رواية في قبضة الاقدار القبضة الأولى والثانية والثالثة بقلم نورهان آل عشري حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

 رواية في قبضة الاقدار القبضة الأولى والثانية والثالثة بقلم نورهان آل عشري حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


رواية في قبضة الاقدار القبضة الأولى والثانية والثالثة بقلم نورهان آل عشري حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


بمثل هذا الوقت من العام الماضي في إحدى ليالي كانون الباردة هُزِمت إحداهن أمام كلمات دافئه أغتالت برودة قلبها فأذابته و أضرمت النيران بأوردتها و التي سُرعان ما أخمدتها لوعه الفُراق لتترُك خلفها بقايا حُطام إمرأة أقسمت على نُكران العشق طيله حياتها .


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


كُلما كانت ذاكرة الإنسان قويه كُلما كانت حياته أصعب بكثير و في قانون العقل كل الأشياء قابله للنسيان ماعدا الشئ الوحيد الذي تود نسيانه .

أخرجت تنهيدة حارة من جوفها و هي تقف أمام شرفه مطبخها تُراقب نزول المطر الذي كان ينهمر بشدة في الخارج . كم كان ذلك المنظر من أهم مسببات السعادة بحياتها و الآن اصبح لا يجلب لها سوي تعاسه كبيرة ممزوجه بألم قاتل يستقر بمنتصف قلبها الذي و بعد مرور أربع سنوات علي فاجعته الكبري لايزال ينتفض وجعًا حين يتحسس أي شئ و لو بسيط يُعيد إليه ذكرياته الرائعة المُشبعه بمرارة قاتله لازالت عالقه بحلقها للآن .. 


أخيرًا استطاعت أن تتخلص من سطوة ذلك العذاب الذي يتجلى بوضوح في عيناها و أغلقت الستار متوجهه إلي الثلاجه التي تتوسط ذلك المطبخ المستدير المترف إلى حد ما و قامت بإخراج ما تحتاجه لإعداد وجبة طعام ساخنه تُدفئ جوفها في هذا الليله شديدة البرودة كـ ليالي كانون المعتادة و التي كانت ذات يوم تحمل الدفء الى قلبها الذي كان غارقًا بالعشق حتي أذنيه و ها هي الآن تدفع ثمن حماقته ...


زفرت بحدة و كأنها تنازع لتُخِرج وجعها بذرات ثاني أكسيد الكربون و شرعت في عملها الذي أتمته بعد عشرون دقيقه ثم توجهت إلي غرفه شقيقتها و طرقت عدة طرقات علي الباب فلم يأتيها رد فقامت بفتح الباب بهدوء لتجدها نائمه كالعادة فتسللت مخالب الندم إلي قلبها لتقرضها من الداخل علي ذلك الذنب الذي اقترفته بحق شقيقتها و عادت بذكرياتها للأسبوع الفائت 


عودة إلى وقت سابق 


كانت جالسه علي أحد المقاعد بشموخ في ذلك البهو الكبير تنتظر الميعاد الذي جاهدت أسبوعًا كاملًا حتى تحصل عليه و ها هو يأتي بمنتصف اليوم و هي في عملها لتهاتفها تلك الفتاة بلهجه صلفة تخبرها بأن موعدها مع السيد سيكون بعد خمسة و أربعين دقيقة و ألا تتأخر فاضطرت إلى ترك عملها ومهرولة إلى ذلك الصرح الكبير الذي كان يثير في نفسها التوتر الذي قُلما يظهر عليها و لكنه كان نابع من السبب المحرج في كونها تود مقابلة ذلك السيد الذي كان الوصول إليه شاقًا و كأنه أحد رموز الدوله أو أحد المشاهير . 


فجأة طرأ على بالها صورته التي تخيلته عليها من حديث أخاه عنه. عجوز، بدين, أصلع، قصير القامه، سمج، لا يفقه شئ في هذه الحياة سوي جمع الأموال فقط . 


كم يثير نفورها و إشمئزازها هؤلاء الأشخاص الذين هم على شاكلته ! و تتمنى من الله أن يمُر موعدها معه علي خير و أن تجد عنده من التعقل ما يجعله يستمع إلي حديثها أو بالأحرى طلبها كي تعود حياتهم هادئه من جديد ..


بلغ توترها ذروته حين أخبرتها الفتاة بأنه ينتظرها فسحبت نفسًا عميقًا إلى رئتيها قبل أن تنهض متوجهه إلى حيث أشارت عليها الفتاة و ما أن دخلت حتي لفت انتباهها المكتب الأنيق الذي يتمتع بذوق رجولي جذاب بتلك المقاعد الجلديه ذات اللون البني يتوسطهم منضده دائريه وضعت فوقها مزهرية بها بعض الزهور الجميله .

كان هذا أول ما رأته حين دلفت إلى الداخل لتجد على يمينها مكتب ضخم و لكنه أنيق و عصري أمامه مقعدين تتوسطهم منضدة صغيرة و خلفهم كان مقعد السيد المنشود و الذي كان يعطيها ظهره مما جعلها تتقدم خطوتين إلى الداخل و قد كانت خطواتها هادئه لا تعكس توترها الذي كان يزداد مع مرور الوقت خاصةً و أن ذلك المتعجرف لا يزال يعطيها ظهره مما جعلها تسخر داخلها قائله 

" هيا أرنا وسامتك أيها السيد المغرور !"


بدأ شبح إبتسامه ساخرة في الظهور على جانب شفتيها و لكنها تجمدت فورًا ما أن دار الكرسي ليواجهها لتجد نفسها أمام أوسم رجل قد رأته بحياتها !

شعر أسود حريري لامع مصفف بأناقه ملامح رجوليه جذابه، عينان ثاقبه، أنف مستقيم، شفاه غليظه، ذقن منحوت ببراعه لحيه كثيفه نوعًا . كانت ملامحه تضج بالرجوله مُحاطه بهاله من الهيبه و الثقه اكتسبها من سنوات عمره الاربعين و جعلت ثباتها يتلاشي شيئًا فشيئًا إلى أن أتتها نبره صوته العميقه لتُكمِل صورتة الرائعه حين قال و هو ينظر إلى أسمها المدون أمامه

" أنسه فرح عمران . "


لا تعلم لما شعرت بشئ من السخريه في حديثه و إنعكس على نظراته التي بدت و كأنها تُقيمها و قد حمدت ربها كثيراً بأنها كانت ترتدي ثياب العمل الرسميه المكونه من تنوره سوداء تصل إلى أسفل ركبتيها و فوقها قميص من الستان الأزرق و جاكت من نفس لون التنورة و قد كانت تعكص شعرها فوق رأسها علي هيئه كعكه منمقه فلا تترك الحريه لخصله واحده منه في الهرب. كان هذا المظهر يعطيها وقارًا تحتاجه كثيرًا و خاصةً الآن لمواجهه تلك الهيبه التي أمامها .

واصلت التقدم الي أن وقفت أمامه مباشرةً ثم قالت بهدوء 

" أهلًا بحضرتك يا سالم بيه "


هز رأسه ثم قال بإختصار

" أتفضلي "

أشار إليها لتجلس علي المقعد أمامها فأطاعته بصمت و قد كانت عيناه مسلطه عليها بطريقه أربكتها قليلًا و لكنها تجاهلت ذلك و حاولت التركيز على ما أتت لأجله فرفعت عيناها إليه فوجدته يومئ برأسه بمعني أن تبدأ في الحديث فتحمحمت بخفوت و إحتارت كيف تبدأ فوجدت نفسها تقول بخفوت 


" بصراحه في موضوع مهم كنت حابه أتكلم فيه مع حضرتك "

لم تتغير ملامحه إنما تخللت السخريه نبرته حين قال 


" أنا كمان عايز أعرف يا ترى إيه الموضوع الخاص اللي بيربطنا ! "


حل محل التوتر شعور بالغضب الممزوج بالخجل فهي حين سألتها مديرة مكتبه عن سبب طلبها لرؤيته أجابتها بإختصار موضوع خاص و كررت تلك الإجابه على مسامعها طوال الأسبوع المنصرم .

تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بنبرة ثابته 

" في الحقيقه هو فعلًا موضوع خاص ."


قاطعها دلوف مديرة مكتبه لتسمعه يخبرها بأن تحضر لها عصير ليمون و تحضر قهوته المعتادة . ثوان و التفت اليها قائلًا 

" معاكِ . قولتيلي موضوع خاص !" 


إغتاظت من تكراره تلك الكلمه و كأنه يسخر منها لذا شدت ظهرها و أستقامت أكثر في جلستها و قالت بنبرة قويه 


" المقصود هنا بموضوع خاص أنه يخص ناس تهمنا . و اللي هما حازم أخوك و جنة أختي !"


قالت جملتها الأخيرة على مهل و هي تُراقِب تبدل ملامحه من السخريه إلى الترقب و لكن لهجته بدت هادئه و هو يقول بإختصار 

" كملي .."


أخذت نفسًا قويًا قبل أن تقول بلهجه قويه 

" بصراحه أنا عيزاك تبعد حازم أخوك عن جنة أختي !"

سالم بلهجه خشنه 

" أنسه فرح ياريت توضحي أكتر ؟"


أومأت برأسها قبل أن تقول بنبرة قويه 

" تمام . بإختصار حازم و جنه مرتبطين ببعض بقالهم فترة. في البدايه أنا كنت مفكراها مجرد علاقه زماله لكن أكتشفت بعد كدا أنهم بيحبوا بعض . و بصراحه أنا غير راضيه عن العلاقه دي . و كمان أختي لسه صغيرة "


سالم بتهكم

" و الصغيرة دي عندها كام سنه ؟"

أهتزت عيناها قليلًا قبل أن تقول بهدوء

" ٢١ سنه "


رفع سالم إحدى حاجبيه قبل أن يقول بسخريه مُبطنه 

" واضح أنها صغيره فعلًا ! أقدر اعرف إيه سبب رفضك لعلاقتهم ؟"


ناظرته و هي تشعر بالغضب من ملامحه الجامدة و التي لا يبدو عليها أي شيء و لهجته الباردة و كأنها تخبره عن أحوال الطقس و لكنها تجاهلت ذلك كله و قالت بلهجه جافه 


" عشان أخوك مش مناسب لأختي "


سالم بتهكم 

" حازم الوزان مش مناسب لأختك ! "

شعرت فرح بالمعنى المبطن لكلماته فقالت مؤكده على كل حرف تفوهت به 

" بالظبط كدا . "


لاحت إبتسامه ساخرة على شفتيه قبل أن يقول بتسليه 

" طب ما تقولي الكلام دا ليها ! جايه تقوليهولي ليه "


شعرت فرح بالتسليه في حديثه لذا قالت بجفاء 

" ماهو لو الموضوع بالبساطة دي أكيد مكنتش هتعب نفسي و آجي أقابلك و أطلب منك تبعده عنها ، و خصوصا إني طلبت منه دا و هو ملتزمش بوعده معايا "


سالم بإستهجان

" أنتِ بتشوفيه ؟"

ذلك الرجل كان يُثير بداخلها شعور عارم من الحنق لا تعلم سببه و لكنها أرادت أن تعكر صفو ملامحه الجامدة لذا قالت بهدوء و تشفي 

" شفته مره واحده لما كان جاي يطلب إيدها مني !"


بالفعل و كما توقعت تغيرت كل ملامحه و إنمحت نظراته الساخرة و رأت بعضًا من الدهشه الممزوجه بالغضب الذي جعله يقول بهسيس خشن 

" يطلبها منك ! "


فرح بتأكيد 

"آه. جه طلبها مني من حوالي شهر و أنا رفضت و طلبت منه يبعد عنها و هو وعدني بدا و بعد كدا أكتشفت أنه ملتزمش بوعده معايا ."


في البدايه كان مصدومًا من حديثها و لكن سرعان ما إنمحت الصدمه و حل محلها غضب كبير نجح في إخفاؤه و قد وصل إلى نتيجتين إما أن أخاه قد جُن ليفعل فعلته النكراء تلك ام أن هذه الفتاة تكذب و سوف يكتشف هذا الآن لذا قال بنبرة قويه 


" اقدر اعرف إيه سبب رفضك لواحد زي حازم ؟ يعني عريس ميترفضش وسيم غني إبن ناس "


فرح بإتزان 

" مش عايزة أكون قليله الذوق بس المميزات اللي حضرتك قولتها دي أسبابي لرفضه و تحديدًا أنه إبن ناس . لإني عارفه أن الناس دي أكيد عايزين عروسه لابنهم تكون من نفس مستواهم الاجتماعي. و إحنا أقصد والدي الله يرحمه كان موظف يعني ظروفنا مهما كانت كويسه بس بردو علي قدنا !"


سالم ساخرًا

" ما يمكن دي وجهة نظرك إنتِ بس !"

فرح بعدم فهم 

" مفهمتش تقصد إيه ؟"


سالم بلهجه فظه 

" ممكن إنتِ شايفه أن حياتكوا كويسه بس أختك لا . و مش عاحبها حياتها فحبت تغيرها للأحسن بإرتباطها بحازم."


تملكها غضب جارف حين إستشعرت الإهانه بين كلماته و أنه يظن بأن اختها صائدة ثروات لذا قالت بلهجه قويه 

" سالم بيه أنا مسمحلكش . أختي مش من النوع دا . جنه قنوعه جدًا و إن كانت متعلقه بحازم فعشان راسملها دور العاشق الولهان و هي بحكم أنها لسه صغيرة و مراهقه متعلقه بيه و مش شايفه غيره "


توقعت منه كل شئ إلا هذا السؤال المُباغت حين قال بلهجه صلفه

" أنسه فرح إنتِ مخطوبه ؟؟"


إرتبكت لثوان و لم تفهم ما المغزى من سؤاله المباغت و لم تسنح لها الفرصه للتفكير فأجابت بعفويه 

" لا . "

إرتسمت إبتسامه ساخرة على شفتيه قبل أن يهز رأسه قائلًا بتهكم

" كدا أنا فهمت !"


كانت نظاراتها الطبيه تخفي عنه ذلك الصراع الذي يدور بداخلها فقد أربكتها كلماته و لم تعرف إلى ماذا يرمي فظلت نظراتها مثبته عليه لثوان قبل أن تضيئ عقلها فكرة جعلت الغضب يسري بأوردتها من ذلك المتعجرف البارد المغرور مما جعلها تقول بلهجه حادة بعض الشئ 

" ممكن اعرف إيه اللي أنت فهمته بالظبط ؟ و إيه دخل إني مخطوبه أو لا في موضوعنا ؟"


كانت عيناه مثبته عليها تتلقفان كل حركه تصدر منها و كأنه يريد الغوص إلى داخلها حتي يعلم ماذا تخبئ خلف تلك القضبان الزجاجيه لنظارتها التي تحتمي بها و لكنه بالأخير أخذ نفسًا طويلًا قبل أن يقول بسلاسه

" يعني لما أختك الصغيرة يتقدملها واحد زي حازم و يكون بيحبها أوي كدا أكيد من جواكِ هتقولي طب إشمعنا أنا ؟!


للحظه لم تستوعب حديثه و ظلت تناظره بصدمه لم يتأثر لها إنما تابع قائلًا بهدوء


"على فكرة أنا مقصدش إنك حد وحش بس أعتقد إن الغيرة شعور طبيعي عند كل الستات !


شعرت و كأن دلو من الماء قد سقط فوق رأسها حين القي بعباراته الجافه على مسامعها فهبت من مقعدها و قد اخترقت كلماته المُهينه كبريائها و قالت من بين أنفاسها المتلاحقه


" عندك يا سالم بيه . لحد هنا و كفايه اوي . أنا لما لجأتلك كان عشان تساعدني أوقف وضع بالنسبالي مش مظبوط . حازم شخص مستهتر و دا بحكم سنه وأكيد انت عارف كدا و جنة اللي بتقول إني بغير منها دي تبقي بنتي الصغيرة قبل ما تكون أختي أنا اللي مربياها من و هي عندها عشر سنين بعد وفاة والدتي . و جه بعدها والدي توفي و هي عندها يدوب سبعتاشر سنه و أنا المسؤوله عنها و واجبي إني أحميها لما ألاقي في خطر حواليها ، و عشان كدا أتجبرت إني أعمل كل دا و أقابلك و كنت اتمني إني الاقي منك دعم لإن الوضع كله مرفوض . بس يظهر إني غلطت لما جيتلك . "


ألقت بكلماتها ثم استدارت بكبرياء للخلف تنوي المغادرة و لكن أتتها كلماته الآمره و لهجته الصارمه فجمدتها في مكانها 

" أستني عندك !"

جفلت من لهجته و حبست أنفاسها حتي أنها لم تشعر به حين توقف خلفها و هو يقول بخشونه 

" لما تكوني بتكلمي سالم الوزان أوعي أبدًا تديله ضهرك . فاهمه! "


لا تعلم متي إستدارت تناظره بذهول ذلك المتعجرف من يظن نفسه حتي يصرخ عليها بتلك الطريقه ؟ هل يظنها أحد رعاياه أو خادمه تعمل عنده ؟ إشتعلت نيران غضبها مرة ثانيه ما أن همت أن تُلقنه درسًا لن ينساه حتى باغتها سؤاله حين قال بلهجه هادئه تُنافي لهجته منذ قليل 

" هي أختك جنه شبهك ؟" 


للحظه نست وقاحته و أجابت بعفويه 

" آه شويه . بس ليه ؟"

ظهرت إبتسامه جانبيه على شفتيه حين تمام بخفوت

" حازم طلع بيفهم . أهي حاجه تشفعله ."


تحولت نيران غضبها بلحظه إلى خجل كبير غمر ملامحها و تجلي في إحمرار وجنتيها و لم تستطيع إجابته و لكنه فاجأها حين توجه مرة ثانيه خلف مكتبه و هو يقول بعمليه 

" أتفضلي مكانك يا آنسه فرح . موضوعنا لسه مخلصش ."


أعادتها كلماته إلى موقفها السابق فرفعت رأسها بعنفوان و هي تقول بلهجه جافه

" أعتقد إن معدش في حاجه تانيه ممكن تتقال أنا شرحتلك الموضوع كله و دا اللي كنت جايه عشانه "

سالم بغموض 

" و مش عايزة تعرفي رأيي ؟"

نجح في جذب انتباهها و جعلها تشعر بالفضول لذا أجابت بلهجه حاولت جعلها ثابته 

" ياريت "

أجابها بهدوء جليدي 

" رأيي إنك مديه الموضوع أكبر من حجمه ! "


فرح بإستهجان

" بمعني ؟"


سالم على نفس هدوئه

" حازم شاب و علاقاته كتير و معتقدش إن أختك حد مميز بالنسباله ، و هي زي ما قولتلك ممكن كانت عايزة تحسن من حياتها عشان كدا فكرت ترتبط بحازم . "


ثانيه . إثنان . ثلاثه مروا و لم تتغير ملامحها و ظلت تناظره بغضب و شعرت في تلك اللحظه بأنها إرتكبت حماقه كبيرة بمجيئها إلى هنا و لكن فات أوان الندم فها هو ينظر إليها بـ بنيتاه الكبيرتين بمنتهى الهدوء ينتظر ردها و هي لن تبخل عليه به فقد أرادت أن تُنهي هذا اللقاء اللعين بأي شكل لذا قالت بلهجه جافه

" بما إن دا رأيك يبقى مالوش لازمه أضيع وقتك و وقتي أكتر من كدا . مع العلم إني ضيعت من وقتي أسبوع بحاول أوصلك فيه . عن إذنك "


تجاهل كلماتها و قال بلامبالاه و هو ينظر إلى الأوراق التي أمامه 

" أوعدك إني هدخل لو لاقيت الموضوع يستدعي زي ما بتقولي . شرفتيني"


عودة للوقت الحالي 


زفرت فرح بحنق من ذلك المتعجرف المغرور الذي كانت تتمني لو أنها لم تقابله أبدًا في حياتها . و لكنها كانت تود أن تحمي شقيقتها من براثن أخيه و قد جاءت زياراتها له بنتائجها المرجوة فبعد ذلك اللقاء لم تسمع جنه تتحدث مع ذلك الشاب أبدًا و قد بدت ملامحها ذابله حزينه فأرجعت ذلك لأن ذلك المغرور أجبر أخاه علي الإبتعاد عنها و قد كان كان الندم يقرضها من الداخل و الألم يعصف بها لرؤيه شقيقتها بذلك الحال و شعرت بأنها كالسيدة القبيحة التي تحاول منع سندريلا من الذهاب إلى الحفل! 

لكنه كان أفضل لها من تلك المغامرة الخاسرة مع شاب مستهتر مثل حازم .

دخلت غرفتها و قد قررت بأنها ستُنهي ذلك اليوم الممل بالنوم عل الغد يأتي حاملًا الفرح بين طياته ..


***************


الثانيه عشر بعد منتصف الليل و أغلب الوسائد تفوح منها رائحه الدموع فمنهم من يبكي على فراق اُجبر قسرًا عليه و منهم من يبكي على غائِب سرقته الحياة عنوة و أصعبهم من يبكي ندمًا على فقده ما لا يمكن تعويضه حتي لو بكى مائه عام ..


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


كانت جنه تحتضن وسادتها التي كانت غارقه في سيل من الدموع التي لا تهدأ أبدًا و كأن أنهار العالم أجمع سُكِبت في عيناها . فقد كان هذا حالها منذ أسبوع مضي و هي تجلس وحيدة بغرفتها لا تشعر بشئ حولها و كأنها تود لو تختفي بتلك الغرفه للأبد . ترفض محاولة شقيقتها في التحدث إليها و تشعر بالإمتنان لها كونها لم تضغط عليهاو لكن هل ستصمت طويلًا ؟ 

رجفه قويه ضربت أنحاء جسدها و هي تتخيل أن تُصارح شقيقتها بجُرمها الذي لا تعلم كيف إرتكبته في حق نفسها أولًا ؟ 

إزدادات عبارتها بالهطول و خرجت شهقه قويه من جوفها تحكي مقدار الوجع الذي ينخر عظامها و لم تجد له أي دواء حتي الآن . و فجأة خطر علي بالها شئ قد يُريحها قليلًا فهبت من مكانها و توجهت إلي المرحاض بأرجل مهتزة و أخذت تتوضأ بتروٍ و كأنها تزيل عن روحها ما علق بها من قذارة ذلك العشق الذي كان كالإعصار أطاح بحياتها و دمرها كلياً

بعد مرور دقائق كانت تصلي بكل خشوع و دموعها منسابه علي خديها لا تملك القدرة علي إيقافها و لا تعرف ماذا تقول فقط كل ما كانت تقوله حين لامست جبهتها الأرض الصلبه 

« يارب . سامحني . يارب » 


ظلت تردد تلك العبارة كثيرًا و كأنها لا تعرف غيرها . فهي كل ما تحتاجه في تلك الحياة كي تستطيع مواجهه ما هو قادم .


بعد دقائق كانت أنهت صلاتها و ما أن همت بخلع ثوب الصلاة حتي سمعت إهتزاز هاتفها فتوجهت بخطً ثقيله لرؤيه المتصل و حينها سقط قلبها من شدة الذعر و تجمدت بمكانها حتي هدأ إهتزاز الهاتف حينها إستطاعت أن تطلق زفرة قويه من أعماقها و جلست بتعب علي السرير خلفها ليعيد الهاتف إهتزازه مرة آخري و لكن تلك المرة كان رساله نصيه فقامت بفتحها بأيد مُرتجِفه لتخرج منها شهقه فزعه حين قرأت محتواها 

« انا قدام الباب لو منزلتيش تقابليني دلوقتي هعملك فضيحه قدام الناس كلها »


إرتعش جسدها بالكامل من هذا التهديد الصريح لهذا الوقح الذي كانت عاشقه له حد النخاع والآن تتمني لو أنها لم تلتقي به أبدًا .

عاد إهتزاز الهاتف مرة آخري فهبت من مكانها و قامت بالضغط علي ذر الإجابه و قبل أن تتفوه بكلمه واحده جاءها صوته الغاضب 

" أنا مستنيكي قدام الباب تحت دقيقه و الاقيكي قدامي و إلا هنفذ إلي قولته في الرساله ."


أجابته بإرتجاف و دموعها تسري علي خديها 

" حازم أنت مجنون أنت عارف الساعه كام دلوقتي ؟"


حازم بصياح 

" تكون زي ما تكون قولتلك إنزلي دلوقتي حالًا "

إرتعبت من لهجته الغريبه كليًا عليه و قالت بلهفه 

" طب أرجوك وطي صوتك . وأنا هنزلك حالًا."


أغلقت الهاتف و قامت بالتوجه إلي باب الغرفه بحذر شديد و نظرت إلي غرفه شقيقتها و الندم يكاد يفتك بقلبها ثم أعادت انظارها إلي الباب أمامها و بخطً ثقيله توجهت لملاقاة ذلك المجنون ففتحت الباب برفق فقد كان الجو بارداً جداً و المطر علي وشك الهطول فإحتمت بوشاحها أكثر و هي تنظر حولها إلي أن وقعت عيناها علي ذلك الذي كان ينتظرها بجانب الطريق فتوجهت إليه و ما أن همت بالحديث حتي إقتادتها يداه و أجلستها في المقعد المجاور للسائق دون أي حديث و ما أن جلس بجانبها حتي أنطلق بالسيارة بأقصى سرعه فجن جنونها و قالت بصراخ 

" أنت مجنون ؟ أنت واخدني و رايح علي فين ؟"


كان موجهًا نظراته إلي الطريق أمامه و هو يقول بنبرة قويه 

" هنهرب من هنا !"


*************


كانت تغط في نوماً عميق حين أخذ الهاتف يرن دون إنقطاع فتململت في نومتها و ألتفتت إلي النافذه فوجدت الخيوط الأولي لشروق الشمس تلون السماء فإلتفتت تجاه الهاتف لرؤيه من المتصل لتجده يرن من جديد فأجابت بنعاس 

" آلو ."

المتصل 

" أنسه فرح عمران ؟"

" أيوا أنا مين ؟"

" إحنا بنكلمك من مستشفي (..) أخت حضرتك عملت حادثه و حالتها خطر"


لا تعلم كم من الوقت مر عليها و هي جالسه أمام تلك الغرفه تنتظر خروج الطبيب ليُطمئِنها علي شقيقتها فهي منذ أن علمت بهذا الخبر المشؤوم الذي لم تُصدقه من البدايه وجدت نفسها تلقائيًا تتجه إلي غرفتها في محاوله منها لتكذيب ما سمعته أذناها و لكنها وجدتها خاويه فسقط قلبها رعبًا من أن يُصيبها مكروه و لا تعلم كيف إرتدت ملابسها و هرولت إلي هنا لمعرفه ماذا حدث .

قاطع شرودها خروج الطبيب الذي هرولت إليه قائله بلهفه من بين دموعها 

" طمني يا دكتور أختي عامله إيه ؟"

الطبيب بعمليه 

" متقلقيش . المدام بخير .شويه جروح و كسور لكن هتبقي كويسه بإذن الله "


سقطت كلمته فوق رأسها كمطرقه قويه في حين أخذ عقلها يردد جملته بغير تصديق 

" المدام !!"

#القبضة_الثانية

#في_قبضة_الأقدار

#نورهان_العشري 


كل الأشياء التي تمنيتها لم أحصُل عليها ، و بالمقابل رفضت كل الأشياء التي أرادتني ، و هكذا إستمرت معاناتي مع الحياة و لا أدري إلى أين يأخُذني طريقي ؟ و لكني أتلهف لنهايه سعيدة لم تكن يومًا في الحسبان ...


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


لم تنتهي مُعاناتي مع الحياة بل أظنها بدأت . فبالرغم من كل ما مررت به إلا أن ذلك الألم الذي أشعر به الآن كان ثقيلًا للحد الذي جعلني أود الهرب من كل شئ حتي من نفسي ...


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁


مهما بلغت قوتك و صلابتك يومًا ما ستجد نفسك بحاجه للهرب من كل شئ. هكذا كانت تشعر و هي تسير بذلك الرواق الذي بدا طويًلا لا ينتهي كمعاناتها تمامًا فلطالما إختبرت الحياة صبرها بأقسي الطرق بداية من خسارتها لوالدتها في عمر التاسعه عشر و توليها أمر العنايه بطفلة صغيرة لم تتجاوز العاشرة من عمرها و مرض والدها الذي لم يكن يتحمل فراق زوجته و ظل يُنازِع في الحياة حتي لحق بها بعد سبعة أعوام قضاها بين أروقة المشافي و هي خلفه تُسانده بكل لحظات مرضه و تعتني بشقيقتها الصغيرة دون كلل لتتوالي الصعاب حين أجبرتها الحياة عن التخلي عن حلمها بعد أن اجتازت السنه الأولي من كليه الطب بتفوق لتجد أن أحوالهم الماديه و العائليه لا تسمح لها بالإستمرار بها و إضطرت إلي تحويل أوراقها لكليه التجارة و التي لا تتطلب حضورًا مستمرًا و لا أموال كثيرة و هذا أحزن والدها كثيرًا و لكنها كانت تتظاهر أمامه بأنها لا تهتم و أن هذا الأفضل لها و أستمر الحال حتي أسترد الخالق أمانته و تركها والدها تواجه مصاعب الحياة وحدها و قد كانت شقيقتها مازالت بعمر المراهقه مما جعلها تُثابِر و تُجاهِد حتي حصلت علي عمل في إحدي الشركات الكبيرة و بإجتهادها و برغم كل العراقيل و الصعوبات التي واجهتها إلا أنها استطاعت أن تُثبِت أقدامها و تثبت نفسها في العمل و إستمرت الحياة تارة هادئه و تارة صاخبه حتي ظنت بأنها ابتسمت لها اخيرًا حين تعرفت علي «حسام الصاوي» كان زميلها في العمل و قد تعرفت عليه بعد أن كان قادمًا من فرع الشركه بمدينه الإسكندريه للعمل في الفرع بالقاهرة و قد سرق فؤادها فور أن وقعت عيناها عليه و قد وقع في حبها هو الآخر و ظنت بأنها أخيراً وجدت طريق السعادة حين طلب منها أن يتقدم لخُطبتها و بالفعل تمت الخطبه و قد كانت في قمة سعادتها معه فقد كان كالحلم وسيم، لبق، ذو بنيه قويه، متوسط الطول، بشوش الوجه و ذو حس فكاهي كان يهون عليها الكثير و يدعمها بكل الطرق و استمرت الحياة الورديه بينهم لبضعة أشهر و لكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن و فجأة تغير كل شئ حين جاءتة ترقيه و التي تتطلب السفر للعمل في فرع الشركه بالخارج و قد طلب منها حسام الزواج و السفر معه و لكنها كانت مُكبله بواجبها تجاه شقيقتها التي ليس لها أحد في تلك الحياة سواها و هكذا وجدت نفسها في مواجهه صعبه وضعها بها حسام الذي اتهمها بأنها لا تحبه و لا تفكر في مستقبلهما و لم تنفع محاولاتها في التأثير عليه و إقناعه بحبها له لذا اضطرت أن تأخذ جانب شقيقتها في النهاية فهي أبدًا لن تتخلي عنها حتي لو كان الثمن سعادتها معه . و أخبرها قلبها بأنه إن كان حقًا يُحبها سوف يتفهم دوافعها و لكن أتتها الصدمه حين علمت بزواجه من زميله لها و السفر معها إلي الخارج . حينها شعرت بأن كل عالمها أنهار حولها. الأمر كان مروعًا لدرجه إصابتها بالحمي التي جعلتها طريحه الفراش لشهر كامل تهذي بإسمه تنتفض كل ليله كعصفور صغير ضربته صاعقه البرق فمزقته الي أشلاء لتهرول إليها شقيقتها تحتضنها محاولة تهدئتها كل ليلة و قد أستمر الحال طويلًا إلي أن استيقظت ذات يوم و هي تشعر بالنفور من ما وصلت إليه حالتها و قد نفضت عنها ثوب الضعف و إرتدت قناع القوة و اللامبالاة و قد أقسمت حينها بألا تدع شئ في الحياة يهزمها . 

و لكن الضربه هذه المرة لم تكن قويه و لا مؤلمه بل كانت مميته للحد الذي جعلها عاجزة عن التنفس تشعر و كأن كل شئ إنهار فجأة.


لأول مرة بحياتها تتمني الموت بل و تشتهيه عله يريحها من هذا الألم الذي تشعر به فقد كانت الخسارة فادحه فمن كانت تقاوم لأجلها و تتحدي كل الصعاب في سبيل الحفاظ عليها هي السبب في هلاكهما معًا .


كانت تجر قدماها لتصل إلي غرفة شقيقتها و لا تعرف ما الذي عليها فعله و لا كيف ستواجهها و لكنها مُجبرة علي تلك المواجهه.

تقدمت إلي الدخل بخطً ثقيله فوجدت جنه التي كانت تتسطح علي ظهرها و وجهها في الناحيه الآخري و قد كانت ترفرف برموشها كمن يحارب واقعًا أصبح مفروضًا عليه و لكنها ما أن سمعت صوت الباب يغلق خلفها حتي تجمدت الدماء بعروقها و شعرت بضربات قلبها و كأنها إبر تنغز بكامل جسدها فتؤلمه بطريقه لا تُحتمل و لا تتناسب مع سنوات عمرها الواحد و عشرون .


توقفت فرح أمامها تناظرها بملامح جامدة و عينان جاحظه و كأنها تمثال جميل نقش علي ملامحه الوجع و لونت الخيبه تقاسيمه فلم تستطع جنة إيقاف سيل الدموع الجارف الذي أجتاح مُقلتيها و أخذت شفتيها ترتعش حين سمِعت تلك الكلمه البسيطه المكونه من ثلاث أحرف كانت حادة كنصل سكين إنغرز بقلبها 

" ليه !"


كانت تلك الكلمه التي استطاعت فرح التفوه بها و التي كانت يتردد صداها بعقلها الذي كان كالمسعور يريد معرفه الإجابه علها تهدئ من نيران غضبه و لو قليلًا و لكن لم يصل إلي مسامعها سوي صوت بكاء جنة التي كانت شهقاتها تشق جوفها من شدة الألم و لم يستطع لسانها سوي التفوه بعبارات إعتذار واهيه لا تسمن و لا تغني من جوع 

" أنا أسفه يا فرح سامحيني ."


لا تعرف كيف خرج صوتها بتلك القوة حين صرخت و هي تقول بقلب ممزق 

" ردي عليا . عملتي في نفسك كدا ليه ؟"


إرتجفت جنة رعبًا من مظهر شقيقتها التي بدت و كأن الصدمه أصابتها بالجنون و قد أنشق قلبها لنصفين كونها السبب في حالتها تلك لذا حاولت التحرك من مكانها لتصل إليها فلم تستطع من شدة الألم فحاولت مد يدها لتمسك بيد شقيقتها التي كانت علي بعد خطوتين منها و لكن حدث ما لم تتوقعه إن أبتلعت فرح بفزع عن ملامسه يدها و كأنها شئ مقرف تتقزز منه مما جعل تنفسها يزداد بشدة و كأن قلبها قد فاض به الوجع فقرر الخروج من مكانه و إزداد إرتعاش فمها الذي خرجت الكلمات منه بصدمة ممزوجه بعتاب و ندم 

" فرح . أرجوكي تسمعيني"


ناظرتها فرح بعينان إرتسم بها الخيبه و الغضب و القهر في آن واحد و قالت بمراره 

" سمعاكي. سمعاكي يا مدام جنة !"


كانت تلك الكلمه مُرة كالعلقم في فمها حين تفوهت بها و لكن كان بداخلها شعاع أمل بسيط بأن تنفي شقيقتها ذلك العار الملصق بها و لكنها قابلتها بدموع الإقرار بذنبها العظيم مما جعلها تسقط جالسه فوق أقرب مقعد قابلها و هي تقول بضعف ممزوج بخيبه أمل


" هتقولي إيه يا جنه . عندك إيه تقوليه ؟ في إيه ممكن يمحي الجريمه إلي عملتيها في حق نفسك و حقي ؟ ليه يا جنة ؟ ليه رخصتي نفسك كدا ؟ ليه دانا ضيعت عمري كله عشانك ! ليه يا جنه ليه ؟؟"


كانت كلمات شقيقتها حادة كنصل سكين أخذ يمزق قلبها إربًا و هي لا تستطيع سوي البكاء فقط فقد تبخر كل شئ من عقلها في تلك اللحظه حين رأت شقيقتها منهارة بتلك الطريقه فقد إعتادت عليها قويه شامخه و قد كانت تراها الجدار الذي تتكئ عليه دائمًا و لكن الآن إنهار جدارها الحامي و كانت هي الفأس التي حطمته ! 


للحظه لم تدرك ما حدث و لكنها إرتعبت حين رأت «فرح» تهب من مكانها تقف أمامها و قد إرتسم الجنون بنظراتها و قست ملامحها و إمتدت يدها تمسك بكتفيها تهزها بعنف و هي تقول بلهجه قاسيه و نبرة قويه 

" عملتي كدا ليه ؟ ردي عليا "


و كأن لسانها فقد قدرته علي الحديث فلم تستطع سوي أن تبكي بعنف و هي تهز رأسها يمينًا و يسارًا و قلبها يرتجف رعبًا و ألمًا كُلما هزتها شقيقتها التي قالت بصراخ 

" ردي عليا ."


أتبعت جملتها بصفعه قويه سقطت من يدها علي خد جنة التي برقت عيناها مما حدث و توقف جسدها عن الأهتزاز و تجمدت الدموع بمقلتيها من فرط الصدمه التي كانت أضعافها من نصيب فرح التي تراجعت خطوتان للخلف و هي تنظر إلي كفها تارة و خد جنة تارة آخري غير مصدقه ما فعلته و لكن تلك البقعة الحمراء علي وجنة شقيقتها جعلتها تُدرِك ما حدث لتجد نفسها تهرول للخارج دون أن يكون لها القدرة علي إيقاف قدميها و لم تشعر سوي و هي خارج بناء المشفي فتوقفت تحديدًا أمام الباب الرئيسي لتستعيد أنفاسها الهاربه و أخذ صدرها يعلو و يهبط فسقط جزعها العلوي إلي الأمام و أسندت يدها فوق ركبتيها و هي تلهث بقوة و عبراتها ترتطم بالأرض أمامها دون توقف .

مرت لحظات و هي علي هذه الحالة إلي أن إستطاعت أن تستقيم في وقفتها و أخذتها قدماها إلي الحديقه و ما أن خطت خطوتان حتي تسمرت في مكانها حين وجدت ذلك الجسد الضخم يقف أمامها بشموخ يعطيها ظهره و دخان سجائره يشكل سحابه هائله فوقه فقادها الفضول لتتقدم خطوتان إلي حيث يقف و وجدت نفسها تقول بصوت مبحوح 

" أنت بتعمل إيه هنا ؟"


لا يعلم كيف و لكنه علم بهوية ذلك الصوت الذي كان منذ بضعة أيام مليئ بالتحدي و العنفوان و الآن أصابه الضعف و الخيبه حتي خرج مبحوحًا جريحًا بهذا الشكل 

" نفس السبب اللي مخليكِ هنا "


هكذا أجابها بإختصار دون أن يستدير لينظر إليها فقد توقع ملامحها من المؤكد أنها تحمل ألم نبرتها .

تقدمت خطوتان حتي وقفت بجانبه و قد بدأت تعي ما يحدث حولها فأخذت تنظر أمامها بضياع قبل أن تسمعه يقول بنبرة جامدة 

" كان عندك حق !"


صمتت لبرهه قبل أن تقول بنبرة خافته 

" هو عامل إيه دلوقتي ؟"


أخذ نفسًا طويلًا فشعرت بأنه يجاهد حتي يخرج الكلام من بين شفتيه حين قال بجمود

" أدعيله "


لم تنظر إليه فقد كانت تشعر بأنها عاريه تقف علي رمال متحركه و لا تملك سوي الدعاء الذي لا يقدر علي ذلك القدر المظلم سواه لذا رددت بصوت خفيض و لكنه مسموع 

" اللهم إني لا أسألك رد القضاء و لكني أسألك اللطف فيه "


وجد نفسه لا إراديًا يردد ذلك الدعاء و لكن بداخله فقد كان لأول مرة بحياته يقف عاجزًا مُكبل بقيود القدر الذي وضع شقيقه الأصغر قاب قوسين أو أدني من مفارقة الحياة.

فوضعه خطر للغايه هكذا أخبرهم الطبيب و هو لم يستطع الإنتظار بالداخل فقط شعر بالإختناق و بالضعف الذي لا يليق به خاصةً و أنه الداعم الرئيسي لعائلته لذا ترك شقيقته و والدته و بجانبهم سليم أخاه الأصغر في الدخل و خرج إلي الهواء الطلق عله يستطيع التنفس و إخراج شحنات ألمه بلفائف سجائره التي تناثرت أسفل قدميه بإهمال فشكلت صورة من يري عددها يُجزِم بأن هذا الشخص حتمًا يُريد الإنتحار .


" معرفتش إلي حصل دا حصل إزاي ؟"

لا تعلم لما خرج هذا السؤال السخيف من فمها فما حدث لا يكن بالشئ الهام أمام عواقبه و لكنها أرادت قطع الصمت القائم حتي تهرب من الأحدايث التي تدور بعقلها و تقوده إلي الجنون.

" لا . بس هعرف "


كانت إجابة قاطعه كلهجته و لكن ما بعدها كان يحمل الوعيد في طياته أو هكذا شعرت حتي جاءها صوته صلبًا تشوبه بعض الخشونه حين قال 

" أختك عامله إيه ؟"


كانت تود لو تصرخ بالإجابه التي كانت تمزق قلبها إلي أشلاء و لكنها كتمت بكائها الذي كان يهدد بالإنفجار و أبتلعت غصه مريرة قبل أن تقول بنبرة ثابته 

" الحمد لله"


الحمد لله هي الكلمه المُعبِرة دائمًا عن الحال مهما بلغ سوءه و لكن دائمًا هناك يقينً راسِخًا بقلب المؤمن يُخبره بأن ذلك القدر الذي أختاره الله له ليس إلا خيرًا مهما حوا من الصعاب و الأزمات لذا أغمضت عيناها رددت بقلبها 

" الحمد لله الذي لا يُحمد علي مكروه سواه "


ما أن أنهت جملتها حتي أخترق مسماعها صوت صراخ و عويل قادم من الداخل إنتفض علي إثره هو الآخر و ردد بقلب مرتعب 

" حلا !"


بلمح البصر وجدته يهرول للداخل و دونًا عنها أخذتها قدماها خلفه حتي تفاجئت من هذا المشهد المرعب حين وجدت فتاه بعمر أختها أو ربما أصغر قليلًا و هي تنوح و تنتحب و بجانبها رجل آخر يحتضنها و قد كان هو الآخر في حالة من الإنهيار الصامت الذي تجلي في عيناه التي تناظرها بصدمه و ضياع . حينها توقفت غير قادرة علي التقدم خطوة واحده فقد وقعت الصدمه عليها هي الآخري فجمدتها بمكانها خاصةً عندما وجدته يسقط علي الكرسي خلفه بضعف غريب يتنافي تمامًا مع حدة ملامحه و شموخه السابق الذي كان يحيط به و تبددت تلك الهالة من الهيبه التي تحيط به و تحولت إلي ضعف كبير فهي عندما شاهدته أول مرة كان تعلم أن عمره أربعون عامًا و قد بدا أصغر بكثير أما مظهره الآن يوحي بأنه قد تجاوز السبعين من عمره ...


فألم الفقد قادر علي سحق الإنسان بين طياته و إنهاك الروح للحد الذي يجعلها كثوب مُهلهل تبعثرت خيوطه 

حتي أن كل فلسفه العالم لا تستطع إصلاحه و لا مواسات إنسان عما فقد.

فلا بكاء ينفع و لا صراخ يشفع و الصمت مُميت و البوح ليس بكلمات تُقال بل يشبه تفتت الجبال..

( أعاذانا الله و إياكم من فقد عزيز ) 


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


شعرت بنغزة كبيرة في صدرها و الذي أخذها جرًا إلي غرفة شقيقتها بقلبً لهيف ففتحت الباب بقوة مندفعه إلي السرير الذي تستلقي عليه جنة التي ما أن شاهدتها حتي اإتمعت عيناها الباكيه و همت بالحديث لتتفاجئ بفرح تحتضنها بقوة لم تتوقعها و يدها تشدد من عناقها بكل ما أوتيت من حب و ضعف و خوف فهيوصغيرتها التي ربتها و أعتنت بها طوال حياتها و إن كان خطأها جسيمًا بل مروعًا فهي لا تستطيع سوي أن تحمد ربها علي نجاتها ..


أخذت جنة هي الآخري تشدد من عناق فرح و هي تبكي بقوة و داخلها ينتفض تزامنًا مع شهقاتها التي تردد صداها في أنحاء الغرفه التي شهدت علي شتي انواع المشاعر في تلك اللحظه فقد كان الندم و الإعتذار من جانب جنه و الخوف و الغضب من جانب فرح و قد كان الألم شعور مشترك بينهما لذا طال العناق لدقائق حتي أفرغت الفتاتان ما بجوفهما من مشاعر و كانت أول المنسحبين فرح التي كانت تحني رأسها بتعب فامتدت يد جنة تحت ذقنها ترفع رأسها إليها و هي تقول بنبرة بها الكثير من الاعتذار و الندم 


" والنبي ما توطي راسك كدا أبدًا . انا معملتش حاجه في الحرام . حازم جوزي "


لوهله لمع بريق الأمل بعيناها ما أن سمعت حديث شقيقتها فخرجت الكلمات مرتجفه من بين شفتيها و هي تقول بترقب 


" جوزك ؟"


أهتزت نظرات جنه للحظه قبل أن تقول بتوتر 

" آه جوزي .. إحنا أتجوزنا عرفي .. بس الورقتين معايا في البيت و هو بيحبني اوي وعمره ما هيتخلي عني . انا واثقه من دا والله هو طلب مني نعمل كدا عشان نضغط عليكي و علي أهله عشان توافقوا علي جوازنا . و لو مش مصدقاني هخليه يقولك كدا بنفسه ."


قالت جملتها الأخيرة بلهفه بعدما لمحت تلك النظرة المنكسرة بعين شقيقتها و إختفاء تلك اللمعه التي ظهرت عندما ذكرت زواجها منه .


كانت كالغريق الذي وجد زورق النجاة بعد إنقلاب سفينته في بحر هائج و الذي إتضح بعد ذلك بأنه زورق مثقوب قابل للغرق في أي لحظه هذا كان حالها عندما سمعت جملتها عن ذلك الزواج العرفي الذي لن يعترف به أحد خاصةً بعد وفاة حازم فانطفئ شعاع الامل من عيناها و شعرت بالشفقه علي حالها ما أن تعلم بما حدث و نظرًا لعذاب شقيقتها الظاهر جليًا علي محياها و إصابتها العضويه و النفسيه آثرت تأجيل الحديث لحين أن تستعيد صحتها و كذلك لتستطيع التفكير هي بهدوء في تلك الكارثه التي بدت و كأنها حلقة مغلقه لا مخرج منها ابدًا ..


" نامي دلوقتي و لما تصحي نبقي نتكلم ."

هكذا خرج صوتها جافًا به بحه بكاء مكتوم لم يعد وقته الآن فحاولت جنة الحديث لتوقفها كلماتها الصارمه حين قالت 

" قولتلك نامي دلوقتي و بعدين نبقي نتكلم .."


أبتلعت حروفها و هي تنظر إلي شقيقتها التي كان ثوب القسوة جديد كليًا عليها و قد آلمها ذلك كثيرًا و لكنها داخليًا تعترف بأنها تستحق أسوء من ذلك و بأن الموت هو الجزاء الذي تستحقه علي جُرم أقحمها به غبائها و إنسياقها خلف قلبها ..


كانت ليله طويله علي الجميع لم ينم بها أحد سوي جنة التي أعطاها الطبيب مهدئًا حتي يحميها من ذلك الألم الكبير في ذراعها المكسور و تلك الكدمات التي إنتشرت في أماكن متفرقة في جسدها و لكنه لم يستطع حمايه روحها المعذبه و لا قلبها المكدوم و قد تمكنت منها الكوابيس التي أيقظتها مرات كثيرة و هي تنتفض صارخه لتتلقفها يد فرح التي كان عذابها كبيرًا للحد الذي منعها من النوم و من البكاء و من أي شئ قد يريحها فقط أنفاس قويه تقذفها من جوف وجعها و كأنها جمرات حارقه حتي عندما كانت تهرول لإحتضان شقيقتها التي كانت ترتجف لم تستطع التفوه بكلمه واحده فقط تعانقها و تمسد بيدها فوق خصلات شعرها إلي أن تهدأ و تعود للنوم .


أخيرًا بزغ نور الصباح ليُعلِن عن بِدأ يوم جديد مُحملًا بأوجاع الأمس التي سيكون الشفاء منها أمرًا مستحيلًا و قد تترك ندوب ستستمر معهم طوال حياتهم .


وضعت فرح يدها علي عيناها التي لم تستطع التأقلم بعد علي نور الصباح الذي دخل من النافذة فنهضت بتعب من مقعدها و دلفت إلي المرحاض تغسل وجهها و خرجت لتجد الممرضه و الطبيب الذي كان يعاين شقيقتها و أمر الممرضه بإعطاءها أدويتها فبادرته فرح بالحديث بصوت مبحوح 

" حالتها عامله إيه يا دكتور ؟"


الطبيب بعمليه

" زي ما قولتلك حالتها مش خطر و مع الانتظام علي الأدويه أن شاء الله هتبقي أحسن بس طبعًا مش هينفع تروح قبل ما نطمن عليها . "

فرح بهدوء

" يعني قدامنا قد إيه كدا ؟"


لاح بعض التوتر علي ملامح وجهه و لكنه سرعان ما أختفي و قال بعمليه 

" ممكن أسبوع مش اكتر أن شاء الله"

ثم تابع بإشفاق لامسته من بين كلماته

" أنتي إلي واضح عليكي الإرهاق أوي ودا غلط "


لاحت إبتسامه ساخرة علي شفتيها قبل أن تقول بصوت لا حياة به 

" مش هتفرق كتير يا دكتور. المهم هي تقوم بالسلامه. "


الطبيب بإشفاق 

" هكتبلك علي شويه مقويات عشان مينفعش أنتي كمان تقعي . أنا عرفت منها أنك عيلتها الوحيدة . و لازم تكوني جمبها خصوصًا في الوقت دا .."


لم تجادله فرح التي كانت في تلك اللحظه نفذت كل قواها فأخذت منه الورقه بصمت و ما أن أوشك علي المغادرة حتي قالت بلهفه


" دكتور معلش ممكن تخلي حد من الممرضات يفضل جمبها ساعه بس أروح البيت أجيب هدوم ليا وليها و شويه حاجات كدا . زي ما حضرتك شفت انا جيت جري و معناش أي حاجه هنا .."


الطبيب بتفهم 

" مفيش مشكله . أنا هعين ممرضه مخصوص تفضل جمبها لحد ما تروحي و ترجعي "


كان إهتمامًا مبالغ فيه و لكنها في وضع لا يسمح لها بالسؤال و لا حتي بالتفكير لذا هزت رأسها و تمتمت بعض عبارات الشكر قبل أن تشرع في تجهيز نفسها للمغادرة ..


*****************


تلك اللحظه حين تضع قبله أخيرة فوق جبين ميت كان يعني لك الحياة و أكثر ، حين تشعر برجفه قويه تضرب أنحاء جسدك ما أن تُلامس برودة و سكون ذلك الكف الذي لاطالما كان يعج بالدفء و الحياة . نظرتك الأخيرة حين تشاهد جزءًا كبيرًا من روحك ينشق عنك ليتواري معه تحت الثري . تلك اللحظات لا تُنسي ابدًا بل تظل عالقه في ذاكرة القلب و كأنها نُحتت من رحم النار التي تبقي مشتعله إلي أن يحين اللقاء بهم في العالم الآخر...


(اللهم إنا نعوذ بك من فواجع الأقدار و فقد الأهل و الاحبه)


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁


كان في طريقه للمشفي لإستلام جثمان أخيه حتي يتم دفنه ليذهب إلي مثواه الأخير و كم كان ذلك الأمر شاقً علي قلبه الذي للآن لم يستوعب تلك المصيبه التي حلت بهم . لم يدرك ماذا يحدث حوله أصوات النحيب و البكاء تحيط به في كل مكان، النساء متشحات بالسواد الرجال ملامحهم جامده مكفهرة، أعينهم تمتلئ بالقطرات التي تأبى الهطول . حزن عميق يسيطر علي الهواء حولهم لأول مرة لا يسمع زقزقة العصافير عند الصباح حتي أن الشمس مختبئه خلف السحاب تأبي الظهور. السماء تُرعِد و المطر ينهمر بغزارة و كأن الطبيعه تشاطرهم حزنهم الغائر و مصابهم الكبير .


ما أن أوقف سيارته أمام باب المشفي حتي وجد سيارة سليم التي كان جانبها الأيمن مهشم و كأن جدارًا سقط فوقها أو أن أحدهم كان يحاول إنهاء ألمه و شحنات غضبه في قطعه جماد لا ذنب لها .


ترجل سليم الوزان من السيارة الخاصه به و قد كانت بعض قطرات الدماء تنساب فوق جبهته و يبدو أن هناك جرحًا غائر لا يأبه له صاحبه الذي كان يحمل بقلبه جرحًا أكبر مما يستطيع تحمله .

أقترب منه سالم و عيناه تحمل من القلق ما تعجز الشفاه عن التعبير عنه و قد إمتدت يداه لملامسه الدماء المنسابه من جبهه أخاه و هو يقول بخشونه

" حصل ايه ؟"


تراجع سليم خطوة للخلف و هو يقول بلهجه جافه 

" متقلقش حادثه بسيطه ."


❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️

ضيق سالم عيناه و أشتد به الغضب حتي أرتجف جفنه الأيمن و قال بلهجه قاسيه 

" سلييم . "

سليم بلهجه حادة 

" مش إلي في بالك يا سالم . دي كانت حادثه زي ما قولتلك ."


أطلق سالم زفرة حادة قبل أن يقول بنبرة قاطعه 

" هخلي الدكتور يشوفك قبل ما ناخد حازم و نمشي ."


عند ذكره لاسم أخاه الراحل إرتجفت شفتيه و أختنق الحديث بجوفه و كان سليم لا يقل تأثرًا عنه و لكنه دون أن يشعر أفرجت عيناه عن دمعه حبيسه تحكي مقدار الوجع بصدره فأخذ عدة أنفاس حادة قبل أن يقول بصوت متحشرج 

" عايز أشوفه يا سالم . عايز أطلب منه يسامحني "


لم يتحدث فلم تسعفه الكلمات جل ما أستطاع فعله هو أن تمتد يداه تمسك بكتف أخيه و أبتلع غصه مريرة قبل أن يقول بلهجه جافه 

" متحملش نفسك ذنوب معملتهاش . إلي حصل دا قدر و مكتوب ."


لم يستطع سليم الحديث و أشتبكت عيناه مع عين شقيقه في حديث صامت دام للحظات و كان سالم أول من قطعه حين أستعاد هدوءه الظاهري و قال بصرامه 

" يالا بينا عشان الدكتور يشوف جرحك . مينفعش ماما تشوفك كدا . كفايه اللي هي فيه "


و بالفعل إنصاع سليم لأوامره دون جدال و توجها معًا لإستلام الجثمان و لكن أستوقفهم الطبيب الذي ما أن رآهم حتي تحدث قائًلا بعمليه 

" سالم بيه . كان في موضوع مهم عايز أتكلم مع حضرتك فيه "


سالم بجمود

" موضوع إيه ؟"

الطبيب بتوتر 

" ممكن تتفضل معايا علي مكتبي عشان نقدر نتكلم براحتنا "


دون التفوه بأي حرف توجه الأخوان الي مكتب الطبيب لمعرفة ماذا يريد ..


************


علي الجانب الآخر كانت جنة ترقد علي مخدعها بهدوء يتنافي تمامًا مع ضجيج قلبها الذي كان ينتحب ألمًا و شعور الخوف الذي أخذ يتسلل الي صدرها الذي لا تعلم لما انقبض فجأة فشعرت بأن التنفس بات ثقيلًا عليها فأخذت تحاول تنظيم أنفاسها بصعوبه و لسوء الحظ فالممرضه التي عينها الطبيب لترافقها حالما تأتي شقيقتها قد أستأذنت لبعض الوقت و لا تعلم لما تأخرت فأخذت تحاول التحرك فآلمها ذلك أكثر و قامت بإسناد رأسها للخلف مُغمِضه عيناها و أخذ صدرها يعلو و يهبط بسرعه كبيرة إلي أن سمعت باب الغرفه الذي فتح بعنف مما جعلها تشهق بصدمه تحولت لذعر كبير و هي تري ذلك الرجل الضخم الذي كان يناظرها بعينان تشبهان الجمر في إحمرارهما و ملامح قاسيه مع فم مشدود بقوة و كأن أحدهم يجاهد حتي لا يطلق وحوشه لتفترسها فأخذت ترتجف رغمًا عنها من فرط الخوف خاصةً حين أخذ يتقدم بخطً سُلحفيه و عيناه لا تحيد عنها و كأنها مذنبه و هو جلادها فأخذت تتراجع في جلستها الي أن التصقت بظهر السرير خلفها و هي تقول بهمس خافت 

" أنت مين ؟"


أظلمت عيناه و قست ملامحه أكثر و هو يقترب منها حتي أصبح أمامها مباشرة و قام بالإنحناء لتصبح عيناه المستعره بجحيم الغضب أمام عيناها التي ترتجف من فرط الخوف و قال بوحشيه و لهجه تحمل الكثير من الوعيد بين طياتها 

"أنا عزرائيل إلي هياخد روحك بعد ما يخليكي تشوفي جهنم علي الأرض . "


إزدادت رجفتها و أخذت أنفسها تتخبط بصدرها الخافق بعنف و هي تقول بشفاه مرتعشه 

" أنت عايز مني إيه ؟"


إزدادت وحشيه ملامحه و هو يقول بقسوة 

" عايز أدمرك و أخليكي تلعني اليوم إلي خرجتي فيه من الحادثه دي و أنتي لسه فيكي الروح "


إزداد رعبها و هطلت العبرات كالفيضان من بين عيونها وقد كانت كل عضله في جسدها ترتجف بعنف من ذلك المجنون الذي يقف أمامها يلقي علي مسامعها تلك التهديدات البشعه التي لم تستطع تحملها فقالت من بين دموعها 

" حرام عليك أنا عملتلك إيه ؟"


إمتدت يداه تقبض علي خصلات شعرها تكاد تقتلعه من جذوره فخرجت منها صرخه قويه لم تؤثر به بل تابع حديثه و هو يزمجر بقوة و كأن كلمتها كان جرمًا كبيًرا قد أقترفته 

" أخرسي . ليكي عين تتكلمي . بسببك هدفن أخويا الصغير تحت التراب . أخويا مات و هو زعلان مني و أنتي السبب . هو مات و واحده رخصيه زيك لسه عايشه . بس وحياة غلاوته عندي لهخليكي تدفعي التمن غالي أوي. و تعرفي أن ولاد الوزان لحمهم مسموم إلي يفكر يقرب منهم مصيره الموت ."


قال جملته الأخيرة صارخًا بوعيد و لكن للحظه توقف جسدها عن الإهتزاز بين يديه و جحظت عيناها و بهتت ملامحها و شحب لونها فمن يراها يظن أنها علي مشارف الموت بينما عقلها أضاء بحقيقه مرة كالعلقم و هو أن المقصود بذلك الحديث ليس سوى حازم !

و كأن شفتيها ترجمت ما يدور بعقلها حين قالت بخفوت 


" حازم مات ؟"

لم تكن تعلم هل كان جوابًا أن سؤالًا و لكنها بكل الأحوال حقيقه ترفضها بشدة و أخذت رأسها تتحرك يمينًا و يسارًا و شفتاها تطلقان عبارات الرفض و قد كان كل ذلك يحدث أمام عيناه الصقريه التي كانت تتابع إنهيارها بزهول سرعان ما تحول لغضب عندما ظن بأنها تحاول خداعه فقام بالصراخ في وجهها الذي كان قريب منه بدرجه كبيره 

" بطلي الحركات دي. لو مفكره أنك ممكن تضحكي عليا بيها تبقي غلطانه "


لم يتوقع أبدًا انهيارها بهذا الشكل بل صُدِم بشدة حين وجدها تضرب صدره بقوة بقبضتيها و أخذت تصرخ بحرقه قائله من بين صرخاتها

" أخرس . حازم ممتش. حازم مسابنيش . حااااااازم "


و كأنها كانت تقول مايريد قوله ، كان هذا الانهيار الذي يشتهيه تمامًا ، كانت تلك الكلمات تتردد بصدره هو الآخر ، هذه الدموع يتمني لو يستطع إخراجها . كانت حالتها تلك هي ما يتمني أن يعيشه و لو للحظات حتي يفرغ غضبه و ألمه الذي يكاد يقضي عليه . فجأة شعر بشئ يبلل صدره فاخفض بصره فوجدها تلقي برأسها فوق موضع قلبه مباشرة و يدها تقبض بشدة علي قميصه و صوت بكائها يخترق سمعه و لدهشته وجد يداه تحيط بها في غفلةً منه و حينها لم يستطع السيطرة علي دموعه التي سقطت لتغرق خصلات شعرها . و كأنه يشكو لها ألمه و ذنبه و ضعفه


كانت لحظه عجزت حواسه بها عن الاستجابة لإشارات عقله .ففجأة توقف الزمن من حولهم و كأنهم تشاركا الألم سويًا . لحظه قطعها هرولة فرح التي سمعت صراخ شقيقتها فانتابها الفزع و سقط كل ما بيدها و هرولت إلي غرفتها لتتفاجئ بذلك المشهد جنة تبكي و تنوح و رأسها ملقي على رأس ذلك الرجل الغريب عنها و الذي ما أن سمع ارتضام باب الغرفه بالحائط حتي استفاق من تلك الغيبوبه التي غرق بها للحظات و قام بدفعها و الإرتداد للخلف ليصعق من مظهرها المبعثر و دموعها المناسبه من عيناها لتختلط بدماء سالت من أنفها و أخذت تتساقط علي وجهها فمن يراها الآن يجزم بأن تلك الفتاة علي وشك الموت حزنًا و ألمًا 

قاطع نظراتهم صراخ فرح التي اندفعت تجاه شقيقتها و هي تقول بعنف و قسوة 

" أبعد عن أختي ؟ أنت عملت فيها إيه ؟"


خرجت الكلمات من فمه كأسهم نيران حارقه 

" كان في كلمتين بيني و بينها و خلاص قولتهم . "


وجه أنظاره لجنة و هو يقذف الكلمات من فمه بينما عيناه ترسلان إشارات التهديد الصريحه 

" خليكي فاكرة اسم سليم الوزان دا كويس عشان نهايتك هتكون علي إيده "


إندفعت فرح نحو شقيقتها و قد تملكها الغضب الشديد و تولدت بداخلها غريزة الحمايه لشقيقتها و طفلتها فقالت بقوة توازي قوته 

" أنت أتجننت يا جدع انت . جاي تهددنا بكل بجاحه "


إزداد غضبه أكثر و قال بشراسه 

" البجاحه دي أختك واخدة دكتوراه فيها. بس أنا بقي هعرف أربيها و أربيكي كويس أوي "


ما أن أنهي جملته حتي أتاه صوت سمره بمكانه و الذي لم يكن سوي لشقيقه الأكبر الذي قال بلهجه قاسيه 

" سليم !"


التفت سليم إلي أخاه الذي كان يقف بشموخ أمام باب الغرفه و الغضب يلون تقاسيمه و قد تجلي ذلك بنبرته حين قال بخشونه 

" بتعمل إيه هنا ؟"


سحب سليم أكبر قدر من الأكسجين بداخله قبل أن يقول بنبرة جافه 

" كان في رساله كنت جاي أوصلها و خلاص وصلتها "


قال كلمته الأخيرة و هو ينظر لجنه التي كانت ترتجف بين أحضان شقيقتها و لا تبالي بشئ شوي تلك الحقيقه السوداء التي تجاهد حني تستطيع الهرب منها بشتي الطرق لذا تجاهلت تهديداته و كأنها لم تكن موجهه إليها و قالت برجاء 

" حازم جراله إيه يا فرح ؟ قوليلي أنه كويس و بخير . أرجوكي "


توقف سليم أمام باب الغرفه يستمع إلي استفهامها المتألم و لكنه كان غضبه اقوي من أي شعور آخر فتجاوز أخاه و إندفع إلي الخارج بينما بالداخل لم تجد فرح ما تخبرها به فقط شاطرتها البكاء و علي وجهها إمارات الأسف و لكن عيناها كانت تقتنص ذلك الذي مازال واقفًا أمام باب الغرفه و عيناه كالصقر تتلقف كل حركه تصدر منهم . دام تفحصه للحظات ثم أعطاهم ظهره دون التفوه بأي حرف فنظرت إلي شقيقتها و قالت بلهفه 

" جنه دقيقة و رجعالك "


هرولت إلي الخارج فاصطدمت بظهره حين وجدته ينتظرها و كأنه كان علي يقين من قدومها فخرجت شهقه خافته من جوفها و أنتشر الخجل علي ملامحها و تراجعت خطوتان للخلف و هي تناظره بكبرياء قابله هو بسخريه ظهرت بصورة خاطفه في نظراته التي سرعان ما عادت لجمودها و قد اختفي ذلك البريق الآخاذ الخاص بهما و الذي كان يضيئها في اللقاء الأول لهما و كأن مصباحها انطفئ. 

دون أي مقدمات خرج الكلام من فمه بخشونه تليق بملامحه كثيرًا 

" مش عايز أي حاجه تتسرب للصحافه . "


قطبت جبينها و قد أدهشها حديثه فقالت بعدم فهم 

" و إيه دخل الصحافه في إلي حصل ؟"


ناظرها بإستخفاف قبل أن يقول بقسوة

" إلي مات دا يبقي حازم منصور الوزان !"


شعرت بأن حديثه يحمل إعصارًا من الألم و الغضب فوجدت نفسها تقول بشفقه تسللت بغته إلي داخل قلبها 


" البقاء و الدوام لله "


هز رأسه دون أن يجيبها و قال بلهجه جافه و كأنه يلقي أوامره و عليها السمع و الطاعه 

" هسيبلك حراسه علي باب الاوضه عشان لو حد من الصحافه حاول يوصلكوا "


خرجت الكلمات منها حادة غضبًا من لهجته الآمره

" إحنا مش محتاجين حراسه إحنا نعرف نحمي نفسنا كويس "


زفر بحدة قبل أن يقول بنبرة فولاذيه و عينان ترسلان سهام التحذير

" كلامي يتنفذ من غير نقاش ."


فرح بسخريه و قد نست كل شئ يحدث حولها فقط ذلك الرجل المتعجرف المغرور الذي ينجح في إثارة غضبها كلما التقت به 

" أوامرك دي تمشي عالناس كلها إلا عليا. و بعدين لو هتحمينا يبقي أحمينا منكوا إلي اخوك عمله دا غلط كبير اوي . أيًا كان وجعه مالوش حق أبدًا يعمل إلي عمله و يدخل يهدد جنه بالشكل دا "


كانت تناطحه و كأنهما متساويان و كان هذا يزيد من وقود غضبه الذي يحاول أن يقمعه بداخله خوفًا من عواقب وخيمة لا تحمد عقباها و قد تجلي غضبه بنبرته حين قال بقسوة من بين انفاسه

" أدعي ربنا انه ميكونش لينا حق عندكوا عشان هيكون تمنه غالي أوي. أشك أنك تقدري تدفعيه ."


جفلت من نبرته القاسيه و كلماته الحادة كنصل السكين و لكنها كالعادة تظاهرت بالثبات و حمدت ربها بأن نظارتها الطبيه حجبت عنه إهتزاز حدقتيها . و قالت بصوت يملؤه التحدي

"و لو إحنا إلي لينا حق عندكوا ؟"


تغيرت نظراته كليًا و طافت فوق ملامح وجهها قبل أن يقول بخشونه

" أتأكدي أنك هتاخديه مني أنا شخصيًا "


كانت تلك آخر كلماته التي ألقي بها و إستدار بهيبته الطاغيه التي كانت تبعث علي نفسها الرهبه فزفرت بحدة قبل أن تستند علي الحائط خلفها و هي علي يقين من أن شقيقتها قد أقحمتهم بالجحيم الذي ستظل شياطينه تلاحقهم لوقتً طويل ..


عِند حلول المساء كانت جنة غارقه في نومًا عميق بفعل المهدئ القوي الذي أعطاه الطبيب لها بعد انهيارها الشديد أثناء النهار غافله عن أقدام الشر التي أخذت تتقدم من مخدعها تنوي الفتك بها دون رحمه و ما أن وصلت اليها حتي أطلقت سهام نظراتها الحارقه علي تلك التي تنام لا حول لها و لا قوة و قذفت سمومها بجانب أذنها بصوت كفحيح الأفاعي 

" نومتك الأخيرة هتكون علي أيدي و زي ما دفنته هدفنك أنتي كمان .."


#القبضة_الثالثة ✊♥️

#نورهان_آل_عشري 


تجاوز الحزن موهبه لم أتمتع بها يومًا ..

رأيت الكثير ممن إستطاعوا تجاوز أحزانهم ببراعه. منهم من كان يسكُب حزنه فوق أوراقه علي هيئه حروف أمتزج حبرها بالدموع، و منهم من كان يراوغ حزنه بين طيات الكُتب دافنًا إياه بين صفحاتها، و آخرون ألقوا بآلامهم بعمق الليل بين السجود و الركوع. بينما أنا كنت أعيش حزني كاملاً للحد الذي جعل شفائي منه أقرب إلي المستحيل ...


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


الشر حولنا دائماً و لكنه لن يستطيع أذيتنا أو المساس بنا إلا أذا أعطيناه الفرصه لذلك . إحتماليه هذا الإعتقاد كبيرة و لكن في كثير من الأحيان يكمُن الخير في جوف الشر أو ما كنا نعتقده شرًا و لكنه لم يكن سوي إبتلاء لا يتطلب منا سوي الصبر عليا و الرضا بالقضاء و القدر .


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


تململت جنة في نومتها و كأنها شعرت بشعاع حاد مُسلط عليها ينفّذ إلي داخل أعماقها مصدره عينان تجوبان ملامحها بسخط و حقد كبير تتمني لو أن لها الخيار لكانت الآن مدهوسه تحت أقدام شاحنه ضخمه تمزقها لأشلاء حتي تتأكد من عدم نجاتها . هكذا كانت تنظر إلي جنه التي التفتت لرؤيه ذلك الشخص الماثل علي الجهه الآخري لمخدعها و لكنها تفاجئت حتي جحظت عيناها حين رأت ساندي أكثر الناس كرهًا لها و ذلك لعلاقتها السابقه بحازم و التي أنتهت ما أن وقع بحب جنة هكذا أخبرها ذات يوم و هنا تفهمت جنة السبب وراء نظرات السخط و الكره الشديد التي كانت تناظرها بها تلك الفتاة.

في البدايه كانت تغضب و لكن بعد ذلك أصبحت تتجاهلها و لا تهتم بها و لكن السؤال لماذا هي هنا الآن ؟


و كأن سؤالها إرتسم علي ملامحها لذا ظهرت إبتسامه ساخرة علي شفاه ساندي و لكن لم تصل أبدًا لعينيها التي كان الحقد يغلفها و قد تجلي ذلك في نبرتها المسمومة حين قالت 

" أخيرًا السندريلا صحيت !"


كان التهكم يغلف حديثها و لكن نبرتها كانت مرعبه خاصةً لجنة التي كانت في وضع لا تُحسد عليه و لكنها حاولت التماسك قليلًا و هي تقول مستفهمه 

" أنتي هنا بتعملي إيه ؟"


زادت إبتسامه ساندي أكثر و إزدادات قتامه عيناها الخضراء و هي تقول ساخرة 

" جايه أطمن عليكي و أتأكد أنك لسه عايشه .. عشان بصراحه كنت هزعل أوي لو موتك مكنش علي أيدي .."


جفلت جنة من حديث تلك المجنونه التي لا تدري لما ألقت بها الأقدار في طريقها و لكنها حاولت الصمود و أن لا تظهر خوفها الكبير منها لذا قالت بقوة واهيه 

" أنتي مجنونه إيه إلي أنتي بتقوليه دا . أنتي فاكرة أنك كدا بتخوفنيني ؟؟"


ساندي بلهجه ساخرة 

" لا بخوفك إيه لا سمح الله.. أنا بس بعرفك إن نهايتك دي هتكون علي أيدي ."


قالت جملتها الأخيرة بقسوة شديدة و هي تشير بيدها مغلقه قبضتها بقوة بدون أن تشعر إرتدت جنة للخلف بذعر لم تستطع إخفاءه فابتسمت ساندي بسخريه قبل أن تقول بنبرة خافته مهددة 

" متخافيش أوي كدا مش هموتك دلوقتي. لسه بينا حساب طويل لازم يتصفي. "


كانت ترتجف رغمًا عنها فما مرت به في الساعات الماضيه لم يكن سهلًا حتي تأتي تلك المجنونه لتزيد من معاناتها أكثر و قد تجلي ضعفها في نبرتها المستنكرة حين قالت 

" حساب إيه انا مفيش بيني و بينك حاجه . و بعدين أنا إرتبطت بحازم بعد ما سبتوا بعض . يعني لو فاكرة إني خدته منك تبقي غلطانه"


لا تعلم لما كانت تقول هذا الكلام تحديدًا في ذلك الوقت و لكنها كانت تريد الإفلات من بين براثن تلك المقيته التي طالعت خوفها بتسليه قبل أن تقول و هي تشدد علي كل حرف تتفوه به 

" أنا و حازم عمرنا ما سبنا بعض "


قطبت جنة جبينها و قد بدا الرفض علي ملامحها لتناظرها ساندي بتشفي قبل أن تقول بنبرة كشفرات حادة مزقت قلبها 

" أقولك دليل صغير . بأمارة شقه المعادي و إلي حصل ! ياتري فاكرة و لا نسيتي . عموما لو نسيتي أنا هفكرك و هعرف كل الناس حقيقتك الزباله ."


إزداد إرتجاف جسدها حتي أصبح انتفاضًا تزامنًا مع هطول العبرات من مقلتيها و ظهر الرعب جليًا علي ملامحها التي شحبت فجأة و قد أرضي مظهرها هذا غريمتها كثيرًا فنصبت عودها و رسمت ابتسامه سعيدة شامته تتنافي تمامًا مع الحزن الدامي الذي يسكن قلبها و لكنها كانت تتجاهله بقوة إرتسمت بصوتها حين قالت 

" فضيحتك هتبقي علي كل لسان . هخلي الناس كلها تعرف قذارتك . هتتمني الموت و مش هتطوليه غير لما أقرر أنا . "


عند إنتهاء جملتها سمعت قفل الباب يدور و أطلت فرح عليهما لتصدمها حالة جنة التي كان الموت مرتسم فوق ملامحها فهرولت فرح إليها و قد تفرقت نظراتها بين شقيقتها و تلك الغريبه التي تتشح بالسواد في لباسها و علي ملامحها فلم ترتح أبدًا لها لذا قالت بصوت قوي و هي تحتضن جنه بين ذراعيها 

" مالك يا جنة في إيه ؟ و مين دي ؟"


ألقت إستفهامها الأخير و عينان يرتسم بهم التحدي و هي تنظر إلي تلك الغريبه و التي قالت ساخرة 

" أنا صاحبة جنه الأنتيم . "


أجابتها فرح بفظاظه

" بس أنا أعرف أصحاب جنة كلهم و أنتي مش منهم "

ساندي بتهكم 

" واضح ! واضح أنك تعرفي أصحابها كلهم . عموما أنا هسيب جنة تقولك أنا مين . أبقي عرفيها يا جنة و أوعي تخبي عنها حاجه أبدًا . دي بردو أختك الكبيرة !"


أطلقت جملتها الأخيرة في تحدي واضح لعينان جنة التي كانت ترتجف داخل أحضان شقيقتها تتابع إنسحاب ساندي التي تلونت ملامحها بالغضب الشديد الممزوج بحزن دامي و هي تتوجه إلي باب الغرفه مغلقه إياه بقوة إنتفض لها جسد جنة التي أدارتها فرح لتواجهها و هي تقول بترقب 

" مين البنت دي يا جنه ؟"


شعرت فرح بأن تلك الفتاة تبتز شقيقتها بطريقه ما و قد صح ظنها حين سمعت صوت جنة الخالي تمامًا من الحياة و هي تقول 

" دي أكتر واحدة بتكرهني في الدنيا "


***************


كانت تجلس خلف مقود سيارتها و هي تنظر أمامها بضياع و عيناها يتساقط منها الدمع كالمطر و قلبها الملتاع يتمني لو يتوقف عن الخفقان حتي يريحها من ذلك الألم الدامي فقد شهدت اليوم علي فراق حبيبها الذي أختار قتلها بسكين الغدر و هو علي قيد الحياة بتفضيله آخري عليها و لكنها كانت تمني نفسها كذبًا بأنه حتمًا سيعود إليها بعد أن يمل من تلك الفتاة التي لم تكره أحد مثلها أبدًا . و لكن ما حدث لم يكن في الحسبان فمنذ أن علمت خبر موته و قد شعرت بأنها علي وشك الجنون فأخذت تصرخ بهستيريا حتي إرتعب من حولها و حاولوا تهدئتها بشتي الطرق و لكن هيهات لم يستطع أي شئ ايقاف جنونها سوي معرفتها بأن تلك الفتاة كانت معه . فهو فضلها عليها بحياته و حتي عندما أختار الموت اختار أن يموت بجانبها .

حينها أنتابها هدوء قاتل دام لساعات قبل أن تتوجه إلي مشفي والدها و الذي كان يرقد به معذب فؤادها الراحل و غريمتها التي تنوي جعلها تدفع ثمن كل هذا العذاب الذي عاشته و سيظل يحيط بها طوال حياتها .

تذكرت حديث الطبيب المسؤول عن حالة حازم الذي وصل إلي المشفي بحالة خطرة للغايه و قد أخبرها الطبيب بأن حازم كان مخمورًا و متعاطيًا لنسبه كبيرة من المخدرات و فورًا إستغلت هذا لصالحها 


عودة لوقت سابق 


خرجت من المرحاض بعد أن قذفت كل ما في جوفها و قد كان هذا تعبير جسدها عن الحزن الذي أغتاله دون رحمه فتفاجئت بسالم و سليم أشقاء حازم يخرجون من غرفة الطبيب المسؤول عن حالة حازم و قد كانت إمارات الدهشه و الصدمه تغلف وجوههم فأخذ الأخوان ينظران إلي بعضهم البعض بعدم تصديق و طال صمتهم إلي أن قطعه سليم الذي قال بإستنكار 

" بقي معقول إلي سمعناه دا . حازم أخويا كان مدمن !"


ظل سالم علي صمته لثوان قبل أن يعيد سليم الحديث قائلًا بنبرة أعلي و أكثر خشونه 

" إزاي ؟ أنا مش قادر أصدق . أكيد الكلام دا في حاجه غلط !"


قطع سالم صمته و قال بلهجه جافه مريرة

" لا صح . و الدليل أننا رايحين ندفنه دلوقتي "

أهتزت نبرته حين أختتم حديثه لتخرج صرخه غاضبه من فم سليم الذي قال بغضب 

" ليه يا حازم كدا ؟ ليه تعمل في نفسك و فينا كدا ؟"


سالم بلهجه متألمه 

" دي آخرة الصحبه السيئه."

التمعت الوحشيه بعينان سليم الذي زمجر بغضب 

" لازم أعرف مين إبن الحرام إلي وصل أخويا للحاله دي ."


حينها تدخلت هي قائله بلهجه ثابته لا يشوبها أي تأنيب ضمير فهي فرصتها الذهبيه للنيل من غريمتها و الأخذ بثأرها

" أنا عارفه مين وصله لكدا "


إلتفتت الرؤوس تناظرها بنظرات متفحصه سرعان ما تحولت لمستفهمه. فتقدمت إليهم بأقدام تكاد تلتف حول بعضها من شدة الضغط و لكنها وصلت بسلام و هي تناظرهم بعينان ثابته يغزوها خطوط حمراء تحكي عن مدي الأنهار التي ذرفتها و لكن سالم تجاهل هيئتها المبعثرة و ملامحها الشاحبه قائلًا بخشونه

" أنتي مين ؟"


أجاب سليم بدلًا عنها 

" دي زميله حازم في الجامعه . أنا مش فاكر اسمك بش شفتك معاه قبل كدا "


هزت ساندي رأسها بموافقه قبل أن تقول بصوت متحشرج 

" أسمي ساندي كنت صاحبه حازم و زميلته في الجامعه "

عند ذكرها لاسمه فرت دمعه هاربه من طرف عيناها تخبرهما بأن القصه لم تكن مجرد صداقه أو زماله 

تحدث سالم قائلًا بفظاظه

" هاتي إلي عندك !"


جفلت من لهجته الفظه و لكنها حاولت الثبات قدر الإمكان و هي تجيبه قائله بقوة

" جنة .. جنة هي السبب في إدمان حازم ."


لم تهتز ملامح سالم بل ظل يناظرها بغموض بينما خرج إستفهام غاضب من جانب سليم الذي قال 

" جنه دي إلي كانت معاه في الحادثه ؟"

ساندي بتأكيد

" أيوا هي "


سليم بحنق 

" قولي إلي عندك كله مرة واحده ."

كان غضبه مخيف و قتامه عيناه تبعث الرهبه بداخلها و لكنها أبدًا لن تتراجع لذا قالت بثبات 


" حازم اتعرف علي جنة دي من حوالي أربع شهور وقتها رسمت عليه دور البنت البريئه الخجوله لحد ما قدرت تجذب أنتباهه و وقعته في حبها و بعدها حازم أتغير من ناحيتنا و مبقناش نشوفه زي الأول . كان بيقضي وقته كله معاها و خلته يقطع علاقته بينا و بالصدفه أكتشفنا أنها تعرف وليد الجلاد و دا أكتر واحد بيكره حازم . و لما قولتله مصدقنيش و فكر إني بكرهها و من مدة قريبه بدأ يبان أنه مش على طبيعته لحد ما أكتشفت أنها جرته لسكه الأدمان ."


أنهت قصتها الوهميه و التي بها أحداث يشوبها بعض الصدق و هي تناظرهم بثبات أهتز قليلًا أمام نظرات سالم الغامضه و لكن أتت زمجرة سليم لتجعل الاطمئنان يغزو قلبها بأن خطتها سارت بشكل صحيح 


أنتفضت كل خليه به غاضبه تلعن تلك الشيطانه التي تسببت في هلاك أخاه و هدر بقسوة 

" الحقيرة .. نهايتها هتكون علي إيدي "


أنهي جملته و إندفع كالثور لا يري أمامه بينما ناظرها سالم مطولًا قبل أن يقول بنبرة جافه بها تهديد مبطن 

" متأكدة من كلامك دا !"


أبتلعت ريقها بصعوبه قبل أن تقول بنبرة حاولت جعلها ثابته قدر الإمكان 

" و أنا هكذب في حاجه زي كدا ليه ؟ "


إحتدت عيناه قبل أن يقول بلهجه فظه متوعدة

" انتي أدري . "

اهتزت نظراتها و كذلك نبرتها حين قالت بإرتباك 

" تقصد إيه ؟"


سالم بلهجة قاسيه تشبه قساوة عيناه حين قال 

" أدعي ربنا يكون كلامك صح عشان لو طلعتي بتكذبي.. !!!"


لم يكمل جملته بل ترك المهمه لعيناه التي أجادت بث الذعر بقلبها الذي إنتفض الآن عائدًا بها إلي الوقت الحالي و هي ترتعب من بطش ذلك الرجل الذي أعطت كل الحق لحازم في أن يخاف منه فهو يبعث الرهبه في النفوس و لكن لا يهمها فهي ستنفذ خطتها و ستأخذ بثأرها مهما كلفها الأمر ...


*****************


لم يُخلق الكمال أبدًا علي الأرض فهي دار فناء خُلقنا بها لنشقي و نمر بإختبارات عديدة حتي نستحق الفوز بالجنه و بالرغم من أن قلوبنا لم تشتهي العذاب أبدًا إلا أنه كُتب علي أولئك الذين ا

إتخذوا من العشق مذهبًا فظنوا بأنه طريقهم إلي الجنة و قد تناسوا بأن العذاب و العشق وجهان لعمله واحده فما العشق الا عذاب لذيذ يستقر في أعماق القلب الذي يضخه إلي سائر أنحاء الجسد فتشعُر بالنشوة التي تمنحك شعور عارمًا بالسعادة كالأدمان تمامًا تعلم أنه هلاكك و لكنك ترفض التعافي منه ..


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


صباحًا كان الوضع هادئا خصوصًا من جانب جنة التي أتخذت الصمت منهجًا منذ البارحه و أن حاولت فرح الحديث معها تصطنع النوم حتي تهرب لا تعرف إلي أين قد يوصلها ذلك الهروب و لكن لم تكن تملك خيار آخر فما تواجهه أكبر بكثير من قدرتها علي التحمل.


أمتثلت بهدوء إلي أوامر الطبيب بضرورة تناولها الطعام و الأدوية بإنتظام حتي يشفي جسدها فودت لو تسأله فهل يوجد دواء للروح المعذبه حتي تشفي أم ستظل جريحه متألمه لبقيه حياتها ! 

كانت فرح تشعر بالإختناق من هذا الصمت المحيط بهما و الذي يتنافي مع كل ذلك الضجيج برأسها فبلحظه إنقلبت حياتهما رأسًا علي عقب و لا تعلم ماذا عليها أن تفعل و شقيقتها بقدر ما تشفق عليها فهي غاضبه منها و بشدة و لكن لا تستطع الحديث فحالتها لا تحتمل شيئًا آخر .


كان الهدوء من أهم الصفات التي تميزها و الآن هي تمقته تريد الشجار الصياح تريد أن تجلس وسط ضوضاء كبيرة حتي تلتهي و لو قليلًا عن الضوضاء التي تكاد تنخر عقلها

زفرت بقوة قبل أن تلتفت إلي شقيقتها قائله بنبرة هادئه نسبيًا 

" أنا هروح أجيب حاجه سخنه أشربها من الكافيتريا . أجبلك معايا ؟"


هزت جنة رأسها بالرفض و هي تقول بنبرة مبحوحه 

" لا شكرًا مش عايزة أنا هحاول أنام شويه ."


أومأت برأسها و توجهت إلي الخارج و هي تحاول أن تتنفس بشكل منتظم و تهدء من توترها قليلًا حتي تستطيع التفكير برويه .


****************


كان سليم يطالع الجياد بنظرات ضائعه و ملامح باهته كبهوت كل شئ حوله . فرائحه الموت تحيط به في كل مكان و الحزن ينخر أنحاء جسده و لا طاقه له برؤيه أحد و لا الحديث مع أحد و لكنه مجبر علي الوقوف بين الجموع ليأخذ واجب العزاء الذي كان ثقيلًا عليه كثقل شاحنه ضخمه تمر فوق قلبه فللآن عقله لا يستوعب ما حدث و فقدانه أخاه . و لكن مشهد الناس من حوله يذكره بفجيعته الكبري التي يحاول تناسيها بشتي الطرق حتي يستطيع التنفس بسهوله و لو لثوانً .


شعر بيد قويه تسقط فوق كتفه فعرف صاحبها علي الفور فقد كانوا ثلاث اضلع لمثلث العائله التي تعتمد عليهم كليًا و الآن فقد المثلث أحد اضلعه فإختل توازن الضالعين الآخرين و لم يتبقي لهم سوي الإستناد علي بعضهم البعض حتي لا يسقطا و يسقط معهم الجميع .


تحدث سالم بهدوء لا يشعر أبدًا به 

" الهروب عمره ما كان حل يا سليم "


فطن سليم إلي ماذا يرمي أخاه فأخذ نفسًا طويلًا قبل أن يقول بنبرة متحشرجه

" مش هروب يا سالم أنا بس بحاول افهم . أنا واقف وسط الناس مستنيه يطلع من أي مكان ييجي يقف جمبنا زي ما أتعودنا نكون جمب بعض إحنا التلاته "


أطبق سالم جفنيه يحارب دموعًا تقاتله بضراوه حتي تظهر للعلن فقلبه لم يعد يتحمل ذلك الألم الرهيب الذي يعصف به و لكنه مجبرًا علي التماسك في حين إنهيار الجميع من حوله لذا أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بتأثر 

" دا قضاء ربنا و قدره و إحنا مؤمنين بالله "


سليم بقله حيله

" لا إله إلا الله . أنا مش معترض والله بس مش قادر أصدق . عقلي مش مستوعب . "

سالم بفظاظه

" عشان كدا بتغلط يا سليم !"

ازداد عبوس ملامحه و هو يقول بإستفهام

" تقصد إيه ؟"


سالم بتقريع خفي 

" إلي حصل في المستشفي غلط و مينفعش يتكرر تاني !"


زفر سليم بحدة قبل أن يقول بعنف مكتوم 

" غلط ! و إلي حصل لحازم علي أيدها كان صح !"


سالم بخشونه و قد إسودت عيناه من الغضب 

" مفيش حاجه من إلي حصلت كانت صح ! بس مينفعش نعالج غلط بغلط اكبر ."


سليم بحنق 

" يعني أخويا يموت بسببها و أسيب الهانم تعيش حياتها عادي "


سالم بنفاذ صبر 

" إيه عرفك أنها السبب في إلي حصله ؟"

سليم باندفاع 

" البنت إلي قالت..."


قاطعه سالم بعنف 

" تعرف منين أنها مبتكذبش . معاها دليل ؟ شفت بعينك إلي يخليك تصدقها !"


زفر سليم بحدة و لم يجيب ليواصل سالم حديثه الصارم 

" إحنا مش ظلمه يا سليم . لازم نتأكد قبل ما نخطي أي خطوة . أرواح البني آدمين مش لعبه في إيدنا"


إزداد غضبه من حديث أخاه فصورتها المدمرة لازالت عالقه بذهنه منذ البارحه و الظنون تتقاذفه بكل الجهات فتارة يشعر بشفقه خائنه تتسلل إلي قلبه تجاهها و تارة يشعر بأنه يود لو يذهب يحطم رأس تلك الحقيرة التي تسببت في فجيعتهم لذا قال بهياج

" و هنتأكد امتا و إزاي ؟ و علي ما نتأكد هنعمل معاها إيه ؟"


سالم بغموض 

" كل شئ بأوانه. و خليك متأكد إني مش هسيب تار حازم و لو بعد مليون سنه . "


أوشك سليم علي الحديث فأوقفه سالم بنظرة محذرة و هو يضيف بصرامه 

" هتبعد عن طريق البنت دي و مش هتتعرضلها أبدًا . و دا قرار غير قابل للنقاش ."


أبتلع سليم غصه صدئه بداخل حلقه و أجبر نفسه علي الإيماءة بالموافقه فلن يدخل في صراع مع شقيقه لأجلها و سينتظر ليتأكد من تورطها و حتي يقمع ذلك الرجاء الأحمق بداخله الذي يطالبه بعدم أذيتها ..


***************


في المشفي تحديدًا أمام الباب الرئيسي شاهدت فرح العديد من الصحافيين يقفون أمامه و كأنهم ينتظرون وصول أحدهم فارتعبت من أن يكون الأمر يخص شقيقتها و قد إسترجعت حديث ذلك المتعجرف عن إهتمام الصحافه بشؤونهم فأخذت تدعي الله بداخلها بأن يكون حدثها خاطئًا و ألا يكون أولئك الأوغاد يريدون مقابلة شقيقتها حقًا .


وصلت إلي غرفة شقيقتها بالأعلي فوجدت فتاة محجبه ترتدي ملابس فضفاضة تتنافي مع وجهها المزين بشكل متقن و كانت تترجي الحرس حتي يسمحوا لها بالدخول و هم يرفضون بشدة فاقتربت منهم قائله بإستفهام 

" في أي ؟"


فتحدث أحد الحراس قائلًا بإحترام

" الأنسه مُصرة تقابل جنة هانم "


إرتفع إحدي حاجباها حين سمعت لقب هانم الذي أضافه بعد إسم شقيقتها و قد لمست إهتمام أثار إندهاشها من ذلك المغرور و لكنها تجاهلت شعورها و نظرت إلي الفتاة قائله بشك 

" أنتي مين؟ و عايزة تقابلي جنة ليه ؟"


إرتبكت الفتاة لثوان قبل أن تقول بتأثر

" انا روان صاحبة جنة و عرفت بالحادثه إلي حصلتلها و جيت جري عشان أطمن عليها و هما مش راضيين يدخلوني "


ناظرتها فرح بتقييم قبل أن تقول بجفاء

" بس جنة محكتليش عنك قبل كدا "

الفتاة بثبات 

" يمكن عشان لسه متعرفين علي بعض من قريب "


هزت فرح رأسها قبل أن تقول بإستفهام 

" وأنتي عرفتي إلي حصل لجنه إزاي ؟"

أجابتها بهدوء 

" أتصلت علي موبايلها فردت عليا الممرضه و قالتلي إلي حصل"


بدا عذر معقول و لكنها لا تعلم لما لم ترتح لتلك الفتاة فقالت لها بتهذيب 

" شكرًا علي سؤالك وأنك كلفني نفسك و جيتي لحد هنا بس جنة للأسف نايمه و مش هتقدر تقابلك دلوقتي "


الفتاة بحزن 

" يا خسارة .. كان نفسي أشوفها و أطمن عليها أوي . طب ممكن أبص عليها حتي و هي نايمه و أخرج علي طول "


إحتارت فرح في أمرها كثيرًا و لكنها وافقت علي مضض لتتخلص منها فقالت بملل

" تمام . أتفضلي "


فتحت باب الغرفه و دلفت للداخل تتبعها الفتاة التي ما أن رأت جنه حتي إرتسم حزنًا زائفًا علي ملامحها و هي تقول بتأثر مصطنع 

" يا حبيبتي يا جنه. دي شكلها متبهدل أوي "


شاهدت دموع الفتاة التي تساقطت علي خديها و لم تجيبها بل ظلت تناظرها و كأنها تخترقها من خلف ستار نظاراتها . طال تأملها و طال صمت الفتاة و التي تنحنت قبل أن تقول بخفوت 

" ممكن لو سمحتي أدخل الحمام أغسل وشي ؟"


إبتسمت فرح ابتسامه بسيطه و قالت بود 

" طبعا . طبعا أتفضلي ."


توجهت الفتاة الي الحمام و الذي كان يقابل سرير جنة فما أن دخلت حتي أخرجت آله تصوير صغيرة نوعًا مخبئه بين ملابسها الفضفاضه و قامت بمواربه باب المرحاض بمساحه كافيه لعدسه آلتها حتي تلتقط صورة جنة النائمه بعمق مبعثرة الهيئه .


ما أن التقطت صورتان حتي فُتِح الباب فجأة علي مصرعيه و ظهرت فرح التي علمت بأن هذه الفتاة تخبئ شيئًا ما و قد ظنت بأنها يمكن أن تكون صحافيه متخفيه و قد صدق ظنها فقامت بجذب آلة التصوير بعنف من بين يدها و هي تقول بغضب مكتوم 

" كنت شاكه إنك وراكي حاجه .."


جفلت الفتاة من ما حدث و أخذت توزع نظراتها بين فرح و يدها الممسكه بآلة التصوير الخاصة بها و لكن قطع نظراتها يد فرح التي إمتدت تجذبها من يدها بعنف تجرها إلي الخارج و الفتاة تتوسل إليها حتي تتركها و تعطيها الكاميرا الخاصه بها و ما أن وصلوا الي الخارج حتي دفعتها فرح بقوة و هي تصرخ بغضب 

" أنتي بني آدمه معندكيش إحساس و لا دم وصلت بيكي القذارة أنك تلعبي علي مشاعر الناس عشان تكشفي سترهم . "


حاولت الفتاة التقرب من فرح و هي تقول من بين بكاءها 

" أنا والله مقصدتش أرجوكي إديني الكاميرا بتاعتي "


هنا تدخل أحد رجال الحراسه قائلًا لفرح بإحترام 

" عن إذنك يا فرح هانم اتفضلي أنتي و إحنا هنتعامل معاها ."


تفرقت نظرات فرح بين عينان الفتاة المتوسله و الدمع يتقاذف منها و بين الرجل الذي حتمًا سيخبر سيده و قد يؤذي هذه الحمقاء و هذا ما لا تريده لذا قالت فرح بصرامه 

" انا هحل الموضوع . "


وجهت أنظارها إلي الفتاة متابعه بتقريع 

" أنا هعدي إلي حصل دا عشان عواقبه هتكون وخيمه عليكي و في المقابل هاخد الكارت بتاع الكاميرا.. و أياكي أشوف وشك هنا تاني "


أوشكت الفتاة على الحديث فأوقفتها فرح قائله بحدة

" و لا كلمه و إلا هديهم الكاميرا و مش هتشوفيها تاني .."


أطرقت الفتاة برأسها في حين أن فرح قامت بإخراج الكارت من آله التصوير و أعطتها إياها مرفقه بها نظرات محتقرة تقبلتها الفتاة بحنق مكتوم و توجهت إلي الاسفل 


" فرح هانم !"


التفتت فرح علي نداء أحد الحراس و قد ضايقها هذا اللقب الذي كان يرفقه مع اسمها فقالت بصرامه 

" أسمي آنسه فرح بلاش هانم دي لو سمحت ."


اومأ الرجل برأسه و أعطاها الهاتف و هو يقول بإحترام 

" الباشا عايزك "


لا تعرف لما شعرت بالتوتر حين أخبرها بأنه يريدها و إزدادت دقات قلبها ربما لأنها كانت متأكدة من أنها ستخوض شجارًا معه كعادتهم أو لسبب آخر ربنا لا تعرفه . لذا حاولت سحب أكبر قدر من الأكسجين بداخلها حتي تستعيد بعضًا من هدوئها الذي تجلي في نبرتها حين أجابت 

" ألوو"


من البدايه و هو متحير في أمر تلك المرأة لديها كبرياء قوي لم يره مسبقًا في إمرأة تحمل همومًا أقوي بكثير من طاقتها. يكاد يُجزِم بأنها تشتهي الإنهيار و حينما تكون علي حافته تتراجع و تعيد هيكلة بنائها لتقف شامخه من جديد . و تلك القناعه التي لم يصدقها في البدايه و لكنه الآن في طريقه للإيمان بعصاميتها التي تدعيها.

أتاه صوتها الهادئ من الهاتف لينفض تلك الأفكار من رأسه و هو يقول بفظاظه

" متتصرفيش تاني من دماغك . أنا مش سايب الرجاله إلي عندك دول صورة !"


جفلت من لهجته الفظه و لكنها حاولت إستفزازه إذ قالت بتعالي 

" مبتصرفش غير بدماغي . و بالنسبه لرجالتك قولتلك مش محتاجينهم و أظن دلوقتي أنت أتأكدت "


تضمنت لهجته سخريه مبطنه و لكنها شعرت بها من مغزي كلماته حين قال 

" أتأكدت فعلًا ! لولا الرجاله إلي مش عاجبينك دول مكنتش البنت إلي صعبت عليكي دي هتمشي غير و هي واخده الفيلم حتي لو علي جثتك ! "


تعلم بأنه قد يكون محقًا فهي علي الرغم من عفوها عن تلك الفتاة و لكنها لمست الحنق و البغض في نظراتها و لكنها أبت التراجع إذ قالت بعنفوان

" قولتلك قبل كدا و هقولها تاني أنا أقدر أدافع عن نفسي و عن أختي كويس "


سالم بتهكم تجلي في نبرته حين قال 

" و ماله هشوفك هتعملي إيه مع جيش الصحافيين إلي واقف تحت !"


اقشعر بدنها للحظه و هي تتخيل نفسها تقف في مواجهه كل هؤلاء الملاعين أمثال تلك الفتاة معدومه الضمير فحتمًا سيسحقوها تحت أقدامهم في سبيل الوصول إلي مبتغاهم 


تحدث سالم بتقريع خفي و تهكم جلي

" بالظبط زي ما أتخيلتي . عشان كدا أسمعي الكلام من سكات لحد ما نشوف هنتصرف ازاي !"


إغتاظت من حديثه و غروره و تعجرفه و لكن لفت إنتباهها كلمته الأخيرة في ماذا سيتصرفون ما المشترك بينهم حتي يقول تلك الكلمه و هي تدرك بأن كلماته البسيطه و التي يمكن أن تعد علي أصابع اليد لا يمكن أن تخرج جُزافًا لذا همت بسؤاله عن ما يعنيه و لكنها تفاجأت بذلك المتحذلق يغلق الهاتف في وجهها فأغمضت عيناها و قد تمكن الغضب منها للحد الذي جعلها تود لو تطحن عظام الهاتف بين يديها و لكن صوت ضوضاء قادمه من الاسفل أخرجها من بؤرة الغضب تلك لتتفاجئ بعد ثوان بجيش الصحافيين الذين كانوا ينتظرون بالأسفل و الآن يهرولون تجاهها فلم تشعر بنفسها سوي و هي تدخل إلي غرفة شقيقتها بلمح البصر و تقف مستندة بظهرها علي الباب الذي توقعت أن يتحطم فوق رأسها بأي وقت فاغمضت عيناها بشدة إلي أن هدأت تلك الضوضاء في الخارج و قد أيقنت بأن الحراس قد صرفوهم و هنا دونًا عنها حمدت ربها كثيرًا لوجودهم في الخارج .


شعرت بالحرج للحظات و هي تتخيل وجه ذلك المغرور يناظرها بتشفي قائلًا 

« أين شجاعتك الواهيه ؟ »


زفرت بحدة و أخذت تلعنه بداخلها هو و عائلته أجمع و لكنها توقفت ما أن رأت سرير شقيقتها فارغًا فتوجهت علي الفور إلي المرحاض لتستمع إلي صوت المياة الآتي من الداخل فإرتاحت قليلًا و لكنها ظلت تقف أمام الباب لا تعلم السبب و لكن كان قلبها يُنذِرها بأن شيئًا سيئًا علي وشك الحدوث .

مرت دقائق قليله و مازال صوت المياة بالداخل فحاولت النداء علي شقيقتها و لكنها لم تتلقي إجابه لذا لم تستطع منع نفسها من فتح باب المرحاض لتجحظ عيناها بصدمه و هي تراها مُلقاه فوق أرضية المرحاض غارقه بدمائها ..


***************


بعد مرور ساعه كانت فرح تقف أمام غرفة العمليات تحتضن كتفيها بذراعيها مستنده علي الحائط وحدها و عبراتها تتقاذف من مقلتيها بصمت عاجزة عن الحراك فمنذ أن رأت مظهر شقيقتها غارقه بدمائها حتي ظلت تصرخ بقوة الي أن آتي الحراس و الأطباء الذي قاموا بنقل « جنه »علي الفور إلي غرفه العمليات لمحاولة إنقاذها . 

بينما هي ظلت تقف أمام الغرفه تنتظر خروجها سالمه و عقلها يرفض أي روايه آخري قد تخلو منها .


كانت ترتجف لا تعلم بردًا أم خوفًا و لكن هذه اللحظه هي الأكثر ضعفًا في حياتها . لطالما كانت قويه لا تهاب شئ فمنذ وفاة والدها أصبحت هي عمود عائلتهم الصغيرة و المتصرفه بكل أمورهم و لكنها الآن تشعر بنفسها عاجزة ضعيفه هشه . ترتجف بصمت و قلبها يتضرع إلي الله أن ينقذ شقيقتها فبدونها لن تستطيع العيش لحظه واحده ...


كان يأكل الأرض بخطواته و هو يتوجه إلي غرفه العمليات للإطمئنان علي تلك الغبيه التي لا تزيد الأمور إلا سوءًا فما أن أخبره رجاله بما حدث حتي هرول إلي المشفي للإطمئنان عليها و للحق كان هناك شعورًا بالقلق يتسلل بداخل قلبه علي تلك التي تدعي قوة لا تملكها و لكنه كان يتجاهل هذا الشعور نافيًا عن نفسه أي شبهه إهتمام بها . ليتفاجئ ما أن رأي ذلك الجسد الصغير الذي بدا لطفله في العاشرة من عمرها تقف وحيدة خائفه تحتضن جسدها بيدين مرتعشتين و أقدام للحظه شعرت بأنهم غير قادرة علي حملها فأسندت رأسها علي الحائط خلفها و إنزلقت ببطئ حتي إفترشت الأرض من تحتها و رأسها ملقي للخلف فكان مظهرها المنهار هذا جديدًا كليًا عليه فقد عهدها دائمًا قويه صلبه و برغم معرفته بأن صلابتها ما هي سوي جدار تخفي به وهنها إلا أن مظهرها ذلك و لسبب غير معلوم قد آلمه .و بعث في نفسه شعور بعدم الراحه فتوقف بمنتصف الرواق و قد إنتابه التردد الذي قلما يزوره و لكنه حقًا لم يكن يعلم هل يتقدم لمواساتها و هو دور لا يتقنه أبدًا أم يتراحع و يتركها و لكنه شعر بالرفض لتلك الفكرة بقوة لذا تقدم بخطوات سُلحفيه إلي حيث تجلس و كلما كان يقترب أكثر كلما يتوضح مظهرها المزري و الذي لم يعهده أبدًا .


توقف أمامها و قام بإخراج أحدي المحارم الورقيه يمدها إليها و هو يقول بنبرة هادئه رزينه 

" أنسه فرح !"


جفلت عندما شاهدت المنديل الورقي الممدود إليها و علي الفور عرفت لهجته التي و لأول مرة كانت خاليه من أي تهكم و سخريه بل لمحت بها شئ من التعاطف و الذي لقي صداه بعينيها التي حين إرتفعت إليه إرتسم بها الضعف للحظه قبل أن تلقي به جانبًا و تهب من مكانها متجاهله يده الممدودة أمامها و قامت برفع رأسها تناظره بشموخ قائله بلهجه متحشرجه

" إيه إلي جابك ؟"


عادت القطه لتهاجم مرة ثانيه و قد راق له ذلك فقد أغضبه و ربما آلمه مظهرها المنهار لذا رؤيتها تحاول التوازن هكذا أراحه قليلًا فعادت لهجته لجفاءها السابق حين قال بإختصار

" مش شغلك . "


أرتفع إحدي حاجبيها الجميلين و أتسعت غابتها الخضراء من وقاحه ذلك الرجل فخرج الكلام منها غاضبًا تغلفه السخريه 

" يمكن عشان إلي جوا في أوضه العمليات دي أختي !"


تجاهل سخريتها و غضبها المتقد في نظراتها و قال بفظاظه

" إيه الي حصل عشان تعمل في نفسها كدا ؟"


للحظه ظهر الألم الممزوج بالحيرة علي ملامحها و لكنها أتقنت إخفاءه حين أجابت ببساطه

" معرفش ! أنا كنت بره و دخلت ملقتهاش و سمعت صوتها في الحمام و لما أتأخرت دخلت أشوفها لقيتها .."


توقفت الكلمات علي أعتاب شفتيها و أبتلعت ألمها الذي يشق قلبها لنصفين بمهارة ليفهم ما ترمي إليه فقال بإستفهام 

" حصل بينك و بينها حاجه ؟"


خرج الطبيب في تلك الأثناء و طمأنها علي حالة جنه التي تم إنقاذها بأعجوبه و أخبرها بأنه سيتم نقلها إلي غرفتها بعد نصف ساعه فخرجت منها زفرة إرتياح قويه و حمدت ربها كثيرًا لتأتيها نبرته الصارمه حين قال 

" مجاوبتنيش . حصل حاجه بينك و بينها تخليها تفكر تتتحر ؟"


رفعت رأسها تناظره بغموض قبل أن تقول مستفهمه 

" حاجه زي إيه ؟"

سالم بترقب و عيناه لا تحيد عنها 

" شديتوا في الكلام مثلا !"


فرح بإختصار 

" لا !"

سالم محاولًا الضغط عليها أكثر 

" أومال هي هتحاول تموت نفسها كدا من الباب للطاق ؟ "


أغضبتها لهجته و طريقته معها و كأنه يستجوبها لذا قالت بعنف مكتوم 

" بصراحه معرفش . "


أستمر بإستفزازها قائلًا بهدوء 

" مش مفروض انتي اختها الكبيرة و تعرفي كل حاجه عنها !"


أرادت إيلامه كما آلمها لذا قالت بتهكم

" زي مانتا أخو حازم الكبير بردو و المفروض أنك كنت عارف عنه كل حاجه !"


إسودت عيناه و أزداد عبوس ملامحه الخشنه تزامنًا مع أنفاسه الحادة التي كانت تتخلل الصمت الدائم الذي قطعه حديثها المتألم حين قالت 

" أنا كنت عارفه كل حاجه عن أختي فعلًا. كانت بالنسبالي زي الكتاب المفتوح لحد ما أخوك دخل حياتنا و قلبها و خلاها لأول مرة تكذب و تخبي. ( تابعت حديثها بلهحه مريرة و نبرة أشبه بالإنهيار ) كل المصايب إلي حصلتلنا كانت بسببكوا . لو كنت أتنازلت عن غرورك و سمعت مني مكناش زمانا وصلنا للي وصلناله دلوقتي ! "


لو كانت النظرات تقتل لكانت خرت صريعه في الحال و لكن و بالرغم من مظهره المظلم كانت لهجته خافته و لكن مخيفه حين قال 

" و إيه إلي وصلتيله؟ أختك برغم كل حاجه إلا انها معاكي و في حضنك مدفنتيهاش بإيدك تحت التراب مثلًا "


أغمضت عيناها بألم جلي لم تقدر علي إخفاؤه و ودت لو تخبره بأن يكون الإنسان علي قيد الحياة فهذا لا يعني أنه بخير و لكنها أبتلعت غصه مريرة قبل أن تقول بجفاء

" ربنا يرحمه و أيًا كان مين غلط فخلاص إلي حصل حصل و الموضوع أنتهي . و أتمني أن معرفتنا ببعض تنتهي هنا زي ما كل حاجه أنتهت ."


أرتفع إحدي حاجبيه من كلماتها التي كانت ستارًا لشئ تخفيه فأخذت نظراته ترتكز علي ملامحها يحاول ثبر أغوارها و لم يفت عليه إهتزاز حدقتيها و التي لم تفلح نظارتها الطبيه في إخفاء تعابيرها بالكامل . و لكنه بنهايه المطاف أومأ برأسه دون حديث لتتراجع دون وداع ملتفته للجهه الآخري مطلقه ساقيها للريح لتحملها بعيدًا عنه و لكنها توقفت بمنتصف طريقها علي صوته الحاد و لهجته الخشنه حين قال 

" دايمًا للقدر آراء بتخالف أمنياتنا و توقعاتنا! "


توقفت للحظه تستوعب جملته فشعرت بخطواته القادمه تجاهها و ما أن أصبح بقربها حتي سمعت صوت أنفاسه الحادة فإلتفتت لتجد أنه أصبح علي مقربه كبيرة منها حتي شعرت بحراره كبيرة منبعثه من جسده إلي جسدها الذي تجمد فجأة عندما سمع لهجته الفظه حين قال

" خليكي فاكرة كلامي دا كويس "


قوست حاجبيها في حركه مستفهمه بادلها هو بإبتسامه ساخرة تجلت في نبرته حين قال 

" كملي هروب . خلينا نشوف هتوصلي لحد فين !"


**************


كان يسارع الريح للخروج من هذا المكان فكانت خطواته غاضبه لا تري أمامها تتمني فقط لو بإمكانها أنتشاله من تلك البقعة التي تضم أنفاسها . تلك اللعينه التي البارحه فقط أقسم علي أن يذيقها الويلات و يجعل من حياتها جحيمًا و لكنه الآن كان سببًا في نجاتها و كأن ذنبه السابق لا يكفيه لتأتي مهمه إنقاذها و هي من تلوثت يداها بدم أخيه . أي قدر هذا الذي جعله حاملًا لنفس فصيله دمها الملوثه ! 

لم يستطع تجاوز صدمته حين هاتفه آخاه الأكبر ليأمره بلهجه لا تقبل الجدال بأن يتوجه إلي المشفي للتبرع بالدماء ! و حين سأله أجابه بمنتهي الهدوء بأنها قامت بمحاولة إنتحار و جاري الآن إنقاذها . اي إنقاذ هذا الذي يتحدث عنه فلتحترق في الجحيم تلك التي تسببت بفجيعتهم الكبري . 

أغضبه كونه لم يستطيع معارضة أخاه الذي كان موقفه محيرًا بالنسبة له و لكنه كالعادة غامضًا و لم يقل سوي جمله واحده زادت من حيرته أكثر 


" هتعرف كل حاجه في وقتها !"

" اللعنه علي هذا الوقت الذي سيظل يتعذب حتي يحين قدومه ."

هكذا أخذ يلعن و هو يدير محرك سيارته التي إندفعت بسرعه جنونيه كجنون صاحبها ..


***************


بعد مرور ثلاث اشهر ..


ترجلت الفتاتان من السيارة لتقف فرح تتطلع إلي المبنى الشاهق أمامها و هي تقول بعدم فهم 

" إحنا رايحين فين يا جنة ؟'


ناظرتها جنة بعينان جامدة لا حياة بها و ملامح مرهقه لا روح فيها ثم التفت تنظر أمامها و هي تقول بخفوت 

" هتعرفي جوا "


لم تجادل « فرح » كثيرًا بل توجهت خلف شقيقتها التي فاجأتها حين دخلت إلي إحدي عيادات طب النساء و التي لصدمتها كانت خاليه تمامًا إلا من ممرضه بدا و كأنها تنتظرهم فما أن وصلوا حتي أدخلتهم إلي الطبيبه التي كانت تناظرهم بإرتباك خفي تجلي في رجفه يدها حين رفعتها لتسلم علي فرح التي جلست بهدوء تنقل نظرها ما بين الطبيبه و شقيقتها التي أخيرًا تحدثت قائله بثبات ظاهري

" أنا حامل يا فرح !"


برقت عيناها و قد أوشكت علي الخروج من محجريها حين سمعت جملة «جنة» و التي تابعت الحديث من بين دموع صامته تجري علي وجنتيها 

" و جايه النهاردة عشان أنزله !"


مر بعض الوقت قبل أن تستطيع « فرح » الحديث و الذي بدأ ثقيلًا علي شفتيها فقد كانت تطالع شقيقتها بعدم تصديق فهل تلك الفتاة الجالسه أمامها هي الطفله البريئه التي ربتها طوال عمرها ؟ هل ما يحدث معهم حقيقه بالفعل أم كابوس مرعب ستستيقظ منه في أي لحظه ؟


نظرت إلي الطبيبه التي فهمت ما تريد فتعللت بإجراءها مكالمه مهمه و خرجت ليأتي صوت « جنة » التي قالت برجاء خفي في صوتها المبحوح

" متسكتيش أرجوكي يا فرح . "


خرج الكلام منها باردًا مصاب بخيبه أمل كبيرة إرتسمت علي ملامحها الحزينه 

" عيزاني أقول إيه ؟ أنا مش مصدقه أنك قاعدة قدامي بتقولي الكلام دا ؟ "


« جنة » بإنفعال 

" و لا أنا يا فرح قادرة اصدق . بس دا أمر واقع و لازم نتصرف قبل فوات الأوان !"


إتقدت مقلتيها غضبًا فهبت من مكانها تقول بقسوة 

" نتصرف ! تعرفي إنك حامل و تخبي عني و تجبيني لحد هنا علي ملا وشي و تحطيني قدام أمر واقع و تقوليلي نتصرف ! "


إرتجفت من مظهر شقيقتها الغاضب فقالت بضياع 

" أنا عملت كدا عشان عارفه أنك عمرك ما هتوافقي . قولت أحطك قدام الأمر الواقع و أشيل أنا الذنب "


فرح بصراخ 

" أي ذنب بالظبط يا جنه ؟ أنتي بقيتي غرقانه في الذنوب من ساسك لراسك . "

جنه من بين انهيارها 

" طب إيه الحل . أنا تعبت أوي يا ريتني مت و إرتاحت "

فرح متجاهله تلك النغزة بصدرها قائله بلهجه حادة

" أي حل في الدنيا هيبقي أحسن من أنك تقتلي روح ربنا كتبلها الحياة جواكي."


جنة بألم 

" يموت دلوقتي أحسن ما يموت ألف مرة لما ييجي الدنيا دي و يلاقي نفسه من غير أب . عارفه الناس هتبصله إزاي ؟"

كان حديثها مؤلمًا علي تلك التي كانت ترتجف داخليًا و لكنها أبت أن تظهر ذلك فقالت بصوت قاتم 

" أنا هسأل محامي و هعرف إيه الإجراءات إلي مفروض تتاخد و أكيد الورقه إلي معاكي دي هتثبت أن الولد إبن حازم "


أرتجف جسدها حين تذكرت توعد ذلك الرجل «سليم الوزان »بأن تلاقي الجحيم علي يديه و حينها هبت من مقعدها تقول بلهفه 

" أنتي نسيتي أخواته يا فرح دول ممكن يفكرونا طمعانين فيهم و يبهدلونا دا غير الفضايح.. أنا مش قادرة أنسي شكل سليم دا و هو بيهددني .

أنا مبنمش من وقتها . مش عايزة أي حاجه تربطني بالناس دي . أرجوكي يا فرح سييني أتخلص من الحمل . دا الحل الوحيد "


عند إنهاءها جملتها وجدت الطبيبة تدخل من باب الغرفه و سألتها أن كانت مستعدة فلم تستطع «فرح» الإجابه وكأن حواسها كلها توقفت عن العمل لتجيب جنة بنبرة مهزومة 

" آه مستعدة "

أمرتها الطبيبه بلطف أن تذهب للغرفه الآخري حتي تتجهز فاقتربت من شقيقتها تمسك بيدها قائله بتوسل

" أرجوكي سامحيني يا فرح . مقداميش حل غير دا .."

لم تجيب فرح بل تقاذف الدمع من مقلتيها مصطدمًا بنظارتها الطبيه يحجب عنها الرؤيه فشددت «جنه» من قبضتها فوق كفوفها و قالت برجاء 

" هستناكي جوا . عيزاكي تكوني جمبي "


خرجت جنه تاركه فرح في موجه من الإنهيار و التي قطعها فجأة هاتف قال بإصرار في أذنها أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعًا . و أن ما يحدث جريمه نكراء. عند هذا الحد توقفت فجأة تمسح عيناها و هي تقول بتصميم 

" لازم أمنع الجريمه دي فورًا "

و تقدمت نحو الباب بلهفه تفتحه لتتجمد الدماء بعروقها حين وجدت ذلك الجسد الضخم يسد عنها الطريق و تلك العينان التي كانت سوداء قاتمه توحي بأن صاحبها علي وشك إرتكاب جريمه قتل فخرجت الحروف من فمها مهتزة 

" سالم !"


كانت نظراته محتقرة و لهجته ساخرة تعج بالقسوة و العنف 

" مش قولتلك أن القدر دايمًا له رأي تاني عكس ما بنتمني " 


الحلقه الرابعه من هنا


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇 


روايات كامله وحصريه من هنا


وكمان اروع الروايات هنا 👇


روايات جديده وكامله من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

إرسال تعليق

أحدث أقدم