رواية لعنة الخطيئه الفصل السادس عشر حتى الفصل العشرون بقلم الكاتبه فاطمه أحمد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
رواية لعنة الخطيئه الفصل السادس عشر حتى الفصل العشرون بقلم الكاتبه فاطمه أحمد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا
الفصل السادس عشر : ألغام.
_________________
" لا تنسَ أن تكون حذرا ... وأنت تخطو فوق ألغام الكراهية! "
صدر طنين مزعج من حولها فرمشت عيناها بخفة واختار العقل العودة إلى الواقع بعد رحلة الاوعي التي عاشتها ...
وبحلق جاف وأنفاس شائكة أطبقت كالسلاسل الحديدية على صدرها باعدت جفنيها، وتعطلت مداركها العقلية لثوان عندما ارتطمت نظراتها في السقف قبل أن تشعر بألم يكاد يفتك برأسها فتبدأ أحداث التهجم عليها تتدفق لذاكرتها رويدا رويدا.
وهنا انتفضت نيجار بذعر تمكن منها مستوعبة بأنه كان حقيقة وليس كابوسا خاصة عند انتشار الألم في جسدها لتنتبه إلى ذلك الصوت الذي تمقته بشدة وهو يردد :
- حمد لله على السلامة.
صدرت هذه الجملة من حكمت التي كانت واقفة بجانب السرير وتحدق بها من فوق بنظرات خبيثة تحمل كُتلا من الشرّ فنظرت لها نيجار بذهول انقشع تلقائيا وحل مكانه الجمود حينما انحنت عليها الأخرى وابتسمت بقتامة مغمغمة :
- شوفتي آخرة اللي يتجاوز حدوده معايا يا بنت الشرقاوي ... بيتضرب ضرب البهايم زيك كده.
كانت حكمت في أوج رضاها وهي تراها بهذه الحالة التي تشفي غليلها وتذكرت كيف اتفقت مع أولئك النسوة على مهاجمة نيجار ثم أرسلتلها للخارج عمدا وضربوها.
وبعدما فقدت الوعي أعادتها للسرايا وهاهي جالسة بوجه مكدوم وجسد مضروب ... مُهانة ذليلة !
بينمت التمعت عينا نيجار بحرقة وأحست بالدم يكاد يخرج منهما وهي تطالعها بحقد أهوج بنظراتها الصقيعية وانكمشت ملامحها مكشرة بوحشية لدرجة أن حكمت ظنت بأنها ستتهجم عليها مجددا أو تنهار وتدخل في نوبة بكاء هستيرية ، بيد أنها تفاجأت حينما رأت نيجار تبتسم ببلادة وتهسّ أمام وجهها مباشرة :
- لا، أنا شوفت واحدة بتكدب وتخدع عشان تاخد حقها لأنها مش قادرة ترجعه بطريقة تانية من بنت في سن حفيدتها بس بصراحة خيبتي ظني أنا كنت متوقعة تاخدي بتارك مني بطريقة تليق بمقامك.
صمتت لبرهة مطالعة إياها من الأعلى للأسفل بشكل مستفز ثم تابعت بضحكة مستهزئة :
- خليتيني اطلع ولميتي عليا كام واحدة من الشارع عشان يضربوني ... مش حضرتك كبرتي ع الحركات ديه بردو.
اتسعت عينا حكمت لوقاحتها وجرأتها حتى بعد ما تعرضت له واحتقن وجهها بغل واضح أما هي فاِبتسمت بجلادة جعلت هذه الأخيرة تعتدل في وقفتها وتغادر الغرفة لينقشع شموخ نيجار ويحل مكانها الإنكسار وتبدأ أوصالها بالإرتجاف تتبعها دموعها التي نزلت واحدة تلوَ الأخرى شاهدة على قهرها تتذكر كيف ضُربت وقالت إحداهن أن التهجم عليها كان بتوصية من حكمت و آدم.
هل هذا ما آلت إليه الأمور هل تحولت من نيجار القوية إلى فتاة ذليلة تتعرض لشتى أنواع العنف ولا تصدر صوتا وهل ذاك الذي أعاد لها صورة والديها هو نفسه من خطط لهذه اللعبة !
عادت دموعها تنزل بشكل مضاعف وامتلأت روحها بالحقد حينما همست بنبرة متحشرجة :
- انت يا آدم تعمل فيا كده انت اللي مكنتش بتطيق نسمة الهوا تضرب وشي بس انا اتفاجأت ليه كنت متوقعة منك ايه يعني.
بعد بضع دقائق فُتح الباب ودلف آدم بهدوء ليجدها تتوسط السرير وتضم قدماها لصدرها واضعة رأسها على ركبتيها بصمت وسكون، رشقها بنظرات باردة ثم وضع هاتفه ومفاتيحه مغمغما :
- مش المفروض تكوني تحت عشان تشوفي طلبات ستي ولا الهانم واخدة اجازة النهارده.
نزل صوته على أذنيها كحمم من نار وأحست بقلبها يمتلئ كرها وبغضا في هذه اللحظة فرفعت رأسها ببطء ونظرت له وهو يوليها ظهره وينزع معطفه ثم تشدقت بنبرة اتسمت بالبلادة :
- لا أنا واخدة فترة نقاهة قصيرة عشان اقدر استرد طاقتي ... وهحرص على انك تاخد واحدة زيها.
نطقت آخر جملة وهي تحدق في التحفة الطينية الموضوعة على المنضدة لتنهض بهدوء وتلتقطها كان هدفها واضحا وهو رد الضربة إليه وهذا ما كانت ستفعله حقا حينما رفعتها في الهواء تنوي الهبوط بها على رأسه لولا أن آدم استدار فجأة وقبض على يدها في آخر لحظة صائحا بذهول غاضب :
- انتي بتعملي ايه !
- سيبني انا هاخد بتاري منك واندمك على اللي عملته بقولك سيبني !
صرخت نيجار في وجهه بشر وتوعد بينما تتخبط كي يفلتها بلا فائدة بينما ناظرها الآخر بعدم استوعاب وكأنها مخبولة حتى استطاع جعلها توقع التحفة لتنكسر إلى أشلاء ليهدر بحدة :
- انتي اتجننتي واعية للي بتهببيه ده عايزاني اكسر عظامك دلوقتي عشان ترتاحي.
دفعها بعنف فتراجعت هي للخلف لكنها بقيت تصرخ وتهدده فنهب آدم الخطوات الفاصلة بينهما نهباً وعيناه تقدحان شررا إنطفأ على حين غرة وهو يبصر أخيرا صفحة وجهها المكدومة ! تسمر مكانه يطالعها ببلاهة لحظية متسائلا :
- ايه اللي ع وشك ده.
مطت شفتها بإستنكار من وقاحته وإدعائه الجهل فأجابته بحدة :
- نتايج خطتك العظيمة انت وحكمت هانم ايه معجبتكش عايز تزود عليها ؟
لم يصله مقصدها واضحا بل زاده جهلا ليردد بذهول وهو يفكر في شيء واحد فقط :
- ستي اللي عملت فيكي كده انتو اتخانقتو !
رغم كرهه لشيطنتها وعدم ترددها في أذية أي شخص أمامها لكنه متيقن بأنها لن تسمح لجدته بضربها بهذه الطريقة دون مقاومة لذا لم يكن يعلم إن كان هذا هو السؤال الصحيح، في حين أن نيجار صاحت بغطرسة بعدما أوشكت على الوصول للجنون :
- انت من امتى بتدخل في ألاعيب قذرة زي ديه على الأقل متعملش نفسك مش فاهم يعني مكفاكش تخليني انزل على ركبتي واعتذر من جدتك وأبوس ايدها ومكفاكش تهينني قدامهم كلهم وتعاملني كواحدة ملهاش قيمة جيت في الاخر وخليتهم يضربوني ... مش كنت بتتكلم ع الغدر وبتقول عني خاينة وخبيثة ومليش أمان قولي انت فرقت ايه عني بعد اللي عملته !
ضربت صدره بإنهيار متابعة :
- لحد امتى هتفضل تنتقم مني كرهك هيخلص امتى اقتلني مرة واحدة وريحني بتستغل اني مبقدرش ارجع لبيتنا وقاعد تعذب فيا كفاية بقى كفاية.
تفاجأ آدم من هجومها وكلماتها غير المفهومة كأنها تكلمه بلغة أخرى ليفقد عقال صبره ويمسك ذراعها بقوة مغمغما :
- أنا مش فاهم كلمة من اللي بتقوليه ولا عارف بتحكي عن ايه اتكلمي زي الناس وفهميني لأني ااا...
قاطعه صرخة من نيجار لكن هذه المرة كانت صادرة عن ألمها وهي تحاول إبعاد يده فقضب حاجباه بشك هامسا :
- في ايه مالك.
لم ترد عليه وقد بدأت تشك في حقيقة تعاونه مع جدته لأن صدقه كان واضحا ومع ذلك التزمت الصمت فزفر بصبر نافذ وبدأ بفتح أسرار بلوزتها تحت دهشتها من تصرفه حتى نزعها كليا وألقاها على الأرض ليذعر آدم وهو يرى العلامات الزرقاء متفرقة على عنقها وكلتا ذراعيها !
وزع بصره بينهم وبين وجهها دون أن ينبس ببنت شفة بعدما ألجمت الصدمة لسانه وأحس ببوادر الجنون تلفحه حتى تشدق بدهشة :
- ايه كل ده مين عمل فيكي كده وامتى ... اتكلمي !
نطق آدم آخر كلمة بصوت عالٍ اخترق باب الغرفة ليصل إلى الأخريات فاِلتمعت حدقتاها بدموع ترفض النزول وردت عليه بصلابة :
- روح اسأل جدتك اللي خلتني اطلع برا البيت بحجة الطلبات وبعتت حريم تمسكني وتضربني بالشكل ده.
- متكدبيش.
- أنا مش بكدب ستك المحترمة اللي الكل بيشهد بوقارها وإحترامها خلتهم يتكاترو عليا والنتيجة اهي زي انت ما شايف.
ردت عليه بثقة ليشد شعره بأعصاب تالفة وعقل مرهق من كمّ الأحداث التي عاشها اليوم والآن تصدمه هذه الفتاة بحادثة جديدة دون أن يستوعب متى خرجت من السرايا وتعرضت لكل هذا وعادت لتقف أمامه وتخبره بالتفاصيل وكيف حدث أصلا وأين هو من كل مايحدث ؟
انحنى آدم فجأة والتقط البلوزة الملقية على الأرضية وألبسها إياها ثم سحبها من يدها حتى وصلا لغرفة الجدة طرق الباب ودخل قبل أخذ الإذن منها فنظرت له تلك الجالسة على الكرسي الهزاز وقالت برخامة :
- خير ياحفيدي انت جاي تمسي عليا.
رد عليها بسؤاله وهو يشير إلى نيجار بحدة :
- الكلام اللي قالته ديه صحيح انتي بعتيها برا البيت وخليتي الحريم تضربها ؟
لم يظهر عليها الإضطراب أو أي محاولة منها للإنكار بل رفعت رأسها بشموخ مجيبة بشكل مباشر :
- ده اللي كان لازم يحصل.
أسدل جفونه مغطيا الخيبة التي غزت عيناه لثوان ثم فتحهما وأشار لنيجار بالخروج كادت تعترض وتعاند لكن ملامحه المكفهرة أرجعتها عن محاولتها فزمت شفتيها وغادرت على مضض إلا أنها وقفت عند الباب مجربة سماع ما سيقولانه.
أما في الداخل رشقها آدم بنظرات واجمة وغمغم من بين أسنانه :
- انتي ازاي تعملي كده وتحطيني في الموقف ده ازاي تخلي شوية **** يتهجمو على بنت الشرقاوي ويوصلوها للحالة ديه.
لم تكترث حكمت بعتابه بل كل ماكان يهمها في هذه اللحظة ويرضيها هو أنها أخذت بثأرها من عديمة الأصل تلك وجعلتها تفقد وعيها من الألم، لذا وقفت أمامه مباشرة وهدرت بتنعت :
- البت ديه غلطت معايا وخدت العقاب اللي بتستحقه وخليها تشكر ربنا لأني مقتلتهاش ورجعتها جثة لأهلها.
- وأنا مش راجل ملي عينك عشان ياخدلك حقك منها مش جبتها وخليتها توطي ع ايدك تبوسها وتعتذر منك قدام الكل !
- انت راجل وسيد الرجالة ياحفيدي بس أنا عمري ماكنت هكتفي بإعتذارها وأنت عارف الحاجة ديه كويس !
- وطالما شايفاني راجل ليه تحطيني في موضع الغبي اللي مش عارف بيحصل ايه فـ بيته ازاي تطلعيها برا البيت رغم اني نبهت عليكو مليون مرة متخلوهاش تعتب خطوة واحدة.
إعترض متشدقا بإستنكار حاد لتختفي قشرة حكمت الصلبة وينكمش وجهها بحقد مبرطمة :
- اوعى تكون صعبت عليك ؟ نسيت عملت فيك ايه والوجع اللي خلتك وخلتنا نعيشه نسيت أنها ضحكت عليك وكانت هتقتلك البت ديه بتستاهل كل شر والمرة الجاية هخليهم يكسرو عظامها.
- هي مراتي أنا.
- أيوة نفسها قليلة الرباية وعديمة الأصل.
- هـي مـراتـي أنـا !!
هذه المرة صرخ آدم بعنف وسخط كمن تلبسه عفريت وتابع برعونة غير آبه بوصول صوته للبقية :
- مهما حصل ومهما كانت الطريقة اللي اتجوزنا بيها ميمنعش أن نيجار شايلة اسمي وأي حاجة تمسها بتمسني لما تبعتي ناس تضربها فـ ده هيبقى تعدي على حرمة آدم الصاوي وسمعتي ومكانتي أنا اللي هتضرر يا حكمت هانم.
سمحتلك تعملي فيها ما بدالك ومتدخلتش يوم حرقتي صورها جيتلك ووعدتك اني اخليها خدامة تحت رجليكي وتعامليها بالطريقة اللي حضرتك عايزاها لحد ما اطلقها وتغور في داهية بس بشرط الأحداث ديه متتجاوزش عتبة بيتنا بس انتي عملتي ايه ؟ اتخيلي اللي حصل النهارده يوصل للعمدة ولا لعيلتها هيبقى ايه موقفي.
كل هذه الكلمات نزلت على أذن نيجار التي كانت تسترق السمع إليهما وأحست بالسعادة حين وجدته يصرخ ويخبر حكمت بأنها زوجته لكن سرعان ما اضمحلت تعبيراتها المنشرحة وتحولت لغضب ممزوج بالإحباط عندما قال بأنه يفكر في سمعته ومكانته.
أهذا هو سبب عصبيته وإعتراضه هل كان جل إهتمامه متمثلا في إحتمالية وصول الأخبار إلى العمدة فيتضرر.
حسنا وماذا كانت هي تتوقع هل اعتقدت بأن آدم حزن عليها وغضب من أجلها ؟ ابتسمت بمرارة لا تدرك سببها وعادت إلى غرفتها أما في الداخل طالعته حكمت بدقة وتفرست في عينيه جيدا حتى ظن بأنها ستُعري دواخله وهنا تلفظت بما جعله ينصدم للمرة الثانية على التوالي :
- وهتفضل ع رأيك لما تعرف انها لسه بتحاول تغدر فيك ؟ نيجار خدت موبايل أم محمود النهارده الصبح واتصلت بصفوان ولو مصدقتنيش روح اسألها وخلينا نشوف لو عندها الجرأة عشان تنكر.
أغمض آدم عيناه وأغلق فمه كاتما شتيمة لاذعة ولعن نيجار بداخله قبل أن يفتحهما ويردد نفس الكلام :
- كنت متأكد انها هتحاول تتواصل مع الـ*** ده بس متوقعتش انها هتقدر تعملها بسرعة كده.
ومع ذلك ايوة لسه عندي نفس الرأي يا ستي ومش عايز اسمع عن الموضوع ده تاني ... ودلوقتي تصبحي على خير.
إنحنى وقبَّل جبينها وغادر بينما ظلت هي واقفة وتشخص بصرها في الفراغ حتى همست :
- أنا شوفت شوية خوف عليها فعينيك قدرت أشوف ازاي هي صعبانة عليك بس مينفعش مستحيل اسيبها تمشيك ع هواها.
________________
فتح باب الغرفة ودلف فوجدها جالسة على طرف السرير تحدق في الفراغ بشرود وبمجرد رؤيته نهضت من مكانها وقابلته مباشرة قائلة بلهجة قوية :
- انتهيت من نقاشك مع الست هانم ياترى خططتو لـ ايه المرة ديه تقتلوني وتخبو جثتي ولا المحترمة بتفكر في حاجة تانية غير القتل.
رفع حاجباه محذرا إياها :
- اتكلمي عليها كويس ده أولا وثانيا مفيش داعي تقلقي لأن الموضوع ده مش هيتكرر تاني.
- لا والله كتر خيرها معلش يعني انت فاكرني ايه بالظبط شايفني واحدة بتضرب وتسكت عادي ؟
- لا شايفك واحدة بتقدر تاخد حقها ومبتفكرش مرتين قبل ما تحاول تضربني بالفازة ع دماغي وده اللي كنتي هتعمليه من شويا لو موقفتكيش بس معلش اعتبريها مقابل لعمايلك فيا مش انتي بردو غفلتيني وضربتيني بخنجر مسموم وسبتيني مرمي جوا النار.
رد عليها آدم بنبرة مستهزئة أجفلت نيجار لوهلة ثم عادت وضمت يديها ناقمة :
- ده لأن الست إياها قالت كلام بمعنى أنك متفق انت وستك عليا مكنتش بعرف انك برا الموضوع ومع ذلك مش هسكت والكلام ده هيوصل للعمدة وساعتها ابقى وريني بتقدر تعمل ايه مش حضرتك شايل هم العمدة.
قصدت هي تهديده بما يخافه ولكن آدم الذي كان شبه متأكد من أنها وقفت خلف الباب واستمعت لحديثه مع جدته رمقها بتطليعات ساخرة معقبا :
- والكلام هيوصل للعمدة ازاي هتتصلي بصفوان تاني وتقوليله الحقني دول ضربوني وعنفوني ؟ مالك متفاجأة كده أنا فعلا بعرف انك اتصلتي بإبن عمك النهارده الصبح بس مفكرتيش فـ اني من الأول قاصد اهددك عشان تخافي وتتواصلي معاه بس تعرفي ايه ... لجانب انك غدارة وملكيش أمان طلعتي كمان واحدة غبية.
شهقت نيجار بدهشة وإستهجان للإهانة الموجهة إليها بينما أضاف هو هاتفا :
- الندل اللي معتبراه أخوكي باعك ليا عشان ميضحيش بأخته الحقيقية ووافق يحطك معايا في أوضة واحدة وهو متخيل أنا ممكن اعمل فيكي ايه بس مهتمش واعتبرك كبش فدا لكن مع ذلك انتي لسه بتساعديه وبتخاطري بسلامتك عشانه معقول للدرجة ديه معندكيش كرامة وإحترام لذاتك ولا المسكينة بتعمل كل ده عشان يعتبروها واحدة منهم بعد ما أهلها الحقيقيين اتوفو.
سكت يسترد أنفاسه ثم تابع بقسوة غير آبه بوجهها الذي شحب من هول ما أُلقي على مسامعها :
- طب أنا هسألك وحاولي تكوني صريحة معايا لمرة واحدة انتي لو رجعتي اتصلتي بصفوان دلوقتي وقولتيله الحقني آدم وجدته ضربوني بتقدري تضمني أنه هيسيب اللي فـ ايده ويجي ياخدك ويقول مش هسيب اختي معاه و في داهية السلطة والعمودية، ولا هيقولك معلش استحملي كام يوم زيادة لأني مشغول ومش ملحق.
اهتزت حدقتا نيجار بجرح أليم وأحست بقلبها ينجلد بسياط من نار وهو يضربها بالحقيقة المرة في وجهها ..حقيقة أنها بلا مأوى ولا أحد سيستقبلها في المنزل التي هي فرد منه ! وأن الأخ الذي ضحت بالكثير من أجله رماها بنفسه ولا يتوانى في كل مرة عن تخييب أملها وهي الآن لا تملك خيارا سوى الصمت لأنه وببساطة صفوان لن يُنصفها نهائيا.
لم تتكلم ولم ترد عليه بكلمة واحدة كي تهاجمه بعدوانيتها المعتادة مثلما توقع، بل تركته وتوجهت إلى الخزانة مخرجة من داخلها الأغطية وأفرشتها على الأرضية لتنام عليها مولية ظهرها له بعدما أخذت المنديل المشهور وضمته بيدها،فتأملها آدم لبضع لحظات ثم زفر وغادر المكان وهو يشعر بالإختناق ...
___________________
بعد مرور يومين وداخل بساتين عائلة الصاوي.
كان يشرف على العمال ويراقب أشغالهم بينما يمسك دفترا في يده ويسجل كمية الفواكه والخضر الجاهزة للنقل في الحال والكميات المخزنة وهو يردد بجدية :
- الشحنة ديه هتروح للحج محروس دلوقتي بالكمية اللي طلبها اهي فاضل شحنة الحج عثمان وديه هننقلها بكره ... كلمت عيسى يا فاروق ؟
أجابه الآخر بإيماء :
- أيوة وزي حضرتك ما وصيتني أنا قولتله انك رفضت طلبه ومادام سبق وفسخ العقد معانا مش هنقدر نرجع نتعامل معاه من تاني حتى لو تراجع عن الشراكة مع صفوان.
همهم برضا متذكرا التاجر الذي تخلى عنه فجأة وعقد مع صفوان ثم عاد له بحجة أن الزبائن لم يستسيغوا الفواكه الآتية من بستان الشرقاوي وكانت مبيعاته أقل من المعتاد حينما كان يشتري من عنده لكنه رفض الإتفاق معه مجددا وأخبره بأنه لا يود تجارا لا قيمة للكلمة التي تخرج من أفواههم.
فعاد فاروق وتكلم مستفسرا :
- بس اللي مفهمتوش طالما عيسى قالك انه مستعد يفسخ الشراكة مع ابن الشرقاوي ليه موافقتش و اهو تبقى ضربت عصفورين بحجر منه بترجع تتعامل مع أقوى التجار ومنه تخلي صفوان يخسر.
رد عليه ببساطة وعملية :
- لأني اكتشفت أن عيسى ده اتراجع عن التعامل معانا بسبب شخص أقنعه ويمكن طمعه بوعود تانية وأنا مش مستعد اشتغل مع انسان كلمة توديه وكلمة تجيبه مبحبش اللعب ده والمخاطرة في شغلي عشان اجاكر حد حتى لو هو عدوي اللدود.
وبعدين احنا لسه بندور على مين كان بيحاول يضرني في الشغل ولما الاقيه ساعتها يبقى يحلها الف حلال.
إقتنع بوجهة نظره وابتسم برضا معقبا :
- عندك حق انت اكتر واحد بيخلص في شغله وكنت متأكد أننا مش هنقع مع ان انسحاب عيسى والمستثمر المفاجئ أثر علينا لكن الشحنة اللي اتفقنا عليها جديد هتخلينا نعوض الخسارة.
أومأ آدم بإيجاب وربت على كتفه هاتفا :
- ربك مبيسيبش حد يافاروق احنا دورنا نشتغل بضمير والباقي بـ إيد ربنا سبحانه وتعالى ... بقولك انت وصلت صناديق الفواكه والخضر للبيوت المعتازة زي ما وصيتك صح وكمان الحبوب والبقوليات.
- أكيد ده أنا تابعتهم بنفسي امبارح والعايلات فضلوا يدعولك ووصوني اسلم عليك.
- كويس متقصرش معاهم يا فاروق وشوف أحوال العمال بتوعنا خاصة الشباب اللي لسه بتدرس خد بالك منهم.
- متشلش هم.
نهض آدم وبدأ بالسير حتى تفاجأ بوجود صفوان يقف مقابلا إياه !
ورغم إندهاشه من مجيئه على غفلة إلا أنه رسم على وجهه الجمود وتقدم منه مغمغما :
- نورت أرضي المتواضعة يا صفوان خير ايه سر الزيارة السعيدة ديه ولا أقولك اتفضل وادخل الأول.
سحب صفوان ذراعه قبل أن يلمسها الآخر وقال بغلظة :
- سيبك من جو الرسميات ده وخلينا نتكلم في موضوعنا بعتقد انت عارف أنا جاي ليه.
كتم إبتسامته بداخلة وإدعى الجهل وهو يهتف :
- مش فاكر اني عارف حاجة تخص سبب زيارتك خير في حاجة ؟
أخذ نفسا عميقا ولفظه على دفعات متفرقة كي يهدأ ولا يفتعل مشكلة أمام الجميع فيظهر نفسه بمظهر الأحمق، ونظر له مباشرة وسأله دون مقدمات :
- انت بتراقبني صح وحاطط جواسيس عليا كمان.
- اوف جواسيس مرة واحدة كده معقوله انا عملت كل ده.
قالها بذهول مصطنع ثم استطرد بتلميح :
- ايه اللي خلاك تفكر في اني براقبك مانا بعيد عنك وكافي شر نفسي اهو.
لم يستطع الآخر تقديم حُجة مناسبة فبماذا سيخبره هل يقول بأن نيجار هي من اتصلت به وأخبرته أن آدم يعلم بتعاملاته ومسألة القرض من شخص مجهول وهددها بحرق الأرض أيضا.
منذ إتصال ابنة عمه وصفوان في حالة استنفار يفكر بـ كيف عرف تفاصيل عمله ومَن نقل له هذه المعلومات ومتى لقد أوشك على الإصابة بالجنون حرفيا وهو يحاول اكتشاف الورقة الرابحة في يد آدم ومجددا وللمرة التي لا يعلم عددها هاهو يسبقه بخطوة بعدما اعتقد صفوان بأنه سيهزمه ...
كان الآخر مدركا جيدا لما يفكر به وشعر بالرضا وهو يراه يتخبط محتارا إلا أنه لم يُرد إراحته وإخباره بأنه علم بمكالمته مع نيجار لهذا تنحنح وهتف بأسف مزيف :
- الواضح انك تعبان وتفكيرك مشوش علشان كده شغال خيالات وهبد من لما جيت بس معلش أنا متفهم حالتك من جهة شغلك في النازل وحتى المساعدات مش نافعين معاك ومن جهة خايف تقع في الديون من تاني ده صعب بردو.
انتفض صفوان بغيظ واقترب خطوة ينوي مهاجمته لكنه توقف قبل الوصول إليه أما آدم فبقي يطالعه دون أي حركة حتى زفر الآخر بحقد وتركه مغادرا المكان بسرعة وبمجرد ركوبه في السيارة التقط هاتفه وبقي يطالع إحدى الأرقام بتردد قبل أن يحسم الأمر ويتصل قائلا بلهجة صلبة :
- ايوة يا مليجي ده أنا صفوان الشرقاوي ... يمكن احتاجك في خدمة قريبا.
________________
بعد مرور بضع ساعات قام مساعد العمدة بالإتصال بآدم وصفوان وأخبرهم بأن هذا الأخير سيقيم عزيمة فاخرة يوم الغد ودعاهما هما وعائلة كل واحد منهما كما إستدعى كبار المجلس في القرية مع عائلاتهم أيضا ويجب على الجميع تلبية الدعوة ...
إستغرب الإثنان وتساءلا عن السبب ولكن على أي حال أخبرا العائلتين.
وبعد صعود آدم إلى الغرفة دخلت نيجار خلفه وهي تردد :
- يعني أنا كده لازم اجي معاك صح.
تنهد بضيق من مجرد التفكير في ذهابها معه لتبتسم وتفتح الخزانة ثم تستطرد بحيرة مصطنعة من أجل استفزازه :
- بس البس ايه انا عندي فساتين وعبايات كتيرة لسه متلبستش اختار ايه طب انهي لون بيليق عليا أكتر.
- لو في لون بيجمل القلوب والنفوس كنت قولتلك البسيه بس طالما مفيش يبقى البسي أي حاجة.
رد عليها آدم بعجرفة فاِغتاظت منه وهمست :
- على أساس انتو اللي هنا قلوبكم ونفوسكم سليمة ومفيهاش غلطة.
وصلت الجملة لمسامعه لكنه لم يكن يود الجدال معها الآن بسبب إرهاقه فاِختار تجاهلها وبدأ في تبديل ملابسه دون ان يعيرها إكتراثا.
تأملته نيجار بصمت ومن غير دراية منها وجدت عيناها تتحركان على كل إنش يخص جذعه العاري بداية من صدره الصلب وذراعاه اللتان إكتسبتا قوة وضخامة واضحة بسبب الأثقال التي يحملها وينقلها يوميا، حتى ظهره مشدود ومتناسق حسنا لا بد أنه إضافة للمال والسلطة فإن عمله في البساتين والمزرعة أكسبه جسدا رياضيا بحق ... ورجولة مفرطة.
تنهدت بإعجاب فاِنتبه ونظر إليها بإستفهام لتحمحم مستفيقة لنفسها وتدعي العبث في مقتنياتها حتى هتف مستدركا بتجهم :
- بما اني مضطر اخدك معايا فـ مش محتاج احذرك اوعى تحاولي تعملي حركة ممكن تندمي عليها وأهم حاجة متظهريش اللي بيحصل بيننا لحد انا وانتي زوجين طبيعيين اتجوزنا عشان الصلح وعايشين مع بعض عادي من غير مشاكل ... فاهمة ؟
- عايزني اظهر بالشكل ده قدام حكمت هانم كمان ولا معازيم العمدة بس.
- ستي اكتر واحدة عارفة اللي بيننا أساسا.
تجاوزها متوجها للسرير كي ينام إلا أنها قاطعته من خلفه :
- علشان كده انت مخبي عنها حقيقة اللي بيحصل في الأوضة ديه ؟
قطب آدم حاجباه بعدم فهم فتابعت نيجار بدهاء :
- ستك مبتعرفش انك مقربتليش غير ليلة الفرح ومن يومها وكل واحد مننا بينام فمكان منفصل عن التاني ديه حتى جت بنفسها وحذرتني من الخلفة يعني هي مش عارفة اللي فيها.
كتم شتيمة بداخله ودلك صدغيه بإمتعاض لأن هذه الماكرة من الممكن أن تخبر جدته بالحقيقة فتغضب الأخيرة لأنها كانت تود منه أن يذل نيجار في كل مرة يقترب منها ولا تدري بأنه لا يطيق الإقتراب منها حتى.
لهذا رمقها بحدة محذرا :
- وأنا قولتلك من البداية انها كانت ليلة وراحت لحالها ومش هقرب ليكي تاني وانتي عارفة ليه كويس.
- تمام بس ليه خبيت عن ستك ديه كانت حاطة في بالها احتمالية الحمل كمان.
- انتي علقتي ع الموضوع ده ليه اوعى تكوني عايزة ليلة الفرح تتكرر تاني.
تشدق بها ساخرا وهو ينتظر منها المجادلة والقول بأنها لا تريد ذلك لكن نيجار فاجأته حينما أجابت بإندفاع :
- وانت مش عايز يعني ؟
رفع آدم إحدى حاجبيه بغرابة لتستوعب هي ما قالته وتندهش من نفسها فإستطردت بتلعثم محاولة الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها :
- بقصد انك بتتكلم ع أساس اني هموت عليك متقلقش حتى انا بفكر زيك ومش هحكي لحكمت هانم خالص.
رفعت اصبعيها ومررتهما على شفتيها كعلامة على غلقهما وعدم إفشاء السر ثم انسحبت لفراشها تحت نظراته حتى تنهد مبعدا عيناه عنها وإنشغل بالتفكير في أمر العزيمة ... ترى مالذي يريد العمدة فعله بعدما قام بدعوة كبار القرية مع عائلاتهم ولما قام بها من الأساس ؟!
___________________
الفصل السابع عشر : خليفة المنصب.
__________________
جاء الوقت الموعود واجتمع كبار البلدة لتلبية دعوة العمدة وكلهم يتساءلون عن سبب إقامتها من الأساس
وهاهي نيجار تترجل من سيارة آدم وتطالع المبنى الفخم بإعجاب ثم تنظر لحكمت التي كانت تقف بوقار وهي ترتدي عباءة كحلية اللون ومطرزة تظهر من أسفل معطف طويل ووشاح يلتف حول رأسها محكمة إياه بدبوس فضي فعقدت حاجبيها بنقمة معترفة لنفسها بأن هذه السيدة حقا تملك من الهيبة الكثير فإذا كانت تحضى بإحترام رجال المجلس وهم يلقون عليها التحية بحرارة هي وحفيدها في هذه الأثناء كلما فما بالها إذا بالنساء !
قطع وصلة تفكيرها وصول سيارة تعرفها جيدا ليخرج منها صفوان تتبعانه زوجة عمها وسلمى التي تعلقت عيناها بها في شوق لم تستطع منعه من التسرب إليها لكنها آثرت التحلي بالهدوء حاليا وتحركت إلى الداخل خلف حكمت غير أن آدم قبض على معصمها وأعادها هامسا في أذنها بخشونة :
- اقعدي عاقلة ومتعمليش أي تصرف يضرني أو يحطني في موقف محرج انتي هنا بصفتك حرم الصاوي مش بنت الشرقاوي فـ اتصرفي ع الأساس ده.
تغضن وجه نيجار بضيق من أسلوبه وكلامه الباعثان في نفسها إزعاجا كبيرا بَيد أنها لم تبين له ذلك بل مالت شفتيها في إبتسامة صفراء ورشقته بنظرات باردة صقيعية :
- هفكر في كلامك مع اني مش متأكدة اذا همشي عليه ... ولا لأ.
كز على أسنانه وفتح فمه ليرمي عليها كلماته لكنه توقف مستدركا بأن هذا ليس الوقت والمكان المناسبين للجدال مع هذه الماكرة فتركها مشيرا لها بالدخول دون أن يغفل عن رشقها بنظرة محذرة متوعدة ...
تم اِستقبال الرجال والنساء في قاعتين منفصلتين بينهما جدار متين وقد حرصت زوجة العمدة بمساعدة الخادمات على تحضير كل ماهو فاخر للضيوف من أجل تشريف زوجها دلفت نيجار ونزعت معطفها ليظهر فستانها الشتوي الرمادي الذي انساب على جسدها بنعومة ووصل إلى ركبتيها أسفله حذاء جلدي وطويل يخفي الجزء الظاهر من ساقيها ذو لون أسود شابه لون الحزام المعقود حول خصرها وصففت شعرها الذي يصل لأسفل كتفيها بتموجات منظمة غير غافلة عن وضع إكسسواراتها الرقيقة فكانت لافتة للأنظار بهيأتها المحتشمة الناعمة وبالتأكيد لم تكن هذه النعومة تشبه طبيعتها الجامحة ..
إشرأبت أعناق النساء نحوها مطالعين إبنة عائلة الشرقاوي وكنة عائلة الصاوي التي لم تظهر في أي تجمع لنساء البلدة منذ زواجها من آدم وفي الحقيقة لطالما انتشرت الأقاويل عن سبب إختفائها فمنهن من قالت أم حكمت تعذبها ومنهن من ادعت سماع الإشاعات عن زوجها الذي يذيقها شتى أنواع التعنيف الجسدي حتى تغير شكلها وأخفوها داخل السرايا كي لا تظهر معاناتها للعيان.
إلا أنهن الآن وبعد ظهور نيجار أمامهن بصلابتها المعتادة تأكدن من مدى خطأ تلك الأقاويل خاصة أنها تبدو في أفضل حالاتها.
انتبهت هذه الأخيرة للنظرات والهمسات فزفرت بنفور تلاشى عند إبصارها لسلمى مجددا ولم تستطع هذه المرة منع نفسها من احتضانها هامسة بشجن :
- ازيك.
بادلتها العناق بقوة بعدما كانت مترددة وردت عليها بشوق جارف :
- انا كويسة وانتي عامله ايه أخبارك ... انا قلقت عليكي اوي من آخر مرة شوفتك فيها.
- أنا بخير.
أجابت على سؤالها بهدوء وانزاحت عنها لتحضن جميلة وفي الحقيقة لم يكن عناقها في هذه اللحظة صادرا من قلبها لولا نظرات النساء المصوبة عليها من كل ناحية وهي لا تود أن تلاحظ أي واحدة مشاعر البرود بينهما.
في خضم وصلة تبادل النظرات وكلمات السلام دلفت زوجة العمدة وتعالت عبارات الترحيب والإستقبال من كلا الطرفين...
في الجهة المقابلة كان الرجال يصافحون بعضهم بإحترام ووقار حتى دخل العمدة وغمغم بهيبة :
- السلام عليكم.
ردوا عليه السلام ولم يغفل أحد عن النظرات المصوبة بين آدم وصفوان أحدهما كان يشتعل حقدا وكرها والآخر فضل تجاهله هذه الليلة حتى لا يفتعل مشكلة هو في غنى عنها، جلس العمدة على المقعد الوثير يقابل صفان من المقاعد ملأهم رجال المجلس فتنحنح وقال بصوت عالٍ كي ينتبه له الجميع من هذه القاعة والقاعة الأخرى :
- نورتونا يا جماعة الخير أكيد انتو مستغربين من العزومة ديه وبتتساءلوا عن السبب اللي خليني استدعيكم.
قابلته نفس النظرات المحتارة ليتابع :
- اولا العزومة ديه مجتش فجأة أنا مخططلها من وقت طويل وكان الدافع وراها هو نفسه اللي أهل البلد بيفكرو فيه من ساعة ربنا راد يستعيد أمانته وخد ولدي سليمان لعنده.
تباينت النظرات مابين متأسفة على ذكر وفاة بكر العمدة وأخرى مترقبة بدأت تستنير وتفهم سبب هذه الدعوة ليتحدث مجددا :
- زي الحضور ما عارفين أن المرحوم سليمان كان المرشح الأول للعمودية ورأينا عليه مختلفش عليه اتنين لكن كان نصيبي اني انا اللي ادفن ولدي مش هو اللي يدفنني وبالتالي كان لازم نختار خليفة تاني ليا عشان يتحمل من بعدي مسؤولية القرية ديه ويتقي ربنا في أهلها ورزقهم والإختيار كان صعب عليا لأن المرشحين من زينة شبابنا وعملو واجبهم وأكتر ... واحد بيكون ابن الصاوي والتاني ابن الشرقاوي.
صمت مدوي تداعى في المكان سواء من النساء اللواتي شهقن بخفوت وقد أدركن بأن العمدة على وشك إعلان خليفته استقامت حكمت في جلستها بإحتراز وفعلت جميلة المثل أما نيجار فكان نصيبها من الدهشة كبيرا وفي نفس الوقت أصابها قلق وتلبك من الموقف العسير.
تدرك أن المرشحين الوحيدين هما صفوان وآدم وتدرك بأن كل ماحدث في السابق كان من أجل هذا اليوم ولو سألوها قبل اشهر من الآن عن الشخص الذي تتمنى أن يتسلم العمودية لكانت حينها ستنطق اسم دون تردد ولكن الآن ... الآن ... هي لا تعلم حقا من تريده.
وحين فكرت في هذا الأمر وردتها خاطرة خبيثة هامسة لها بأن آدم لم يكن ليتزوجها سوى ليحتفظ بمكانته وإن حصل على المنصب الآن ربما يقطع الوصل المربوط بينهما !
لم يختلف الأمر كثيرا عند الرجال فلقد كان الترقب والجو المتوتر من نصيبهم خاصة على هاذان الإثنان اللذان كانا وكأنهما يجلسان على الأشواك كل واحد يحدق في الآخر بتطليعات ملتهبة ... لهب أشعل فتيله حينما نطق العمدة فجأة بصلابة :
- الشخص اللي هيبقى العمدة من بعدي هو ... آدم الـصـاوي.
وانقطعت النظرات المشحونة !!
هلل رجال المجلس بمباركة لوريث المنصب برضا على هذا الإختيار ففي كل الأحوال لم يكن هناك من هو أفضل من آدم المتسم بالرجولة والذكاء والرحمة وأهم شيء أنه هو إبن زعيم القرية وحفيد العمدة الراحل لذا فإنه مناسب من ناحية النسب والصفات.
نهض هذا الأخير يقبل يد العمدة بإحترام مغمغما :
- ثقتك هي شرف كبير ليا وان شاء الله اكون قد الثقة ديه.
ربت على كتفه باسما فاِلتف آدم للحضور ووقع نظره على صفوان الجالس بصمت وكأن الطير حط فوق رأسه، ينظر أمامه بعينين متقدتين جمرا وتقطران حقدا فظن أنه سينفجر الآن ويتسبب في شجار لكنه تفاجأ عندما نهض الآخر ومد يده مصافحا إياه بنبرة خافتة ربما لم يدرك أحد كمية الشر الموجودة بها سواه هو :
- ألف مبروك ... انت بتستاهل.
وأضاف بصوت عالٍ نسبيا :
- محدش كان هيليق بالمنصب أكتر من ابن الصاوي ولا ايه رايكم.
ابتسم آدم باِستهانة مختلطة بالغرابة وصافحه متسائلا بداخله ترى مالذي يخطط له في هذه الأثناء فهو يعلم بأن صفوان يكاد ينفجر من شدة الغيظ الآن خاصة أنه انتهج كل الوسائل القذرة من أجل الوصول لهذا المنصب لذا يستحيل أن يتقبل القرار بهذه السهولة.
قرر تأجيل التفكير إلى وقت لاحق عندما دعاهم العمدة للجلوس على سفرة العشاء وكانت عبارة عن طاولة فاخرة امتدت لما يتسع ثلاثين مقعدا واحتوت على أجود وأشهى الأطعمة والمقبلات جلس آدم على الجهة اليمنى للعمدة والذي همس له هذا الأخير :
- أنا مخدتش القرار ده إلا بعد تفكير طويل ومتأكد انك هتبقى قدها لأنك طالع لأبوك وجدك في أمانتهم ونخوتهم ربنا يرحمهم ويحسن اليهم.
أمّن خلفه بصوت رخيم وشكره ليضيف الآخر مستطردا بجدية :
- يمكن صفوان يبقى مضايق من القرار مع انه متكلمش دلوقتي بس خد بالك مش عايز أي مشاكل تحصل.
أومأ وتمتم وهو يلمح هيأة صفوان من طرف عينه :
- متقلقش حضرتك مشاكلنا احنا وعيلة الشرقاوي خلصت من زمان وأكيد صفوان مش هيعترض ع كلام العمدة.
- اتمنى لأنه لو فكر يعمل حاجة غلط هيبقالي تصرف تاني معاه.
بدأوا بتناول الطعام بهدوء وكان آدم يشعر بسهام تحرق وجهه فرفع عيناه وأبصر صفوان جالسا على الكرسي مقابلا له تماما على الجهة اليسرى من مقعد العمدة ويحدق فيه بجمود مريب أثار سخرية هذا الأخير بداخله وهو يفكر أنه على وشك الموت بنوبة قلبية لأن ما حدث يفوق قدرة تحمله.
كاد يبادله النظرات بأخرى مستخفة لولا أن العمدة تحدث بثبات مقاطعا الوصل بينهما :
- بما أنك بقيت خليفتي فـ انت لازم تبدأ في وظايفك من دلوقتي يا آدم عشان يبقالك علم بكل تفصيل ومتنساش انها مسؤولية كبيرة عليك من بعدي.
- ربنا يطول في عمرك.
- محدش هياخد اكتر من اللي مكتوبله المهم انا كنت مروح بكره للجهة الغربية من البلد عشان اطمن على أحوال العايلات والعمال هناك انت عارف ان اوضاعهم مش ولابد من بعد الشتا القوية بتاعت الشهر اللي فات واشوف طلباتهم واحتياجاتهم بس دلوقتي مفيش داعي ليا انت هتروح بنفسك.
أومأ آدم بإيجاب مباشرة :
- أكيد واساسا انا متعود اروحلهم كل فترة هما بيعرفوني كويس.
هز العمدة رأسه موافقا إياه وتابع بقول ما أدهشه :
- وانا عارف قد ايه هما بيعرفوك وبيحبوك بس المرة ديه مش هتروحلهم لوحدك لا هتاخد حرمتك معاك وتخليها تتعرف عليهم وتشوف أحوالهم وتسمع شكاويهم وده ضروري بصفتها حرمة العمدة المستقبلي.
أجفل بتفاجؤ ورمشت عيناه عدة مرات قبل أن يتحكم في رد فعله ويتنحنح كاتما غيظه :
- أكيد ... هعمل زي حضرتك ما طلبت وهوديها معايا.
*** في الجهة الثانية وبعد الإعلان عن خليفة العمدة إبتسمت حكمت بوجه يشع ثقة وغرورا فوق غرورها الإعتيادي بينما اضمحلت معالم الحياة من وجه جميلة التي خافت من أن يفقد ابنها أعصابه ويقدم على فعل مالا تحمد عقباه أمام الجمع الغفير فيصعب بعدها تدارك الأمر فـ انتظرت لدقائق مطولة سماع فوضى وأصوات شجار صادرة من قاع الرجال وارتاح قلبها عندما خابت.
تنهدت باِضطراب وطالعت النساء اللواتي لم تدخرن وسيلة لتملق السيدة حكمت والمباركة لها بعبيرات مبالغ فيها وهي ترد عليهم من طرف أنفها كما يقال لتبتسم وتهنئها بود زائف :
- ألف مبروك يا حكمت هانم حفيدك بقى كبير البلد من بعد عمدتنا ربنا يطول في عمره وطبعا الفرحة مش سايعاكي دلوقتي.
قبضت على عصاها التي تنتهي بقبضة ذات لون ذهبي وقابلت مباركتها ببسمة لم تصل لعينيها :
- الله يسلمك كل واحد بياخد اللي بيستحقه يا جميلة هانم واحنا الحمد لله رجالة الصاوي مصدر فخرنا من الجد للحفيد.
قلبت نيجار عيناها بضجر من تكبرها واِنتبهت لقول إحدى النساء وهي تضحك بإصفرار مدعية المزاح :
- مبروك يا نيجار مع اني مش متأكدة لو لازم اباركلك ع فوز جوزك ولا اواسيكي ع خسارة ابن عمك للمنصب انتي ايه رأيك.
همهمت لاعنة بداخلها ثقل دم هذه المرأة ثم أجابتها بقوة لتخرس لسانها المتطفل :
- ميهمش بقى اذا هتباركيلي ولا تواسيني الأهم تكون مشاعرك صادقة وده كفاية عندي.
بعد عدة دقائق استأذنت نيجار للذهاب إلى الحمام من أجل غسل وجهها وحين عودتها تفاجأت بيد تقبض معصمها وتسحبها للجانب حيث الظلام ارتجت مجفلة وانتفضت بذعر وكادت تصرخ لكن يده كتمت فمها مانعة إياها فـثنت ركبتها وضربته أسفل الحزام دون أي تردد ليطلق صيحة ألم تبعها همسه المكتوم :
- يخربيتك انتي ايه لو قدرت اهرب من ايديكي مش هسلم من رجليكي يعني.
استمعت لصوته واستنار عقلها بالإدراك فتمتمت بهلع دب في أوصالها :
- صفوان ده انت.
وضع اصبعه على شفتيه كعلامة على وجوب صمتها وتحامل على نفسه ليسحبها إلى ما خلف الجدار كي يستطيع رؤيتها في الإنارة الخافتة ثم همس :
- ايوة أنا مكنتش هقدر اكلمك بطريقة تانية علشان كده استنيتك تطلعي من الصالة وجبتك لهنا.
نبض قلبها بعنف وشحب وجهها بخيالات مرعبة عن مجيء آدم الآن ورؤيته لها مع أكثر شخص يبغضه لذا دفعته عنها وتمتمت بعصبية متوترة :
- انت اتجننت مش عارف ان آدم هيفكر في مليون حاجة لو شافنا مع بعض ده لو حكمت مشافتناش بنفسها انا ناقصة يعني.
لكنه شد كتفها وأجبرها على النظر إليها مغمغما بعنف :
- آدم بيه مشغول مع العمدة ورجال المجلس يعني محدش هياخد باله منك ولا مني.
لاحظت ملامحه المتصلبة ولم تستطع منع نفسها من الشعور بالحزن عليه لأنه خسر المنصب الذي لطالما طمح إليه ففتحت فمها كي تواسيه لكنه قاطعها بنبرة لا تحتمل الجدال :
- انا عارف هتقولي ايه كويس بس وفري كلامك لان الوضع ده مش هيستمر كتير.
زفرت أنفاسها المهتاجة متسائلة بتوجس :
- ازاي يعني انت ناوي ع ايه بالظبط.
- ناوي اخلص ع آدم والمرة ديه اتأكد من انه يموت بجد.
نطق الجملة بنبرة إجرامية وملامح لا تمت للإنسانية بصلة فلم تكد نيجار تزن الكلمات في عقلها حتى وجدته يكمل وعيناه تقطران شرا :
- وانتي هتساعديني وبكامل إرادتك المرة ديه !
__________________
إنتهت الدعوة وعاد كل شخص لبيته وبمجرد دخول حكمت لسرايا الصاوي وقفت في منتصف البهو هاتفة بصوت عال يشع فخرا :
- الحمد لله اللي طول في عمري وخلاني اشوف اليوم ده واحس بالفخر لي حساه في اللحظة ديه ماشاء الله عليك يا حفيدي انت طول عمرك مصدر فخر ليا.
ابتسم وانحنى مقبلا يدها بإحترام لتمسح على وجهه متنهدة :
- ربنا يبعد عليك العين الحسود وكل شر يا حفيدي الغالي.
نطقت بالجملة الأخيرة مركزة بعينيها على نيجار التي فهمت مقصدها وصمتت لتقرعها حكمت بحدة :
- انتي واقفة عندك ليه يابت مبتعرفيش ان ام محمود روحت لبيتها ولازم انتي تقدمي الحلوان بدالها ولا محدش علمك الأصول قبل كده.
- لا انا تعلمتهم بس يمكن حضرتك من الفرحة نسيتي انك أمرتي مجيش ناحية المطبخ نهائيا.
أجابتها نيجار بملل وهي تشعر بالإختناق الشديد فرشقها آدم بتطليعات حارقة وقال من بين أسنانه :
- مفيش داعي للحلوان يا ستي حلاوتي الوحيدة هي وجودك انتي واختي جمبي، و اه بعتقد عارفة العمدة طلب مني ايه اعمله بكره ياريت تتكفلي بالتحضيرات.
- زوجة العمدة قالتلي انك هتروح للجهة الشرقية من القرية بكره مع البت ديه عموما متقلقش هعمل المطلوب ... ودلوقتي اطلع نام وارتاح.
ودعها آدم وصعد للغرفة تتبعه نيجار التي ما ان دخلا سويا حتى قالت :
- مبروك على المنصب اللي خدته.
تجاهل الرد عليها متعمدا فتنهدت وشرعت تنزع معطفها وتعلقه بإهمال وفي هذه الأثناء كان آدم يقف أمام المرآة مباشرة ليراها في الإنعكاس بهيأتها وقوامها المشدود بذاك الفستان الضيق الذي ظهر عليها كجلدٍ ثانٍ، تعلقت بها عيناه لهنيهة لم يدري فيها أنهما انجرفتا للمحظور من جسدها فألهبته رغبة أغلق عليها منذ زمن لكن سرعان ما اِستفاق وأشاح بصره عنها مغمغما بنبرة صلبة :
- اظن انك عارفة اننا هنروح بكره مع بعض عشان نشوف الأهالي ومش محتاج اقولك كل مرة ازاي لازم تتصرفي قدام الناس ديه.
نهضت نيجار بعدما نزعت حذائها واقتربت منه بقدميها الحافيتين لتقف خلفه وتقول بثقة :
- متقلقش بعرف ازاي اتعامل كويس وبالمناسبة أنا كنت عاملة دوري حلو اوي النهارده والستات انبهروا بيا يعني صحيح انت بتكرهني بس انا عملت المطلوب مني عشان اشرفك وابسطك ... يا جوزي.
لمس آدم الإستهزاء في نبرتها فاِستدار اليها وانحنى على وجهها هامسا ببسمة :
- هبقى مبسوط اكتر لو مذكرتيش كلمة جوزي ديه تاني.
لكن ابتسامته اضمحلت فجأة حين نزل بعينيه إلى عنقها ورآه مزينا بقلادة ذهبية على شكل عباد الشمس ... نفس القلادة التي أهداها لها ذات يوم على البحيرة وارتدتها يوم طعنته وأحرقت بيت الهضبة !
كز أسنانه بكبت وتوحشت عيناه معيدا في ذاكرته تفاصيل تلك الجريمة المرتكبة بحقه فاِنقلبت ملامحه المنبسطة لأخرى حادة في ثواني لتتوجس نيجار من حالته وقبل أن تسأله عما حدث وجدته يقتلع القلادة بعنف منها !
انتفضت بخضة ونظرت لما بين يديه وهو يرمي عليها كلماته بعنف :
- ايه اللي ع رقبتك ده لبستيه ليه.
ارتبكت من صوته وأحست بالحروف تطير من لسانها فلم تجد ماتقوله ليكمل آدم بكبت ملقيا القلادة على الأرض :
- اوعى اشوفها ع رقبتك تاني مفهوم.
- مش فاهمة سبب عصبيتك في ايه ديه مجرد قلادة وانت اللي جبتهالي هدية أصلا.
بررت نيجار باِضطراب فتصاعد غضبه أكثر وقبض على ذراعها باصقا كلماته بصفاقة :
- وعلشان كده أنا مش عايز أشوفها لانها بتفكرني بالسوء اللي فيكي وازاي عملت قيمة لواحدة مبتستاهلش زيك انتي.
حدقت فيه بصمت قبل أن تسحب نفسها من يده وتنحني على الأرضية التقطت القلادة الملقاة ووضعتها في الخزانة ثم دنت منه مجددا مرددة بتنعت :
- انت لو مش عايز تفتكر قد ايه أنا وحشة يبقى ريح نفسك ومتبصليش عشان تضمن راحة بالك انما مش هتحشر نفسك في اللي يخصني أنا بلبس وبحط اللي عايزاه مش محتاجة رأيك فيه.
- متستفزنيش !
- مش بستفزك ولا حاجة انت اللي مبتضيعش فرصة تضايقني فيها وانا عماله اقول عنده حق ومردش عليك.
حذرها بقسوة وردت عليه هي بإنفعال وتابعت :
- ومفيش داعي تبقى مضايق من ذكرياتك معايا للدرجة ديه لأنك هتخلص مني قريب ... مش حضرتك بقيت خليفة العمدة رسميا وانت سبق ووافقت تتجوزني عشان متخسرش ترشيحك للمنصب يبقى واضح انك مخطط تطلقني او تعمل الأسوء بقى عشان قلبك يبرد وأنا مستعدة ومش خايفة منك.
رمقها آدم باستنكار من عنهجتيها وإدعائها الدائم لإستعدادها لما يريد فعله بها حسنا هي تخبره بأنها لا تكترث لرأيه وأنها ستفعل ماتريده لذلك جذبها من مؤخرة رأسها حينما استدارت لتغادر وضغط بأصابعه على شعرها يلفح وجهها بكلماته الثائرة المتوعدة :
- عندك حق اتجوزتك عشان مخسرش المنصب يعني غصب عني بس هخلص منك بإرادتي في الوقت اللي بحدده أنا ممكن النهارده وممكن بكره وممكن مطلقكيش واخليكي خدامة تحت رجلي ... وبالنسبة لسمعان الكلام فـ انتي مجبرة تسمعي أوامري وتنفذيها بالحرف لأني بتحكم في نفَسك حتى ... يا مراتي.
شد على شعرها أكثر فأغمضت نيجار عيناها محاولة كتم ألمها وعادت تفتحهما هامسة :
- مراتك بـ الاسم بس واحنا الاتنين عارفين طبيعة العلاقة ديه كويس.
رفع حاجباه مستخفا بها واقترب من أذنها يهمس بصوت رجولي ثقيل مرسلا قشعريرة في جسدها :
- يبقى هوريكي بنفسي طبيعة علاقتنا.
أنهى جملته وهو يدفعها على السرير خلفها فشهقت بوجع من قوة السقوط واستندت على الفراش بمرفقيها محاولة الجلوس وهي ترى آدم يخلع كنزته الصوفية ثم يلقي بها بعيدا فجحظت عيناها وركزت بهما على صدره الصلب الذي جعلها تحبس أنفاسها بداخلها ولاحظ هو تلك اللمعة فيها فاِبتسم ابتسامة ذئب وأخذ يقترب منها بملامح لا تنوي خيرا بينما يردد :
- طالما شايفة انك مراتي بالاسم ومبقدرش اتحكم بيكي فـ لازم اغير المفهوم ده عندك واوريكي ازاي بخليكي تحت طوعي ... ياحبيبتي.
ازدردت نيجار ريقها بصعوبة وحاولت القيام لكنه هجم عليها ممسكا كتفيها بقسوة وهو ينفث لهبا بأنفاسه الحارة ومالبث أن هجم على شفتيها يقبلهما بكل عنف !
أخذت بشراسة وضربت صدره مهاجمة ذاك الشعور الذي يصيبها كلما اقترب منها والذي عاشته معه ذات ليلة فأمسك آدم معصميها وأولاهما خلف ظهرها مكبلا إياهما بقبضة واحدة منه ودفعها كي تستلقي وجثم هو فوقها ... مسيطرا على حركتها تماما ...
_________________
أشرقت شمس اليوم الجديد باعثة نسمات دافئة وسط جو بارد فتمطعت في الفراش وفتحت عيناها بإرهاق ظهر على ملامح وجهها بوضوح وزعت بصرها في المكان بغرابة حتى تذكرت أحداث الليلة الماضية فتنهدت وسحبت الغطاء على جسدها باِمتعاض لتشعر بطرف السرير ينخفض فنظرت من فوق كتفها ووجدت آدم جالسا يلتحف برنس الحمام ويجفف شعره بالمنشفة وعندما لاحظ استيقاظها غمغم بنبرة عادية :
- قومي خدي شاور وانزلي ساعديهم تحت.
استلقت على ظهرها وهمهمت ببحة ناعسة :
- اساعدهم فـ ايه بالضبط.
- في ترتيب الحاجات اللي هنوديها معانا انتي نسيتي ولا ايه ستي جابت بنات يساعدو ام محمود في المطبخ فـ لازم تساعديهم انتي بردو عشان نلحق.
أحكمت الغطاء الحريري عليها واعتدلت جالسة وهي تتمتم ممتعضة :
- بس ستك مانعاني ادخل المطبخ ومبتسمحليش اعملك كوباية شاي أكيد مش هتخليني أحط ايدي حتى.
تأفف آدم بضيق واستدار إليها كليا فتوقفت كلماته في حلقه حين أبصرها بهيأتها المهلكة، بشعرها الأشعث وشفتيها المتورمتين والعلامات المنتشرة هنا وهناك وعينيها الناعستين كانت تنظر له بتزمت وعدم رضا فرسم الصرامة على وجهه قائلا :
- يبقى انزلي ساعديهم بأي حاجة غير المطبخ مش هتفضلي نايمة يلا.
قام وارتدى ملابسه على عجالة وخرج أما نيجار فاِنكمش وجهها بغيظ منه وقلدته بحركة مضحكة :
- مش هتفضلي نايمة يلا ... بيتصرف كأن مفيش حاجة حصلت امبارح واحد همجي.
قامت على مضض ترتب خصلات شعرها حتى استمعت لطرق الباب كادت تجيب لكن خطرت ببالها فكرة أجمل فاِبتسمت بمكر والتقطت كنزة آدم الواسعة التي رماها ليلة البارحة وارتدتها بسرعة مستمعة للطرق الذي مازال مستمرا ثم ذهبت وفتحت الباب وهي تتثاءب باصطناع :
- خير يا ام محمود بتخبطي كده ليه.
تفاجأت هذه الأخيرة من هيأتها ونقلت عينيها المتطفلتان إلى داخل الغرفة وبدا حالها واضحا للعيان فتنحنحت بحرج طفيف :
- لمؤاخذة يا ست هانم ازعجتك بس حكمت هانم كانت بتقولي انادي عليكي عشان تنزلي تعملي شغل البيت على ما يرجع سي آدم وياخدك معاه.
شهقت بدلال مصطنع وهمست وهي تعبث بخصلة من شعرها :
- هو آدم موصاكمش متطلعوش وتصحوني ده قالي بنفسه اني معملش حاجة النهارده بس أمري على الله هاخد دوش سريع وانزل.
اضطربت أم محمود وخافت من أن يعلم سيدها بأنها جعلت زوجته تساعدهم فأسرعت بالقول :
- لأ خالص انا والله مكنتش بعرف انه رفض تشتغلي بعتذر منك يا هانم ااا تحبي اطلعلك الفطار لحد عندك ؟
كتمت ضحكتها وهي تفكر بمكر أن حكمت ستصاب بنوبة قلبية لو رأتها تحضر الفطور لغرفتها فنفت برأسها هاتفة :
- تؤ مفيش داعي يا ام محمود روحي شوفي شغلك.
هزت رأسها بإيجاب وغادرت بخطوات سريعة لتغلق نيجار الباب وتضحك مرددة :
- متحمسة اشوف وش حكمت هانم لما تحكيلها ام محمود ع اللي شافته وسمعته قال بتنادي عليا عشان اعمل شغل البيت هو انا هصحى كل يوم من غير راحة عشان اغسل المواعين وامسح السلالم يعني.
رمت نفسها على السرير مستمتعة بنعومته بدل الأرضية القاسية ثم رفعت طرف الكنزة لأنفها تشمه وتأوهت بعمق هامسة :
- ريحتك حلوة اوي.
_________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بيه هل كنتو تتوقعو ان العمدة استدعاهم عشان يعلن خليفته ؟
ياترى صفوان طلب ايه من نيجار وهي وافقت ولا لا
رايكم بتقارب آدم ونيجار كان بدافع الكره ولا حاجة تانية
رايكم بشخصية نيجار وألاعيبها اللي مبتخلصش وياترى ايه اللي هيحصل في مشوارها مع آدم ؟
تفاعل على البارت لتفادي ضرر الابلاغات، لايك وتعليق بعد القراءة مش هيضرونا 😁
الفصل الثامن عشر : غدر آخر.
____________________
بعد انطلاق السيارات من المنزل بساعة واحدة توقفت سيارة آدم عند وصوله للجهة الغربية من القرية وترجل بوقار وخلفه نيجار التي دارت بعينيها في المكان تتأمله كان عبارة عن تلالٍ ممتدة على طول الأراضي الزراعية الواسعة وتعرج طريق طويل عبر الحقول والغابات، وانعقد على نفسه مع دغل من شجر الصنوبر ثم عبر حقول القمح حيث تشرف عليه شجيرات صغيرات لم يشتد عودها بعد ، لينزل إثر ذلك نحو وادٍ صغير ينهمر ماؤه سريعا في غدير فينبع من الغابة ويعود إليها من جديد.
وتردد صوت الهواء البارد مع ضحكات الأطفال الراكضين خلف مُهر بني مكتنز، وركض خروف صغير على الطريق يتبع القطيع الذي حاد عنه أما الرجال فكانوا يعملون بجد و ضراوة تارة يتوقف أحدهم لأخذ أنفاسه ثم يتابع وتارة يتلكأ الآخر ليمسح عرقه ويعود من جديد ...
لمعت عينا نيجار باِنبهار وهمست :
- المكان ده بيجنن سحر بجد.
سمعها آدم ولم يعلق عليها بل أشار لفاروق ومساعديه بإتباعه ودخلوا فاِنتبه لهم الأهالي وانشرحت وجوههم فجأة عند رؤية آدم وهرعوا نحوه في البداية توجست نيجار من التجمع واعتقدت لوهلة بأنهم سيتهجمون عليهم لكنها أخذت نصيبها من الدهشة حين رأتهم يهللون ويرحبون به بحرارة !
ابتسم آدم وبدأ يصافحهم باِحترام مجيبا على عبارات ترحيبهم :
- السلام عليكم ... اهلا بيكو ... ده نوركم شكرا.
هتف أحد العمال ببهجة :
- يا نهار ابيض حلت علينا البركة يا آدم بيه نورتنا والله يا سيد الرجالة.
هرع لتقبيل يده لكن الآخر سحب كفه سريعا وقال :
- استغفر الله ايه ده يا عم اسماعيل مينفعش كده.
- قليل يا بيه مهما عملت مش هوفيك حقك نسيت انك ساعدتني عشان اقدر اعمل العملية لإبني ده انا لولاك بعد ربنا كنت دفنته من زمان.
رد عليه بعينين ممتلئتين بدموع الاِمتنان فربت آدم على كتفه بمؤازرة وسار معهم وهو يسأل عن أحوالهم وسير العمل ومن خلفه تسير نيجار مراقبة ما يحدث بتعجب وحيرة هذه أول مرة ترى فيها الناس يتجمعون حول أحدهم ووجوههم مشرقة إحتراما وليس خوفا ولكن ماذا فعل لهم آدم حتى يكسب محبتهم فهي لم ترَ من قبل شخصا استقبل صفوان بهذه الطريقة وفي الحقيقة حتى ابن عمها لم يعاملهم بلين أو يبتسم في وجوههم لطالما أخبرها بأن السيد لا ينزل إلى مستوى من هو أقل منه وأنها لن تحظى بالإحترام ان تساهلت مع العامة.
لكن هذه المرة هي ترى شيئا مختلفا تماما عما سمعته وتربت عليه ...
وصلوا للمنازل وبدأ المساعدون بتوزيع الأكياس والحاجيات على كل واحد منهم وحرص آدم على تقديم المساعدات الإضافية للعائلات التي ليس لها معيل وعندما فرغ من هذا القسم تكلم أحد الرجال وهو كبير في السن ويكن له آدم معزة خاصة :
- كتر خيرك يابني ربنا يجزيك على حسب نيتك ويفرحك زي ما فرحت اليتامى دول ... بما انك خلصت تعالو تتغدو.
كاد أن يرفض بأدب ويخبره بأنه لن يطيل المكوث لكن الآخر قاطعه مبتسما :
- انت عايز خالتك أم جميل تزعل منك ولا ايه ديه مقعدتش من الصبح وهي عماله تعملك الأكلات اللي بتحبها.
ضحك بقلة حيلة مستسلما للدعوة :
- لا كله الا زعل الحجة ماشي انا هجي معاك.
نظر لنيجار التي كانت صامتة طوال الطريق وأشار لها بالإقتراب منه فلبت الطلب سريعا وهمست له :
- مين ام جميل ديه خلينا نمشي انا مبطمنش لما اقعد مع ناس مبعرفهاش.
رد عليها بنظرة محذرة لتسكت ثم أخذها الرجل لمنزل قديم منعزل قليلا وأدخلهم وبمجرد أن رأته السيدة انتشرت معالم البهجة على محياها وتقدمت منه مهللة :
- يازين من زارنا يامرحب بيك حلت علينا البركة.
قبل جبينها باِحترام متمتما :
- اخبارك يا أمي عامله ايه.
- بقيت احسن بشوفتك يا زينة الشباب ده البلد نور بوجودك والله ... الأمورة ديه مراتك ؟
سألته أم جميل وهي تطالع نيجار فأومأ بإيجاب لتتقدم منها متلمسة شعرها بحنو :
- بسم الله ماشاء الله عليكي زي القمر ياحبيبتي والله وعرفت تختار يا ابني.
احمر وجهها وهمست بكلمات شاكرة بالكاد وصلت لأذن آدم الذي تأمل حرجها باِستغراب وفكر بأنها تتقن تمثيل دور الفتاة الخجولة أيضا لكن نيجار لم تكن تمثل هذه المرة فهي حقا لا ترتاح في وجود أناس جدد وترتبك حينما تشعر بنظراتهم عليها خاصة نظرة آدم الآن والتي تكاد تحرق بشرتها.
بعد تبادل عبارات السلام والترحيب جلس آدم مع فاروق ومساعديه للمائدة المخصصة لهم أما السيدة فأخذت نيجار لمائدة النساء وعرفتهن عليها بسعادة :
- هي ديه مرات الغالي زينة الشباب.
رحبن فيها باِحترام زاد من استغرابها وجلست معهن لتهمس متسائلة :
- هي ليه الناس هنا بتحب آدم اوي كده.
ردت عليها أم جميل بهمس مماثل :
- لأنه راجل بجد وخيره مغرقنا كلنا الناس بتحترمه من كتر جدعتنه ورحمته هو اللي كان بيجي يطمن ع احوال الكبير والصغير هنا وساعدهم وقت اتضررو من الاعصار ده غير انه متكفل باليتامى والعايلات المعتازة حتى المدرسة اللي ع اول الطريق ديه عمل مجهود كبير عشان يوافقو تنبنى والعيال تدرس.
فغرت فاها بذهول وعدم تصديق وأحست بأن المرأة تبالغ وللعجب توقعت الأخرى ما تفكره به فضحكت هاتفة :
- في ناس بتعمل خير ومبتتكلمش عليه بيبقى بينها وبين ربنا وجوزك واحد منهم طول عمره بيهتم بالأهالي وبيعمل الواجب معاهم لما ابني الوحيد استشهد فضل آدم يجي كل فترة يطل عليا ويسأل عن احوالي ويقولي اعتبريني زي ابنك يا أمي.
تفاجأت بتصريحها عن استشهاد ولدها الوحيد وتساءلت بداخلها عن مدى قوة هذه المرأة وهي تتحدث عنه لدرجة أنها تضحك بعد خسارتها لفلذة كبدها فهل هي قوية إلى هذه الدرجة لو كانت هي مكانها لربما جُنت أو ماتت من شدة الحزن.
وللمرة الثانية تشعر والدة الشهيد بما تفكر به نيجار فتنهدت واستطردت من دون التخلي عن ابتسامتها الودودة :
- أم الشهيد بتقلب صفحة الحزن وبتبدل قهرها لعزة وفخر بيه كفاية ان ابنها توفى في سبيل بلده وناسه وانا مش اول ولا آخر واحدة بيدخلولها ابنها في صندوق ملفوف بالعلم يابنتي.
سقطت دمعة من عينها تأثرا بقوة إيمانها وصبرها فهمست بنبرة متحشرجة :
- حضرتك ست جميلة اوي يا خالة ربنا يجمعكم مع شهدائكم في الجنة.
أمنت خلفها سريعا ثم غيرت الموضوع ممازحة :
- اتكلمنا كتير ونسينا الوكل يلا سمي الله ومدي ايدك قبل الغدا ما يبرد.
قضت وقتا جيدا مع النسوة واستمعت بصحبتهن وبعد ساعة خرجت باحثة عنه فسمعت أصوات الرصاص من خلف المنزل ذهبت باتجاههم ووجدت آدم واقفا بإستقامة يحمل البندقية ويطلق على الكرات المطاطية التي تنطلق من بعيد بسرعة فائقة باتجاه السماء فيصيبها واحدة تلوَ الأخرى من دون أن يخطئ في هدف واحد حتى.
هلل زوج السيدة وفاروق وصفق الصغار باِنبهار طفولي فاِبتسم هو ووضع مابيده على الطاولة بجانبه مغمغما :
- انا ملعبتهاش بقالي فترة والتدريب ده نفعني.
- طول عمرك بتصيبها من أول مرة ومبتخيبش ماشاء الله عليك.
قالها الرجل بإعجاب وهنا لمح آدم مجيء نيجار فحدث نفسه ساخرا :
- إلا عندها هي غلطت وخيبت.
رشقها بنظرات حادة وأشار لها بالمغادرة لكنها ادعت بأنها لم تنتبه وتنحنحت مقتربة منهم بروية ثم قالت بنبرة رقيقة :
- تسمحلي اقف معاكم يا عمو.
نظر لها بضحكة :
- مفيش مشكلة بالنسبة ليا يابنتي بس اسألي جوزك الأول.
نقلت بصرها لآدم مطالعة إياه بنظرة قطة أليفة وكأنها حقا زوجة مطيعة لا تتحرك إلا بإذنه فكتم فاروق ضحكته أما آدم ضغط على أسنانه متوعدا لها فيما بعد ثم أجاب :
- وانا كمان مفيش مشكلة بالنسبالي بس متتحركيش.
هزت نيجار رأسها موافقة ووقفت بجواره تراقبه وهو يملأ خزان السلاح بالرصاص حتى نطق أحد الأطفال مخاطبا إياها :
- حضرتك بتعرفي تعملي زي عمو يا ابله هو ضربهم كلهم ومعملش غلطة واحدة.
فتحت فمها لتجيبه لكن هذا الأخير تولى الإجابة بدلا عنها :
- الابله بتعرف تضرب بالخناجر بس ملهاش في الحاجات التانية.
حمحم فاروق وقلبت هي عيناها بضيق من مقصده وصمتت بينما تابع الآخر مضيفا :
- لو عايز تتأكد من قدراتها جيبلها خنجر وشوف بنفسك.
لم يكن الطفل يفهم تلميحاته على أي حال لكن نيجار التي أحست به يريد اغضابها التقطت البندقية من يده متشدقة بثقة :
- خلينا نجرب ونشوف لو بعرف العب بالخنجر بس ولا في اسلحة تانية.
رمقها بتهكم واستخفاف إلا أنها سرقت دهشة لحظية من عينيه حين وجدها تأخذ الوضعية الصحيحة للإطلاق وتثبت السلاح معتمدة على يدها وطول ذراعها وكتفها فبدأ العامل الذي يقف بعيدا عنه بإطلاق الكرات المطاطية من الآلة.
واحد ... اثنان ... ثلاثة ... عشرة !
انطلقت واحدة تلوَ الأخرى وشرعت نيجار تطلق النار مصيبة إياهم بجدارة ورغم أنها فشلت في بعض المحاولات لكنها أصابت الباقي وجعلت الحضور يندهش من هذه المرأة التي تجيد التصويب ليتكلم الرجل هاتفا :
- ماشاء الله هي ديه حرمة آدم الصاوي بحق.
تقدم فاروق بضع خطوات وهمس في أذنه بجدية مضحكة :
- ديه طلعت بتصاوب كويس كمان انا بقول لازم تاخد بالك اكتر من بعد كده.
حدجه آدم برفعة حاجب جعلته يتراجع للخلف فورا ثم نقل نظره لنيجار التي ابتسمت بثقة وقال بخفوت :
- مين علمك التصويب.
ردت عليه بنفس النبرة :
- بابا الله يرحمه كان بيوديني ع اماكن زي ديه من وانا عيلة وهو اللي بدأ يدربني بس بعد وفات صفوان كمل تدريبي.
دقق نظراته عليها مفكرا بأن هذه الفتاة تتقن ركوب الخيل واِستعمال الخناجر وهذا النوع من التصويب الصعب بمهارة أيضا ولبرهة تساءل بداخله إن كان قد تم تدريبها خصيصا من أجل جعلها عنصرا فعالا في مؤامرات عائلتها أو أنها هي من تميل لهذه النشاطات.
قطع سيل تفكيره مجيء أحد الأطفال راكضا وكان يعرف هويته جيدا فإقترب آدم مقللا المسافات بينهما وجثى على إحدى ركبتيه فاتحا ذراعاه ليحتضنه مرددا :
- ايه المفاجأة الحلوة ديه يا سليم اخبارك يا بطل.
رد عليه "سليم" بسعادة :
- بقيت كويس لما شوفتك انا فرحت اوي يا عمو لما عرفت انك جاي لعندنا.
داعب وجنته المكتنزة وقال :
- وانا كمان فرحت بشوفتك قولي عامل ايه في مدرستك.
أجابه متفاعلا مع أسئلته تحت نظرات نيجار التي مالت شفتها في ابتسامة تلقائية هامسة :
- يعني حتى العيال بتحبه هو آدم عاملهم سحر ولا ايه.
لكن سرعان ما بهتت ابتسامتها وانكمش وجهها حينما رفعت رأسها وأبصرت فتاة ترتدي ثوبا زهريا بسيطا قادمة من بعيد على عجلة مقتربة منهما جذبت يد أخيها وأبعدته عن آدم موبخة :
- انت بتعمل ايه هنا مش قولتلك متجيش تضايقه وتعمله دوشة ... عدم المؤاخذة يا بيه انا نبهته بس سلبم مسمعش كلامي ومعرفتش امسكه لما جري مني.
نهض عن الأرض ورسم ابتسامة زادته وقارا وهو يطمئنها بروية :
- لا أخوكي مضايقنيش بالعكس انا بحب وجوده ... المهم ازيك يا آنسة حياة عامله ايه.
احمر وجهها ذو البشرة البيضاء ونظرت إلى الأرض بخجل بينما تجيبه وهي تحاول إدخال خصلات شعرها الأشقر داخل الطرحة :
- بخير الحمد لله يا آدم بيه أحوالي اتحسنت من وقت بدأت اشتغل في المدرسة وكل ده بفضل حضرتك.
- ده بفضل ربنا يا حياة انتي مُدرسة شاطرة والعيال حابين وجودك معاهم.
ابتسمت وقد زادها مديحه خجلا ورفعت رأسها تطالعه بعينان ملتمعتان ظهرتا لنيجار بوضوح فـ انتفضت ممسكة ذراعه وقطعت وصل النظرات وهي تردد باِبتسامة مصطنعة :
- أهلا وسهلا.
حدقت فيها حياة بتساؤل لتجيبها هذه الأخيرة معرفة عن نفسها :
- أنا نيجار مرات آدم.
خبُت إشراقها تدريجيا وأومأت برأسها مهمهمة :
- متشرفين وأنا حياة.
ثم أمسك يد شقيقها الصغير واستأذنت مغادرة ليسحب آدم ذراعه منها هامسا :
- انتي اتعودتي بقى ع كلمة مراتي ديه.
ردت عليه ببساطة :
- ماهي ديه الحقيقة انا مش بكدب.
ثم عضت على شفتها وتمتمت بدلال متعمد :
- وبعدين مش انت امبارح قولتلي اني مراتك وهتوريني بنفسك ايه طبيعة علاقتنا مع بعض ولا نسيت.
زفر بحنق من لسانها الطويل وردِّها على كل كلمة منه بكلمة أخرى من دون أن تجد رادعا ... إنها حقا ماكرة خبيثة لا تعرف معنى الخجل.
تنحنح منهيا الحوار واستدار لفاروق قائلا بصوت عالٍ :
- أنا مروح للأرض اللي هناك بقالي زمان مشوفتهاش.
هز رأسه بإيجاب وتحرك ناحيته لكن آدم أوقفه مستطردا :
- مفيش داعي تجو معايا انا هروح لوحدي.
- بس يا آدم بيه.
- خلاص يا فاروق قولت محدش يلحقني انت شوف العمال هنا وانا مش هطول.
وافق فاروق على مضض والتقط آدم سلاحه وهاتفه ثم فتح فمه كي يأمر نيجار بالعودة لمنزل السيدة أم جميل لكنها قاطعته بلهفة قبل أن يتكلم :
- انا هجي معاك.
تغضن وجهه بضيق رافضا :
- اظن اني قولت محدش يلحقني يلا ادخلي لجوا ومتضيعيش وقتي.
رفضت بإستماتة وتعلقت به متشدقة :
- مش عايزة اقعد لوحدي في مكان مبعرفش حد فيه وعلى فكرة حتى لو دخلتني غصب هتلاقيني جاية وراك.
رشقها بنظرات حادة غاضبة وأوشك على توبيخها لكنه لاحظ تركيز الآخرين عليهما فتنهد بكبت جازا على أسنانه :
- هتفاهم معاكي بعدين يلا قدامي دلوقتي.
انشرحت أساريرها واندفعت لجواره بحماس كأنه لم يهددها للتو وذهبا سويا للأرض التي تحدث عنها وحين وصلا طالعت نيجار المناظر الطبيعية المحيطة بهما وتنهدت متحدثة بصوت عال نسبيا :
- حلو الواحد يشوف المناظر ديه قدامه صح، الريف جميل اوي بجد.
لم يعقب آدم عليها وصمت فاِلتفتت إليه متسائلة يإستدراك :
- صحيح هما ليه الناس هنا بيحبوك اوي دول كانو فرحانين بيك جدا ونفسهم يفرشولك الارض ورد انت عملتلهم ايه.
توقعت أن يغتر ويتفاخر بإنجازاته التي أخبرتها بها تلك السيدة لكن خاب ظنها حينما رد عليها بجمود :
- معملتش حاجة غير واجبي والمحبة الصادقة ديه بتجي من ناس قلوبهم بيضا زي اللي شوفناهم هنا يعني انا مليش أي فضل عليهم.
شحب وجه نيجار فجأة عندما ذكر المحبة الصادقة وأحست بأنه يرمي عليها اتهامات مبطنة ويعيد عليها ما اقترفته بحقه في السابق فاِلتزمت الصمت هذه المرة وخطت باتجاه بعض الشجيرات الصغيرة تتلمسها وهي تشد معطفها عليها كي تقي جسدها من لفحات البرد، وقف آدم بعيدا يحدق فيها بشرود ثم أدار عيناه لقطعة الأرض المقصودة وفجأة صدع صوت رنين هاتفه وكانت جدته هي المتصلة ففتح الخط :
- ايوة يا ستي.
وصله صوتها المتجهم من الناحية الأخرى :
- انت فين دلوقتي.
- في الأرض اللي كلمني العمدة عليها امبارح ليه في ايه.
زفرت حكمت بعمق وقالت بنبرة ممتعضة :
- مكنتش هكلمك وانت برا واعكرلك مزاجك بس في حاجة حصلت وشغلتلي بالي ... واحدة من الحريم اللي كانو حاضرين في بيت العمدة جت من شويا تقعد معايا وفي نص الكلام قالتلي انها شافت بت الشرقاوي مع ابن عمها واقفين امبارح مع بعض.
أظلمت عيناه واحتشدت أنفاسه على حين غرة مستمعا لها وهي تضيف :
- انا قلت فنفسي عادي ولاد عم واخوات وكانو بيطمنو مع بعض بس الست قالتلي ان صفوان كان متوتر وعماله يبص وراه وهو بيتكلم بشويش جدا علشان كده انا مقدرتش اتجاهل الموضوع واتصلت بيك بسرعة ... أنا حاسة انهم كانو بيخططو يأذوك وخايفة الكلب ده ياخدك ع خوانه ... الو ... آدم انت سامعني.
الشيء الوحيد الذي سمعته حكمت في هذه الأثناء هو صوت متقطع يدل على إنهاء المكالمة من طرف ذاك الذي اشتعل غضبا وجنونا بسبب معرفته بأن زوجته المزعومة التقت مع عدوه اللدود في الخفاء فتحرك ينهب الارض نهبا حتى وصل إليها وجذبها بعنف من ذراعها لتشهق متأوهة :
- ااه في ايه.
غرز آدم أصابعه في لحمها بقسوة أكبر حتى صاحت نيجار ملء صوتها محاولة بيأس التحرر منه وهي لا تعلم ماسبب تحوله هذا وفي ثواني دفعها هو بنفسه بعيدا عنه لتترنح وتصرخ :
- انت اتجننت ايه اللي عملته ده.
تأوهت مجددا بينما تدلك ذراعها لكن آدم الذي كان يناظرها بوحشية إجرامية لم يكترث بألمها بل ازدادت عيناه قتامة مغمغما بصوت لا يحمل أدنى معالم التحضر :
- هسألك سؤال واحد ومش هكرره واوعى تفكري تكدبي ... انتي وقفتي مع صفوان وكلمتيه امبارح ولا لأ.
تلاشى الغضب من وجهها تدريجيا وحلت مكانه الصدمة من سؤاله ومعرفته بالأمر فاِرتجفت يداها وزادت نبضات قلبها بعنف وكأنها في سباق، وشعرت بنظراته تحرقها كليا وهو ينتظر الإجابة منها ولعله لا ينتظرها حقا فهو يسألها وكأنه يعلم ماهي الحقيقة فعلا لذلك آثرت نيجار عدم تضييع جهدها في الإنكار فأخفضت عيناها مومئة بتنهيدة :
- ايوة كلمته.
وكأنها قضت على آخر ذرات تعقله !
حذرها عديد المرات لكنها التقت به في الخفاء، التقت بالرجل الذي حاك المؤامرات ضده وضحك عليه وهو يرسل ابنة عمه كي تلعب معه لعبة الحب، نفس الوغد الذي حاول قتله ومازال يخطط كي يفسد عمله ويخسر مالديه.
وعند توالي هذه الأحداث في عقله شدها نحوه ثانية باصقا عليها كلماته الصارخة بجنون :
- شوفتيه ليه اتكلمي كنتو بتخططو لـ ايه عشان تؤذوني مكفاكمش الشر اللي عملتوه من قبل انطقي يلا انتي ازاي تتجرئي تعصي كلامي وتشوفي الـ*** قالك ايه بالضبط ووعدك بـ ايه ... ولا استني نغير السؤال انهي طريقة اقترحها صفوان عليكي المرادي عشان توقعيني انك تغريني وترسمي عليا دور الشريفة تاني ... يبقى ليلة امبارح كانت من تخطيطك انتي ووياه صح استفزتيني علشان اتعصب واقرب منك مش كده.
حدجته نيجار بدهشة من تفكيره بها لكنه لم يمهلها الفرصة للدفاع فدفعها مجددا باِزدراء متمتما :
- بجد معرفتك هي أسوء حاجة حصلتلي في حياتي، انا بقيت اقرف من نفسي لأني حبيتك في يوم من الأيام.
قتلها بكلماته ونكَّل بجثتها ... هذا ماشعرت به نيجار وهي تنكس رأسها بخزي متجرعة قسوته بمرارة لقد طعنتها نظراته في الصميم وأدركت كم هو يمقتها ولسبب ما لا تعرفه شعرت لوهلة وكأن العالم أصبح مظلما دفعة واحدة ...
وتذكرت لقاءها مع صفوان ليلة البارحة ...
Flash back
( لاحظت ملامحه المتصلبة ولم تستطع منع نفسها من الشعور بالحزن عليه لأنه خسر المنصب الذي لطالما طمح إليه ففتحت فمها كي تواسيه لكن صفوان قاطعها بنبرة لا تحتمل الجدال :
- انا عارف هتقولي ايه كويس بس وفري كلامك لان الوضع ده مش هيستمر كتير.
زفرت أنفاسها المهتاجة متسائلة بتوجس :
- ازاي يعني انت ناوي ع ايه بالظبط.
- ناوي اخلص ع آدم والمرة ديه اتأكد من انه يموت بجد.
نطق الجملة بنبرة إجرامية وملامح لا تمت للإنسانية بصلة فلم تكد نيجار تزن الكلمات في عقلها حتى وجدته يكمل وعيناه تقطران شرا :
- وانتي هتساعديني وبكامل إرادتك المرة ديه !
طالعته وكأنه مختل لا يدرك مايقوله وبقيت صامتة تحدق في مدى جديته حتى رفعت يداها كي تبعده عنها وقالت :
- هعتبر انك مقولتش حاجة وانا مسمعتش خالص ابعد عن طريقي.
- تعالي هنا انتي رايحة فين.
أمسكها وأعادها لمكانه مردفا بهمس غاضب :
- فاكراني بهزر معاكي ولا ايه انا بتكلم جد اتفقت مع واحد خبرة وانتي اللي عليكي انك ااا...
قاطعته نيجار بسخط :
- انت اتجننت خلاص فاكرني مجرمة وماشية اقتل في الناس هو ده اللي كنت عايز تتكلم فيه وانا افتكرتك قلقان عليا وبتسأل عن حالي بس يا خسارة انت مش هتتغير وخلاصة الكلام أنا مش هأذي آدم نهائيا ولا اجي ناحيته مفهوم.
- ايه العنفوان ده كله خلاص حبيتيه نسيتي انتي بنت مين و ولائك بقى لعيلة الصاوي العيلة اللي سرقت حقنا مننا.
لمعت عيناها بقوة متهدجة :
- ديه مش مسألة حب ولا ولاء الموضوع هنا انك فاكرني أداة لتنفيذ جرايمك في الاول خليتني اضرب آدم بخنجر مسموم وولعت في البيت ودلوقتي جاي تقولي ببساطة اني هساعدك عشان تقتله وقاعد تشرحلي عن خطتك كمان ... بص يا صفوان انا من زمان ارتكبت غلطة كبيرة ولسه لحد دلوقتي بدفع تمنها بس مش هكررها تاني ومش هعمل أي حاجة زي ديه.
انا متفهمة قد ايه انت زعلان وحاسس نفسك مظلوم بس المواضيع ديه مبتتحلش كده لو ليك حق رجعه بنزاهة وشرف مش بالغدر.
أطلق ضحكة هازئة وعلق عليها :
- ايه كل المواعظ ديه حق ونزاهة وشرف معقوله آدم قدر يسيطر عليكي للدرجة ديه نسيتي عملتي ايه من قبل عشان توقعيه.
نفت نيجار برأسها مرددة :
- لا منستش ومحدش مخليني انساه اصلا بس اللي لازم تعرفه اني هقف معاك لما تطالب بحقك قدام الناس كلها ومتطعنش في الظهر غير كده لا يا ابن عمي.
- اوف تمام انا بطلت اعمل اللي في دماغي ومش هجي ناحية ابن سلطان بس اعرفي انك بتغلطي وبتنجرفي ورا مشاعر فاضية يا بنت عمي اوعى تقعي في المحظور وترجعيلي معيطة. )
Back
مدت اصبعها تمسح دمعتها التي نزلت كخط شلال رفيع وهمست بتحشرج :
- انا وصفوان ...
ولم تكمل، ولم ينتظر آدم إنهاء جملتها لأنه وبينما يقف مقابلا لها تماما تحرك للجانب الأيمن فاِرتد جسده للأمام بعنف وهو يشعر بلسعة نارية تخترق ظهره على حين غرة مخلفة آثارها على وجهه الذي احتقن فجأة...
أما هي فتوقفت عن الحديث بعدما سمعت صوت رصاصة يمزق السماء ثم لاحظت تصنمه الغريب الذي جعل أنفاسها تختنق وهي تتمنى لو يكون ما تفكر به خاطئا ولكنه مع الأسف ليس كذلك ..
رأته نيجار بأم عينيها وهو يترنح فصرخت ملتقفة إياه قبل أن يسقط لكنها لم تستطع إحكام توازنها بسبب جسده الثقيل فوقعت معه وصاحت بلوعة :
- آدم ... آدم رد عليا.
هدرت بفجع تناديه وحدقتاها تتبعان ملامحه الشاحبة، عيناه الواهنتان مرتكزتان عليها وشفتاه فقدتا معالم الحياة فهزت رأسها بذعر تضاعف عشرات المرات حين رفعت كفها الموضوع على ظهره الدافئ فوجدته أحمرا !
ولم تكد تستوعب مايجري تماما حتى رأت آدم يفقد وعيه كليا فأجهشت بالبكاء صارخة بأعلى صوتها :
- لا لا آدم متغمضش عيونك لاااا.
_________________
ستوووب انتهى البارت
رايكم وتوقعاتكم لما سيحصل بعد إصابة آدم
تفاعل على البارت قبل القراءة لتفادي خطر الإبلاغات
الفصل التاسع عشر : ألم وغضب.
_________________
يقال أن إستجابة المرء للحياة مرهونة بمدى رغبته فيها، ورغبته هذه مرهونة بطبيعة المواقف التي يعيشها، والأشخاص الذين يعيشون معه !
فإن كان هؤلاء الأشخاص لا يعرفون سوى الغدر والأذية فهل سيقدر حينها على تجاوزهم والمضي قدماً أم أنه سيسقط، إثر ضربة جاءته من الخلف فأردته صريعا !!
جسد مرمي على الأرض ... أصوات متداخلة وفوضى عارمة ... طريق طويل أحست وكأنه يمتد آلاف الأميال وعبارات صارخة تفيد بوجوب الإسراع ثم قطرات دماء متسربة إثر النزيف الذي حاولوا كتمه قدر الإمكان ...
كانت جالسة في المقعد الخلفي للسيارة الكبيرة تراقبه وهو مجثي على بطنه دون أن تصدر حركة تدل على أنها مازالت واعية حتى سمعت تنهيدة فاروق الذي قال :
- أخيرا وصلنا يلا شيلوه معايا الطبيب مستنينا جوا.
استفاقت على نفسها في هذه اللحظة عندما توقفوا أمام باب السرايا ونظرت أمامها لتجد النساء في انتظاره وعلى رأسهم السيدة حكمت التي استقامت بضراوة ثم ترجل فاروق سريعا وتساعد مع الرجال كي يدخلوا آدم المغمى إليه فـ انتفضت نيجار راكضة معهم لغرفته بأنفاس محتبسة يتبعها صوت ليلى الباكي وعويل الخادمة وقبل ان تدلف معهم وجدت يدا تسحبها ثم صفعة قوية وقعت على وجهها من حكمت وهي تجلجل :
- رايحة فين هتدخلي تخلصي مهمتك اللي مكتملتش !
انتفض الحضور بصدمة بينما وقفت نيجار مع سيل الدموع المنتحرة من عينيها تشخص أنظارها فيها وروحها تبعت ذاك الجسد المتواري خلف باب الغرفة، لم تكن تدرك أنها تشهق ولم تدرك حتى بأن شهقاتها صدحت تتبارى مع شهقات حكمت التي طالعتها بلهيب وكأن المسَّ أصابها تناظرها بعينين متوحشتين ماطرتين ملقية عليها نصيبها من طعنات إتهاماتها العاتية :
- اتفقتي مع ابن عمك عشان تقتلوه غدر يا بنت الحرام نايمة في حضنه وبتخططي ازاي تخلصي عليه ديه تاني مرة تعملي كده لتاني مرة بتحرقي قلوبنا عليه بس اقسم بربي مش هتسلمي مني ... هندمك يابت الشرقاوي واحسرك على نفسك.
هزت نيجار رأسها بصدمة تنفي الإتهامات الموجهة إليها فلم تشعر سوى بظهرها ينغرس في الجدار الصلب خلفها إثر دفعة من حكمت ولكنها لم تتألم، بل وقفت كالجثة تحدج ثورتها وسخطها باِنطفاء كما لو أنها مطعونة ...
كما لو أن قوتها نضبت لتستحيل لدمية خشبية شظفة !
- أنا ... أنا معملتش حاجة ...
بالكاد استطاعت إخراج كلمات متقطعة من جوفها محاولة الوقوف أمامها دون أن تذوي وتتكوم على الأرض ثم مشت خطوتين لتدخل حيث يقبع آدم مع رجاله والطبيب إلا أن حكمت جذبتها ثانية وهي تصرخ بأعلى صوتها منادية الغفير وحين صعد هذا الأخير إليها ألقت نيجار بإتجاهه :
- خدوها للمخزن تحت واحبسوها هناك.
اندهش الغفير وتململ باِضطراب فأضافت مبرطمة بقسوة :
- انت مش سامع أنا بقول ايه !
انتفض ينفذ أوامرها مع الغفير الآخر وأمسك ذراع نيجار لتسحبها منه صارخة :
- ابعد عني انا مش هروح لحته قولتلك اني معملتش حاجة ... ابعد عني بقولك لازم اطمن على آدم سـيـبـونـي !
تجاهلوا صراخها وهي تُساق للطابق السفلي وتحديدا لتلك الغرفة الصغيرة المظلمة حاولت التحرر من قبضتهم لكنها كلما تفلت نفسها منهما يعيدان امساكها حتى استطاعوا احتجازها فركلت الباب المغلق بعصبية مزمجرة بشراسة :
- طلعوني من هنا صدقوني انتو هتندمو على اللي بتعملوه ده ومش هسيبكم في حالكم بقولك طلعووني من هنا ... آدم ...
اختفى صوتها مع آخر كلمة نطقتها إثر غصة احتكمت حلقها كصخرة مدببة واندفعت الدموع إلى عينيها وهي تفقد قوتها أخيرا وتجثو على الأرض هاتفة بيأس :
- انا لازم اطمن عليه ...
** في الطابق العلوي وقفت ليلى متصنمة وكأن الطير قابع فوق رأسها لم تفهم تماما ما حدث أو لماذا قامت جدتها بحبس زوجة أخيها وفي الحقيقة لم يكن عقلها يسعفها حاليا كي تفسر جميع الكلام الذي قيل فهي شهدت منذ قليل على رؤية سندها وأبيها الثاني ملقيا بلا حول ولا قوة كيف ستكون لها القدرة على التفكير في أشياء أخرى.
انتفضت بلهفة عندما فتح الباب وخرج منه محمد لتقترب منه متسائلة بدموع :
- ابيه آدم ماله هو كويس رد عليا أرجوك هيبقى كويس صح.
أومأ مطمئنا إياها :
- الحكيم بيقول أن الرصاصة صابت كتفه الأيسر وعظامه متأذتش الحمد لله يعني جت سليمة بس لازمله عناية لأنه نزف دم كتير وهو حاليا بيخيط لـ آدم بيه جرحه.
تنهدت حكمت بهدوء شاكرة ربها على سلامته أما ليلى فأطلقت زفرة مرتاحة كمن كان يحمل صخرة على كاهله وتخلص منها وسألته مجددا :
- امتى هقدر اشوفه طب هو كان بيتوجع متأكد انه بخير.
لمعت عيناه بشفقة وعاطفة لحظية درأها سريعا حينما سمع صوت السيدة تسأل فاروق بصلابة :
- اتصاب ازاي و انتو كنتو فين ايه لازمة وجودكم لو مش عارفين تحمو سيدكم.
أطرق رأسه بحرج وانزعاج من نفسه وأجابها :
- احنا كنا مع آدم بيه في كل خطوة بس فجأة قال انه عايز يروح يشوف الأرض من غيرنا وخد مراته معاه ومعدتش ربع ساعة وسمعنا صوت سلاح ونيجار هانم بتصوت جرينا بسرعة وشوفناه مرمي ع الأرض ومتصاب في كتفه قمنا اسعفناه وجبناه بسرعة لهنا لأننا كنا خايفين تحصله حاجة تانية لو فضلنا في القرية هناك.
رفع عيناه لها متابعا :
- نيجار هانم فين احنا لازم نسألها ع كام حاجة لانها كانت موجودة مع آدم بيه ويمكن شافت اللي ضربه بالنار.
- هي وابن عمها اللي اتفقوا يغتالوه.
هدرت حكمت بحدة جعلته يصعق بذهول متمتما بـ كيف لتستطرد بحقد :
- كانت واقفة مع صفوان امبارح وبيتكلمو سوا وانا النهارده عرفت واتصلت بـ آدم اقوله بعدها مباشرة اتصاوب يبقى معروف كويس مين هو الجاني.
قبض فاروق على يده مطلقا لعنة ساخطة بداخله وانتفض ناويا الهجوم على ذلك الوغد والأخذ بالثأر إلا أنها أوقفته بحركة من يدها :
- مش وقته احنا هنستنى حفيدي يصحى وهو عارف لازم يعمل ايه بعدين الخبر اتنشر وزمان العمدة ورجال المجلس سمعوا بيه مينفعش نستعجل ونتحرك من غير دليل لأننا هنتحط في موقف الغلط كده.
أومأ على مضض وانتظروا سويا خروج الطبيب ليزودهم بتفاصيل حالة آدم ثم أعطاهم الوصفة الطبية وغادر وخلفه محمد الذي نزل ليحضر الأدوية الازمة وذلك بعدما رشق ليلى بنظرة سريعة يتأكد فيها من حالها ...
دلفت هذه الأخيرة لغرفة شقيقها ووقفت فوق رأسه متأملة إياه وهو نائم بإرهاق بادٍ عليه وكتفه ملتف بالشاش نزلت دموعها عليه بأسى وانتبهت لدلوف حكمت التي مسدت على شعره بحنان نادرا مايظهر وهمهمت بخفوت :
- ألف سلامة عليك يا حفيدي ... هدفعهم تمن كل قطرة دم نزلت منك.
- ايه علاقة نيجار باللي حصله ؟
سألتها ليلى بجمود وناظرتها إليها مكملة :
- حضرتك قولتيلها "لتاني مرة بتعملي كده" ليه هي حصلت من قبل عشان ترجع تتكرر.
أدركت حكمت أنها في خضم غضبها أفصحت بما لا يجب على ليلى سماعه بعدما أوصاها آدم بذلك فتنهدت بهدوء وهي تستعد للمغادرة :
- اخوكي مريض ومحتاج يرتاح والوقت اتأخر اصلا روحي نامي انتي كمان.
أنهت جملتها وذهبت الى غرفتها لتتفاجأ بدخول ليلى وهي تعترض بصوت عالٍ :
- مش هتستغبوني وتتجاهلوني المرادي كمان أنا لازم افهم اللي بيحصل هنا بالضبط ايه علاقة نيجار وابن عمها بحادثة اخويا وليه واحدة تحاول تقتل جوزها اصلا ده ليه علاقة بجوازهم من بعض صح ؟
وبختها الأخرى مقرعة إياها :
- أولا وطي صوتك وانتي بتكلمي ستك ثانيا مفيش حاجة لازم تعرفيها وأخوكي حذرك قبل كده متسأليش في المواضيع ديه انتي لسه ااا...
قاطعتها بعصبية وسخط قبل أن تكمل الجملة المعتادة :
- متقوليش اني لسه صغيرة انا ليلى سلطان الصاوي جزء من العيلة ديه ولازم اعرف بكل حاجة تخص عيلتنا طب ايه رايك حضرتك لو محكتيليش ورديتي على اسئلتي هنزل للبنت ديه واطلعها من الاوضة واسألها هي او بعمل حاجة تانية هروح احكي للعمدة ع اللي سمعته وخليه هو يتصرف بقى.
كان تتكلم بثقة مطلقة وترمقها بتحدي واستعداد لتنفيذ كلامها فطالعتها حكمت لبرهة متذكرة نفسها الصغيرة في جسد حفيدتها قبل عقود طويلة لتتنهد وتبرطم :
- ماشي هحكيلك طالما عايزة تفهمي ... الحقيقة ان آدم وبت الشرقاوي بيعرفو بعض من زمان من قبل جوازهم بست أو سبع شهور.
سرقت دهشة من عينيها فقطبت حاجباها بإستفسار أجابت عليه الأخرى :
- آدم اتعرف عليها من وقت بدأت عيلتنا تشتغل مع عيلتهم وبدأ يحبها وجه ليا وطلب اروح معاه عشان نتقدملها بس انا رفضت لأن الست ديه تبقى بنت عدونا وطول عمرها خبيثة وملهاش أمان وفكرت ان القصة خلاص انتهت ... بس طلعت غلطانة والغلطة ديه كانت هتكلفنا حياة أخوكي.
وشرعت تسرد لها كل شيء بتفاصيله علاقة شقيقها مع نيجار ومعرفتها بأن آدم سيعقد قرانه عليها في بيت الهضبة ثم اندلاع حريق بها والعثور عليه وسط النيران مطعونا بخنجر مسموم من المرأة التي أحبها وتوالي الأحداث بعدها حتى اضطر على قبول زواجهما لذلك كانت تعاملها ببغض وقسوة وتكن لها كل مشاعر الحقد هذه.
استمعت ليلى حرفا حرفا وصدمتها تزيد مع كل حدث يذكر حتى وقعت على المقعد خلفها ووضعت يدها على فمها متمتمة بصدمة :
- يعني البنت ديه ضحكت على آدم وحاولت تقتله واحنا دخلناها لبيت ورجعت تحاول تقتله للمرة التانية ... انا مش مصدقة حاسة اني بحلم انا كنت فين من كل ده ازاي معرفش حاجة عن الحقيقة ديه و ازاي دخلتو الحقيرة ديه لبيتنا.
- سبق وقولتلك اننا مكناش هنقدر نحافظ ع مكانتنا عند العمدة لو رفضنا الجواز ومكناش هنقدر بردو نكشف الملعوب اللي اتلعب ع اخوكي لانه كان رافض يعرف حد بـ ان واحدة ست قدرت تضحك عليه ... ودلوقتي قدرت تعمل نفس الشي.
هزت ليلى رأسها بعدم تصديق واستقامت فجأة متوعدة إياها بسخط :
- انا هقتلها واشرب من دمها عديمة الأصل ديه والله العظيم لـ ...
قاطعتها حكمت مهدئة إياها وهي تخبرها بوجوب التأني لأن تسرعها لن يفيدهم بشيء وأن شقيقها بنفسه سيحاسبها بعد استيقاظه لم تقتنع ليلى ولم تفكر في الاقتناع أساسا لأن قلبها امتلأ على حين غرة بحقد دفين اتجاه نيجار وأقسمت على عدم التدخل ثانية في أي شيء تفعله بها جدتها ...
__________________
في تلافيف الليل السوداوية صدع صوته مرددا بنقمة على صاحب الجسد الضخم وتقاسيم الوجه المظلمة :
- فهمني ازاي تغلط ومتقتلوش برصاصتك مش على اساس انت قاتل مستأجر وعمرك ما عملت غلطة ازاي بقى تصيب آدم بخدش سطحي وميموتش يا مليجي !
زفر المدعو مليجي بضيق منه وأجاب :
- في ايه ياصفوان هو انت مبتعرفنيش ولا ايه قولتلك ان الضربة كانت هتبقى في نص قلبه من ورا بس هو اتحرك فجأة وجت في كتفه ديه مش غلطتي وبعدين أنا كنت هرميه برصاصة تانية واخلص عليه تماما بس البنت اللي معاه فضلت تصوت وتنادي على رجالته كان لازم اهرب قبل ما اتقفش.
صمت للحظة ثم تابع مستدركا بخشونة :
- مش قولتلي انك متفق مع البت ديه توديه لمكان لوحدهم عشان اقدر اقتله من سكات اومال هي بقت تصوت وتعيط كده ليه.
- لاني مقدرتش اقنعها ومكنتش بتعرف اني هغتال ابن سلطان وهو معاها.
رد عليه صفوان متأففا بحنق من ابنة عمه الغبية وهو يفكر بأنه فشل في خطته بسببها لقد كان ينوي قتله وأخذها معه للمنزل لأنها أصبحت أرملة ولن يستطيع أحد إثبات اشتراكه في الجريمة ولكنه الآن عاجز عن فعل ذلك لأنه لا يستطيع إخراجها من تلك السرايا الملعونة وليس ببعيد أن تكون حكمت الآن تذيقها من المرار ألوانا معتقدة بإشتراكها معه في خطة اغتيال آدم.
إضافة إلى أن هذا الأخير لن يتوانى بعد استيقاظه عن البحث المستمر على القناص الذي أصابه حتى يجده وهنا ستكون كارثته الجسيمة حقا ... ليته لم يستعجل ودرس الأمور بتروي أفضل من الوقوع في هذا الموقف لكن ماذا يفعل لم يقدر على تهدئة نفسه خاصة وهو يرى حق عائلته ينتزع منهم للمرة الثانية.
زفر بنزق وقال :
- خلاص امشي انت دلوقتي وانا هبقى اكلمك بعدين ومتنساش تتخبى كويس مش عايزك تلفت الانتباه ليك عيلة الصاوي مش هتسيبك في حالك.
رمقه مليجي بإستهجان من جُبنه وخوفه وغادر البستان ليظل هو واقفا بمفرده ولم يدم ذلك طويلا حينما سمع صراخ مراد يصدع من خلفه :
- صـفـوان !!
انتفض واستدار اليه فينطلق تأوه متألم منه حينما استقبل وجهه لكمة من الآخر وترنح إلى الخلف يسبه برعونة :
- انت بتعمل ايه يالا اتجننت.
قبض مراد على تلابيب قميصه مزمجرا بعصبية :
- رجعت عملتها يا غبي رجعت تحاول تقتل آدم انا كام مرة نبهت عليك متعملش حاجة من غير ما ترجعلي ازاي تعمل كده وتغدر بيه ازاااي !
تفاجأ من هجومه ولم يكد يستوعب حتى تلقى لكمة ثانية مستمعا لتوعداته فزفر صفوان ودفعه صائحا :
- كفاية بقى ايه جو الأخلاق اللي بتعمله عليا ده انت مالك ومال آدم مش فاهم ليه مش عايزه يموت هو عدوك ولا صديقك انت عارف ان العمدة أعلنه خليفته فاهم ده يعني ايه ان كل جهودنا ضاعت ومحدش هيقدر يقف قصاده كان لازم اعمل الخطوة ديه.
وبعدين انت لو رديت على اتصالاتي من امبارح كنت هتعرف انا بخطط لـ ايه بس حضرتك بتحب تتجاهل مكالماتب يبقى متلومنيش لما اعمل حاجة من نفسي.
أطلق مراد مسبة من بين أسنانه وطالعه بقتامة متمنيا لو يخنقه الآن ويفصل روحه عن جسده هذا البغيض الأحمق الذي يظن نفسه ذكيا، لكنه تراجع فجأة وغمغم مقتضبا :
- مكنش لازم ارجع اتعاون معاك بعد ما طعنت آدم وحرقت بيت الهضبة من غير ماترجعلي لكن افتكرتك بني ادم ومش هتكرر الغلطة ديه تاني بس انا اللي طلعت غلطان.
رمقه بإزدراء واستدار ليغادر فمنعه صفوان الذي أمسك ذراعه موقفا إياه :
- استنى هنا فهمني انت ليه فكل مرة بتنفعل بالطريقة ديه اول ادم ما يتأذى مش حضرتك بتحاول توقعه في شغله وتعمله مشاكل مش فاهم انت عدو ابن سلطان ولا صديقه.
اكتفى مراد بالنظر إليه ببرود ظاهري ما جعل صفوان يكز على أسنانه ويضغط على حروفه المقتضبة متمتما :
- اول مرة سكت وقولت انك اضايقت عشان خوفت اوقعك في مشاكل لو اتكشف انك بتساعدني بس النهارده انا شايف غير كده وجه وقت تفهمني انت مين وبتساعدني ليه ومتضايق عشان آدم ليه طالما انت اللي عايز تؤذيه ؟!
نفذ ما تبقى لديه من الصبر فزفر وأبعده عنه بعنف متشدقا بحدة وتحذير :
- كفاية بقى أنا زهقت من غبائك ومش هرجع اتعامل معاك والمرادي ديه بجد وحط في بالك لو فلوسي اللي اديتهالك مرجعتليش هضمن متلاقيش تاجر او مستثمر تتعامل معاه من بعد كده ... ده لو عيلة الصاوي سابتك عايش لوقتها.
ثم تركه وخرج ينهب الأرض نهبا وهو لا يرر أمامه من شدة إنفعاله ركب في سيارته ولكم عجلة القيادة عدة مرات بسخط ألمَّ به حتى أحس بيده تنزف في نفس اللحظة التي رن هاتفه بها وأجاب مراد سريعا ليسمع الطرف الآخر يقول بنبرة جادة :
- احنا سألنا زي حضرتك ما قولتلنا يا بيه ووصلنا لمعلومات كويسة، آدم الصاوي بخير واتجاوز مرحلة الخطر نهائيا.
أغمض مراد عيناه مخرجا أنفاسه المحتبسة ثم أغلق الخط ودخل إلى المعرض كي يرى صور أعز إنسانة على قلبه وهي تحضنه وتبتسم بوهن، لطالما رافقتها هذه الإبتسامة التي لم تصل يوما إلى عينيها لطالما سمع نشيج بكائها الحار وشاهد دموعها التي تسيل كالوديان ثم كالعادة تخرج إليه راسمة دورها ببراعة، دور المرأة التي لا تحزن ولا تتعب ...
أصدر تأوها متألما نابعا من صدره وهمس بصوت تملؤه الحسرة :
- عيلة الصاوي دمرتنا وكملت حياتها وآدم مرحمكيش وحرمك من فرصة انك تتحسني وتعيشي بقية حياتك مرتاحة ودلوقتي انا جاي اطمن على حالته ومعرفش ليه بس اللي بعرفه انه مينفعش يخلص من العقاب بالسهولة ديه، الموت راحة ليهم وانا مش هريحهم !
__________________
صباح اليوم التالي ...
وقفت على رأس الرجال في منتصف الفناء بملامح صلبة تشع هيبة ووقارا وحادت بعينيها نحو فاروق الذي تقدمهم وقال :
- مقدرناش نعرف مين الراجل اللي حاول يقتل آدم بيه دورنا عليه في كل مكان بس ملقيناش أثر يدل ع وجوده يا حكمت هانم.
- يعني اختفى بسهولة بعد ما ضرب حفيدي بالنار وانتو مقدرتوش تلاقوه كأنه هوا مبيتشافش مش كده.
علقت على أعذاره بلهجة تقريعية حادة وهي تطرق عصاها على الأرض متابعة :
- آدم الصاوي وخليفة العمدة اتعرض لهجوم وبدل رجالته ما يحموه من الأول وهما عارفين ان ليه أعداء كتير لأ جابوه متصاب ومعرفوش مين السبب كمان ... فهموني انتو بتاخدو مرتبكم في اخر الشهر على ايه بالضبط ولا عشان حفيدي بيعاملكم كويس زي البني ادمين انتو هتفكرو انه متساهل بقى ومحدش هيحاسبكم على تقصيركم !
لم يجب عليها أحد من الرجال وأخفضوا رؤوسهم بذنب من عدم تأديتهم لمسؤوليتهم وخوفا من طردهم بينما بلل فاروق شفته ونظر إليها مختارا كلماته بعناية وهو يعقب :
- كلامك صحيح الحق كله علينا بس حاليا احنا بنعمل اللي بنقدر عليه عشان نلاقي اللي ضرب آدم بيه بالنار ومش هنرتاح غير لما نجيبه لتحت رجله.
تنهدت حكمت بشدة وأشارت للبقية بالمغادرة ففروا سريعا من بطش سيدتهم أمام هي اقتربت من فاروق وقالت :
- انا متأكدة أن ابن الشرقاوي ورا العملة ديه هو حب يخلص من آدم بعد العمدة ما أعلنه خليفة للمنصب بتاعه وبعت البلطجي بتاعه عشان يضرب حفيدي من ورا ظهره الجبان ده.
زفر بحقد تعاظم إتجاه ذاك الوغد الذي لا يكف عن المهاجمة غدراً بدل أن يتواجه مع غريمه بشجاعة وعقب عليها :
- فعلا وأنا متأكد ان صفوان عمل كده بس ازاي وامتى لحق يستأجر حد ويتفق معاه في ليلة واحدة ويبعته للمكان اللي احنا رايحينله ... إلا لو كان اتفق مع الراجل ده قبل العمدة ما يستدعيكم ويعلن قراره وفضله التنفيذ بس.
- وأنا بقول نفس الشي بردو صفوان كان مخطط من قبل ووقف يكلم نيجار امبارح في بيت العمدة والله اعلم كانو بيتكلمو فـ ايه الشياطين دول.
- حضرتك متأكدة أن بنت الشرقاوي مشتركة مع صفوان ممكن هو وقفها عشان يسأل عليها أو فعلا عرض عليها تساعده بس موافقتش.
قدم فاروق إحتمالا مترددا وهو يعيد في ذاكرته صراخ نيجار البارحة وكيف أنها كانت تبكي وتنوح باِنهيار لكن حكمت قضبت حاجبيها متشدقة بلهجة شديدة :
- و امتى العيلة ديه سألت ع بنتها من يوم جوازها محبكش يسأل عليها غير امبارح يعني وبعدين هي لو رفضت مشاركته في جريمته مكنتش هتجي تقول لـ آدم او على الاقل تحذره ولا تلمحله بس على العكس كانت متحمسة تروح معاه لدرجة انا استغربتها واهي النتيجة ... اللي خان مرة بيخون مليون مرة يا فاروق اوعى تضحك عليك بوشها الحنين ودموعها الكدابة بس وعدت نفسي من امبارح اني هخليها تنزل من عينيها دم بدل الدموع وهعمل كده.
همهم فاروق متضايقا من فكرة ان سيده ورفيقه تعرض لمحاولة القتل مرتين ومن نفس الفتاة التي أحبها يوما حسنا مؤكد انهم سيذيقونها العذاب ألوانا وهذا ما تستحقه هي.
ومع ذلك كان يعلم جيدا بأنه ليس على أحد التدخل ومعاقبة نيجار إلا آدم نفسه فقال برصانة محاولا إقناع حكمت :
- أنا بقول انه مينفعش نتعرضلها قبل آدم بيه ما يصحى حضرتك عارفة طبيعته هو مش هيحب حد تاني ياخد حقه خاصة انه اتغدر منها قبل كده فـ الأحسن نستنى البيه يصحى وهو بيعرف شغله معاها.
تقلصت ملامح حكمت بإستهجان وكادت ترفض لكن الآخر قاطعها بروية :
- حتى العمدة هيجي بعد شويا يطمن عليه وطبعا هيستجوب نيجار ويسألها عن تفاصيل الحادثة عشان يعرف مين الجاني ولو لقاها محبوسة تحت ساعتها القصة هتكبر وممكن يوصل لأصل الموضوع وآدم بيه يضايق.
تلكأت في وقفتها باِنزعاج ومع الأسف كان حديث فاروق منطقيا بالتأكيد آدم لن يرضى أن تكشف تفاصيل القصة ويعرف الجميع بما تعرض له ولن يعجبها هي أيضا ولهذا كانت مجبرة على تهدئة أعصابها لفترة معينة فتنهدت وتوجهت بخطوات متزنة للغرفة التي تقبع فيها نيجار وفتحت الباب بعنف ...
كانت هذه الأخيرة قد قضت الليل بطوله تنازع الظلام الدامس حتى لا تجن وروحها تحترق من شدة ما تعايشه خاصة رعبها على آدم وتخوفها من أن تسمع خبرا سيئا في أية لحظة.
وحين فُتح الباب وداهم الضوء القوي تلك الغرفة أغمضت نيجار عيناها بتلقائية وأبعدتهما عن مرماه قبل أن تشعر بظل أسود يرزح فوق فخمد تفاجؤها ورفعت رأسها تطالع حكمت التي وقفت تستند على الإطار وسرعان ما صدع صوتها وهي تأمرها بصرامة :
- قومي اقفي على رجليكي.
وبالفعل استندت على يديها كي تستطيع الوقوف لكن ليس لأن الأخرى أمرتها بذلك بل لأن نيجار تود الإطمئنان على آدم ولهذا تقدمت منها متسائلة بلهفة :
- آدم كويس هو عامل ايه دلوقتي والدكتور قال ايه ؟
- التمثيلية ديه محبوكة كويس بس مع الأسف مبقتش تنفع لأن خلاص وشك الحقيقي اتكشف من زمان وفري دموعك ديه لنفسك.
قرصها لسانها الاذع للجواب عليها بوقاحة لكنها تعلم بأنها ربما ستفقد فرصتها في رؤية آدم لو تجادلت معها الآن فمسحت دموعها بجلادة تناقضت مع هشاشة صوتها وهي تهمس بقوة :
- سبق وقولت ان انا مليش دعوة في حادثة امبارح لو عملتها كنت اعترفت بذنبي زي أول مرة بس انا مستحيل ارجع اعمل كده و اؤذي آدم تاني.
رفعت حاجباها باِستهانة وتمنت لو تقتلها في هذه اللحظة وتتخلص منها نهائيا بيد أنها أجلت رغبتها لحين آخر وأفسحت لها الطريق بيدها مشيرة إليها بالخروج :
- تعالي.
خرجت نيجار وهنا شهقت للهواء مستنشقة أنفاسها بعدما أوشكت على الإختناق واستدارت لحكمت التي تحدثت بثبات :
- انا طلعتك من هنا لأن العمدة هيجي بعد شويا يطمن على حفيدي وملازمش يشوفك محبوسة لاننا هندخل في مواضيع ملهاش داعي بس اتأكدي انك لو عملتي غلطة واحدة مش هصبر عليكي وهقتلك فورا .... امشي قدامي.
تجاوزتها حكمت وصعدت على الدرج وخلفها نيجار حتى وصلتا إلى الغرفة ففتحتها هذه الأخيرة بحرقة وتأملت آدم النائم على السرير بوجه شاحب وجسد واهن، سقطت عبراتها مبللة وجهها بقهر تفاقم عند رؤيته واقتربت تتلمس شعره وتحدث نفسها :
- أنا موجوعة اوي ومش عارفة ايه السبب طول الليل بفكر فيك وخايفة تكون اتأذيت والله انا مليش علاقة باللي حصلك ومبعرفش اذا صفوان كدب عليا لما قالي انه اتراجع واتهجم عليك ولا كان صادق وحد تاني غيره حب يقتلك ... الحمد لله انك بخير.
قطعت سيل أفكارها مجيء أم محمود هاتفة :
- الغفير بيقول ان العمدة ومراته في طريقهم لعندنا وشويا ويوصلو يا ست هانم.
همهمت حكمت بجمود وخاطبت نيجار بحدة :
- روحي استحمي وجهزي نفسك عشان تظهري بمظهر يليق بمرات آدم الصاوي مع انك مبتوصليش لظفر المقام ده بس احنا مضطرين نساير الأوضاع دلوقتي.
وبالفعل قامت بتنفيذ المطلوب منها ووقفت في الخارج مع حكمت تنتظران حضور الضيوف حتى فتح الباب ودخل العمدة برفقة زوجته رحبت بهما بحرارة وأشارت لفاروق بطرف عينها فحمحم وأخذ العمدة لغرفة آدم أما الزوجة فاِقتربت منهما ورددت :
- حمد لله على سلامة حفيدك يا ست حكمت.
اجابتها هي بلباقة :
- الله يسلمك يا هانم اتفضلي للصالة نعمل الواجب.
بعد مرور فترة نزل العمدة وقابل نيجار يسألها بهدوء :
- ازاي ده حصل كنتو فين لما آدم اتضرب بالنار وانتي شوفتي اللي عمل كده ولا لا
اضطربت قليلا لأنها تحدثه لأول مرة لكنها تجلدت وردت عليه بنبرة مسموع :
- كنا مع واحد بيسموه ابو جميل بعدين آدم قال انه هيروح يشوف الأرض اللي حضرتك وصيته عليها وفعلا روحنا هناك وفضلنا فترة قبل ما اسمع صوت رصاصة و الاقي ... الاقي آدم بيقع بين ايديا.
تحشرج صوتها إثر الغصة التي ضيقت حلقها على حين غرة وهي تتذكر المغطى بالدماء وفكرت بأنها إن تألمت بهذا الشكل رغم أنهم أسعفوه بسرعة فكيف كان حال آدم حينما طعنته في السابق وتركته يحترق بين النيران كيف كان شكله وهو يتألم عاجزا عن النهوض وإنقاذ نفسه.
ارتجفت يداها كعادتها حين تنفعل فضمتهما لبعض وأخفضت رأسها حتى لا تبين حالتها للعيان لكن العمدة لاحظها وقال بروية :
- الحمد لله انها جت سليمة ومقتلتوش زبإذن الله الفاعل هيتكشف وياخد جزاه ... صحيح صفوان وبقية عيلتك مجوش يطمنو عليكم خاصة انك كنتي مع آدم وقت الحادثة ؟
تلكأت في وقفتها وضغطت على شفتها مرتبكة وزاد خفقان قلبها حين فكرت بأن العمدة سيكتشف كل شيء الآن فلاذت بالصمت بينما ابتسمت حكمت بتشفي وصمتت مكتفية برؤية توتر نيجار وكيف ستنقذ ذاتها من المأزق الذي وقعت به ...
وفي هذه الأثناء دق الباب ودلف الغفير مرددا :
- في ضيوف جم يا ست هانم.
- مين دول ؟
تساءلت حكمت بإستفهام تحول إلى صدمة وقد مادت الأرض بها بغتة وهي ترى آخر من توقعت وجودهم الآن ... صفوان وبقية أفراد عائلة الشرقاوي !
اتسعت عينا نيجار بذعر وتضايقت أنفاسها بشدة حين ابتسم هو وردد بصوت واثق :
- السلام عليكم ... انا جاي علشان اطمن على جوز اختي ألف سلامة عليه !
__________________
تفاعل على البارت عند القراءة لتفادي ضرر الإبلاغات
الفصل العشرون : اِضطرام.
________________
( منذ مايقارب عشر أشهر ...
بعد تسليم الشحنة الأخيرة لهذا اليوم خرجت من بساتين الصاوي وامتطت فرسها راكضة به نحو بستان عائلتها وحين وصلت دخلت للمستودع الذي كان صفوان جالسا فيه يدخن سجائره وقالت بعملية :
- احنا خلصنا تسليم النهارده عربيات النقل جت وخدت صناديق الفواكه بتاعتنا ورجعت نقلت صناديقهم.
أصدر همهمة بسيطة مطالعا السيجارة وقد قاربت على الإنتهاء حتى ألقاها أرضا وداس عليها ثم نهض واقترب من نيجار بملامح مكفهرة جعلتها تسأله بإمتقاع :
- مالك في ايه.
- عايز اتكلم معاكي بخصوص الشغل في بساتين الصاوي.
تنهدت بملل وردت مقتضبة :
- نتكلم فـ ايه هترجع تقولي انه مكنش ينفع انا اخد الشغل والمفروض راجل يشتغل بدالي ؟ مفيش داعي لأسطوانة كل يوم كده كده بكره آخر شحنة ومش هيرجعو يشوفوني ولا أنا أشوفهم.
ابتسم صفوان بريبة وحاوط كتفاها ليقول بروية :
- متقلقيش أنا مش هقولك الكلام ده خالص على العكس زعلت لان مدة شراكتنا مع عيلة الصاوي هتخلص بكره ده انا نفسي تفضلي كام يوم كمان.
قطبت نيجار حاجباها وتأملته مفكرة في أنه ربما يكون مخمورا فتأففت مبرطمة بنزق :
- انت شكلك فايق النهارده بس أنا مليش مزاج لحكاويك هخلص اللي فـ ايدي وامشي.
لكن الآخر منعها من التحرك إنشا وأعادها لتقف أمامه وقال :
- انتي عارفة ايه اللي عملته عيلة الصاوي فينا وازاي سرقو مننا حق الزعامة والعمودية مش كده ... وعارفة ان ابن سلطان مترشح لمنصب العمدة وهو أكبر منافس ليا مش كده.
- أيوة عارفة.
- وحكيتلك انه هيعمل صفقة مع العمدة والتجار وخد مسؤولية كبيرة عليها ولو اتحملها ونجح في المهمة ساعتها احنا هنرجع لنقطة الصفر وتضيع فرصتنا صح.
- اه قولتلي عليها مش ديه اللي بتخص سبايك الدهب ؟
سألته مستفهمة بعدما لفت إنتباهها حول الصفقة التي أثارت جنونه منذ أيام حين علم بها وطفق يصرخ بعصبية لأن العمدة اختار آدم بدل أن يختاره هو فأجابها صفوان بلهجة صريحة :
- أيوة هي الصفقة ديه كبيرة وبتكلف ملايين وزي ما قولتلك احنا هنخسر كتير لو آدم نجح فيها علشان كده أنا مخطط ابوظها واحطه في موقف صعب ومشاكل ملهاش نهاية ... عايز اسرقهم.
شهقت نيجار وجحظت عيناها بدهشة مرددة جملته بخفوت لتستوعبها قبل أن تعود وتقول :
- تسرق ايه انت عايز تودي نفسك في داهية فاكر القصة لعب عيال يعني ! بلاش هبل واقصر الشر انت مش قدها.
تغيرت تقاسيمه للغضب بعدما قللت منه وتشدق معترضا :
- لا أنا قدها وقادر اعمل كده وانا مش لوحدي أصلا في واحد اتعرفت عليه من فترة وعرض عليا المساعدة ونتقاسم الربح.
- مين ده اوعى يكون بيضحك عليك.
- لا ده سمسار معروف وليه علاقات كبيرة في مجال التجارة وبيعرف تفاصيل الصفقات ولو قدرنا نسرق الدهب هنبقى كأننا طولنا السما بس لازم اعرف هيحطوهم فين الأول وانتي هتساعديني.
- أنا اساعدك ! ازاي يعني.
تمتمت نيجار بعدم فهم وكررت السؤال عليه حين شرد للحظات فـاِستفاق ومد يده يملس على شعرها ممهدا للقنبـ.لة التي سيفـ.جرها بعد قليل :
- عايزك تسمعيني من غير ما تقاطعيني بصي أنا لاحظت من فترة ان ابن سلطان منجذب ليكي هو متكلمش ولا حاول يقرب منك بس لاحظت نظراته ناحيتك وحاسس أنه معجب بيكي.
امتقع وجهها وعقبت ساخرة :
- آدم معجب بيا وبيبصلي كمان ؟ ده واحد عليه كتلة برود فظيعة وبيفوتش فرصة يغيظني فيها وفكل مرة بيحسسني انه هو الطرف الأقوى في الشراكة ديه انت غلطان.
زفر وطرق على رأسها موضحا لها بإصرار :
- مش غلطان أنا راجل زيه وبفهم الحركات ديه كويس ولو حسيتي أنه بيعاملك ببرود فده لأن طبيعة آدم عامله كده اكيد مش هيجي يعاكسك ويرميلك كلمتين من الشارع زي الشباب اللي كنتي بتشوفيهم في المدينة.
- اوف هعتبر ان كلامك صحيح طيب المفروض اعمل ايه يعني.
- تحاولي تتقربي منه وتسحبي الكلام من لسانه اتعاملي معاه بشخصيتك عشان يرتاحلك وممكن تعرفي تسمعي اي كلمة كده ولا كده من رجالته.
رفعت حاجبها بإستنكار منه وعلقت :
- انت بتطلب مني اتقرب من راجل ومين هو ابن عدونا انت شكلك اتهبلت في دماغك انا همشي واسيبك.
تأفف صفوان وسحبها إليه مجددا متكلما بصلابة :
- يابنتي مبقولكيش اتجاوزي الحدود معاه أنا بقولك تكلميه اسبوع ولا اسبوعين بس وأول ما تقدري تاخدي معلومة تفيدنا سيبيه.
- بس هو راجل صعب وبيتكلم بالعافية ازاي هقدر أعمل كده معقوله يجي يحكي لبنت عم عدوه عن تفاصيل الصفقة بتاعته !
- مش هتخسري حاجة لو حاولتي يا نيجار رجاء ديه فرصة عشان ننتقم لعيلتنا وناخد حقنا ومش هتتكرر ... متنسيش أن أبوكي وعمك كانوا الأحق بأنهم يورثوا المنصب من جدي ربنا يرحمه بس عيلة الصاوي سرقت مننا الحق ده.
نزلت كلماته كحمم من نار على قلبها واستطاع تنمية الحقد في قلبها والرغبة في الانتقام وإنتزاع ما أُخذ من عائلتها لتتنهد وتنظر له بعينين ملتهبتين وهي تردد :
- تمام ... أنا هعمل كده )
** عودة إلى الحاضر.
- أنا جاي اطمن على جوز أختي ألف سلامة عليه !
وقفت نيجار متسمرة من هول المفاجأة ورمشت بعينيها دون استيعاب وهي ترى صفوان يقترب من العمدة وحكمت مغمغما بجدية :
- أنا سمعت بالحادثة امبارح بليل وحبيت اجي اطمن على آدم بس قلت يمكن الوقت مش مناسب واستنيت الصبح يطلع عشان ازوره.
تنهد فاروق بحقد وتحرك ليذهب ويخنقه لكن حكمت أشارت له بعينيها بأن يتوقف ولا يقدم على فعل شيء متهور ثم حادتا نحو هذا الأخير هاتفة بوقار :
- فيك الخير وأهلا بيكم في سرايا الصاوي.
كتم ابتسامة ساخرة واستطرد مدعيا القلق :
- طمنوني آدم عامل ايه عرفتو مين عمل فيه كده أنا مستعد ادور معاكم عشان تلاقوه بسرعة.
حدقت فيه ببرود وأجابته بينما ترى جميلة وسلمى تتكلمان مع نيجار :
- حفيدي بخير ماشاء الله عليه قوي ومبيقعش من حركات الغدر ديه.
تابع العمدة بجدية :
- احنا بندور ع الجاني وهنلاقيه بإذن الله ساعتها محدش هينجده مني هحرص ع انه ياخد آخر أنفاسه بين ايديا.
لم يبدُ على صفوان التأثر بهذا التهديد المبطن كأن الأمر لا يعنيه بل أومأ برأسه بتأكيد مردفا :
- وأنا مع حضرتك اللي عملوه مبيتسكتش عنه ولازم ياخدو جزاتهم عموما انا كمان هتابع الموضوع معاكم يعني مهما كان مابيننا زمان دلوقتي الوضع اختلف وآدم بقى جوز اختي وحاله مش هيهون عليا.
- ربنا يجيب اللي فيه الخير المهم أنا هستأذن منكو وارجع للشغل المتراكم، حمد لله على سلامة آدم هو قوي ولحمه مر متأكد انه هيتحسن بسرعة يلا السلام عليكم.
ودعهم العمدة بهذه العبارات ورحل مع زوجته ليظل البقية في مواجهة بعضهم فتركت نيجار زوجة عمها وسلمى واقتربت من صفوان هامسة بتوتر :
- انت بتعمل ايه هنا امشي اطلع برا.
سمعتها حكمت وتلفظت بنبرة تمتلك من القوة والفطنة الكثير :
- يمشي ليه يابت الشرقاوي معقوله يطلع من غير استقبال واحنا معروف عننا الكرم وحسن الضيافة مهما كانت طينة الضيف.
سرقت دهشة لحظية من عيني صفوان الذي رشقها بنظرات متعجبة من ردة فعلها وهو الذي توقع بأنها ستطرده شر طردٍ ما إن يوليهم العمدة ظهره لكنها على عكس ظنه قابلته حكمت بهدوئها المعتاد وأشارت لهم كي يدخلوا لصالة الإستقبال وكل هذا تحت توجس نيجار واحترازها مما تنوي هذه السيدة فعله.
قدمت لهم الخادمة أصول الضيافة وجلست نيجار جوار زوجة عمها على الأريكة وهمست :
- انتو جيتو ليه بتعملو ايه هنا مش عارفين ان الست ديه مش هتعمل حاجة خير لما تشوفكم قدامها.
تنهدت جميلة مجيبا باِمتعاض :
- صفوان أصر اننا نجي نعمل الواجب بيقول انه مش هو السبب ومحاولش يغتال ابن سلطان بس أنا مقدرتش اصدقه ... قوليلي الحقيقة انتو الاتنين اتفقتو سوا عشان تعملو كده امتى وفين.
توسعت عيناها بدهشة لأنها هي أيضا تظنها الفاعلة وتساءلت بداخلها ان كانت أمها بالرضاعة تنظر اليها بهذا الشكل اذا كيف سيراها آدم وجدته ، زمت شفتيها بضيق وفتحت فمها لتجيب لكن جميلة قاطعتها وهي تهتف بصوت مسموع موجهة كلماتها إلى حكمت :
- آدم بمثابة ولدي ويعلم الله اني مبتمنالوش إلا الخير يا ست هانم انا اتصدمت لما سمعت الخبر خوفت عليه وعلى نيجار بعد ما عرفت انهم كانوا مع بعض ...الحمد لله اللي جت سليمة قدر ولطف.
وافقتها الأخرى الرأي وهي تجلس مقابلة لها تتفحصها بعينيها المكحلتين :
- الحمد لله هي الدنيا كده محدش بيعرف فيها ايه ممكن لي نايم النهارده يصحى بكره وممكن لي صاحي وبيمشي ع رجليه دلوقتي بكره يدخل لقبره.
أصاب تلميحها الهدف المنصوب واضطربت جميلة خوفا وقلقا بينما ابتسم صفوان مرتشفا من كوب الشاي أما سلمى ازدردت لعابها بتوتر متمتمة :
- انا خايفة تحصل حاجة يا نيجار اتصرفي ارجوكي.
رغم ارتجافتها وتصوير عقلها لعدة خيالات كل واحد منها أسوء من الآخر إلا أنها استجمعت قواها مبرطمة بنبرة حاولت أن تقنعها هي قبل إقناع ابنة عمها :
- متقلقيش حسب معرفتي بحكمت هانم هي مش هتعمل حاجة طالما لسه قاعدين جوا بيتها خاصة ان العمدة شافكم وانتو داخلين ... بس مبقدرش اقول نفس الكلام لو خرجتو برا حدود عيلة الصاوي.
هتفت بالجملة المتشائمة دون شعور منها فرفعت سلمى شفتها مهمهمة :
- ريحتيني اوي متشكرة.
تنهدت بإعياء وتمنت لو تستطيع الذهاب إلى آدم الآن والإطمئنان عليه لكنها تعلم بأن حكمت لن تسمح لها وغالبا ستحبسها مجددا بعد مغادرة عائلتها والله وحده يعلم عن أي تراهات ستقولها لحفيدها عند استيقاظه.
بيد أن هذه الأخيرة قطعت سيل شرودها وهي تخبرها بأن تجلب الصينية المتبقية من المطبخ فذهبت سريعا تجهزها وأعطتها لأم محمود لتأخذها بدلا عنها وقالت محدثة نفسها :
- انا هستغل الفرصة واطلع اشوفه ممكن يصحى ويعوز حاجة وميلاقيش حد جمبه.
خطت بسرعة خارج المطبخ وبمجرد تجاوزها العتبة وجدت يدا تسحبها من ذراعها فاِنتفضت ونظرت لصاحبها لتجده صفوان الذي رشقها بنظرات مستهينة مشيرا لها بالصمت وكاد يتحدث لكن حروفه الأولى تجمدت بين شفتيه حين عاجلته نيجار بصفعة قوية أردت وجهه للجهة الأخرى !
أغمض عيناه كاتما شتيمة لاذعة بداخله ثم رشقها بتطليعات جامدة مغمغما :
- ديه تاني مرة بتعمليها.
شدد قبضته عليها وجذبها ناحيته بعنف مستطردا بقتامة :
- وفي المرتين رزعتيني قلم عشان ابن سلطان اللي متلقح ع السرير دلوقتي.
أجابته نيجار بنفس النبرة وهي تحدق في عينيه مباشرة :
- لأنك في المرتين ضحكت عليا وخليتني بيدق بتستعمله لمصالحك في الأول خليتني اضرب آدم بخنجر وانت عارف انه مسموم وهيقتله وولعت في بيته وامبارح ضربتوه بالنار غدر وكنتو هتقتلوه وبردو انا كنت موجودة معاه وممكن يصدق اني اتفقت معاك علشان نقتله ... انت قولتلي انك اتراجعت ومش هتنفذ خطتك بس كدبت عليا.
زفر صفوان بضيق هامسا :
- بس انا بجد معملتش كده ومقربتش ناحيته خالص.
- بطل كدب.
- مش بكدب عليكي لو انا حاولت اقتله فعلا كنت هعترف زي ما اعترفت اول مرة ومأنكرتش بس المرة ديه أنا مليش دعوة فعلا !
برطم بلهجة حاول جعلها مقنعة قدر الإمكان كي تصدقه فاِضطربت نيجار بتشتت ولانت ملامحها قليلا دون أن تتخلى عن الحدة في صوتها وهي تستفهم :
- اومال مين عمل كده غيرك أنت اللي اقترحت نقتله يوم السفرية وفعلا في اليوم ده حاولوا يغتالوه لو مكنش انت هيبقى مين يعني انت عايز تجنني !
- مش انا الوحيد اللي بكرهه يا نيجار لأن في ناس كتيرة كانت بتطمح لمنصب العمدة وبتتمناه لنفسها فـلما سلمه هو لآدم حقدوا عليه وحبو يتخلصو منه.
راقبها صفوان وهي تقطب حاجبيها وتحرك حدقتيها من حولها كعادتها حينما تكون مترددة أو محتارة بشيء ما وأدرك تأثيره على أفكارها حتى لو لم يستطع جعلها تقتنع كليا لكن يكفيه ألا تكرهه وتفقد ثقتها به حين تتأكد من تورطه في محاولة الإغتيال.
فهو لاحظ انها بدأت بالميل ناحية آدم وإن تعلقت به هذه الغبية أكثر لن يكون الأمر بصالح صفوان ولن يقدر على استغلالها ضد عائلة الصاوي نهائيا.
تنفست نيمار بعمق وقد داهمها الصداع فأفلتت نفسها من قبضته مهمهمة :
- مش عارفة افكر كويس ولا اصدقك او اكدبك بس لازم تمشي مع اختك ومرات عمي قبل حكمت ما تعملهم حاجة أما انا هطلع لفوق دلوقتي.
همهم مستهجنا منهت وعقب بسخرية لم يتحكم بها :
- رايحة تطمني على حبيب القلب وتؤدي واجباتك الزوجية مش كده بس تصدقي دور الزوجة ده لايق عليكي اوي.
مطت شفتيها وتأففت وهي تتركه لتصعد إلا أنهما استمعت لصوت حكمت الصادر فجأة وهي تسأله بجمود :
- خير انت ضيعت طريق الحمام ولا ايه.
التف لها ورآها واقفة تحدق بهما بينما تقرع بعصاها عدة مرات على الأرض ليجيب :
- أيوة ونيجار كانت بتوريهولي ... بيتكم كبير اوي والواحد بيضيع جواه.
- علشان كده ملازمش يدخل في متاهة فاكرها سهلة ويضيع نفسه فيها.
اكتفت بالرد عليه بجملة مبهمة فهمها صفوان وأومأ مبتسما باِصفرار قبل أن يستأذن ويأخذ عائلته مغادرا.
وحين كاد يفتح باب سيارته قابله فاروق مطالعا إياه بغل واضح فتنحنح الآخر مستفهما :
- خير انت جاي لهنا ليه.
رد عليه مباشرة ودون أن يرمش :
- بتعمل جريمتك وبتجي بعدها تلعب دور الانسان الصالح عشان محدش يشك فيك، لعبة رخيصة بس جديدة عليك احسن من الهرب زي عوايدك، وعموما ده آخرك انك تستنى خصمك يغفل وتضربه من ورا ظهره وتجري تتخبى.
استمع له بصمت ثم لعق شفته السفلية وعاد يغلق باب السيارة مقتربا من فاروق بخطوات هادئة حتى وصل إليه وتنهد مرددا :
- تعرف ايه هي اكبر مشكلة بتصادف بعض الناس انهم مبيعرفوش حدودهم اللي مينفعش يتجاوزوها يعني الواحد منهم اول ما يلاقي شخص أعلى منه عامله معاملة زي البني ادمين بيقوم يصدق نفسه وينسى مستواه الحقيقي لا وبيفكر انه خلاص بقى واحد من الأسياد وده كله ليه ؟
لأن سيده قعده معاه ع نفس السفرة بس الحق على ابن سلطان لأنه بيحب يلعب دور الحنين لي مبيفرقش بين الخدام و البيه واهي النتيجة.
تشدق بألفاظ مهينة قصد تجريده من كرامته وإظهار قيمته الحقيقية له بَيد أن فاروق الذي لطالما عُرف بصلابته لم يتأثر قيد أنملة بل اكتسبت ملامحه الجمود وهو يرد عليه بكلمات موجزة :
- ملهاش دعوة بالمستويات يا "بيه" لأن في ناس مهما تغطت بالدهب هيفضل معدنها رخيص وميسواش قرش واحد وحضرتك أدرى.
ضربت جملته صميم صفوان الذي اتسعت عيناه بنقمة وأوشك على مهاجمته لكن فاروق لم يمهمله الفرصة حيث ألقى عليه نظرة مستهينة وتركه فشتمه بصوت منخفض هامسا :
- هيجي يومك انت كمان يا كلب عيلة الصاوي وساعتها هتعرف كويس مين اللي معدنه رخيص ومين لي معدنه غالي.
***
بمجرد مغادرتهم وقفت نيجار أمام حكمت وتشدقت بجدية :
- بما أنك بتقولي ع صفوان انه هو لي حاول يقتل آدم يبقى ايه لازمة تستقبليه في البيت من شويا.
- انتي هتقوليلي اعمل ايه في بيتي ؟
- لا خالص بس أنا مش فاهمة حضرتك بتعملي ايه بالضبط من ناحية بتهددي وتتوعدي ومن ناحية تانية بتستقبلي أعدائك وبتعامليهم كويس ولا كأنهم احبابك انتي بتخططي لـ ايه.
تساءلت نيجار بحيرة حقيقية فهي لحد الآن لا تفهم تصرفات السيدة ولا تستوعب هذه الدبلوماسية التي تتصرف بها ومدى قدرتها على التحكم في غضبها وحقدها ناحية أشخاص محددين.
لقد كانت تتوعد لها ولعائلتها البارحة فقط وحين رأتهم أمامها اعتقدت بأن الحرب ستشن في تلك الدقيقة إلا أن حكمت نجحت في ادهاشها ككل مرة وجعلتها تستغرب من شخصيتها الداهية وبذات الوقت تفاقم احترازها منها لكونها لا تقدر على توقع حركتها المستقبلية.
بينما ناظرتها الأخرى ببرود وأوشكت على التكلم لكن ليلى التي استيقظت بعد نومها المتأخر بسبب بقائها ساهرة طوال الليل وقفت أعلى السلم وصرخت بعصبية عند رؤيتها للمرأة التي خدعت شقيقها وطعنته :
- الخاينة ديه بتعمل ايه هنا !
نزلت ركضا وحاولت التهجم عليها فمنعتها حكمت لكنها لم تصمت وتابعت بينما تتململ بين يدي جدتها كي تتحرر :
- وكمان كان ليكي عين تبصي في وشنا وتتعاملي بشكل طبيعي ودلوقتي واقفة هنا ولا كأنك السبب في اللي حصل لأخويا.
هدرت حكمت بهدوء :
- كفاية يا ليلى.
تنهدت نيجار وقالت معترضة :
- معملتش لآدم حاجة ايوة غلطت من قبل وأذيته بس بجد المرة ديه مليش دعوة باللي حصل.
- انتي لسه بتتكلمي اخرسي !
صلحت ليلى بهياج متابعة :
- وانا اللي كنت مضايقة لأن تيتا بتعاملك بالطريقة ديه وصعبتي عليا دلوقتي عرفت ان عندها حق واللي عملته فيكي قليل أصلا لأن اللي زيك بتستاهل تموت ياريت اتحرقتي مع صورك والزبالة بتاعتك في اليوم إياه.
أظلمت عينا نيجار وتوحشت ملامحها بإستنفار للكلمات التي أُلقيت عليها فهمَّت برد الصاع صاعين لها إلا أنها توقفت مكانها مستدركة بأن لليلى الحق الكامل فيما تفعله وتقوله لا بد أن حكمت أخبرتها بالحقائق وهاهي أصبحت تكرهها مثل البقية.
بقيت صامتة تنتظر سكون موجة الغضب هذه حتى صرخت الجدة بصرامة :
- قولت كفاية يا ليلى أنا عارفة كويس انتي حاسة بـ ايه دلوقتي ومش هتكرهي البت ديه أكتر مني بس استني لحد ما اخوكي يصحى وهو هيعمل شغله معاها احنا كده كده مش هنسيب عيلة الشرقاوي متهنية ولا هنسكت عن حقنا.
زفرت نيجار بإعياء مفاجئ هادرة :
- أنا قولت اني مليش دعوة ومتفقتش مع حد عشان اؤذي آدم انا زيي زيكم اتفاجأت من الهجوم وخوفت لما لقيته واقع قدامي.
التفت حكمت وغمغمت بحدة :
- مادام ملكيش دعوة يبقى انتي كنتي واقفة مع ابن عمك بتعملي ايه فليلة العزيمة واتكلمتوا فـ ايه بالظبط واشمعنا حفيدي اتصاب مباشرة بعد ما انا اتصلت بيه وقولتله ع لقائكم.
اضطربت وتلكأت في وقفتها متوترة وهى ترى الأخرى تواجهها بالسؤال مباشرة وقد أدركت أن آدم علم من جدته بشأن اللقاء وغضب منها لهذا السبب فرمشت بعينيها مبرطمة :
- آدم أوْلى بالرد هطلع لفوق واستناه لحد ما يصحى واحكيله ع كل حاجة بنفسي.
سخرت منها حكمت معقبة :
- ايه الذكاء ده هو انتي فاكرة هسمحلك تشوفيه أصلا ... في أحلامك.
أشارت للغفير بحركة من اصبعها ففهمها وسحب نيجار للغرفة التي كانت بها وأغلق عليها لتصرخ بخنق وتضرب الباب عدة مرات بعصبية حتى وهنت ساقاها وأصبحتا كخيط من الهلام الرفيع وعجزت عن الوقوف أكثر فجلست على الأرضية الصلبة وغفت دون شعور منها ...
________________
فتح عيناه المثقلتان بصعوبة استجابة لتلك الضوضاء المحيطة به وقد انتشلته من إغمائه ... ألم ضاري هتك بالجزء الأيسر منه وتعسرت له أنفاسه ثم ذكرى باهتة استنار بها عقله قبل أن تشتد الضجة ويصله صوت رجولي يهتف بلهفة :
- آدم بيه صحي.
تأوه رازحا تحت عمق الألم المستمد من ظهره فظهر له وجه جدته من خلف أغشية عينيه التي بدأت تنقشع شيئا فشيئا وهدهده صوتها الرخيم :
- ابن الغالي انت كويس يا حفيدي حاسس بـ ايه ؟
- ستي.
تأوه مجددا وهو يميل على جانبه الأيمن ورفع يده يتحسس موضع الألم الصادر من خلف كتفه الأخرى فاِندهش حين تلمس الشاش الذي غلفها وامتد لغاية صدره ملتفا حول ظهره أيضا فهمس بتحشرج :
- ايه اللي حصل وليه ...
وانقطعت كلماته عندما هاجمته الذكريات واحدة تلوَ الأخرى بداية من سفره ثم ذهابه لمكان منعزل نسبيا عن القرية ... شجاره وصراخه عليها ... ثم سهم من نار يغرزه من الخلف ويوقعه أرضا ... وأخيرا استسلامه للموجة السوداء مستمعا لصراخها بإسمه ودموعها المنسكبة على وجهه ...
انتفض بتفاجؤ وقبل أن يبدأ بالسؤال وجد نفسه يغمر في حضن شقيقته الباكية التي كانت تقبله مرددة عبارات الشكر لأنه استيقظ فاِبتسم بصعوبة ومد يده يمسح دموعها هاتفا بصوت خفيض :
- انا كويس يا حبيبتي ... متعيطيش كده.
- حمد لله على السلامة يا آدم بيه ... حضرتك اتعرضت لهجوم و حد ضربك بالنار بس كويس ان الرصاصة مصابتش القلب.
قالها فاروق بعدما رأى الحيرة تكتسي ملامحه لينظر إليه الآخر متسائلا :
- لقيتو اللي عمل كده.
أجابت جدته هذه المرة :
- ملقيناهوش بس احنا عارفين كويس مين اللي خطط لقتلك.
أغمض عيناه بشدة مدركا قصدها ونطق إسمها دون شعور فاِمتقع وجه ليلى عند ذكرها وتمتمت بكره أهوج :
- الحقيرة ديه هي السبب في اللي حصلك يا ابيه هي حاولت تقتلك لتاني مرة وانت لازم تخلص عليها.
لم يجب عليها واكتفى بالشرود فحمحمت حكمت متمتمة :
- الكلام ده مش وقته سيبي أخوكي يرتاح وهنبقى نتكلم في المواضيع ديه بعدين.
أومأت موافقة على مضض ودلك آدم جبينه مرددا :
- انا نايم من امتى.
- من امبارح المسا الطبيب حقنك بمنوم قوي عشان تقدر تنام من غير وجع.
- وهي فين دلوقتي ؟
- في القبو.
سأل عن مكان نيجار وأخبره فاروق محترزا ليزفر آدم ويطلب منهم تركه يرتاح لأنه متعب وهذه لم تكن الحقيقة بالطبع لكنه كان يريد البقاء بمفرده وبمجرد خروجهم طحن ضروسه بغضب أهوج واشتعل قلبه حقدا إتجاهها وهمس :
- رجعتي عملتيها تاني رجعتي تطعنيني وانتي باصة في عينيا يعني بليل نايمة في حضني والصبح بتتفقي مع عدوي عشان تقتلوني انتي جنس ملتك ايه بالضبط عمري ما شوفت أسوء منك بس المرة ديه مش هفكر في منصب ولا اسم المرة ديه هاخد بتاري منك انتي والـ*** ابن عمك.
** بعد مرور ساعات.
أبعد صينية الطعام التي أجبرته جدته على إنهائها ووقف أمام المرآة محاولا وضع دعامة الكتف بنفسه لكن الألم صاحبه مجددا وهنا طُرق الباب ودلفت حكمت لتهتف باِستهجان حين رأت ما يفعله :
- انت بتعمل ايه المفروض تكون ع فرشتك دلوقتي.
أجابها بعدم اكتراث وهو لا يزال يحاول تركيب الدعامة :
- مش كفاية فضلت نايم من امبارح متعودتش افضل قاعد في الاوضة لوقت طويل كده وبعدين لازم افوق وأحاسب كل واحد اتسبب في حالتي ديه عشان يعرفو انه مش سهل حد يلعب مع آدم الصاوي.
تنهدت ودنت منه لتساعده بينما يتابع هو ببغض :
- كل لما افتكر اني اتصبت مرتين من الحيوان ابن الشرقاوي بحس دمي بيتحرق وبيزيد حقدي عليهم غدر بيا من تاني بدل ما يواجهني راجل لراجل بس هو ده طبع صفوان طول عمره جبان وبلا شرف لكن أنا هوريه العداوة الحقيقية بتبقى عاملة ازاي.
حدقت فيه حكمت مباشرة ورددت بنبرة جادة :
- متتهورش دلوقتي وتقلب الموضوع علينا خلينا نلاقي دليل الأول ونوريه للعمدة.
- لسه هستنى دليل ماهو واضح ان صفوان ورا اللي حصل ومش بعيد يكون بيخطط ازاي يهرب دلوقتي أساسا من كتر حقده عليا هيجي يتفاخر بجريمته قدامي.
- للأسف صفوان عرف يتصرف المرة ديه ومأظهرش خوفه ولا حقده ده كان عندنا النهارده الصبح وقت جه العمدة عشان يطمن عليك.
- نعم ؟ مش فاهم مين اللي كان عندنا ؟!
صاح آدم بصدمة وذهول غير مصدق لما يسمعه وظهرت بوادر الجنون على وجهه وهو يتخيل بأن أكثر وغد لي الحياة وطأ بيته بقدمه النجسة فتصلب جسده واحمرت عيناه بعصبية مغمغما :
- حضرتك مستوعبة بتقولي ايه ازاي تسمحوله يدخل وأنا متلقح ع السرير ومش قادر أقوم هو جه يعمل ايه وقالكم ايه !
قابلت إنفعاله بجمود وأجابته :
- جه ع أساس يزورك ويطمن على حالتك وقال ايه مصدوم من محاولة الإغتيال ومستعد يدور معانا ع الجاني.
- مضربتيهوش برصاصة في نص دماغه ليه أو على الأقل كنتو كسرتو عظامه الواطي !
- وهو ده اللي صفوان خططله كان عايز يظهر نفسه بريء وبيعمل الواجب ويطلعنا احنا الوحشين اللوم يتحط علينا وقت نهاجمه خاصة قدام العمدة وأنا فهمت نواياه من أول نظرة وعرفت اتصرف.
أسكتته بمنطقيتها ووجهة نظرها التي دائما ما تكون صحيحة فزفر بخنق متمنيا لو قام بقطع قدمي ذاك الوغد قبل أن يدوس عتبة الباب فهو لا يصدق أن الأحمق أصبح ذكيا ويجيد التلاعب مع كافة الأطراف من أخبره بلعب هذا الدور ومن يساعده في تحقيق مراده ... ترجم دواخله على شكل سؤال همسه بصوت منخفض فسمعته حكمت وقالت :
- فعلا الأفكار ديه غريبة ع صفوان يعني امتى لحق يخطط وينفذ ويعمل خطة احتياطية ولا كأن في حاجة توقفه واضح أن اللي بيساعده واحد ذكي وعارف طبيعة عيلتنا.
- قصدك ع نيجار صح.
تلفظ إسمها بنبرة قاتمة وتابع بشرود بعدما أفلتته جدته، وهو يتذكر انهيار نيجار حين أصيب :
- مش عارف اذا فعلا هي اتفقت مع ابن عمها ولا لأ حاسس بالشك في الموضوع ده.
- وشكك ده نابع من ثقة فيها ؟
هز رأسه نافيا على الفور :
- طبعا لأ انا مبثقش فيها ومتوقع الغدر منها في أي لحظة بس يعني ... لو صفوان متفق معاها يبقى كانت هتساعده فـ ايه بالضبط ديه محاولتش توديني لمكان من نفسها أو تخليني اغفل ومشوفش مين واقف ورايا على العكس كانت طول الوقت قاعدة مع الست أم جميل بعيد عني وأنا اللي قررت اروح للأرض في الوقت ده مش هي خدتني ليها.
وقفت حكمت تدقق في كلماته ولم تستطع للحظة معرفة إن كان تحليل آدم الآن نابعا من التفكير بمنطقية حقا أو أن قلبه بدأ بالخفقان نحو تلك الخبيثة مجددا ولهذا هو يدافع عنها.
كزت على أسنانها بعصبية لم تبينها ووجدت طريقة واحدة للتأكد مما تود معرفته فحمحمت وهتفت برصانة :
- اه ممكن ليه لأ اينعم صحيح بت الشرقاوي كانت واقفة مع صفوان لوحدهم في بيت العمدة والاتنين خايفين من ان حد يشوفهم بس ممكن كان بيطمن عليها ولا بيتكلموا في اي حاجة تانية.
حتى لما وقف معاها النهارده الصبح وكان بيقولها انه استأجر واحد ينفذ المهمة وطلب منها تساعده بس معتقدش أنه الموضوع بيخصك.
اتسعت عيناه بذهول واستنفرت حواسه مستجيبة للحديث الذي يسمعه فنظر لها مبرطما بعنهجية :
- وقف معاها امتى وقالها ايه ؟؟
ابتسمت بداخلها لنجاح خطتها ومع ذلك أخفت إحساسها وقالت بتلبد مصطنع :
- زي ما سمعت مني انا مسكتهم بالجرم المشهود ولو مش مصدق جدتك روح اسأل البنت ديه وهنشوف لو عندها الجرأة تنكر كلامي، ومع ذلك انت لو لسه مش مصدق أو عايز تغض نظر وتتجاهل عملتها اعمل نفسك مسمعتنيش.
ولم يسمع آخر جملتها فعلا ليس لأنه لا يود تصديقها بل لأنه خطف المسدس الموضوع على المنضدة وضرب طرفه على ركبته كي يثبت السلاح على وضع الإطلاق ثم انزاح عن مكانه ونهب الخطوات نهبا نحو الخارج تاركا إياها تبتسم بمكر شعَّ من عينيها ...
هبط آدم على السلالم وهو يشعر بالشياطين تدور حوله وقلبه يختض بعنف سافر مقسما على أخذ حقه هذه المرة ...
حينها وصل للغرفة المنشودة وركل الباب فرآها تستقيم واقفة بعدما كانت تجلس وارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهها لم تكتمل لأن آدم أشهر سلاحه ضدها ...
وبعد دقائق سمع سكان السرايا صوت إنطلاق الرصاصة وهي تشق الجو من قوتها !!
_______________
ستوووب انتهى البارت
رايكم بوحهة نظر حكمت وهل فعلا عرفت تتصرف وقت زيارة صفوان
ياترى آدم هيصدق فعلا ان نيجار مشتركة مع ابن عمها في محاولة قتله ؟
واخيرا تتوقعوا حصل ايه بين ادم ونيجار الرصاصة صابت مين منهم
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺