رواية حب رحيم بقلم سمر عمر الفصل الاول حتى الفصل الرابع عشر حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

 رواية حب رحيم بقلم سمر عمر الفصل الاول حتى الفصل الرابع عشر حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


رواية حب رحيم بقلم سمر عمر الفصل الاول حتى الفصل الرابع عشر حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


"صدفة.." 

" عارف أنت أجمل إنسان شوفته في حياتي.." 

قالت هذه الجملة سرًا.. وهي مستنده بوجنتها على قبضةِ يدها وباليدِ الأخرى تقلب فنجان المشروب الساخن.. ومقلتيها البندقية تنظر إلى ذلك الرجل الجالس أمام طاولة تقع على الجانب الآخر منها.. مرتديًا بدلةً سوداء أنيقة أسفلها قميص ناصع البياض تاركًا أزراره الأولى مفتوحةً لتظهر بعض علامات عضلات صدرهُ البارزةِ .. 

كان يقلب في الهاتف النقال وباليد الأخرى حاملًا فنجان القهوة السادة.. أخذت تتأملهُ وهو لم يراها بل لم ينظر حوله قط.. فهو يجلس بشموخ حتى طريقة مسكته لفنجان القهوة مميزهٌ.. رجل يبدو عليه الجدية والاعتزاز بالنفس.. 

ترك الهاتف أعلى المنضدة وأشار بيده إلى النادل ليأتي إليه فورًا واعطى له حق القهوة ومال أخر له.. ثم نهض ليغادر وهي مازالت تحملق في المكان الذي كان يحتله منذ لحظات حتى فاقت من شرودها أخيرًا ..

تركت الملعقة وتناولت القلم الذي كانت تكتب به قبل أن يأتي ذلك الوسيم.. ثم وضعت القلم أسفل قدمها اليسار وهي تنظر حولها خوفًا من أن يراها أحد.. ثم اعتدلت في جلستها وبعد لحظات دفعت القلم ليتدحرج وهي تتابعه بطرف عيناها و تتناول من المشروب.. حتى استقر القلم عند الطاولة التي كان يحتلها ذلك الرجل.. نهضت من مكانها متجه نحو الطاولة وكلما اقتربت منها كلما استنشقت رائحة عطرة الرجولية التي حركت مشاعرها وهزت قلبها.. 

فهذه ليست المرة الأولى التى ترى فيها ذلك الرجل هنا بل هذه ثالث مرة.. وتأتي يوميًا في نفس المعاد كي تراه .. وقفت أمام الطاولةِ تستنشق عطره الساحر بعمق لتشعر بنشوةٍ في صدرها.. تحسست الطاولة.. فلفت انتباها قلمٌ أسود اللونِ يبدو عليه باهظ الثمنِ فعلمت أنه نسى القلم.. فمدت يدها لتأخذه والتفتت مسرعة لتصطدم في جسد صخري وانسكب مشروبها على بدلته وقميصه ..

لم تعلم أنه خلفها أو أنه سيعود من أجل ذلك القلم.. رفعت رأسها ببطء وعندما تقابلت عيناهم جحظت عيناها في توتر وخجلت والكثير من المشاعر الممزوجة في بعضها البعض.. بينما جز أضراسه بشدة حتى تحرك صدغاه قابضًا قبضة يده بقوةٍ حتى أبيضت أنامله.. 

تحدثت بتلعثم : 

-أ آآ أ سـ فة 

تحدث ببحة صوته الرجولية من بين أسنانه ناظرًا إليها بنظراتٍ جامدةٍ : 

-نضفي.. حالًا 

ابتلعت لعابها بصوت مسموع وصل إلى مسامع أذنيه.. ولم تجد حلًا أخر سوى أنها كررت لهُ اعتذارها ولكنه لم يقبله.. وتحدث من بين أسنانهِ بعصبيةٍ مفرطة :

-مين سمحلك تقربي من مكاني ؟.. 

أخذ القلم من يدها بعنف فتأوهت بخفة وشفتيها ترتعش فتابع بحده :

-مفيش حد تجرأ قبل كده ولمس حاجتي الخاصة 

اتسعت عيناها بحده فأمسكت بحافةِ الطاولة بقوةٍ وأخذ صدرها يعلوا ويهبط في توتر كاد أن يخطف أنفاسها.. فيما تركها ذلك الرجل المتعجرف وخرج من المطعم وهو يمسح معطفه بمنديل ويبدو عليه الغضب.. فتح السائق الخاص به الباب الخلفي للسيارة ليجلس على الأريكة وهو يزفر بنفاذ صبر.. فقد بدأ يومه بشجار بينه وبين فتاة حمقاء حقًا.. ثم جلس السائق أمام المقود وغادر إلى وجهته.. 

أما في الداخل مازالت هي واقفه تحملق في المكان الذي كان يحتله أمامها وحبات العرق الباردة انتشرت على جبهتها.. وجدت نفسها تجلس على مقعده عندما شعرت بثقل في قدميها.. ولكن سرعان ما نهضت عندما تذكرت حديثه الحاد هذا وتناولت القلم من أسفل الطاولة وعادت إلى طاولتها ثم طلبت عصير الليمون لتهدأ نفسها به.. 

" هذه الفتاة تدعي ندى الشاذلي من عائلة ثرية ولكن تفضل العمل بعيدًا عن والدها.. تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة العربية.. تمتلك بشرةً بيضاء تميل إلى اللون القمحي وعينين واسعتين باللون البني الذي يشبه لون البندق.. وشعر بني كثيف يصل إلى كتفيها.." 

تناولت المشروب على مرة واحده ثم تنهدت بعمق و وضعت المال أسفل الكوب ثم لملمت أغراضها وخرجت مسرعة كي لا تتأخر على العمل الجديد.. استقلت سياراتها ذاهبه إلى عنوان العمل وهي متحمسة للغاية ويبدو عليها النشاط والحيوية.. 

عند وصولها أوقفت السيارة أمام بوابةٍ كبيرةٍ وضخمة وأخذت تضغط على البوق.. فتح موظف الأمن بابًا صغيرًا مجاورًا للبوابةِ وأقترب منها حتى وقف أمام النافذةِ ينظر إليها متسائلًا : 

-مين حضرتك ؟ 

أجابت بتلقائية : 

-أنا ندي البيبي سيتر 

تذكر موظف الأمن وقام بفتح البوابة الكبيرة لتدخل بالسيارة ببطء.. لتنظر إلى أشجار الزينة بإعجاب شديد والتي تحمل ورود باللون الوردي البراق في كلا الاتجاهين.. حتى وصلت إلى الفيلا وترجلت من السيارة تنظر إلى المبنى لتراهُ أسود فيخطف قلبها لكونها تعشق ذلك اللون.. صعدت أربعة درجات حتى وصلت إلى الباب الكبير و دقت الجرس.. 

فُتح الباب بواسطة خادمةً أجنبية فتبادل الإثنان الحديث باللغة الأنجليزية وأدخلت ندى وبقيت معها حتى جلست على أقرب أريكة ثم ذهبت الخادمة.. أخذت تنظر حولها لترى اللون الأسود والأبيض فقط ممزوجان فكل شيء هنا.. واندهشت من كثرة الأشياء المرتبة بطريقة مميزة والمنزل هادئ بالرغم من وجود طفلان هنا.. جاءت سيدة تدعي وفيه يبدو عليها في بداية الخمسينات وتعمل خادمةً هنا منذ سنوات.. صافحت ندى مرحبةً بها ثم جلست إلى جوارها وقالت : 

-أستاذة ندى حضرتك طبعًا عارفه إنك جاية تراعي طفلين توأم.. 

أومأت بالإيجاب عدة مرات فتابعت السيدة وفيه : 

-الولد أسمه ريان والبنت أشرقت.. وأنتِ سادس بيبي سيتر.. اتمنى إنك تقدري تحببيهم فيكِ 

بللت شفتيها بلسانها وعلمت إن التعامل مع هذان الطفلان يبدو صعبًا وبرغم القلق الذي شعرت به من هذان الطفلان ابتسمت وقالت بهدوء : 

-بإذن الله أنا قدها.. ياما اتعاملت مع أطفال

رفعت يدها نحو كتفها تربت عليه ثم نهضت وطلبت منها أن تأتي معها فنهضت ندى وأخذتها السيدة وفيه إلى الطابق العلوي.. ثم وقفت أمام غرفتين واحده مكتوب عليها اسم ريان والأخرى أشرقت.. ثم ربتت على كتفها ثانية وقالت بتمني :

-حظ موفق يا بنتي 

ثم تركتها وذهبت فاستدارت ندى بكليتها تنظر إلى تلك السيدة في تعجب حتى اختفت عن عينيها.. فرفعت كتفيها وقالت في حيرة ولكن بصوت منخفض :

-ليه محسساني إني داخلة على حرب.. 

ثم استدارت إلى الغرف ثانيةً وأخذت تحرك مقلتيها بين الأبواب حتى استقرت عيناها على غرفة الفتاة.. فدقت الباب وانتظرت الإذن بالدخول ولكن لم يأتي أي رد.. فاضطرت أن تفتح الباب ببطء وأدخلت رأسها فقط تنظر حولها حتى رأت فتاة صغيرة جالسة على مكتب صغير منشغلة في الرسم.. استقام ظهرها ودخلت مغلقةً الباب خلفها و وقفت رافعه يدها بابتسامة قائلة : 

-صباح الخير أشرقت 

رفعت عيناها الزرقاء إليها للحظات ثم عادت بالنظر إلى الرسم واكملت التلوين.. " أشرقت في الخامسة من عمرها تمتلك بشرة بيضاء وشعر كثيف مجعد أسود براق وعينين زرقاء صافيه تخطف الأنظار.." 

اختفت ابتسامتها تدريجيا و وضعت يدها إلى جوارها.. وقفت للحظات تفكر كيف تتعامل معها ثم تقدمت نحوها بخطوات بطيئة و وقفت خلف المكتب الصغير وجلست على ركبتيها لتكون في نفس مستواها وأخذت تتابعها وهي تلون سمكة الرسوم المتحركة الشهيرة " نيمو " ولكن بشكل غير منظم فقالت بلطف : 

-خليني أساعدك في التلوين ..

ثم أمسكت طرف الدفتر محاولة استدارته إليها ولكن أمسكت أشرقت الدفتر بكلت يديها وتجز أسنانها عنوة وبرزت عظام يدها بفضل تعصبها.. تفاجأت ندى من ردة فعلها وتركت لها الدفتر على الفور لتعود تلك الصغيرة إلى طبيعتها وتتابع التلوين بهدوء.. وقفت ندى وهي تخرج تهنيده قوية من صدرها وبكل هدوء التفتت متجه نحو الباب وهي تفكر كيف تتعامل معها وهي في تلك الحالة.. لتتذكر شقيقها ريان يبدو أنه مثلها وأكثر حركت رأسها في كلا الاتجاهين لتخرج تلك الأفكار من رأسها ثم خرجت من الغرفة.. ولم تري من الذي أقترب منها من الخلف واستدارت لتنصدم رأسها في جسد صخري فتأوهت بخفة واضعه يدها على جبينها تحكه ثم رفعت عيناها إلى ذلك الرجل و تفاجأت به.. 

أنه نفس الرجل الذي تفكر به وتراه يوميًا .. نظر إليها بجمود وحدهٍ ولم يندهش من وجودها هنا فبمجرد أن رآها علم أنها الفتاة التي جاءت لتعتني بالأطفال.. ولكن لم يخيل له ابدًا أن تكون تلك الفتاة الحمقاء التي تشاجر معها.. 

" رحيم في بداية الثلاثينات جاد في عمله وحاد الطباع .. لديه عينين سوداء جذابةٍ وشعر كثيف أسود يصل إلى نهاية عنقه ولحيه تزيين وجهه القمحي الرجولي ودائمًا ما يعقد حاجبية.." 

قبض على مرفقها اليسار بخفه وازاحها جانبًا ثم تابع السير دون أن يتفوه بكلمة.. مما اثار دهشت ندى من معاملته هذه والتفتت لتنظر إليه في ذهول ثم ارتسمت ابتسامة على ثغرها وتنهدت بحب قائلة : 

-حمش.. أحب الحمش 

ثم عادت إلى غرفة ريان وقرعت الباب ثم دخلت رأته جالسًا أمام مكتبه يكتب واجباته المدرسية.. ويشبه رحيم لدرجةٍ كبيرة من لون عيناه وشعره الكثيف وأيضًا لون بشرته.. جلست على ركبتيها أمام المكتب تتابعه وهو يحل مسائل الرياضيات لتجد الكثير من الأخطاء.. فقالت بلطف دون أن تلمس الدفتر : 

-خليني أساعدك واعلمك تحل صح 

رفع سوداويته إليها بغضب ثم عاد بالنظر إلى الواجب وأخذ يحل بطريقة عشوائية ليكثر من أخطائه وقال بصوت طفولي غاضب : 

-أنتِ المربية الجديدة ..

شعرت بالسعادة فور سماعها لصوته و اومأت بالإيجاب بكل حماس فقال بنفس الغضب : 

-مش عايز بيبي سيتر.. مش عايز بيبي سيتر.. مش عايز بيبي سيتر.. 

أخذ يكرر تلك الجملة وهو يحرك رأسه في كلا الاتجاهين.. فاختفت ابتسامتها وتساءلت باهتمام : 

-طيب عايز ايه وأنا اعملهولك ؟! 

لم يجيب عليها وأخذ يكرر جملته فتنهدت بسأم ثم نهضت متجه صوب الباب وخرجت ولكن لم تغلق الباب و وقفت تنصت له حتى توقف عن تكرار تلك الجملة.. وأغلقت الباب وهبطت إلى الطابق السفلي تنظر حولها حتى خرجت السيدة وفيه من المطبخ و وقفت أمامها تساءل عن الاطفال فقالت بأسف : 

- أنا.. جيت بس علشان أتعرف عليهم.. ومن بكره هبدأ معاهم 

-طيب يا بنتي اوضتك موجودة 

تعجبت قائلة : 

-اوضتي ؟.. أه تقصدي اني هقعد هنا.. 

حركت رأسها بالإيجاب فأخذت تفكر للحظات ثم قالت : 

-همشي دلوقت وهكون هنا من بدري ومعايا حاجتي 


" مشهد 2.. "

" من أجلك.. "

في الصباح الباكر وصلت ندى إلى الفيلا ومعها حقيبتها.. وقفت تقرع الباب وانتظرت للحظات حتى فتحت سيدة وفيه ورحبت بها.. ثم أخذتها إلى حيث الغرفة التي ستمكث داخلها.. أعجبت ندى بالغرفة ونظامها الرقيق كان في خيالها أن تلك الغرفة ستكون غير منتظمة ولن تعجب بها ولكن هي على عكس ما فكرت به تمامًا .. 

تركتها السيدة وفيه وخرجت إلى حيث غرفة مائدة الطعام و وقفت إلى جوار رحيم وهو يتناول طعامه وقالت : 

-رحيم بيه المربية وصلت 

قال دون أن ينظر إليها : 

-خليها تنتظرني في المكتب 

اومأت موافقة ثم ذهبت إلى ندى وأخذتها إلى غرفةِ المكتب ثم تركتها وعادت إلى عملها.. جلست على المقعد المجاور للمكتب ورأسها تلتفت في كل مكان فقد أعجبت كثيرًا بالمكتبةِ التي تقع في جميع أنحاء الغرفة بدلًا من طلاء الحائط وتصل إلى السقف.. داخلها الكثير من الكتب فتنهدت بعمق وقالت بابتسامة واسعة : 

-شكله بيحب القراءة زيي

دخل رحيم الغرفة وقام بفتح النافذة التي تقع على يمين المكتب ليدخل ضوء الصباح.. ثم جلس أمام المكتب فتحدثت ندى بمرح : 

-صدفه غريبة اوي بصراحه.. وأنا أسفه على اللي حصل مني امبـ.. 

مد يده بورقه يناظرها بملامح جامدة مقاطعًا لها وهو يقول بنبرة رجولية مميزة : 

-اكتبي بياناتك هنا 

اختفت ابتسامتها فجأة في تعجب من تصرفه وعدم اكتراثه لحديثها.. وأخذت الورقة من يده فتناول قلم و وضعه أمامها لتأخذه وبدأت تكتب بيناتها.. فيما تناول سيجارة واشعلها ليسحب الدخان إلى صدره ويزفره بهدوء ..انتهت من كتابة البيانات و وضعت الورقة والقلم فوقها أمامه ..رفع الورقة يفحص بياناتها فقط بعينيه ثم نظر إليها بثقل قائلًا : 

-أنتِ بنت رؤوف الشاذلي 

اومأت بالإيجاب ثم تساءلت بمرح : 

-تعرف بابا ؟! 

عاد بمقلتيه إلى الورقة وهو يجيب بثقه : 

-غني عن التعريف 

ثم وضع الورقة داخل ملف وتحدث بجدية وهو يدخن السيجارة : 

-أنتِ سادس مربية للأولاد.. إذا مقدرتيش تتعاملي معاهم من النهاردة فياريت تمشي 

كان يتحدث وهي شاردة في نبرة صوته المميزة التي حركت قلبها من الداخل وعيناها على ساعة يده المميزة والتي خطفت انظارها وطريقة مسكه للسيجارة ..فكل شيء يخصه نجح في أن يخطف قلبها وروحها أيضًا انتظر أن ترد عليه ولاحظ شرود تلك البلهاء في ساعته فنظر إلى الساعة ثم ضرب على المكتب بيده الأخرى لتفيق من شرودها وتنظر إليه ببلاهةٍ وكرر حديثه ثانيةً ولكن هذه المرة بحده.. فأجابت سرًا : 

-هستحملهم علشانك.. 

ثم أجابت فورًا : 

-طبعًا.. أكيد 

اشمئز من إجابتها البسيطة وطلب منها أن تخرج الأن.. نفذت رغبته فورًا ونهضت مغادرة الغرفة ثم اتجهت نحو المطبخ مناديه على السيدة وفيه ..تقابلا الاثنتان عند باب المطبخ فقالت ندى : 

-أنا عايزة اوصلهم للباص 

فكرت للحظات ثم ابتسمت لها موافقة فاتسعت ابتسامتها وخرجت إلى البهو الواسع ..فيما وقف رحيم أمام باب غرفة المكتب من الداخل ينظر إلى ندى التي لم تراه بفضل عدم إضاءة الغرفة ..فيما هبط الإثنان الدرج و وقفا ينظران حولهما بحثًا عن سيدة وفيه والتي لم تأتي كي تأخذهم إلى الحافلة ..اقتربت ندى منهم بعدة خطوات وقالت بابتسامة لطيفة : 

-أيه رأيكم اوصلكم للباص النهاردة 

لن يكترث الأثنان لها ونادى ريان بعصبية على سيدة وفيه جعل جسدها ينتفض متسع العينين فيما خرجت وفيه فركض الأثنان إليها لتنظر إلى ندى الحزينة بحزن ثم أخذت الأطفال إلى الحافلة.. أغمض رحيم عيناه قابضًا قبضته وهو يشعر بالشفقة عليها فهي كانت تتحدث إليهما بلطف على عكس من جاءوا قبلها ..طرد تلك الأفكار فورًا من رأسه وأخذ يطرح على نفسه عدة أسئلة.. أهمها لما هو مهتم بها فهي مثلها مثل الآخرين.. 

مازالت ندى واقفة شاردة في الفراغ الذي كان يحتله ريان منذ لحظات ..ولم تفيق سوى على صوت رحيم الذي تقدم نحوها ببطءٍ شديد و وقف خلفها عاقدًا حاجبيه كعادته وتحدث بحده : 

-لو سمحتي تحاولي معاهم مرة تانية 

التفتت إليه تحملق به في تعجب فهو يطلب منها أن تحاول معهم ولكن بحده ..فكان يجب عليه أن يتحدث إليها بلطف بل ويترجاها أيضًا ..لن تستطيع كتم ما فكرت به ورفعت سبابتها إليه بحنق قائلة : 

-أنت بتطلب مني احاول فكان المفروض تطلب الطلب ده بلطف و ود 

تحركت مقلتيه إلى سبابتها التي ترفعها أمام عينيه بكل جرأة ..فلم يتجرأ أحد من قبل ويرفع أصبعه في وجهه هكذا.. عادت مقلتيه بالنظر إليها بثقل رافعًا يده واضعًا سبابتها داخل قبضته يضغط عليه بشدة.. فاتسعت عيناها تنظر إلى يده متأوه فكاد أن يكسر أصبعها وأخذت تضرب أقدامها في الأرض من كثرة الألم وهي تقول بتذمر : 

-هينكسر في ايدك.. أنت ..أنت! 

كان ينظر إليها بملامح جامدة وبثبات وبكل هدوء ترك سبابتها فنظرت إلى سبابتها وأخذت تحركه لتطمئن عليه.. فيما تحدث رحيم بصوت عنيف : 

- أنا مفيش حد يعلمني اتكلم ازاي ..فاهمة ؟! 

رفعت عيناها إليه بألم ولكن سرعان ما تحولت نظراتها إلى التحدي واعتدلت في وقفتها وقد رفعت أحد حاجبيها وهي تقول : 

-وأنا محدش يديني أوامر ..لو قعدت هنا هقعد بمزاجي 

جز أسنانه قابضًا قبضته بقوة حتى أبيضت أنامله وينظر في عينيها بنظرات متوعده ..فانتفضت معادتها رعبًا من نظراته تلك بل وقلبها أيضا نبض برهبه ولكن تماسكت بالثبات أمامه مواجه إياه بكل شجاعة وتحدي.. تتمنى الأن أن يغادر من أمامها لتخرج رعبها المكتوم داخلها..

نادى على السائق الخاص به بعصبية وعنف فلم تستطيع أن تسيطر على خوفها أكثر فاهتز جسدها رعبًا متسعة العينين وأخذ صدرها يعلوا ويهبط ..فيما جاء السائق وأخبره أن السيارة جاهزه فلم يجيب عليه ورماها بنظرة غاضبة واضحة ثم التفت مغادرًا تاركًا إياها تجلس على الدرج تلهث واضعه يدها أعلى صدرها وتنظر حولها وهي تقول بصوت مهلك وكأنها كانت في سباق للركض : 

-يا حظك يا ندى ..يخرب عقله طير عقلي.. 

ثم ابتسمت بهيام وتابعت : 

-لكن يتحب 

رات سيدة وفيه تدخل المنزل وأغلقت الباب ..فنهضت متجه نحوها بخطوات سريعة و وقفت أمامها قائلة : 

-سيدة وفيه.. ارجوكِ كلميني عن ريان وأشرقت 

-بصي يا ندي متدخليش في تفاصيل شخصية نصيحه مني ..وأنتِ هنا علشان تخدي بالك منهم ومن مذاكرتهم وبس كده

ما أن أنهت حديثها تركتها عائدة إلى المطبخ ..فتنهدت ندى بعمق ثم دخلت إلى الغرفة مغلقة الباب بظهرها.. ظلت حبيسة تلك الغرفة لساعات طويلة حتى شعرت بالملل..

بعد دقائق استمعت إلى صوت الحافلة فخرجت من الغرفة فورًا راكضةً إلى باب المنزل لتقم بفتحه وانتظرت الأطفال ..حتى جاء بهم الأمن وتركهم يدخلون الفيلا راكضين نحو الدرج فأغلقت ندى الباب ثم ذهبت خلفهم وصعدت الدرج لتجد كل منهم دخل غرفته ..بللت شفتيها بلسانها و وقفت أمام غرفة أشرقت تقرع الباب ثم فتحته وأدخلت رأسها فقط رأتها جالسة على حافة الفراش في صمت.. 

دخلت ندى بهدوء مغلقة الباب خلفها واقتربت منها ثم جلست على ركبتيها أمامها لتكون في مستواها وأشرقت تنظر إلى اتجاه النافذة.. فقالت ندى بلطف : 

-تحبي أساعدك في تغير هدومك !.. 

لم تجيب عليها أو تنظر إليها حتى و طال الصمت بينهم فنظرت ندى إلى ما تنظر إليه لم تجد شيئًا يلفت الانتباه لهذا الحد ..ثم نظرت إليها ثانية بابتسامة قائلة : 

-شنطتك جميلة اوي.. كان عندي واحده وأنا صغيرة ..بس أنا اللي كنت عاملاها بنفسي.. 

استطاعت هذه المرة أن تلفت انتباها فقد نظرت أشرقت إليها أخيرًا.. سعدت ندى لمجرد أنها نظرت إليها وأخبرت نفسها أنها بداية رائعة وتابعت بحماس : 

-أه كنت بعمل لنفسي شنط كتير.. وكمان أحذية وفساتين ..ماما هي اللي علمتني التصميم وازاي أشتغل كروشيه 

-ماما سبتني ومشيت 

نطقت أخيرًا لتستمع ندى إلى صوتها الطفولي الرقيق ولكن ملئ بالحزن والألم ..فشعرت بها كثيرًا فقد فقدت والدتها هي الأخرى.. عقدت بين حاجبيها بحزن ومسكت بيديها الصغيرتين وقالت لتهدئها : 

-أنا كمان فقدت أمي ..هما في مكان أحسن دلوقتِ حبيبتي ..

ثم رفعت حاجبيها بمرح وتابعت بابتسامة واسعة : 

-أي رأيك أعلمك الكروشيه ..وكمان اعملك شنطة حلوه ..وهعلمك الرسم والتلوين الصح 

أطرقت عيناها ولم تجيب عليها فتنهدت ندى وفضلت أن تتركها الأن ..فقبلتها على وجنتها بحنان ثم نهضت متجه نحو الباب فنظرت أشرقت إليها واضعه يدها على وجنتها التي قبلتها حتى خرجت ندى من الغرفة مغلقه الباب خلفها.. ونظرت إلى غرفة ريان فأخذت نفسا عميقًا ثم زفرته بهدوء و وقفت تدق الباب ثم دخلت مغلقة إياه خلفها.. وأخذت تنظر حولها بحثًا عنه ولم تجده ..خرج من الحمام الملحق بالغرفة تفاجأ بها فوضع ثياب المدرسة على مقدمة الفراش ثم دثر نفسه في الفراش ..فنظرت إليه وتقدمت نحوه و جلست على حافة الفراش وقالت مداعبه : 

-حد برده ينام من غير وجبة الغدا.. 

نظر إليها عاقدًا حاجبية بتأفف مما شعرت أنها ترى رحيم أمامها فاختفت ابتسامتها وقالت في تعجب : 

-أنت تشبه أخوك رحيم جدًا 

رفع حاجبيه في دهشة وتحدث أخيرًا : 

-معنديش أخوات غير أشرقت ..رحيم بابا 

جحظت عيناها وابتلعت لعابها عنوه وهمت واقفة تطلع إليه في دهشةٍ متسائلةً : 

-أبوك ؟؟ ..أبوك يعني متجوز أمك؟!! ..

حرك رأسه بتأكيد فحدقت به للحظات من الذهول وأخذت تتمتم وهي تفرك في يديها : 

-يا خبتك يا ندى.. الراجل الوحيد اللي اعجبتي بيه جيتي تربي عياله ..يا خبتك يا ندى 

مسحت على جبينها وشعرت بالحزن الشديد وأخذ قلبها يدق داخل صدرها برهبه ..ثم تركته وغادرت وهي تنظر إلى الأمام شاردة وهبطت الدرج وكان رحيم يدخل المنزل و وقف ينظر إليها بجمود واضعًا يديه في جيبي سرواله ..مضت من أمام سيدة وفيه والتي أخبرتها أن تأتي وتتناول معها وجبة الغداء ولكن تابعت السير دون أن تلتفت إليها أو تتفوه بكلمة .. فتعجبت من تصرفها فيما ضيق رحيم عيناه قليلًا وهي تقترب منه دون أن تنتبه وعندما اقتربت منه أكثر اتسعت عيناها وهي ثواني وانصدمت في صدره فتأوهت بحفة وفاقت من شرودها لتبتعد عنه ونظرت إليه بلهفة محدقةً به.. 

فقال بحده : 

-مش تفتحي ..أنتِ مش شايفه قدامك ازاي هتخلي بالك من أولادي.. 

جزت أسنانها عندما استمعت إلى كلمة " أولادي " وشعرت بالألم يذبح صدرها.. فيما نظر إلى وفيه وتحدث بعنف : 

-سيدة وفيه شوفي واحده غيرها وأنا هديها حساب امبارح و النهاردة 

ثم اتجه صوب غرفة المكتب بخطوات واسعة ويبدو عليه الحده البالغة ..فيما ظلت ندى واقفة مكانها تفرك أصابع يديها في توتر و وجدت سيدة وفيه تقف أمامها وكادت أن تتحدث ألا أن تحدثت ندى بحزن : 

-اسفه والله مكنش قصدي ..أنا بس ..بس كنتـ..

قاطعتها قائلة : 

-ادخلي سمعيه الكلام ده ..يلا بسرعة 

مسحت على وجهها ثم التفتت متجه صوب غرفة المكتب ودخلت بعد أن قرعت الباب ..رأته يقف أمام النافذة يدخن سيجارة فاعتذرت له ليلتفت برأسه إليها بثقل فأطرقت رأسها وقالت بحزن : 

-فرصة تانية أثبت لك اني قد المسؤولية 

أبتسم بخفة وقال بقصد مضايقاتها : 

-أنتِ اللي بتترجيني دلوقت..

رفعت رأسها بلهفة لتنظر إليه في تعجب.. فاستدار نصف استدارة ليواجها بكبرياء وقال : 

-هفكر وارد عليكِ.. بس في الوقت اللي بفكر فيه ياريت تكوني جهزتي حاجتك علشان ممكن موافقش 

جزت أسنانها بغيظ حتى استمعت إلى صريرها ورفعت رأسها قليلًا تقول بثقة : 

-متأكدة انك هتوافق ومش هتحتاج أنك تفكر 

سحب أخر نفس من السيجارة وزفرة بهدوء ثم اطفأها في مطفأة السجائر التي على شكل تاج ملكي ..ثم تقدم نحوها فنظرت إلى أقدامه التي تقترب منها حتى وقف أمامها مباشرةً فابتلعت لعابها بصوت مسموع ورفعت رأسها إليه كي تقابل عينيها عيناه اللامعة لتخطف أنفاسها وشردت بهما لتنسى ما هتفت به للتو ..رفع يده قابضًا على فكيها بخفة لتفيق من شرودها وخرجت شهقة خفيفة من بين شفتيها وهو يقول بحده : 

-لسانك اتحكمي فيه قدامي.. رحيم النادي محدش يتجرأ ويتكلم معا بالطريقة دي 

ثم ترك فكيها فابتسمت لترفع حاجبيها في دهشة ..ثم تراجعت للخلف وهي تحرك رأسها موافقة على حديثه ثم وقفت عندما خرجت من الباب وقالت بقصد مضايقته : 

-النادي الزمالك ولا النادي الاهلي 

ثم أخرجت لسانها وركضت إلى غرفتها ..فيما رفع حاجبيه في دهشة للحظات حتى استوعب كلماتها ثم وجد نفسه يبتسم وقد فاتتها ابتسامته الفاتنة تلك ..والتي أعطت له شكلًا جميلا يخطف القلب بجماله ثم عاد إلى مكتبه ومازالت ابتسامته تزين ثغرة وشعر بالسعادة التي قد نساها .. فقد مضت أيام وليالي ولم يجد نفسه سعيدًا حقًا و أشتاق إلى ابتسامته

" المشهد 3.."


" أول نبضة قلب.."

مضت ثلاثة أيام لم يحدث شيئًا جديدًا ..سوى التعامل مع أشرقت بكل هدوء و ود ..أما عن ريان فحاولت ندى معه كثيرًا ومازال لا يتقبلها ..فهو يشبه أبيه لدرجةِ جعلت ندى تجن حقًا ..حاولت أن تلفت نظرة بالكثير من الأشياء والألعاب ولكن بلا جدوى ..

نجحت اليوم في أن تُخرج أشرقت من غرفتها وجلست معها على الأريكة الكبيرة التي تقع في بهو المنزل وأخذت تكتب واجبها المدرسي بمساعدة ندى التي تمسح على شعرها بلطف ..وصل رحيم المنزل ودخل وهو يتحدث في الهاتف مع صديقه ويتحدث عن العمل ..فنظرت ندى إليه تنصت لحديثه جيدًا حتى انتهبت لشيء ما في حديثه ..فيما تفاجأ رحيم بأبنته خارج غرفتها اليوم و وقف ينظر إليها متعجبًا حتى أنهى المكالمة ..فحرك مقلتيه تجاه ندى والتي نظرت إلى الاتجاه الأخر سريعًا بعيدًا عن نظراته 

فتنهد بعمق ثم التفت متجه نحو غرفة المكتب لتنظر ندى إلى المكان الذي كان يحتله منذ لحظات بطرف عيناها لم تجده فنظرت بكلتا  عينيها للحظات من التفكير ثم نظرت إلى حل أشرقت ثم نهضت متجهه صوب غرفة المكتب ..و وقفت تدق الباب فآذن بالدخول دون أن ينظر إلى الباب ..دخلت لتجده يدخن سيجارة واضعًا قدميه أعلى المكتب ناظرًا إلى الأعلى.. 

وقفت هي أمام المكتب وتحدثت بحجة أن تتحدث معه ليس ألا :

-سمعتك بتتكلم عن الازياء الجديدة.. أنت شغـ..

قاطع حديثها بصوته الرجولي : 

-أنا لا أفضل اللف و الدوران .. اتكلمي على طول 

تعجبت من حديثه وانتبهت أنه يتحدث الفصحى في بعض كلماته فميلت برأسها قليلا وتساءلت بفضول : 

-ليه بتتكلم فصحى احيانًا ؟..!

وضع قدميه على الأرض وهو يزفر دخان السيجارة في الهواء وتحدث بكبرياء : 

-لأن ما يميز الرجال ذات طبع خاص هي اللغة العربية 

جزت أسنانها هامسة :

-متعجرف !

انتبه لهمسها فقال بحده : 

-سمعيني قلتي أي 

حركت رأسها بالنفي عدة مرات ثم جلست على المقعد المجاور للمكتب وقالت بوضوح : 

-مقلتش حاجة.. المهم كنت عايزة اعرف حاجة ..هو شغلك في التصميم؟.. 

حرك رأسه بالإيجاب وهو يسحب دخان السيجارة إلى صدره ثم زفره بهدوء ..فانتظرت للحظات على أمل أن يبادلها بالحديث ولكن لن يفعل فتنهدت بسأم وتحدثت بترجي : 

-أرجوك حابة أشوف التصاميم الجديدة.. خليك لطيف معايا لو لمرة واحدة بس 

أطفأ سيجارته في المطفأة وقد ارتفع حاجبيه ونهض يستدير حول المكتب وهو يقول بخبث : 

-واللطف بالنسبة لك هو اني اخدك للتصاميم الجديدة ..

حركت رأسها وهي تتابعه بمقلتيها حتى وقف أمامها مستند بيده على ساعد المقعد والأخرى على المكتب.. فتراجعت بظهرها إلى ظهر المقعد تنظر إليه في دهشة بفضل قربه منها هكذا للمرة الأولى ..اخترقت رائحة عطرة الرجولية أنفها عن قرب لتصيب قلبها مباشرةً والذي أخذ يدق برهبةٍ شديد حتى بدأ صدرها يعلوا ويهبط بوضوح ..فيما لاحت ابتسامة جانبية على ثغرة وتحدث بصوت منخفض : 

-أنا اللطف بالنسبة ليا.. هو القرب منك ولكن بلطف.. اتكلم معاكي بلطف..

رفع يده التي كانت على المكتب وضعها على وجنتها الناعمة بلطف متابعًا : 

-ألمسك بلطف مثلًا.. 

جحظت عينيها وشعرت بقشعريرة في جسدها بأكمله و قالت باضطراب : 

-أنت ؟!.. يعني تقصد أي ؟! 

أخذ نفسًا عميقا جعله يندهش من رائحتها الأنثوية الرائعة وانكسر تعجرفه الأن.. فاستقام  مبتعدًا عنها والتفت ليواليها ظهره وهو يزفر بهدوء فنهضت على الفور قبل أن يقترب منها بهذا الشكل ثانية واستأذنت بنبرة متوترة واتجهت نحو الباب ..فأوقفها بحده : 

-استني ..

اغمضت عيناها عنوة قابضة قبضتها والتفتت بهدوء تبتلع لعابها فنظر إليها بطرف عيناه قاطبًا حاجبية كعادته وقال بصوته الرجولي المميز : 

-اجهزي عشان تيجي معايا 

تنهدت بهدوء وارتسمت ابتسامة واسعة على ثغرها وأخذت تشكره كثيرًا تضرب الأرض بقدميها كالطفلة ثم ركضت إلى الخارج تستدير حول نفسها بسعادةٍ ..فلاحت ابتسامة جانبية خفيفة على ثغرة حتى يبدو أنها ليست واضحة ..فلأول مرة يشعر أنه تسبب في سعادة أحدهم ولكن لم تستمر ابتسامته طويلًا.. فاختفت عندما تذكر رائحة عطرها التي أصابت قلبه ..وجز أسنانه بغيظ وقام بإغلاق باب الغرفة وعاد إلى مكتبه ليجلس علي مقعده الخاص به يدخن سيجارة بعصبية وهو يفحص الأوراق ..يفعل أي شيء لتخرج تلك الفتاة من رأسه هي وعطرها المميز هذا..  

أما في الخارج فجلست ندى مع أشرقت واعطت لها كيس من الحلوى واخبرتها أنها لن تتأخر عليها قط ..ثم عادت إلى غرفتها لتبدل ثيابها المكونة من سروال أسود من القماش وسترة من لونين أسود من عند الصدر وأبيض من الأسفل ..ثم رفعت شعرها كذيل حصان صغير والكحل حول مقلتيها جعلها أكثر جمالًا ثم ارتدت الحذاء الأبيض الرياضي ..و ارتدت حقيبة على كتفها وخرجت واضعه يديها في جيبي سروالها وانتظرت للحظات حتى خرج رحيم من مكتبه متجه نحو الخارج محافظـًا ألا ينظر إليها قط ونجح في ذلك.. 

خرجت خلفه بخطوات سريعة واستقلت سيارته ولكن بجوار السائق الخاص به وهو يجلس على المقعد الخلفي ..قاد السائق متجه إلى الشركة فنظرت ندى حولها بسعادةٍ وجاءت عيناها على المرآة الجانبية لترى رحيم ينظر إليها ..ولكن نظر إلى الاتجاه الأخر سريعـًا وهي الأخيرة فعلت مثلما فعل ..وبطرف عيناها نظرت إلى المرآة ثانية لترى وهو لم يراها هذه المرة ..فتحدثت سرًا وهي لن تستطيع ألا تنظر إليه : 

-مش عارفه ليه كل يوم بحبك أكتر 

استند السائق بمرفقه إلى ساعي المقعد ليشعر بشيء ما فنظر إليه ليجد حقيبتها فأمسك بها وقال بلطف : 

-يا حلوه شنطتك 

نظر رحيم إلى السائق بلهفة وحده مضيقـًا عيناه قليلًا دون وعي منه ..فيما نظرت ندى إليه بابتسامةٍ واسعة وأخذت الحقيبة متمتمه بالشكر فانتبه إلى الطريق وهو يقول بود : 

-مقعدتش جمبي بنت جميلة قبل كده 

قالت بلطف وهي ترتدي الحقيبة : 

-شكرًا لذوقك 

جحظت عيناه ولامعت بضيق وغضب من حديثهم المتبادل هذا ..لم يعلم سبب ذلك الشعور السيء الذي سيطر على قلبه بل عضلاته بأكملها قابضـًا قبضته بقوةٍ وتحدث بصوت عنيف : 

-ركز في الطريق 

حرك رأسه بالإيجاب فيما جحظت عيني ندى ونظرت خلفها بمقلتيها فقط ..فصوته هذا دائمـًا يشعرها بالخوف منه ..التصقت بظهرها إلى المقعد وقد ابتلعت لعابها بصوت مسموع ..

عند وصوله صف السيارة في مكانها الخاص بمستر رحيم وترجل السائق ليفتح له الباب ..فهبط منها وهو ينظر له بحده ثم أغلق الباب واتجه إلى الباب الثاني ورحيم يتابعه بنظرة حادة قاطبـًا حاجبيه .. قام بفتح الباب لها وانتظرت للحظات كانت تتحدث في الهاتف وبمجرد أن أنهت المكالمة ترجلت وهي تشكره مجددًا ..فوجد نفسه يضرب على السيارة بكف يده لينتبه الإثنان إليه ثم طلب منها بعنف أن تأتي معه.. 

دخل إلى الشركة وخاصة المكان الخاص بالتصاميم الجديدة .. وبمجرد أن دخلت اتسع فاها وأخذت تلتفت حولها منبهرة بالفساتين وألوانها الفاتحة المميزة ..تركها رحيم تأخذ جوله بينما هو جلس مع بعض العاملين حول طاولة دائرية كبيرة يتحدث معهم في أمور كثيرة عن العمل.. 

لفت نظرها فستان أسود قصير لديه ذيل طويل من خامة الشيفون ..تناولته لتنظر إليه عن قرب فجاء أحدهم واقترب منها وأخذ ينظر إلى الفستان مبتسمـًا ثم نظر إليها بإعجاب قائلًا : 

-هيبقى جنان عليكِ 

نظرت إليه بلهفة ثم ابتسمت متمتهً بالشكرِ فطلب منها أن تأخذ معه جوله ليريها الفساتين فذهبت معه بعد أن وضعت الفستان الذي اختارته مكانه..

ما أن أنهى رحيم الاجتماع نهض يبحث عن ندى ولكن لم تكن أمامه فزفر بسأم وبدأ يسير في الأروقة بحثـًا عنها حتى وجدها أخيرًا مع ذلك الشاب الذي يعمل في الشركة ويريها الفساتين ..

لم يستطيع أن يتحكم في اعصابه حقا واتجه نحوها بخطوات سريعة كالبنزين المعلق به النيران لينفجر في ذلك الشاب.. عند قربه منها مد يده التي برزت أوردته بها ممسكـًا بمرفقها بقوة وادارها إليه بعنف حتى تطاير شعرها على وجهها ونظرت إليه متأوه فجحظت عيناه وهو يتحدث بعنف : 

-أنتِ هنا وبدور عليكِ في كل مكان 

حدقت به متأوه بخفه محاوله سحب مرفقها من قبضته القوية تلك فقال الشاب محاولًا التخفيف عنها : 

-مستر رحيم أنا كنتـ ..

أشار بسبابته إليه مقاطعـًا لحديثه بحده ومازال ينظر  لندى بنظرات كادت أن تقلتها : 

-أنت تسكت ومتدخلش ..

ثم التفت ليسير ساحبـًا إياها خلفه فتعثرت عدة مرات بفضل سيره السريع وحاولت أن تسحب يدها ولكن لم يتركها وشدد عليها حتى وصل إلى سيارته ففتح السائق الباب له ..فترك يدها لتضع يدها على مرفقها الذي يؤلمها وتلألأت الدموع داخل مقلتيها حتى أصبحت حمراء واتجهت نحو الباب الأمامي فأوقفها بصوته الخشن : 

-اركبي ورا 

نظرت إليه بذلك الحزن الطفولي والتي جعل انفها لونه أحمر ..فرخى أعصابه فور رؤيته لدموعها التي جعلت قلبه ينتفض وينبض أول نبضة حب وحزن وأشاح بوجه بعيدًا متجاهلًا نظرتها تلك وقلبه يعتصر ألمـًا وكأن أحدهم ضربه ضربـًا مبرحـًا ..جلست على المقعد الخلفي تنظر إلى الأمام في صمت ومازالت تمسك بمرفقها ..فجلس إلى جوارها وجلس السائق أمام المقود عائدًا بهم إلى المنزل ..

نظر إليها قاطبـًا حاجبيه وليس هذه المرة بحده ولكن بتأثر ..نظرت إلى الشوارع بواسطه نافذة السيارة وهي تمسح على عيناها.. وأخذت تفكر لماذا هو يعاملها بهذه الحده ؟! ..وأخذت عهدًا على نفسها ألا تتحمل أسلوبه هذا ثانيةً وستترك العمل معه فورًا ..

عند وصوله صف السيارة أمام الباب فترجلت من السيارة دون أن تتفوه بكلمة و وقفت تدق جرس الباب ..فيما نظر رحيم إلى المكان الذي كانت تحتله منذ لحظات حتى لم ينتبه من سائقه الذي فتح له الباب منتظرًا خروجه ..ولم يفيق من شروده ألا على صوت السائق فترجل من السيارة بعدها ليرى ندى تدخل المنزل فدخل هو الأخير وأغلقت سيدة وفيه الباب فيما دخلت ندى إلى غرفتها مغلقةً الباب خلفها بقوة ..

تبادلت نظرات وفيه بينه وبين غرفة ندى متسائلة : 

-حصل حاجة يا بني ؟! 

جز أضراسه بشدة حتى تحرك صدغاه قاطبـًا  حاجبيه وقال بحده : 

-لأ محصلش حاجة ..

كانت تفتح أشرقت كيس الحلوى الكبير بعد أن أنهت واجبها المدرسي والرسم فلم تفتحه جيدًا وسقطت حبات الحلوى على الأرض تتدحرج في كل مكان.. فنظر الإثنان إليها ليزفر رحيم بنفاذ صبر غاضبـًا ..فهو يفضل كل شيء يكون منظم أمامه ولا يفضل شيء كهذا ابدًا ..تقدمت سيدة وفيه نحوها بخطوات سريعة وأخذت تتحدث معها بلطف بينما أقترب رحيم منها وأمسك بذراع طفلته بحده قائلًا : 

-مش تاخدي بالك وتفتحي الكيس كويس 

حاولت وفيه أن تهدئه ولكن طلب منها ألا تدخل بينه وبين ابنته ..لتخرج ندى من الغرفة على صوتهم العالي واقتربت منهم بخطوات بطيئة لتجده يعامل أبنته بقسوة ويأمرها أن تنظف الأرض من تلك الحلوى فبدأت أشرقت بالبكاء الذي يحرق القلب وهي تعتذر بقلب ممزق ..لتجد ندى نفسها تبكي من أجلها وقلبها ينبض بألم ..ثم ركضت إليها وابعدت رحيم عنها فنظر إليها بلهفة متسع العينين ..ثم جلست على ركبتيها تضمها إلى صدرها وتمسح على شعرها بحنان وهي تقول ببكاء : 

-أنا ..هنضف الأرض 

تحدث بصوت خشن محذرًا إياها : 

-لأخر مرة تدخلي بيني وبين بنتي 

ثم تركهم وصعد إلى الطابق العلوي ومن ثم دخل إلى غرفته ..فربتت وفيه على كتف ندى بلطف تعتذر لها بدلًا من رحيم وتهدئها.. فنظرت إليها وهي تحرك رأسها بخفة ثم أخذت أشرقت إلى الغرفة وحاولت تهدئتها بشتى الطرق وفي الأخير وضعت أرنب في يدها وأخذت تحركه و تتحدث بصوت رفيع كأنها تقلد الأرانب ..لتضحك أخيرًا فابتسمت ندى بحزن ثم اقتربت منها تقبلها على رأسها و وضعت الغطاء عليها ثم اتجهت صوب الباب فقالت بصوتها الطفولي : 

-ممكن تيجي تقعدي جمبي بليل لحد ما أنام 

مسكت بمقبض الباب ونظرت إليها وهي تقول بمرح : 

-طبعا حبيبتي ...هجيلك ونقرأ القصص مع بعض 

ثم ارسلت لها قبلة عبر الهواء وخرجت مغلقه الباب خلفها ..ألقت نظرة سريعة على غرفة رحيم بحزن ثم أطرقت رأسها وسارت إلى الدرج وهبطت إلى الطابق السفلي لتجد رحيم يجلس على الأريكة يتناول القهوة فنظرت إلى الأرض لتجد الحلوى كما هي ..فقال ببرود دون أن ينظر إليها : 

-نزلت لقيت سيدة وفيه بتنضفها منعتها وقلت لازم اللي أصر على تنضفيها هو اللي ينضف.. 

أطرقت عيناها بحزن ثم مسحت على وجهها تتنهد بهدوء واتجهت صوب المطبخ دون أن تتفوه بكلمة برغم الحديث الكثير الذي تحمله داخل قلبها ..ثم عادت ومعها ادوات التنظيف و وقفت تلملم الحلوى وهو يتفحصها بعينيه من أعلى لأسفل بإعجاب.. حتى انتهت واعادت كل شيء كما كان ثم دخلت غرفتها مغلقةً الباب خلفها.. 

وضع فنجان القهوة أعلى المنضدة المقابلة له فيما خرجت سيدة وفيه و وقفت بجوار الاريكة وهي تقول بحزن : 

-رحيم بيه أول مرة تتعصب على بنتك بالطريقة دي ..ليه عملت كده ؟! 

عصر جبينه بأنامله وشعر بالندم حقـًا على ما فعله اليوم مع ندى وصغيرته ..وما يشعر به الأن لا يستطيع أحد أن يفهمه فماذا يفعل الأن؟! ..رفع رأسه إليها بحزن واضح وهو يومئ بالنفي وتنهد ليشعر بضيق في صدره ..ثم نهض عن الاريكة وهو يقول بهدوء : 

-كنت معصب 

اقتربت منه أكثر ومسحت على ذراعه بلطف وهي تقول بابتسامة بسيطة : 

-يبقى لازم تصالح أشرقت انا عارفه ان روحك فيها ..وكمان تعتذر لندى.. 

ثم أردفت بصدق : 

-بت جدعه وطيبه وبتعامل ولادك بود وحب.. تقريبـًا لو كانت جيجي هانم موجودة معانا مكنتش هتعاملهم كده 

نظر إليها قاطبـًا  جبينه يداعب لسانه داخل فاه يفكر في حديثها بعمق ثم تنهد وتحدث تأكيدًا على حديثها كاسرًا الكبرياء الذي داخله : 

-عندك حق ..لازم اصالح أشرقت واعتذر لندى

اذكروا الله يا جماعة الخير 💙💙.. 


" المشهد 4.. "


"  حكاية رحيم.."  

الساعة الثامنة والنصف مساءً ..وصل رحيم إلى المنزل حاملًا ثلاثة من حقائب الهدايا ..وقف أمام غرفة ندى ودق الباب مرتان ولا يوجد رد ..فقام بفتح الباب ونظر في جميع أنحاء الأركان ثم دخل ليقف بجوار الفراش وقام بإخراج فستان أسود طويل له ذيل من الشيفون يبدأ من عند الكتف ..وضعه على الفراش وقام بوضع ظرف أبيض فوقه ثم خرج مغلقـًا الباب خلفه.. 

صعد إلى الطابق العلوي و وضع حقيبة بجوار غرفة أشرقت ثم دخل غرفة ريان ليجده جالسـًا على الأرض ويلعب العاب الفيديو.. أغلق رحيم الباب وتقدم نحوه واغلق التلفاز فنظر ريان إليه بتذمر بينما جلس رحيم إلى جواره وأخرج طائرة كبيرة من الحقيبة و وضعها أمامه وهو يقول مبتسمـًا : 

-شوف بابي جبلك أيه 

أبتسم ريان وفتح العلبة ليخرج الطائرة ورأى معها جهاز تحكم ..وضعها رحيم على الأرض وأخذ جهاز التحكم ليضغط على زر الطيران لترتفع للأعلى ..فشهق ريان بسعادةٍ ناظرًا  إليها بإعجاب ثم صفق فنظر رحيم إليه بطرف عيناه ثم ضغط على زر الهبوط لتهبط وجعلها تتحرك حتى وقفت أمام ريان ثم وضع جهاز التحكم جانبـًا ..فنهض ريان وجلس على قدم والده ليعانقه فضمه رحيم إليه بكلتا يديه مغمض العينين مشتاقـًا لذلك العناق والذي يجعله يشعر بالنشوة ..وينسى إرهاق اليوم بذلك العناق.. 

أخذ يمسح على شعره وطبع قبلةً على وجنتهِ ثم ابتعد عنه قليلًا لينظر إليه عن قرب وتحدث بهدوء : 

-ليه بقى مش بتحب ندى ؟! 

قطب  حاجبيه قليلًا واجاب بتذمر طفولي : 

- علشان مش عايز مربيه ..أنا عايز مامي 

أحاط وجنتيهِ براحتي يديه قاطبـًا جبينه قائلًا بهدوء : 

-حبيبي مامي مش هتيجي تاني ..وندى بتحبك جدًا وكمان بتحب أشرقت ..اسمع الكلام 

أومأ بالإيجاب فقبله على وجنتهِ ثم تركه يلعب بالطائرةِ ونهض مغادرًا الغرفة ..حمل الحقيبة التي تركها ثم دق الباب فأذنت ندى بالدخول.. دخل ليرى ندى تجلس مع أشرقت على الأرض تشاركها في عمل اشكال بالمكعبات ..نظرت ندى إليه ولكن سرعان ما أشاحت بوجهها بعيدًا ..قال بهدوء وعيناه مثبته على ندى : 

-ندى لو سمحتي سبيني مع أشرقت شوية 

رفعت حاجبيها بمجرد أن استمعت إلى أسمها من صوته الهادئ.. فابتلعت لعابها وقد تحركت المشاعر داخلها من جديد بعد أن غضبت منه اليوم ..نهضت ونظرت إليه بحزن واضح وهي تومئ بالموافقة ثم اتجهت صوب الباب فأمسك بمرفقها وهي تسير  بجواره لتتوقف عن السير.. ونظرت إلى يده أولًا ثم رفعت رأسها إليه ..لترى وجهه عن قرب ولحيته التي تجعله أكثر وسامةً ..فيما تحدث بثبات دون أن ينظر إليها : 

-روحي اوضتك أنا هقعد معاها لحد ما تنام 

ثم ترك مرفقها و وقفت تنظر إليه لوقت ليس قليل ثم تركته وغادرت الغرفة دون التفوه بكلمة ..تقدم نحو صغيرته ليجلس إلى جوارها وحملها واضعـًا إياها على قدميه وقبلها على وجنتها بلطف ثم قال : 

-بابي جاي يعتذر لسمو الأميرة أشرقت 

نظرت إليه بابتسامة طفولية وقالت دون مقدمات : 

-اتجوز ندى يا بابي 

اختفت ابتسامته محدقـًا بها في ذهول.. كلماتها وقعت عليه كالصدمة لم يصدق ما هتفت به فتساءل بصوت منخفض : 

-أنتِ قلتي أيه ؟! 

كررت حديثها فتنهد بعمق محدقـًا في الفراغ يستوعب كلماتها حتى فاق أخيرًا من صدمته وتساءل بنبرة ثقيلة : 

-بتحبيها لدرجة دي ؟! 

نظرت إليه بحزن واضح وقالت بصوت ضعيف : 

-اه ..علشان هي مهتمه بيا وبتحبني كمان 

رفع يده ليضعها على شعرها من الخلف يداعبه وقال ليبدل الحوار : 

-طيب نتكلم في الموضوع ده بعدين.. 

ثم أخرج من علبة الهداية عروسة كبيرة واعطاها إليها متسائلًا : 

-أيه رأيك في العروسة الحلوة دي ؟! 

اتسع فاها تنظر إليها بإعجاب ثم ضمتها إليها بحب قائلة : 

-حلوه اوي يا بابي ..هحطها جنبي وأنا نايمة 

ثم نهضت متجه نحو الفراش وقامت بوضعها عليه فنهض ينظر إليها مبتسمـًا ثم تقدم نحوها وقبلها على رأسها وجلس على حافة الفراش يتبادلون الحوار..


" بالأسفل.. "


تفاجأت ندى بالفستان وأعجبت به كثيرًا ثم جلست على حافة الفراش تقرأ الظرف بعينيها .." علمت أنك أعجبت بهذا الفستان ..وهو من أفضل تصاميم الشركة.. فلم أجد أفضل من ذوقك في اختيارك للفساتين ..هو حقا مميز ورائع وراقي وبراق مثلك ..ولقد منعت تنفيذ فستان أخر مثله حتى لا يرتديه أحد غيرك ..لابد أن تكوني مميزة ..هلا قبلتي اعتذاري ؟!.." 

رفعت عيناها عن الظرف تحملق في الفراغ بعدم تصديق ..لابد أنها داخل حلم وهذا غير حقيقي ..أخذت تفحص الظرف مرارًا وتكرارًا وهي مازالت في صدمةٍ كبيرة ..لم يخيل لها أنه بهذه الرقة ويكتب كلمات رائعة مثل هذه ..ضحكت ضحكة مجنونه وهي تحرك رأسها يمينـًا ويسارًا ثم ضمت الظرف إليها.. 

لم تفيق من شرودها سوى على صوت دقات الباب.. فنظرت إليه بلهفة وقامت لتفتح الباب لتجد رحيم ينظر إليها قاطبـًا  جبينه ..فشعرت بالخجل والتوتر واضطراب في معدتها ثم تنحت جانبـًا  تاركةً إياه يدخل الغرفة و وقف ينظر إلى الفستان ثم نظر إليها بابتسامة جانبيه خطفت روحها قبل أن تخطف قلبها وهو يتساءل : 

-عجبك الفستان ؟! 

كانت تلتقط أنفاسها بصوت مسموع وتوتر واضح وهي تجيب عليه باضطراب : 

-جدًا ..حلو أوي 

وضع يديه في جيبي سرواله وتحدث بجمود : 

-عارف أن مش هو الفستان اللي عجبك ..لكن هو نفسه بس على طويل ..علشان مبفضلش اللبس القصير 

شعرت بحبات العرق الباردة احتلت ملامح وجهها فمسحت على وجهها بيد مرتعشة قائلة بصوت منخفض : 

-لاء دا شكله أجمل ..شكرًا جدًا على ذوقك 

نظر إليها للحظات من الإعجاب متذكرًا حديث أشرقت عنها فنظرت له هي الأخرى لتتقابل عيناهم للحظات يتبادلون بالإعجاب الشديد ..ثم رفع يده يمسح على جبينه واتجه نحو الخارج وهو يتمنى لها ليلة سعيدة ..فنظرت إليه حتى صعد إلى الطابق الثاني وأغلقت الباب تنظر حولها بسعادة وتشعر وكأن العالم بأكمله يحسدها على حبها لهذا الرجل ..وبعد اعتذاره الذي راق لها كثيرًا وقعت في حبه أكثر وأكثر.. واستدارت حول نفسها بسعادة حتى ألقت بنفسها على الفراش واضعه كفها على الفستان.. 

***

استيقظت في الصباح بكل حماس ونشاط وقامت بوضع الفستان في خزانة الثياب ..ثم خرجت وجهزت أشرقت للمدرسة وحاولت اليوم أن تساعد ريان للاستعداد إلى المدرسة ليتركها تساعده كما أخبره والده.. اندهشت وبدأت في ترتيب جدول حصص اليوم ومازالت مندهشة من موافقته ثم وضعت صندوق الطعام في الحقيبة وساعدته على ارتداء حقيبة الظهر..

أوصلته إلى الحافلة مع شقيقته وقامت بتوديعهم بيدها.. خرج رحيم وهو يضبط معطفه و وقف ينظر إلى ندى والتي بقت واقفة حتى اختفت الحافلة من أمام عيناها ثم التفتت لترى رحيم فابتسمت ابتسامة خفيفة ونظرت إلى بدلته السوداء الأنيقة وايضـًا قميصه الأبيض وازراه ..فيما تنحنح رحيم لتفيق من شرودها واتجهت صوب الباب فارتدى نظارته الشمسية ودخل السيارة ليغلق السائق الباب ثم ركض إلى الباب الأمامي ليجلس أمام المقود وغادر.. 

دخلت ندى وأغلقت الباب بظهرها تتنهد بعمق ثم اتجهت صوب المطبخ ودخلت لتجد سيدة وفيه تجلس أمام طاولة دائرية تفرط حبات البازلاء ..فجلست على المقعد المجاور لها لتشاركها في العمل وهي شاردة به وكلما تذكرت اعتذاره لها كانت تبتسم و وجدت نفسها تهمس دون وعي : 

-حلوه اوي زراير القميص 

لتصل كلماتها إلى مسامع أذن السيدة وفيه لتضحك ضحكة خفيفة وهي تعلم عن ماذا تتحدث ..لتفيق ندى من شرودها ونظرت إليها بلهفة.. فقالت دون أن تنظر إليها : 

-زراير القميص شاغلة بالك ..امال كله على بعضه عامل فيكِ أيه ؟! 

ابتلعت لعابها بصوت مسموع وشعرت بالحرج والتوتر وقد تركت البازلاء وهي تقول بتلعثم : 

-لاء حضرتك ..فهماني ..غلط 

نظرت إليها بخبث ثم ضحكت ضحكة خفيفة وتابعت عملها وهي تقول بتأكيد : 

-أنا بفهم كل اللي حوليا صح جدًا 

اعتدلت ندى في جلستها وبدأت تشاركها في تفريط حبات البازلاء وقالت دون تردد : 

-ممكن تكلميني عنه ..يعني هو ليه في بعض الأحيان غشيم 

تنهدت بعمق وشعرت بالراحة مع ندى وقالت : 

-نجلاء هانم والدته خلفت ابنها الأول علاء بيه ..دلعته دلع أنا مشفتوش ولا هشوفه وهو عنده خمس سنين كانت حامل في بنتها رنا وقالت لو خلفت ولد مش هدلعه زي علاء كده.. 

كانت تستمع إليها باهتمام واضح فيما تركت السيدة وفيه عملها ونهضت لتلقي نظرة على الطعام الذي على النار حيت تابعت : 

-علاء بيه ادلع من والده الله يرحمه و والدته وكل حاجة يطلبها كانت تجيله ..حتى  انه فشل في دراسته وكان يضرب زمايله ومحدش قده ..خلفت رحيم بيه وهو عنده تسع سنين ..رحيم ميعرفش يعني أي دلع كانت الست نجلاء تعامله بجدية وعلمته الصح من الغلط كويس اوي ..واتربى على كده كل حاجة جد فيها وكان بيطلع من الأوائل في الدراسة.. 

تذوقت الطعام بالملعقة ثم هدأت النار قليلًا وجلست على المقعد و تابعت تفريط البازلاء ثم تابعت : 

-الست رنا اتجوزت وسافرت كندا مع جوزها ..لكن علاء بيه سافر أمريكا من سبع سنين وسمعت أنه مقضيها هناك شرب وليلة مع دي و دي وبيصرف من فلوسه اللي  في البنك ..هي سافرت من سنتين علشان تعقله ولسه مرجعتش.. 

ثم تنهدت بصوت مسموع ونظرت إلى ندى متابعة : 

-وزي ما أنتِ شايفه رحيم بيه كده ..عمره ما عرف بنت ولا له في السهر والشرب زي رجال الأعمال المعروفة ..مهتم بشغله جدًا واحيانـًا يبقى عصبي وغشيم ..لكن هو طيب أوي يا ندى وقلبه أبيض 

اومأت بتفهم وقد أعجبت بشخصيته أكثر ..ونظرت إلى السيدة وفيه وعيناها تنطق بسؤال وهو عن زوجة رحيم.. تود أن تعلم كيف تعرف عليها وتزوجها ولكن تشعر بالحرج من هذا السؤال ..نظرت وفيه إليها فأشاحت بوجهها بعيدًا بحركة سريعة ونظرت إلى البازلاء التي تفرطها ..ما انتبهت وفيه بأن ندى تود أن تقول شيئـًا ولأنها تفهم كل شيء جيدًا علمت بما تريد معرفته.. 

نظرت إلى البازلاء وأجابت على سؤال ندى دون أن تنطق به : 

-في يوم من الايام سألت نجلاء هانم رحيم بيه مش ناوي تتجوز ولا أيه ..كانت مستنيه رده اللي هو بحب واحده كانت زميلتي مثلًا في الجامعة أو مرتبط بواحده.. 

نظرت ندى إليها باهتمام وتمعن حيث تابعت : 

-قالها شوفيلي عروسة على ذوقك ..واتجوز جواز صالونات جيجي هانم تبقى بنت صاحبه نجلاء هانم ..كانت فترة الخطوبة حوالي شهرين هو حبها وهي كمان وحبها اكتر لما خلفت ريان وأشرقت ..لكن للأسف مقدرتش تفهمه ومستحملتش طبعه ..حصلت بينهم مشاكل كتير لحد في يوم صحي من النوم ملقهاش وسبتله جواب ..باختصار كده مكتوب فيه أنا مشيت وسبتلك العيال علشان تحس بقيمتي.. 

تنهدت وقد شعرت بالحزن عندما تذكرت هذه الأيام متابعة :

-حاول يوصلها ويكلمها لحد خمس شهور وسأل أهلها قال ايه ميعرفوش عنها حاجة ..من ضيقته وخنقته يا حبيبي طلقها ومبقاش يطيق سيرتها ..خد فترة طويلة اوي مع أولاده لحد ما تقبلوا الوضع ..وفي يوم عملوا اضراب عن الأكل زعق فيهم جامد وقالهم امكم سبتكم ومشيت ومش راجعه تاني أبدًا ..من يومها وحالتهم النفسية وحشة

قطبت بين حاجبيها ونظرت إلى الأمام في دهشة هامسة : 

-يا خبتك يا ندى طلعت عايشة 

تساءلت وهي تنظر إليها : 

-بتقولي ايه يا ندى ؟! 

لتنظر إليها بلهفة وهي تومئ بالنفي بخفة ثم قالت باشمئزاز : 

-ازاي جالها قلب تسيب أولادها 

-قلبها من حجر اعوذ بالله 

توقفت ندى عن ما تفعله وجلست تفكر للحظات ثم استأذنت منها لتخرج لنصف ساعة فقط ..ثم خرجت متجه صوب الغرفة بخطوات سريعة ثم دخلت لتبدل ثيابها المكونة من سروال جينز داكن وكنزة بيضاء ذات حملات عريضة وعليها وردة التوليب ومعطف جينز يصل إلى خصرها ..ثم تناولت حقيبتها وخرجت لتستقل سيارتها وتغادر..

عند وصولها إلى وجهتها صفت السيارة جانبـًا  ثم ترجلت متجه نحو المطعم التي كانت تذهب إليه يوميـًا لترى رحيم ..دخلت وهي متيقنة من أنها ستراه هنا.. نظرت إلى الطاولة الخاصة به مباشرةً لتراه يحتسي القهوة ..فاتسعت ابتسامتها وتقدمت نحوه و وقفت أمامه قائلة : 

-تسمحلي أقعد معاك ؟!.. 

رفع رأسه إليها بثقل وسمح لها بالجلوس فجلست أمامه ونظرت إليه بحب وهو ينظر إلى شاشة الهاتف ..طال الصمت بينهم حتى كسرت ندى حاجز الصمت قائلة : 

-كنت عارفه أنك هتبقى هنا 

تنهد بخفة وتناول رشفة من القهوة ثم نظر إليها بجمود قائلًا : 

-علشان كده جيتي ! 

فاقت على نفسها وصفعت نفسها من الداخل ثم قالت بتوتر : 

-لاء خالص ..أنا اصلًا بحب المكان ده 

تناول أخر رشفه في فنجان القهوة ثم وضع المال أسفل الفنجان ثم نهض ينادي النادل ليأتي إليه واعطى له مال خاص به.. ثم أعطى له مال أخر تحت مراقبة ندى المندهشة فيما قال رحيم بصوت رجولي ثقيل : 

-شوف الانسة تشرب ايه 

ثم التقط متعلقاته الشخصية وغادر فالتفتت برأسها تنظر إليه في دهشة مفرطة.. ولم تفيق سوى على صوت النادل الذي تساءل عن طلبها فنظرت إليه وطلبت ليمون بالنعناع ليذهب النادل ..فيما وضعت ندى رأسها بين يديها تهمس في دهشة :

-مش قادرة أفهمه بجد 

احتارت من أفعاله ..في الليلة الماضية كان يتحدث معها بلطف واعتذر لها بأسلوب راقي ..ولكن اليوم عاد رحيم الذي عرفته من البداية تركها وغادر دون أن يهتم لأمرها ..جاء النادل ليضع العصير أمامها وغادر فتناولت نصف الكوب على مرة واحده ..رن هاتفها فأخذته من حقيبة يدها لترى شاشته التي تضيء باسم والدها فزفرت بسأم وفتحت المكالمة فطلب منها أن تأتي الأن ثم انهى معه المكالمة.. 

نهضت متجه صوب الخارج بخطوات ثقيلة حتى خرجت واستقلت السيارة وغادرت إلى وجهتها ..وعند وصولها إلى المنزل الذي يبدو عليه الفخامة والذوق العالي الرفيع صفت السيارة جانبـًا ثم ترجلت ودلفت إلى المنزل لتجد والدها في انتظارها جالسـًا على الأريكة التي تقع في البهـو ويبدو عليه الحده والغضب.. 

وقفت ندى أمامه وبعد تبادل السلام زفر دخان السيجار وتحدث بعنف : 

-أنا سمحت لك تدخلي الكلية اللي أنتِ عايزاها وكمان تشتغلي براحتك .. 

ثم نهض واقفـًا في مواجهتها وصاح بعصبية : 

-لكن حصلت أنك تشتغلي مربية يا ندى ..دا مش هقبل بيه أبدًا 

تحدثت بهدوء عكس الغضب الذي يمكث  في قلبها : 

-حضرتك عارف إني بحب شغلي جدًا ..وكمان كنت بشتغل في ملجأ 

تحدث بسأم : 

-أنا استحملت عنادك كتير أوي يا ندى.. 

ثم تابع بحسم : 

-أنتِ تسيبي الشغل ده النهاردة مفهوم ؟ 

رفعت رأسها إليه ناظرة إليه بتذمر ثم قالت بحنق : 

-لاء مش مفهوم ..أنا عايزة اشتغل الشغل اللي بحبه 

رفضها لأمرة كانت وقاحه بالنسبة له ولم يتحكم في أعصابه أكثر ورفع يده ليصفعها بقوة فوضعت يدها على وجنتها تحدق به في ذهول ..فيما كان ينظر إليها بحده واضحه ولم يندم على ما فعله الأن بل تستحق أكثر من ذلك.. هبطت دموعها على وجنتيها ثم تركته وذهبت فنادى عليها مرارًا وتكرارًا ولكن بدأت تبكي بصوت مسموع ولم تجيب عليه.. استقلت السيارة وغادرت وقد امتلئ وجهها بدموعها وشعرت بألم حاد في صدرها.. 


عند وصولها إلى فيلا رحيم أوقفت السيارة والقت نظرة على انعكاسها في المرآة الأمامية لترى آثر الدموع فسحبت منديل مبلل ومسحت على وجهها بأكمله ..ثم ترجلت وتقدمت صوب الباب ألا إنها توقفت عندما استمعت إلى صوت الحافلة.. فوجدت نفسها تبتسم بدون سبب.. ولكن السبب الحقيقي هو أن سعادتها تكتمل برؤية الطفلان الجميلان ..وقفت الحافلة فركضت إليها و وقفت أمام الباب لتستقبل أشرقت بالعناق فيما هبط ريان واتجه صوب الباب فنظرت ندى إليه مبتسمه ثم مسكت بيد أشرقت ودخلا المنزل سويـًا.. 

صعدت معها إلى غرفتها وساعدتها في الاستحمام وارتداء البيجامة البيتي وأيضـًا مشطت لها شعرها وتركته مفرود على ظهرها ..ثم أخذتها وهبطوا إلى الطابق السفلي ثم دخلوا غرفة  الطعام لترى ريان يجلس على احد المقاعد يتناول طعامه ..فجلست أشرقت على المقعد المجاور له وجلست ندى على المقعد المقابل لها.. لتشاركهم طعام الغداء وبدأت تفعل حركات طفولية لتضحك أشرقت فيما كان ريان يبتسم بثقل ..فشردت ندى به وهي تخبر نفسها سرًا أنه يشبه والده لدرجة كبيرة.. 

قاطعت حديثها النفسي أشرقت وهي تقول : 

-ندى هنتفرج على الكارتون طول الليل ..بكره اجازة 

لتنظر ندى إليها ثم قالت وهي تشرح بيدها لتلفت انتباه ريان : 

-ايوه ونعمل خيمة في الاوضة واعمل طبق فشار كبير جدًا.. 

صفقت أشرقت بسعادة وبدأت تتناول الطعام بحماس ..نظر ريان إليها فأرسلت له قبلة عبر الهواء فترك الطعام وغادر.. زفرت ندى بسأم من ذلك المتعجرف الصغير ثم أكملت طعامها.. 


" بعد مده من الزمن.. "


خرجت إلى حديقة المنزل وجلست عاقده قدميها أمام حمام السباحة وبدأت تمشي يدها على الماء وقد تذكرت معاملة والدها معها اليوم فتلألأت الدموع حول مقلتيها من جديد وشعرت أنها تود أن تصرخ بأعلى طبقات صوتها كي ترتاح قليلًا ..خرج رحيم متجه نحوها و وقف إلى جوارها فرفعت رأسها إليه بحزن ثم عادت بالنظر إلى الأمام فتساءل بفضول : 

-مش قاعدة مع الأولاد ليه ؟! 

مسحت أسفل عيناها وتحدثت بنبرة بكاء : 

-حبيت أقعد مع نفسي شوية.. 

ثم نهضت واقفة عاقدة ذراعيها أمام صدرها و وجدت نفسها تقول : 

-أنت لسه بتحب مراتك ؟! 

قبض قبضته بمجرد أن سمع كلمة " مراتك " ..واستدار نصف استدارة ينظر إليها بحده  عاقدًا حاجبيه بقوة حتى اصبح لا  يظهر فارق بينهما وتحدث بعنف : 

-أولا هي مش مراتي.. ثانيـًا دخلك أيه ؟! 

استدارت نصف استدارة لتواجهه وتنظر إليه بحزن وقد شعرت بالندم على سؤالها وقالت بتوتر : 

-أنا ...كـ كنت بسأل عادي 

رفع سبابته وقد رفع أحد حاجبيه قائلًا بتحذير : 

-إياكِ تدخلي في حياتي الشخصية تاني..  

أطرقت رأسها و وجدت نفسها تبكي ولكن بصوت منخفض ..فحدق بها متعجبـًا من ردة فعلها ورخى اعصابه ..ليجد نفسه ضعيفـًا أمام حزنها و دموعها التي أسرته فجأة دون وعي.. رفع يده وهم أن يضعها على كتفها ولكن تراجع وقام بوضعها على جبينه وكسر كبريائه قائلًا من بين أسنانه : 

-مقلتش حاجة علشان تعيطي 

مسحت دموعها بكلتا يديها وقالت ببكاء : 

-أنا أسفه عشان تعديت حدودي 

قطب جبينه ينظر لها بابتسامة خفيفة وتحدث بلطف : 

-ولا يهمك ..أنتِ بنت جميلة جدًا 

رفعت رأسها بلهفة لتنظر إليه وشعرت بالخجل والتوتر وأخذت تفرك في أصابع يديها متمته بالشكر وكادت أن تتحدث ألا أن أشرقت كانت تناديها من شرفة الغرفة ..فاستأذنت منه بابتسامة واسعة ثم ذهبت وصعدت إلى غرفة أشرقت ..

بدأت تجهز الخيمة الصغيرة لمشاهدة الرسوم المتحركة.. وبعد أن انتهت جلست داخلها ومعها أشرقت التي تصفق بسعادة فقبلتها ندى على وجنتها فنظرت إليها بسعادة وقالت دون تردد : 

-ندى ممكن تتجوزي بابي 

اختفت ابتسامتها فجأة واتسعت عينيها في دهشة.. 

اذكروا الله يا جماعة الخير 💙💙.. 

" المشهد 5.. "

اذكروا الله يا جماعة الخير 💙💙.. 

" المشهد 5.. "


" كبرياء.." 

لم تعلم لماذا انتفض قلبها فجأة فور سماعها لكلمات أشرقت الصغيرة ..أخذت تفكر وتساءل نفسها هل حقـًا سيأتي يومـًا  ويقع رحيم في حبها و يتزوجها أم أنها مجرد أوهام وأحلام يقظه؟! ..ضمت قدميها إلى صدرها وارتكزت بذقنها إلى ركبتيها والطفلان يشاهدان الرسوم المتحركة مع تناول الفشار..

نظرت أشرقت إليها للحظات حتى انتبهت ندى لنظراتها فابتسمت لها لتبادلها الصغيرة بابتسامة طفولية ثم عادت بالنظر إلى التلفاز وهي تخبر نفسها أن ندى حزينة بسبب حديثها ..فالتفتت برأسها إليها ثانية ثم اقتربت منها وهمست بجوار أذنها :

-زعلتي علشان قلتلك اتجوزي بابي 

لتنظر ندى إليها ومسحت على وجنتها برقة وارتسمت ابتسامة على ثغرها على عكس التوتر القاطن داخلها وقالت بهدوء :

-أبدًا يا حبيبتي ..بس ماينفعش تتكلمي في موضوع زي ده ..أوكي 

اومأت بالإيجاب فقبلتها على وجنتها وتركتها تعود إلى مكانها تشاهد التلفاز ..تابعت ندى الرسوم المتحركة وابتسمت على ضحكاتهم ولم تنتبه من باب الغرفة الذي انفتح بفضل عدم إضاءة المصباح الكبير وصوت التلفاز المرتفع نوعـًا ما ..أغلق رحيم الباب ينظر إلى الخيمة المفتوحة من الجانبين بابتسامة بسيطة غير واضحة ثم تقدم نحوها وانحنى بجذعه ليراهم منسجمان مع التلفاز ..فلاحت ابتسامة جانبية على ثغرة لتجعله أكثر وسامة.. ثم دخل بهدوء ليجلس أمام ندى فنظرت إليه بلهفة وقد خرجت شهقة خفيفة من بين شفتيها واضعة يدها أعلى صدرها.. 

فرفع حاجبيه متعجبـًا وهو يقول ببعض من السخرية : 

-ماعرفش أن قلبك رهيف اوي كده 

أطرقت رأسها خجلًا خصتا بعد أن طلبت أشرقت منها الزواج منه.. وجاء شعور مفاجئ في رأسها وهي أن من المحتمل أن تكون طلبت من والدها ذات الطلب ..فيما نظر الطفلان إلى والدهم في دهشة فتبادلت نظراته بينهم وهم مذهولان من وجوده معهم.. فخرجت من فاه ضحكة خفيفة تشبه صوت عزف الكمان لتنظر ندى إليه بلهفة غير مصدقة أن ذلك الجبل قد ضحك للتو ..ولكن ليست كأي ضحكة بل ضحكة جعلت قلبها يخرج من بين ضلوعها كي يأسره بضحكته دون وعي منه.. 

فيما أقترب رحيم من أطفاله وبدا يدغدغهم بطريقة عشوائية ليضحك ريان أخيرًا وأيضا أشرقت ولكن نظرت ندى إلى ريان بابتسامة خفيفة ..ثم عادت بالنظر إلى رحيم الذي يمزح مع أطفاله وشردت به لتلعن قلبها لوقوعه في عشق رجل متزوج ويعشق أطفاله ولم يفكر في الزواج قط وألا كان تزوج بدلًا من أن يبحث عن مربية لهم ..فاقت من شرودها بلهفة انتفض قلبها بمجرد أن نظر إليها تاركـًا أطفاله يشاهدان التلفاز ..حركت مقلتيها بشكل دائري بتوتر ثم خرجت من الخيمة و وقفت وهي تقول دون أن تنظر إليه : 

-طيب أنا هروح أنام بقى طالما حضرتك جيت تقعد معاهم 

رفع أحد حاجبيه وتساءل بمكر : 

-مش عايزة تقعدي معايا ولا أيه ؟! 

وضعت يدها حول عنقها وأخذ صدرها يعلوا ويهبط باضطراب وهي تجيب بنبرة اضطراب : 

-أبدًا.. أنا بس مصدعه شوية وعايزة أنام 

حرك رأسه بتفهم وتمنى لها ليلة سعيدة وهي ايضـًا.. وبمجرد أن خرجت من الغرفة وضعت يدها على صدرها الذي يدق بشدة مستنشقه الهواء بعمق وبدأت تلتقط أنفاسها بهدوء ثم هبطت الدرج واختبأت داخل غرفتها بل و وضعت الوسادة على رأسها أيضا وذهبت إلى النوم بهدوء تام مانعه نفسها من التفكير في أي شيء 


" في الصباح" 


الساعة الحاديه عشر والنصف خرجت ندى من الغرفة وهي تعلم أنها تأخرت اليوم على الأطفال ..ولكن تعلم جيدًا أن اليوم يوم الجمعة ولا توجد دراسة.. اتجهت صوب المطبخ ولكن توقفت عن السير عندما رأت رحيم يهبط الدرج بالهيبة والشموخ المعتاد عليهما يرتدي سروال من الجينز الأزرق وكنزة رصاصي وعلى صدره اسم ريان بالإنجليزية وحذاء رياضي ..

هبط الدرج و وقف يرتدي معطف رياضي بنفس لون الكنزة وهو يلقي بالصباح على ندى دون أن ينظر إليها ..فبادلته الصباح بابتسامة مشرقة وبعد لحظات رأت ريان يهبط الدرج ويرتدي مثل أبيه ولكن الاختلاف في اسم الكنزة فكنزته الصغيرة تحمل أسم رحيم ..أعجبت ندى كثيرًا بهذا التصميم الرائع واتسعت ابتسامتها ..فيما مسك رحيم بيد طفله الصغير وغادر المنزل تحت أنظار ندى.. 

بعد أن غادر تنهدت بعمق لتستنشق عطره الرجولي الساحر الذي ترك رحيم القليل منه قبل أن يغادر.. فأغمضت عيناها واستدارت حول نفسها ببطء مستنشقه العطر ..ثم توقفت وفتحت عيناها السعيدة وتابعت السير إلى المطبخ والقت تحية الصباح على سيدة وفيه والخادمة الأجنبية ..وتناولت خبز دائري لتضع داخله قطعة جبنه ثم جلست أمام الطاولة تتناوله وبعد أن أبتلعت أول لقمه تساءلت : 

-هو رحيم بيه متعود ياخد ريان معاه صلاة الجمعة ؟! 

ثم قطمت لقمة ثانية و سيدة وفيه تجيب عليها : 

-أيوه ..وبعد الصلاة بيجي ياخد أشرقت ويقضوا اليوم في النادي 

ابتلعت الطعام ثم بللت شفتيها بلسانها وهي تومئ برأسها وقالت بهدوء : 

-شيء كويس..

ثم تابعت سرًا : 

-احتمال ما اشوف رحيم النهاردة 

جلست السيدة وفيه على المقعد المجاور لها وتساءلت بهدوء : 

-رحيم بيه ادالك فلوس ؟! 

لتنظر ندى إليها في تعجب وهي تلوك الطعام داخل فاها ببطء ثم ابتلعته وردت عليها بسؤال : 

-فلوس؟! ..فلوس ليه ؟! 

-أصل دي أول جمعة ليكِ وأنتِ معانا ..وكل ما مربية تيجي كان رحيم بيه بيجربها أسبوع بس معجبتوش يوم الجمعة بيديها حقها ويطلب منها تمشي ..ده إذا مامشتش من نفسها زي ما إتنين عملوا قبل كده.. 

حركت رأسها بتفهم فتنهدت وفيه بحزن وتابعت : 

-وأنا بصراحه مش عايزاكِ تمشي يا ندى 

ابتسمت ندى فضمتها وفيه إليها بحنان لتشعر هي بحنان الأم التي فقدته منذ سنوات ولا تود أن تبتعد عنها قط ..وبعد لحظات ابتعدت عنها لتتابع عملها في المطبخ وأكملت ندى طعامها..

بعد ساعة ألا ربع تقريبـًا عاد رحيم وكانت أشرقت في انتظاره بعد أن ساعدتها ندى على ارتداء ثياب رياضي وتحايلت أشرقت عليها أن تأتي معهم ولكن رفضت ندى و وعدتها بأنها ستأتي في المرة القادمة.. غادرت أشرقت مع والدها وجلست ندى على الأريكة التي تقع في حديقة المنزل.. 

ثم تجولت الحديقة لنصف ساعة تقريبـًا وعادت إلى الأريكة مجددًا وهي تزفر بسأم ..شعرت بالوحدة فقد تعلقت كثيرًا  بالأولاد وبالأخص رحيم كانت تراه أكثر من أربعة مرات في اليوم ولكن الأن لم تعد تراه.. 

ذهبت الشمس ليأتي القمر الساطع ..وفي الثامنة مساءً عاد رحيم برفقة أولاده الصغار ليصعد ريان غرفته فيما بحثت أشرقت عن ندى وأخذت تنادي عليها و وقف رحيم ليتابع هذا ..خرجت ندى من غرفتها بابتسامة واسعة و ركضت إلى تلك الصغيرة لتعانقها ورفعتها عن الأرض تضمها إليها باشتياق واضح ..ثم قبلتها على وجنتها و انزلتها على الأرض برفق وهي تقول معقدة حاجبيها باشتياق واضح : 

-وحشتيني جدًا ..جدًا جدًا 

بادلتها أشرقت بالاشتياق ثم ودعتها وذهبت إلى غرفتها تحت أنظار ندى السعيدة حتى دخلت الصغيرة غرفتها ..همهم رحيم فالتفتت إليه لتشعر بدقات قلبها تدق داخل صدرها ونظراتها له تهتف بالاشتياق والحب ..اتجه رحيم نحو غرفة مكتبه وهو يقول بنبرة رجولية : 

-ندى تعالي المكتب من فضلك 

نظرت إليه بعينين متسعتين وقد ابتلعت ابتسامتها بمجرد تذكرها لحديث السيدة وفيه فهل حقـًا من الممكن أن يستغنى عنها كما فعل مع البقية أم ماذا ؟!.. بدأ ذلك السؤال يحوم حول رأسها ولا تعلم له إجابة بل إجابته بين يدي رحيم.. 

لحقت به ودخلت الغرفة رأته يجلس أمام المكتب ينفث دخان سيجارته في الهواء ماسكـًا بورقة بيضاء.. فابتلعت لعابها واهتزت قدميها قليلًا خوفـًا من أن يستغنى عنها ولكن رفع رحيم عيناه إليها وتحدث بهدوء ولكن ببعض الجمود : 

-ندى حقيقي أنتِ ممتازة علشان قدرتي تخلي أشرقت تحبك بالطريقة دي.. 

جزت أسنانها وأخذ صدرها يعلوا ويهبط بوضوح أثر توترها الذي أثر على معادتها وشعرت بالغثيان ..فكل ما جاء في رأسها هو أن تكون أشرقت أخبرته بالزواج وعلم أنها طلبت منها ذلك ..ولكن ما فكرت به كان مجرد وهم حيث تابع رحيم بصوته الرجولي الذي خطف قلبها من بين ضلوعها : 

-الأيام اللي فاتت دي كنت براقب تصرفاتك مع الأولاد ..وعرفت قد أي أنتِ بنت لطيفة وكمان بتحبيهم.. 

تمعن بالنظر في مقلتيها التي تشبه وجهه قهوته الصباحية الرائعة مقطب جبينه متابعـًا : 

-الحب يا ندى بيبان من التعامل والعنين كمان ..عشان كده..

رفعت حاجبيها قليلًا وقد شعرت بالهدوء واستمعت إليه باهتمام حيث تابع : 

-أنتِ هتكملي مع الأولاد لحد ما تزهقي أنتِ وتمشي.. حقيقي أنا مطمن عليهم معاكِ 

اتسعت ابتسامتها والتقطت زفيرا قويـًا وزفرته بهدوء تام وبدأت تشكره كثيرًا على مدحه لها أولًا ثم على موافقته لمكثوها في المنزل مع الأولاد ..ثم استأذنت منه وغادرت لتخبر السيدة وفيه بسعادةٍ غامرة.. 


بعد مرور أيام تليها أيام وبدأ الربيع يهل بنسماته الرائعة والزهور التي على وشك أن تفتح وتملئ الحياة بهجة وسرور ..وأيضـًا الشمس الرائعة التي تعطي للأشجار والورود بريقـًا خاص يخطف الأنظار ..

وفي المساء حيث تدق العقارب إلى الساعة الرابعة والربع مساءً ..

كان يحتسي القهوة في الخارج ليرى الأشجار والزهور الطبيعية ليشعر بالاسترخاء وجو الربيع الهادئ ..زقزقت العصافير فوق الاشجار فرفع رأسه إليهن ولاحت ابتسامة جانبية على ثغرة.. 

بعد لحظات استمع إلى صوت ندى تتحدث مع أشرقت فاختفت ابتسامته تدريجيـًا.. بينما خرجت ندى حاملة سلة زهور وأشرقت هي الأخيرة تحمل سلة زهور متوسطة الحجم ..وقف الإثنان أمام بستان زهور صغيرة وبدأت ترتب الزهور بمساعدة أشرقت.. 

نظر رحيم إليها وقد رفع أحد حاجبيه وتحولت نظراته إلى الحده الثابتة عندما رأى ثياب ندى ..المكونة من شورت قصير من خامة الجينز وكنزة حمراء ذات حملات عريضة ..شعر بالضيق من ثيابها تلك ونظر إلى الأمام قاطبـًا حاجبيه بتذمر ..ولفت انتباهه  حارس الحديقة يتطلع إلى ندى لينظر رحيم إليها ثانية وقد لامعت عيناه بلمعة الغيرة الواضحة ..ثم عاد بالنظر إلى ذلك الشاب الذي حتمـًا سيقتله والذي مازال يتطلع إليها.. 

فنادى عليه بصوت حادًا لينظر إليه بلهفة فيما نظرت ندى إليه هي الأخيرة قاطبه حاجبيها.. وقف الحارس أمامه فتحدث رحيم بصوت جهوري :

-روح أنت وقف قدام البوابة

أشار الحارس خلفه وهو يقول في تعجب : 

-بس أنا دايما ..

رفع عيناه إليه والتي لامعت من شدة الغضب مقاطعـًا له بعصبية : 

-أنا كلامي يتنفذ 

أومأ بالموافقة ونفذ رغبته فورًا.. مما تعجبت ندى من تصرفه وشعرت أيضـًا بالغضب من معاملته لهذا الحارس ..نظر إلى ندى بحده فتوترت وتابعت عملها فورًا..ليعود بسوداويته إلى الأمام وصدره يعلوا ويهبط قابضـًا قبضته يضرب بها على ركبته بخفه.. 

بعد دقائق قليلة انتهت ندى فصفقت أشرقت لها سعيدة بتلك الزهور فقبلتها ندى على وجنتها ثم مسكت بيدها واتجها نحو الداخل فناداها رحيم بصوت خشن دون أن ينظر إليها :

-ندى ..لحظة لو سمحتي 

توقفت عن السير وطلبت من أشرقت أن تدخل وسوف تلحق بها لتنفذ رغبتها فورًا.. وتقدمت نحوه لتقف إلى جواره دون أن تتحدث.. تطلع إليها بحده وقد رفع  أحد حاجبيه وقال بعدم قبول : 

-من فضلك اللبس ده مايتلبسش في بيتي 

نظرت إلى ثيابها ثم عادت بالنظر إليه وتحدثت ببرود : 

-دي طبيعة لبسي ..وأنا بستنى الربيع عشان اخد حريتي في اللبس 

جز أضراسه حتى تحرك صدغاه ونهض فجأة ينظر اليها  بنظرات كالجحيم فاتسعت عيناها وتراجعت للخلف خطوتين ولكن سرعان ما هدأت من نفسها و وقفت تواجه بثبات ..كانت عيناه تتحدث بالغيرة ولكن هي بلهاء لم تفهم نظراته تلك وأصرت على أن تعاند معه ..ابتلع لعابه بشدة حتى تحرك عنقه وهو يتحدث بنبرة رجولية ثقيلة :

-اللبس ده ممنوع يتلبس تاني ..مابحبش حد يعصى اوامري  

رفعت كتفيها بلا مبالاة وهي تتنهد بعمق ثم قالت بابتسامة واسعة : 

-وأنا مابحبش حد يتحكم في لبسي 

بدأ يلهث بصوت مسموع بفضل غضبة المفرط منها ومن تصرفاتها فيما تركته ندى ودخلت المنزل .. جلس على الاريكة ومسك بفنجان القهوة وجز أسنانه بشدة حتى سمع  صريرها قابضـًا على فنجان القهوة بقوة حتى أبيضت أنامله ثم رفعه وألقى به أرضا لينكسر إلى قطع صغيرة.. رأته السيدة وفيه وهي تخرج إلى الحديقة و وقفت أمامه في دهشة متسائلة : 

-حصل أي يا بني عشان تكسر الفنجان ؟! 

جز اضراسه ثم هدأ من نفسه ورخى أعصابه ليجيب بثبات ولكن بجمود : 

-ماحصلش حاجة 

ثم تركها ودخل متجه نحو غرفة مكتبه ليدخل مغلقا الباب خلفه بقوة من شدة غضبه.. فيما ابتسمت وفيه فقد استمعت إلى شجارة مع ندى قبل أن تأتي وتصنعت عدم الفهم ..وبما أنها تفهم كل ما يحدث حولها علمت لماذا غضب رحيم منها لأنه يغار عليها ولابد أن يعترف بهذا.. 

لملمت قطع الفنجان الصغيرة ونظفت المكان جيدًا ..وبعد أن دخلت المنزل وقفت أمام باب غرفة المكتب تدق عليه ودخلت عندما سمح رحيم بالدخول.. أغلقت الباب خلفها وتقدمت نحو المكتب فأنزل قدميه التي كانت أعلى المكتب على الأرض احترامـًا لها فهي بمثابة والدته ..نفث اخر دخان سيجارة سحبه واطفأها في المطفأة الخاصة بها ..فيما جلست على المقعد المجاور للمكتب وتحدثت بوضوح : 

-أنا سمعت كلامك مع ندى قبل ما أخرج.. 

ليرفع عيناه إليها مقطب جبينه حيث تابعت بمكر : 

-أنت ماينفعش يا بني تتحكم في لبسها 

استند بمعصمي يديه إلى المكتب وقد اشتعل الغضب داخله من جديد متحدثا بغيرة دون أن يقصدها : 

-يعني عجبك لبسها المايع ده والحارس واقف قدامها يبص عليها ؟!

اتسعت ابتسامتها وقد رفعت إحد حاجبيها بمكر وقالت بهدوء : 

-بس مهما أن كان أحنا ملناش نتحكم في لبسها ..لو لابسه مايوه حتى 

ضرب على المكتب بكف يده بعنف لتتسع عيناها في دهشة ونهض متحدثـًا بعصبية بالغة : 

-مايوه ..المايوه ده في بيتها مش هنا 

تساءلت بهدوء تام : 

-ممكن أعرف متعصب ليه ؟! 

سؤالها جعله يستفيق على نفسه وينتبه لغضبه الزائد.. فاتجه صوب النافذة التي تقع على يمينه و وقف عاقدًا ذراعيه أمام صدره دون أن يجيب على سؤالها فالتفتت برأسها إليه وقد تأكدت من إحساسها تمامـًا ..نهضت واقفه وهي تستدير بكلتها وقالت دون تردد وبثقة زائده : 

-أنت بتغير على ندى 

قطب  بين حاجبيه في صدمه فكلماتها كفيلة بإن تغضبه حقـًا ..وليس لأنها مخطئة بل لأن كبريائه الحاد يمنعه من  الاعتراف بأنه حقـًا يغار عليها كثيرًا.. استدار لها بكلته بوجه محتقن غاضبـًا  حقـًا من حديثها وتساءل بنبرة كبرياء ثقيلة : 

-هغيير عليها ليه ؟! ..مين دي علشان اغير عليها ؟! ..دي مجرد مربية للأولاد 

-اسمع يا ابني أنا الحمد لله بفهم الناس كويس اوي.. وعارفه إنك معجب بندى ..بس الكبرياء الحاجز الوحيد بينك وبينها 

غادرت فور انتهائها من حديثها فاستدار رحيم إلى النافذة ثانية يفكر في حديثها بتمعن ..ليعترف بينه وبين نفسه أنه معجب فقط بشخصيتها واستطاعت أن تعلق أبنائه بها في وقت قياسي ..عصر جبينه بأنامله  عاقدًا حاجبيه لعل ندى تخرج من أفكاره ..لا يود أن يفكر بها أو يهتم لأمرها فلم يفعل هذا من قبل.. 

استمع إلى صوت جرس الباب فأزاح يده عن جبينه واتجه صوب باب غرفة المكتب فيعلم أن الذي يدق الباب جاء من أجله ..خرج و وقف ناظرًا إلى الباب واضعـًا يديه في جيبي سرواله ليرى ندى قد فتحت الباب و وقفت تتحدث مع ذلك الشاب الذي تعرفت عليه وتبتسم له وهي تصافحه.. 

في لحظة شعر بالغضب وهو يتطلع إلى ثيابها باشمئزاز ثم تقدم نحوهم بخطوات سريعة تشبه الإعصار.. و وقف قابضـًا على معصمها بخفة فنظرت إليه قاطبةً حاجبيها ثم وضعها خلف ظهره ليكون هو أمامه يتطلع إليه بشراسة تقتل ملامحه أشلاء ..فاختفت ابتسامة ذلك الشاب وكاد أن يتحدث ألا أن ..قال رحيم بصوت جهوري وهو يمد يده إليه : 

-هات الدعوات و روح أنت الشركة 

رفع علبة سوداء متوسطة الحجم واعطاها إليه ثم غادر ..فأغلق رحيم الباب بعد أن ترك معصم يدها فنظرت إليه بتأفف.. التفت   ينظر  اليها  بنظرات  تتطاير بشرارات من الجحيم وقد لامعت عيناه بلمعة الغيرة وتحدث بعصبية مفرطة : 

-مش قلتلك اللبس ده يتغير 

حدقت به في تعجب من تصرفه البالغ معها وفي لحظة لامعت عيناها بالدموع وتساءلت بحده ممزوجة بنبرة البكاء : 

-هو لبسي مالوا مش فاهمه ؟؟ ..أي اللي مضايقك ؟! 

خرجت السيدة وفيه من المطبخ على صوتهم العالي تنظر إليهم بشفقه على ندى ..بينما أشار رحيم إلى ثيابها عاقدًا حاجبيه حتى خيل لها بإن لا فارق بينهما ونظراته ستقسمها نصفين وهو يوبخها بحده : 

-لبس مايع و وقح.. ازاي تفتحي الباب باللبس ده ؟! 

جزت أسنانها وقد هبطت دموعًا خائنة على وجنتيها من طريقة أسلوبه التي مازالت غير معتادة عليه وقالت بتحدي : 

-علشان ده مش لبس بيتي أنا بخرج بيه 

ثم تركته واتجهت صوب غرفتها لتختبئ داخلها وتعانق وسادتها لتبكي.. فيما عاد رحيم إلى غرفة المكتب مغلقـًا الباب خلفه بقوة ولم يكترث للسيدة وفيه التي كانت توبخه بنظراتها.. اتجهت هي صوب غرفة ندى و وقفت تدق الباب فتركت ندى الوسادة لتمسح دموعها وأذنت بالدخول بعد أن علمت أنها وفيه ..دخلت مغلقةً الباب خلفها وجلست أمامها على حافة الفراش فيما كانت ندى تنظر إلى الفراغ بحزن واضح.. 

-ماتزعليش يا بنتي ..رحيم خلقة ضيق 

مسحت أعلى انفها وهي تتساءل ببلاهة : 

-مش عارفه لبسي مضايقه في أيه ؟!

لتضحك وفيه ضحكة خفيفة لتنظر ندى إليها في تعجب.. توقفت عن الضحك مكتفيه بابتسامة خفيفة وتحدثت بالهمس : 

-رحيم بيغير عليكِ يا ندى ..فهمتي ؟!.. 

ابتلعت لعابها بصوت مسموع تنظر إليها في دهشة غير مصدقة ما هتفت به للتو.. فوضعت يدها على كتفها وقالت بتأكيد : 

-وأنتِ بتحبيه يا ندى 

جزت أسنانها بخجل شديد وأخذت تفرك في أصابع يديها و اصطبغت وجنتيها بحمرة الخجل ليخرج منها صهدا  يأكل وجهها.. ونظرت إلى الأمام تتساءل بارتباك : 

-حضرتك.. بتقولي أي ؟! 

-بقول اللي أنا شيفاه وحساه.. 

اقتربت منها وأحاطت كتفيهاا بذراعها وتحدثت بهدوء : 

-جيجي هانم كانت محجبه و نجلاء هانم والست رنا كمان ..وهو حمش حبتين 

أدارت رأسها ناحيتها ببطء وقد تلاشت حديثها وتساءلت بسعادة تشعر بها داخل قلبها : 

-هو بيغير عليا بجد ؟! 

لتضحك ضحكة خفيفة وهي تومئ بتأكيد ثم رفعت  إحد حاجبيها وهي تقول بابتسامة واسعة : 

-والغيرة بدايتها حب 

ثم قبلتها على وجنتها وطلبت منها أن تذهب إليه وتتحدث معه بهدوء لكن بعد تبديل ثيابها واتفقا الإثنان على حديثـًا واحدًا ثم تركتها وغادرت.. 

نهضت ندى عن الفراش وأخذت تستدير حول نفسها وشعرها القصير يتطاير حولها حتى وصلت إلى خزانة الملابس وبدلت ثيابها بفستان صيفي أنيق بثلث كم ..يصل إلى بعد ركبتيها بقليل لونه أحمر هادئ وحزام على الخصر بنفس اللون عليه فراشة بيضاء.. ثم مشطت شعرها وخرجت متجه صوب غرفة المكتب.. 

وقفت تدق الباب ثم فتحته وأدخلت رأسها فقط رأته يدخن سيجارة ويتحدث في الهاتف.. نظر إليها  بجمود وظلت على هذا الوضع حتى أنهى المكالمة ..ولم يعطي لها اهتمام لكونه غاضبًا منها وأخذ يرتب دعوات حفل عرض ازياء الشركة.. دخلت مغلقة الباب خلفها وتقدمت صوب المكتب و وقفت قائلة : 

-أنا عرفت كل حاجة.. 

رفع إحد حاجبيه وتمالك اعصابه ولم يظهر عليه أي ردة فعل عندما استمع إلى كلماتها والتي أوحت له أن السيدة وفيه أخبرتها بأنه يغار عليها.. تابعت بابتسامة خفيفة : 

-مدام وفيه قلتلي أن اللبس ده ممنوع يتلبس هنا ..يعني البيت ملتزم شوية 

سحب أخر ما في السيجارة إلى صدره ونفثه بالهواء ثم اطفأها في المطفأة الخاصة بها ونهض وهو يحمل الكروت دون أن يكترث لحديثها ..فلوت ثغرها بتذمر بينما هو متجه صوب الباب ركضت إليه لتقف أمامه فجأة التفت فاصطدم بها لتسقط الدعوات من بين يديه.. 

اتسعت عيناها وفاها فيما جز هو أسنانه وجلس نصف جلسة يلملم الكروت فجلست على ركبتيها لتساعده وعيناها مسلطة عليه ..وبعد أن انتهى رفع رأسه لتتقابل سوداويته مع قهوته المفضلة فتحدثت عيناهم بالحب للحظات من التأمل و وجد نفسه غارقا بها ولا يود أن يكون هناك شاطئ للنجاة ..بل يود أن يكون غريق عيناها حتى نهاية العالم ثم هبطت مقلتيه إلى وجنتيها التي تشبه زهور الربيع دون وضع مساحيق التجميل عليها فهذه هي طبيعتها ..ثم هبط بسوداويته إلى شفتيها الوردية المتفرقة عن بعضها قليلًا وبدأ يفحص ملامح وجهها مرارًا وتكرارًا من بداية عينيها إلى شفتيها بنظرات حب ممزوجة بجدية العشق ..لتشعر بالخجل وقلبها بدأ يدق بصوت مسموع  حتى نبض صدرها لأعلى وأسفل وابتلعت لعابها بصوت مسموع  ثم نهضت وهي تقول بتلعثم : 

-أ أسفه 

ليأتي نظرة على فستانها ثم رفع عيناه ببطء قاطبـًا جبينه ونهض يتأمل فستانها الذي يجعلها أميرة على عرش الحب ..بل على عرش قلبه الذي امتلكته في وقت قياسي ومد يده ليأخذ الكروت من يدها محاولًا لمس يديها الناعمة ونجح في ذلك ..ثم ابتسمت عيناه فعضت على شفاها السفلى من الداخل فلم تتحمل ابتسامة عيناه تلك.. في حين قال رحيم بجدية بقصد مضايقتها : 

-كنتِ من شوية شبه الرجالة 

لتتسع عيناها وقد رفعت إحدى حاجبيها مشيرة إلى نفسها متسائلة بحنق : 

-أنا شبه الرجالة ؟!

حرك رأسه تأكيدًاثم اتجه صوب الباب وبمجرد أن مضى من أمامها لاحت ابتسامة رجولية ثابته على شفتيه وقال بهدوء : 

-لكن دلوقت شبه الأميرات 

ثم خرج فاتسعت ابتسامتها تضم يديها إليها وتنهدت بعمق لتشعر بالنشوة والسعادة من كلماته البسيطة ..ثم نظرت إلى الأرض لترى كرت من كروت الدعوة على الارض فانحنت بجذعها لتأخذه وفحصته بعينيها ثم نظرت إلى الأمام بسعادة قائلة : 

-عرض ازياء ..واو 

دخل رحيم المكتب وهو يتنحنح فالتفتت إليه بسعادة وقالت بترجي : 

-عايزة اجي معاك عرض الأزياء ..أرجوك 

ثم ارتفع حاجبيها بشكل طفولي فتعجب كاتمـًا ضحكاته على شكلها ثم سحب الدعوة من يدها متجه صوب المكتب وهو يقول بقصد العند : 

-لاء ماينفعش 

ضربت الأرض بقدمها وهي تزفر كالأطفال فالتفت إليها بثقل فنظرت إليه بترجي ..ليجد نفسه يتقدم نحوها بخطوات ثقيلة فلم يستطيع مقاومة هذا الجمال بعد الأن و وقف يمد يده بالدعوة وقال بصوت رجولي ذات كبرياء عالي : 

-تقدري تيجي ..لكن مش معايا ..تيجي لوحدك زي أي حد 

جزت أسنانها بتأفف وأخذت الدعوة وظل ينظر لها بجمود للحظات ثم التفت عائدًا إلى المكتب فهمست بغيظ : 

-متعجرف رخم 

لتصل كلماتها إلى مسامع أذنيه فلاحت ابتسامة جانبية على ثغرة فقد راقت له كلماتها ..ولكن كلمات تلك الجميلة فقط وعشق كلمة متعجرف من شفتيها الوردية ذات صوت مميز يخترق القلب فورًا  دون مقدمات ..و توعد لها بأنه سيقوم بعمل تصرفات تجبرها على قول كلمة " متعجرف " 

اذكروا الله يا جماعة الخير 💙💙.. 

" المشهد 6.. "

" غيرة.. "

وضعت جميع الفساتين على الفراش باستثناء فستان رحيم ..كانت تدخل إلى المرحاض الملحق بالغرفة ترتدي فستان وتخرج إلى أشرقت لتعطي لها رأيها ..فجعلت ابهامها ينظر إلى أسفل فزفرت ندى وأخذت فستان أخر ودخلت فنظرت أشرقت حولها ثم قفزت إلى الأرض وفتحت خزانة الثياب لتجد الفستان و وقفت تنتظر ندى حتى خرجت.. 

أشارت إلى داخل الخزانة وهي تقول بابتسامة واسعة : 

-البسي ده يا ندى ..البسي ده 

علمت ندى أنها تشير إلى الفستان الذي أحضره رحيم من أجلها ..فوضعت يديها على خصرها وانحنت بجذعها قليلًا وهي تقول بعند : 

-لاء مش هلبسه يا ست هانم 

لتقول هي الأخرى بإصرار : 

-كل اللبس لازم أشوفه عليكِ

نفذت رغبة الصغيرة مضطرة.. وتقدمت نحوها وأخذت الفستان ودخلت إلى المرحاض ورفعته على أنفها لتجد عطر رحيم فخرجت شهقة خفيفة من بين شفتيها ودفنت أنفها في الفستان تستنشق عطرة الرجولي بعمق.. لتشعر وكأن قدميها تركت الأرض ورحلت إلى مكان بعيد يدعي الحب والجمال وكل شيء رائع ..ثم بدلت الفستان بذلك الفستان الأنيق واللون الأسود يعطي له سحر خاص.. 

ثم خرجت وهي ترفعه من الأمام واضعه الشيفون على معصم يدها.. اتسع فاه الصغيرة وصفقت بسعادة وهي تقول : 

-حلو اوي ..ارجوكِ روحي بيه 

تنهدت بعمق ثم وقفت أمام المرآة لترى الفستان حقـًا رائع ويجعلها كالأميرات ..ثم حركت رأسها موافقة على أنها ستذهب به إلى الحفل ثم بدلت الفستان ورتبت كل شيء كما كان وخرجت برفقة أشرقت متجه صوب غرفة سفرة الطعام.. 

كان رحيم جالسـًا على رأس السفرة وريان على المقعد المجاور له ..فجلست ندى أمام ريان وأشرقت على المقعد المجاور لها وبدأوا في تناول الطعام في صمت وكلما تذكر رحيم كلمة " متعجرف " يبتسم داخله وتظهر ابتسامة عيناه الساحرة ..فيما نظرت ندى إلى ريان للحظات حتى نظر إليها فرفعت مقلتيها وأخرجت لسانها بحركة طفولية لتخرج ضحكة تلقائية من بين شفتيه.. 

لينظر رحيم إليه في تعجب ثم نظر إلى ندى فنظرت إلى الطبق الذي أمامها وهي تحمحم ..فارتفع حاجبيه قليلًا ثم تناول طعامه في صمت وبعد أن انتهى نهض مغادرًا الغرفة وبدأت مشاكسات ندى مع الاطفال بأريحية.. 


" بعد مدة من الزمن.." 


رن جرس الباب فكانت ندى متجه صوب غرفتها لتجهز نفسها للحفلة ولكن غيرت مسارها إليه وقامت بفتحه.. لتجد شاب يعطي لها جراب بدلة فأخذتها وطلب منها أن تمضي على الاستلام وهو يخبرها بأن تم دفع الحساب ..مضت على أنها استلمت ليغادر وأغلقت الباب ثم فتحت سحابة الجراب لترى بدلة سوداء أنيقة من ماركة معروفة ومشهورة ويبدو أنها باهظة الثمن.. 

أغلقت السحابة ورفعت مقلتيها إلى الأعلى ثم صعدت إلى الطابق الثاني و وقفت أمام غرفة رحيم التي لم تدخلها من قبل ..شعرت بقشعريرة في جميع مفاصل جسدها واضطرابات في معدتها لتبتلع لعابها بتوتر ثم قرعت الباب مرتان ولم تستقبل رد.. 

فمسكت بمقبض الباب لتديره ببطء وأدخلت رأسها فقط تنظر في جميع أنحاء الغرفة لم تجده.. فدخلت بخطوات بطيئة حتى وصلت إلى الفراش لتضع البدلة عليه بلطف ثم رفعت رأسها لترى ورق حائط خلف الفراش لونه أسود وغصون شجرة بلون رصاصي متفرعة.. ونظرت حولها لتجد لون الحائط أبيض وستائر الشرفة سوداء ومشاية رياضية وأيضـًا  شيئـًا معلقـًا  لتقوية عضلات ذراعيه.. 

أعجبت كثيرًا بنظام الغرفة الرائع و راقت لها كل تفاصيلها ..وعلى يمينها مكتبه طويلة تصل إلى السقف ممتلئة بالكتب وأمامها مقعد على شكل كتاب.. تبادلت نظراتها بين المقعد والباب تود أن تخرج قبل ان يأتي رحيم وفي نفس الوقت تود أن تجلس على ذلك المقعد الراقي.. 

حسمت قرارها وتقدمت صوب المقعد وتحسست عليه بإعجاب شديد ..فيما فتح رحيم باب المرحاض وهو يجفف شعره بالمنشقة مرتدي سروال قطني وعاري الصدر ..نظر أمامه ليجد ندى فرفع حاجبيه في دهشة ثم تقدم نحوها ببطء شديد كانت تواليه ظهرها ولم تنتبه له حتى وقف خلفها لتستنشق رائحة غسوله الرجولي عن قرب فجحظت عينيها وهي تهمس بتوتر :

-يا رب تكون مجرد تخيلات بس مش أكتر 

وصل همسها إلى مسامع أذنيه فلاحت ابتسامة على شفتيه واختفت بنفس سرعة ظهورها وألقى بالمنشقة على المقعد ..فشهقت برهبه مستديرة إليه لتستقر عيناها على عضلات صدره البارزة وأخذ صدرها يعلوا ويهبط وتلهث بصوت مسموع.. ثم أغمضت عيناها بقوة وقد اصطبغا وجهها بحمرة الخجل وشعرت وكأن الأرض غير قادرة على أن تحملها فكادت أن تسقط ألا  رحيم احاط خصرها بذراعه الرجولي القوي مقربـًا إياها منه أكثر.. 

رفعت رأسها إليه لتتقابل عيناهم التي تنطق بالعشق الذي يمكث في قلب كل منهم للأخر ..رأى عنقها يتحرك بتوتر شديد فرفع مقلتيه إلى مقلتيها ثانية فقالت بشفتين مرتعشتين : 

-أ أسـ أسفه ..

وجد نفسه يفحص كل خلجةً من خلجات وجهها عشقـًا رغمـًا عنه فاعتذرت له ثانية ليفيق على نفسه مثبتا مقلتيه على مقلتيها التي أخذته إلى عالم أخر وتساءل بصوته الرجولي : 

-بتعملي أي هنا ؟! 

ذلك الصوت الرجولي الذي خطف قلبها وانفاسها فاستمع إلى صوت أنفاسها السريعة وأخذت فقط تحرك شفتيها دون أن تتحدث وكأن الحديث توقف في حلقها.. فحرر خصرها من قبضته فتراجعت للخلف وأشارت إلى الفراش بيد مرتعشة قائلة بنبرة مرتعشة أكثر من يدها : 

-الـ ...الـ بـ بدله 

رفع  حاجبه اليسار ناظرًا إلى ما تشير إليه ثم نظر إليها بثقل قائلًا بنبرة ثقيلة : 

-متشكر 

اومأت بخفة وخرجت مهرولهً مغلقةً الباب خلفها لتستند بظرها إلى الحائط المجاور له واضعة يدها أعلى صدرها تلتقط أنفاسها بهدوء تام.. ثم مسحت على وجهها وهبطت الدرج وركضت إلى غرفتها ودخلت مغلقة الباب خلفها.. ثم دلفت إلى المرحاض لتضع جسدها أسفل الماء كي تهدأ قليلًا ولكن مازال التوتر مستحوذا على جسدها بأكمله.. 

بعد ساعة تقريبـًا كان رحيم مستعدًا للذهاب بالبدلة السوداء الأنيقة واسفلها قميص أبيض براق تاركـًا ازراره العلويه  مفتوحةً ومصفف شعره بشكل رائع ولم تكتمل أناقته إلا بوضع عطره الرجولي المميز.. ألقى نظرة على غرفة ندى يود أن تأتي معه ولكن كبريائه يمنعه من أن يطلب منها أن يرافقها إلى الحفل.. 

ثم فتح الباب وخرج ليجد السائق يفتح له الباب الخلفي ليدخل السيارة بشموخ ويغلق السائق الباب ثم جلس أمام المقود مغادرًا به إلى الحفل.. 


بعد دقائق قليلة ارتدت ندى الفستان الاسود البراق ..مجسم.. بشكل سبعه من عند الصدر ولكن لم يظهر شيئـًا سوى عنقها ذات حملات عريضة من الشيفون وذيل بدايته من كتفيها إلى الأسفل.. زينت عيناها بكحل أسود وعلى شفاها لون هادئ ثم ارتدت قلادةً بسيطة تحمل قلب أزرق صغير ثم رفعت شعرها القصير على هيئة كعكة بعد أن قامت بتجفيفه ويخرج من تلك الكعكة الصغيرة بعض خصلات شعرها وهذا يروق لها وفرقعت بين قصه شعرها لتبقى على جانبي وجهها.. 

تنهدت بعمق ثم ارتدت حقيبة صغيرة لونها بلون الفستان وخرجت تنادي على كلًا من السيدة وفيه وأشرقت وريان ..وقفت أشرقت تنظر إليها بذهول من كثرةِ جمالها واضعة يديها على ثغرها ثم قالت : 

-واو ..واو جميلة جدًا

انحنت بجذعها لتقبلها على وجنتها ثم نظرت إلى ريان لتأخذ رأيه فقال بثقل : 

-حلوه 

زمت شفتيها للحظات ثم ضحكت وهي تحرك رأسها في كلا الاتجاهين ثم أخذت رأي السيدة وفيه لتخبرها بأنها حقـًا رائعة ..فتمتمت بالشكر لهما ثم خرجت وهي تودعهم بيدها ..ثم استقلت سيارتها وغادرت إلى وجهتها بكل حماس.. 


" بالحفل.. "


وقفت سيارة رحيم لتتجه الأضواء والكاميرات إليه فتح السائق الباب وبمجرد أن وضع قدميه على الأرض بدأت الكاميرات في التصوير.. ثم خرج ليستقبله صديقه.. ورافقه إلى الداخل والأضواء مسلطة عليه وحاول الكثير أن يعقدوا معه لقاء ولكن رفض الأن ودخل إلى الحفلة مباشرةً ..كان يصافح كل من يأتي ويهنئه مقدمـًا على نجاح الشركة والحفلة .. جلس أمام طاولته بشموخ واعتزاز وجلست مديرة مكتبه على المقعد المجاور له وحوله بعض الأصدقاء.. 


" بالخارج.." 


صفت سيارتها خلف أحد السيارات وترجلت لتقف تنظر إلى باب الدخول وهي تشعر بالقلق والتوتر ..فهي لا تعرف أحد سوى رحيم المتعجرف الذي رفض أن يأخذها معه ..زفرت بحنق عندما تذكرته وأصرت أن تعاند معه واتجهت صوب الباب.. استمعت إلى صوت شخص يناديها فتوقفت عن السير مستديرة له ..لترى ذلك الشاب ثانيةً والذي وقف أمامها ينظر إليها بإعجاب واضح قائلًا : 

-شكـلك جميل جدًا.. 

نظرت إلى فستانها بابتسامةٍ متمتهً بالشكر ..فأشار إلى الداخل متسائلًا : 

-تسمحيلي ادخل معاكِ الحفلة ؟! 

اومأت موافقة ثم تساءلت عن أسمه اولًا ليخبرها بأنه يدعى " وائل " ثم سارت بجواره ودخلا الحفل معـًا وأشار إلى إحدى الطاولات العالية ذات مقاعد عالية عازمـًا عليها بالجلوس.. 

مسك بيدها حتى رفعت نفسها لتجلس على المقعد وجلس على المقعد المجاور لها ..بحثت بعينيها عن رحيم حتى رأته وبجواره فتاة جميلة فجزت أسنانها وشعرت بالغيرة للمرة الأولى ..فيما وقف أمامهم واحدًا من الذين يقدمون المشروبات و وضع كأسين من مشروب التفاح وغادر.. أمسكت بالكأس تضغط عليه بقوة حتى ابيضت أنامل يدها وخرجت شهقة من بين شفتيها عندما اقتربت من أذنه لتهمس بكلمات تجهلها.. 

ثم انطفأت الأضواء القوية لتضيء أضواء خفيفة وبدأ عرض الأزياء والجميع منشغلون به عدا ندى التي مازالت تنظر إلى رحيم بحنق بفضل غيرتها التي حتما ستوقف قلبها عن النبض ..واعترفت بينها وبين نفسها أنها تغار عليه حقـًا و تود أن تمزق تلك الفتاة إلى أشلاء.. تناولت القليل من العصير لكي تهدأ قليلًا وأشاحت بوجهها بعيدًا حتى لا تغضب أكثر.. 

انتهى العرض المثالي ليصفق الجميع بحرارة ..ثم صعدت مديرة مكتب رحيم إلى المنصة لتشكر الجميع على الحضور أولًا ثم قدمت مستر رحيم لينهض من مكانه وصعد إلى المنصة بشموخ واعتزاز تحت أنظار الجميع والأضواء المسلطة عليه ..تنحت الفتاة جانبـًا و وقف رحيم يشكر الجميع بصوته الرجولي الذي يخطف القلوب ثم شكر مديرة مكتبه كثيرًا.. ثم قدم شكر خاص إلى مصممين الأزياء المعروفين وصعد الخمسة إلى المنصة بعد أن طلب منهم وكانوا ثلاثة من النساء واثنان من الرجال ..صفق الجميع لهما بحرارة وبدأت المحادثات الصحافية مع رحيم ليجيب على الأسئلة بوضوح ولكن بعيدًا عن حياته الشخصية..

ثم عاد إلى مكانه لتبدأ حفلة الرقص ..طلبت منه المساعدة أن يشاركها بالرقص ولكنه رفض وبدأ ينظر حوله بحثا عن ندى حتى رآها تضحك وتتحدث مع ذلك الشاب ..وفي لحظة لامعت عيناه بلمعة الغيرة ينظر لهما  بنظرات تقسم الحجر إلى نصفين ..ثم نظر إلى الأمام قاطبـًا حاجبيه بقوة ليجد نفسه ينظر إليها ثانيةً وقد رفع حاجبه الأيمن  قابضـًا قبضته يضرب بها على حافة الطاولة ببطء ولكن بغل ..وحتمـًا سيكسر عظام ذلك الشاب الذي تطاول معها كثيرًا..  

جحظت عيناه بغيرةٍ بالغةٍ عندما رأه يضبط لها كتف الفستان فنهض عن مقعده متجه نحوه بخطوات واسعة بعينين مشتعلتين وكأن الجحيم سكانهما.. وقف أمام الطاولة واضعـًا  قبضته عليها لينظر وائل إليه فيما نظرت ندى إلى قبضة يده أولاً ثم رفعت عيناها إليه ببطء لتتقابل مع ذلك الوجه الحاد والذي يبدو عليه الغضب الشديد ..قال بصوت عنيف : 

-تعالي معايا 

ابتلعت لعابها بصوت مسموع واستأذنت من وائل ليرمقه رحيم بنظرة قاتلة فيما نهضت ندى فأمسك بمعصمها واتجه صوب الباب الثاني ساحبـًا إياها خلفه فرفعت الفستان من الأمام قليلًا حتى لا تتعثر به ..ثم دخل إلى إحدى الغرف التي بها التصاميم الجديدة ..وجعل ظهرها يلتصق بالباب واضعـًا يديه بجوار رأسها وتساءل بصوت رجولي : 

-قاعده معا ليه ؟! 

في لحظة تذكرت حديث السيدة وفيه وبرغم ما تشعر به من توتر وارتباك قررت أن تعاند معه وأجابت ببرود : 

-صديق ..عارف اني ماعرفش حد هنا فقرر يقعد معايا 

جز أسنانه حتى سمع  صريرها واقترب منها برأسه حتى اقتربت شفتيه من أذنها فابتلعت لعابها بصوت مسموع والتقطت أنفاسها بإضراب مع قشعريرة في جسدها لقربه منها لهذه الدرجة مستنشقه عطره الرجولي عن قرب لتتوتر معادتها ..فيما استنشق عطرها الذي حرك قلبة قبل مشاعره هامسـًا  : 

-هتخرجي معايا وتقعدي جمبي ..مفهوم ؟ 

ثم ابتعد عنها قليلًا لينظر إليها عن قرب حتى كاد أن يلصق أنفه بأنفها هابطـًا بمقلتيه إلى شفتيها لتشعر بالخجل وتوهجت وجنتيها وهي تومئ بالموافقة فابتعد عنها وهو يشير بيده أن تبتعد عن الباب فابتعدت وقام بفتح الباب ليخرج عائدًا إلى الحفل ..

فيما وقفت واضعة يدها أعلى صدرها وابتسمت تدريجيًا فقد تيقنت أنه يغار عليها حقـًا.. خرجت بابتسامة واسعة متجه نحو وائل لتأخذ الحقيبة واستأذنت منه وكل هذا تحت أنظار رحيم التي تشبه شرارات الجحيم ..قال وائل : 

-ممكن ترقصي معايا بس الأول 

ثم مد يده إليها فتنهدت بصوت مسموع وبعد لحظات من التفكير وافقت أن تشاركه بالرقص.. وضعت الحقيبة كما كانت ومسكت بيده متجهان نحو ساحة الرقص و وقفت أمامه واضعه يديها على كتفيه ليضع يديه على خصرها.. أغمض رحيم عيناه بقوة قابضـًا قبضته هامسـًا بنبرة رجولية ثقيلة : 

-الـ.. الغبية.. العنيدة 

ثم نظر إلى مديرة مكتبه و وافق أن يرقص معها فسعدت كثيرًا ونهضت معه واتجها نحو ساحة الرقص و وقف ماسكـًا يدها واليد الأخرى على خصرها وهي وضعت يدها الأخرى على كتفه.. بدأت تتمايل معه على أغنية هادئة رائعة تحرك المشاعر ..وعيناه مسلطة على تلك العنيدة الصغيرة والتي رأته يرقص مع الفتاة الجميلة لتشعر بالغيرة المفاجئة وكأن قلبها توقف عن النبض ..فيما تركت الفتاة يده لتضعها هي الأخرى على كتفه وتقترب منه أكثر حتى تعانقه مقربة أنفها من وجنته تستنشق عطره الرجولي فجزت ندى أسنانها واشاحت بوجهها بعيدًا.. 

تبدلت الأغنية بأغنية أخرى هادئة فتوقف رحيم عن الرقص متجه نحوهم ماسكـًا بيد الفتاة و وقف قابضـًا على معصم ندى ليزيح يدها عن كتفه وقال من بين أسنانه : 

-هرقص أنا مع ندى 

ثم ترك يد الفتاة ليأخذ ندى بعيدًا تاركـًا إياها تنظر إليه في ذهول وأيضـًا وائل مندهشـًا ثم أمسك بيد المساعدة ليرقص معها ..بينما وضع يدي ندى على كتفيه وأحاط خصرها بيده بعنف قطبت حاجبيها وهي تنظر إليه بحنق وتساءلت : 

-مش فاهمة أنت ليه بتعمل كده ؟!

نظر إليها بهدوء على عكس النيران المشتعلة داخل قلبه وتحدث بالهمس ولكن بصوت خشن :

-احترمي البيت اللي أنتِ خارجة منه ..وائل شافك عندي يعني قربتي فمينفعش ترقصي معاه

قال هذه الكلمات مخبئا غيرته خلفها ولكن هي تفهم جيدًا أنه يغار عليها ومع ذلك اومأت بالفهم وتمتمت بالاعتذار ..فتنهد بعمق وقربها إليه أكثر حتى التصقت في صدره وانفها كاد أن يلتصق في أنفه لتشعر بالخجل الشديد وصدرها يعلو ويهبط برهبة ..ومقلتيه تتفحص ملامح وجهها بتمعن فابتلعت لعابها بصوت مسموع وعندما شعر بتوترها رفع يده و وضع كفه على يدها اليمنى التي على كتفه ليشعر ببرودتها العالية واضعـًا وجنتيه بجوار وجنتها ..فهدأت قليلًا عندما اختبأت من نظراته وتمايلت معه على الاغنية بأريحية ..وجد نفسه يهمس في أذنها بنبرة رجولية ثقيلة : 

-أنتِ جميلة جدًا يا ندى.. 

مسح على ظهر يدها الناعمة بأنامله  متابعـًا : 

-تخطفي القلوب.. 

جحظت عيناها في ذهول مما تسمعه أذنيها لا تصدق أن رحيم هو الذي يخبرها بكلمات مثل هذه ..وفي لحظة اهتز قلبها قبل جسدها عندما شعرت بدفء شفتيه الممزوجة بلحيته السوداء الجذابة على ظهر يدها ..فطبع قبلة رقيقة على ظهر يدها استمرت للحظات مستمتعا بنعومة يدها على شفتيه.. 

سحبت يدها من يده في توتر لتتشبث في بدلته من الأمام فنظر إليها قاطبـًا  جبينه محاولًا أن يرى عيناها فكم يبدو سعيدًا عندما يراها ضعيفة بين يديه مستسلمة لكلمات عشقه لهذا الحد.. ولكن استندت بجبينها على كتفه لم تستطيع أن تنظر إليه فوضع يده على خصرها ناظرا إلى يدها المتشبثة في بدلته بابتسامة خفيفة على شفتيه ثم همس بالقرب من أذنها : 

-ندى بصيلي 

صعقت من طلبه وفي لحظة تجمعت حبات العرق الباردة على وجهها وهي تومئ بالنفي وأخبرته بأنها إن لم تجلس الأن ستسقط من بين يديه ..قطب  حاجبيه وشعر أن جسدها حقـًا  يبدو ثقيلًا فابتعد عنها وسار جاذبـًا إياها خلفه شاعرًا ببرودة يدها العالية مما جعل قلبه يقلق عليها كثيرًا.. 

أخذها إلى حيث يجلسون عارضات الازياء واجلسها على الأريكة.. فبدأت تمسح على ذراعيها واسنانها تضرب في بعضها البعض فطلب من أحدهم أن تحضر مشروب دافئ.. ثم خلع معطفه وساعدها في ان ترتدي فشعرت بالأمان بكونها داخل معطفه الذي كان يرتديه منذ لحظات.. 

جلس إلى جوارها ومسك بيدها التي تشبه الثلج وضعها بين كفيه  يمسح عليها فيما لفت أنظار عارضات الازياء وبدأت الهمهمات والهمس الجانبي "من تكون تلك الفتاة ليعاملها رحيم بهذا الحنان ويعطيها معطفه ؟! " هذا السؤال تكرر بينهم ولم يجدوا له إجابة ..جاءت الفتاة أعطت له المشروب الدافئ فأخذه ليعطي إلى ندى وتناولت أول رشفة ثم وضعت الكوب أعلى المنضدة المقابلة لها.. فيما لاحت ابتسامة على عيني رحيم وهمس بصوته الرجولي : 

-ماكنتش أعرف أن كلماتي تأثيرها عالي كده 

ابتلعت لعابها بصوت مسموع وهي تومئ بالنفي وتحدثت بصوت مبحوح من فرط التأثر : 

-لاء أنا بس حسيت اني بردانة 

وافق على حديثها بالرغم من أنه يعلم أن كلماته هي التي أثرت عليها ..وقال بمكر قاصدًا أن يوترها : 

-عيني في عينك كده 

أغمضت عينيها بقوة وأشاحت بوجهها بعيدًا فضحك داخله لتظهر شبه ابتسامة على ثغرة.. فيما دخل وائل كي يطمئن على ندى فنظر إليه وقد تحولت ملامحه إلى ملامح قاتلة ونهض فجأة وهو يجيب على سؤاله بحده بدلا من ندى : 

-ندى بخير.. هي بس داخت شوية ودلوقت هنروح 

ثم مسك بيدها لينهضها فقال وائل مربتـًا على ذراعها بلطف : 

-سلامتك يا ندى

ابتسمت متمته بالشكر ثم سارت بجوار رحيم وطلب منها أن تقف جانبـًا ثم ذهب إلى صديقه ليخبره بانه مضطر أن يذهب وهو مكانه الأن.. ثم اتجه صوب الطاولة التي كانت تجلس عليها ندى من أجل حقيبتها ولكن كان وائل أسرع منه فأخذ حقيبتها وعاد إليها تحت أنظار رحيم الذي توقف عن السير ورأى وهو يعطيها الحقيبة فابتسمت له ابتسامة رائعة جعلت قلبه ينتفض ويخرج من بين ضلوعه متوعدًا لذلك الشاب بالقتل إذا تحدث معها ثانيةً ..ثم تقدم نحوها وقبض على يدها مشددًا عليها وأخذها وغادر تاركـًا وائل ينظر إليه ببعض من الدهشة حتى اختفوا من أمامه.. 

أما في الخارج جلب السائق السيارة فطلب من ندى مفاتيح سياراتها لتأخذها من الحقيبة و وضعتها على راحة يده.. فأعطاها إلى السائق طالبـًا منه أن يعود بسيارة ندى لينفذ رغبته فورًا.. ثم فتح الباب الأمامي لتدخل ندى واغلق الباب ثم اتجه إلى الباب الثاني ليجلس أمام المقود ..فرمقته ندى بنظرات سريعة وهي تتساءل : 

-بتعرف تسوق ؟! 

شعر بالبلاهة من سؤالها ثم شغل السيارة وأجاب بجدية مصطنعة : 

-لاء ..أنا بتعلم ذاتيـًا 

اتسعت عيناها وفتحت الباب فأسرع رحيم بإغلاق الباب واوصده فقالت ندى بخوف ممزوج بالبلاهة : 

-مش عايزة أموت.. مش عايزة أموت 

لم يستطيع أن يكتم ضحكاته أكثر فانفجر ضاحكـًا وهو يلقبها بالمجنونة ثم تحرك بالسيارة.. فيما شردت ندى في ضحكاته التي اخترقت أذنيها وكأنها تستمع إلى لحنًا رائع لم ولن تستمع له من قبل.. حقا شيء رائع وتتمنى لو ضحك ثانية لتسجل ضحكاته وتنصت لها في الصباح والمساء وفي كل وقت لتشعر بتلك الراحة ثانية.. 

نظرت إلى الأمام لتنتبه من قيادته الهادئة الرزينة لتخبر نفسها أنه مميز في كل شيء حتى في طريقة قيادة للسيارة.. لاحت ابتسامة على ثغرها مستنده بظهرها إلى المقعد مستمتعة بقيادته التي تحرك السيارة بل وتحرك قلبها الذي ينبض بعشق ذلك الرجل الجذاب ..قطع أفكارها بسؤاله وهو ينظر إلى الأمام : 

-أحسن دلوقتي ؟

لتنظر إليه بلهفة ثم اعتدلت في جلستها وهي تقول بخجل : 

-أيوه أحسن.. أسفه عشان خليتك تسيب الحفلة 

ليقول بعدم اهتمام : 

-ولا يهمك أنا كنت همشي بدري لأني ماليش في جو الحفلات 

اومأت بالفهم وأطرقت رأسها تنظر إلى أصابع يديها التي تفرك بهما بتوتر ..وحالفهم الصمت حتى وصل إلى المنزل فترجلت مهروله إلى الباب فأوقفها بصوت هادئ : 

-استني يا ندي معايا مفتاح 

حركت رأسها موافقة فترجل من السيارة ليأتي السائق واعطى له مفتاح ندى وغادر ..ثم وقف رحيم يفتح الباب اولًا ثم أعطى لها مفتاح السيارة فأخذته متمته بالشكر ثم دخلت متجه نحو غرفتها بخطوات واسعة لتختبئ داخلها من نظراته فابتسم وهو يغلق الباب ثم صعد إلى غرفته.. 

فيما دثرت ندى نفسها في الفراش دون أن تبدل ثيابها تضم معطفه إليها مستنشقه عطره الرجولي الساحر الذي خطف روحها ثم اغمضت عيناها لتذهب إلى النوم بأريحية وابتسامة مزينة ثغرها.. 


ذهب الليل سريعا ليأتي النهار ودقت الساعة التاسعة والنصف صباحا كان قد استيقظ رحيم وتناول فطورة ثم جلس داخل غرفة مكتبه يتابع عمله من خلال الحاسوب ويحتسي قهوته.. والتي تذكرة بعيون تلك الفتاة الرائعة التي تأثرت من كلماته البسيطة.. وعندما تذكر حالتها الليلة الماضية تبسم مما اختفت ابتسامته بعد لحظات بعد أن استمع صوت في الخارج فتناول أخر ما في القهوة ونهض ليخرج من الغرفة تفاجأ بعودة والدته ومعها شقيقه الأكبر علاء.. 

"يبلغ من العمر أربعون عامـًا وسيم يمتلك عينين تشبه عيون رحيم نوعـًا ما ولحية سوداء تتزين بالقليل من الشعيرات البيضاء المتناثر وشعره أسود كثيف مع قليل من الشعر الأبيض الذي يعد على الاصابع وهذا يجعله أكثر جاذبية.." 

كانت السيدة وفيه تعانق نجلاء هانم وسعيدة حقا بعودتها ثم ابتعدت عنها لتصافح علاء.. تنحنح رحيم فنظروا إليه ثم تقدم نحو والدته التي قابلته بالعناق وتبادلا الإثنان بالاشتياق ثم قبل يداها واقترب من شقيقه ليعانقه قائلًا : 

-حمد الله على سلامتك علاء 

أبتسم قائلًا : 

-الله يسلمك يا رحيم 

ثم جلسوا على أقرب أريكة فيما جلس رحيم على المقعد المجاور للأريكة يتناقش معهم حتى قالت والدته بسعادة : 

-علاء خلاص قرر يقعد هنا.. 

نفخ علاء في شدقيه بسأم واضعًا ساقه فوق ركبته الأخرى فيما تابعت والدته بحماس : 

-هيشتغل معاك في الشركة كمان 

تبادلت نظراته بين شقيقه و والدته في تعجب متسائلًا : 

-يشتغل أي يا أمي ؟! ..هو علاء يعرف أي عن الشركة ؟! 

أبتسم علاء بخفة ساخرة فيما شعرت والدته بالحزن وقالت بهدوء : 

-أنت ناسي أن أخوك متخرج من كلية التجارة يعني يمسك حسابات الشركة 

أخذ يضرب بقبضته على يد المقعد الجالس عليه وتحدث بهدوء ولكن بحده : 

-أنا عندي محاسبين يا أمي 

-خلاص يا رحيم يبقى يمسك مصنع الازاز بتاع والدك الله يرحمه .. أنت أصلا مش فاضيله

لينظر إليها  قاطبـًا حاجبية قائلًا بتأكيد : 

-لاء طبعا فاضيله ومهتم بيه زيه زي شركتي.. 

ثم نظر إلى علاء بعدم ارتياح لعمله في المصنع فهو يعلم جيدًا أن أخيه لا يحب العمل ومهمل أيضـًا وقال حتى لا تحزن والدته : 

-حاضر ..أنا هكلم انكل مختار يستنى بكره ويعلمه شغل المصنع ماشي ازاي 

اتسعت ابتسامتها فخورة بابنها الصغير كثيرًا ..في حين خرجت ندى من غرفتها مغلقة الباب خلفها لينظروا إليها وهي تفرد ذراعيها للأعلى ثم نظرت أمامها لتتفاجأ بهم وشعرت بالارتباك فقال رحيم بجمود : 

-تعالي يا ندى سلمي على أمي وعلاء اخويا الكبير.. 

تقدمت نحوهم وهي تنظر إلى الأرض ومازالت تشعر بالخجل من رحيم ولا تود أن تنظر إليه فكلماته مازالت مأثره على قلبها كليـًا ..وقفت ومدت يدها إلى والدته لتصافحها نجلاء ورحيم يقول دون أن ينظر إليها : 

-ندى يا أمي المربية الجديدة 

لتقول بابتسامة واسعة : 

-أهلا يا حبيبتي ..الأولاد عاملين أيه معاكِ ؟!

نظر رحيم إليها قاطبـًا  جبينه وأجاب بدلًا منها وبنبرة اعجاب واضحة : 

-ندى ما شاء الله تتحب يا أمي ..الأولاد بيحبوها جدًا  

ابتلعت لعابها بصوت مسموع فصوته يخطف قلبها في لحظة لتشعر بثقل جسدها ثم تركت يد والدته التي تهنئها على حب الأولاد لها ..فيما مد علاء يده إليها وهو يفحصها كليا بإعجاب فصافحته بابتسامة متوترة وشعرت بيده تضغط على يدها لتختفي ابتسامتها فجأة وهو يقول بغزل : 

-أول مرة أشوف مربية بالجمال ده 

ضيق رحيم عيناه ينظر إلى شقيقه بنظرة قاتلة فيما سحبت ندى يدها تضمها إليها متمته بالشكر فقال رحيم بصوت رجولي عنيف : 

-ندى اطلعي صحي الأولاد 

انتفض بدنها من صوته العنيف ناظرهً إليه بعدم وعي فيما أنتبه علاء لانتفاضة بدنها فقال ببرود وصوت ملئ بالوقاحة : 

-براحه على الحلوة الناعمة يا رحيم 

جز أضراسه حتى تحرك صدغاه وهم بالوقوف فجأة و.. 

اذكروا الله يا جماعة الخير 💙💙.. 


"المشهد 7.. "


" اعتراف.. "

هم بالوقوف فجأة وقبض على معصم ندى فتأوهت بخفة وهو يقول بحده : 

-بقول اطلعي صحي الأولاد ! 

ثم تركها فأمسكت بمعصمها واتجهت نحو الدرج مهرولة لتنفذ رغبته فقالت والدته بتذمر : 

-رحيم بلاش المعاملة دي 

مسح على جبينه واستدار بكلته لينظر إليها وهو يومئ بالإيجاب ثم عاد إلى المقعد ليجلس عليه متسائلا :

-حضرتك عايزة مفتاح بيت بابا ولا معاكِ نسخة ؟! 

لتجيب عليه بتلقائية : 

-لاء يا حبيبي مش محتاجين نروح البيت ..أنا هسافر كندا بكرة زيارة علشان اشوف أختك وعلاء هيقعد معاك 

نظر رحيم إلى شقيقه الذي يبدو عليه الحنق ثم أومأ بالموافقة مضطرًا.. ونهض وهو ينادي السيدة وفيه لتأتي فورًا وطلب منها مرافقة والدته إلى غرفتها وعلاء إلى إحدى الغرف الزائدة ثم عاد إلى المكتب يتابع عمله.. 


" بعد مدة من الزمن.. "


كانت ندى حبيسة غرفتها تاركة الاطفال مع جدتهم.. تركت العنان لتفكيرها في الليلة الماضية وحديث رحيم لها لتتذكر معطفه الذي يزين الدولاب.. فنهضت عن الفراش متجه نحو الخزانة لتقم بفتحها وتأخذ المعطف تحسس عليه بيدها الأخرى ثم ضمته إليها مستنشقه عطره الخيالي ..وأخذته حجه للتحدث معه فخرجت من غرفتها أخيرًا متجه نحو غرفة المكتب و وقفت أمام الباب لتستمع إلى صوت الطفلان من الخارج يتحدثون إلى جدتهم عن كل شيء وأخبرتها أشرقت أنها تحب ندى كثيرًا وكثيرًا.. فلاحت ابتسامة واسعة على ثغرها ناظرة اتجاه اليسار وهو اتجاه الحديقة ثم قرعت الباب وفتحته بعد أن أذن بالدخول.. 


دخلت مغلقة الباب خلفها لتجده يدخن سيجارته بعنف ناظرًا إلى شاشة الحاسوب ..وقفت أمام المكتب وقد اختفت ابتسامتها تدريجيـًا عندما رأت المطفأة ممتلئة بالسجائر ثم أطرقت عيناها وهي تقول : 

-جبتلك الجاكيت وشكرًا لحضرتك 

نفث دخان السيجارة ثم اطفأها في المطفأة وهو ينظر إليها  بنظرات قاتلة متسائلًا بنبرة ثقيلة : 

-أي اللي بينك وبين وائل عشان يتصل ويطمن عليكِ ؟! 

رفعت عيناها إليه بلهفة و وجدت نفسها تومئ بالنفي وأجابت بهدوء : 

-لاء مفيش حاجة بينا خالص 

جز أسنانه ونهض متسائلًا بعصبية مفرطة : 

-ليه بيتصل يسأل عليكِ ؟! ..لاء ومن بجاحته بيطلب مني رقمك عشان يطمن عليكِ بنفسه 

شعرت بالتوتر والغضب من عصابيته وقامت بوضع المعطف على المقعد والتفتت متجه نحو الباب وهي تقول بحزن ممزوج بالغضب :

-بعد اذن حضرتك 

ضرب على المكتب بقبضة يده بقوة متحدثـًا بعنف : 

-استني عندك.. 

توقفت عن السير مغمضة عيناها بقوة قابضة قبضتها والتفتت بهدوء دون أن تنظر إليه تاركه العنان لدموعها الخائنة تهبط على وجنتها ..فاندهش عندما رأى دموعها لينتفض قلبه ويشعر بالضعف واستقام ظهره يتنهد بعمق حتى ارتفع صدره وهبط عندما زفر بهدوء ..ثم اتجه نحوها بخطوات سريعة و وقف أمامها قائلًا بنبرة رجولية هادئة : 

-ندى من فضلك متعيطيش 

رفعت رأسها تنظر إليه بعتاب وفي لحظة حرك مقلتيه يمينـًا بعيدًا عن نظراتها فلم يتحمل نظرات العتاب الموجه إليه كالأسهم الحادة لتصيب هدفها جيدًا وهو قلبه ..و وجدت نفسها تتحدث ببكاء هستيري : 

-أنا استحملت كتير ..كتير أوي ..أنت زيك زي بابا بالظبط بيتعصب عليا ومد أيده عليا.. بجد أنا مخنوقة جدًا مش طايقة نفسي ولا طايقة الدنيا.. حرام كفاية بقى 

نظر إليها عاقدًا بين حاجبيه متأثرًا بحديثها وبدون تفكير جذبها إليه ليعانقها بكلتا يديه وضمها إليه بقوة فتشبثت في قميصه من الخلف تبكي قهرًا على حالها ..رفع يده يمسح على شعرها بلطف هامسـًا :

-خلاص اهدي.. ندى.. 

زم شفتيه ولم يكمل حديثه مغمض عيناه بقوة فضمها إليه أكثر حتى شعر وكأنه سيخترق جسدها مستندًا بذقنه على رأسها ..طاب قلبها المجروح تدريجياً وتوقفت عن البكاء فقد شعرت بالراحة عندما بكت داخل عناقه القوي هذا.. لتفيق على نفسها محرره قميصه من قبضتها فابتعد عنها قليلًا واضعـًا وجنتيها بين راحتي يديه ونظر إليها قاطبًا جبينه فخجلت من نظراته لها وأطرقت عيناها وهو يقول بصوته الرجولي الهادئ : 

-أنا مش عايزك تتعرفي على أي حد والسلام ..علشان كده اتعصبت 

مازال يخبئ عليها غيرته التي فاقت حد الجنون ولكن هي تعلم جيدًا السبب وشعرت بالحزن عندما خبأ عليها و وجدت نفسها تقول بتذمر طفولي : 

-لاء قول الحقيقة 

بدأت مقلتيه السوداء تفحص ملامح وجهها عشقـًا واعترف بينه وبين نفسه أنه يغار عليها حقـًا ..ولم يستطع مقاومة هذا الجمال أكثر فقال دون تفكير : 

-الحقيقة اني بغيير عليكِ يا ندى ..ومش عارف السبب 

اصطبغَ وجهها بحمرة الخجل وتوترت معدتها بفضل قلبها الذي انتفض وخرجت شهقة خفيفة من بين شفتيها عندما شعرت بيده الرجولية تمسح دموعها.. فاستدارت بكلتها لتهم بالخروج ولكن كان رحيم أسرع منها بوضع راحته على الباب وباليد الأخرى أدارها إليه ليلتصق ظهرها بالباب.. نظرت إلى الأرض وصدرها يعلو ويهبط برهبة شديدة ..فقال بجدية :

-ارفعي رأسك وبصيلي 

أغمضت عيناها بقوة وهي تومئ بالنفي عدة مرات فلاحت ابتسامةً جانبية على ثغرة ثم أقترب منها حتى أصبحت شفتيه مجاورة لأذنها لتشعر بأنفاسه الساخنة على وجنتها فجزت أسنانها بقوة وتفرك في أصابع يديها وهو يهمس بنبرة ثقيلة :

-أنتِ بتحبيني يا ندى ..

جحظت عيناها مع حبات العرق الباردة التي انتشرت في جميع جسدها.. فاستمع إلى صوت أنفاسها السريعة فهبط بمقلتيه إلى عنقها الذي أصبح براقـًا بفضل العرق البارد الذي انتشر عليه ..ثم عاد بالنظر إليها فأدارت رأسها إلى الاتجاه الأخر وهي تقول بأنفاس متقاطعة : 

-أ أر أرجوك ...سـ سبـ سبني أ خـ أخرج 

رفع يده ليمسح على وجنتها المبللة فأغمضت عيناها بقوة فيما وضع شعرها خلف أذنها هامسًا بحسم : 

-مش هسيبك تخرجي غير لما تحطي عينك في عيني وتعترفي اني كلامي صح 

اومأت بالنفي فابتسم وأصر على أن تنظر إليه فدفنت وجهها في كفيها وهي تقول بنبرة بكاء : 

-مقدرش.. مقدرش 

سحب يديها عن وجهها وضعهما بجوارها ثم رفع يديه وأحاط بهما وجنتيها رافعا رأسها إليه رغما عنها.. فأغمضت عيناها بشكل طفولي فضحك ضحكة خفيفة لترخي أعصابها بمجرد أن سمعت ضحكته التي تعشقها ولكن لا زالت محافظة على إغلاق عيناها فقال بحسم : 

-ندى مش هسيبك غير لما تبصيلي وتقوليلي.. بتحبيني ولا لاء 

نفخت في شدقيها بسأم وقالت بعصبية فلتت منها : 

-يعني مش قادرة ابص لعنيك وحاسة إني هموت ولسه عايز إجابة 

مسح على وجنتها بلطف شاردًا في وجهها الطفولي ثم أقترب منها ليترك قبلة هادئة على وجنتها بالقرب من شفتيها.. فجزت أسنانها بقوة وخرجت شهقة من بين شفتيها وقشعريرة في جسدها ليشعر بها فابتعد عنها وتراجع خطوتين للخلف وانتظر أن تفتح عيناها ولكن مازالت واقفة مكانها كالصنم فرفع حاجبيه متعجبًا وهو يقول :

-خلاص يا ندى اخرجي 

فتحت عيناها ببطء لم تجده أمامها حقا فابتلعت لعابها برهبه و وجدت نفسها تسقط أرضًا واضعة يدها أعلى صدرها ..فهتف باسمها بنبرة تعلوها القلق متقدمًا نحوها ليمسك بيديها لينهضها وأحاط خصرها بيده الأخرى متجه بها نحو الأريكة وجعلها تجلس عليها.. ثم جلس إلى جوارها ممسكًا بيدها الباردة بين راحتي يديه لتشعر بدفئها ..نظر إليها مقطب جبينه متسائلًا بهدوء : 

-ندى ليه كل التوتر ده ؟

وضعت يدها الأخرى على جبينها وهي تومئ بالنفي وقالت بصوت مبحوح : 

-مش عارفه ..مش عارفه ..أنا لازم اروح اوضتي 

ثم نهضت مهروله إلى الباب وخرجت راكضة إلى الغرفة لتختبئ داخلها وجلست على حافة الفراش تنظر إلى الفراغ بشرود وكلماته تتردد في أذنيها بصوته الرجولي الذي خطف قلبها " الحقيقة اني بغيير عليكِ يا ندى "..أخذت تلك الجملة تتردد في أذنيها حتى استوعبتها وألقت بظهرها إلى الفراش تنظر إلى السقف بابتسامة رقيقة.. 

***

مضت ثلاثة أيام لم يحدث شيئًا جديدًا سوى سفر والدته إلى كندا.. وحافظت ندى على ألا ترى رحيم فتشعر بالخجل الشديد ولم تستطيع أن تنظر إليه قط ..كانت تتناول الغداء قبل معاده حتى لا تضطر وتراه على مائدة الطعام ..واليوم ذهبت مع ريان وأشرقت إلى المدرسة بسيارتها فقد أرسلت المعلمة جواب إلى ولي أمر ريان.. 

دعت أشرقت لتدخل إلى فصلها ثم أمسكت بيد ريان واتجهت نحو مكتب المديرة ودخلت بعد أن أذنت بالدخول ..تصافحا ورحبت المديرة بها ثم جلست على المقعد المجاور للمكتب وريان يقف بين قدميها وتضمه إليها وبعد حديث طال بينهم عن ريان ختمت المديرة حديثها بتذمر : 

-دا غير أن واجب الماث يوميًا كاتبه غلط.. ومش بيحفظ دروسه ولو حد من زميله أتكلم معاه بيتخانق معاه

تنهدت ندى بحزن وأخذت تمسح على شعر ريان وقالت بهدوء : 

-اوعدك أن ريان هيتغير تمامًا وهيكتب وجباته صح كمان

-أنا واثقة من كده لان أشرقت اتغيرت تمامًا ولما بتكلم معاها بتحكيلي عنك 

اتسعت ابتسامة ندى ثم استأذنت وخرجت من المكتب بل من المدرسة بأكملها ..توقفت عن السير وجلست على ركبتيها أمام ريان الحزين ومدت له يدها وهي تقول : 

-أي رأيك نروح الملاهي سوى والمقابل انك تسمع كلامي ونكتب الواجب سوى 

نظر إليها للحظات ثم وضع يده في يدها وقال مبتسمًا : 

-ديل ..موافق 

قبلته على وجنته ثم نهضت وفتحت له باب السيارة ليجلس على المقعد و وضعت حزام الأمان عليه ثم اتجهت إلى الباب الثاني لتجلس أمام المقود وغادرت متجه نحو مدينة الألعاب.. 

عند وصولها صفت السيارة داخل المكان المخصص للسيارات.. ثم حررت ريان من حزام المقعد لينزل من السيارة ودخلا إلى مدينة الألعاب.. ثم استقلوا لعبة تسير ببطء ثم تسقط في المياه فأغرقتهم ليرفع ريان يديه يصرخ بسعادة ..ثم ترجلوا منها وندى ترفع شعرها المبلل على هيئة كعكة ثم أخذته واستقلوا الكثير من الألعاب ثم جلسوا لتناول المثلجات والفشار.. 

بعد مضي ثلاثة ساعات تقريبًا نظرت ندى إلى ساعة يدها التي تدق الحادية عشر والربع صباحًا ثم انحنت بجذعها ومسحت على أنف الصغير قائلة : 

-يلا بقى على البيت ترتاح شوية وبعدين نبدأ مذاكرة

حرك رأسه موافقًا وأحاط عنقها بذراعيه الصغيرتين فضمته إليها رافعه إياه عن الأرض فقال بسعادة : 

-شكرًا يا ندى 

-حبيب ندى 

قالت كلماتها وهي تضمه إليها أكثر ثم انزلته برفق وامسكت يده لتغادر المدينة عائدة به إلى المنزل

***

كان رحيم يبحث عنها في جميع أنحاء المنزل فقد شعر بالاشتياق إليها ولم يتحمل فراقها أكثر ..دخل إلى المطبخ يسأل عنها لتخبره السيدة وفيه بانها ذهبت إلى المدرسة لتتابع أخبار الطفلان لترتسم ابتسامة على شفتيه لكونها تهتم بأطفاله بهذه الطريقة ..ثم خرج من المطبخ ليستمع إلى صوت سيارة فعلم أنها ندى فدخل المطبخ ثانية وقال بهدوء : 

-ممكن تعمليلي قهوة وبلاش تطلعي أنتِ علشان تعب رجلك ..ابعتيها مع ندى هي وصلت ..على بس ما اتكلم مع واحد صاحبي في الجنينة 

اومأت موافقة وبدأت في تحضير القهوة فيما صعد رحيم إلى غرفته ولم يتحدث مع صديقه كما أخبرها لتوافق ندى بأن تصعد إلى غرفته بعد أن تعلم أنه ليس داخلها ..فيما دخلت ندى مغلقة الباب خلفها وتركت ريان يصعد إلى غرفته سريعًا ..بينما هي اتجهت نحو المطبخ لتلقي السلام على السيدة وفيه وبعد تبادل السلام قالت وهي تتابع القهوة : 

-ندى معلش طلعي القهوة دي لرحيم بيه في اوضته 

شعرت بالتوتر بمجرد أن سمعت أسمه فقط فماذا عن مقابلتها له وجها لوجه وتساءلت بتوتر : 

-هو ...هو في اوضته ؟! 

أجابت وهي تضع القهوة داخل الفنجان :

-لاء هو في الجنينة هيخلص تلفون ويطلع 


زفرت بهدوء وشعرت بالارتياح قليلًا ثم تناولت صينية القهوة الصغيرة من يدها وخرجت لتصعد الدرج و وقفت أمام الغرفة ممسكه بالمقبض لتديره.. فنهض رحيم عن الفراش سريعًا و وقف خلف الباب ..فيما دخلت ندى مباشرةً إلى الاتجاه اليمين لتضع القهوة على المنضدة الصغيرة الذي أمامها المقعد الذي يشبه الكتاب المفتوح  ..ثم التفتت متجه نحو الباب بخطواتٍ سريعة قبل أن يأتي رحيم ولم تعلم أنه خلف الباب.. وكادت أن تخرج ولكن كان رحيم أسرع منها في إغلاق الباب.. لينتفض جسدها وشهقت بفزع ثم ركضت إلى الباب محاولة فتحه ولكن أمسك بمعصمها ليديرها إليه وجعل ظهرها يلتصق بالباب.. فأطرقت رأسها بتذمر وهو يتأمل ملامحها باشتياق واضح قائلًا : 

-لازم اعمل خطة يعني علشان أشوفك 

شعرت بقشعريرة في جسدها بمجرد أن سمعت صوته التي اشتاقت أذنيها لـ سماعه وقالت بتوتر : 

-عايزة اروح اوضتي أرتاح 

تنهد بسأم ومسح على وجهه ثم قال بتأفف : 

-اعمل اي علشان تتعملي معايا زي الأول؟! 

عضت على شفاها السفلى مغمضة عيناها فاقترب منها وأمسك بيدها رافعا إياها إلى شفتيه ليطبع قبلة رقيقة على راحتها ..لتعشر بدفء شفتيه فجزت أسنانها وحاولت سحب يدها ولكن شدد عليها مثبتا إياها على شفتيه.. ثم وضعها على وجنته لتشعر بلحيته السوداء كم هي ناعمه وتود أن تراها ولكن الخجل يسيطر عليها كليًا ..فيما كان ينظر إليها بجدية الحب المنبعث من عيناه رافعًا يده الأخرى  نحو ذقنها التي أمسك به وقال بجديةٍ ممزوجة بنبرة حب : 

-ندى بصيلي ..بصي لعيوني ..فيها كلام كتير عايزك تقرئيه 

حاولت أن ترفع رأسها ولكن هذا صعبًا عليها حقًا فطلب منها أن تنظر إليه ثانيةً فحركت رأسها بالنفي عدة مرات ثم وجدت نفسها تبكي فتنهد بهدوء وجذبها إليه واضعًا وجنتها اليسار على صدره مستندًا بذقنه على رأسها قائلًا : 

-خلاص بطلي عياط ...بلاش شغل الاطفال ده

قال أخر كلماته بمزاح فتوقفت عن البكاء ورفعت يدها متجه نحو وجنتها وقبل أن تصل إليها كان قد قابضًا على معصمها وابتعد عنها لينظر إليها فأطرقت عيناها وشعرت بأنامله تمسح دموعها وهو يقول بنبرته المميزة : 

-أنا اللي اتسببت في الدموع دي فلازم أنا اللي امسحها.. 

ثم طلب منها أن تنتظر دقيقة وتركها متجه نحو باب خزانة الثياب ودخل.. فنظرت حولها مستنشقه عطره بأريحية واضعة يدها أعلى صدرها.. وعندما عاد رحيم أطرقت رأسها لتشعر بالخجل يتجدد داخلها مسيطرًا على قلبها بقوة ..فيما أمسك الأخير يدها يرافقها إلى الأريكة التي تشبه مقاعد الملوك وجلسوا عليها ثم وضع رابطة عنقه على عيناه وقيدها من الخلف جيدًا حتى لا يرى سوى الظلام ..

أمسك بيدها يرفعها إلى حيث عيناه لتشعر برابطة العنق وهو يقول : 

-يلا يا ندى بصيلي بقلب جامد 

رفعت رأسها ببطء لتنظر إليه أخيرًا لتراه يغطي عيناه.. فلاحت ابتسامة جانبية على ثغرها وأخذت تفحص ملامح وجهه بتمعن واشتياق وهي تخبر نفسها أنها اشتاقت لرؤيته كثيرًا ويتجدد حبه في قلبها في كل دقيقة تمضي عليها ..هبط بيدها إلى وجنته لتحرك أناملها على لحيته الناعمة دون وعي فاقترب منها برأسه حتى أصبحت المسافة بينهم شبه معدومة.. لتختلط أنفاسهم لتصبح واحده رفع يده ليضعها على وجنتها الناعمة.. وأخذ يمررها على وجهها حتى هبطت إلي شفتيها في رحلة إلى عنقها الناعم ليحيط عنقها وهي مازالت شاردة في ملامح وجهه وفاجأها بخطف قبلة من شفتيها بعد أن انحنى برأسه قليلًا ملتصق بأنفه في أنفها بقوة تاركًا يدهَا.. ليضع يده على شعره من الخلف ليفك رابطة عنقه ويزيحها عن عيناه ثم أحاط عنقها بيديه يقبلها بشغف وحب ليس لدية رغبه في أن يبتعد عنها يود أن يظل يقبلها حتى أخر نفس في عمرة.. 


فاقت على نفسها عندما ابتعد عنها ببطء ليأخذ نفسًا عميقاً ثم عاد بتقبيلها ثانية ..جحظت عيناها لتشعر بعدها بقشعريرة في جميع مفاصل جسدها وفي لحظة أغمضت عيناها مغشيه عليها ليشعر بثقل جسدها فابتعد عنها فورًا لتميل رأسها يمينًا ..فربت على وجنتها بلطف يناديها بنبرة قلق واضحة : 

-ندى ..ندى ..بطلي دلع يا ندي..

شعر ببرودة جسدها أسفل أنامله فاتسعت عيناه بقلق نابعًا من قلبه الذي حتما سيتوقف عن النبض ..حملها على ذراعيه واضعًا إياها على الفراش برفق ثم وضع الغطاء عليها وتناول الهاتف ليتصل على دكتور صيدلي قريب من منزله وطلب منه أن يحضر عاجلًا ثم أنهى المكالمة وجلس بجوار ندى ممسكًا بيدها ويمسح عليها و ينظر لها بقلق ..


بعد دقائق رن جرس الباب فعلم بأنه الطبيب وخرج مسرعًا يهبط الدرج بدرجتين فيما خرجت السيدة وفيه من المطبخ متجه نحو الباب فقال مسرعًا : 

-سيده وفيه خليكي أنا هفتح ..

توقفت عن السير تنظر إليه وكادت أن تتحدث ألا أنه تابع : 

-دا صديق ليا جيّلي ..اتفضلي أنتِ 

انتظر حتى دخلت المطبخ حتى لا تعلم شيئًا وتقلق على ندى ..ثم فتح الباب مرحبًا بالدكتور ثم أخذه إلى الطابق العلوي من ثم إلى غرفته وأغلق الباب ..فقام الدكتور بقياس ضغطها وبعد أن انتهى تناول واحده من حبوب الضغط وقال : 

-هي بخير بس ضغطها واطي بسبب توتر شديد.. 

ثم أعطى له الحبه متابعًا : 

-أول ما تفوق تاخدها وهتبقى كويسه ..بس تبعد عن التوتر 

أومأ بالفهم ثم أعطى له المال ورافقه حتى غادر وعاد إلى ندى ثانيةً ..وضع القليل من الماء على يده ومسح على وجنتيها برفق وانتظر لدقائق قليلة حتى بدأت تفتح عيناها ببطء رافعه يدها لتضعها على رأسها.. فلاحت ابتسامة على ثغرة وعندما رأته أمامها شهقت بفزع ورفعت ظهرها عن الفراش محاوله الهرب من نظراته ..فأمسك بذراعيها وهو يقول بجدية : 

-ندى  أنتِ دايخه ..اصبري 

أشاحت بوجهها بعيدًا فتركها وأخرج الحبه من التغليف الخاص بها.. ثم قربها من شفتيها فنظرت إلى يده بلهفة ثم أخذت الحبه وتناولت بعدها الماء.. عندما تذكر هيئتها هم بالضحك داخليًا كاتمًا ضحكته تاركًا أثرها بابتسامة خفيفة على ثغرة ناظرا إلى الأمام.. انتظرت للحظات ثم وضعت قدميها على الأرض وجاءت تقف أمسك بيدها فأغمضت عيناها وهو يتساءل باهتمام : 

-عاملة أي دلوقتي ؟! 

حاولت أن تحرر يدها من يده ولكن تشدد عليها وهي تجيب بارتباك : 

-أحسن ..متشكره 

قطب جبينه بمرح وهمس بجدية : 

-اغمى عليكِ من قبلة واحده.. ماكنتش أعرف أنك رقيقة أوي كده 

ضربته على صدره بيدها الأخرى بطريقة طفولية وهي تقول بحنق : 

-أنت وقح.. وأبعد عني بقى 

لم يستطع كتم ضحكاته أكثر وانفجر ضاحكًا ثم ترك يدها فنهضت تركض إلى الباب لينهض هو الأخير مستديرًا بكلته لينظر إليها حتى خرجت مغلقة الباب خلفها ..وضعت يديها على وجنتيها لتشعر بحرارتها العالية ثم خبأت نفسها في غرفتها وهي تتوعد بأنها ستحاول بشتى الطرق أن تبتعد عنه ولن تراه ثانية ..


" بعد مده من الزمن.." 


موعد وصول أشرقت إلى المنزل فخرجت من غرفتها لتستقبلها كعادتها.. وأخذتها إلى الغرفة لتساعدها في تبديل ثيابها ثم تركتها تذهب إلى غرفة الطعام وجلست مع أبيها وعمها وشقيقها يتناولون الغداء في صمت فيما تناولت ندى الغداء مع السيدة وفيه في المطبخ فتساءلت بفضول :

-مبقتيش تتغدي معاهم ليه زي الاول ؟! 

ارتبكت في البداية ولكن سرعان ما استعادت نفسها وأجابت بثبات : 

-علشان مستر علاء ..يعني هما عيله مع بعض 

لتقول بجدية : 

-ما تقوليش كده يا ندي ..أنتِ بقيتي واحده منهم 

ابتسمت متمته بالشكر وبعد الإنتهاء من تناول الطعام صعدت ندى إلى غرفة ريان لتساعده في واجباته المدرسية بحب ولم يخلو الدرس من المرح والمشاكسة بينهم ..وبعد أن انتهى من الرياضة وبدأ بالحل وحده دون مساعدة ندى صفقت له بابتسامة واسعة ثم قبلته على وجنته فنهض من مكانه متجه نحوها ليقبلها على وجنتها ثم قال بسعادة :

-شكرًا 

اجلسته على قدميها وبدأت تمزح معه بالدغدغة ليضحك بصوت عالي ..فيما فتح رحيم الباب و وقف ينظر إليهم بابتسامة جانبيه ثم دخل مغلقًا الباب خلفه لينظروا إليه ولكن سرعان ما أشاحت ندى بوجهها بعيدًا وقلبها بدأ يدق في صدرها ..فيما ركض ريان إلى والده بابتسامة واسعة ليعانقه رحيم حاملًا إياه عن الأرض وقال بسعادة : 

-أيه الضحكة الحلوة اللي ردت روح بابا دي ..

قبلة ريان على وجنته فيما نهضت ندى عن الأرض تواليه ظهرها وتفرك في أصابع يديها.. في حين قال رحيم موجه حديثه لها : 

-شكرًا يا ندى عشان أنتِ السبب في السعادة دي 

ابتسمت باضطراب ثم التفتت متجه نحو الباب بخطوات سريعة قائلة : 

-العفو ..هسيبكم مع بعض شوية 


ثم خرجت مغلقةً الباب خلفها تزفر بهدوء ثم هبطت الدرج لترى علاء يجلس على الأريكة واضعًا قدميه أعلى المنضدة المقابلة له يعبث في هاتفه بملل.. وعندما رآها ترك الهاتف جانبًا لينادي عليها فاقتربت منه و وقفت تنظر إليه في صمت فقال وهو يتفحصها ببرود : 

-ممكن تعمليلي قهوة.. 

كادت أن تتحدث ألا أنه قال مسرعًا : 

-عارف انك هنا علشان الأولاد بس ..لكن أنا بحب دايما ادوق القهوة من ايد الجميلات 

رفعت حاجبها متمته بالشكر على ذوقه العالي كالبلهاء.. ثم تقدمت نحو المطبخ ودخلت لتقوم بتحضير القهوة المضبوطة له ..عقب انتهائها حملت صينية الفنجان الصغيرة وخرجت متجه نحوه وفي نفس الوقت كان رحيم يهبط الدرج وتفاجأ عندما رآها تضع أمامه فنجان القهوة و وقف كالصنم يتابع هذا عن بعد.. 


طلب علاء منها أن تنتظر حتى يتذوق القهوة ثم أخذ أول رشفة ليرفع حاجبيه بإعجاب ثم تناول ثاني رشفه ونظر إليها بإعجاب قائلًا : 

-رائعة ..زيك بالظبط يا ندى.. 

ثم وضع الفنجان ومد يده إليها متسائلًا :

-تسمحيلي ؟؟ 

نظرت إلى يده بعدم فهم متسائلة : 

-اسمح لحضرتك بأيه مش فاهمه 

مد يده ليمسك بيدها فتعجبت له وهو يقول بابتسامة ماكرة : 

-أمسك ايدك.. 

طبع قبلة رقيقة عليها فجحظت عيناها وسحبت يدها فورًا فيما جز رحيم أسنانه وهبط الدرج كالوحش القاتل ..بينما هو قال بهدوء :

-كان لازم ابوس الايد اللي عملت القهوة 

قال رحيم بصوت جهوري : 

-ندى ..تعالي عايزك في مكتبي بخصوص ريان 

نفخت في شدقيها بسأم وتركت علاء يحتسي القهوة بأريحية ..ولحقت برحيم الذي دخل الغرفة للتو لتجده يشعل سيجارته ونفث دخانها بعصبية ثم طلب منها أن تغلق الباب لتنفذ رغبته و وقفت تنظر إلى الأرض تفرك في أصابع يديها ..نظر إليها قاطبًا حاجبيه بتذمر وتساءل ساخرًا : 

-أنتِ هنا بتشتغلي ساعي ولا مربيه للأطفال ؟! 

تنهدت بصوت مسموع وقالت بسأم : 

-هو طلب مني قهوة فـ.. 

قاطع حديثها بعصبية مفرطة وهو يحدق بها بعينين لامعتين من الغيرة : 

-ارفضي ..أنتِ هنا علشان الاطفال و بس ..مفهوم 

تجمعت الدموع حول مقلتيها وقالت بنبرة بكاء : 

-أنا بجد مليت ..شوية تعاملني بهدوء وشوية بعصبية ..وأنا معملتش حاجة لكل ده اصلًا 

أطفأ السيجارة التي لم تنتهي بعد وزفر بهدوء ليرخي أعصابه وتحدث بهدوء ولكن بصوت رجولي : 

-ندى ممكن تبصيلي ..أنا مش عارف أتكلم معاكِ.. 

فكرت أن تنظر إليه ولكن في لحظة تذكرت قبلته فشعرت بالخجل الشديد والارتباك ولم تمتلك شجاعة كافيه لتنظر إليه.. انتظر للحظات طويلة ولم تنظر إليه فقال بهدوء :  

-خلاص براحتك ..بس عايز أقولك تجنبي علاء على قد ما تقدري ..صعب عليا أقولك كده علشان هو في الأول وفي الاخر أخويا الكبير ..لكن هو وصلني لكده 

تذكرت حديث السيدة وفيه عنه فأومأت بالفهم وهو يتمعن بالنظر إليها يود أن يعتذر لها على حديثه الحاد معها ولكن شيئًا ما داخله منعه من الاعتذار ..فمسح على شعره من الأمام للخلف وهو يتقدم نحوها لترى أقدامه التي تقترب منها فتراجعت للخلف حتى التصق ظهرها بالباب وقالت بتوتر : 

-أنا ..أنا ورايـ.. 

توقف عن السير عندما علم بتوترها مقاطعا لها بحنق : 

-روحي شوفي ريان 

غادرت فورًا مهروله إلى الدرج ثم صعدت تحت أنظار علاء حتى دخلت ندى غرفة ريان ..بعد لحظات خرج رحيم متجه نحو شقيقه وجلس على المقعد المجاور للأريكة واضعًا قدم فوق الأخرى فنظر علاء إليه ببرود وهو يضع سبابته داخل الفنجان بعد أن انتهى من تناوله للقهوة ثم وضعه في فاه يتذوق البن مهمهما باستمتاع.. لينظر رحيم إليه بنظرة نارية وقال بحده : 

-علاء انكل مختار كل يوم بيستناك ومبتروحش المصنع 

زفر بسأم و وضع الفنجان أعلى المنضدة وقال مضطرًا : 

-خلاص هروح بكرة يا رحيم 

قال بجدية : 

-تمام ..المهم بقى ..ندى هنا علشان ريان وأشرقت مش علشان تعملك قهوة .. 

تساءل ببرود : 

-ومين يعملي قهوة ؟! 

ليجيب عليه بنفس البرود حتى لا يعصب : 

-في خادمه هنا وكمان السيدة وفيه موجودة 

ابتسم بخفة وقال ساخرًا : 

-أه انت عايز ندى تبقى خاصة بيك 

ليتعجب من حديثه متسائلًا : 

-خاصة بيا ؟ ..تقصد أي ؟! 

أجاب بوقاحة : 

-أقصد أن أنت وهي مع بعض في المكتب وقافلين على نفسكم المكتب معرفش بتعملوا أي 

داعب لسانه داخل فاه يضرب بقبضته على يد المقعد غاضبًا من حديثه بل اشتعلت نيران الغيرة في قلبه ..لا يطيق كلمة عليها وكاد أن ينهض ويكسر فكه أشلاء حتى لا يستطيع أن يتحدث ثانية ولكن تمالك لكونه شقيقه الأكبر وقال بصوته الرجولي الحاد : 

-مش هرد عليك علشان أنت للأسف أخويا الكبير وعلشان انت في بيتي ..ولأخر مرة هقولك ملكش دعوه بندى ومتفكرش انك تجيب سيرتها على لسانك تاني 

ثم نهض من مكانه متجه نحو المكتب ليدخل مغلقًا الباب خلفه بقوة ..حتى لا يتشاجر معه فلا يطيق أن ينظر إليه ..فيما تناول علاء الفنجان مستندًا بظهره إلى الأريكة واضعًا قدميه أعلى المنضدة وبدأ يخرج البن بسبابته لتذوقه وكأنه مخدر اعتاد عليه .. 

" المشهد.. 8" 

" صدمة.." 


استيقظت بحماس ونشاط اليوم ورتبت غرفتها ثم بدلت ثياب النوم بسروال جينز أزرق وكنزة بيضاء ذات حملات عريضة وعليه رسمة من إحدى الرسوم المتحركة ..مشطت شعرها القصير و وضعت من عطرها المفضل ثم خرجت لتيقظ كل من ريان وأشرقت استعدادًا ليوم دراسي جديد.. وتناولت معهما الافطار وعقب انتهائها بدأت تحضر لهم صندوق الطعام الخاص بهم ووضعت الخاص بريان في حقيبته والخاص بـ أشرقت داخل حقيبتها ثم ودعتهما وهما يستقلان حافلة المدرسة.. 

دخلت إلى المنزل مغلقة الباب خلفها ورأت رحيم يهبط الدرج ويغلق أزرار معطفه من عند المعصم ..استغلت انشغاله هذا ونظرت إليه بتمعن اشتياقًا له حتى تحركت مقلتيها على ثيابه ذات ذوق راقي وعالي تجعله كالأمراء ..رفع رأسه ليراها لتخفض بصرها في توتر ..فلاحت ابتسامة جانبية على ثغرة و وقف عاقدًا ذراعيه أمام صدره وقال بلطف ولكن بنبرة رجولية : 

-صباح الخير يا ندى 

تنحنحت واضعة يدها على عنقها قائلة بتوتر : 

-صـ صباح النور 

تقدم نحوها بخطوات ثقيلة بكل شموخ واعتزاز بالنفس  وابتسامة عيناه تجعله أكثر جاذبية.. وقف أمامها ليخترق عطره الرجولي جميع حواسها وأخذت تفرك في يديها وهو يتفحص ملامحها بعينيه المبتسمة ثم همس بنبرة ثقيلة : 

-شكلك أجمل من القمر 

اشتعلت وجنتيها بحمرة الخجل ليرى ذلك الوجه الذي يشبه ورده حمراء متفتحة وبدأت سوداويته تتنقل بين وجنتيها إعجابًا بهم وبلونهم الأحمر المبهج الذي راق له كثيرًا ..لكن تذكر أن التوتر يجعلها في حالة يرثي لها ليتوقف عن الغزل بها بعينيه وأمسك بمقبض الباب وقال بجدية : 

-عايز اقولك موضوع مهم 

لترفع رأسها إليه بلهفة ولكن سرعان ما أدارت رأسها بعيدًا ..فلم تمتلك القدرة الكافية لتضع عيناها في عيناه وتساءلت باهتمام : 

-موضوع أيه ؟! 

قهقه على خجلها الزائد هذا والذي يروق له كثيرًا فلاحت ابتسامة خجولة على ثغرها وهو يقول مداعبًا : 

-خلاص مش هقولك طالما لسه مش قادرة تبصي لعيوني 

قطبت بين حاجبيها بتذمر قائلة : 

-لاء قول أرجوك 

-هقولك أول ما أرجع من الشغل علشان هي مفاجأة حلوه.. 

ثم أمسك يدها رافعًا إياها إلى شفتيه لتجده يطبق شفتيه على راحتها برقة بالغة خطفت أنفاسها قبل قلبها ..في حين أخذت نفسًا عميقًا يشبه شهقة خفيفة خرجت من بين شفتيها ثم سحبت يدها واعطت له ظهرها لتبتلع لعابها بصوت مسموع.. حرك رأسه في كلا الاتجاهين مبتسمًا ثم قال بجدية : 

-أول ما أرجع عايزك تحضري لي قهوتي المفضلة اللي وشها يشبه عيونك وتيجيلي المكتب نتكلم بهدوء 

رفعت يديها لتضعهما أعلى صدرها الذي يعلوا ويهبط بتوتر وهي تومئ موافقة فأقترب منها أكثر ووقف خلفها حتى أصبحت المسافة بينهم شبه معدومة واضعًا رأسها بين يديه وطبع قبلة رقيقة على رأسها من الخلف ثم عاد إلى الباب ليخرج تاركًا إياها تسقط فور سماعها لصوت إغلاق الباب وأخذت تلهث بصوت مسموع وتزفر لكي تهدأ قليلًا.. 

وبعد دقائق قليلة نهضت واقفة واتجهت نحو المطبخ عند وصولها دخلت لتجلس على إحدى المقاعد ناظرة إلى الفراغ بشرود وحديثه مستحوذ على عقلها بالكامل.. 

نظرت السيدة وفيه إليها للحظات لعلها تستفيق على نفسها ولكن بلا جدوى ..فقد أخذ رحيم عقلها أيضًا أصبحت الأن بلا قلب وعقل بل و روح أيضًا تشعر وكأنها جسد فقط ..جلست السيدة وفيه على المقعد المجاور لها متسائلة : 

-ندى مالك ؟! 

أدارت رأسها ناحيتها دون وعي هامسة : 

- عايزني في موضوع مهم 

تنهدت بسأم بفضل إجابتها الغير مفهومة وتساءلت : 

-ندى مش فاهمة ..وضحي أكتر 

لتفيق من شرودها أخيرًا وبيدها المرتعشة أمسكت بيد السيدة وفيه لتشعر بتوترها وندى تقص عليها ما حدث في الخارج منذ دقائق ..شعرت بالسعادة لسامعها لحديثها فقد علمت أن رحيم حقًا وقع في حب تلك الجميلة ولابد بأنه سيطلب يدها للزواج ..احتضنتها بحنان أموي تمسح براحتها على ظهرها قائلة : 

-مبروك مقدمًا ..أكيد رحيم هيطلبك للزواج 

*** 

أما في شركة رحيم كان يعمل اليوم بحيوية ونشاط وابتسامة عيناه قبل شفتيه مما تعجب البعض وبالأخص صديقه الذي يدعى عمرو ومديرة مكتبه ..كان دائمًا حاد الطباع ، قاسي ويتعامل معهم بجمود وجدية حتى ظهرت فتاته في حياته لتجعله مبتهج أصبح يعشق الحياة أكثر من أي وقت مضى .. 

دخل على صفحة ندى الشخصية عبر تطبيق التواصل الاجتماعي "فيسبوك " ليجد ثلاثة صور لها فقط فقام بحفظهما على الحاسوب ووضع التي كان وجهها قريب بها خلفية الحاسوب ..دخل عمرو المكتب بعد أن طرق الباب ليغلق رحيم شاشة الحاسوب على الفور ليس لأن عمرو لم يعلم بعلاقته بها ولكن لأنه يغار عليها ولا يريد أحد أن يرى صورتها وتعهد داخله أنه سيطلب منها أن تقم بحذف صورتها من على التطبيق .. 

نظر رحيم إليه برسمية فغمز عمرو له بمداعبة وقال : 

-أبو نسب وصل ..رؤوف بيه الشاذلي .. 

لاحت ابتسامة خفيفة على شفتيه ثم نهض يرتدي معطفه وعمرو يتابع : 

-طبعًا ماكنتش تعرف أن هي بنته 

رفع  حاجبيه وهو يقول بتأكيد : 

-لاء طبعًا عارف من أول يوم شفتها فيه 

ثم وقف أمامه فربت عمرو على كتف صديقه وقال بابتسامةٍ واسعةٍ : 

-مبروك عليك ..هتناسب بنت أكبر واحد بيتعامل معانا 

وضع سبابته على كتفه ناظرًا إليه بجدية قائلًا : 

-أنا هطلب ايد ندى علشان هي ندى مش لسبب تاني 

رفع   عمرو حاجبيه بمرح ليبتسم رحيم له ثم تركه وغادر المكتب ثم استقل المصعد الكهربائي إلى الطابق السفلي ..عند وقوفه انفتح الباب تلقائيا وخرج رحيم متجه إلى قسم الازياء ليرى وائل يرتب الفساتين ونظر إليه للحظات ليشعر بالغضب تجاهه عندما تذكر موقفه مع ندى ثم أشاح بوجه بعيدًا ودخل يمينًا ليرى رؤف الشاذلي يجلس أمام طاولة طويلة وبجواره مساعدة رحيم والتي بمجرد أن رأته يقترب نهضت فورًا .. 

وقف رؤوف الشاذلي في مواجهة رحيم الذي وقف أمامه وتصافحا ثم جلس كل منهما بجوار الأخر ..تحدثا عن العمل والتصاميم الجديدة التي سيأخذها رؤوف خارج البلاد ..بعد مضي ساعة تقريباً انتهى الحديث عن العمل وتم التعاقد معه ثم صافحة للمرة الثانية و رؤوف يقول بإعجاب شديد : 

-حقيقي أنا فخور بيك جدًا ناجح في شغلك وشاب مكافح.. اتمنى ابني يبقى زيك 

قدم له شكر على حديثه هذا ثم ادار المقعد في اتجاه مساعدته وطلب منها أن تذهب الأن لأنه يريده في أمر شخصي تعجبت من طلبه ثم غادرت المكان ..ليدير رحيم المقعد تجاهه ثانية وقبل أن يتحدث تساءل رؤف : 

-أيه الموضوع الشخصي مستر رحيم ؟! 

-الحقيقة عايز اكلمك على بنت حضرتك ندى.. 

قبل أن يكمل حديثه قاطعة في تعجب : 

-بنتي مسمهاش ندى ..أنا بنتي روقيه ومتجوزة ومسافرة انجلترا مع جوزها 

صدم من حديثه ليستقيم ظهره وتساءل لكي يتأكد : 

-حضرتك عندك ولد وبنت بس ؟! 

حرك رأسه بتأكيد فحدق رحيم به في دهشة للحظات ثم نهض وهو يمد يده فنهض رؤف هو الأخير وصافحه ثم استأذن منه ليغادر ..جلس رحيم مكانه ينظر إلى الفراغ قابضًا قبضته واضعًا إياها أعلى الطاولة وبدأ يعصرها تدريجيًا حتى أبيضت أنامله وجز أضراسه حتى تحرك صدغاه ..أخذ يفكر من يكون والد ندى حتى جاء عمرو وقاطع افكاره بسؤاله : 

-أقول مبروك ؟! 

ثم جلس على المقعد الذي كان يحتله رؤف منذ لحظات ..نظر رحيم إليه بجمود وقال بحنق : 

-مطلعش أبوها  

تعجب عمرو في البداية ولكن ابتسم وقال ببساطة : 

-عادي يمكن تشابه أسماء 

رخى أعصابه بفضل حديث صديقه أومأ تأكيدًا على حديثه ثم تساءل في حيرة : 

-أمال هي تبقى بنت رؤف الشاذلي ميـ.. 

توقف عن الحديث عندما تذكر شيئا وفي لحظة نهض من مكانه ليغادر سريعًا تحت أنظار صديقة الذي تعجب من مغادرته بهذه الطريقة ..فيما استقل رحيم سيارته وطلب من السائق أن يذهب إلى المنزل .. 

*** 

كانت ندى في المطبخ تصنع كعكة للأطفال وبدأت تزينها بالموز والفراولة ..استمعت إلى صوت إغلاق الباب بقوة فخرجت وفيه لتجد رحيم يتجه نحو مكتبه بخطوات سريعة وعقب دخوله دخلت المطبخ بابتسامة واسعة قائلة : 

-ندى يلا رحيم وصل ..جهزي القهوة 

تركت عملها وشعرت بالتوتر المفاجئ الذي أثر على معادتها لتشعر بالغثيان وقالت بصوت مبحوح : 

-أنا متوترة أوي 

وقفت أمامها لتمسح على وجنتيها ثم وضعت يدها على كتفها وقالت بقصد تشجيعها : 

-لازم تبقي شجاعة قدامه يا ندى و تتكلمي بكل شجاعة 

ابتسمت وهي تومئ بالموافقة ثم بدأت بعمل القهوة المفضلة لدي رحيم .. 


أما في المكتب تناول رحيم ملف ندى وفحصه من جديد مركزًا على أسمها بعد ذلك أغلق الملف ووضعه كما كان ليستند بجبينه على قبضتي يديه مغمض العينين ..بعد لحظات دقت الباب ودخلت ندى حاملة صينية القهوة الصغيرة وابتلعت لعابها بصوت مسموع وهي تتقدم نحو المكتب ووقفت تنظر إلى الأرض بتوتر قائلة : 

-جبتلك ..القهوة 

قال بصوته الرجولي الحاد دون أن ينظر إليها : 

-خدي قهوتك واطلعي بره 

صدمت من كلماته لترفع رأسها بلهفة إليه وقد اختفت ابتسامتها فجأة وتساءلت بعدم فهم : 

-أنت مش طلبت مني قهوة أول ما تيجي ؟! 

تنهد بصوت مسموع وفجأة ضرب على المكتب بكف يده بقوة وصاح بغضب : 

-أنتِ مابتسمعيش ..قولت لك اطلعي بره 

انتفض بدنها حتى تحركت القهوة داخل الفنجان وعيناها تحدق به في دهشة وهو ينظر لها  بعيون حادة كالصقر وقد لمعت بحمرة الغضب حتى خيل لها أن نظراته تلك ستقلتها ..أطرقت عيناها تاركه العنان لدموعها تهبط على وجنتيها ثم التفتت وغادرت المكتب مهرولة ..وعند دخولها المطبخ انفجرت في البكاء و وضعت الصينية أعلى الطاولة.. تركت وفيه ما في يدها لتقف إلى جوارها وأحاطت كتفها تتساءل بقلق واضح : 

-مالك ؟! ..حصل أيه ؟! 

احتضنتها ندى تبكي متأوه فأخذت تربت على كتفها وتهدئها حتى هدأت قليلًا بعد لحظات وجلست على إحدى المقاعد تمسح دموعها بكلتا يديها وقصت عليها ما حدث بنبرة مرتعشة أثر بكائها ..شعرت بالحزن عليها وقبلتها على رأسها بحنان فيما وقف علاء أمام باب المطبخ قائلًا : 

-عايز فنجان قهوه وياريت ندى اللي تعمله 

وافقت وفيه فأخبرها أنه سينتظر في غرفته ثم غادر.. مسحت على شعرها بلطف وهي تقول : 

-حضري قهوة لمستر علاء وأنا هروح أتكلم مع رحيم 

ثم حملت صينية القهوة وغادرت فنهضت ندى لتحضر قهوة علاء.. عند وصولها وقفت تدق الباب الذي هو مفتوح ودخلت متجه نحو المكتب ووضعت القهوة عليه وانتظرت رحيم حتى ينهي مكالمته.. 

-متزعلش يا انكل مختار ..أنا هتكلم معاه 

ثم أنهى معه المكالمة وألقى بالهاتف أعلى المكتب ثم استند بظهره إلى المقعد واضعًا يده على جبينه.. تنحنحت وفيه ثم قالت بتأفف : 

-ندى عملت أي علشان تعاملها بقسوة ؟! 

أخرج من جيبه علبة سجائر ليأخذ واحده يضعها بين شفتيه ثم أشعلها ونفث دخانها في الهواء وقال بنبرة ثقيلة : 

-معنديش طاقة أتكلم في الموضوع ده 

جلست على المقعد المجاور للمكتب وهي تقول بإصرار : 

-لازم أعرف أيه اللي حصل 

زفر دخان السيجارة بزهق ثم اندفع بصوت حاد : 

-الأنسة ندى طلعت بنت رؤوف جلال الشاذلي.. الراجل القذر اللي اتسبب في موت والدي 

صعقت من حديثه ليهتز جسدها فجأة وكأنها أمسكت ماس كهربائي ..ثم نهضت مهرولة إلى الباب لتقم بأغلاقه ثم عادت إليه وقالت بترجي : 

-علشان خطري يا بني ماتقولش لندى حاجة.. البنت ملهاش ذنب ..هي حتى قالت لي قبل كده أنها بعيدة عنه لأنه كان السبب في وفاة والدتها 

قال بعصبية : 

-مش طايق أشوفها في البيت 

جلست لتتحدث معه بهدوء محاولة أن تهدئه وتقنعه بأن لا يخبرها بأي شيء وهو يستمع إلى حديثها بعدم وعي ..فقد كان ذهنه منشغلًا بندى لدرجة كبيرة .. 

*** 

بعد أن انتهت من إعداد القهوة صعدت إلى الطابق العلوي متجه نحو غرفة مستر علاء و وقفت تدق الباب أذن بالدخول فأدارت مقبض الباب ودخلت فابتسم لها وهي لم تنظر إليه ..وضعت الفنجان أمام المنضدة ثم اتجهت نحو الباب فأوقفها بحديثه : 

-استني يا ندى .. 

تنهدت بعمق ثم استدارت بكلتها لتنظر إليه فتساءل وهو يخلع معطفه :  

-أنتِ بتشتغلي هنا من أمتى ؟! 

أجابت بنبرة منخفضة حزينة : 

-يعني من بداية شهر اتنين كده 

بدأ يفك ازرار قميصه حتى ظهرت عضلات صدره العاري فنظرت إلى الأرض وهو يتساءل : 

-كنتِ بتشتغلي فين قبل كده ؟! 

-كنت بشتغل في ملجأ 

خلع قميصه ليضعه على الفراش بإهمال قائلًا : 

-علشان كده عندك خبرة في التعامل مع الأطفال 

اومأت بتأكيد على حديثه فقال : 

-ندى أنا هتعشى بره النهاردة ومعايا الأولاد ..وأشرقت موافقة لكن بشرط تيجي معانا 

فكرت للحظات ثم قالت بصوت مبحوح : 

-بإذن الله 

-تمام كوني جاهزة الساعة سابعه 

فيما جاء رحيم ليقف خلف ندى وقد استمع إلى حديث شقيقه وأخذ ينقل بصره بين شقيقه وندى للحظات من الصمت لتشعر ندى بإن أحدهم خلفها لتلتفت وتفاجأت برحيم وسرعان ما أشاحت بوجهها بعيدًا.. فيما جلس علاء على الأريكة وتناول أول رشفة القهوة ثم بلل شفتيه بلسانه وقال بإعجاب : 

-تسلم ايدك يا ندى 

تمتمت بالشكر وخرجت وبرغم غضب رحيم منها شعر بالغيرة عليها عاصرًا قبضته ثم أغلق الباب ونظر إلى شقيقة بحده قائلًا : 

-انكل مختار بيشتكي منك من أول يوم يا علاء 

قال بسأم : 

-أنت عارف كويس اوي أني مش بتاع شغل ..ومختار ده.. 

قاطع حديثه بعصبية : 

-انكل مختار قد والدك اللي يرحمه ولازم تحترمه غصب عنك 

تناول أخر رشفة من القهوة ونهض وقال بوقاحة : 

-مش مجبر احترم حد يا رحيم .. 

ثم تابع بحسم : 

-في خلال أيام هرجع أمريكا وأعيش هناك ..وياريت تزود المبلغ اللي بتحطهولي كل شهر في البنك 

جز أسنانه وتقدم نحوه بخطوات واسعة و وقف في مواجهته قاطبًا حاجبيه بحده وقال بعنف : 

-دا أيه البجاحة دي ..الفلوس دي مش من حقك أصلًا ..أنت كان المفروض تتنازل عن حقك في المصنع ليا أنا و رنا ..لكن أن قلت معلش أخويا الكبير أي فلوس تطلع من المصنع كل شهر ابعتله نصها.. 

ثم تابع بعصبية مفرطة : 

-أنا اللي بتعب في شغل المصنع وأنت بتاخد الفلوس على الجاهز 

عقد ذراعيه أمام صدره ينظر إليه ببرود وقال بتذمر : 

-رحيم راعي إني أخوك الكبير ومينفعش تتكلم معايا بالطريقة دي 

-ما هي دي المشكلة ..إنك أخويا الكبير وساكت ..المفروض أنت تتحمل مسؤولية المصنع وأنا أتفرغ لشغلي كنت اتمنى تحطي ايدك في أيدي ..لكن للأسف .. 

قال أخر كلماته باشمئزاز ثم التفت متجه نحو الباب و وقف يدير المقبض ثم التفت إليه برأسه وقال بحسم : 

-أنا مش هزود المبلغ يا علاء ..وخد ورثك وسافر 

لاحت ابتسامة خبيثة على شفتيه متسائلًا : 

-وبالنسبة للشركة أتنازل عن حقي فيها برده ؟! 

حدق به في ذهول لم يصدق ما يقوله ومدى طمع شقيقه وقال بهدوء عكس الغضب الذي يقطن داخله : 

-أنت عارف كويس أوي إن الشركة دي بتاعتي ..أنا اللي بانتها وتعبت فيها بفلوسي 

ثم خرج مغلقًا الباب خلفه بقوة حتى لا يقتله ..هبط الدرج ليجد أقدامه تأخذه إلى غرفة ندى و وقف يدق الباب فنهضت من على الفراش تأذن بالدخول.. فتح الباب ودخل مغلقًا الباب خلفه فنظرت إلى الأرض بحزن واضح ..في حين وقف رحيم أمامها يلتقط أنفاسه بصوت مسموع ينظر إليها  بنظرة شبه قاتلة وقال بصوت جهوري : 

-أنا رفضت قهوتك فروحتي تديها لعلاء 

شعرت بالإهانة في حديثه لترفع عيناها المجروحة إليه لتتقابل مع عيناه السوداء الحادة ليرى العتاب واضحًا داخل مقلتيها ومع ذلك تمعن بالنظر داخل مقلتيها وهي تقول من بين أسنانها : 

-عارف أنا ماليش نفس ابرر لك موقفي ..أفهم زي ما تفهم 

كلماتها كانت كخناجر اخترقت روحه قبل قلبه وقبض على ذارعها بقوة فقطبت حاجبيها تتأوه بخفه وهو يقول بعصبيةِ الغيرة : 

-أيه اللي يدخلك أوضته وتوقفي تتكلمي معاه ؟! 

لمعت عيناها بالدموع ليس لأنه يؤلم ذراعها بل كلماته كانت أقوى من أي ألم تشعر به الأن وقالت بنبرة بكاء : 

- قلت لك مش هبرر لك موقفي 

دفعها بقوة لتسقط على الفراش واقترب منها واضعًا ركبته اليسار على الفراش مستحوذًا على يديها بقبضته مثبتهما على الفراش وأخذ صدره يعلو ويهبط بغضب شديد وهو يقول : 

-ندى متعانديش معايا واسمعي اللي بقولك عليه 

أغمضت عيناها بقوة تتنهد بعمق حتى برزت عظام عنقها ثم فتحتهما وقالت بصراخ ممزوج بالبكاء : 

-سبني في حالي يا رحيم ..أنا مش قادرة افهمك 

رخى أعصابه يفحص ملامح وجهها بحب حتى ارتكزت عيناه على شفتيها يود تقبيلها كما فعل من قبل ..فلقد أشتاق لمذاقها ولكن لم يفعل ..حرر يديها من قبضته معتدل في وقفته لترفع هي ظهرها عن الفراش تطلع إلى الفراغ بصدمة والدموع تتساقط على وجنتيها في صمت.. فقال بنبرة حاده وحسم : 

-لأخر مرة هقولك أنتِ هنا علشان الأولاد بس.. أتمنى كلامي يتنفذ المرة دي 


غادر الغرفة فور انتهائه من الحديث فاستقلت على الفراش تضم ركبتيها إلى صدرها تبكي في صمت وتفكر لماذا تغير معها هكذا فكان لطيف معها في الصباح ؟! .. 

"بعد مدة من الزمن.." 


استقبلت ندى الأطفال بابتسامة باهته حزينة وتناولت معهما الغذاء داخل غرفتها وبعد مضي ساعة جلست معهم داخل حديقة المنزل تذاكر معهم لمدة ساعتين كاملتين ثم قبلها ريان على وجنتها فابتسمت ندى واجلسته على قدميها ثم تساءلت بحزن : 

-هتزعلوا لو سبت البيت ؟! 

وقف رحيم عند باب الحديقة بالصدفة وأستمع إلى سؤالها ليشعر فجأة بألم داخل قلبة ليرفع يده يضعها عليه مباشرةً.. فيما قالت أشرقت بحزن : 

-أيوه هنزعل طبعًا 

أمسك ريان بيدها وقال بترجي : 

-بليز يا ندى متسبناش 

ثم نهض عن قدميها وقام بفتح سحابة حقيبته ليأخذ منها حقيبة هدايا صغيرة ومد يدها بها قائلًا : 

-دي هدية جبتهالك 

اتسعت ابتسامتها وأخذت الحقيبة وأخرجت ما في داخلها لتجد برولة دائرية داخلها رجل وامرأة أيديهم متشابكة ..نظرت ندى إلى ريان وهي تعبر له عن سعادتها بهذه الهدية الرقيقة الرائعة فقال : 

-دي هدية عيد الأم 

قطب رحيم حاجبيه متعجبًا وتقدم خطوتين ينظر إليهم فيما اختفت ابتسامة ندى تحملق به في دهشة ..في حين تناولت أشرقت حقيبة هدايا لتمد يدها بها إلى ندى بابتسامةٍ واسعة قائلة : 

-كل سنه وأنتِ طيبه 

لتنظر ندى إليها بلهفة وأخذت الحقيبة وأخرجت منها علبة طويلة وقامت بفتحها لتجد قلادة لونها فضي تحمل أول حرف من أسم ندى.. فابتسمت واحتضنت كل من أشرقت وريان متسائلة : 

-جبتوا الهداية دي منين يا عفاريت 

لتبتعد أشرقت عنها وقالت : 

-طلبت من المس تساعدنا نجبلك هداية.. عارفين أن عيد الأم عدى من زمان بس ياريت تقبليها مننا 

-طبعًا قبلتها.. 

ثم انتقلت ببصرها بينهم وهي تقول : 

-متشكره جدًا ..بس أنا مش أمكم 

قالت أشرقت بتأفف : 

-بس أنتِ بتحبينا وأحنا بنحبك ..وعيد الأم عدى وماما مش معانا وحتى مش بتيجي تشوفنا 

احتضنتهم ثانيةً وقبلت كلا من ريان وأشرقت على رأسهم ..وما حدث للتو صعب عليها فكرة أنها تتركهما برغم معاملة رحيم القاسية معها اليوم ستضطر أن تبقى من أجلهم ..  أغمض رحيم عيناه ثم عاد إلى مكتبه وما راه للتو كان صعب عليه هو الأخير ..أراح جسده على الأريكة يعصر جبينه بأنامله يفكر في أولاده وفي حالهم إذا غادرت ندى ..فسؤالها لهم جعله يقلق من أن تغادر حقًا ..ولكن عندما تذكر والدها شعر بالغضب بعد أن كان سكن وقرر أن ينتقم منه في ابنته 

من أنت يامن أخذت تعتلي روحي وتفكيري🤔🤔ولماذا اقتحمتي حصوني وأسواريأيتها المتطفلة المشاغبة الفضولية والمشاغبة معآ😏لماذا تأخذين حيزآ كبيرآ من تفكير وتوقذي الرحيم داخلي الذي دفنته منذ سنين وتوقذي المراهق داخلي أيتها الصغيرة الطائشة👌هل لازلت أستطيع العيش بعد الوجع الذي جعل مني بلا احساس 🤔🤔بعد كل وجعٍ داخلي هل أستطيع انسى؟؟؟........ولماذا انااااالماذا تلعبين على أوتار روحي لماذا ولماذا ولماذااااااا؟......


#رحيم   الكلمات الجميلة دي اهداء من صديقتي صبا حبيبتي الكلمات مناسبة جداً معا المشهد تسلميلي حبيبتي 😻🌸😽 ... صبا صبا 

***

المشهد 9  " احتواء.." 

وقفت أمام المرآة و وضعت البلورة عليها ثم ادارتها لتصدر صوت موسيقى هادئة وهي تستدير وحدها.. ثم ارتدت القلادة وتحسستها   وهي شاردة في الفراق حقًا سيكون صعب على الأولاد أكثر مما سيكون صعب عليها ..لكن لن تتحمل كلمة زائدة من رحيم فكرامتها فوق كل شيء ..


هلكت من كثرة التفكير لترفع يديها تحيط بهما رأسها تضغط عليها بقوة متجه صوب الفراش لتلقي بجسدها عليه وحاولت جاهدة أن تخرج تلك الأفكار من رأسها.. 


دقت الساعة السابعة مساء وقد جهز الأولاد لتناول العشاء في الخارج اليوم برفقة عمهم ..وقفت أشرقت أمام غرفة ندى وقرعت الباب بيدها الصغيرة ولم تستقبل أي رد.. فرفعت جسدها قليلًا وادارت مقبض الباب ودخلت لتجد ندى نائمة.. صعدت على الفراش وبدأت تربت على ذراعها مناديه عليها : 

-ندى اصحي ..ندى ..ندى 

فتحت عيناها ببطء حتى نظرت إلى أشرقت فرفعت ظهرها عن الفراش وتساءلت بنعاس : 

-أشرقت حصل حاجة ؟! 

-لاء ..بس يلا علشان تخرجي معانا عمو مستني 

تنهدت بهدوء واضعة ظهرها على الفراش ثانية وقالت بكسل : 

-حبيبتي أنا مش هقدر اجي 

لوت ثغرها الصغير بتذمر ثم مددت بجوارها واضعه ذراعها على ندى قائلة : 

-خلاص مش هروح وهنام معاكِ

ابتسمت ندى وأخذتها في أحضانها وقبلت رأسها ثم قالت مضطرة : 

-هـغير هدومي واحصلك 

فرحت  الصغيرة وقبلتها على وجنتها ثم خرجت مغلقة الباب خلفها ..نهضت ندى ودخلت الحمام لتضع وجهها أسفل الماء وبعد لحظات خرجت لتبدل ثيابها بـ تنورة تصل إلى قبل ساقيها بقليل لونها بني فاتح بحزام بذات اللون على الخصر ثم ارتدت سترة بيضاء بأكمام من الشيفون وقامت بوضعها داخل التنورة ..مشطت شعرها ثم انحنت بجذعها لترتدي حذاء بكعب عال ثم التقطت حقيبة يدها التي بلون التنورة وخرجت.. 


دخلت المطبخ لتخبر السيدة وفيه بخروجها مع الأطفال ومستر علاء ثم خرجت مغلقة الباب خلفها ..أخذ يفحصها كليًا بعينين جرأتين ثم فتح لها الباب الأمامي لتدخل السيارة متمتمه بالشكر ثم أغلق الباب وجلس أمام المقود مغادرًا بهم ..التفتت ندى برأسها لترى الأولاد يلعبون على الهاتف الخاص بالألعاب ثم نظرت إلى الأمام شاردة ..كان علاء ينظر إليها تارة وينتبه من الطريق تارةً أخرى أما هي فعقلها منشغل برحيم لدرجةٍ كبيرة ..لدرجة خطفت قلبها و روحها أيضًا وعندما تذكرت معاملته القاسية معها اليوم اجتمعت الدموع حول مقلتيها ولكن سرعان ما أخذت منديل ومسحت أسفل عيناها.. 


عند وصولهم أمام أفخم مطاعم البلدة صف السيارة فترجلت ندى وفتحت الباب الخلفي ليهبط ريان من السيارة بمساعدة ندى فيما ساعد علاء ابنة أخيه على الخروج من السيارة بواسطة الباب الثاني ثم ضغط على زر إغلاقها.. دخلوا المطعم وسحب المقعد لتجلس ندى وأشرقت على المقعد المجاور لها ..ثم حمل ريان واجلسه على المقعد المقابل لشقيقته ليجلس هو أمام ندى وطلب لهم العشاء ..

كانت ندى معهم جسد فقط لكن روحها وعقلها وقلبها مع رحيم ..لاحظ علاء شرودها فتساءل بفضول : 

-مين اللي واخد عقلك يا ندى ؟! 

لتنظر إليه بعدم وعي قائلة : 

-ها ..قلت حاجة 

ضحك ضحكة خفيفة مستندًا بيديه إلى الطاولة وقال بمكر : 

-واضح اللي واخد عقلك مكتفاش بيه واخد قلبك كمان 

استعادت وعيها وأطرقت عيناها بحزن قائلة : 

-أنا بس بفكر في بكره

بدأت عيناه تفحص ملامح وجهها بغزل وقال بصوت مبحوح : 

-واحده جميلة زيك المفروض متشلش هم بكره 

كانت أشرقت تتابع حديثهم وبمجرد أن انتهى علاء من حديثه قالت دون تردد :

-بابي هيتجوز ندى 

لينظر علاء إليها مندهشًا فيما جحظت عيني ندى ناظرة إليها في دهشة وقد شعرت بالخجل الشديد من قولها وتساءل علاء بلؤم : 

-وبابي هو اللي قالك ؟! 

-لاء بس أنا قلتله اتجوز ندى 

لتقول ندى بحنق : 

-أشرقت ..عيب لما تتكلمي في حاجة زي كده 

نظرت إليها تعتذر لها فيما قال ريان بهدوء : 

-علشان متبعديش عننا يا ندي 

نظرت إليه ومدت يدها لتمسك بيده الصغيرة وهي تتألم من الداخل وقالت مضطرة : 

-مش هبعد ..بس بلاش نتكلم في الموضوع ده 

استمعا إلى حديثها فتركت يده ونظرت إلى الفراغ ليتمعن علاء بالنظر إليها ليرى توترها و وجنتيها التي اصطبغت بحمرة الخجل فعلم أنها تميل إلى رحيم ..جاء النادل وضع أمام الصغار البيتزا و وضع أمام ندى شوربة الخضار التي طلبتها وأيضًا علاء الذي طلب مثلها مع وجبة عشاء.. أمسكت بالملعقة تقلب في طبق الشوربة في شرود فيما كان يتناول علاء الشوربة وعيناه مسلطة عليها ..

بعد لحظات من الصمت أخذ قطعة من اللحم بالشوكة ومد يده إلى ندى قائلًا : 

-ندى كلي 

لترفع رأسها إليه واومأت بالنفي على أنها لا تريد ولكن هو أصر فتناولت قطعة صغيرة ليبقى نصفها على الشوكة فوضعها داخل فاه مستمتعًا بأنه تشارك بها مع ندى ..ثم ترك الشوكة وأخذ الملعقة ليأخذ أرز بسمتي ومد يده إليها مصرًا على أن يطعمها فتناولت الأرز وبدأت تتناول الشوربة فقال ريان بتذمر : 

-على فكرة ندى بتعرف تاكل لوحدها 

ابتسمت ندى ناظرة إلى عيناه لترى الغضب داخلهما ..الغضب الذي يشبه غضب رحيم ولكن على شكل صغير فيما قال علاء بمرح : 

-أنا بشجعها تاكل يا أستاذ ريان 

***

في المنزل دقت الساعة العاشرة والربع مساءًا عاد رحيم من عمله ينظر حوله ليرى المنزل هادئ كغير عادته ..فكان دائمًا صوت ندى والأطفال في الإرجاء ..انتقل ببصره تجاه غرفتها و وجد نفسه يتقدم نحوها لأنه حقا أشتاق لرؤيتها لكن سيخترع أي حجة ليتحدث إليها ..وقف أمام الباب يدقه بقبضة يده وانتظر رد ولم يوجد فقام بفتح الباب وانتقل ببصره في جميع انحاء الغرفة لم يجدها ..فدخل مغلقًا الباب خلفه ورأى ثيابها التي كانت ترتديها على الفراش فأخذ كنزتها البيضاء وضعها على أنفه يستنشق عطرها الذي يخطف أنفاسه ويجعله يعشقها أكثر وأكثر ثم اتجه صوب المرآة و وقف ينظر إلى أغراضها بابتسامة ظهرت على عيناه قبل ثغرة ..وضع الكنزة على المقعد ليتناول عطرها يضمه إليه وحمل البلورة بيده الأخرى ينظر إليها عن قرب ثم وضعها كما كانت و وضع العطر أيضًا ثم قال وهو يلمس كل شيء يخصها : 

-بحبك يا ندى 

بعد دقائق أستمع إلى صوت سيارة فخرج من الغرفة متجه نحو الدرج وعيناه على الباب و وقف واضعًا قدمه اليسار على أول درجة ..بعد لحظات فتح علاء الباب لتدخل ندى فتحولت ملامح الاشتياق والحب إلى ملامح وحشيه قاتلة بفضل الغيرة التي سيطرت على عقلة وقلبه حتى أنفاسه التي تخرج تشبه شرارات الجحيم ..نظرت ندى إليه بحزن ثم هبطت بمقلتيها إلى قبضة يده الذي يعتصرها.. بينما دخل كلا من ريان وأشرقت وأغلق علاء الباب ثم التفت ليرى شقيقه والذي تحرك متجه نحوه ووقف على بُعد خطوتين منه متسائلًا بصوت عنيف : 

-كنتم فين ؟! 

أجاب ببرود : 

-كنت بخرج الأولاد أنا وندى 

رمى ندى بنظرةٍ قاتلةٍ فأطرقت عيناها ليعود بالنظر إلى شقيقه وقال بنبرة حاده بدافع الغيرة : 

-لو عايز تعمل سهرة تعارف يبقى متخدش الأولاد معاك 

لتنظر ندى إليه بعينين لامعتين من الدموع وقالت بحنق : 

-سهرة تعارف؟! 

لينظر إليها بنظرات من الجحيم وصاح بعنف : 

-أنتِ تخرسي خالص 

خرجت السيدة وفيه من غرفتها على صوتهم فيما قالت ندى ببكاء هستيري : 

-لاء مش هخرس ..ومش هستحمل الإهانة دي أكتر من كده 

ثم ركضت إلى غرفتها فلحقت أشرقت بها وهي تناديها وأيضًا السيدة وفيه ..دخلت ندى الغرفة وألقت بجسدها على الفراش تبكي بحرقة.. فجلست أشرقت إلى جوارها تربت على كتفها فيما أغلقت وفيه الباب وحاولت تهدئة ندى.. 


أما في الخارج ركض ريان إلى الدرج ليصعد إلى غرفته وقال علاء بتذمر : 

-ارتحت كده لما جرحتها قدامنا وزعلت ولادك 

لينظر رحيم إليه بنظرة حادة كالصقر ثم تركه متجه نحو غرفة المكتب ودخل مغلقًا الباب خلفه عنوة.. حرك علاء رأسه في كلا الاتجاهين بأسف ثم صعد إلى غرفته.. 


بعد دقائق ليست قليلة خرجت السيدة وفيه من غرفة ندى متجه نحو المكتب وعند وصولها دقت الباب ثم فتحته ودخلت لتجده ممددًا على الأريكة واضعًا ذراعه على عيناه.. وقفت تنظر إليه بحزن فهي تعلم جيدًا أنه يعاني ويغضب ويعود يأنب نفسه ويندم على ما يفعله.. تساءلت بنبرة بكاء : 

-أنت كويس يا بني ؟! 

تنحنح بخفة وأجاب عليها بهدوء على عكس ما يشعر به من ألم : 

-أنا بخير 

ثم نهض عن الأريكة وتناول معطفه الذي ألقى به على المقعد وخرج من الغرفة متجه نحو الباب فلحقت به بخطوات سريعة وتساءلت بتوجس : 

-على فين يا بني ؟! 

اجاب بصوت مهلك : 

-هبقى كويس متقلقيش 

ثم خرج مغلقًا الباب خلفه واستقل سيارته بدون السائق ليغادر وأخذ يتجول في الشوارع دون أن يعلم إلى أين سيذهب ..لفت نظره محل ورد على وشك أن يغلق فصف سيارته جانبًا وعاد إلى المحل وطلب باقة ورد بيضاء وانتظر حتى انتهى وأخذها ليعطي له المال ثم استقل السيارة وغادر إلى حيث يعلم.. 


عند وصوله صف السيارة وتناول باقة الورد ثم ترجل ورفع رأسه ليقرأ اللافتة بعينيه " مقابر عائلة النادي " ثم أخرج من جيب سرواله المفاتيح وقام بفتح البوابة ثم دخل متجه نحو قبر والده ووقف أمامه ينظر إلى أسمه بعينين أصبحت حمراء بفضل الدموع التي اجتمعت حول مقلتيه وتذكر أخر لقاء بينهما.. 


كان ينتظره في الخارج وعندما خرج والده احتضنه رحيم فبادله بالعناق الأبوي وقال رحيم مداعبًا : 

-أنا مكنتش عايزك تخرج النهاردة علشان صحتك ..لكن هسمحلك النهاردة بس 

أبتسم وضربه على كتفه من الخلف بخفة ثم تنهد وقال : 

-متقلقش عليا يا حبيبي

ابتعد عنه وقبل يداه ثم فتح له الباب الخلفي من السيارة ليجلس على المقعد ثم أغلق الباب و أدخل يده من نافذة السيارة ليمسح على كتف والده و قال مبتسمًا : 

-هروح الشركة وارجع الاقيك في البيت 

أمسك بيد ابنه وقبلها بحنان فقبل يداه هو الأخير ثم طلب من السائق أن يغادر ويبقى معه وبعد أن غادرت السيارة وضع يده على قلبه مباشرةً وظهرت علامات القلق على جميع ملامح وجهه ..وفي المساء عاد وهو مريض وينفث أنفاسه الأخيرة.. 


فاق من ذكرياته المؤلمة وسقط على ركبتيه واضعًا يده على أسمه قاطبًا جبينه محاولًا ألا يبكي ولكن خانته دموعه التي سقطت بغزارة على وجنتيه لتختبئ داخل لحيته وقال بقهر : 

-لو كنت أعرف أن ده الحضن الأخير مكنتش سبتك أبدًا.. 

ثم وضع باقة الورد بجوار جميع باقات الورود الذي قد جلبها له ثم طبع قبله على أسمه.. وبعدها رفع يديه يقرأ له الفاتحة وبعض السور القصيرة والكبيرة ثم بدأ يدعو له حتى شعر بالإرهاق فوضع رأسه على قبر والده ليشعر باحتضانه له ..فهو مثل الطفل الصغير الأن يحتاج إلى والده وبشدة.. 


غلبه النوم واستيقظ على صوت أذان الفجر بوجه عابس فنظر حوله قاطبًا حاجبيه وشعر بألم في ظهره ثم مسح على قبر والده ونهض ليغادر وأغلق البوابة بالقفل ثم استقل السيارة واتجه إلى أقرب مسجد وصلى الفجر جماعة بعد أن توضأ.. 


عقب انتهائه عاد إلى المنزل ودخل إلى غرفة المكتب مباشرةً ..خلع معطفه ألقى به على المقعد ثم أراح جسده على الأريكة ليذهب إلى النوم بأريحية..


" في الصباح.." 


استيقظت ندى لتجد أشرقت بجوارها فقبلتها على رأسها لتفتح عينيها.. فمسحت على أنفها بسبابتها وقالت بمزاح : 

-الحلو يبطل كسل ويلا على المدرسة 

اومأت موافقة ثم ذهبت إلى غرفتها لتجهز نفسها فيما نهضت ندى و وقفت أمام المرآة لترى كنزتها فحملتها وانتقلت ببصرها بين الفراش والمقعد وهي تتذكر أنها وضعتها على الفراش..ثم وضعتها كما كانت وبدأت تحضر نفسها وحضرت لهم الفطار وكل شيء يخصهم.. كان ريان يبدو عليه الحزن وحاولت ندى أن تعلم ما به ولكن لا يود أن يتحدث فتركته يذهب إلى المدرسة ..ثم عادت حبيسة غرفتها تفكر أن تترك المنزل وتغادر لكونها حقًا تشعر بالإهانة.. 


دق الباب فأذنت بالدخول عندما علمت بأنها السيدة وفيه.. دخلت حاملة صينية الفطار وضعتها على الفراش ثم عادت لتغلق الباب وعادت إلى ندى لتجلس أمامها قائلة : 

-افطري يا ندى بقى متتعبيش قلبي 

بدأت تتناول الطعام وتشاركها السيدة وفيه لتشجيعها ..بعد دقائق من الصمت كسرت حاجز الصمت بقولها المفاجئ : 

-أنا لازم امشي 

توقفت عن تناول الطعام وقالت بحزن : 

-لاء يا ندى ..افهمي رحيم يا بنتي عصبي بس حنين أوي ..دا خرج ومرجعش غير الفجر ونايم في المكتب..

أطرقت رأسها بحزن وشعرت بالحنين له فيما تابعت وفيه : 

-دا حامل مسؤولية اتقل من الجبال ..شركته والمصنع ويخلص شغل الشركة يروح المصنع ويخلص من المصنع يرجع لشركة وقبل ما تيجي ..كان لازم يجي بدري علشان يشوف ولاده ويرجع تاني وهكذا 

فكرت للحظات طويلة حتى وصلت إلى فكرة وقالت فورًا: 

-طيب النهاردة بس ..همشي وأشوف أنا هستحمل فراق   الأولاد ولا لاء 

قالت بمكر : 

-و رحيم ..

عضت على شفاها السفلى بخجل فابتسمت وقالت بتأكيد : 

-بتحبيه يا ندى ..بلاش تكبري 

اومأت موافقة ثم قالت : 

-طيب أنا هحاول أبعد ..يعني هجرب النهاردة بس وبالمرة أشوف جدتي 

-زي ما تحبي يا ندى المهم متبعديش


استيقظ رحيم على صوت رنة الهاتف بوجه عابس ورفع ظهره عن الأريكة وهو يخرج الهاتف من جيب سرواله لينظر إلى شاشته التي تضيء باسم والدة زوجته السابقة فزفر بسأم واجاب عليها بعدم قبول وبعد تبادل السلام قالت : 

-أنا هعدي على مدرسة الأولاد اخدهم  يقضوا معايا اليوم النهاردة.. ياريت تبلغ المديرة إنك موافق 

وافق على حديثها وانهى معها المكالمة ثم نظر إلى ساعة يده التي تدق العاشرة والنصف فنهض وخرج من الغرفة متجه نحو المطبخ وطلب فنجان قهوة من السيدة وفيه ثم صعد إلى غرفته.. من ثم دلف إلى المرحاض ليضع بدنه أسفل الماء مستندًا بيديه على الحائط المقابل له ينظر إلى الأرض والمياه تسقط من بين خصل شعره ..شعر بألم داخل قلبه عندما تذكر صوت بكائها ونظرات العتاب الموجه له كالخناجر التي تصيب هدفها جيدًا وهو الصدر قبل القلب.. 


انتهى من الاستحمام وخرج بعد أن ارتدى ثيابه تاركًا صدره عاري ورأى السيدة وفيه تجلس على الأريكة في انتظاره ..جلس على المقعد المجاور للأريكة يمسح على شعره من الأمام للخلف فنظرت إليه بحزن واضح وقالت : 

-ندى مشيت 

لينظر إليها بلهفة وقد شعر بغصة في قلبه وقال بهدوء على عكس الحزن الذي يؤلمه : 

-براحتها  

-براحتها أي بس ..يا بني أنت أهنت البنت 

قال بنفاذ صبر : 

-أنا مش عايز اتكلم ..أنا تعبان لو سمحتي سبيني دلوقت 

نهضت عن الأريكة وتركته وذهبت فاستند بظهره إلى المقعد يعصر جبينه وهو يقول بعتاب : 

-ليه كده يا ندى 

***

" المدرسة.. "


كانت الجدة تجلس داخل مكتب المديرة وريان وأشرقت لتأخذهم معها ..رفض ريان بشدة وعاد إلى صفه بعد أن سمحت له مديرة المدرسة وغادرت الجدة مع أشرقت ..دخل الفصل وجلس على مقعده مستند بوجنته على قبضة يده الصغيرة ويبدو عليه الحزن الشديد ..رن جرس نهاية الحصة الأخيرة فحمل حقيبته وغادر وهو شاردًا حتى لم ينتبه من الدرج وفلتت قدمه ليسقط من عليه تأوه بألم ثم اغشيا عليه فركض زملاءه إليه وبعضهم ذهب ليخبر المعلمين.. 

***

وضعت صينية العصير أعلى المنضدة الصغيرة وحملت كوب مدت يدها به إلى جدتها لتأخذ منها ثم جلست ندى على الأريكة تنظر إلى الفراغ بشرود بفضل اشتياقها إلى رحيم ..تساءلت جدتها بتوجس : 

-مالك يا ندى ؟؟ 

لتنظر إليها ببطء وشبه ابتسامة على ثغرها قائلة : 

-مفيش يا نانا 

-على فكرة والدك سألني كذا مرة على مكان شغلك..

الحمد لله إنك مقلتليش على مكانه بدل ما يحرمك منه زي كل مرة 

اومأت برأسها ثم قالت بحزن : 

-نفسي بابا يفهم أنا قد أي بحب شغلي ده ..شيء حلو اوي يا نانا لما اعوض اطفال عن والدتهم 

قالت بفخر : 

-وأنا فخورة بيكِ عشان بتعملي اللي يسعدك ..وسعيدة جدًا أن الأطفال بيحبوكي.. 

ثم رفعت حاجبها اليسار بمكر متسائلة : 

-قوليلي بقى مالك ؟! ..

أطرقت عيناها تعض على شفاها السفلى من الداخل فقالت جدتها بتأكيد : 

-أنا أكتر واحده فهماكِ يا ندى ..أنتِ بنت بنتي الغالية ..وطالما سبتي شغلك اللي بتحبيه وجيتي يبقى حصل حاجة 

نظرت إليها بابتسامة لتعلم أن كل شيء بخير وقالت : 

-وحشتيني يا نانا قلت اجي أقعد معاكِ النهاردة واطمن عليكِ 

-متقلقيش عليا خالاتك يوميًا هنا معايا وولاد خالك بيسهروا معايا يوميًا 

نظرت إلى الأمام وهي تومئ بخفة فيما رن هاتفها المحمول فقامت بفتح الحقيبة لتأخذ الهاتف ورأت اسم وفيه فأجابت فورًا لتخبرها بحادثة ريان ومكان المستشفى ..فزعت ندى وارتدت الحقيبة وهي تخبر جدتها عن حادثة الطفل ثم ركضت إلى الباب وخرجت من الشقة بل من العمارة بأكملها واستقلت السيارة متجه نحو المستشفى ..

***

عند وصولها ترجلت راكضة إلى الداخل وتساءلت عن ريان في الاستقبال لتخبرها بأنه مازال في العمليات.. فاستقلت المصعد الكهربائي إلى الطابق المطلوب.. ثم خرجت راكضة إلى غرفة العمليات حتى وصلت وتوقفت عن الركض تلتقط أنفاسها بصوت مسموع.. وعيناها مسلطة على رحيم الواقف أمام الغرفة مستند برأسه إلى الحائط عاقدًا ذراعيه أمام صدره ..تقدمت ندى نحوه وكلما اقتربت كلما وضحت ملامحه الشاحبة والحزينة على وجهه ..وقفت إلى جواره تنظر إليه بحزن ولمعت عيناها من الدموع فنظر إليها بعينيه أولًا ثم ادار رأسه إليها فأطرقت رأسها فيما تساءل بصوت مبحوح :

-جيتي ليه يا ندى ؟! ..مش كنتِ مشيتي 

أجابت عليه بنبرة بكاء : 

-رجعت علشان ريان ..وعلشان لازم اكون جنبك في وقت زي ده ..بنختلف أحيانًا لكن وقت الجد لازم ننسى الخلاف.. 

هبطت دموعها على وجنتيها ورفعت يدها لتضعها على مرفقه وتابعت : 

-متقلقش هيبقى كويس 

نظر إلى الأمام وهو يومئ برأسه هامسًا : 

-يا رب ..يا رب 

جلست على أحد المقاعد تنظر إلى الأرض في صمت وبعد نصف ساعة تقريبًا كانت قد استندت بظهرها إلى الحائط.. نظرت إلى رحيم الذي يستند برأسه إلى الحائط مغمض العينين فنهضت متجه نحوه و وقفت أمامه تنظر إليه للحظات ثم أشاحت بوجهها بعيدا وقالت : 

-اقعد شوية استريح

ليفتح عيناه وينظر إليها بإرهاق مشيرًا بكف يده إلى غرفة العمليات متسائلًا : 

-ابني في أوضة العمليات وعايزاني استريح ؟! 

تنهدت بحزن وأمسكت بيده وكادت أن تتحدث ألا أن خرج الطبيب فنظروا إليه بلهفة واقترب رحيم منه و وقف يتساءل بلهفة : 

-طمني يا دكتور 

-في جرح في دماغة بسيط أخد غرزتين و كسر في رجله جبستها

-احتاج شرايح ومسامير؟! 

-لاء الحمدلله اطمن 

-طيب عايز أشوفه 

-هو واخد بنج هيطول معاه شوية ..بس متقلقش هو بخير 

ثم ربت على كتفه وغادر فجلس رحيم على إحدى المقاعد وخلع مع طفه وضعه على معصمه ..جلست ندى بجواره ورفعت يدها تضعها على كتفه فرمقها بنظرةٍ سريعة ..وبعد دقائق تساءلت عن أشرقت ليخبرها بأنها عند جدتها وستبقى هناك حتى الغد..وهذا قراراه بعد حادث ريان حتى لا تتأثر بحادث شقيقها.. 


ذهب النهار ليأتي الليل ودقت الساعة العاشرة والنصف مساءً وكانت ندى جالسة على مقعد مجاور لفراش ريان وأمسكت بيده لتهون عليه الألم الذي يشعر به في رأسه وقدمه وذهب رحيم إلى الطبيب ليأتي معه و أعطى له مسكن وكلما تأوه كان قلب رحيم ينتفض بألم ..أخبره الطبيب بأنه سينام بفضل المسكن ثم انتقل ببصره بينه وبين ندى قائلًا : 

-مفيش داعي لوجودكم هنا ..الزيارة بتنتهي من الساعة خمسة والساعة بقت عشرة و نص 

قال رحيم بحده : 

-أنا مش هسيب ابني امال لو ماكنتش مستشفى خاص

-أنا مقدر اللي أنت فيه ..بس صدقني دا نظام المستشفى وهو في ايد أمينه متقلقش عليه 

نظر إلى ابنه الذي غط في نوم عميق وانتظر الدكتور رده بالموافقة ولكن طال انتظاره ولم يجيب عليه فنظر إلى ندى قائلًا : 

-يا مدام بعد اذنك اتكلمي معاه

لينظر رحيم إلى ندى فقد راقت له كلمة " مدام " فيما توترت ندى ونهضت واقفة وكادت أن تتحدث ألا أن غادر الطبيب ..فأطرقت رأسها وقالت بهدوء : 

-الدكتور عنده حق 

أقترب نحو ريان و وقف إلى جوار الفراش ووضع يده على شعره مخللا أصابعه بين خصلاته ثم قبله على وجنته وأيضًا يده ثم همس بنبرة ألم : 

-أسف يا روحي 

ثم استقام ظهره مستعدًا للذهاب فاقتربت ندى من ريان وقبلت يده فيما دخلت الممرضة بوجه بشوش لينظر رحيم إليها ثم أخرج محفظته من جيب سرواله وأخذ الكثير من الأموال واقترب منها ووقف يمد يده بهم فرفضت أن تأخذهم ولكن أصر وهو يقول بجدية : 

-خدي بالك منه أرجوكِ 

أخذت الأموال وهي تومئ بالموافقة تمتم بالشكر ثم مد يده إلى ندى فأمسكت بيده وغادرت معه ..وهو يشعر وكأن قلبه مع ابنه المريض الذي تركه وغادر ..عند خروجهم أعطى مفتاح سيارة ندى إلى السائق وطلب منه أن يعود بها لينفذ رغبته فورًا ثم أعطى مفتاح سيارته إلى ندى طالبًا منها أن تقود فأخذت المفتاح وجلست أمام المقود وهو اتجه نحو الباب الثاني ليجلس بجوارها ثم غادرت.. 


ضغط على زر مجاور للمقعد جعل ظهره ينحني قليلا ليريح ظهره ناظرًا إلى ندى بحب ليتذكر حديثها عندما جاءت إلى المستشفى رغم إهانته لها جاءت و وقفت بجواره ..مد يده ليمسك بيدها ليضعها على شفتيه فعقدت حاجبيها منتبها إلى الطريق جيدًا وهي متحكمة بمحرك السيارة بيدها الأخرى ..قبلها على راحة يدها برقة عدة مرات ثم وضعها بين راحتي يديه ومازالت عيناه مثبته عليها وحرك شفتيه فقط بكلمة : 

-بحبك 

سحبت يدها من بين يديه لتضعها على المحرك وشعرت بالتوتر ولكن تماسكت وزفرت بهدوء ..عند وصولها صفت السيارة أمام باب الفيلا وترجلت واعطت المفتاح إلى السائق الذي كان ينتظرهم بينما ترجل رحيم متجه نحو الباب وقام بفتحه لتدخل ندى ثم دخل مغلقًا الباب خلفه ..نهضت السيدة وفيه راكضة إليهم و وقفت أمام ندى تساءل عن ريان فطمئنها رحيم واضعًا يده على كتفها وطلب منها أن تستريح في غرفتها ثم اتجه نحو غرفة المكتب ودخل مغلقًا الباب خلفه ...وقفت تتحدث مع ندى للحظات عن ريان ثم عادت إلى غرفتها و وقفت ندى تنظر إلى باب غرفة المكتب للحظات.. 


ثم تقدمت نحوه و وقفت تدق الباب ثم دخلت مغلقةً إياه خلفها لتجده جالسًا على الأريكة واضعًا رأسه بين يديه ..فجلست إلى جواره وأمسكت بمعصم يده وقالت بصوت مبحوح : 

-هيبقى كويس ..متقلقش 

ترك رأسه ليدفن وجهه في كفيه وقال بنبرة مهلكه : 

-أنا قلبي و عقلي في المستشفى يا ندى ..مش طايق البيت 

تجمعت الدموع حول مقلتيها قائلة : 

-أنت أب حنين أوي يا رحيم 

ادار رأسه ناحيتها ونظر إليها ليرى الدموع في عيناها ولكن سرعان ما أطرقت رأسها فأمسك بذقنها وقال بجدية ممزوجة بالحب : 

-وأنتِ مفيش أحن من قلبك يا ندى.. 

ثم طلب منها أن تجلس عند مقدمة الأريكة فنهضت لتجلس كما طلب منها ليضع رأسه على قدميها واضعًا ظهره على الأريكة يثني قدمه اليسار وقدمه الأخرى على الأرض.. نظرت ندى إلى الأمام ودقات قلبها تدق في صدرها واصطبغا وجهها بحمرة الخجل.. وبعد لحظات أمسك بيدها ليضعها على شعره وبدأ يحرك يدها قائلًا : 

-اثبتي على كده.. حاليًا حاسس اني طفل

ثم ترك يدها تحركها على شعره ذهابًا وإيابًا وهي تنظر إلى الأمام بينما هو ينظر إليها يتفحص ملامحها بحب ثم رفع يده نحو وجنتها ليمسح عليها بالإبهام وأخذ يمرره حتى وصل إلى شفتيها ليفرق بينهما.. فابتلعت لعابها بصوت مسموع وأشاحت بوجهها بعيدًا وصدرها يعلو ويهبط بتوتر شديد.. رفع يده ليمسح على شعرها للحظات ثم وضع يده على صدره ليغمض عيناه وكأن حركة يدها على شعره بنج جعله يذهب إلى نوم عميق.. نظرت ندى إليه وزفرت بهدوء ثم استندت برأسها إلى الأريكة لتذهب إلى النوم.. 


......ذهب الليل سريعًا ليأتي النهار وفتحت ندى عيناها ببطء واضعه يدها حول عنقها الذي يؤلمها ثم نظرت إلى رحيم الذي  مازال نائما ويده معلقة على الهواء.. فأمسكت بذراعه وضعته على صدره ثم نظرت إليه بحب واضعة يدها على وجنته وتدريجيًا وجدت نفسها تمسح على لحيته.. ثم انحنت وطبعت قبلة حانية على جبينه ليفتح عيناه بنعاس واغلقهما ثانية فيما ابتعدت هي وبدأت تمرر أصابع يدها بين خصل شعره وباليد الأخرى تبعث في لحيته تتمعن بالنظر إليه.. 


فتح عيناه فأبعدت يديها عنه وأشاحت بوجهها بعيدًا.. فقطب حاجبيه بتذمر وقال بنعاس : 

-لاء كملي ..يا رتني ما فتحت 

علمت بأنه كان مستيقظًا ويشعر بلمسات يدها وقبلتها له أيضًا ..أمسك بيدها وضعها على شعره يطالب بالمزيد فمسحت عليه وأمسك بيدها الأخرى واضعها على شفتيه يقبلها برقه ثم وضعها على وجنته وقال بجدية الحب : 

-وجودك مطمن قلبي 

تنهدت بعمق وهي تومئ برأسها دون أن تتحدث وبعد لحظات استغلت أنه يعاملها بهدوء ولطف وأصرت على أن تستفهم منه لماذا رفض أن يتحدث معها البارحة ..فقالت بتوتر : 

-عايزة ...أ أسـ أسألك على حاجة 

حرك يدها أسفل يده على وجنته حتى وضعها على شفتيه ليطبع قبلة أخرى ثم قال : 

-أسالي يا ندى 

أخذت نفسًا عميقًا وزفرته بهدوء ثم تساءلت : 

-امبارح أنت  طلبت مني لما ترجع من الشغل هنتكلم ليه اتغيرت معايا ؟! 

عقد بين حاجبية بقوة عندما تذكر والدها و والده واهانته لها أيضًا فالكثير من المشاعر اختلطت ببعضها ليشعر بالغضب الشديد ونهض عن الأريكة متجه نحو نافذة المكتب وهو يخرج علبة السجائر من جيب سرواله واشعل واحده وقام بفتح الستائر ليفتح النافذة كي ينظر إلى الخارج من خلالها وهو يدخن سيجارته بعصبية ..شعرت بالحزن وكررت سؤالها عله يجيب عليها ولكن نفث دخان سيجارته قابضا قبضته وتمالك اعصابه وقال بحده : 

-ندى اقفلي الموضوع ده 

نهضت واقفة وهي تقول بضيق : 

-من حقي أعرف أنت اتغيرت معايا ليه 

جز أسنانه ثم نظر إليها بحده وقال بعصبية : 

-ندى قلتلك متفتحيش الموضوع ده ..مفهوم ولا لاء 

حدقت به وقد تجمعت الدموع داخل مقلتيها وارتعشت شفتيها فرخى أعصابه وتحولت نظراته إلى الهدوء و.....

" المشهد 10.. "

" اعتراف قلب.. "❤

أطفأ سيجارته وتقدم نحوها ليضمها إليه فوضعت يديها على صدره محاوله إبعاده لكن شدد عليها بقوة حتى كاد أن يخترق عظامها ثم همس بالقرب من أذنها : 

-متفتحيش الموضوع ده وأنا بنفسي هبقى أقولك ...

اومأت موافقة فرخى قبضته قليلًا يتفحص ملامحها بلمعة الحب المنبعثة من القلب مباشرةً ثم رفع يده ليضعها أسفل ذقنها رافعا رأسها إليه فأغمضت عيناها بشكل طفولي فضحك ضحكة خفيفة وتساءل بمكر : 

-نفسي أفهم ليه مش عايزة تبصيلي ؟!...

حركت رأسها بالنفي على أنها لا تود أن تجيب على سؤاله ..فلم يهتم أكثر لأنه يعلم الإجابة جيدًا ..ترك ذقنها ومسح على جانب شعرها ثم انحنى برأسه وطبع قبلة رقيقة بالقرب من شفتيها كادت أن تلمسهما ..ابتلعت لعابها بصوت مسموع من كثرة توترها وارتعش جسدها بالكامل وأيضا معادتها عندما شعرت بأنفاسه الساخنة تلفح وجنتها بلطف ورائحة عطرة الرجولية تخترق أنفها لتشعر بروحها تنخطف منها وتلتقط انفاسها ببطء شديد.. 


أبتعد عنها قليلًا وكاد أن يتحدث ألا أن صدح صوت الهاتف ليقطع عليه تلك اللحظة.. فوضع يده خلف رأسها ليضمها إلى صدره لتفتح عيناها واضعة يدها أعلى صدرها لتشعر بدقات قلبها المضطربة ..فيما كان هو يعبث بأنامله بين خصل شعرها وباليد الأخرى أخرج الهاتف من جيب سرواله وأجاب فور معرفته لهوية المتصل والذي كان الطبيب ..أخبره بأن ريان يسأل عليه ويود رؤيته ..فتنهد رحيم وأخبره أنه سيأتي فورًا ثم أنهى المكالمة وتساءل : 

-هتيجي معايا ؟

-طبعًا ..هو دا سؤال

لاحت ابتسامة جانبية على ثغرة وضربها بخفة على رأسها وقال : 

-طيب بطلي لماضة ..واجهزي

حركت رأسها موافقة ثم تركته وغادرت فورًا وبعد لحظات التقط معطفه وخرج ليصعد إلى غرفته ..بعد ربع ساعة تقريبًا خرجت السيدة وفيه من غرفتها ودخلت المطبخ لتقوم بتحضير الفطار.. في حين خرجت ندى من غرفتها مرتدية تنورة مجسمه بلون خيوط الشمس وقميص بلون الكافية الهادئ داخل التنورة وحذاء رياضي بلون القميص ..ألقت نظرة على الدرج ثم اتجهت نحو المطبخ.. استمعت إلى صوت جرس الباب لتغير مسارها إليه وهي تنظر إلى ساعة يدها التي تدق الثامنة والنصف صباحًا ..ثم فتحت الباب تفاجأت بـ علاء الثمل مستند بجبينه على الباب الثاني فتساءلت بتوجس : 

-مستر علاء حضرتك كويس ؟ 

ليرفع جبينه عن الباب ونظر إليها بعدم وعي وبدأ يتفحصها من أعلى لأسفل بنظرات وقحه.. ثم دخل وهي تراجعت خطوتين ثم أغلق الباب وأحاط خصرها بذراعة مستند بجبينه على كتفها مستنشقًا رائحة عطرها بعمق ليشعر بالرغبة بها وقال بصوت ثمل : 

-عايزك 

حاولت إبعاده عنها وهي خائفة من رحيم أن يراهم وتحدث مشكلة بينهم ولم تنتبه من كلمته التي قالها للتو ..دفن وجهه في عنقها يستنشق عطرها عن قرب فاتسعت عيناها وهي تحاول إبعاده عنها ولكن هو أثقل منها فنادت على السيدة وفيه بصوت عالي لتخرج من المطبخ وركضت إليهم فقالت ندى بحده : 

-ابعديه عني 

أمسكت السيدة وفيه بيده فابتعدت ندى عنه وأمسكت بيده الأخرى واخذوه إلى الأريكة ليلقي بجسده عليها جاذبًا ندى إليه لتسقط على صدره.. فزعت من حركته الغير متوقعة.. فيما أسرعت السيدة وفيه بتحريرها من يده ووقفت الأخيرة تضبط ثيابها وهي تزفر فقالت وفيه وهي تنظر إليه بتقزز : 

-أسفه يا بنتي هو مش في وعيه 

أغمض علاء عيناه بإرهاق فيما خرج رحيم من غرفته وهبط الدرج وهو ينظر إليهم وتساءل عن وقفتهم بهذا الشكل ليلتفت الاثنان إليه و السيدة وفيه تخبره بحالة علاء ..وقف ينظر إليه بغضب قابضًا قبضته وطلب كوب ماء.. أسرعت السيدة وفيه إلى المطبخ وعادت بكوب ماء.. فأخذه وألقى به في وجه شقيقه لتنظر ندى إليه في دهشة فيما استيقظ علاء بفزع يمسح على وجهه رافعًا جزعه عن الأريكة..ثم نظر إليهم بغضب ليعلم أن شقيقه من فعل هذا لكي يغضبه ثبت نظرة على ندى بوقاحة قائلًا : 

-لو أنتِ اللي عملتي كده فأحب اقولك أن الميه منك مسك 

أشاحت بوجهها بعيدًا فيما وضع رحيم الكوب أعلى المنضدة بعصبية وأخذ بتلابيبه وأنهضه عن الأريكة قائلًا بعنف : 

-أنت تتكلم معايا أنا ..وغصب عنك تحترم البيت ده بكل اللي فيه 

ثم تركه بدفعه ليجلس على الأريكة فضبط علاء ملابسه ببرود ثم نهض وهو يقول بنبرة ثقيلة بفضل تأثير الخمر عليه : 

-أنا أعمل اللي أنا عايزة واحترم اللي يجي على هوايا 

ثم تركه واتجه نحو الدرج يترنح فنظر رحيم إليه باشمئزاز.. فيما رفعت ندى رأسها تنظر إلى رحيم بتأثر ..فهي تعلم كم هو يعاني من شقيقه بينما دعت له السيدة وفيه بالهدايه ثم قالت بحزن : 

-يلا يا بني الفطار جاهز 

اتجه نحو الباب وهو يقول بنفاذ صبر : 

-مفيش نفس ..افطري يا ندى وحصليني هستناكِ في العربية 

ضربت السيدة وفيه كف على كف قائلة :

-لا حول ولا قوة إلا بالله 

ثم طلبت من ندى أن تفطر فقالت بحزن : 

-لاء مليش نفس ..أنا هروح علشان ميستناش كتير 

-ماشي يا بنتي ..طمينني على ريان 

اومأت موافقة ثم لحقت برحيم.. وعند خروجها اتجهت إلى الباب الثاني من السيارة وجلست إلى جواره ثم تحرك السائق إلى وجهته.. فيما كان ينظر رحيم إلى الخارج بواسطة النافذة ويدخن سيجاره.. فأغمضت عيناها تتنهد بحزن فكلما رأته بهذا الحال كلما تمزق قلبها ألما ..ثم فتحتهما لترى يده الأخرى على ركبته قابضًا إياها بقوة.. 


عادت بالنظر إلى الأمام تاركه يدها تتجه نحو يده وتمسك بها ليشعر بلمساتها الهادئة التي جعلت الغضب يسكن فجأة ونظر إلى يدها بطرف عينه.. ثم نظر إلى الخارج بواسطة النافذة ساحبًا يده من أسفل يدها وأدار يدها لتتقابل راحته براحتها ويحتضنها بتشابك الأيدي.. تنهدت بعمق تعض على شفاها السفلى من الداخل فيما كان يدخن سيجارته بهدوء وعقب انتهائه اطفأها في المطفأة المجاورة له ثم وضع رأسه على كتفها مغمض عينيه بهدوء وسكينة.. 


عند وصوله صف السائق السيارة أمام المشفى فرفع رأسه عن كتفها وترجل من السيارة وهو يغلق معطفه فيما وضعت ندى يدها على صدرها تزفر بهدوء ثم ترجلت ومضت خلف رحيم.. استقلوا المصعد الكهربائي إلى الطابق المنشود ثم خرجت متجه نحو الغرفة بخطوات سريعة فيما كان يمضي رحيم بهدوء كعادته.. 

دخلت الغرفة لينظر ريان إليها وابتسم ابتسامة واسعة هاتفًا باسمها.. اقتربت منه و وقفت تقبله على رأسه بلطف ثم قبلت يده الصغيرة ..دخل رحيم و وقف بجوار الفراش من الاتجاه الأخر وقبله على رأسه فأحاط عنق والده بذراعيه وقال بحزن : 

-بابي عايز امشي من هنا 

-حاضر يا حبيبي 

ثم ابتعد عنه لينظر إليه ومسح على وجنته مبتسمًا ..بعد لحظات دخل الطبيب لينظر رحيم إليه وتساءل عن حالة ريان ليطمئن قلبه عليه..


ثم نظر الطبيب إلى ريان بابتسامة قائلًا :

-بابي ومامي وصلوا اهو ممكن نفطر بقى 

جحظت عيني ندى وكادت أن تتحدث ألا أن قال رحيم سريعًا : 

-هنفطر سوى يا دكتور ..شكرًا لحضرتك 

ربت الطبيب على ذراعه وغادر الغرفة فنظرت ندى إلى رحيم بحنق قائلة : 

-كان لازم تفهم الدكتور اني مش مراتك 

لينظر إليها بثقل قاطبًا جبينه بمكر قائلًا : 

-أنتِ تطولي تبقي مراتي 

انتقلت عيني ريان بينهم فيما توترت ندى قليلًا ولكن تمالكت وقالت بعند : 

-أه طبعًا واطول اكتر من كده كمان 

ليقول ساخرًا : 

-بس يا اوزعه ..أنتِ لو وقفتي قدامي وبصيتي قدامك هتلاقي بطني 

جزت أسنانها بغيظ ورفعت سبابتها وهي تقول بتذمر : 

-مش لدرجة دي على فكرة.. وبعدين أنت اللي طويل بزيادة 

قهقه على حديثها رافعًا رأسه للأعلى فابتسمت رافعه كتفيها ثم أطرقت رأسها عندما نظر إليها بابتسامة عيناه التي تخطف روحها فيما تساءل ريان : 

-ندى فراولة صح يا بابي ؟

نظرت ندى إليه في دهشة فيما فحص رحيم ملامحها بحب حتى ثبت عيناه على شفتيها متذكرًا القبلة قائلًا : 

-فراولة بس ! ..دي عليها كرزيتين حلوين ممزوجين بلذة الكيوي 

لم تفهم قصده وأطرقت رأسها بخجل متسائلة : 

-تقصد أي ؟! 

-هقولك بعدين ..المهم هجبلكم فطار واجي 

غادر الغرفة فتنهدت ندى بهدوء ثم جلست على حافة الفراش تتحدث مع ريان ..بعد ربع ساعة تقريبًا عاد ومعه الكثير من السندوتشات والعصائر المعلبة ..وضعهم عند مقدمة الفراش ثم ساعد ريان على رفع ظهره واضعًا خلفه وسادة ثم أعطى له سندوتش.. وتناول عصير معلب وقام بوضعه جانبه ليتناوله بعد الطعام ثم أخذ سندوتش ومد يده إلى ندى لتأخذه 


وبعد دقائق صدح صوت هاتفه فوضع السندوتش جانبًا ليخرج الهاتف ويجيب على صديقه الذي يطلب منه الحضور إلى الشركة الأن ..بعد تبادل الحديث بينهم أنهى معه المكالمة ثم نهض متجه نحو المرحاض ليدخل و وقف يغسل يداه فيما وضعت ندى العصائر والمياه داخل ثلاجة صغيرة ثم جلست على المقعد المجاور للفراش ممسكة بيد ريان.. 


خرج رحيم وتناول المعطف ليرتدي ووقف بجوار الفراش وطبع قبلة على رأسه وتحدث بهدوء :

-هروح الشغل واجيلك على طول ..

رفع رأسه إلى ندى فأطرقت عيناها فورًا وهو يقول : 

-مش هوصيكِ عليه يا ندى 

-أكيد طبعًا 

طبع قبلة أخرى على يده قبل أن يغادر فنظرت ندى إلى ريان بابتسامة واسعة ولكن كان ريان حزينًا فتساءلت باهتمام : 

-ريان أنت وقعت ازاي ؟ 

-أنا كنت زعلان علشان بابي اتخانق معاكِ وافتكرتك هتمشي ..سرحت ولقيت نفسي وقعت 

وضعت يدها على شعره وقالت بحزن : 

-أنا مش همشي خالص 

ارتسمت ابتسامة طفولية على ثغرة الصغير لكن سرعان ما اختفت ابتسامته وتساءل بحزن : 

-هي مامي عرفت ؟ 

اومأت بالنفي وأجابت بتأكيد : 

-لو كانت تعرف أكيد كان زمانها هنا معاك 

-لاء مش هتيجي حتى لو عرفت 

تعجبت متسائلة : 

-ليه بتقول كده ؟! 

ابتلع لعابه وقال بحزن : 

-بعد ما مشيت أنا تعبت وكل اللي كنت عايزة ماما ..بابي قالها ومجتش 

اومأت بالفهم ثم قبلته على ظهر يده وقالت بمرح لتبديل ذلك الحوار :

-يلا نقرأ القصص ونتسلى 


" بعد مدة من الزمن.." 


الساعة الرابعة والنصف مساءً تناولت الغداء مع ريان بعد أن ارسله رحيم لهما ..وبعد ربع ساعة وصل رحيم ودخل حاملًا حقيبة هدايا و وقف بجوار الفراش متسائلًا : 

-حبيبي عامل أيه ؟ 

ابتسمت ندى فيما أخبره ريان أنه بخير ..جلس على حافة الفراش واستدار برأسه إلى ندى يتساءل عن حالها لتخبره بأنها بخير هي الأخيرة.. ثم أخرج من الحقيبة سيارة كبيرة وضعها أمام ريان قائلًا : 

-شوف بابي جبلك أي علشان تلعب بيها يا بطل بعد ما تخرج 

نظر ريان إلى السيارة بإعجاب ثم وضعها جانبًا لتحملها ندى تنظر إليها فيما رفع ريان ذراعيه إلى والده فانحنى الأخير بجذعه ليحتضنه وقبله على كتفه ثم ابتعد عنه ينظر إلى ندى ..في ذات الوقت اقتحمت جدته الغرفة وركضت أشرقت إلى الداخل تفاجأ رحيم بهما وشعر بالغضب منها لأنها جلبت أشرقت إلى هنا فيما هتفت الصغيرة باسم ندى الذي تركت اللعبة وركضت إليها لتحتضنها.. وقفت الجدة بجوار الفراش وقالت بحزن : 

-حبيبي ألف سلامة عليك 

عقد رحيم ذراعيه أمام صدره ينظر إليها بغضب شديد ركضت أشرقت إليه واحتضنت قدمه فانحنى برأسه ينظر إليها ثم جلس على ركبتيه ليحتضنها بقوة معبرًا لها عن مدى اشتياقه لها ..نظرت الجدة إلى ندى بعدم قبول متسائلة : 

-أنتِ بقى ندى المربية ؟! 

حركت رأسها موافقة وقالت بود : 

-سعيدة علشان شفت حضرتك 

قالت بتذمر : 

-وأنا مش سعيدة خالص.. 

تعجبت ندى فيما نهض رحيم ينظر إليها بحده وهي تتابع : 

-الأولاد مش محتاجين مربية ..لو سمحتي ابعدي عنهم 

قال رحيم ساخرًا : 

-أه طبعا بنتك مش مخلياهم يحتاجوا مربية 

لتنظر إليه بحده قائلة : 

-بنتي بعدت علشان شغلها يا رحيم بيه ..ولما تخلص أكيد هترجع

-بنتك ترجع مترجعش مبقاش يهمني ولا يهم الأولاد 

قذف تلك الكلمات بعصبية لتنظر ندى إلى ريان الذي يبدو عليه الحزن الشديد وأشرقت أيضا فتقدمت نحو رحيم وامسكت بمرفقه وهي تقول بهدوء : 

-مش وقته الكلام ده 

لينظر إليها ثم نظر إلى طفليه.. فيما قالت هي بحنق : 

-يا بريئة يا اللي ضحكتِ عليهم بكلمتين علشان تخطفي ابوهم منهم 

شهقت في دهشة من حديثها فيما نفذ رحيم صبره وقال بتهديد : 

-كلمة تانية وهطلعك بره

أمسكت بيد أشرقت وهي تقول :

-وعلى أي أنا ماشية ..يلا يا أشرقت 

تركت أشرقت يدها واحتضنت قدم والدها وهي تقول بحزن طفولي : 

-لاء أنا بحب بابي مش هاجي معاكِ 

زفرت بحنق ثم نظرت إلى رحيم نظرة قاتلة وهو ينظر إليها بتحدي مداعبًا شعر طفلته بيده ..قذفت ندى بنظرة نارية ثم غادرت فحمل رحيم طفلته وقال دون أن ينظر إلى ندى : 

-ندى أنا بعتذر على الكلام اللي سمعتيه ده ..هخرج شوية بس اشرب سيجارة 

-ولا يهمك ..اتفضل 

خلع حقيبة ابنته المدرسية التي على ظهرها وضعها جانبًا ثم غادر ..فقال ريان بحزن : 

-متسمعيش كلام نانا يا ندى 

تقدمت نحوه و وقفت لتقبله على رأسه ثم قالت : 

-قلتلك مش هسيبكم ابدًا 


عند الساعة العاشرة والنصف مساءً نعست أشرقت على الأريكة مستنده برأسها على جانب الأريكة و وضع رحيم معطفه عليها ..كان يشعر ريان بالألم في رأسه وبدأ بالبكاء متاوها حاولت ندى أن تهون عليه ولكن بلا جدوى فكان الألم يزداد وكان رحيم يشعر بالألم أضعاف فيما لمعت عيني ندى من الدموع وقالت بنبرة بكاء : 

-الدكتور اتأخر 

ضرب بقبضة يده على ظهر الفراش ثم خرج من الغرفة كالإعصار متجه نحو غرفة مكتب الطبيب ..عند وصوله اقتحم الغرفة وأخذ يوبخ الطبيب بعصبية على تأخيره ..نهض الطبيب وذهب معه إلى الغرفة وبدأ يتفقد حالته تحت أنظار ندى المتوترة والباكيه وانتقل بصر رحيم بين كلا من ندى والطبيب ..أعطى له مسكن ليهدأ ريان تدريجيًا ومسحت ندى دموعه وأخذت تمسح على شعره ..رفع ذراعه إلى والده ليقترب منه وأمسك بيده فقال ببكاء : 

-بابي متسبنيش وتمشي 

رفع يده إلى شفتيه يقبلها وأخبره أنه لن يتركه ..طلب الطبيب أن يتحدث معه جانبًا فخرج معه من الغرفة وقال رحيم بحسم قبل أن يتحدث الطبيب : 

-مستحيل امشي واسيبه ..أنا هدخل واقفل الاوضة وعلى مسؤوليتي 

-يا أستاذ رحيم مينفعش ..دا نظام المستشفى 

-مستعد ادفع للمستشفى كل اللي تطلبه ..وقلتلك وجودي هنا على مسؤوليتي.. 

ثم أردف بألم : 

-صدقني أنا لو سيبت ابني بعد ما اتراجاني مسيبوش احتمال اجي اعالج قلبي 

تنهد وهو يومئ موافقًا ثم قال : 

-ربنا يشفيه ويخليهولك 

ثم تركه وغادر فهمس باسم " الله " ثم دخل الغرفة واغلق الباب جيداً.. ووقف عند مقدمة الفراش ينظر إلى طفله الذي ذهب إلى النوم ..رفع يده ليضعها على جبينه متجه نحو الأريكة ليجلس بجوار طفلته وقبلها على وجنتها ثم استند بمرفقيه على ركبتيه واضعًا رأسه بين يديه مغمض عينيه بإرهاق ..استدارت ندى برأسها لتنظر إليه بتأثر ثم نهضت متجه نحوه لتجلس بجواره ليشعر بها وقال بجدية : 

-تعبان يا ندى

اجتمعت الدموع حول مقلتيها عاقده حاجبيها وشعرت بألم في قلبها من أجله وقالت بنبرة بكاء : 

-أنا معاك و كله هيبقى تمام وريان هيبقى أحسن من الأول ..

أزاح يديه عن رأسه ناظرًا إليها ثم مسح أسفل عينيها بـ إبهامه و وضع رأسه على كتفها فرفعت يدها لتضعها على رأسه من الخلف تمسح على شعره.. وباليد الأخرى تمسح بجانب أذنه لتجعله يشعر بالأمان بوجودها واستندت بوجنتها على رأسه فأغمض عيناه مستسلما لها كالطفل ..ويشعر بالسعادة بلمسه يديها وبعد دقائق شعرت بثقل رأسه لتعلم أنه ذهب إلى النوم.. وجدت نفسها تطبع قبله رقيقه على رأسه.. ثم نهضت بهدوء لتضع رأسه على يد الأريكة برفق وجاءت تسير شعرت بيده تقبض على معصمها قائلًا بنعاس : 

-خليكي جنبي 

جلست على الأرض أمام رأسه فوضع يدها على شعره طالبًا بالمزيد من حركة يدها اللطيفة بين خصل شعره.. فابتسمت وبدأت تداعب خصل شعره ناظرة إليه بحب مستنده بوجنتها على يدها الأخرى وتحدثت مع نفسها : 

-شكلك حلو أوي وأنت نايم ..شبه الاطفال ..أنت حنين أوي يا رحيم فعلًا اسم على مسمى ..بس نفسي تبطل عصبية


بعد نصف ساعة تقريبًا نهضت عن الأرض وتناولت سجادة صلاة لتضعها على رحيم والقت نظرة على أشرقت ثم جلست على المقعد المجاور للفراش واضعة رأسها على الفراش لتذهب إلى النوم..


استيقظ على اذان الفجر ونهض يطقطق ظهره وذراعيه ثم عنقه.. نظر إلى ندى وتقدم نحوها و وقف جوارها يمسح على شعرها برفق ينادي عليها لتفتح عيناها وتنظر إليه بلهفة فقال بهدوء : 

-قومي نامي جمب أشرقت 

التفتت برأسها إلى الصغيرة وهي تومئ موافقة ثم نهضت وجلست على الأريكة وضمت أشرقت إليها ..دخل رحيم المرحاض ليتوضأ ثم خرج يصلي فرض الفجر وعقب انتهائه بدأ بالدعاء إلى الله بالشفاء العاجل لطفله ..ثم نهض ليجلس على المقعد المجاور للفراش وأمسك بيد طفله.. 


بعد ساعات ليست قليلة كتب الدكتور خروج لريان ليحمله رحيم على ذراعيه وخرج أخيرًا ومعه طفلة الغالي ..هنئه السائق على شفاء ريان فشكره رحيم وجلس على المقعد الامامي واضعًا ريان على قدميه وجلس كلًا من ندى وأشرقت على المقعد الخلفي ليصلوا إلى المنزل بسلام وصعد به إلى الطابق العلوي.. بعد أن سبقتهم ندى وفتحت باب الغرفة.. 


دخل رحيم بابتسامة واسعة فيما تفاجأ ريان بالكثير من البالون المرتفع ودخلت أشرقت تركض إلى البالونات ..وضع ريان على الفراش برفق ثم تناول مفرقعات وحركها بشكل دائري لتصدر صوتا عاليا ويخرج منها زينة بألوان كثيرة ..صفق الطفلان بسعادة فيما احتضنت ندى يديها تنظر إليهم بسعادة ..رن هاتف رحيم فترك ما في يده وأمسك بيد طفله يقبلها ثم خرج ليتحدث في الهاتف ..جلست ندى على حافة الفراش أمام ريان ومسحت الزينة التي سقطت على شعره ..


وقف علاء أمام الباب يدقه فرفعت ندى رأسها لتنظر إليه واختفت ابتسامتها فورًا عندما تذكرت ما بدر منه بالأمس ونهضت فدخل علاء ليجلس بجوار ريان ليشعر بالحزن عندما رأى لاصقه على جانب رأسه وقدمه المجبسة ..قبله على رأسه وأمسك بيده قائلًا : 

-الف سلامة يا بطل ..

ثم نظر إلى ندى وقال : 

-أنا أسف على اللي حصل مني امبارح ..مع إني مش فاكر حصل أيه

لوت ثغرها وقالت بتذمر دون أن تنظر إليه : 

-طالما مش فاكر بتعتذر ليه ! 

-بعتذر علشان حاسس أن حصل حاجة 

استأذنت من الطفلان وغادرت لتقابل السيدة وفيه حاملة صينية طعام وطلبت من ندى أن تتناول طعامها مع الاطفال لكن اعتذرت فهي حقا تود أن تستريح ..تابع كل منهم السير ودخلت ندى الغرفة واوصدت الباب ثم بدلت ثيابها والقت بجسدها المرهق على الفراش.. 


مضت أيام تليها أيام ولم تترك ريان لحظة واحده وتأخذه إلى حديقة المنزل لتلعب معه بقذف الكرة بالأيدي وعندما تعود أشرقت من المدرسة تشاركهم اللعب.. وكان أحيانا يراقبهم رحيم من خلف نافذة مكتبه..


خرجت من غرفة ريان بعد أن اطمأنت عليه وهبطت الدرج كان علاء يصعد و وقف أمامها لتتوقف وقال مبتسمًا : 

-أنا مش عارف اتكلم معاكِ 

-أنا مش فاضية اتكلم مع حد 

كاد أن يتحدث ألا أنه رأى رحيم يخرج من غرفته متجه نحو الدرج و وقف ينظر إليهم ثم نظر إلى ندى متسائلًا : 

-ريان عامل أي ؟! 

-بخير الحمد لله ..اخد العلاج 

ثم استأذنت وهبطت الدرج فيما نظر رحيم إلى شقيقه بحنق فتركه وصعد إلى غرفته.. أكمل رحيم طريقة ينادي على ندى التي عادت إليه فطلب منها أن تأتي معه.. ثم دخل غرفة المكتب فلحقت به ودخلت بينما جلس رحيم على المقعد الخاص به وفتح شاشة الحاسوب واشار إلى المقعد عازمًا عليها بالجلوس فجلست وهي تنظر إلى الأمام ..كان يقلب في بعض الصور قائلًا : 

-عارف أن ذوقك عالي اوي يا ندى.. 

عقدت بين حاجبيها بعدم فهم بينما أدار شاشة الحاسوب إليها وتابع : 

-في عرض ازياء مهم جدًا وعايزك تختاري فستان من التلاتة دول يبقى الرئيسي 

نظرت إلى شاشة الحاسوب ليلفت نظرها فستان أبيض مجسم طويل ذو حملات عريضة وفوقه طبقة من الشيفون بذات لونه وطولة مزينة بورود صغيرة لونها أزرق كالسماء متناثرة.. أشارت إليه بإعجاب قائلة : 

-الأبيض طبعًا 

ادار الشاشة إليه ينظر إليه وتساءل باهتمام : 

-ليه الأبيض ؟

نظرت إلى الأمام وقد تنهدت بعمق وقالت : 

-الأبيض بياض القلب ..الأبيض مبهج بيدل على أي حاجة حلوة..وأجمل حاجة بقى ان الورود زرقا.. الأبيض مع الأزرق بيفكرني بالبحر لما يحضن السما ..المنظر يريح النظر قبل العقل والبال 

لاحت ابتسامة جانبية على ثغره وهو يومئ بالإيجاب ثم قال : 

-أنا عازمك على العشا بره ..يا ريت تلبسي الفستان اللي جبتهولك عشان كان روعه عليكِ ..هنتظرك الساعة تمانية يعني يدوب تجهزي 


أطلقت رأسها خجلًا و وافقت على العشاء ثم نهضت مهروله إلى الخارج متجه إلى غرفتها.. ودخلت تستدير حول نفسها بسعادة حتى وصلت إلى خزانة الثياب وأخرجت الفستان تستدير به متجه إلى الفراش لتضعه عليه ..ثم دخلت المرحاض أخذت حمامًا سريعًا وخرجت لتجفف شعرها بالمجفف ثم ارتدت الفستان وتركت شعرها مفرودًا و وضعت القليل من مساحيق التجميل الهادئة للغاية ثم نفثت القليل من عطرها المفضل ..


وصلت رسالة إلى هاتفها فأخذته لتفحص الرسالة المرسلة من رحيم ثم وضعته في الحقيبة وخرجت من الغرفة بل من المنزل أيضًا ..كان ينتظرها مرتدي بدلة سوداء أنيقة وعطرة الرجولي وصل إلى جميع حواسها بمجرد أن خرجت ..فتح لها الباب الأمامي فجلست على المقعد ثم أغلق الباب وأسرع متجهًا إلى الباب الثاني وجلس أمام المقود ليغادر...


عند وصوله صف السيارة وترجل متجه نحو الباب الثاني بخطوات ثابتة وفتح لها الباب ومد يده الأخرى لتضع يدها عليها وخرجت بمساعدته.. ثم أغلق الباب ودخل المطعم برفقتها ولم تجد أحد في الداخل وأخذها إلى طاولة بيضاء مفرشها أزرق ..سحب لها المقعد لتجلس وجلس أمامها وبينهم شمعه صغيرة على شكل قلب.. 


استمعا إلى صوت موسيقى هادئة ممزوجة بصوت أمواج البحر ..نظرت حولها فقال مبتسمًا : 

-أنا حجزت المكان كله علشان نبقى لوحدنا ..وبما أنكِ بتحبي اللونين الأبيض والأزرق فطلبت الطرابيزة دي مخصوص لعيونك.. 

أطرقت عيناها فيما أقترب منها برأسه هامسًا :

-مع اني حاسس أنكِ حبيتي اللونين دول علشاني 

ابتسمت تعض على شفاها السفلى من الداخل وقد اصطبغت وجنتيها بحمرة الخجل وبعد لحظات جاء النادل و وضع أمامهم أطباق العشاء الذي طلبه رحيم.. وهي أصناف الطعام المفضلة لدي ندى مما ضمت شفتيها وهي تنظر إلى الطعام بإعجاب.. وتناولت بشهية مفتوحة فابتسمت عيني رحيم لمجرد أن رأى سعادتها وبدأ يتناول معها الطعام وتحدث معها بكل اريحيه وهي تستمع إليه باهتمام ..


-بالرغم من اني عليت صوتي عليكِ لكن في وقت ما احتجتك نسيتي الخلاف اللي بينا و وقفتي جنبي يا ندى ...

ابتلعت الطعام وابتسمت باضطراب فتابع : 

-أنا بحب والدي جدًا يا ندى ..لما تعب أصريت أنه يجي يقعد عندي هو وماما ..الست جيجي مستحملتش.. 


"فلاش باك.." 


تحدثت بعصبية : 

-أنا مش عارفه اخد حريتي في البيت ..بيت كئيب وخنيق وريحته أدوية.. 

كان جالسًا على الفراش مستند بظهره إليه عاقدًا ذراعيه أمام صدره ينظر إليها بجمود وهي تروح وتجي أمام الفراش وتابعت بتذمر : 

-دا مبقاش بيت دا بقى مستشفى بجد..

توقفت عن السير ونظرت إليه بغيظ متسائلة : 

-أنت مبتردش عليا ليه يا رحيم 

جز أسنانه وتحدث بهدوء على عكس الغضب الذي يشعر به : 

-عايزاني اعمل أي يا هانم 

-تشوفلي صرفه مش هستحمل العيشة دي 

قال ساخرًا : 

-حاضر هقوم اطردهم واقولهم معلش مراتي مش عايزاكم 

تحدثت بحنق : 

-أنت بتتريق ! 

نهض عن الفراش وقال بعصبية مفرطة : 

-أمال عايزاني اسمع كلامك ..دا أبويا فاهمة ولا مش فاهمه 

قالت بتحدي : 

-يا أنا يا هما في البيت 

لم يجب عليها وترك الغرفة وفي اليوم الثاني حضرت امتعتها وامتعت الاطفال الذين يبلغون ثلاثة سنوات من عمرهم وغادرت المنزل ..وبعد مضي سبعة أشهر توفى والده..


" انتهاء فلاش باك.. "


تأثرت ندى من حديثه كثيرًا وهو يتابع : 

-العيلة كلها جت العزا ألا هي علشان كانت لسه زعلانه مني ..بعد وفاته بخمس ايام رجعت البيت بصراحه مكنتش طايقها بس استحملت علشان الأولاد ..بعد شهرين بس يا ندى اتخنقت معايا علشان أمي.. 

أبتسم بحزن ونظر إليها متسائلًا : 

-طب بالله عليكِ ازاي اخليها تمشي وتقعد لوحدها في البيت اللي ييفكرها بوالدي ؟..

زمت شفتيها وهي تحرك رأسها فقط وقد تجمعت الدموع حول مقلتيها فتابع : 

-أمي لما حست بعدم قبولها من جيجي حبست نفسها في الاوضة يا ندى ..ادخل الاقي صينية الاكل وبتاكل لوحدها ولما اسألها تقولي علشان مزعلش مراتك وتحلفني برحمة والدي أن معملش معاها مشكلة.. 

تنهد بعمق ثم تناول بعض الماء وتابع : 

-لما رانا رجعت رحبت بيها في بيتي ويومين وجيجي عملت معاها ومعايا مشكلة رجعت من الشغل ملقتش أمي ولا أختي عرفت أن هما سابوا البيت بسببها ..عملت معاها مشكلة جامدة وكنت هطلقها لولا أمي ..بعد ما رانا سافرت أمي رجعت تعيش معايا كانت سنه ما يعلم بيها إلا ربنا ..لحد ما عملت معايا مشكلة وتاني يوم ملقتهاش يومها أمي كانت مسافرة أمريكا عند علاء علشان محضرش عزا والده ..ودي الحكاية 

اندهشت ندى قائلة : 

-بقالها سنتين مسألتش على ولادها !.. بس مدام وفيه قالت من كام شهر بس 

-أنا اتفقت معاها تقول كده لأي مربية تسأل 

أشار إلى النادل فجاء ليحمل اطباق الطعام وترك لهم العصير فقال مبتسمًا : 

-كفاية نكد بقى وخلينا في الجد.. 

انحنى بجذعه وأخرج من أسفل الطاولة باقة ورد بيضاء وزرقاء وضعه أمامها تفاجأت ندى بها وبألوانها أيضًا.. فيما أخرج صندوق مستطيل الشكل واطفأ الشمعة بيده قبل أن يضع الصندوق أمامها وطلب منها أن تفتحه ..نفذت رغبته لترى علبه صغيره أسفلها فستان أبيض قامت بفتح العلبة لتجد خاتم بشكل لؤلؤة زرقاء وقلادة على شكل القلب " قلب إنسان " وأسواره على شكل نبضات ..نهض متجه نحوها و وقف بجوارها أخذ الخاتم وضعه في أصبع يدها ثم أخذ القلادة و وقف خلفها ليساعدها في ارتدائها ثم وضع شعرها خلف أذنها وهمس : 

-دا قلبي يا ندى.. 

وضعت يدها على القلادة مغمضة عيناها بتوتر ثم أخذ الأسواره ووضعها حول معصم يدها ثم أدار يدها ليطبع قبلة رقيقة على راحتها ونظر إليها قائلًا : 

-و دي نبضاته.. 

فتحت عيناها لتنظر إلى معصم يدها المزين بنبضات قلبه فقال بتأكيد : 

-دي نبضات قلبي فعلًا ..روحت للدكتور صورلي نبضات قلبي على الجهاز بعدها روحت لصديق ليا متخصص في عمل الاكسسوار ادتله الصورة يعمل أسوره شبه النبضات بالماس 

أدارت وجهها إلى الاتجاه الأخر بخجل واضح فقبلها على وجنتها بلطف ثم أخرج الفستان من الصندوق طالبًا منها أن تنظر إليه.. لتنفذ رغبته وتفاجأت بأنه الفستان التي قامت باختياره اليوم ..نهضت عن مقعدها وأمسكت بالفستان بإعجاب شديد فعقد ذراعيه أمام صدره يتطلع إليها بعينين لامعتين من السعادة لكونه تسبب في سعادتها وقال بهدوء : 

-كان لازم أنتِ اللي تختاري وكمان حبيت أعرف ألوانك المفضلة 

ثم أخذ الفستان وضعه كما كان وأمسك بيدها متجه نحو ساحة الرقص لتشتغل أغنية رومانسية هادئة ..وضع يديها على كتفيه ثم وضع يديه على خصرها وتمايل معها على أنغام الموسيقى ولا أحد في هذا المكان سواهم ..دفن أنفه بين خصل شعرها يستنشق رائحتها الأنثوية الرائعة التي تشعره بكونه رجل وهي تستنشق عطره الرجولي الذي يأخذها إلى عالم أخر لم تجد له تفسيرًا حتى الأن.. 


ضمها إليه وهمس في أذنها بنبرة رجولية : 

-عارفة أنا حبيت الندى علشان على اسمك ..بصحى الفجر أصلي وادعيلك وانزل المس الندى اللي على الورد ..الورد اللي شبه خدودك ..خدودك اللي دوبت فيها وبحس بالسعادة لما أيدي بتلمس خدودك الناعمة ..

ابتلعت لعابها بصوت مسموع حتى وصل إلى مسامع أذنيه فنظر إليها رافعًا يده اليمين وضعها أسفل ذقنها ليرفع رأسها مصرًا على أن تنظر إليه ..توقفت عن الرقص وتشجعت لتنظر إليه فرفعت عيناها لتتقابل وجه قهوته مع مقلتيه السوداء التي تنظر إليها بحب بالغ.. ولكن سرعان ما أغمضت عيناها وأخذ صدرها يعلوا ويهبط فلم تتحمل أن تنظر إليه ..مسح على شفتيها بـ إبهامه مشددًا بيده الأخرى على خصرها وانحنى برأسه يكاد أن يخطف قبلة أخرى ولكن توقف عندما تذكر يوم اغمى عليها فاكتفى بقبلة قريبة من شفتيها حتى لمست قبلته جانب شفتيها ثم همس بالقرب منهما : 

-بقيت اعشق طعم الكرز لأنه بطعم شفايفك الممزوجة بين الكرز الحلو واللذة اللي في الكيوي.. 

لتتذكر كلمات الغزل الذي هتف بها في المشفى لتعلم الأن بماذا كان يقصد لتنتشر حبات العرق الباردة على وجهها.. مسح على وجنتها متابعًا : 

-بعشق وجه القهوة عشان لون عيونك ..عيونك اللي خطفتني خرجت الرحيم اللي جوايا.. 

مرر يده على ملامح وجهها حتى هبط إلى عنقها متابعًا : 

-لما ابصلك بصالح الدنيا وبنسى جرحي.. 

ثم انحنى برأسه ليدفن وجهه في كتفها قائلًا : 

-مهما جبتلك من هدايا مش هقدر اوفي حقك يا ندى ..شكرًا لوجودك..

ثم ابتعد عنها لينظر إليها وهي تنظر إلى الأرض فأحاط وجنتيها بيديه مستند بجبينه على جبينها وتساءل : 

-مش عايزة تقولي حاجة ؟! 

قبضت قبضتها مغمضة عيناها بقوة و وجدت نفسها تقول بتوتر واضح في نبرة صوتها : 

-مش عايزة أقول حاجة غير ..غير ..

أخذت تلهث بصوت مسموع فطلب منها أن تكمل فهو لم يستمع إليها بل قلبه هو الذي يستمع.. فابتلعت لعابها بصوت مسموع وتابعت بنفس نبرة التوتر : 

-غـ غير ..اني ..يعني ..اني بـ بحبك 

اغمض عيناه هامسًا : 

-يا أيه ؟! 

جحظت عيناها وازدادت دقات قلبها التي تدق في صدرها وقالت باضطراب : 

-بـ با بحبك يا ..يا ر رحيم 

شعر بااسكينة داخل قلبه ثم ابتعد عنها لينظر إليها وقال بنبرة رجولية ثقيلة : 

-بحبك يا ندى 

وجدت نفسها تقول دون تفكير : 

-بتهزر 

قطب جبينه مبتسمًا ثم احتضنها هامسًا بجوار أذنها : 

-وحياتك عندي بحبك 


" المشهد 11.. "

" نظرة خجل.. "

شعر بثقل جسدها فضحك ضحكة خفيفة ثم عاد بها إلى الطاولةِ لتجلس على المقعد واعطى لها كوب ماء تناولت منه الكثير ثم وضعته أعلى الطاولة وقالت دون أن تنظر إليه : 

-عايزة أمشي حالًا 

وضع شعرها خلف أذنها فانتفض جسدها من لمسته ليشعر بتوترها الزائد وتركها حتى لا يحدث لها شيئًا ..ثم حمل باقة الورد واعطاها إليها وحمل هو صندوق الفستان مستعدًا للذهاب فنهضت متجهه نحو الباب مهروله.. لحق بها بخطوات ثابتة وعقب خروجه ضغط على زر فتح السيارة لتختبئ منه داخلها ..جلس هو أمام المقود وقام بوضع الصندوق على قدميها ثم قاد السيارة.. كانت ترمقه بنظرات سريعة وتشعر بالتوتر والسعادة معًا و يا له من شعور رائع حقا تود أن يبقى هذا الشعور في القلبِ للأبد..


عند وصوله صف السيارة فحملت أغراضها وترجلت فترجل هو الأخير واتجه نحو الباب وفتحه وجاءت تدخل وضع ذراعه أمامها مانعًا إياها من الدخول.. فابتلعت لعابها بصوت مسموع وحركت شفتيها تكاد أن تتحدث ولكن توقفت الكلمات في حلقها ..أخذ منها صندوق الفستان ثم تركها تدخل و تركض إلى غرفتها فيما دخل رحيم مغلقًا الباب خلفه واتجه نحو غرفتها بخطوات ثابتة كانت هي دخلت وأغلقت الباب ..وقف أمامه يدقه قاطبًا جبينه متسائلًا : 

-مش عايزة الفستان ؟ 

وضعت يديها على وجنتيها التي تتوهج من كثرة الخجل ثم فتحت الباب ومدت يدها وهي تطلب الفستان دون أن تنظر إليه ..ابتسمت عيناه وهبط برأسه وقبلها على يدها برقه.. اتسعت عيناها ساحبه يدها إليها وقالت بارتباك : 

-الفستان لو سمحت 

دخل الغرفة وألقى بالصندوق ليسقط على الفراش ثم أحاط خصرها وبيده الأخرى أغلق الباب وجعل ظهرها يلتصق به واضعًا يديه بجوار رأسها ..شهقت بخفه وحاولت أن تتجاوزه لكنهُ منعها وأخذت عيناه تفحص ملامح وجهها عشقًا ثم قال بنبرته الرجولية التي اهلكتها : 

-عايز أسمعها تاني 

دفنت وجهها في كفيها تومئ بالنفي فانحنى برأسه يقبلها على ظهر يدها لتتوتر أكثر وسحبت يديها فورًا عن وجهها ..تفاجأت بأنه قريب منها لدرجة كبيرة حتى يكاد أن يلامس شفتيها وانفاسها المضطربة اختلطت بأنفاسه الثابتة فوضعت يديها على وجهها ثانيةً وهي تترجى أن يخرج ..أطبق شفتيه على ظهر يدها ثانية لتشعر بدفئهما ثم رفع رأسه وقال بحسم : 

-اسمعها تاني الأول وبعدها هخرج 

أطرقت رأسها تجز أسنانها بشدة ثم قالت بتوتر شديد : 

-بـ با ..بـ بحبك 

أحاط خصرها بكلتا يديه فوضعت يديها على صدره محاولة إبعاده.. احتضنها أكثر لتلتصق في صدره وقال بلؤم : 

-مسمعتش كويس 

زفرت بغضب وحاولت التحرر من بين يديه وهي تقول بتذمر : 

-لاء بقى متحلمش بأكتر من كده 

شدد عليها أكثر بذراعيه القوية مستند بأنفه على وجنتها لتشعر بأنفاسه الثابتة تلفح وجنتها فاصطبغت بحمرة الخجل وهو يهمس : 

-هحلم بأكتر من كده بمراحل يا ندى ..بحبك 

ثم قبلها على جبينها بحنان وتمنى لها ليلة سعيدة وغادر الغرفة تاركًا إياها تتسارع مع أنفاسها التي تكاد أن تخرج من جسدها.. جلست على حافة الفراش تنظر إلى يديها التي ترتعش وكأنها كانت في حرب وبعد لحظات ابتسمت وكلمة " بحبك "  لاتزال تتردد في أذنها بصوته الرجولي الذي خطف روحها

***

صباح اليوم التالي تناولت الفطار مع الاطفال في حديقة المنزل.. وبعد انتهاء الطعام ساعدت ريان على الصعود إلى غرفته وفتحت له ألعاب الفيديو يتسلى بها ثم نظرت إلى ساعة يدها قائلة : 

-ساعة واحده بس يا ريان 

لينظر إليها بتذمر طفولي قائلًا : 

-ندى احنا خدنا الإجازة 

أرتفع حاجبيها بتعجب وقالت ساخرة : 

-قال يعني حضرتك طالع من ثانوية عامة ..دا أولى ابتدائي يعني يعتبر طول السنه اجازة اصلا.. 

ليلوي ثغره ثم تابع اللعب فقالت وهي واقفة أمام الباب : 

-هجيلك كمان ساعة 

ثم أغلقت الباب واتجهت نحو الدرج واستمعت إلى صوت رحيم لتشعر بنبضات قلبها العالية تدق في صدرها و وقفت أمام الدرج تنظر إليه ..كان يجلس على ركبتيه أمام أشرقت ويبدو أنهم يرون شيئا هي لم تراه ..هبطت الدرج واقتربت خطوتين فقط و وقفت تفرك في أصابع يديها بتوتر ..نظرت أشرقت إليها وأشارت إليها أن تأتي قائلة : 

-ندى تعالي شوفي بابي جبلي أيه 

التفت رحيم برأسه إليها وبمجرد أن وقع نظره عليها اتسعت عيناها وازدادت دقات قلبها ليصل صوتها إلى أذنيها ..استمعت إلى صوت " مواء " فعلمت أنها قطة فقالت بخوف : 

-قطة ..لاء بخاف من القطط 

نهض رحيم متجه نحوها وهو يقول بذلك الصوت الذي يجعلها تذوب به : 

-حد يخاف من القطط ألا اذا كان رقيق وجميل زيك.. 

ثم أمسك بكفها وعاد إلى القطة فتوقفت عن السير وقالت بجدية : 

-بخاف منها بجد 

جلس على ركبتيه وأجلسها معه وهي شبه مختبئة خلفه ثم وضع يدها على رأس تلك القطة البيضاء فشهقت بخوف وبيدها الأخرى تشبثت في معطفه من الخلف ليشعر بتشبثها به زابتسمت عيناه وتحدث سرًا : 

-لو كان الخوف كده فلازم اخوفها كل يوم 

ثم ترك يدها لتسحبها من على القطة فورًا ونهضت لتبتعد عنها فنهض هو الأخير وتقدم نحوها و وقف بجوارها هامسًا : 

-جميلة حتى وأنتِ خايفة 

ثم تركها واتجه نحو الدرج فيما ابتسمت ندى ومسحت على وجنتيها مستديرة بكلتها لتنظر إليه حتى دخل غرفته ..حملت أشرقت القطة وطلبت من ندى أن تأتي معها إلى الحديقة.. فخرج الاثنان و وقفت ندى عن بعد تجانبًا للقطة.. وضعت القطة أمامها فصرخت ندى وتراجعت للخلف خطوتين وهي تقول بجدية : 

-أشرقت أنا بجد بخاف من القطط 

ابتسمت أشرقت وقالت بمزاح : 

-هو في حد بيخاف من القطط 

ابتلعت ندى لعابها بصوت مسموع وفي لحظة قفزت القطة على قدمي ندى فصرخت بفزع وتعثرت وهي تتراجع للخلف في توتر فسقطت في حمام السباحة ..جحظت عيني الصغيرة وصرخت باسم ندى التي تطلب النجدة من الغرق وترتفع رأسها وتهبط ثانية عدة مرات ..اقتربت أشرقت من حمام السباحة و وجدت نفسها تبكي خوفا على ندى ثم ركضت إلى الداخل تنادي بهستيريا البكاء : 

-بابي ..بابي.. 

خرج رحيم من غرفته فور سماعه لنداء أبنته بهذا الشكل وكان ماسكًا بسترته التي كان سيرتديها و وقف أمام الدرج ينظر إليها بلهفة قلق فقالت قبل أن يتحدث : 

-ندى يا بابي هتغرق 

اتسعت عيني رحيم تاركًا السترة تسقط أرضا وهبط الدرج بالقفز وخرج ليجد ندى مستسلمة للغرق.. قفز في المياه يسبح إليها ثم رفعها للأعلى و وضعها على الحافة.. خرج وجلس بجوارها على ركبتيه يربت على وجنتها برفق وهو يقول بخوف واضح : 

-ندى ..فوقي يا ندى.. 

أخذ يضغط على مقدمة صدرها ثم مسح على شعره المبلل للخلف وهو ينظر إليها بقلق واضح.. وأخذ يحرك رأسه بالنفي وقال بنبرة ألم : 

-لاء يا ندى فوقي ..ندى 

شعر بأنه سيجن ثم انحنى واعطى لها تنفس صناعي وضغط على مقدمة صدرها ولكن بلا جدوى ..فجز أسنانه وبدا يضغط أكثر بجنون وقلبه يعتصر ألما فلم يطيق فراقها ثم بدًأ يهز رأسها وهو يقول بألم :

-لاء يا ندى ..ندى ..ندى مقدرش أعيش لحظة من غيرك

أعطى لها تنفس صناعي وعاد بالضغط على مقدمة صدرها فعل هذا مرتان حتى خرجت المياه من فمها وسعلت بقوة ..وضع يده أسفل رأسها وبيده الأخرى يمسح على وجنتها يتطلع إليها بعينين استحوذ الخوف عليهما ..نظرت إلى عيناه مباشرةً لترى ذلك الخوف في عيناه للمرة الأولى فابتسم لها ثم قبلها على جبينها وحملها على ذراعيه ليدخل بها.. في ذات الوقت كانت تدخل السيدة وفيه المنزل بعد أن جلبت طلبات البيت.. وعندما رأتهم تركت ما في يدها ولحقت بهما إلى غرفة ندى ..وضعها على الفراش برفق ثم وضع الغطاء عليها وصعدت أشرقت إلى الفراش وقالت بحزن : 

-أسفه يا ندى 

لتنظر إليها ومسحت دموعها وقالت بصوت مبحوح : 

-متزعليش حبيبتي أنا كويسه 

دخلت السيدة وفيه تساءل عن حالة ندى لينظروا إليها دون أن يتفوه أحد بكلمة فتعجبت وكررت سؤالها فقال رحيم بنبرة ألم : 

-وقعت في حمام السباحة  ..من فضلك اعملي لها مشروب دافي 

ثم خرج تحت أنظار ندى التي يبدو عليها السعادة ونظرة الخوف التي رأتها في عيناه عالقة في ذهنها ..لم تفيق سوى على يد السيدة وفيه التي تمسح على شعرها وقالت : 

-الحمد لله يا بنتي جت سليمة ..قومي غيري هدومك على ما  اعملك ينسون 

ثم خرجت مغلقة الباب خلفها فنهضت ندى وأخذت ثياب من الخزانة ثم دلفت إلى المرحاض ..بعد دقائق خرجت و وقفت أمام المرآة تمشط شعرها فقالت أشرقت : 

-خليني أسرح لك شعرك 

لتراها ندى في المرآة ثم التفتت متجه نحو الفراش وجلست بجوار الصغيرة واعطت لها الفرشاة لتمشط شعرها وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي ندى مستمتعة بتمشيط الصغيرة لها.. دخلت السيدة وفيه وضعت الكوب أعلى المنضدة الصغيرة المجاورة إلى الفراش ثم نظرت إلى ندى وقالت بحنان : 

-اشربي وارتاحي شوية 

اومأت موافقة فيما نظرت السيدة وفيه إلى أشرقت بابتسامة وعلمت كم هي تحب ندى حقا ثم بدلت بها ملاءة الفراش المبللة بأخرى وبعد لحظات ..دق الباب فنظرت ندى إليه بلهفة على أن الطارق رحيم وعندما أذنت وفيه بالدخول فتح رحيم الباب ليرى ندى التي اتسعت ابتسامتها فور رؤيتها له.. لكن أطرقت رأسها دخل وعيناه مثبته على ملكة قلبه والتي اوجعت قلبه عليها اليوم ..تساءلت السيدة وفيه : 

-أنت خارج ؟! 

لينظر إليها بطرف عيناه ثم عاد بالنظر إلى ندى قائلًا : 

-أيوه أنا بس جيت اطمن على ندى قبل ما اروح المصنع.. 

ثم تناول الكوب ومد يده به إلى ندى قائلًا : 

-اشربيه كله يا ندى 

أخذت الكوب من بين يديه متمتمه بالشكر.. وقف ينظر إليها بحنان تحت أنظار كلا من ابنته والسيدة وفيه ولم يعطي لهما اهتمام ..يود أن يحتضنها ويخبرها أنه يحبها كثيرًا ويطمئنها على نفسها من أجله ..حرك فقط كفيه بخفة يكاد أن يحتضنها ولكن تذكر وجودهم فتنهد بهدوء واستأذن منهم ليغادر.. 


رفعت ندى رأسها ولاتزال الابتسامة مزينه ثغرها وبعد تناول الينسون أخذت وفيه الكوب وأخذت أشرقت وخرجت لتستريح ندى ..ضمت الوسادة إليها تتذكر نظرات رحيم إليها وتبتسم.. 


...... الساعة الثانية عشر صباحًا حاول رحيم أن يذهب إلى النوم و تململ على الفراش وهو يزفر بسأم ..فقلبه يود أن يطمئن على ندى لدرجة كبيرة فقد جاء من العمل رآها نائمة ولم يتمكن من رؤيتها.. ألقى بالغطاء بعيدًا ونهض يرتدي حذائه ثم خرج من غرفته مغلقًا الباب خلفه بهدوء هبط الدرج سريعًا متجه نحو غرفة ندى ..وقف يدق الباب ولم يجد رد فدق مرارًا وتكرارًا ثم استند بجبينه على الباب هامسًا : 

-اصحي يا ندى

لم يسأم ودق الباب ثانية حتى استيقظت ندى بوجه عابس ونهضت عن الفراش بلهفة قلق وفتحت الباب.. تنهد رحيم بعمق ليشعر بالارتياح فيما تفاجأت هي به وتساءلت بتوجس : 

-حصل حاجة ؟! 

صمت للحظات ثم أومأ بتأكيد ودخل مغلقًا الباب خلفه.. واحتضنها بقوة هامسًا :

-ندى 

ثم اغمض عيناه مستنشقًا للهواء بهدوء..اتسعت عيناها قليلًا معلقه يديها في الهواء وبعد لحظات ابتعد عنها وهو يلتقط أنفاسه بصوت مسموع واضعًا وجنتيها بين راحتي يديه قائلًا :

-مقدرتش انام غير لما اطمن عليكِ 

ابتلعت لعابها مغمضة عيناها وقالت باضطراب : 

-أنا بخير 

استند بجبينه على جبينها يومئ بالنفي وقال بجدية : 

-بس أنا مش بخير يا ندى ..مش متخيل انك كنتِ هتبعدي عني.. 

ثم ميل برأسه و وضع شفتيه على وجنتها بلطف بعد ذلك ابتعد عنها وحملها على ذراعيه ليضعها على الفراش برفق و وضع الغطاء عليها وجلس على حافة الفراش رافعًا قدمه اليسرى إليه.. ثم مسح على شعرها قائلًا : 

-هفضل جمبك لحد ما تنامي 

رفعت عيناها إليه في لحظه ثم تململت لتستقل على جانبها اليمين مواليه له ظهرها ..ابتسمت عيناه ينظر إليها وهي تحرك مقلتيها متعجبة من تصرفاته ثم ابتسمت واغمضت عيناها لتكمل نومها.. استند بجانب رأسه على قبضة يده غلبه النوم وسقطت رأسه على الوسادة.. 


" في الصباح.." 


فتح عيناه ببطء ورفع رأسه عن الوسادة ليشعر بيدها المتشبثة في كنزته لينحني برأسه ليرى يدها ثم رفع عيناه المبتسمه إليها ومسح على وجنتها.. استيقظت تنظر حولها وتفاجأت به فرفعت ظهرها عن الفراش في دهشة متسائلة : 

-أنت بتعمل اي هنا ؟! 

ثم تركت الفراش فابتسم وقال بمكر : 

-أنتِ اللي كنتي ماسكة فيا 

وضعت يدها على جبينها وقالت بحنق : 

-رحيم أخرج من هنا 

نهض عن الفراش رافعًا سبابته وهو يقول مداعبًا : 

-هخرج بس أنتِ الخسرانة 

ثم خرج مغلقًا الباب خلفه فابتسمت ندى واضعة يدها أعلى صدرها ثم تنهدت بعمق وقالت : 

-بحبك 

***

وقف يضبط ثيابه أمام المرآة فيما دق الباب فأذن بالدخول ليفتح علاء الباب ينظر حوله حتى رأ شقيقه.. ثم دخل متجه نحوه و وقف بجواره يضبط معطفه هو الأخير ثم قال : 

-مضطر اروح المصنع النهاردة اجرب حظي تاني 

ليقول رحيم بسأم وهو يضع من عطرة : 

-اتمنى علشان أنا زهقت منك 

ارتفع حاجبي علاء واستدار نصف استدارة قائلًا : 

-احترم فرق السن اللي بينا 

ليستدير إليه هو الأخير وقال مبتسمًا : 

-حاضر ..وأنت كمان احترم سنك وغير من نفسك.. 

ثم أردف : 

-و دي اخر فرصه ليك في المصنع 

-ماشي يا عم المدير ..وصلني في طريقك بقى 

-بكل سرور 


أما في الأسفل وضعت أشرقت القطة في الداخل ثم خرجت إلى الحديقة لتجلس مع ندى ..فيما هبط رحيم الدرج برفقة شقيقه في حين دخلت السيدة وفيه لتراهم يتحدثون معًا وابتسامة على شفتي رحيم .. ابتسمت وأخذت تدعي سرًا أن يصلح حال علاء ..وقف رحيم أمامها وقال : 

-هروح الشركة يا فوفا ونص ساعه بإذن الله وهرجع البيت 

-وأنا كمان.. 

قاطعه شقيقه بمرح : 

-أنت كمان ايه ؟؟ ..دا لسه أول يوم يعني لسه متعرفش مواعيدك اصلًا 

ضحكت السيدة وفيه على حديث رحيم وضحك علاء ضحكة خفيفة ثم لكزه بخفه وأشار إلى الباب قائلًا : 

-طيب يلا اتفضل 

ذهب الإثنان ودخلت السيدة وفيه المطبخ ..أما في الحديقة كانت ندى تضع قدم ريان على مقعد أخر وهو يلعب بالمكعبات على الطاولة ..ثم نظر إليها بسأم متسائلًا : 

-ندى الجبس دا هخلص منه امتى 

قبلته على وجنته ثم قالت بمرح : 

-قريب يا بطل 

تركته يكمل تركيب المكعبات وذهبت إلى أشرقت تلعب معها كرة السلة كانت تحمل أشرقت لتضع الكرة في السلة ثم تضعها على الأرض ثانية فتساءلت الصغيرة : 

-ندى متعرفيش تلعبي سلة ؟! 

جلست على الأرض عاقدة قدميها وهي تجيب عليها : 

-لاء عمري ما لعبتها ..أنا كان أخري اروح النادي العب شوية رياضة واجري وبس كده 

جلست أمامها على ركبتيها وقالت مبتسمة : 

-لما بنروح النادي يوم الجمعة بابي بيلعب معانا سلة وشاطر فيها اوي 

قالت بمزاح : 

-ما هو بابي ما شاء الله طوله مساعدة 

ضحكت أشرقت وهي تأكد على حديثها ..دغدغتها ندى بمرح لتضحك أكثر ثم ضمتها إليها ..وبعد ساعة ونصف تقريبًا جلست على الأريكة بجوار أشرقت التي ترسم وندى تراسل صديقا لها ..بعد أن انتهت أشرقت رفعت الورقة لتراها ندى فتركت الهاتف على قدميها ونظرت إلى الرسمة بإعجاب شديد قائلة : 

-واو.. فنانه يا روحي الله أكبر 

-ثانكس ندى.. 

ثم وضعت الورقة كما كانت ونظرت إلى شاشة الهاتف لترى صورة كتاب فقالت : 

-دا شبه كتاب بابي.. 

لتنظر ندى إليها وجعلتها تنظر إلى الكتاب بتمعن لتتأكد من حديثها وقالت : 

-شوفته بيقرأ فيه قبل كده 

-فين يا عفريته 

لتخبرها بأنه في غرفته فقبلتها ندى على وجنتها ثم نهضت عن الاريكة متجه إلى الداخل من ثم صعدت إلى غرفة رحيم بأريحية فتعلم أنه ليس هنا ..وقفت أمام مكتبة الكتب تبحث عن الكتاب للحظات وخرج رحيم من المرحاض بعد أن أخذ حماما لم يرتدي سوى سروال أسود قطني وتفاجأ بندي التي على يساره مواليه له ظهرها ..مسح على شعره المبلل من الأمام للخلف ثم تقدم نحوها بخطوات هادئة بينما رفعت ندى يدها وأخذت ذلك الكتاب وفتحت أولى صفحاته لتعلم أنه هو ..وقف رحيم خلفها لتتسع عيناها قليلًا وازدادت ضربات قلبها عندما شعرت به ..فقد استمعت إلى صوت أنفاسه التي تخطف عقلها وأيضًا رائحته اخترقت أنفها.. 


أخذت نفسًا عميقًا وزفرته بهدوء ثم التفتت لتنصدم به فأحاط خصرها بذراعة متسائلًا : 

-بتعملي أيه هنا ؟! 

هبطت بعينيها بعيدًا عن نظراته لترى صدره العاري فخجلت واغمضت عيناها وقالت بتوتر : 

-معرفش أنك هنا ..وكنت جايه علشان الكتاب ده 

نظر إلى الكتاب ثم جذبها إليه أكثر وقال بنبرة ثقيلة : 

-طب وصاحب الكتاب أي نظامه معاكِ 

وجدت نفسها تبتسم ورفعت الكتاب على وجهها لتفتح عيناها وقالت بنبرة خجل رقيقة : 

-رحيم لو سمحت 

عض على شفته السفلى وقال : 

-قلب رحيم.. 

-أشرقت مستنيه تحت 

ابعد الكتاب عنها وقبلها على أنفها برقة قائلًا : 

-بس صاحب الكتاب ما صدق إنك جيتي 

ابتعدت عنه لتضع الكتاب على وجهها ثانية وقالت بخجل : 

-على فكرة بقولك أشرقت مستنياني تحت 

أخذ الكتاب من يدها فأدارت رأسها إلى الاتجاه الأخر ليرى وجنتها ذات بريق مميز وقال بحسم : 

-مش هسيبك غير لما تبصي في عيني وتقوليلي بحبك يا رحيم

-مستحيل.. مستحيل 

ابتسمت عيناه وترك الكتاب يسقط أرضًا ليحيط عنقها بيده وأدار رأسها إليه رغمًا عنها وقال بإصرار : 

-بصيلي يا ندى حالًا ..بجد عيونك وحشتني 

اومأت بالنفي عدة مرات فجز أسنانه ثم رفع حاجبه اليسار وقال بخبث : 

-يا أما تنفيذي اللي قلتلك عليه.. 

ثم مسح بـ إبهامه على شفتيها متابعًا : 

-يا أما ادوق الكرزتين الممزوجين بالكيوي دول 

عقدت بين حاجبيها وضربته على صدره بتذمر قائلة : 

-رحيم مش عايزة منك حاجة ..سبني بقى 

استند بجبينه على جبينها وهو يقول بنبرة رجولية ثقيلة : 

-بحبك يا ندى ..با حبك 

ثم قبلها على أنفها برقه وطلب منها أن تقولها فقلبه اشتاق لسماعها فأخذت تلهث بصوت مستمع وقالت باضطراب : 

-بـ بحبك يا رحيم

قبلها على جبينها بحنان ثم حررها من بين يديه وانحنى ليأخذ الكتاب واعطى إليها متسائلًا : 

-عايزة الكتاب دا ليه ؟! 

وضعت شعرها خلف أذنها وهي لاتزال كلماته مأثرة على توترها وأجابت دون أن تنظر إليه : 

-عايزة أقرأه ..وكنت طلبته من صديق ليا يجبهولي 

عقد بين حاجبيه بحده متسائلًا : 

-استني استني ..صديق ليكِ ازاي يعني ؟! 

-صديق من أيام الجامعة 

حرك رأسه بالفهم ثم أمسك بمرفقيها وهو يتقدم وهي تتراجع حتى التصق ظهرها بالمكتبة.. ليترك مرفقيها ليستند بكفيه إلى المكتبة وهي اندهشت من فعلته هذه.. لمعت عيناه بلمعة الغيرة وتحدث من بين أسنانه : 

-تقطعي علاقتك بيه ورقمه يتمسح ..مفهوم 

-لاء هو صديقي 

جز أضراسه حتى تحرك صدغاه وقال بعصبية : 

-ندى متختبريش صبري أكتر من كده 

تساءلت بحنق :

-ليه امسحه ومفيش بينا غير علاقة صداقه واحترام 

ضرب بيده على مكتبه وتحدث بعنف بفضل تلك الغيرة التي تؤلم قلبه : 

-بغير عليكِ يا ندى ..بغير ..بغير ما بتفهميش 

قال أخر كلمتان بعصبية بالغة لترفع رأسها إليه وتنظر إلى عيناه تعاتبه دون أن تتفوه بكلمة وهو ينظر إليها بذاك الجمود ويلهث بصوت مستمع ..ثم انحنت لتتخطى ذراعه واتجهت نحو الباب وكادت أن تخرج ألا أنه كان أسرع منها بإغلاق الباب وادارها إليه يحيط خصرها فحاولت التحرر من بين يديه وهي تقول بنبرة بكاء : 

-ابعد عني يا رحيم 

احتضنها بشدة وهو يقول بحده : 

-مش هسيبك.. 

وجدت نفسها تبكي فاغمض عيناه واضعًا يده على شعرها من الخلف وقال بهدوء : 

-بحبك وبغير عليكِ ..بهدوء كده مفيش حاجه اسمها صديقي 

قالت بنبرة عتاب : 

-أنت ما بتعرفش تتكلم براحه 

دفن أنفه في عنقها مستنشقًا رائحتها الهادئة معتذرًا لها ثم ابتعد عنها ومسح دموعها بعد ذلك قبلها على وجنتها وقال : 

-روحي يلا علشان أشرقت 

التفتت لتفتح الباب وخرجت مغلقه الباب خلفها وهبطت إلى الطابق السفلي ثم خرجت إلى الحديقة وجلست على الأريكة وهي تلتقط الهاتف وأرسلت رسالة إلى صديقها تعتذر وتخبره بأنها لا تريد الكتاب.. ثم وضعت الهاتف جانبًا واحتضنت الكتاب الذي يحمل عطره الرجولي هذا.. 


بعد لحظات فتحته وبدأت تقرأ وهي تنتبه إلى الطفلان ..فقد جلست أشرقت أمام شقيقها تلعب معه بالمكعبات ..بعد دقائق خرج علاء وجلس على المقعد المجاور للأريكة ينظر إلى ندى التي لم تعطي له اهتمام وانشغلت أكثر بالقراءة ..استند بمرفقه إلى ساعي المقعد وقال : 

-ندى ممكن بقى تقبلي اعتذراي ..أنا مكنتش في وعي أصلًا 

أغلقت الكتاب وهي تزفر ثم نظرت إليه وقالت بحنق : 

-أنا خلاص نسيت الموضوع ده 

-يعني قابلتي اعتذاري ؟

خرج رحيم في ذات الوقت ليستمع إلى كلمات شقيقه فيما اومأت ندى بأنها تقبلت اعتذاره وعندما رأت رحيم فتحت الكتاب لتتابع القراءة ..كاد أن يسأل عن سبب الاعتذار ولكن جاءت وفيه تخبرهم بأن الغداء جاهز فنهض علاء متجه نحو الأولاد ليحمل ريان على ذراعيه ودخل به وأشرقت ركضت إلى ندى قائلة : 

-ندى يلا نتغدى 

وضعت الكتاب جانبًا وهي تقول : 

-لاء حبيبتي انا هتغدى مع طنط وفيه 

حركت رأسها بتفهم ثم دخلت الصغيرة مع السيدة وفيه فانتظر رحيم للحظات وهي ترمقه بنظرات سريعة وتفرك في أصابع يديها بتوتر وكاد أن يخرج قلبها من بين ضلوعها.. تقدم نحوها وجلس بجوارها  وتساءل: 

-كان بيعتذر ليه ؟! 

أدارت رأسها لتنظر إليه بلهفة ثم أطرقت عيناها وقالت بهدوء : 

-مكنش بيعتذر علشان حاجة 

علم أنها تخبئ شيئاً عليه وقال بحده : 

-ندى ..أنا سمعته وهو بيعتذر ..بلاش كذب 

رفعت عيناها إليه وقصت عليه ما حدث ثم أنهت حديثها بحنق : 

-وأنا مبكدبش 

قطب بين حاجبيه وهو يقول بعصبية : 

-ليه مقلتليش على الموضوع ده 

-مش عايزه اعمل مشاكل ..وخلاص الموضوع عدى عليه فترة فياريت متفتحش الموضوع ده معاه

عصر قبضته وكاد أن ينهض إلا أنها أمسكت بيده فنظر إليها ليرى الترجي في عينيها : 

-أرجوك مش عايزة مشاكل 

أمسك بذقنها يمسح بـ إبهامه أسفل شفتيها ثم ضمها إلى صدره بحنان وقبلها على رأسها بحنان اكثر فقالت : 

-يلا قوم علشان تتغدى 

-ممكن تتغدي وتجهزي علشان عايز اوريكِ مكان كده 

اومأت برأسها موافقه ثم ابتعدت عنه فنهض متجهًا إلى الداخل وهي دخلت تتناول الطعام مع السيدة وفيه والخادمة الأجنبية.. بعد تناول الطعام دلفت إلى الغرفة وبدلت ثيابها بسروال أسود من الجلد وكنزة بيضاء بكم ثم تناولت الحقيبة وخرجت مع رحيم بعد أن ودعت الطفلان.. 


استقلت معه السيارة ليغادرا نظرت إليه ليرمقها بنظرة سريعة فنظرت إلى الأمام فورًا بابتسامة خفيفة ..وحالفهم الصمت حتى وصل إلى الفيلا وطلب منها أن تجلس أمام المقود لتدخل بالسيارة فنفذت رغبته وهو ترجل ليفتح البوابة وعندما دخلت اغلقها ثم جلس بجوارها وأشار لها أن تدخل ..حتى وصلت إلى الباب الرئيسي و أوقفت السيارة ..ترجلا منها وأمسك بيدها ليدخل الفيلا ونظرت حولها رأتها خالية من الاثاث فتساءلت : 

-بيت مين ده ؟! 

-ده بيتي الجديد ..أي رأيك ؟

-حلو اوي ..مبروك عليك 

أمسك بيدها وخرجا إلى الحديقة ووقفا أمام شجرة وقال : 

-البيت دا لراحة البال ..وعايزك تختاري كل حاجة على ذوقك 

جلس وهو يجلسها معه مستنده بظهرها إلى الشجرة فوضع رأسه على قدميها مستلقيًا على ظهره ..نظرت إلى الأمام تلتقط أنفاسها باضطراب وتوتر فيما أمسك هو يدها يضعها على شفتيه يقبلها برقه ثم وضعها على صدره ورفع يده الأخرى يضعها على وجنتها وقال بجدية : 

-عمري ما عشت لحظات الحب دي مع حد غيرك يا ندى.. 

اومأت رأسها دون أن تتحدث وهي تعض على شفاها السفلى بخجل واضح ..فقال وهو يتفحص ملامحها بجدية الحب :

-حلمي دلوقت حالًا إنك تبصي لعيوني وتقوليلي بحبك

وضع شعرها خلف أذنيها فابتلعت لعابها وقلبها يقرع كالطبول حتى وصلت إلى مسامع أذنيها وقالت بصوت مبحوح من فرط الخجل : 

-مقدرش ..أنا بتكسف 

شعر بحرارة وجنتيها أسفل يده وقال بنبرة ثقيلة : 

-أنا بعشق خجلك ده ..بس وحشتني عيونك  

وضع يده حول عنقها وجعل رأسها تنحني إليه فأغمضت عيناها وهي تقول بهدوء : 

-بتكسف من عيونك ومن نظراتك 

أغلق عيناه قائلا  : 

-غمضت عيوني

فتحت عيناها ببطء حتى نظرت إليه وفحصت ملامحه باشتياق وحركت شفتيها بكلمة : 

-بحبك 

فتح عيناه فجأة فجحظت عينيها وادارت رأسها إلى الاتجاه الأخر.. ابتسمت عيناه واضعًا يده أسفل ذقنها ليدير رأسها إليه طالبا منها أن تنظر إليه ولو للحظة واحدة ..حركت مقلتيها إليه ببطء شديد حتى نظرت إلى عيناه أخيرًا ولكن بنظرة خجل قابضة قبضة يدها الأخرى وتجز أسنانها بشدة مسيطرة على ذلك الخجل اللعين.. أما عن قلبها فيبدو أنه توقف عن النبض وأصبح أسيرًا لعينيه.. تمعن بالنظر داخل مقلتيها التي أسرته وهم يتبادلون بنظرات الحب مستمتعا بنظراتها له أخيرًا ..وأخذ يمرر يده على ملامح وجهها حتى وصل إلى شفتيها فهبط بعينيه إليهما ورفع رأسه عن قدميها ببطء وخطف قبلة هادئة من شفاها ليستمع إلى أنفاسها المضطربة ابتعد عنها قليلًا ناظرا إلى عيناها التي لاتزال تنظر إليه وقال : 

-بحبك 

أطرقت رأسها فقام برفعها ثانية بيده لتنظر إلى عيناه طالبًا منها أن تقولها وهي تنظر إليه.. ارتفع حاجبيها وصدرها يعلو ويهبط برهبة وقالت بتوتر شديد : 

-بـ ..بـ بـ بحبك 

ابتسمت عيناه وقبلها على جبينها ثم وضع رأسه على قدميها طالبا منها أن تمسح على شعره فرفعت يدها لتنفذ رغبته وبمجرد أن شعر بلمسة يدها أغلق عيناه مستمتعًا بحركة يدها.. 


بعد دقائق ليست قليلة نهض وهو ينهضها معه وأخذها في جوله داخل وخارج المنزل ثم تجول بالسيارة في الشوارع ..بعدها ذهب إلى إحدى المطاعم وطلب عشاء ثم عاد به إلى السيارة وطلب منها أن تطعمه ابتسمت بخجل وبدأت تطعمه بيدها والمرة الثانية لم يأكل بل قبلها على باطن معصم يدها ثم تناول الطعام.. رأى كاتشب جانب شفتيها فمد يده ليمسحه ثم وضعه في فمه مستمتعًا بتذوقه تعجبت من فعلته وأطرقت رأسها خجلًا قال بجدية : 

-عمري ما حسيت بالسعادة إلا وأنا معاكِ 

قبلها على وجنتها بعدها شغل السيارة وغادر إلى وجهته ..وعند وصولهم ودع ندى بقبله حانية على رأسها ثم  ذهب كلا منهما  إلى غرفته.. 


بعد أن بدلت ملابسها جلست على الفراش تقرأ الكتاب وكانت الساعة تدق التاسعة والنصف مساءً ..بعد لحظات رن جرس الباب فانتظرت على أمل أن يفتح أحد ولكن لم يحدث فوضعت الكتاب جانبًا ونهضت لتخرج مهرولة إلى الباب لتفتحه.. في حين خرج رحيم من غرفته عند سماعه للجرس و وقف أمام الدرج.. تفاجأ بشاب ما دخل و وقف أمام ندى قائلًا : 

-مبترديش عليا يا بنتي قلقت عليكِ 

تساءلت في دهشة : 

-أنت عرفت العنوان من مين؟! 

-أنتِ بعتهولي لما طلبتي الكتاب.. 

ثم مسح على ذراعها يتساءل عنها فعصر رحيم قبضته يجز أضراسه بشدة وقد تحولت نظراته إلى نظرات الغيرة القاتلة..

" المشهد 12.. "

" عناق ثم عتاب.. "

هبط الدرج متجه نحوهم بخطوات واسعة ووقف بجوارها قابضًا على معصم يد ذلك الشاب الذي يمسك بذراع حبيبته.. سحب يده عن ذراعها وهو يعتصر معصمه جاعلًا من ملامحه تتألم دون أن يتحدث فيما نظرت ندى إليه في دهشة.. وقال  الشاب بحنق : 

-أنت مين؟ 

وقف أمام ندى لتصبح خلفه وهو يحدق به بلمعة الغيرة الأتية من نار الجحيم وتساءل بصوت عنيف : 

-أنت اللي مين ؟ 

-أنا صديق ندى وجيت اطمن عليها 

جحظت عيني رحيم يجز أضراسه بشدة قائلًا : 

-أخرج من هنا وإياك تتكلم معاها تاني 

وقفت ندى بينهم وأمسكت بيد رحيم وقالت بحده : 

-رحيم سيبه 

ابتسم بخفة وقال متعجبًا : 

-مين أنت علشان تمنعني اكلمها 

وضعت يدها على وجهها فيما غضب رحيم من كلماته حقًا واشعلت الغيرة أضعافًا في قلبه ..أخرجه من الفيلا وترك يده بعنف ثم رفع سبابته ينظر إليه بنظرة متوعدة وهو يتحدث بصوته الرجولي الحاد : 

-لو قربت من البيت دا تاني هتخرج على ضهرك 

أرتفع حاجبي الشاب في دهشة غير مستوعب ما يحدث ..بينما دخل رحيم واغلق الباب بعنف لتنظر ندى إليه بحده واتجهت نحو الباب وكادت أن تفتح له ثانية لكنه منعها بالقبض على ذراعها واتجه نحو غرفتها ساحبًا إياها خلفه ..وعند وصوله فتح الباب وادخلها بعنف ثم دخل مغلقًا إياه خلفه فأبعدت شعرها عن عيناها واندفعت في وجهه بعصبية : 

-أنت ملكش حق تعمل كده ..وحبك دا حب مزيف 

نظر إليها نظرة قاتلة مشيرًا إلى نفسه بعنف قائلًا : 

-علشان بغير عليكِ يبقى حبي مزيف 

جزت أسنانها بغيظ وقالت بحده بالغة : 

-أيوه أنت قاسي ومتعرفش يعني أي حب ..شيل قناع الحب دا مش لايق عليك 

استفزته كثيرًا بحديثها لدرجة أنه خرج عن شعوره ووجد نفسه يصفعها بقوة على وجنتها جاعلًا من رأسها تستدير إلى الاتجاه الآخر ..جحظت عيناها في صدمه ونظرت إليه نظرات عتاب بدموع تجمعت حول مقلتيها في لحظة فيما كان ينظر رحيم إلى يده بصدمه وصدره يعلوا ويهبط ثم نظر إليها وعندما رأى دموعها التي هبطت على وجنتيها وجد نفسه يحتضنها.. وبعد لحظات استمع إلى صوت شهقاتها عقد بين حاجبيه بقوة قابضا قبضة يده التي صفعتها عاصرًا إياها يعاتب نفسه حتى شعر بأنه يحتضر من كثرة الألم.. 


حاولت أن تبتعد عنه لكنه منعها واحكم قبضته عليها فقالت بصوت ضعيف : 

-ابعد عني وأخرج بره 

-ندى.. 

قاطعته بهستيريا من الصراخ : 

-بقولك سبني ..أنا بكرهك 

جحظت عيناه وصدم من كلمتها ولكن ليس أكثر من صدمتها فقد قذفت تلك الكلمة دون وعي أو تفكير منها ..ابتلع لعابه بهدوء ولم يهتم لتلك الكلمة واقنع نفسه أنها تقولها فقط لأنها غاضبه ..رخى ذراعيه فابتعدت عنه فورًا مواليةً له ظهرها ..تنهد بعمق ثم خرج مغلقًا الباب خلفه بمجرد أن علمت بخروجه سقطت على الأرض تبكي بقهر واضعه يدها على مقدمة صدرها ..لم تفيق من نوبة البكاء إلا على صوت رساله وصلت إلى هاتفها نهضت عن الأرض وأخذت الهاتف لتفحص رسالة صديقها الذي يسأل عن ذلك الغشيم فأرسلت له رسالة اعتذار ثم أغلقت الهاتف وألقت به على الفراش ..ووضعت يدها على وجنتها التي تؤلمها أثر صفعته.. تقدمت نحو المرآة و وقفت تنظر إلى وجنتها لتجده تاركًا أثرا لأصابع يديه بدات بالبكاء ثانية ودلفت إلى المرحاض لتضع وجنتها أسفل الماء البارد لكي تهدأ قليلًا ..ثم عادت إلى الفراش دثرت نفسها به والدموع تهبط من عينيها بهدوء خارجي ولكن بألم داخلي يؤلمها حقًا

***

في الصباح لاتزال حبيسة غرفتها حتى انها لم ترى الاطفال اليوم ولم تتناول الطعام.. دقت الساعة الحادية عشرة فنظرت إلى هاتفها لتجد الكثير من الرسائل.. زفرت بسأم وكادت أن تفتح الرسائل لكن منعتها دقات الباب الثقيلة لتعلم أنه رحيم وضعت الهاتف جانبًا وأذنت بالدخول بعد أن نهضت عن الفراش ..فتح الباب ودخل مغلقًا إياه خلفه ووقف ينظر إليها ليلفت نظرة وجنتها التي لاتزال حمراء أثر صفعته لها ..كانت تنظر إلى الأرض وتلهث بصوت مسموع منتظرة حديثه لكنه لم يتحدث فتساءلت بحنق : 

-نعم ؟ ..جاي ليه ؟.. 

تقدم نحوها يمد يديه إليها يكاد أن يمسك بذراعيها لكنها تراجعت للخلف وهي تقول من بين أسنانها : 

-متحاولش تقرب مني ..و يا ريت تبعد عني 

حرك رأسه بخفة وقال بنبرة ندم : 

-ندى أنا أسـ..

توقف عن الحديث ناظرًا إلى هاتفها الذي وصلت له رسائل متتالية فعاد بالنظر إليها بحده وتساءل بعنف : 

-أنتِ كلمتيه تاني ؟ 

أخذت نفسًا عميقًا وزفرته دفعه واحده ثم نظرت إليه نظرة تحدي ممزوجة بالغضب قائلة : 

-ملكش دعوه ..أكلمه مكلموش شيء ميخصكش 

نجحت في استفزازه حقًا مبللا شفتيه بلسانه بعنف ثم قبض على ذراعيها بقوة فتألمت ملامح وجهها قبل أن تتأوه وهو يناظرها بحدة الغيرة القاتلة مع لمعة عيناه المميزة عندما يغار وقال وهو يلهث : 

-يخصني يا ندى أكتر ما تتصوري ..وليا فيكِ أكتر من نفسك ..وعايزك تفهمي أنكِ اتخلقتي علشاني 

حدقت به وهي تحرك رأسها بخفيه وبعد لحظات تركها ليأخذ هاتفها وطلب منها أن تفتحه لتنظر إلى الهاتف تومئ بالنفي ..جز على أسنانه طالبًا منها أن تفتح الهاتف فأغمضت عيناها لتهبط دموعها الساخنة على وجنتيها ببطء ثم فتحتهما وقامت بفتح الهاتف ليدير شاشته إليه وفتح تطبيق " واتس اب " وتفقد رسائل ذلك الشاب حتى رأى اعتذار ندى له عم ما بدر منه ليلة أمس ..ادار الشاشة إليها لترى رسالتها وهي تلهث بصوت مستمع وهو يقول بعنف : 

-بتعتذري ..يهمك أوي هو صح ؟

ابتلعت لعابها ورفعت مقلتيها إليه وهي تقول بعند : 

-أه يهمني 

حرك رأسه عدة مرات ضاغطًا على الهاتف بكل قوته ثم ألقى به في الحائط فشهقت ندى بصدمة ونظرت إلى هاتفها الذي سقط على الأرض فيما خرج رحيم مغلقًا الباب خلفه عنوة جاعلًا من قلبها ينتفض قبل جسدها ..تقدمت نحو الهاتف وانحنت بجذعها لتأخذه وحاولت فتحه لترى الشاشة نصفها أحترق والنصف الأخر لونه أصفر ..وضعت يدها على فاها تبكي وجلست على حافة الفراش وشعرت بالألم لتقم بحذف تطبيق واتس اب بفضل أنه في المنتصف الذي يعمل ثم ألقت برأسها على الوسادة.. 

***

"بعد مرور ثلاثة أيام.." 


حافظت ندى فيهما ألا تتحدث معه أو تراه ونجحت في ذلك ..بالرغم من أنها اشتاقت إليه كثيرًا وكلما استمعت إلى نبرة صوته ترغب باحتضانه لتخبره بأنها اشتاقت إليه كثيرًا لكنها سيطرت على قلبها وعقلها سيطرة كاملة ..حاول هو أن يتحدث معها ولكن لن يستطيع فكانت تحبس نفسها في غرفتها معظم الوقت وتوهم الجميع بأنها متعبه ولهذا لم يزعجها أحد ..كان يكتفي بالوقوف أمام باب غرفتها ليلًا لوقت ليس بالقليل يتحسس  الباب ويمسك بالمقبض بعد لمساتها له واضعًا أذنه على الباب لعله يستمع إلى صوت أنفاسها.. 


ذات مساء ارتدت فستان طويل يصل إلى رسغيها بنصف كم لونه أخضر داكن ثم خرجت لتطمئن على الطفلان لتجد ريان يلعب بألعاب الفيديو وأشرقت تلعب مع العرائس بمرح داخل غرفتها ..ابتسمت ندى و وقفت تنظر إليها بإعجاب فهي تذكرها بنفسها كثيرًا عندما كانت بعمرها ثم أغلقت الباب بهدوء وهبطت إلى الطابق السفلي واضعة يدها على رأسها التي تؤلمها ثم اتجهت نحو المطبخ وهي تتوعد لرأسها بعمل فنجان قهوة لعل الألم يهدأ.. 


دخلت لتنظر السيدة وفيه إليها وقالت فورًا : 

-رحيم طلب اقولك تعملي له قهوة.. 

انتفض قلبها بمجرد أن سمعت أسمه وتنهدت بعمق متأوه بخفة كم هي اشتاقت إليه ..ثم شردت به تساءلت وفيه :

-أنا ملاحظة انكم مبتتكلموش ..في حاجة ؟! 

لتفيق ندى من شرودها ناظرة إليها بابتسامة هادئة وقالت : 

-لاء خالص عادي ..هعمله قهوة حاضر 

-طيب يا حبيبتي هو في مكتبه 


أما هو فكان  بالمكتب  واقفًا أمام النافذة يدخن سيجارته وينفث دخانها في الهواء ..جاء له اتصال فالتفت إلى المكتب ليأخذ الهاتف وأجاب على المتصل والذي كان  صديق له من روسيا يحدثه بلهجته و أستمع فقط إلى حديثه دون أن يتفوه بكلمة حتى أنهى سيجارته واطفأها في المطفأة الخاصة بها ثم تنحنح بخفة وتحدث باللهجة الروسية بصوت مبحوح :

-حسنًا ..هذا يكفي بل وأكثر ..شكرًا لك صديقي العزيز 

ثم أنهى معه المكالمة وتنهد بعمق مستشعرًا بالسعادة واتجه نحو الأريكة وجلس أمام الحاسوب يتابع عمله.. بعد دقائق قليلة دقت باب الغرفة ودخلت لتجده يجلس على الأريكة أمام الحاسوب اقتربت لتضع فنجان القهوة أعلى المنضدة دون أن تنظر إليه عن قصد.. نعم اشتاقت إليه لكن ما فعله اغضبها حقًا.. كادت أن تذهب إلا أنه قبض على معصمها أدارت رأسها إليه بحزن وهو يقول : 

-ندى لازم نتكلم.. 

اجلسها على الأريكة وعندما تذكرت صفعته لها تجمعت الدموع حول مقلتيها ناظرة إلى الأمام في صمت.. وبمجرد أن أمسك بيدها سحبتها فورًا فاغمض عيناه تاركًا العنان للألم يشق طريقه داخل قلبه لينقسم إلى نصفين ثم فتحهما وقال بنبرة ثقيلة : 

-ندى ..وحشتي قلبي 

جزت على أسنانها وقالت بحنق ممزوج بنبرة البكاء : 

-أنا مليش نفس أتكلم 

ثم نهضت متجه نحو الباب فأسرع بالنهوض ليتخطى خطواتها الصغيرة بخطواته الواسعة وأغلق الباب وباليد الأخر أمسك بذراعها ليديرها إليه ضربته على صدره بغيظ محاولة أن تحرر يدها ولكن لم تستطيع..ثم أعادها إلى الأريكة وجلس بجوارها رافعًا أحد قدميه على الأريكة ..فيما تركت ندى العنان لدموعها التي تقتل قلبها تهبط على وجنتيها وانفجرت بحديثها : 

-أنت ازاي بتحبني وبتعاملني بالقسوة دي ..رحيم أنا بجد مش حمل كده.. 

وضعت ظهر يدها على أنفها تبكي ثم ابتلعت لعابها الممزوج بالدموع وأكملت بضيق : 

-أنا ما صدقت لقيت حد حنين عليا ..تيجي أنت تعاملني بالطريقة دي.. 

ثم نظرت إليه بتلك العينين الممتلئتين بالدموع وتابعت بألم كالأسهم الحادة تخترق صدرها : 

-دا صديق ليا يا رحيم ومفيش حاجة بينا رسمي علشان أقوله متكلمنيش علشان رحيم بيغير عليا لكن احترامًا ليك مسحت الواتس دا خالص علشان ميكلمنيش تاني  ..لاء وتيجي تاني يوم تاخد تليفوني علشان تشوف إذا كنت كلمته ولا لاء ولما شفت اعتذاري له بعد اللي عملته معاه كسرت التليفون 

كان قلبه يعتصر ألما واحتضن وجهها بكفيه يمسح دموعها بإبهاميه ثم استند بجبينه على جبينها وقال وهو يلهث بصوت مسموع وبنبرة ضيق : 

-اعمل أي فغيرتي عليكِ يا ندى ؟ ..دي حاجة مش بأيدي ..بحبك ..بحبك ..بحبك ..بحبك وبتخنق لو حد بس فكر يبصلك يا ندي.. 

ترك وجهها ليمسك بيدها منحنى برأسه وأطبق شفتيه على راحة يدها الناعمة ثم رفع رأسه لينظر إليها بندم واضح على ما فعله معها وقال بنبرة مهلكه : 

-أنتِ فعلًا رقيقة وجميلة وحساسة يا ندى ..تستهلي واحد زيك بالظبط ميتعصبش عليكِ.. 

ابتلعت كلماته بكف يدها التي وضعته على شفتيه ثم سحبتها وأطرقت عيناها تومئ بالنفي وهي تقول بنبرة بكاء طفولي : 

-لا مش عايزة حد غيرك 

قطب جبينه بابتسامة عيناه التي تجعله جذابًا أكثر ولكن سرعان ما اختفت وقال بنبرة ثقيلة مرهقة : 

-حبي جحيم يا ندى ..غيرتي بركان ..ومش يتتحملي عصبيتي 

حركت رأسها بالنفي ثانية ثم اقتربت منه أكثر لتحتضنه بكلت يديها ومسحت على شعره وهي تقول ببكاء : 

-إذا كان حبك جحيم أنا راضية بيه ..وإذا كانت غيرتك بركان فأنا بحبها ..وعصبيتك بزعل منها بس لما تيجي تصالحني بحنيتك ورقتك دي بالدنيا كلها 

احتضنها بشدة بكلت يديه دافنا وجهه بين ثنايا عنقها مستنشقًا عطرها الأنثوي الذي يشعره بالهدوء والسكينة ثم قبلها على أذنها برقة وهمس بحب منبعث من القلب مباشرةً : 

-كلامك سحرني يا ندى ..بحبك ..بحبك يا اغلى ما املك ..أسف يا حبيبة قلبي 

ثم أبتعد عنها وقبلها على جبينها بحنان فأغمضت عيناها لتشعر بحنيته وكأنها داخل حلم رائع لا تريد أن تستيقظ منه قط ..ثم هبط بقبلته بين عينيها بعد ذلك نهض متجه نحو المكتب فتحت عينيها لتنظر إليه وهي تمسح على وجنتيها.. فتح درج المكتب وأخذ صندوق أسود وعاد إليها ليجلس أمامها وقام بفتح العلبة لتنظر إليها وهو ينظر إلى ندى بعينين مبتسمة ..رأت ورقة بيضاء فأخذتها لترى أسفلها علبة هاتف جديد ومن أحداث انواع الـ" آيفون " وجدت نفسها تبتسم ثم فتحت الورقة أولا وقرأت بعينيها " لقد بحثت كثيرًا وكثيرًا بين الورود كي أجد كلمات تناسبك لم أجد ..فبحثت بين أمواج البحار لم أجد أيضًا ..لأذهب بين الطرقات واشق بلاد لكن بلا جدوى فلم أجد كلمات تناسبك ..فبحثت بين كل شيء جميل عيناكِ تراه لم أجد سوى نظراتك تأسرني ..بحثت داخلي لأجد قلبي ينبض بشدة  ومع كل نبضه يخرج حرف مميز بلغة مميزة وقمت بترتيب تلك الحروف لأجد أخيرًا كلمات تناسبك ..تعلمين لماذا وجدتها في قلبي وليس في شيء أخر ؟! ..لأنكِ خلقتي لي ولروحي ولقلبي فقط ..فإذا كنت وجدت الكلمات بين الورود أو الأمواج أو بين البلاد لكنت شعرت بالغيرة ودمرت الورود ودمرت الأمواج ونسفت البلاد ودمرت كل ما هو جميل حتى لا تري غيري.. فكلماتك الخاصة داخلي أنا.. ندى أحبك كثيرٌا وأغار أكثر ..أسف حبيبتي ..بحبك وهل يوجد حب بعد حبي لكِ ؟! ..هلا نظرتي إلى عيوني الأن وقلتي بحبك.. "


رفعت عيناها عن الورقة ونظرت إليه تدريجيًا حتى تقابلت عيناهم كما طلب منها وقالت بنبرة خجل : 

-بـ بحبك 

ثم احتضنته لتختبئ من نظراته فضحك ضحكة خفيفة خطفت انفاسها ثم شاركها بالعناق هامسًا بالقرب من أذنها : 

-بحبك 

ابتعد عنها واعطى لها الهاتف طالبًا منها أن تفتحه لتنفذ رغبته وأخذت تفحصه لتجده بثلاث كاميرات من الخلف فضمت شفتيها بإعجاب شديد قائلة : 

-واو..كان نفسي فيه جدًا 

أحاط وجنتها بيده ينظر إلى عيناها بعتاب واضح فنظرت إليه بابتسامة لكن سرعان ما اختفت عندما رأت نظرة العتاب تلك وبعد لحظات قال بجدية : 

-متقوليش كلمة بكرهك تاني مهما يحصل بينا 

أطرقت رأسها بحزن وهي تومئ موافقة فمسح بـ إبهامه على شفتيها ثم انحنى برأسه وأطبق شفتيه بالقرب من شفتيها للحظات مغمض العينين ثم أبتعد عنها قليلًا يتأمل عيناها بحب اصطبغت وجنتيها بحمرة الخجل ودقات قلبها تدق في صدرها لتشعر أيضا بالتوتر بفضل قربه منها لهذه الدرجة ..هبط بمقلتيه إلى شفتيها ثم أطبق شفتيه عليهما فلم يستطيع أن يقاوم طعمهما بعد أن تذوقهم من قبل كما أنه  لم يستطع مقاومة جمالها أيضًا ..كان سيكتفي بتلك القبلة السطحية لكن شيء ما منعه من الابتعاد ليقبلها بعمق واضعًا يده خلف عنقها يقربها منه أكثر حتى التصق أنفها بأنفه ..على الرغم من أنها لم تبادله فاكتفت فقط باتساع عيناها تتنهد باضطراب شديد وصل إلى مسامع أذنيه ليفلت شفتيها فورًا ونظر إليها ليجدها كالصنم لا تستطيع أن تتحرك وانفاسها ثقيلة فقال متعجبًا : 

-ندى في أيه؟.. 

لم تتحمل جسدها الثقيل هذا فسقطت رأسها على صدره رفع حاجبيه في تعجب شديد ثم أبتسم قائلًا : 

-لاء أنتِ بجد صعب.. 

فتح زجاجة المياه وأخذ القليل على يده ليمسح بهما على وجنتها فتحت عيناها بفزع ورفعت رأسها عن صدره تلتقط أنفاسها بهدوء ..ضحك ضحكة خفيفة استفزتها وقال بمكر : 

-يعني أنا اتجوزك إزاي دلوقت ..أنتِ بتنهاري من بوسه 

جزت على أسنانها بغيظ وضربته على كتفه وقالت بحده : 

-أنت وقح 

انفجر ضاحكًا فنظرت إليه باستفزاز ثم أخذت أغراضها وغادرت الغرفة ولاتزال تستمع الي ضحكاته.. اختبأت داخل غرفتها ثم جلست على الفراش تضع أغراضها عليه برفق لترفع يديها تضعهما أعلى صدرها الذي يعلو ويهبط وعند تذكرها لحديثه الاخير وجدت نفسها تبتسم بتعجب قائلة : 

-الوقح ..الوقح 

***

مساء اليوم التالي في الحديقة كانت تجلس مع الطفلان وارتدت في يديها أرنب وأرنبه وبدأت تحركهما بأصبع يديها وتتحدث بصوت رفيع كالأرانب وتمثل لهم مسرحية وهما يضحكان ..وبعد دقائق ليست قليلة من المرح اقتربت بيديها إلى كلا من ريان وأشرقت وتحدثت بصوت خشن : 

-يلا يا لوزة كلي أشرقت وأنا هاكل ريان..

ثم دغدغت الإثنان ليضحكوا بصوت عالي وهي متابعة : 

-هم ..هم ممم لذيذ يا لوزة ..هم ..و أشرقت لذيذة أوي يا لوز ..هم ..هم 

ثم توقفت وقبلت كلا منهم على وجنته وخلعت الأرانب وضعتهما جانبًا ثم أفرغت كيس المكعبات الكثير وقالت : 

-يلا اشتغلوا شوية عم اشرب واجيلكم 

بدأ الإثنان يلعبون بالمكعبات ونهضت هي متجه نحو الداخل بمرح ثم اتجهت نحو المطبخ وتوقفت عند الباب بمجرد أن سمعت تأوه السيدة وفيه.. فاستدارت في اتجاه الصوت لتجدها واقفه أمام الدرج واضعه يدها على ركبتها ..أسرعت إليها و وقفت بجوارها تمسك بمرفقها متسائلة : 

-مالك يا طنط ؟! 

أجابت بألم : 

-رجلي بتوجعني شوية يا بنتي 

-طيب ارتاحي وأنا هجبلك اللي أنتِ عايزاه 

ربتت على يدها الممسكة بمرفقها وقالت : 

-كتر خيرك يا بنتي ..أنا كنت طالعه اجيب الغسيل اللي في حمام رحيم 

اومأت بالفهم وصعدت الدرج ثم دلفت إلى الغرفة.. من ثم دلفت إلى المرحاض واضأت المصباح تبحث بعينيها عن سلة الغسيل حتى وجدتها بجوار رخامة الحوض فاقتربت منها وانحنت بجذعها لتحملها.. وهي ترفع ظهرها لفت نظرها كارت متوسط الحجم على الرخامة تركت السلة مكانها وأخذت الكارت لتقرأ ما يحمله من كلمات " هذا القلم هدية خاصة لك ..لك أنت فقط ..بحبك رحيم ..امضاء زوجتك " ..طبقت الكارت في يدها وهي تجز على أسنانها بغيرة واضحة ثم وضعت الكارت في جيب سروالها وحملت سلة الغسيل لتعود إلى السيدة وفيه وأدخلت السلة إلى الغرفة الخاصة بغسل الملابس لتشكرها وفيه كثيرًا ثم خرجت ندى متجه نحو غرفة المكتب بخطوات سريعة.. 


عند وصولها اقتحمت الغرفة مغلقة الباب خلفها عنوة ..كان يجلس على المكتب مواليًا للباب ظهره يدخن سيجارته ويعبث في هاتفه وبمجرد أن أستمع اغلاق الباب التفت برأسه إليها ثم عاد بالنظر إلى الهاتف وهو يسحب دخان السيجارة إلى صدره ثم زفره في الهواء.. اقتربت نحوه ووقفت أمامه تنظر إليه بحده وصدرها يعلوا ويهبط ثم أخرجت الورقة ومدت يدها بها متسائلة :

-عندك بتعمل أي دي ؟!.. 

رفع عيناه عن الهاتف لينظر إلى الورقة ثم أغلق هاتفه ليضعه جانبًا ونظر إليها ببرود مستمتعا بنظرات الغيرة الموجه له وهو يسحب دخان السيجارة ويزفره ثانية دون أن يجيب عليها استفزها حقًا وقالت بعصبية : 

-أنت مش بترد ليه ..بسألك

نفث أخر ما في السيجارة رافعًا قدمه اليمين عن الأرض ليضعها على المقعد وهو يطفأ السيجارة ثم استند بمرفقه على قدمه التي قد رفعها وتساءل بمكر : 

-غيرانه ؟! 

اتسعت عيناها قليلًا لتقرع دقات قلبها كالطبول وقالت بتوتر : 

-أ أ لاء طبعًا ..بسأل عادي 

لاحت ابتسامة خبيثة على شفتيه وقال بقصد مضايقتها : 

-اتكلم براحتي بقى طالما مش غيرانه ..هي كانت جيبالي قلم هديه والكارت محتفظ بيه ..وجبتلي جاكيت كمان جميل جدًا محافظ عليه لدرجة اني مبلبسوش ..وقميص كُحلي اللي بلبسه على طول ده 

ابتلعت لعابها بصوت مستمع وتذكرت ذاك القلم في أول مقابلة بينهم وتساءلت من بين أسنانها وهي تلهث بصوت مستمع : 

-القلم دا اللي نسيته في الكافية ورجعت علشانه ؟! 

ليتذكر ذلك الموقف فأومأ بتأكيد والتقط هذا القلم من أعلى المكتب ليريها إياه ثم وضعه على أنفه يستنشق عطره ..فأخذت القلم وقذفت به جانبًا ليأتي في النافذة ولأنه ثقيل كسر قطعة من الزجاج ..نظر إلى النافذة في دهشة فيما هي كانت تتطلع إليه بحده ثم نظر إليها ثانية وابتسم  بذات الدهشة قائلًا : 

-واضح إنك مش غيرانه.. 

ألقت بالكارت على المكتب بعنف وكادت أن تسير إلا إنه أحاط خصرها وباليد الأخرى مسك بذقنها ينظر إليها وهو يتساءل بمكر :

-كنتِ بتعملي أيه في حمامي ؟

قالت بتأفف : 

-مش هقولك غير لما تجاوب على سؤالي 

رفع حاجبية وقال هو الأخير بعند : 

-وأنا مش هجاوب غير لما تعترفي بغرتك 

ثم رفع رأسها إليه لتنظر إلى عيناه التي تنظر إليها بابتسامة جذابة ..أطرقت عيناها بخجل واضح تفرك في أصابع يديها وهي تومئ برأسها على أنها تغار ..مسح بـ إبهامه على شفتيها وقال بنبرته الرجولية : 

-عايز أسمع 

لتقول بتلعثم : 

-أيوه ..بـ بغير عليك 

ترك ذقنها ليمسح بظهر يده على وجنتها حتى وصل إلى أذنها ليضع شعرها خلفها ثم تنحنح بخفة وقال : 

-الكارت ده لقيته في الدولاب بالصدفة حطيته في جيبي على أساس ارمي لما أخرج بس نسيت ..لما دخلت استحمى لقيته في جيبي فحطيته لحد ما استحمى ونسيته.. 

ثم تابع بالهمس : 

-علشان أنتِ تشوفي وأشوف الغيرة الحلوة دي 

رفعت عيناها إليه في لحظة وأطرقتها ثانية متسائلة : 

-طيب والجاكيت والقميص ؟! 

ضحك ضحكة خفيفة ثم قبلها على جبينها بحنان وقال وهو يحتضن وجنتيها براحتي يديه : 

-لاء مفيش ولا جاكيت ولا قميص ..كنت بضايقك 

تنهدت بعمق وتساءلت بتوجس : 

-أنت لسه بتحبها ؟! 

قطب جبينه متعجبًا من سؤالها واجاب بجدية : 

-ندى أنا محبتهاش اكتر ما أنا حبيتك ..ولو كنت لسه بحبها مكنتش حبيتك 

-أمال ليه محتفظ بالقلم بتاعها 

-عشام القلم خطه عجبني جدًا ..صدقيني محتفظ بيه علشان كده وبس.. وهي كانت جيباه من بره مش فاكر منين.. 

اومأت بالفهم فأشار إلى النافذة وقال مداعبًا : 

-يلا صلحي الازاز 

لتنظر إلى النافذة ثم ابتسمت هامسة : 

-تستاهل 

-مجنونه 

قاطع تلك اللحظة رنة هاتفها الجديد فأخذته من جيب سروالها لتنظر إلى شاشته التي تضيء باسم والدها مما رأى رحيم فاستند براحتي يديه على المكتب من خلفه ليرفع صدره الصلب للأعلى قليلًا ويطقطق ظهره.. فيما أجابت ندى ليخبرها بأنه مريض و يود رؤيتها الآن فأنهت معه المكالمة بعد أن أخبرته أنها قادمة إليه.. 


أعتدل رحيم في جلسته وتساءل بلؤم : 

-والدك ماله ؟! 

لتنظر إليه وقالت بهدوء : 

-تعبان شوية ..هروح أشوفه ساعة وهكون هنا 

أومأ بالموافقة فتركته وذهبت سريعًا ليشعل سيجارة أخرى ونفث دخانها في الهواء وتحدث ساخرًا : 

-ألف سلامة على بابا

***

"بعد مدة من الزمن.." 


وصلت إلى المنزل وترجلت من السيارة ثم دخلت تسأل عنه لتخبرها الخادمة الأجنبية أنه في الحديقة ..فخرجت ندى وجلست بجواره على الأريكة تنظر إليه بحزن نظر إليها بإرهاق واضح وبعد تبادل السلام بينهم ..مسحت على ذراعه برفق وتساءلت : 

-أي اللي حصل يا بابا ؟

اغمض عيناه بقوة ثم فتحهما وقال بصوت ضعيف : 

-خسرت خمسة وعشرين مليون جنية يا ندى 

صعقت من الرقم واضعه يدها على فاها وتساءلت في دهشة :

-ازاي ده حصل ؟! 

-شحنة الازاز وصلت روسيا متكسرة كلها.. 

ضرب على ركبته بقبضة يده وهو يزفر وقال بألم يكاد أن ينهار : 

-خمسة وعشرين مليون جنيه خسرتهم في غمضة عين ..بس عارف مين اللي عمل كده 

أمسكت ندى بيده وقالت بحزن : 

-بابا صدقني الفلوس بتروح وتيجي واللي راح فداك ..المهم صحتك 

قال بنبرة الجبروت والطمع : 

-متقلقيش هما يومين بس وهرجع أقوى من الأول ..وهعرف اخد حقي كويس اوي 

تنهدت بنفاذ صبر وقالت سرًا : 

-مفيش فايدة فيك يا بابا ..ربنا يهديك 

***

" الفيلا.." 


دق علاء باب المكتب المفتوح ودخل فرفع رحيم عيناه إليه ثم عاد بالنظر إلى الحاسوب ..جلس بجواره على الأريكة مستند بمرفقيه على فخذيه مشبكًا يديه في بعضها البعض وقال دون مقدمات :

-ندى إنسانه بسيطة ورقيقة جدًا ..فبلاش تخدعها 

أغلق شاشة الحاسوب وأدار رأسه إليه وقال بحده : 

-ومين قالك إني هخدعها 

نظر إليه قاطبًا جبينه وقال بتأكيد : 

-أنا عرفت اسم ندى بالكامل من مدام وفيه لما سألتها عنها ..وعارف ومتأكد قد أيه أنت كنت بتحب بابا الله يرحمه.. 

تعمق رحيم بالنظر إليه فتابع بتيقن : 

-ومستحيل تحط ايدك في ايد اللي اتسبب في موت بابا وتتجوز بنته 

تنهد بعمق ونظر إلى الأمام بعينين حادتين كالصقر وقال بعنف : 

-متدخلش في حياتي يا علاء 

-أنا عمري ما أدخلت في حياتك ..بس لما أشوفك بتعمل حاجة غلط لازم أمنعك أو على الأقل افوقك.. 

ثم أردف : 

-ندى ملهاش ذنب باللي عمله والدها.. 

نظر إليه نظرة ساخرة ليفهم علاء معناها جيدًا وقال بجدية : 

-أنا مستهتر وبتاع بنات ..لكن ندى مش زي أي بنت ..هتخسر كتير أوي لو ضيعتها من ايدك 

ثم ربت على كتفه ونهض ليغادر الغرفة تحت أنظار رحيم حتى اختفى من أمام عيناه ..وضع رأسه بين يديه يضغط عليها بقوة ثم زفر بسأم وأخرج أي أفكار مزعجة من رأسه ونهض و وقف أمام المكتب يبحث عن مستند ما.. 


بعد دقائق قليلة وصلت ندى ودخلت بعد أن فتحت الخادمة الأجنبية لها ويبدو عليها الحزن من أجل والدها ..وقفت أمام باب غرفة المكتب تنظر إلى رحيم الذي يواليها ظهره للحظات من الصمت ..رن جرس الباب فنظرت إليه وكادت أن تتجه نحوه إلا أن الخادمة خرجت من المطبخ وفتحت الباب لتجد ندى امرأة بيضاء ذات عينين بنيتين داكنة وشعر ناعم منسدل على كتفها اليمين بلون عيناها.. تساءلت على رحيم لتخبرها بأنه داخل غرفة المكتب دخلت وقذفت ندى بنظرة اشمئزاز لتستعجب ندى من نظرتها..ثم دخلت الغرفة ببطء شديد تحت أنظار ندى حتى احتضنت رحيم من الخلف فشهقت ندى بخفة واتسعت عيناها.. 


بينما تفاجأ رحيم ونظر إلى تلك اليدين التي تحيط به فقالت بابتسامة واسعة : 

-وحشتني اوي يا رحيم بجد 

التفت إليها بحده نظرت هي إليه بحب وهو مندهش من هيئتها ..فهي ترتدي سروال مجسم وكنزه حمراء قصيرة ذات حملات عريضة ثم مسك بخصل شعرها وقال ساخرًا: 

-دا حجاب جديد ؟! 

لوت ثغرها ثم أحاطت عنقه بذراعيها وقبلته على وجنتها وقالت : 

-بقولك وحشتني 

أزاح ذراعيها عن عنقه وقال بعصبية مفرطة : 

-أنتِ أي اللي جابك هنا ..اطلعي بره 

حدقت به ثم قالت بحنق : 

-أنا جيت علشان أشوفك وأشوف اولادي.. 

ثم تساءلت بهدوء : 

-أنا موحشتكش ؟! 

ضربها بأنامله على جانب رأسها بعنف متسائلًا : 

-أنتِ فاقدة الذاكرة ولا أيه ؟!.. 

ثم أردف بحده : 

-أنا طلقتك ..ومش طايق اشوف وشك 

رفعت أحد حاجبيها وقالت بعند : 

-دا بيتي ورجعت تاني.. 

ثم استدارت برأسها لتنظر إلى ندى بحده متابعة : 

-وهنضفه من أي حد قذر هنا 

لينظر إلى ما تنظر إليه ليرى ندى والتي اتجهت نحو غرفتها فقبض على عنقها بقوة فجحظت عيناها وأصبح وجهها أحمر داكن وهو يقول بعنف : 

-لو جبتي سيرتها هطلع روحك 

ثم تركها بعنف لتضع يديها على عنقها تسعل بشدة وتلتقط أنفاسها بصوت مستمع ثم نظرت إليه بحده وقالت : 

-ماشي أنا بقى عايزة ولادي

" المشهد 13.. "

" أشعر بك.." 

قبض على معصمها بقوة وخرج كالإعصار ساحبًا إياها خلفه حاولت أن تتحرر من قبضته لكنها لم تستطع ..عند وصوله فتح الباب ليدفعها في الخارج وقال بحده : 

-متجيش البيت دا تاني ..وانسي ولادك زي ما نستيهم قبل كده 

ضبطت شعرها وقالت وهي تلهث : 

-مش هنساهم يا رحيم ..دول ولادي.. 

ثم تقدمت نحوه خطوتين وقالت بهدوء : 

-أنا جاية اجازة يومين وعايزاهم يقعدوا معايا 

ليقول بتأكيد : 

-مش هيوافقوا ..يلا امشي من هنا 

أستمع إلى صوت السيدة وفيه تنادي من الخلف فالتفت إليها وهي تتقدم نحوه و وقفت قائلة : 

-دي مهما عملت دي امهم يا بني 

لتنظر إليها باشمئزاز وقالت بعصبية : 

-وأنتِ مالك بتدخلي بينا ليه 

لتنظر إليها بصدمه بالرغم من أنها تدافع عنها تمنعها من التدخل ..فيما غضب رحيم من طريقة حديثها وقال بحنق : 

-دي بقى اللي بدافعي عنها 

ربتت على كتفه بحنان وقالت : 

-مسامحه عشان الأولاد 

جاءت تدخل أمسك بمرفقها ليوقفها ناظرًا في عينين هذه الوقحة بتحدًا قائلًا : 

-مش هتشوفي الأولاد إلا إذا أعتذرتِ 

زفرت بسام وقالت بكبرياء : 

-سوري يا طنط 

أومأت بخفه ثم تركتهم ودخلت ..سمح لها بالدخول صعدت إلى الطابق الثاني سريعًا ودخلت غرفة ريان الذي يلعب بألعاب الفيديو فقال دون أن ينظر خلفه : 

-ندى أنا لسه بادئ لعب 

ارتفع حاجبيها في تعجب ثم جلست إلى جواره وقبلته على وجنته وقالت وهي تضمه إليها : 

-أنا مامي.. 

أوقف اللعبة لينظر إليها في دهشة دون أن يتفوه بكلمة فنظرت إلى قدمه الملفوف عليها شاش أبيض وتساءلت : 

-أنت فكيت الجبس ؟ 

قال وهو لايزال مندهشًا من وجودها : 

-أه ..ندى جت معايا والدكتور حطلي ده 

نظرت إليه تحتضن وجنتيه براحتي يديها وقالت بحنين : 

-وحشتني اوي ..اوي.. 

أومأ برأسه فقط تعجبت من ردة فعله فكانت متخيلة بأنه سيحتضنها ويخبرها بأنه أشتاق إليها كثيرًا ويترجاها أن تبقى معهم.. تنهدت بحزن وقالت بهدوء : 

-أنا جايه عشان أخدكم تقعدوا معايا يومين 

نظر إلى التلفاز ليكمل لعب وهو يقول بتذمر :

-لاء أنا بحب بابي ومش هسيبه 

-والله ..ماشي بس مش همشي غير وأنت معايا 

ثم نهضت عن الأرض متجه نحو الباب وخرجت لتدخل عند أشرقت ..نظرت الصغيرة إليها في دهشة وتركت ألعابها لتنهض راكضة إليها فاحتضنتها رافعه إياها عن الأرض قائلة :

-وحشتي مامي جدًا 

-أنتِ كمان 

قبلتها على رأسها ثم جلست على حافة الفراش وهي لاتزال تحتضنهابقوة.. ة ابتعدت عنها لتنظر إليها وقبلتها على وجنتها وجبينها وقالت مبتسمة : 

-يلا عشان هتيجي معايا 

اختفت ابتسامتها وتراجعت إلى الخلف وهي تومئ بالنفي قائلة : 

-لاء أنا هقعد مع بابي و ندى 

حدقت بها بشراسة وأندفعت : 

-هي ندى دي بقت أمك وأنا ما عرفش.. 

ثم قبضت على ذراعها بغيظ وقالت بأندفاع : 

- هتيجي معايا أنتِ واخوكي.. مفهوم 

ثم تركتها فركضت أشرقت إلى الباب وقامت بفتحه وخرجت راكضة تنادي ندى ووالدها بنبرة بكاء فيما نهضت هي وركضت خلفها لتمسك بها عند الدرج وأشرقت تحاول التملص منها.. خرجت ندى من غرفتها ورحيم من غرفة المكتب فيما وقفت ندى أمام الدرج وقالت بقلق : 

-خلي بالك البنت هتوقع

لم تعطي لها اهتمام بينما صعد رحيم الدرج سريعا ليحرر طفلته من يدها ودفعها بقوة لتتراجع إلى الخلف ...وحمل طفلته يضمها إليه بحنان وهي تبكي قائلة : 

-بابي مش عايزة أمشي من هنا 

قذف تلك اللعينة بنظرة قاتلة ثم هبط الدرج فلحقت به وهي تقول بحنق : 

-رحيم أنا عايزة الولاد النهاردة بس 

ألتفت ينظر إليها بغضب شديد وقال بحده : 

-اقعدي معاهم هنا ..غير كده مستحيل يوافقوا 

قالت ندى بهدوئها المعتاد : 

-أنا ممكن أقنعهم 

نظر رحيم إليها بحده فتلاشت نظراته وتقدمت نحوه لتأخذ أشرقت واتجهت نحو غرفتها تحت أنظارهم حتى دخلت الغرفة.. تركها رحيم وعاد إلى غرفة المكتب مغلقًا الباب خلفه بقوة فيما جزت جيجي أسنانها حتى استمعت إلى صريرها و جلست على الأريكة تلهث وتزفر بقوة غير مستوعبه رفض الأولاد لها.. 


أما ندى فغسلت وجه الصغيرة بالماء ثم أخذتها إلى الخارج وحملتها لتجلسها على مقعد المرآة وبدأت تمشط شعرها بهدوء وهي تغني بصوت هادئ : 

-شو حلو حبيبي شو حلو ..هالقمر شوفوا ما أجملو ..بس أنا عبالي ادلـله وحياتي ما حدا بقى يزعلوا ..واسمحوا إذا بتسمحوا واستحوا ما بقى تجرحوا لو زعل أنا بصالحه حبيبي بالقلب صاير مطرحه.. 

ثم تركت الفرشاة بعد أن فرقت شعرها وبدأت تصنع لها الضفائر في كلا الاتجاهين ..بعد أن انتهت قبلتها على وجنتها ثم نظرت إليها في المرآة بابتسامة واسعه قائلة : 

-قمر بالضفاير 

ابتسمت وهي تومئ تأكيدًا على حديثها ثم تحدثت بنبرة إعجاب : 

-ممكن تغنيلي تاني 

شهقت واضعه يدها على فمها وتساءلت بتعجب مصطنع : 

-أيه ده هو أنا صوتي عجبك أوي كده ؟!

ضحكت ضحكة خفيفة وقالت : 

-جدًا جدًا 

حملتها ندى على ذراعيها وأخذت ترقص بها وهي تغني لها ذات الأغنية بصوتها الهادئ وبدأت تستدير بها.. وأشرقت جعلت من ذراعيها طوق حول عنقها  وتحرك رأسها مع الأغنية بإعجاب ..ثم وضعتها على الفراش برفق ومددت بجوارها وقالت بهدوء :

-عارفة أنا بحبك اوي 

-وأنا كمان بحبك 

قبلتها على وجنتها ثم ضمتها إليها بحنان وقالت بمكر : 

-وهحبك أكتر لو طلعتي بوستي ماما و وافقتي تقعدي معاها النهار ده.. 

ابتعدت عنها لتنظر إليها بتذمر طفولي فقالت ندى بابتسامة واسعة : 

-لو روحتي هتيجي تاني يوم تلاقيني عامله لك جيلي بموز وكريم كراميل و تورته كتير ليكِ لوحدك.. 

أقتنعت قليلًا ورفعت ندى جذعها عن الفراش لتجلس أمامها عاقدة قدميها وأمسكت بيدها وقالت بهدوء : 

-عارفة لو صَلحتي ماما هتدخلي الجنة ..و اوعدك بكرا بابي هيجيلك علشان ترجعي معاه ..هي ماما ما وحشتكيش ولا ايه 

قالت بحزن : 

-وحشتني بس أنتِ هتوحشيني أكتر 

ابتسمت بتأثر على ذلك الحب الكبير ثم احتضنتها وهي تخبرها بأنها سوف تشتاق إليها أكثر ..بعد دقائق خرجت من الغرفة فنظرت جيجي إليهم وركضت أشرقت إليها ووقفت إلى جوارها تقبلها على وجنتها و وافقت أن تذهب معها ..لتنظر جيجي إلى ندى في دهشة لتأثيرها القوي عليها ..تركتهم وصعدت إلى غرفة ريان ودخلت لتجلس بجواره تشاهد لعبه على التلفاز فنظر إليها ثم عاد بالنظر إلى التلفاز وقال : 

-الجيم ده وبس 

رفعت حاجبيها ناظرة إليه بطرف عيناها ثم أخذت الدراع و أوقفت اللعبة زفر بتذمر طفولي فأخذت تدغدغه ليضحك ثم حملته برفق لتجلسه على قدميها وأمسكت بيديه ترافعهما إلى الأعلى وتتحرك بكلا الاتجاهين وهي تغني بهدوء : 

-الله على اللي خلا الفرحة في كل مكان أي الجمال ده الله الحياة احلوت كمان ..حبايب وعيلة وعشرة ليالي جميلة ولسه في بكرا ولسه الحكاية طويلة ..أجمل ناس في حياتنا خلوا المكان بيهم جنه.. 

ثم أنزلت ذراعيه وأحاطت خصره مستنده بذقنها على كتفه وقالت : 

-أنت وأشرقت أجمل ناس في حياتي.. 

ادار رأسه اتجاها متسائلًا : 

-وبابي ؟ 

جحظت عيناها ناظرةً إليه في دهشة ثم ابتسمت وغيرت الحوار قائلة : 

-على فكرة أنا ممكن ازود ساعة لعبك بـ البلاي ستيشن بس بشرط 

ليقول مسرعًا : 

-موافق ..موافق 

-الشرط ..إنك تروح تقعد مع مامي النهاردة وبكرا ..وبكرا بليل بابي هيجيلك انت وأشرقت علشان ترجعوا معاه 

أومأ بالنفي عدة مرات وقال بتأفف : 

-مش عايز ألعب بلاي ستيشن خالص 

تعجبت من رده ثم احتضنته بقوة وقالت بهدوء : 

-حبيبي ..أنت وحشت مامي أوي 

قال بنبرة بكاء : 

-هي اللي مشيت وسابتنا.. وأنا بحب بابي أكتر منها 

-طيب روح النهار ده بس.. النهار ده بس أوعدك 


أطرق عيناه بحزن ثم وافق فاتسعت ابتسامتها وساعدته على تبديل ثيابه ثم وضعت له ثوب للنوم داخل حقيبة ظهر متوسطة الحجم وذهبت إلى غرفة أشرقت لتضع لها ثوبها هي الأخيرة ..ثم عادت إلى ريان ووضعت الحقيبة على كتفه وحملت إياه على ذراعيها وهبطت إلى الطابق السفلي وضعته على المقعد برفق ..وقف رحيم أمام باب المكتب ينظر إليهما بحزن يخبئه خلف جموده بينما جلست ندى على ركبتيها لتساعده في ارتداء حذائه.. 


نادى رحيم على أشرقت لتركض إليه و وقفت أمامه فأدخلها الغرفة وأغلق الباب ثم ركع أمامها ليحتضنها مغمض العينين بقوة للحظات وهي تشاركه العناق بيديها الصغيرة ثم ابتعد عنها وأعطى لها هاتف صغير قائلًا :

-خليه معاكِ يا حبيبتي واتصلي بيا لو احتجتي حاجة هتلاقيني عندك.. 

ثم نظر إلى الهاتف وبدأ يعلمها : 

-طبعًا عارفه بيفتح ازاي.. أضغطي على الأخضر ده هتلاقي أسمي الوحيد اللي عليه وبعدين أضغطي عليه كده وبعدين أضغطي على الأخضر ده هيتصل عليا ..تمام يا روحي 

أومأت بتفهم فوضع الهاتف في جيب سروالها وهو يخبرها ألا تخبر والدتها بأمر هذا الهاتف.. ثم أحتضنها ثانية وهو يشعر بعدم الراحة من مغادرتهما المنزل فقلبه دائمًا مطمئن عليهما هنا ..ثم ابتعد عنها وأمسك يدها وخرج ليركع أمام طفله ويحتضنه وقبله على رأسه ثم حمله على ذراعيه وخرج به.. لحقت جيجي به ممسكه بيد طفلتها التي استدارت برأسها إلى ندى وتودعها بيدها فودعتها ندى بابتسامة رقيقة وعندما خرجت أختفت ابتسامتها وجلست على الأريكة حزينة.. 


وضع ريان على المقعد الخلفي وقبل يداه وكان ريان ينظر إليه بترجي أن يمنع ذهابه ليشعر بألم في قلبه ومسح على شعره ثم ساعد صغيرته على الدخول بجوار شقيقها و ودعها بقبلة على رأسها قبل أن يغلق الباب ..جلست جيجي أمام المقود لتغادر فيما ألتفت الطفلان ينظرون إليه بحزن من خلف الزجاج الخلفي ..قطب بين حاجبيه قابضًا قبضته بقوة ويعتصر قلبه قهرًا فلم يتحمل نظراتهم تلك.. ابتعدت السيارة عن عيناه فتقدم خطوتين وهو يزفر كي يهدأ قليلًا ثم تحدث من بين أسنانه : 

-يا ريتك ما رجعتي ..يا رب 

وقف السائق الخاص به خلفه واستأذن بأخذ إجازة لأن زوجته تلد فوافق على الإجازة دون أن ينظر إليه.. فقلبه وعقله بين يدي طفلاه الأن ..شكره السائق كثيرًا وغادر وبعد لحظات دخل رحيم وأغلق الباب فنظرت ندى إليه وهو يتجه نحو الدرج بخطوات سريعة دون أن ينظر إليها ثم صعد إلى غرفته مغلقًا الباب خلفه.. 


شعرت ندى بالحزن من أجله بل وشعرت به أيضًا كأنهما جسد واحد ..بعد لحظات وصل علاء المنزل و وقف أمام ندى وتساءل بفضول : 

-مش قاعده مع الأولاد ليه ؟! 

رفعت رأسها إليه بحزن ونهضت قائلة : 

-والدتهم جت النهار ده خدتهم ومشيت 

اندهش وقال بحنق : 

-ازاي رحيم وافق على كده 

زمت شفتيها بحزن وهي تحرك رأسها بخفة فتركها وصعد إلى شقيقه ليتحدث معه.. بينما ذهبت ندى إلى غرفتها وبعد تبديل ثيابها إلى تنورة بطبقة من الستان وطبقه فوقها من الشيفون فضاضة مزينه بورود بيضاء وكنزة سوداء بثلث كم بعنق دائري منقوش بورود صغيرة بذات اللون.. ثم فتحت النافذة ليدخل ضوء الصباح وجلست على المقعد تكمل قراءة الكتاب كي يضيع الوقت.. 


" مساء ذات اليوم.." 


قررت أن تذهب إلى رحيم كي تهون عليه فراق أولاده ...تعلم جيدًا أنه حزين وكلما تنفست كلما يؤلمها قلبها عليه لتشعر وكأن قلبها في جسده ..وقفت أمام الباب تدقه وأنتظرت أن يجب ولكن لم يفعل فأضطرت أن تفتح الباب ونظرت في جميع أرجاء الغرفة حتى رأته داخل الشرفة.. واضعًا يديه في جيبي سرواله الأسود رافعًا رأسه إلى النجوم المتناثرة ..دخلت مغلقة الباب خلفها بهدوء ثم خرجت إلى الشرفة وشعر بخطوات قدميها فابتسمت عيناه ناظرًا إلى الأمام ..وقفت بجواره ولكن خلفه بخطوه و وضعت يدها على كتفه فأمسك بيدها بيده اليمين وأزاحها عن كتفه وضعها خلف ظهره ليسلمها إلى يده اليسار ليضع يدها على صدره وأمسك بيدها الأخرى جاعلًا إياها تحتضنه من الخلف ..أفترقت شفتيها قليلًا واتسعت عيناها كما شعرت بالخجل ايضا من تصرفة هذا.. لاحت ابتسامة على ثغرة فقد علم أنها الأن تشعر بالخجل وأصطبغا وجهها بحمرة الخجل وقال بصوته الرجولي : 

-شاركيني في الحضن يا ندي 

أغمضت عيناها وأقتربت منه أكثر واستندت بوجنتها على ظهره مغمضة عينيها بقوة متشبثة في سترته من الأمام ..رفع يدها الأخرى إلى شفتيه يقبلها على أناملها برقة عدة مرات ثم رفع رأسه واضعًا يدها على صدره وقال بهدوء : 

-عايزك تفضلي كده طول العمر.. 

اتسعت ابتسامتها ثم عضت على شفاها السفلى بخجل فتساءل : 

-اقنعتي الاولاد ازاي ؟! 

تنحنحت بكبرياء مصطنع وقالت : 

-بطريقتي الخاصة بقى 

ضحك ضحكة خفيفة وأصر أن تخبره بالسبب ..فتحت عيناها وتنهدت بعمق تستجمع قوتها مسيطرة على خجلها ثم بدأت بالغناء بصوتها الهادئ : 

-أنا نفسي اطير فرحانه جدًا ودايبه وبغير حاسة بسعادة ودا احساس خطير.. مجنونه بيك نفسي أفضل قصادك وأقولك بحبك كتير ودا مش كلام دا أنا جاية أغرق عنيك إهتمام ود وعد عليا وقرار وألتزام لو كنت أطول كنت أمسح حياتي ونبدأ من الليلة اوام ..هو أنت جيت منين حبيتك بالتلاته من غير اي اتفاق عقلي في ثانية أنت خدته.. 

ثم توقفت عن الغناء وتابعت بنبرة خجل : 

-مش فاكرة بقى 

رفع يدها إلى شفتيه يقبلها برقة وتحدث مبتسمًا : 

-حبيبي طلع صوته حلو اوي ..سحرتيني بصوتك والأغنية الحلوه دي  

احتضنته بشدة فاغمض عيناه وهي تقول بهدوء : 

-غنيت لكل واحد فيهم أغنية وأقنعتهم بشوية كلام 

ضغط بيدها على صدره منحني برأسه للخلف قليلا وقال بنبرة ثقيلة : 

-عايزك يا ندى ..عايزك معايا دايمًا 

دفنت وجهها في ظهره بخجل وقالت بنعومة : 

-أنا معاك اهو

ابتسمت عيناه قائلًا : 

-لاء أنا طماع ..عايز اصحي الاقيكِ في حضني.. 

عضت على شفاها بخجل شديد واصطبغا وجهها بحمرة الخجل ..تابع بـ بحة صوته الرجولية : 

-بحبك يا ندى ..

ثم وضع راحتها على شفتيه يقبلها مغلقا عيناه وكأنه في مكان خيال بعيدًا عن الأرض ..مكان خاص بهم فقط.. ثم جعلها تقف أمامه محيطًا خصرها بذراعيه مستند بجبينه على جبينها يتفحص ملامحها بتمعن وهي تنظر إلى الأرض بخجل وقال دون مقدمات : 

-تتجوزيني 

انكمشت معدتها ورفعت عيناها لتحدق به بعدم تصديق وأخذ صدرها يعلوا ويهبط من دقات قلبها القوية التي تدق داخله ..مسح بـ إبهامه جانب شفتيها ثم قبلها على وجنتها واحتضنها دافنًا وجهه بين ثنايا عنقها في حين ندى مازالت تحدق لم تصدق أذنيها بل تود الفعل لكي تتأكد من طلبه هذا ..ثم أغمضت عيناها رافعه يديها تضعهما على ظهره لتشاركه بالعناق وهمست في أذنه : 

-بحبك جدًا 

قبلها على عنقها برقه ثم نظر إليها يضع شعرها خلف أذنيها ناظرًا إلى عيناها بجدية الحب وهي تبادله بذات نظرات الحب ثم همس بأنفاسه الساخنة : 

-مجوبتيش ليه 

أطرقت عيناها ثم دفنت وجهها في صدره خجلًا وقالت بهدوء : 

-أكيد موافقة 

قبلها على رأسها بحنان وكاد أن يتحدث ألا أن رن هاتفه فأخذه من جيب سرواله لينظر إلى شاشته التي تضيء بالرقم الذي في هاتف أشرقت فأجاب فورًا ليستمع إلى بكائها الطفولي : 

-بابي تعال دلوقت ..مامي عايزانا نسافر معاها 

جز على أضراسه حتى استمع إلى صريرهما وقال بهدوء على عكس البركان الذي داخله : 

-طيب اهدي ..أنا جاي حالًا 

ابتعدت عنه لتنظر إليه في توجس فيما أنهى رحيم المكالمة ودخل مسرعًا ليأخذ مفتاح سيارته وهو يقول بحده عالية  :

-الهانم عايز تاخد الولاد وتسافر 

وضعت يدها أعلى صدرها ولحقت به في توجس واضح قائلة  : 

-خلي بالك وأنت سايق 

قال وهو يخرج من الغرفة بخطوات سريعة : 

-ماتخافيش 

لحقت به و وقفت أمام الدرج تنظر إليه حتى خرج مغلقًا الباب خلفه فجلست على الدرج تدعي له ..بينما استقل رحيم سيارته وقاد مسرعًا وأخذ يضغط على بوق السيارة بعصبية ليفتح الأمن البوابة وخرج بسرعة فائقة تاركًا أثرا للعجلات على الأرض..


..عند وصوله أوقف السيارة أمام البوابة يضغط على البوق بقوة ليخرج الأمن من بوابة صغيرة فاندفع رحيم طالبا منه أن يفتح البوابة.. قام بفتحها ليدخل بالسيارة في ذات الوقت كانت تضع جيجي الحقائب داخل السيارة ورجل صلب من يقوم بحراستها حاملًا أشرقت على ذراعيه وهي ترفص بقدميها وتبكي و واحد أخر يحمل ريان والذي لم يصدر منه أي ردة فعل فقط ينظر إلى الأمام ويبدو عليه الصدمة.. 


تفاجأت بسيارة رحيم والذي صفها وترجل منها راكضًا إلى ذلك الوغد الذي يحمل طفلته و وقف يسدد له عدة ضربات قوية ثم أخذ أشرقت وانزلها إلى الأرض فسدد له ذلك الضخم ضربه قويه جانب شفتيه وكاد أن يسدد له واحده أخرى تفاداها وركلة بغيظ شديد جعله يتراجع إلى الخلف ثم سقط أرضًا متأوه..  بينما تحدثت جيجي بصوت مرتفع : 

-أنا هاخد ولادي يا رحيم ..مش هسمح لوحده حقيرة تربيهم 

أحتضنت أشرقت قدم والدها.. فيما نظر إليها نظرة قاتلة وصاح بعنف : 

-الحقيرة دي برقبتك ..وأنتِ هتاخدي الولاد علشان ترميهم مع مربيه أجنبية وتشوفي شغلك ..أنا جايب لهم مربية لكن واخد بالي منهم وتحت عيني 

قالت بعصبية ساخرة : 

-أه واضح بأمارة أن رجل ابنك انكسرت 

-أنتِ فاهمه كويس اوي رجليه انكسرت ازاي  

ثم طلب من أبنته أن تذهب إلى السيارة فركضت إليها لتختبئ داخلها بينما أقترب من ذلك الرجل الثاني وأخذ ريان بينما خرجت والدة جيجي توبخه بحده وهو يضع ابنه داخل السيارة ثم نظر إليهم بغضب شديد وكأن الجحيم سكن عيناه قائلًا بفحيح مرعب : 

-أنتِ فكرة أنك لو كنتِ أخدتي الولاد كنت هسيبك ..دا أنا كنت ههد الدنيا فوق دماغك 

ثم جلس أمام المقود ليغادر من ذلك المكان اللعين ..فزفرت جيجي وضربت عجل السيارة بقدمها بغيظ فوقفت والدتها بجوارها وقالت بقسوة : 

-ولا يهمك ..دول حتى كانوا هيعطلوكِ عن شغلك ..سافري وابني نفسك مفيش حاجة هتنفعك 

***

عند وصوله صف السيارة أمام الباب وهاتف ندى طالبًا منها أن تأتي لتأخذ أشرقت ..بعد لحظات من المكالمة خرجت وحملت أشرقت تضمها إليها ونظرت إلى ريان الذي ينظر إلى الأمام في صمت مرعب وتساءلت : 

-ريان مالك ؟! 

ليقول رحيم بضيق : 

-خدي أشرقت وادخلي يا ندى 

ابتلعت لعابها بصوت مسموع وشعرت بالقلق على ريان ثم دخلت المنزل ..حمل طفله اجلسه على قدميه واحتضن وجنتيه براحتي يديه ينظر إليه بألم واضح ..فقد تذكر ذلك الوجه الذى رأه عندما غادرت والدته للمرة الأولى وذهب به إلى الكثير من الأطباء النفسيين كي يتحدث من جديد حتى نجح بعد معاناة ليستمع إلى صوته من جديد ..ويخاف أن تعود تلك الأيام ثانية فقال بهدوء : 

-ريان حبيبي أنا بابا ..أنا معاك 

مقلتيه مثبته إلى الأمام ولم يتحرك قط فقط يلتقط أنفاسه ..رفع رأسه إليه وهو يقول بترجي : 

-لاء يا ريان أنا مقدرش أعيش من غير ما اسمع صوتك.. 

احتضنه بشدة وقبله على رأسه ثم أغمض عيناه لتهبط دموعه على وجنتيه وقال بنبرة ألم : 

-أنا أسف ..أسف يا روحي 

فتح باب السيارة وترجل وهو يحمله على ذراعه ثم دخل مغلقًا الباب بقدمه فألتفتت ندى برأسها تنظر إليه وهو يتجه نحو الدرج من ثم صعد إلى غرفته.. وضعه على الفراش برفق ثم مدد بجواره وأخذه بين أضلاعه وقال بنبرة ضيق : 

-مش هخليك تعمل حاجة غصب عنك تاني ..بس سمعني صوتك.. 

ابتلع لعابه ليشعر بألم حاد في حلقه فيما ابتعد ريان عنه رافعًا رأسه ينظر إليه نظرة عتاب فنظر رحيم إلى عيناه ومسح على وجنته وابتسم ببهوت قائلًا : 

-هتنام جمبي النهار ده وبكرا وبعده ولحد ما تزهق ..علشان أنا بحبك أوي ..قولي رحيم كده 

قبله ريان على وجنته ثم اغمض عيناه فحرك رأسه بخفة ثم أخذه بين ضلوعه حتى ذهب ريان إلى النوم ..نهض من جواره بهدوء وخرج إلى الشرفة يدخن سيجارة بعد لحظات دقت ندى الباب لم تستقبل رد فقامت بفتح الباب بهدوء ناظرة إلى الفراش لتجد ريان فقط فدخلت مغلقة الباب بهدوء ..ثم خرجت إلى الشرفة و وقفت بجواره.. نفث دخان سيجارته في الهواء وقال بنبرة عتاب : 

-ليه تقنعي يروح يا ندى ؟ ..يا رتني ما وافقت يروح معاها 

-هو ريان عنده أيه ؟ 

تساءلت باهتمام ليخبرها بكل شيء حدث معه ..وكم هو عان معه حتى تحدث ثانية بعد أن صدم من كم المشاجرات التي كانت تحدث بينه وبين والدته وايضا كانت تتشاجر مع جدته امامه والصدمة الأكبر كان فراق والدته المفاجئ ..أمسكت بمرفقه مستنده برأسها على كتفه وقالت بحزن : 

-أنا أسفه مكنتش أعرف إن كل ده هيحصل.. 

ثم قبلته على كتفه فأمسك بيدها مخللًا أصابع يده بين أصابع يدها واضعًا إياها على صدره وهي تقول بهدوء : 

-متقلقش بكرا هيبقى كويس اوي وهيتكلم 

ميل برأسه ليستند على رأسها واغلق عيناه بهدوء هامسًا بجدية : 

-خليكي معايا يا ندى ..وجودك بيطمني.. وجودك جمبي بيطمني بيغلب قسوتي ..بيخرج كل حاجة حلوه جوايا ..بحبك 

قالت بابتسامة ونبرة رقيقة خجولة : 

-أنا كمان بحبك

" المشهد 14.. " 

" نبضة فزع.. " 

دخل الغرفة في الصباح حاملًا صينية طعام متوسطة الحجم وضعها على الفراش ثم اتجه إلى الشرفة وفتح ستائرها لتخترق إشاعة الشمس الغرفة.. ثم عاد إلى طفله وجلس إلى جواره يمسح على شعره برفق ..رفع عيناه لينظر إليه بنعاس فابتسم وقبله على وجنته وحمله على ذراعيه ودلف إلى المرحاض.. ثم أوقفه أمام الحوض وباليد الأخرى غسل وجهه وفمه وخرج وهو يستدير به بمرح بعد ذلك وضعه على الفراش برفق وشاركه في تناول الفطار.. 


بعد دقائق دق الباب ودخلت ندى بابتسامة واسعة فبادلها رحيم بابتسامة خفيفة ...تقدمت نحو الفراش وجلست إلى جوار ريان تلقي عليه الصباح فلم يرد عليها ..قبلته على وجنته ثم همست : 

-أي رأيك ازود لك ساعات اللعبة نص ساعة 

كانت قاصدة أن تجعله يضحك ولكن فشلت في ذلك ..تنهدت بهدوء ومسكت بيده فسحبها فورًا لتتعجب ندى ثم نهض من مكانه وجلس على قدم أبيه مستند برأسه على صدره.. شعرت ندى بالحزن وحسبت أنها ستبدأ معه من جديد ..نظر رحيم إليها ليرى الحزن واضح على جميع ملامح وجهها ثم طلب منها أن تذهب الأن فحملت صينية الطعام وخرجت.. أحاط طفله بكلت يديه وقال : 

-ما روحتش الشغل النهاردة عشان خاطرك ..هنلعب مع بعض سباحة وبلاي ستيشن كمان.. 

صدح صوت هاتفه فأخذه من أعلى المنضدة المجاورة للفراش واجاب على عمرو صديقه وأخبره بماذا يفعل اليوم في الشركة لأنه لن يأتي اليوم ثم أنهى معه المكالمة ..وضع الهاتف جواره ثم نظر إلى طفله قاطب جبينه قائلًا : 

-سمعت بنفسك ..مع أني ورايا شغل كتير جدًا لكن يهون علشان خاطرك ..المفروض إنك تشكرني 

نظر في عيني والده للحظات ثم أبتسم أخيرًا وقبله على وجنته ونظر إليه ثانية وقال بصوت هادئ : 

-شكرًا مستر رحيم 

رفع  حاجبيه بمرح واحتضنه بشدة وبشدة حتى كاد أن يخترق عظامة ثم أخذه إلى غرفته ..جلس رحيم عاقدًا قدميه يلعب مع طفله ألعاب الفيديو قال وهو يضغط ازرار الذراع منسجم في اللعب : 

-ندى بتسمحلي ألعب ساعة واحده بس في اليوم ..شوفت بقى بعاني قد أي 

ضحك ضحكة خفيفة ثم تساءل وهو منتبه إلى اللعبة : 

-ومامي كانت بتسمح لك تلعب كام ساعة ؟ 

-لااا ..مامي كانت بتسبني ألعب طول النهار عادي وطول الليل برده 

تساءل بمكر : 

-طب وليه رفضت تسافر معاها علشان تلعب براحتك 

أومأ بالنفي عدة مرات وقال بتأفف : 

-مستعد ملعبش خالص بس مروحش معاها 

لينظر رحيم إليه متعجبًا وأخذ يسأل ماذا فعلت تلك الأم كي يرفض طفلها أن يسافر معها لهذا الحد ؟ ..لم يرى شيئًا مثل هذا من قبل ولكن ما يجعله سعيدًا عشقه لأولاده وسعادتهم وهم معه ..ثم عاد بالنظر إلى التلفاز ليكمل اللعب وقال بمزاح : 

-طيب ركز بقى علشان هتخسر حالًا 

ضغط على أسنانه يقول بإصرار مؤكدًا على حرف الياء : 

-مستحيل 


..أما في الأسفل كانت ندى تقف بعيدًا تشاهد أشرقت وهي تطعم القطة عن بعد فابتسمت وتذكرت عندما أمسك رحيم بيدها ليضعها على القطة.. ثم ضمت نفسها بذراعيها تتنهد بعمق وهي تخبر نفسها سرًا بأنه احيانا يكون رقيق وحنون أكثر ..ثم تقدمت نحو أشرقت و وقفت عن قرب فرفعت الصغيرة رأسها إليها وقالت : 

-ندى متخافيش دي كيوت زيك.. 

ضحكت ضحكة خفيفة ثم جلست على ركبتيها ورفعت يدها بتردد فأمسكت أشرقت بمعصمها تقرب يدها رويدًا رويدًا قائلة : 

-متخافيش دي شعرها ناعم أوي  

ثم وضعت يدها على رأسها فخرجت شهقة خفيفة من بين شفتيها لكن سرعان ما ابتسمت وبدأت تمسح على شعر القطة بأريحية ..بعد دقائق من اللعب تركتها وصعدت إلى غرفة ريان ووقفت عند الباب وهي تضم  ذراعيها  امام صدرها بتذمر مصطنع قائلة : 

-مش كفاية لعب بقى 

ترك ريان الذراع ليشير إلى رحيم قائلًا : 

-مستر رحيم اللي بيلعب 

سعدت عندما تحدث وتعجبت من قول رحيم.. بينما ترك رحيم الذراع وأخذ يدغدغه ليضحك فضحكت ندى ضحكة خفيفة ..بعد ذلك توقف عن المشاكسة ومسح على شعره من الأمام إلى الخلف فقال ريان : 

-يلا نسبح بقى شوية 

نهض لينظر إلى ندى بابتسامة عيناه التي ترهقها فأطرقت رأسها خجلًا وهو يشير إليها قاطبًا جبينه قائلًا : 

-لازم أعلمك السباحة 

ثم غادر الغرفة بينما فتح ريان خزانة الثياب والتقط سروال قصير وساعدته ندى في ارتداءه وجاءت تلبسه ستره رفض قائلًا : 

-عايز ابقى زي بابي 

أومأت بالفهم ثم قبلته على رأسه وتركته يخرج ينتظر والده حتى خرج من الغرفة يرتدي سروال يصل إلى ركبتيه اسود من  الجينز وستره نصف كم بذات اللون ..حمل طفله على ذراعيه وهبط الدرج فلحقت ندى بهم حتى خرجوا إلى الحديقة ..خلع سترته وضعها على يد المقعد ثم هبط إلى الماء حاملًا طفله على ذراعيه تركه يسبح بمفرده ويلعب معه بالماء ..جلست ندى على المقعد وشعرت بملمس سترته الناعم أسفل يدها فنظرت إليها ثم انتقلت ببصرها بين رحيم وسترته حتى التفت ليواليها ظهره فانحنت لتدفن أنفها في سترته تستنشق عطره ثم رفعت رأسها تتنهدت بعمق مغلقة عينيها ..بعد ربع ساعة تقريبًا خرج ريان من الماء وساعدته ندى في ارتداء معطف يجفف بدنه من الماء ثم تركته يدخل ..وقف رحيم بعد خروجه يحرك رأسه لتخرج المياه من بين خصل شعره وقذفها على ندى فوضعت يديها على وجهها مانعه المياه من الوصول إليها.. 

ثم مسح على شعره من الأمام إلى الخلف عدة مرات وقال بمكر : 

-مش هتلبسيني التي شيرت زي ما ساعدتي ريان 

عضت على شفاها السفلي وقذفته بنظرة خجولة سريعة ثم تركته ودخلت.. اتسعت ابتسامته ثم تناول السترة ليرتديها ودلف إلى الداخل من ثم صعد إلى غرفته.. ليأخذ حمام سريع وبعد خروجه بدقائق رن جرس الباب خرج من غرفته وهبط إلى الطابق السفلي ليفتح الباب ..رأى الرجل الذي كان ينتظره واعطى له حقيبة بلاستيكية فأعطى رحيم له المال وشكره وبعد أن غادر أغلق الباب ثم اتجه نحو غرفة ندى و وقف يدق الباب.. 


نظرت إلى الباب وانهت المكالمة مع صديقتها ثم نهضت متجه نحو إليه لتفتح ..تنحت جانبًا فدخل وأغلق الباب ثم مد يده بالحقيبة وهو يقول : 

-الكتالوجات اللي هتختاري منها.. 

أخذت الحقيبة وأخرجت منها اول كتالوج تنظر إلى صفحاته فأشار بسبابته إليها قائلًا : 

-بكرا هنقضي اليوم كله مع بعض.. النهاردة للأولاد.. 

ثم أقترب منها أكثر حتى أصبحت المسافة بينهم شبه معدومة ومسح بظهر يده على وجنتها برقه فضمت الكتالوج إليها واصطبغت وجنتيها بحمرة الخجل وهو يقول : 

-وبكرا لحضرتك ندى هانم  

ثم انحنى برأسه وأطبق شفتيه على وجنتها إلى لحظات قبل أن يبتعد عنها وخرج مغلقًا الباب خلفه ..وضعت يدها على وجنتها بابتسامة تزين ثغرها ثم جلست على الفراش تفحص جميع الكتالوجات.. 

*** 

صباح اليوم التالي استيقظت بوجه عابس على صوت دقات الباب وحولها الكتالوجات ..نهضت عن الفراش وفتحت الباب لترى رحيم فنظر إلى ساعة يده التي تدق التاسعة والنصف قائلًا : 

-متاخره نص ساعة ندى هانم 

تنهدت بابتسامة قائلة : 

-عشر دقايق بس 

ضم ذراعيه أمام صدره وقال بغزل : 

-شكلك احلى من القمر وأنتِ صاحيه 

شعرت بالخجل ووضعت يدها على صدره الصلب تبعده عن الباب قائلة : 

-يلا علشان منتأخرش 

اومأ برأسه موافقًا ثم غادر فأغلقت الباب ودخلت المرحاض لتأخذ حمام سريع ..فيما جلس رحيم أمام المقود يرتدي نظارة شمسية أنيقة تعطي له مظهرًا جذاب خاص به ..بعد ربع ساعة استمع إلى صوت الباب ينفتح وخرجت ندى التي ترتدي تنورة تصل إلى قبل ساقيها بقليل بيضاء تحمل ورود متوسطة الحجم من الأعلى فقط وكنزة زرقاء ذات كم شيفون بذات اللون ..انبهر من جمالها رافعًا نظارته على شعره فالأزرق حقًا يعطي لها جمالًا خاص بها ووجهه براقًا ..جلست جواره فنظر إلى معصمها المزين بنبضات قلبه وعنقها البراق مستحوذًا على قلبه.. أبتسم ثم شغل السيارة وتحرك وحافظت على ألا تنظر إليه وهي تخبر نفسها سرا أنه جذاب اليوم كثيرًا و تود أن تمل عيناها منه ولكن تشعر بالخجل.. 


عند وصوله صف السيارة أمام الباب وترجل ثم ترجلت هي تحمل حقيبة الكتالوجات ودخلا إلى المنزل تنظر حولها وبعد لحظات شعرت به يمسك يدها وخرجا إلى الحديقة يجلسان أسفل إحدى الأشجار.. وفتحت الكتالوجات لتري اختيارها للأثاث وأيضا الألوان فلاحظ أنها اختارت ألوان مبهجة مثل ألوان الربيع ..نظر إليها وتساءل : 

-كنت فاكر هتختاري الأسود والأبيض زي البيت التاني 

قالت دون أن تنظر إليه : 

-عارفة إنك بتحب اللونين دول مع بعض لكن خلي البيت دا مبهج بالألوان 

وافقها الرأي ثم هاتف أحد المطاعم المشهورة وطلب لهم غداء عقب انتهاء المكالمة أزاح الكتالوجات عن قدميها ليضع رأسه عليهما مطالبًا بالعبث بين خصل شعره بيدها الناعمة مسحت على شعره برفق ليغمض عيناه مستمتعًا بحركة يدها وقال : 

-قوليلي حبتيني امتى ؟ 

لتغمض عيناها فجأة وقلبها يدق في صدرها وتحدثت بنبرة توتر : 

-كنت ..كنت بشوفك في الكافية ..بس يعني كـ كان مجرد اعجاب ..لحد.. 

توقفت عن الحديث تعض على شفاها السفلى من الداخل ..فتح عيناه لينظر إليها وأكمل : 

-لحد ما الصدفة جبتك لحد عندي ..وقربتي مني أكتر فتحول الاعجاب إلى الحب.. 

اومأت بتأكيد فقال بحب : 

-أنا معرفش حبيتك امتى و ازاي ..لكن فجأة لقيت نفسي بغيير عليكِ والغيرة يعني حب ..بحبك 

رفع يده ليضعها حول عنقها واغلق عيناه وميل رأسها إليه طالبًا منها أن تقبل جبينه ..أطبقت شفتيها على جبينه بحنان ليشعر بدفئهما فتزداد دقات قلبه حبًا ورغبه بها ثم ابتعدت عنه ورفعت رأسها تنظر إلى الأمام وبعد دقائق من تبادل حديث الحب بينهم رن جرس المنزل ..نهض ودلف إلى الداخل بينما وضعت هي يديها أعلى صدرها تزفر بهدوء ثم استندت برأسها إلى الشجرة.. 


عاد ومعه الطعام ثم جلس بجوارها وأخرج سندوتش بخبز دائري ضخم فأخذته وهي تحدق به وفتحت فاها كي تستطيع أن تقطم ولكن لم تستطيع فضحك رحيم عليها فلكزته في كتفه وقالت بتحدي : 

-طيب ما توريني كده هتعرف تاكله ازاي.. 

قطم من الأعلى فقط ففعلت مثلما يفعل وبدأت معه تحدي لمن ينتهي أولًا ...بدأ الإثنان يأكلان بسرعة ومن كثرة سرعتها تلطخت شفتيها بالكاتشب ..نظر إليها ثم مسح بـ إبهامه عليهما وهي تنظر إليه ببعض من الدهشة وهو يتذوق الكاتشب نظرت إلى الأمام بخجل وهو ينظر إليها بعينين مبتسمتين ..لم تستطيع أن تكمل طعامها وتركت السندوتش ثم نهضت لتدخل تغسل يديها ..وضع ما تبقى من طعامهما داخل المعلبات قبل أن ينهض متجه إلى الداخل.. 


بعد دقائق أخذها في جولة داخل المنزل وعلمت على الأثاث الذي تم اختياره ثم خرج يتجول بجوارها في الحديقة يحيط كتفها بذراعة ومد يده بـ موزة.. قطمت قطعة صغيرة واكل بعدها حتى انتهوا منها ..ثم أخذ دراجة كبيرة وجعلها تجلس أمامه ولف بها حديقة المنزل بأكمله.. 


في المساء طلب منها أن تدخل إلى أحد الغرف بالفعل نفذت رغبته ودخلت مغلقة الباب خلفها نظرت حولها لترى مقعد في أحد الأركان وعليه علبة فتقدمت نحوه و وقفت لتقوم بفتحها لتجد شورت من  الجينز وكنزه سوداء ذات حملات عريضة و ورقة قامت بفحصها بعينيها " اللبسيومستنيكي.." تعجبت ومع ذلك بدلت ثيابها به لكونها معتادة على مثل هذا النوع من الملابس ولكن لم تعد ترتديهم في منزله تجانبًا لغيرته الزائدة عليها.. ثم خرجت إلى الحديقة لتجده أمام حمام السباحة يدخن سيجارة وقد بدل ثيابه إلى سروال قصير يصل إلى بعد ركبتيه بقليل  جينز  بني وستره بذات اللون ..وقفت خلفه ليشعر بها والتفت ينظر إليها من رأسها حتى قدميها ثم نفث أخر دخان السيجارة وألقى بها أرضًا ليدعسها ..فتساءلت : 

-ليه اتخنقت معايا قبل كده بسبب اللبس ده 

تقدم نحوها بخطوات ثقيلة و وقف أمامها يحيط خصرها بذراعه الصلب وقال بصوته الرجولي : 

-علشان اللبس ده ميتلبسش غير ليا أنا.. 

ابتلعت لعابها بصوت مسموع فاقترب منها لتشعر بالتوتر الشديد وانكماش في معادتها وتأثيرها بصوته يجعلها في حالة من الذعر.. ابتعد عنها وقام بخلع سترته وضعها جانبًا ثم أمسك بيدها وقفزا في المياه ..شهقت بهلع ومسحت على وجهها فوضع يديها على كتفيه وقال بهدوء : 

-متخافيش 

نظرت إلى عيناه لتشعر بالاطمئنان ثم تحدثت بتوتر : 

-أنا مبعرفش أعوم وبخاف من الميه 

قال مداعبًا : 

-بتخافي من القطط والميه ..عايز اعرف مبتخافيش من أيه 

اتسعت ابتسامتها فابتسم ناظرًا إلى تلك الشفتين المبتسمتين ثم احتضنها هامسًا بالقرب من أذنها : 

-متخافيش من أي حاجة طالما رحيم معاكِ ..أنا هحميكِ حتى من نفسي 

ثم ابتعد لينظر إليها يمسح على وجنتيها بعد ذلك التفت واضعًا ذراعيها حول عنقه وسبح بها ذهابًا وإيابًا وبدأ يعلمها السباحة ..شعرت بالتعب فتوقفت عن السباحة وهي ترفض أن تتعلم المزيد ضحك ضحكة خفيفة لتضربه على كتفه ثم صعدت على حافة حمام السباحة لتجلس وهو يسبح أمامها ذهابًا وإيابًا وتحدثت هي بجدية : 

-الأولاد وحشوني اوي 

أقترب منها و وقف أمامها واضعًا يديه جوارها ينظر إليها بحب نظرت إلى الاتجاه الآخر خجلًا من نظراته وهو يقول : 

-أنتِ هتبقي أم حنينة أوي 

تحدثت بصوت منخفض من فرط الخجل : 

-شكرًا 

مسك يدها ليضعها على صدره الصلب وقال بجدية الحب : 

-حبك بينبض في قلبي ويدق في صدري 

ثم رفع يدها واضعًا راحتها على شفتيه يقبلها برقه ثم صعد ليجلس بجوارها ويضمها إليه يقبلها على رأسها

*** 

بعد ساعات ليست قليلة عاد إلى المنزل وتمنى لها ليلة سعيدة ثم قبلها على وجنتها وتركها تدخل غرفتها.. صعد إلى غرفة ريان كي يطمئن عليه ليجده نائمًا فقبله على رأسه بحنان ثم أطمئن على ابنته ودلف إلى غرفته.. 


في الصباح الباكر ذهب إلى العمل كي يتابع كل ما  فاته ..وبدأ يعمل بحماس ونشاط ومن حين لأخر كان يراسل ندى برسائل الحب لتبادله بذات الرسائل بابتسامة مزينه ثغرها.. الساعة الثالثة مساء خرج من الشركة واستقل سيارته ليغادر عائدًا إلى المنزل.. وبعد دقائق تفاجأ بعدم وجود فرامل في السيارة فأخذ يضغط على المحابك بقوة ولكن بلا جدوى وبدأ يتفادى السيارات بسرعة فائقة ثم صوب السيارة باتجاه أحد الأشجار الجانبية.. وفتح الباب كي يقفز من السيارة لتصطدم السيارة في الشجرة بقوة فيما ارتطمت رأسه بخفة في الأرض وسقط على ذراعه اليسار ..نظر إلى سيارته وهو يشعر بألم حاد في رأسه وذراعه اليسار بالكامل.. تجمعت الرجال من حوله وطلب أحدهم أن يذهب به إلى المشفى ولكن رفض وطلب فقط سيارة أجرة.. 

*** 

أما في المنزل شعرت ندى بغصة في قلبها لتفزع واضعة يدها على صدرها ثم توقفت عن الطعام.. لتنظر وفيه إليها متسائلة : 

-مالك يا ندى ؟! 

نظرت إليها بلهفة وقالت بنبرة قلق : 

-أنا كويسه 

ثم نظرت إلى شاشة هاتفها بعد دقائق نهضت السيدة وفيه واستعدت للذهاب لشراء بعض الأغراض وأخذت أشرقت معها عندما أصرت وصعد ريان إلى غرفته ليلعب بألعاب الفيديو.. جلست على الأريكة تنظر إلى الهاتف وكادت أن تتصل على رحيم لأن قلبها يشعر بالقلق عليه ألا أن فتح رحيم باب المنزل لتنظر إليه ثم نهضت راكضة إليه بلهفة لتحتضنه بذراعيها التي تحيط بهم خصره وقالت بنبرة قلق : 

-قلقت عليك 

تألم وجهه قاطبًا حاجبيه رافعًا ذراعه اليمين يمسح على شعرها وهو يقول بصوت منخفض : 

-أنا بخير ماتقلقيش 

شعرت من نبرة صوته بشيء ما فابتعدت عنه لتنظر إليه وشهقت بهلع متسائلة : 

-رحيم حصل أي ؟؟ 

طلب منها أن تأخذه إلى غرفته أمسكت بيده اليمين ومضت بجواره ثم صعدا إلى غرفته واراح جسده على الفراش متاوها بخفة.. وضعت الهاتف على المنضدة ثم جلست على حافة الفراش بالقرب منه ومسكت بيده ناظرة إليه بدموع تجمعت حول مقلتيها وهو يقص عليها ما حدث ..ثم أخذت منديل ومسحت الدماء التي هبطت من جانب رأسه برفق وقالت بنبرة بكاء : 

-لازم تروح المستشفى .. 

جاء يتحرك تألم من ذراعه فوضعت يدها على كتفه اليسار وقالت بقلق : 

-أكيد ذراعك فيه حاجة 

-ندى أنا كويس مفيش داعي للمستشفى خالص 

مسحت أسفل عيناها مانعة الدموع من الهبوط وقالت بنبرة ضيق : 

-طيب على الأقل خليني اشوف دراعك 

أومأ بالموافقة فبدأت تفك له ازرار قميصه وهو يتفحص تلك الملامح الحزينة من أجله وعيناها التي تنطق بالخوف من فقدانه.. رفعت مقلتيها إليه لتخجل من نظراته فأطرقت عيناها وبدأت تفك ازرار القميص بيدين مرتعشين من كثرة الخجل الذي أثر على معادتها وقلبها يقرع كالطبول في صدرها ليجعله يعلوا ويهبط ..بعد أن انتهت سحبت كم القميص اليسار ونظرت إلى ذراعه العالي لتجد كدمات على كتفه فضغطت عليه ليتأوه فابتعدت عنه فورًا وقالت بإصرار : 

-لازم تروح المستشفى 

مسك بيدها وتساءل قاطب جبينه : 

-خايفه عليا ؟ 

أطرقت عيناها أولًا ثم نظرت إلى الأمام تبتلع لعابها بصوت مسموع وقالت باضطراب : 

-أه أكيد 

وضع راحت يدها على شفتيه يقبلها بحنان ثم تحدث بنبرة ثقيلة : 

-يا رتني كنت عملت الحادث دا من زمان علشان اشوف نظرة الخوف دي.. 

أغمضت عيناها لتهبط دموعها على وجنتيها رغمًا عنها بينما هو ترك يدها ليضع يده على وجنتها يمسح دموعها وقال بجدية : 

-دموعك أغلى من حياتي 

-ربنا يخليك 

تساءل بمكر : 

-لمين 

عضت على شفاها السفلى من الداخل ثم تحدثت بنبرة خجل : 

-ليا و لأولادك 

-يا رب يا روحي 

قاطع تلك اللحظة رنة هاتفها فأخذه من أعلى المنضدة وأجاب على المتصل و وضعه على أذنه ليستمع إلى صديقتها : 

-يا زفته يا نعجة مبترديش ليه ؟! 

ابتسم وقال ببحة صوته الرجولية : 

-لاء أنا حبيب النعجة و الزفته .. 

ضحكت ندى ضحكة خفيفة فيما فزعت صديقتها وفصلت المكالمة فنظر رحيم إلى شاشة الهاتف ثم تحدث بمزاح : 

-صحبتك ماتت باين.. 

مسحت دموعها وهي تضحك على كلماته الأخيرة فقال بابتسامة واسعة : 

-اطمني عليها يا ندى 

أخذت الهاتف من يده واتصلت عليها ثم تركته وخرجت إلى الشرفة لتتحدث معها فأخذت توبخها صديقتها في البداية ثم تساءلت بهدوء : 

-رحيم اللي رد عليا 

-أكيد يعني يا غبية.. 

كان رحيم ينظر إليها من خلف زجاج الشرفة وهي تتحدث معها وانهت المكالمة سريعًا لتعود إليه وقالت بإصرار : 

-هتروح المستشفى غصب عنك 

غمز لها وقال بنبرة رجولية ثقيلة : 

-دي حياتي تهمك اوي بقى 

عقدت بين حاجبيها بتذمر قائلة : 

-يا بايخ 

-بيموت فيكِ 

تعجبت متسائلة : 

-هو مين ده 

عض على شفته السفلى بجرائه واجاب بنبرة هادئة ممزوجة بالحب : 

-البايخ


الفصل الخامس عشر من هنا


🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹

قارئاتي وقمراتي وقرائي الغاليين بعد ما تخلصوا القراءه هتلاقوا الروايات الجديده والحصريه إللي هتستعموا بيها من هنا 👇 ❤️ 👇 💙 👇 ❤️ 👇 






🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


إرسال تعليق

أحدث أقدم