغم أنني كنت أريد أن أصر على الحديث معه أكثر، لكنني شعرت أنني سأكون مزعجة إذا فعلت ذلك. 

في ذلك اليوم، عاد شعور الارتباك إلى داخلي، لكنني كنت أيضًا محطمة. كنت أحاول أن أقنع نفسي بأنني لا أستحق اهتمامه، وأنني لا يجب أن أضع نفسي في موقف آخر كهذا. ولكن في الوقت نفسه، كان جزء مني يريد أن أستمر في المحاولة، أريد أن أتعرف عليه أكثر، أريد أن أسمع منه المزيد من الكلمات. 


وفي اليوم التالي، قررت أن أغير سلوكي. لم أكن أريد أن أكون تلك الفتاة التي تلاحق شخصًا لا يهتم بها. لذلك قررت أن أبتعد قليلاً، أن أتركه في عالمه الخاص، وأركز على دراستي. ومع ذلك، كان عقلي لا يزال يشغله، ورغم أنني كنت أحاول أن أظهر غير مهتمة، كان قلبي يخفق كلما رأيته أو حتى عندما فكرت فيه. 


كانت هذه هي حياتي في تلك الفترة. بين التعلق بشخص لا أستطيع الاقتراب منه، وبين محاولات من أجل التركيز على دراستي في جامعة بنغازي. لكن في داخل قلبي، كنت أعلم أن هذا التعلق سيكون له أثر عميق في حياتي، سواء كنت أريد ذلك أم لا. 

.....

.... 

مرت الأيام كما لو كانت تسابق نفسها، لكن بالنسبة لي كانت تسير ببطء شديد. كنت في حالة من التذبذب، بين الرغبة في تجاهل مشاعري تجاه رامي وبين الأمل في أن تحدث معجزة تجعله يلاحظني أكثر. كانت حياتي الجامعية تزداد تعقيدًا مع مرور الوقت، خاصة بعد تلك المحادثة القصيرة التي أجريتها معه في الحديقة. لم أستطع أن أستوعب كيف أنني كنت أشعر بالحماس الكبير قبل التحدث إليه، ولكن بعد الحديث شعرت بالخذلان والارتباك. 


أحيانًا كنت أعتقد أنني بدأت أتوهم الأمور. رامي كان بعيدًا جدًا عن عالمي، وكان واضحًا أنني لم أكن في اهتمامه. كان يجيب على أسئلتي بشكل مختصر، كما لو كان يتجنب التفاعل معي. أحيانًا ألقى نظرة على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنني لم أجد أي تفاعل منه. كان دائمًا يظل صامتًا، لا يجيب على رسائلي ولا يعير أي انتباه للتعليقات التي أكتبها تحت منشوراته بإيميلي الوهمي ؛ ربما كان ذلك درسًا قاسيًا لي، بأن هناك أشخاصًا لا يتأثرون بالأشياء التي تؤثر فينا. 


لكن في الوقت نفسه، كان جزء مني لا يستطيع الابتعاد عن التفكير فيه. حتى عندما كنت أتحدث مع صديقاتي عن أمور أخرى، كان عقلي يذهب بعيدًا عن تلك الأحاديث ليعود إلى رامي. كانت تلك المرة التي رأيته فيها في الحديقة قد أثرت فيَّ بشكل أكبر مما كنت أتوقع. كنت أريد أن أفهمه أكثر، أن أعرف من هو، أن أتعلم عنه شيئًا لم أتمكن من اكتشافه حتى الآن. وكلما زادت محاولاتي للابتعاد عنه، زادت مشاعري تجاهه. 


في أحد الأيام، كنت جالسة في أحد المقاهي في الجامعة  وكنت وحدي اصبحت منعزلة بعض الاحيان ولا ريد أن اكون بجانب صديقاتي ، بينما كانت نظراتي تتجول في الحرم الجامعي. فجأة، وقعت عيناي عليه من بعيد. كان يقف مع مجموعة من الطلاب يتحدثون بمرح، ولكن ما لفت انتباهي أكثر هو الطريقة التي كان يتعامل بها معهم. كان يضحك ويبتسم، وكان يبدو أكثر انفتاحًا مع أصدقائه، وكأن عالمه كله ينحصر في هذه اللحظات. 


كنت أراقب عن كثب، على الرغم من أنني كنت أشعر بأنني أخطئ في ذلك، وأعلم أنني لست في موقع يسمح لي بذلك. شعرت بأنني مجرد متطفلة على حياة شخص لا يعرفني. ولكن في تلك اللحظة، قررت أنني سأتحلى بالشجاعة وأذهب للتحدث معه مجددًا. كنت أريد أن أخرج من دائرة التردد هذه، وأن أتأكد ما إذا كانت مشاعري حقيقية أم مجرد خيال في عقلي. 


نهضت من مكاني بخطوات مترددة وقلبي يخفق بسرعة. توجهت نحوه، وكلما اقتربت منه، كلما شعرت بأنني أغرق في بحر من الشكوك. ماذا لو لم يرد عليَّ؟ ماذا لو كان يفضل الابتعاد عني تمامًا؟ لكن في تلك اللحظة، قررت أنني لا أستطيع أن أعيش في هذا التردد، وقلت لنفسي: "لابد أن أجرب." 

أوقفته برفق بينما كان يبتسم مع أصدقائه. قال لي مبتسمًا: "مرحبًا، كيف حالك 

شعرت ببعض الارتياح لأنني لم أكن قد فاجأته أو أزعجته بشكل غير لائق. لكنني كنت في حالة من الخجل التام، وكنت لا أعرف ماذا أقول له. قررت أن أبدأ الحديث بشكل طبيعي، كما لو أننا أصدقاء قدامى، فقلت بسرعة: "كنت أتساءل إذا كان بإمكاني أن أسألك عن شيء... شيء يتعلق بإحدى المواد الدراسية." 

لقد كان يبدو مهتمًا، لكنه بالطبع لم يظهر حماسه الكبير للحديث معي. ومع ذلك، كان يجيب عليَّ بأدب، متفاعلًا بشكل معقول، لكنني شعرت أن الحديث كان أقرب إلى مجرد مجاملة. 

"بالطبع، أخبريني ما هي المشكلة، سأحاول مساعدتك قدر الإمكان "، قال ذلك، لكن نظراته كانت تدور حول أصدقائه وكأنهم أولويته. ورغم أنه كان يجيب على أسئلتي، إلا أنه كان يظل مشغولًا ذهنياً بشيء آخر. 

ترك اصدقائه قليلا وقف بجانبي وبدا يشرح لي كانت مجرد دقائق بسيطة 


ومع مرور الوقت، بدأت ألاحظ شيئًا غريبًا. رغم أنه لم يكن يُظهر لي اهتمامًا خاصًا، كنت أشعر في بعض الأحيان أن هناك شيئًا غير واضح في تصرفاته. في بعض اللحظات، كان ينظر إلي نظرة غريبة، كأنما يحاول أن يفهمني أو يقرأ ما في عيني. ورغم ذلك، لم يكن يتكلم كثيرًا. كان يتحدث فقط عندما أطرحه عليه أسئلة مباشرة، ويبدو دائمًا بعيدًا عاطفيًا، كأنه يضع حاجزًا بينه وبين أي نوع من التواصل العميق. 

كان يشعرني ذلك بالحيرة. كيف لشخص يبدو هادئًا وذكيًا، مثل رامي، أن يكون بعيدًا بهذه الطريقة؟ هل هو شخص غامض بطبيعته؟ أم أنه ببساطة لا يريد أن يكون جزءًا من حياتي؟ كنت لا أستطيع أن أضع إصبعي على الإجابة، لكنني كنت أعرف أنه لا يجب عليّ أن أستمر في ملاحقته. 

من ناحية أخرى، كنت أعلم أنني بدأت أتعلق به أكثر. كنت أبحث عن أي إشارة أو لمحة صغيرة قد تدل على أنه قد يهتم بي يومًا ما. لكن في داخلي، كنت أخشى أن أكون قد دخلت في هذه الدوامة العاطفية التي لا أستطيع الخروج منها. 

في تلك الفترة، بدأت أركز على نفسي أكثر. قررت أن أضع مشاعري جانبًا وأبدأ في التعامل مع الوضع بشكل أكثر عقلانية. إذا كان رامي لا يهتم بي، فلن أسمح لنفسي بأن أكون عالقة في دائرة من الآمال الكاذبة. لكن رغم محاولاتي للابتعاد، كان رامي لا يزال يراودني في كل لحظة، وكان جزء مني يرفض الاستسلام تمامًا. 


بدأت أعيش في صراع داخلي بين العقل والمشاعر. كنت أحتاج إلى إجابة واضحة، لكن الإجابة كانت دائمًا غامضة.

في أحد الأيام، وبينما كنت أسير في أروقة كلية الهندسة، قررت أن أبحث عن رفيقات أيامي الماضية، صديقات الثانوية. تواصلت معهن عبر الهاتف، فأخبرنني أنهن جالسات في الكافتيريا الخلفية. شعرت بسعادة تغمرني، واندفعت بخطواتٍ سريعةٍ نحوهن. لكن ما إن وصلت إلى الكافتيريا حتى توقفت فجأة، وكأن الزمن تجمد. 


رأيته... رامي، الطالب الذي ظننت أنه محفور في أعماق قلبي، الشاب الذي كان دائمًا رمزًا للطهر والنقاء في عيني. كيف يمكن أن أصدق ما رأيته؟ كان جالسًا مع فتاة، يتحدث معها، يبتسم لها، يضحك معها، بل وينكّت وكأنها محور عالمه. 

شعرت أن قلبي قد انقسم إلى نصفين. هل هذا رامي الذي كنت أؤمن بأنه يستحيل أن يلتفت لفتاة أو ينظر إليها بهذه الطريقة؟ هل هذا هو من كنت أراه قديسًا في محرابه، لا يلتفت إلا للسماء؟ 


مشيت بجوارهما دون أن أتمكن من السيطرة على نفسي. عيني كانت معلقة عليه، وكأنني أبحث عن تفسير لما أراه. مررت بالقرب منهما، ولكنه لم يرفع بصره نحوي، لم يلحظني حتى. كانت عينيه مثبتة على تلك الفتاة التي كانت تشاركه الحديث والضحك. 

نظرت إليها، تلك الفتاة، من أسفل إلى أعلى، كمن يحاول فك لغز وجودها بجانبه. كانت تنظر إليّ بنظرة مليئة بالغرور، نظرة استكبار واحتقار مزقت ما تبقى من كبريائي. قلت في داخلي: "ربما تكون أخته... أو قريبته... أو مجرد صديقة؟ لا يمكن أن تكون أكثر من ذلك، أليس كذلك؟" 

لكن صوت رفيقاتي اخترق شرودي فجأة. كن ينادين باسمي بصوت عالٍ:

"أووو نور! نور! نحن هنا! لماذا لا تلتفتين إلينا؟" 

كانت أصواتهن تضج بالحياة، ولكنني كنت ميتة من الداخل. تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبتلعني. تمنيت لو أنني لم أصل إلى هذا المكان، لم أرَ هذا المشهد الذي لن يمحى من ذاكرتي. 

حينها، التفتت تلك الفتاة مرة أخرى. كانت تبتسم لي بسخرية واضحة، كأنها تحتفل بانتصارٍ لا أفهمه. أما رامي، فلم يلحظني، لم يرفع عينيه حتى. كان غارقًا في عالمها، وكأنني لا أوجد، وكأن وجودي كان شبحًا يعبر دون أثر. 

شعرت أنني أصبحت صغيرة، هشة، وكأنني قطعة زجاج مكسورة تلمع للحظة قبل أن تتلاشى. في تلك اللحظة، أدركت أنني ربما كنت أعيش وهمًا، وأن قلبي اختار أن يؤمن بشيء لم يكن موجودًا من الأساس.


يتبع


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


قارئاتي وقمراتي وقرائي الغاليين بعد ما تخلصوا القراءه هتلاقوا الروايات الجديده والحصريه إللي هتستعموا بيها من هنا 👇 ❤️ 👇 💙 👇 ❤️ 👇 




🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

إرسال تعليق

أحدث أقدم