رواية بئر الغربان البارت الثاني والثالث والرابع والخامس حصريه وجديده وخاصه علي مدونة عالم الروايات والمعلومات

 رواية بئر الغربان البارت الثاني والثالث والرابع والخامس حصريه وجديده وخاصه علي مدونة عالم الروايات والمعلومات 


 (جزء 2 )

سأل عليّ عن خيمة سيّدهم ،وعندما وصل ،وجده واقفا ،وقد شحب لونه ،سلم عليه ،قال له إنه يعرف سبب حزنه ،ومستعدّ لفعل كلّ ما بوسعه لعلاج إبنته ،أجاب الشّيخ حرب : لقد جرّبنا كل شيئ :الأدوية و العرّافين ،والمشعوذين، لكن منذ سنة ،وإبنتي تعاني من مرض غريب ،لقد أصبح شكلها سيّئا ،واضطررنا لشدّ وثاقها لكي لا تؤذي أحدا .

سأله عليّ : ماذا ستكون مكافئتي ان جعلت بنتك تشفى ؟ قال : لك ما تريد. فقال : تزوجّني إياها ،وتعطيني خيمة لي و لأمّي، وأكون واحدا منكم ،ردّ : ابشر.. لكن هل فعلا يمكن شفائها ؟ فلقد عجز الجميع عن ذلك ، قال عليّ : كل شيئ بأمر الله ،هاتوا لي  إناء من الفخّار فيه بعض الماء ، ولا تقتربوا مهما حدث، ذلك من فعل أقوى سحرة الجنّ ..

دخل خيمتها ،ونظر إليها، فإرتاع من حالتها، كانت عيناها جامدتين كالأموات، لا تتحرّك جفونهما، وطال شعرها وأظافرها ،ولمّا شاهدته مدّت يدها  إليه كأنّها تطلب المساعدة ،  فبدأ بقراءة سورة الفاتحة على الماء، ولمّا سمعت القرآن ، هاجت ،وكشّرت عن أنيابها ، لم يخف منها، وواصل القراءة ،فقطعت  الحبل الذي يشدّها إلى عمود الخيمة ، ووثبت عليه كالوحش الكاسر، لكنّه رشّها بالماء قبل أن تصل إليه ،فصرخت صرخة عظيمة سمعتها كلّ القبيلة، وسقطت على الأرض مغشيّا عليها ...

وعندما سمع الشّيخ حرب الضّجة داخل الخيمة، دخل هو وامرأته مرتعدين من الخوف، و سألوه في حيرة هل هي على ما يرام ؟ إنها لا تتحرك ؟ ردّ عليّ : لا تقلقا ،فالسّحر يحتاج لبعض الوقت ليزول من جسمها . في إنتظار ذلك يجب أن تعدّوا لها حمّاما، وتصلحوا من شأنها ،وتحرقوا التعاويذ، والأشياء الغريبة التي علقتها في خيمتها .

سأمرّ غدا لأراها ،أمّا الآن سأرتاح قليلا ،فالأيّام الماضية كانت صعبة . قال الشّيخ حرب، لقد أمرت بإعداد خيمة لك بجانبي ،سار عليّ مع الشيخ ،وعندما إقتربا منها ،قال له: أنظر هناك ،كانت خيمة واسعة مجللة بالدّيباج وقد فرشت بالبسط و النمارق، وجعلت عليها الوسائد . دهش عليّ، وتساءل هل حقّا هذه خيمتي ؟ إنها تليق بشرفاء القوم ،قال الشّيخ من الآن أنت من أشرافنا، جلسوا وأحضرت الجواري أطباق الطعام وفيها من أصناف الطيور واللحوم ما يليق بالملوك ،وجرة خمر، والفواكه من عنب و رمّان ،فأكلا وانبسطا ،ثم غسلا أيديهما و حمدا الله كثيرا ..

قال الشّيخ حرب: لو عادت إبنتي كما كانت سأعدّ وليمة عظيمة، وسندقّ الدفوف والمزاهر،و ستغني القيان .ردّ عليّ : أعدك أنها ستكون أفضل حالا  .رفع الشّيخ يديه إلى السّماء، وبكى حتّى تبلّل ثوبه،وقال: يا ربّ ،إرحم عبدك ،فوالله لم أظلم في حياتي أحدا ولا أكلت حراما ،وتشهد يداي عمّا قمت به في سبيل رضاك ..ثمّ ودّع ضيفه وانصرف .

بقي عليّ وحده يفكّر في العجائب التي حصلت معه ،وتذكر أمّه العجوز ،فسالت دموعه، وقال ،بينما أنا أشبع، لا شك أنها جائعة، فلم يتبق عندها إلا صاع من الشعير ،وجراب صغير من التمر .وأضاف : لا بدّ أن أخبر الشيخ ليرسل أحدا لإحضارها ،أمّا أنا فلي الكثير لأفعله غدا .. غلبه النوم، فراح في سبات عميق .رأى في حلمه أنّه يمشي متعبا في صحراء قاحلة، تتبعه الغربان من بعيد ،كأنّها تنتظر موته لتنقر عينيه ،قام مذعورا ،أسرع إلى قلة الماء، فقد كان يحسّ بعطش شديد ،وحرّ في جسمه كأنّ ما رآه في الحلم حقيقة ...

كانت الشّمس قد توسّطت كبد السّماء ،قال عليّ في نفسه : لقد كان الفراش ناعما ،وهذا لا يشجع كثيرا على النّهوض باكرا ،وإذا تواصل الأمر كذلك سأتعوّد على حياة الدّعة والتّرف ،كان لا يزال مع خواطره عندما جاءته جارية، وأخبرته أنّ نائلة قد إستيقظت، وأنّ الشيخ يدعوه ليراها. للمرّة الأولى يسمع إسمها وهو جميل،  وتساءل :هل هي جميلة مثلما يقول الناس ؟

عندما إقترب من خيمتها وجد جمعا كبيرا والناس تهلل وتكبر،والصبايا يرقصن بفرحة كبيرة ،شق  عليّ طريقه بصعوبة وعندما وصل أمام المدخل إستأذن ،ثم دخل ،كانت نائلة جالسة على كرسي، والجواري يمشطن شعرها الذهبي المسترسل على كتفيها ،وعندما رفعت نظرها إليه تحيّر من جمالها، وبقي مشدوها لا تغادرها عيناه ،أحسّت البنت بالخجل، ورمت نقابها على وجهها ،ضحك الشيخ، و ضحكت الجواري ، في هذه اللحظة دمعت عيني الأمّ ،وقالت :من زمن طويل لم نضحك ولم نبتهج ،وأضافت: من اليوم أنت إبني الذي لم أرزق به ،ونائلة ستكون إمرأتك ،أنت من يستحقها لا أحد غيرك...


#بئر_الغربان

 (حلقة 3 )


خرج الشّيخ من الخيمة وهو يحمد الله ،فلحقه عليّ، وقال له :اريد أن أسألك عن بستان بني عامر هل تعرفه ؟ أجاب : كلّ البادية تعرفه ،خصوصا بعد ما حلّ به من خراب .لكن لماذا تسأل ؟ فالناس عادة يتجنّبون الحديث عنه لكي لا تصيبهم اللعنة ، تردّد عليّ ،ثم قال: سأذهب إليه ،و أرى ما يمكن فعله لأعيد له حسنه،ظهر على الشّيخ الإنزعاج، وقال: لا أنصحك بالذّهاب، فكلّ من دخل هناك لم يبق منه سوى عظام بالية ، ذات مرّة إقتربت من البستان ،ولقد رأيتها بنفسي معلقة بين الأشجار، أجاب عليّ : لقد نجحت في فك السّحر عن إبنتك ،و سأقهر الجنّ، وآخذ البستان ،وأعطيه مهرا لنائلة ...

إرتعد الشيخ حرب ،وقال أرجوك !! لقد عانت إبنتي بما فيه الكفاية  من الجنّ ،  لا نريد منك مهرا ،و سأعطيك مائة من الإبل، و مثلها من الغنم لترعاها و تنفق على إمرأتك ، بفضلك تحسّنت حالها ،ذلك يبقى دينا في ذمتي ،قال  عليّ: لن آخذ منك شيئا ، وماذا يقول عني أهل القبيلة ؟ لا تخف يا شيخ، لن يحصل إلا خيرا ،لقد عقدت العزم على إسترجاع البستان من الجنّ و إبعادهم عن منطقتنا، فلقد أكثروا الفساد وقهروا العباد .

فكّر الشيخ حرب قليلا ،و قال :البستان على مسافة يومين ناحية الشّرق سكت هنيهة ثمّ أضاف: إن لم تكن واثقا من نفسك لا تذهب ، قال عليّ سيكون الله معي ،أعدّ لي جملا ،ومعه كل ما يلزم، ولا تنس أن تضع سلاحا .

في الغد نهض عليّ مبكرا فوجد أحد العبيد في إنتظاره مع الجمل ،وقال له لقد طلب مني سيّدي مرافقتك ،فأنا أعرف الصّحراء جيدا ،وأحسن الرّمي بالنبال ،قال عليّ : لا مانع لديّ ،وأطلب منك فقط طاعة أوامري ،أومأ العبد بالقبول .في الطريق لم يكن هناك ماء ،فلقد دفن الجنّ كل الآبار، سأل العبد ماذا حصل ليعاقب الجنّ أهالي هذه البريّة،أجاب العبد ،لقد نشب قتال بين قبيلة من الجنّ المسلمين وقبيلة من كفار الجنّ الذين حلوا هنا ،وانتصر الكفار بفضل السّحر،وانحاز الإنس للجن المسلم، ولمّا هزموا لم يترك سحرة الجن أيّ مناسبة للتنكيل بهم ،سواء أن كان لسبب أو دونه ،

ظهر الإهتمام على وجه عليّ ،وسأله : وما هو سبب قدوم هؤلاء  ؟ فمن أيّام سليمان كان لكل قبيلة من الجن أرضها ،قال العبد:  يقال أن هناك كنوزا كثيرة في هذه البرية مدفونة في الرمال ،دون شك جائوا وراء الذهب ، قال عليّ هل حكاية الكنوز صحيحة أم من خيال القصّاص ؟ ردّ العبد: قبل أن يأتي الجنّ إلى هنا عثر البدو على كنز عندما كانوا يحفرون بئرا ، و الآن من المحال أن نحفر ، ويقال أن من يحاول أن يفعل ذلك تفتك به العقارب السّامة .. 

كان عليّ يتعجّب لسماع هذه الحكايات ، وفكّر أنّ هؤلاء  القوم من الجنّ يسكنون الحفر العميقة والمغاور، لهذا السّبب كان سحرتهم يجتمعون في الآبار المهجورة ،سأل عليّ هل هناك مغاور وانفاق في هذه البرية ؟ نظر إليه العبد بدهشة ،وقال : كيف عرفت ؟ هناك تلة صخرية مرتفعة مليئة بالأنفاق العميقة التي تنزل إلى باطن الأرض، وماءها أحسن المياه ،لكن الآن لا يذهب إليها أحد ،أحسّ علي بالرّضى عن إستنتاجه ،وقال : لماذا ؟ قال العبد  : لقد سكنتها الأرواح الشّريرة ...

في اليوم الثاني وصلا إلى بستان بني عامر ، قال العبد: سأبقى هنا مع البعير، هذا المكان يشعرني بالرّهبة ، أجاب عليّ : لا عليك إنتظرني ساعة ،إن لم آت إليك، خذ البعير وإرحل بسرعة . أخذ عليّ سيفه، و تعوّذ، ثم إقترب من حافّة البستان، كانت الإرض جافة مشقّقة، و الأشجار ميّتة ، لا أثر  هنا للحياة حتى العصافير، و الهوام هربت ، واصل التّقدم لكنّه وقف وقد أصبه الخوف شاهد هياكل عظمية مازالت بملابسها وهي تتأرجح بين الأشجار، و سمع أصواتا كأنّها نواح نساء ، لكنه تجلد ، ومشى خطوات أخرى، وإذا به يشاهد فتيات جميلات يدعونه للجلوس معهنّ ، وأحس بشيئ يجذبه إليهن ..

عندما إقترب منهنّ أخذ سيفه، وقال بسم الله ،وضرب أوّلهن، فإذا بجمجمة نخرة تسقط  أمامه ،وتحوّلت  الفتاة إلى عظام بالية ،وكلما ضرب واحدة أصبحت عظاما ،قال في نفسه لقد سحر الجنّ عيوني ،ولا أعرف إن سأرى حقيقة أم وهما ،عندما وصل إلى العين سمع شخصا يناديه بإسمه، لقد تذكر هذا الصوت لم يسمعه منذ سنوات ،وقال : أبي هل هذا أنت؟ ،هل عدت أخيرا ؟ لقد كان أبوه وعمه يعملان في حراسة القوافل من قطاع الطريق وفي أحد الأيام رحلا، ولم يسمع أحد بخبر عنهما ،لكن عليّ تذكر السّحر ،أحسّ برغبة في ضمّ والده ،قد يكون حقيقة ،سأله هل تتذكر أختي الصغيرة ،أجابه: نعم أتذكرها ،وهنا أخذ سيفه، وقال له لست أبي فليس لي أخوات ،وضرب رقبته فسقط عظاما مثل الجواري ..

فكّر عليّ في أمر هذا السّحر الغريب ،ثم قال فجأة : الأمر واضح، يأخذ الأموات مظهر الذي تهواه نفسك من أهل أو حبيب ،لكن بمجرّد لمسهم يتبخّر لحمك وجلدك، وتصبح مثلهم عظاما نخرة ..نظر حوله ،كان هناك العشرات من عظام العرب والروم والسّودان ،عرفهم من ملابسهم وهيئتهم ...لا بدّ أن ينتهي كلّ هذا السّوء ..

عندما أخذ الورقة المكتوب عليها خواتيم سورة البقرة  ،أقبل غراب، وأخذها منه وطار، صرخ عليّ فبدونها لا يستطيع عمل شيئ ،لكنّه سمع صوت سهم ينطلق وراءه و يصيب الغراب الذي سقط ،إلتفت عليّ بدهشة وراءه فإذا به يشاهد العبد، أسرع إليه ،وربّت على كتفيه، و قال له ،:لماذا لم تسمع كلامي ؟ أجاب: مهمتي هي أن تعود حياّ ،نائلة خطيبتك هي من أرسلتني ،ووعدت أن تعتقني إن أحسنت عملي ،قال عليّ ما إسمك، ردّ :إسمي كروان ،قال علي:  أنت حرّ يا كروان ..

بحث عليّ عن الغراب، وأخذ منه الورقة طواها، ثم رماها في العين الجافة ،وأغمض عينيه ، كان يريد أن يسمع هدير الماء لكنه لم يحدث شيئ ،فتح عينيه ،وقال في نفسه :هل أخطأت في شيئ،كان كروان واقف بجنبه ،قال له ربّما لم تضعها في المكان الصّحيح، العين لها معنى مصدر الماء ،و أيضا الشيئ الذي نبصر به. ألم تلاحظ وجود نقش لأفعى بعيون كبيرة ،لست ساحرا، لكن أعتقد أنها طلسم سحري ،قال علي : إنّها في مرتفع صخري ،نزل كروان إلى الحوض الذي تحت الصخور ، أخذ الورقة ،وثبّتها على سهم ، ثمّ سدّد في إتجاه العين اليمنى للأفعى، وأطلقه ،فدخلت الورقة في الحفرة ،وبعد دقائق سمعا صوت إندفاع الماء بقوّة ،وإمتلأت السّواقي بالماء، وبدأت ترجع نظارة الأرض ،وخضرتها ،وامتلأت عراجين النّخل بالتمر،والأشجار بالرّمان والتّفاح ...


خرافة #بئر_الغربان (حلقة 4 )


سأل عليّ العبد كروان هل ديار بني عامر بعيدة من هنا ؟ أجاب : لا مسافة نصف ساعة لا غير ، قال له  علينا بالذّهاب الآن قبل أن يشتد الحر. عندما وصلا ، لاحظ عليّ كثرة الفقر و البؤس في القبيلة ،مرّ بهم رجل ،فسأله عن ملكهم . أشار من بعيد إلى خيمة بالقرب منها شجيرات جافة ،وقال له:  ستجده هناك، كان هناك صبيّ يلعب امام الخيمة، ناداه وقال له  أخبر أباك أنّ أغرابا يريدون رؤيته  ..

بعد لحظات خرج شيخ يبدو عليه الإعياء، وقال: تفضّلوا ،جلس عليّ وكروان ،على زربية قديمة مهترئة .وأحضر الصبىّ آنية فيها حليب الإبل فشربا ،وناولا الشّيخ فشرب ،وحمد الله ،وقال : لقد أوصيت العبيد بذبح جزور سمين لغذائكما ،وإعداد أقراص خبز الشعير. في إنتظار ذلك بإمكانكما الإستراحة ،لا شك أنّكم سافرتم كثيرا في الصّحراء ،وكما لاحظتم لا يوجد ماء ،قال علي لم نسافر كثيرا ،لقد كنا في بستانكم الذي أخربه الجنّ ..فغر الشيخ فاه من الدّهشة ،وقال:  ماذا ذهبتم تفعلون هناك،لا يوجد إلا الخراب والموت الزؤام لمن يسوقه القدر إلى البستان...

قال عليّ :سأخبرك فيما بعد ،لكن أوّلا أريد أن تروي لي ماذا حصل لقبيلتك ؟ فالبؤس والحزن لا يمكن أن تخطئهم العين ،قال الشّيخ محي الدين : إنّها حكاية طويلة يا بنّي ،قبل سنة كانت قبيلتنا من أكثر العرب مالا وجاها ،وكات قوافلنا تجوب الأرض طولا وعرضا لبيع التمر، والعسل، والخمر، والزبيب .كلّ هذا كان من خيرات البستان،الذي كان في يوم ما عامرا تفوح منه راحة الرّياحين ،وتمرح فيه الطيور. توقف الشّيخ كأنّه يريد أن يستجمع شتات أفكاره ...

قال عليّ وقد إستبدّ به الفضول : و بعد يا شيخ ماذا حصل ؟ تنهد محي الدين وقال : لقد كانت هناك قبيلة كبيرة من الجن المسلم تسكن القفر الذي بجوارنا، و كانت أرضها واسعة، و فيها الكثير من آبار الماء ،و علاقتهم بالإنس هي علاقة ودّ ،مرات عديدة ظهروا في شكل نوق بيضاء للتائهين في الصحراء ،ودلّوهم على الطريق ،وكان من عادتنا أن نضع حليّا من الصّدف في الصّحاري لنشكر الجنّ على معروفهم معنا ،وكانوا يقبلون هدايانا ،وقد يتركون مكانها بعض القطع الذّهبية ...

واصل الشيخ حكايته ،وقال : كنا سعداء ،لكن في أحد الأيّام تغيّر كلّ شيئ ،سمعنا من بعيد قرع طبول ،وثار الغبار، وشاهدنا مخلوقات بشعة المنظر تركب حيوانات تشبه الضّباع ،تهاجم قرى الجنّ المسلم ، وهي أكوام حجارة ممتدّة على مساحة كبيرة، لكن لا نرى سكانها . في ذلك اليوم ظهر الجنّ وقراهم بشكلها الحقيقي ،كان الجن المسلم كثير الشبه بنا لكنّهم أكثر طولا وقوّة وعيونهم واسعة رمادية اللون ويجعلون شعورهم الطويلة ضفيرة واحدة ،لمّا رأينا ما وقع أخذنا سيوفنا وصحنا الله أكبر، ودخلنا المعركة مع جيراننا من الجنّ ،وتسامعت بقية قبائل الإنس، فجاءت في خيولها وجمالها ،ورددنا بعون الله الهجمة القوية للمعتدين من الجنّ الكافر.

 كان عليّ وكروان يستمعان للشيخ بلهفة كبيرة ،لدرجة أنّهما يتحرّكان مع كلّ حركة للشّيخ ،و صاحا أكمل يا شيخ والله لم نسمع لهذه القصّة مثيلا .. !! قل لنا ماذا حدث لينقلب انتصاركم هزيمة ؟

نظر الشيخ  محي الدّين إلى السّماء ، وقال: جاء سحرتهم ،ورموا في الهواء حفنة رماد  ،فظهرت سحب كثيفة فوق رؤوسنا .وفجأة خرجت منها أسراب كبيرة من طيور غريبة الشكل، كانت أقرب للأفاعي المجنّحة منها للطيور، و تصدر صوتا مزعجا أثناء طيرانها. لم تفلح الحيلة في دفعها ،ومن إنقضت عليه نهشت لحمه ،حتى كثرت فينا الجراحات ،وكرّ علينا فرسان الجنّ الكافر فتفرّقنا في كلّ مكان ،وأصبحت كلّ هذه المفازات و الفلوات  تحت أيديهم . 

لقد خلقوا لنا أتفه الأسباب لتخريب بستاننا ،وغايتهم الحقيقية أن يضعف شأننا ،و تذهب قوّتنا بعد ما شاهدوا بأسنا في الحرب ،والعقاب نال كلّ البدو الذين يسكنون حول هذه البرية ،فطمسوا الآبار وقطعوا النخيل ،و نشروا الأمراض في الإبل ،وافتكوا كثيرا من أبناء الإنس ،و جعلوهم خدما ،الآن أصبحوا يحسبون لهم ألف حساب ..

تذكّر علي خطيبته نائلة ، هي أيضا من اللواتي دفعن الثّمن ، الأمر أصبح واضحا جدا الآن ، لم يكن عمل السّحرة سلوكا منفرد اللإنتقام، بل عملا محكما لإضعاف الإنس و ترهيبهم ،وجماعتهم ليست بالقوّة التي يعتقدونها ،و ظهر ضعفهم أمام بسالة بعض البدو الحفاة ..

قال عليّ : حسنا ، لقد سمعت حكايتك وهي مدهشة جدا ،وحكايتي لن تقل عنها دهشة . قال الشيخ : أثرت والله فضولي ،هيا أخبرني ، أجاب علي: لن أطيل عليك كثيرا لقد ذهبت إلى البستان واسترجعته من الجن ! إتّسعت عينا  الشيخ ، وقال هذا شيئ لا يصدق ، لا أحد بإمكانه القيام بذلك، أجاب كروان هذا صحيح يا سيدي لقد كنت هناك ، ورأيت ذلك بنفسي ، ومد له جرابا من التمر ، وسأله لا شك أنك تعرف تمر بستانك ، تناول الشّيخ محي الدين الجراب بيد مرتعشة وفتحه، أخذ حفنة من التّمر و نظر إليها ،ثم تذوق أحدها ،وقال هذا طعم تمرنا ،أعرفه من حلاوته وجمال لونه ،لكن كيف فعلتم ذلك بحق السّماء ؟ 

قال عليّ :لقد حاربتهم بسلاحهم :السّحر ، تسائل الشيخ هل عندك علم بالسّحر ؟ أجاب عليّ : لا يزال هناك الكثير لأتعلمه، سيكون البستان ملكي على أن أدفع لكم كل سنة نصف غلته تصلحون به أمركم و تسترجعون تجارتكم ،قال الشيخ ألا تخشى الجن أجاب علي لقد إنتصرت عليهم مرتين ،وأنا لا أخشاهم بإذن الله ،وسأعطي نصيبا لكل القبائل في هذه البرّية ،يجب أن نسترد قوانا للمعركة القادمة سنطرد هؤلاء الكفرة ،ونسترجع حرّيتنا ،وقف الشّيخ، وقال: أنا معك، وسأراسل حلفائنا وكافّة عشائرنا ..

لكن قبل ذلك سأستدعي وجهاء القبيلة لتنفيذ إتّفاقنا حول البستان،أرسل الشيخ في طلب القوم ، ولمّا حضروا قصّ عليهم ما حدث، و هم يهزّون رؤوسهم و يتعجّبون . ثم قالوا : الرّأي عندنا هو ما إتّفقت عليه مع الغريب، و نحن نشهد أنّ البستان لك ولأولادك من بعدك ،وكتبوا له كتابا بذلك،وستكون أسواق البلاد الغربيةّ لتجارتك ،وتكون البلاد الشّرقية لتجارتنا ،شكر عليّ الشّيخ وأوصاه بأن لا تكون القوافل كبيرة بحيث تجلب الإنتباه ،وتنطلق من عدّة اتجاهات لكي يعتقد الجنّ أنّها تعود لقبائل مختلفة .

ما إن أتمّ عليّ مهمّته حتّى رجع إلى ديار قبيلة الشّيخ حرب ،عندما وصل ،إغتسل ،و تعطر ثمّ ذهب إلى خيمة الشّيخ ،و عندما رآه فرح فرحا شديدا وهنّأه على سلامته ، مدّ عليّ كتاب ملكيته للبستان ،و قال: هذا مهر نائلة كما وعدتك ،ولقد اصبح بنو عامر من حلفائنا . بعد أيّام سأذهب مع قافلتي للتجارة ،ساشتري لنائلة ما أجهزّه بها لعرسها من حرير الصّين، وطرائف الهند ،وزجاج بخارى وسمرقند ...


خرافة #بئر الغربان (حلقة 5 )


حمّل عليّ الجمال بالتّمر، وصنوف الفواكه ،و جرار الخمر، والنبيذ ،وسارت القافلة في طريق متعرّج ليس فيه ماء ،لكنّه يختصر ربع المسافة ،فالفتى قتله العشق ،ولا يريد أن تطول الرّحلة. وعندما توغّلوا في تلك المفازة ،شاهد عليّ من بعيد شيئا يلمع في الأفق ،ولمّا إقترب منه وجد خرائب مدينة عظيمة عليها قباب ذهبية ،فتعجّب ، وقال في نفسه : قضيت عمري في الصّحاري، ولم أكن أعلم بوجود أحد هنا، وفجأة خرج له مجموعة من الرّجال العمالقة ،فخاف، وحاول الهرب لكنّهم قالوا له : لا تخف، فلا يغرنّك ما ترى من حجمنا ،فنحن قلما نصادف ناسا يمرّون بنا !!!

إحتار عليّ ،وقال : أسرار هذه الصّحراء أكبر ممّا توقّعته ،فالمظاهر قد تخدعنا أحيانا !!! أجاب أحد العمالقة : سنحملك إلى شيخنا ،وسيحكي لك قصتنا .

أخذ الفتى معه أربعة أكياس من التمر والرّمان والبرتقال ،ولمّا دخل على الشّيخ سلّم عليه وقال له :هذه هدية لك!!! نظر الشيخ داخل الأكياس، وأجاب : منذ دهر لم نذق هذا ،وكلّ معيشتنا الإبل ،سأله عليّ : أليس لكم واحات ونخيل ؟ تنهّد الشيخ ،وقال : إعلم أننا من بقيّة قوم عاد ،وهذه المدينة هي إرم ذات العماد ،وكانت فيما مضى من أجمل مدن الأرض، لكن الله عاقب أهلها على عصيانهم، فهبّت ريح  إقتلعت أشجارهم ونخيلهم ،ولم تعد الأرض تنبت شيئا ما عدا الأشواك .

ونحن نجونا لأنّنا كنا من المؤمنين ،ولقد تناقصت أعدادنا إلى أن أصبحنا نعدّ على أصابع اليد ،وقدرنا أن نبقى على أرضنا حتى نفنى !!!أحسّ عليّ بالحزن ،وقال للشّيخ سأهدي لك كل ما تحمل القافلة من تمر ،وخمر، ودقيق ،وزيت ،وسأهبكم عددا من الجواري ليكون لكم نسل ،بكى الشيخ ،وقال الله لا يضيع عباده المؤمنين !!!ثم قام وأخرج كتابا من صندوقه ،وقال له: هذا الكتاب فيه علم حجر الأكسير الذي يحوّل النّحاس إلى ذهب ،وهو لك وستصبح من أكثر الناس مالا .!!! قال عليّ : لكنّي أراكم فقراء لا تملكون شيئا ؟ أجاب الشيخ : كثرة الذهب أفقدت قومنا بصيرتهم ،فصنعوا منه آلهة ،وعبدوها، وجعلوا منه أعمدة المدينة وقبابها ، وبسببه كان هلاكهم ،ومن اقترب من ذلك الذّهب أصابته اللعنة في الدّنيا والآخرة .

واصل عليّ الرّحلة وعندما وصل إلى العراق، قال في نفسه: لقد أعطيت بضاعتي للشّيخ ،والآن سأرى هل يصدق هذا الكتاب في تحويل النّحاس إلى ذهب أم أنّ ذلك من خرافات المشعوذين ؟ وضع سبيكة من النّحاس على النّار حتى إحمرّت، وغمسها في خليط من الزئبق والكبريت الأحمر، ثم أخرجها ،ونظر إليها ،لكنها بقيت كما هي ،ولم تتغير ،فقال سأبيع الإبل، وأشترّى بثمنها هدايا لنائلة ،فهذا الكتاب لا ينفع ،أو ربّما أنا لا أصلح للسّحر !!!

خرج للتّجول في الأسواق ،وعندما رجع  إلى الخان،وقف مدهوشا ،فلقد خرج  من السّبيكة بريق يخطف الأبصار، ولمّا تأمّلها وجدها ذهبا خالصا ،بدأ يحسّ  بالغرور يزحف على عقله ،لكنه تمالك نفسه، وقال :لقد عرفت لماذا تجبّر أولئك القوم !!! سآخذ فقط حاجتي من الذّهب ،وأحرق الكتاب وإلا سيكون مصيري سيّئا ..

كانت السّبيكة الذّهبية ثقيلة، وباعها عليّ في أسواق بغداد بمائة ألف درهم وهو أضعاف ما كان سيربحه من بيع بضاعته ،وإشترى لنائلة أفخر العطور وأدوات الزّينة ،وعندما كان واقفا يساوم التّجار، مرّ به رجل يركب جملا ،فإذا هو جمله، وإذا الرّجل هو نفسه الذي تركه في البئر ،فصاح في وجهه: أيّها الخبيث، سرقت جملي ،وهربت ،لكن هل تحسّنت أحوالك ؟ أمّا أنا فأصبحت من الأثرياء ،وذلك بفضل لؤمك ،فلو لم تتركني في البئر لما كنت في هذه النّعمة : خطبت نائلة بنت الشّيخ حرب أجمل بنات العرب ،وبستان بني عامر صار ملكي !!!

حاول الرّجل تبرير فعلته ،لكن عليّ أجابه:  لا تتعب نفسك، لقد تنازلت لك عن الجمل، وكل ما عليه ،ولا تريني وجهك بعد الآن !!! إنصرف الرّجل متعثّرا ،وقال في نفسه: سأذهب إلى ذلك البئر ،وأعرف سرّه ،فأنت لست أفضل منّي ،عندما وصل أدلى حبلا ،ونزل داخله . عند منتصف الليل حط الغرابان ،وقال الأوّل للثاني: لقد عرف أحدهم كيف يفكّ السّحر عن إبنة ذلك الشيخ وعن البستان ،ونجهل من يكون، وكيف أمكنه ذلك ؟ صاح الرّجل : أنا أعرفه وأدلّكم عليه على شرط أن يكون لي أيضا بستان، وإمرأة جميلة !!!

تعجّب الغرابان وسألاه من أنت ؟ وماذا تفعل في هذا المكان المقفر ؟ قصّ عليهم حكايته ،فنظرا إلى بعضيهما، وقالا له : تعال معنا إلى الملك، وهو يعرف كيف يكافئك!!! عندما وصلا إلى التلة التي يسكنها الجن ،رموه في سجن مظلم، وقالا له : ستخبرنا بكل شيئ ،وإلا سنتركك هناك حتى تموت جوعا ،تبا لك  من خائن و طمّاع !!!  ...


يتبع  


بداية الرواية من هنا


 

الروايات الأكثر قراءه 👇👇


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


الصفحه الرئيسيه من هنا


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺


سكريبت يامرسال الهوي


سكريبت كامل


سكريبات كامله


رواية عشق الحور


رواية زهرة الياسمين


رواية زواج بالقوه


رواية الحب في زمن الحرب


روايات حصريه وجديده


رواية جريمه لاتغتفر


روايات حصريه وجديده


رواية تغيرت لأجلها


رواية زواج بالغصب


رواية قاصر وصعيدي


رواية حب ضايع



رواية نسمتي البريئه



رواية زوج ماما ولكن



رواية حكاية ليل



رواية باعني من احببت



رواية دبحت لحماتي القطه



حماتي عاوزه تجاوز



رواية القسوه



قصة صاحب الحيله



قصة عريس الهنا ياسعدي أنا



تزوجت زوجي وليس في الوجود مثله



نوفيلا بكاء في ليلة عرس



رواية عنيده ولكن



نوفيلا فطين وفطنطن



رواية ملكة الجبال



رواية ميراث الدم



رواية عشق الذئب



رواية كنت لي الدواء لقلبي



رواية رحماء بينهم




رواية بئر الغربان



إرسال تعليق

أحدث أقدم