رواية ملكة الجبال البارت الاول والتاني والثالث والرابع حصريه وجديده علي مدونة عالم الروايات والمعلومات
الجزء الاول
يحكى أنّ أحد سلاطين الشّام واسمه مؤيّد الدّين لم يرزق في حياته إلا البنات، واحتار في أمره .وذات يوم خرج مع وزيره متنكرين يتفقدان أحوال الرعية ،فأوقفته غجرية، وقالت هات كفّك أقرأ لك طالعك ،نهرها الوزير، لكن السّلطان مدّ لها يده وقال ضاحكا: لا بأس أنظري ما يخفيه لي القدر لعلّ إمرأتى ترزق يوما بمولود ذكر،قالت : الخط في آخر كفّك كموجة تعلو البحر ،ثم يخف إندفاعها ،وتضمحل عند بلوغها الشّاطئ ،قال وماذا يعني ذلك ؟ تردّدت قليلا ،ثم قالت : سترزق مولودا ذكرا من جارية يقع في حبّها قلبك .. وستموت على يد من تثق فيه نفسك.. و ينتهي الملك في نسلك .. لكن في الجبل ...
قاطعها الوزير و رمى إليها درهما ،وقال إنصرفي أيّتها المشعوذة.. ما هذا إلا سجع تحفظينه ،وليس له معنى . لقد كدّرت خاطر رفيقى ، قالت :الغجرية كان بإمكاني الكذب ،وقول شيئ تنبسط له نفسه ،لكن ولدت بهذه القدرة على كشف المستور ،اليوم وجدتني لكن غدا ستفقدني ،فنحن معشر الغجر لا نبقى في مكان واحد ونذهب حيث تقودنا خيولنا ..
أتمّت كلامها ثم إنصرفت ،والملك مندهش ممّا رأى و سمع ،ندم على أنّه لم يسمعها إلى الآخر ،حاول اللحاق بها لكنها إختفت في الزّحام ،وغابت عن الأنظار . عندما رجعا للقصر لاحظ الوزير شرود الملك ،وإنشغاله بقول العرّافة فصفّق للحاجب وقال أحضر الشراب و القيان ،فسيّدك مكتئب ،وبحاجة أن يروّح عن نفسه . أحنى الحاجب رأسه، و قال : سمعا وطاعة ..
ماهي إلا ساعة حتى أحضر العبيد أصناف الطّيور المشوية التي تقطر زبدة وسمنا ،ومعها جرار الخمر، والنبيذ ،وسلال العنب والتفاح . عنّت القيان أعذب الألحان ،ورقصت الجواري على أنغام العود والدفّ ،فطرب السلطان ،وسقته صبية رومية شقراء القدح بعد الآخر ،فعادت إليه روحه ،وضحك ،ونسى النّبوءة الغريبة ..
تفاجأ من الأمر، وقال: لا أذكر شيئا ممّا جرى البارحة ،نظر إليها ،ووجد أنّها جميلة ،خضراء العينين ،فقال في نفسه : الشّراب جعلني أكثر حكمة البارحة ،لقد كان علي أن أفعل ذلك منذ زمن، زاد عشق مؤيد الدّين للجارية حتى لم يعد يطيق فراقها ،كانت تتقن اللسان اليوناني ،وتحكي له عن طرائف من أخبارهم وأساطيرهم . وأصبح يجد متعة في سماعها وتأمّل حسنها ..
أحسّت نسائه بالغيرة الشّديدةمنها ،فقد كانت تأخذ كل وقته، وحاولن الكيد لها ،وقلن له أنها نصرانيّة ،ولا تحقّ له شرعا ،لكن لم يزده ذلك إلا تعلقا بها وقال لهن أنّ الرّسول تزوّج من قبطيّة، وولدت له إبراهيم .
ذات يوم كان مؤيّد الدين في شرفة القصر، ووقعت عينه على مريم إمرأته الرّومية وهي تقطف الزّهور ،كانت شابّة لا تتجاوز السّابعة عشرة من عمرها ،أحس بشوق لها وعندما هم بالنزول إليها ،توقف في منتصف الدّرج ،لقد تذكرّ كلام الغجريّة عن جارية يقع في حبّها قلبه ،لكن لا شيئ يأكّد صحّة هذا الكلام ،قد يكون مصادفة لا غير ، كان يحاول اقناع نفسه أنّه لا داعي للقلق .. لكن في الحقيقة كان قلقا جدا .
إقترب منها وقبّل جبينها ،لقد كانت رائحتها عطرة ،قال لها ما أطيب هذا العطر ،قالت: إنّه دهان مصنوع من الياسمين والمسك .سألته هل تعرف لماذا أستعمله ؟ ردّ: لتكون رائحتك جميلة، ضحكت بسعادة و قالت : لا ،قال: إذن أخبريني ،أجابت ليساعدني على تحمّل الوحم ، أبشر يا مولاي حبيبتك مريم تنتظر مولودا .إندهش الملك ،وقال : سأتصدّق إذن بمائة ألف دينار للفقراء والمساكين ،هذا يوم سعد لكلّ المملكة ..
قال في نفسه عليّ أن لا أكون واهما، لقد صدقت بداية النّبوءة ، ولو أنجبت الجارية ذكرا ،فسأجمع كل المنجّمين ،يجب أن أعرف من يكيد لي ،لا شكّ أنّ عدم تسمية وليّ للعهد أدّى للطمع في العرش ... و من شأن مولد غلام الآن جعلنا كلنا في خطر :أنا ،و مريم، و هو...
#ملكة_الجبال
الجزء الثاني
بعد أشهر جاء الجارية المخاض فولدت مولودا بهي الطلعة وفرح به أبوه فرحا لا يوصف ،وأقام الولائم ،ونادى المنادي في الأسواق أنّ الشّام لها الآن وليّ عهدها الأمير الوليد بن مؤيّد الدّين الدّمشقي ،وبايع النّاس على الطاعة للأمير .
كان لمؤيد الدّين أخ أكبر منه إسمه زيد ،لكنه كان سيّئ الطبع عديم الرحمة،ولذلك حرمه أبوه السلطان من الملك، ومنحه إمارة حمص ،لكن لم يغفر لأبيه هذه الإهانة ،وصمّم على الثأر لنفسه .عندما رأى زيد أنّ أخاه لم يخلّف ذكرا، وجد الفرصة سانحة ،فتنازل للإمارة لإبنه ناصر ،و حشد الدّعم له سرّا ،فإشترى مئات المماليك ،ودرّبهم على القتال ،وكان الأمير ناصر بن زيد فارسا مغوارا لكنه لئيم ومخادع . قال في نفسه لقد إقترب الوقت الذي سيزحف على دمشق، ويأخذ حقّه بسيفه ..
طار خبر مولد غلام للسلطان في أرجاء الشام ،ووصل إلى زيد في حمص فإنزعج كثيرا، وراسل أمراء حماة ،والرّقة ،ووعدهم بضمّ أراضي جديدة لإماراتهم إن وقفوا في صفّه ،و عاهده بعض القادة في الجيش بخذلان السّلطان إذا إقترب من دمشق .وإنضمّ له كثير من الأعيان الذين جرّدهم مؤيّد الدّين من ممتلكاتهم التي جمعوها دون وجه حقّ .
لم يكن السّلطان يجهل نوايا أخيه ،لكنه كان واثقا من عدم صلابة صفوفه التي تتكوّن من الطامعين ،والخونة ،لقد أثقل إمارته بالضّرائب، والثّورات عنده لا تنقطع ..لكن فاته دهاء زيد ،وتآمره ضده مع أمراء الشام،وقادة الجيش،و الفرنجة في فلسطين الذين ساعدوه بالمال والسّلاح ..
جمع مؤيّد الدّين المنجّمين وأخبرهم بما قالته العرّافة،قالوا : إن وقع مكروه فعلى الأمير أن يهرب إلى جبل الجنّ ،وهو مليئ بالخرائب القديمة والمغاور ،ولن يجدهم أحد ،والعرّافة محقّة في هذا الأمر، أمّا الباقي فالنّجوم لا تخبرهم شيئا عن ذلك ..
إنعزل السّلطان داخل قصره، ولم يعد يسمح سوى لعدد صغير من النّاس بالإقتراب منه،خلال ذلك الوقت كبر الغلام ،وبلغ من العمر خمسة سنين، وعلّمه أبوه القراءة والكتابة والعلوم. كان السّلطان يعتبر أنّ العلم أهمّ من السّيف وعمارة البلدان أفضل من الحرب ،والعدل قوة المملكة .وكبر الغلام وهو يسمع نصائح والده ..
كان زيد يعرف أنّ ولاية العهد لن تخلو لابنه ناصر إلا إذا دبّر قتل الغلام وأسر أمّه . الخطّة كانت إجبارهم على الخروج من القصر الذي تحصّنوا فيه ،ثم رميهم بإبر مسمومة من قصبة صغيرة ، والسّم يحدث مفعوله خلال أسبوعين،وسيظهر على أنّه إصابة الحمّى الصّفراء ، لكنّه لن يقتل سوى الغلام .
بعد أيّام قبضت شرطة مؤيد الدّين على رجل سكران كان يهذي بأنّ قصر السّلطان سيحترق الليلة ،رأى الوزير أنّه من الأصلح أن يغادر الغلام القصر مع أمّه متخفّيين ،وقال مؤيّد الدّين إنها حيلة لدفعهم إلى الخروج من القصر هذه الليلة. وفي الأخير تم الاتفاق أن يخرجا منفصلين، وأن تلبس أحد الجواري ملابس الملكة وتأخذ معها غلاما صغيرا ، وبعض الحرس لإلهاء القوم أمّا هو ييبقى داخل القصر ..
كان السّلطان محقّا فما أن إبتعدت العربة المغلقة التي تحمل الجارية المتنكّرة قليلا حتى تكسّرت العجلتان الأمامتان، وانقلبت، و عندما اطلّت برأسها أحسّت بوخزة إبرة في رقبتها، وأصيب أيضا الغلام ،أمّا مريم وإبنها فقد إبتعدا عن القصر دون أذى، كان مكان اللقاء صخرة كبيرة ،ورافقتها خادمة مسنّة. عندما خرجا من المدينة أوقفها مجموعة من المماليك المسلّحين، وقالا لهما :هناك جارية صغيرة هاربة، وستبقيان معنا حتّى ننظر في أمركما ،أحسّت مريم أنّها وقعت في الفخّ ..
أمّا الغلام فكان برفقة أحد العبيد، رأى هذا العبد مجموعة من الرّجال من بعيد فقال له : إنزل بهدوء وتعلّق بأسفل العربة !! وما إن إقترب منهم حتّى سألوه عن حاله، فقال: أنّه حطاب، وأراهم الفأس والحبل، فتركوه يمرّ ،وعندما وصل إلى الصّخرة نظر حوله لكنّه لم يجد أحد إنتظر ساعة أخرى ،وقال لا شكّ أنّ مكروها أصاب الملكة ... وسأله الأمير ماذا سنفعل الآن ،أجاب العبد في حيرة: لا أدري يا مولاي !!
#ملكة_الجبال
الجزء الثالث
قال الغلام : يجب أن لا نبقى هنا فنحن ليس في أمان ،الرّأي عندي أن أجعل علامة على الصّخرة تعرفها أمّي ،ونبحث عن ملجأ في الجبل قبل حلول الظّلام ،تعجّب العبد من حكمة الصبيّ ،وقال نعم الرّأي يا مولاي ،لكن علينا أوّلا إخفاء العربة بأوراق الأشجار،ووضع أمتعتنا على ظهر البغل ،وعندما نصل سنطلقه يرعى في الجبل .
كان الصّعود شاقّا في المسارب الضّيقة ،ثم وصلوا إلى غابة واسعة تتخللها تلال صخرية مرتفعة واصلوا التّقدم فرأوا خرائب وبيوت منحوتة في الصّخر ،سأل الأمير للعبد: يبدو أنك تعرف هذا الجبل جيّدا ؟ أجابه: في صغري كنت آتي إلى هنا مع أبي وإخوتي لصيد الأرانب البرية ،رفع الغلام حاجبيه في دهشة،وقال: لا شك أن ذلك أمر مسلّ ،لكن أين أبوك، وإخوتك الآن يا عبد الرحمان؟ أجاب وهو يحاول إخفاء دمعة نزلت على خدّه : لقد هاجمنا قطاع الطرق وقتلوهم ،لكنهم أشفقوا عليّ لصغر سنّي ،وباعوني في سوق الرّقيق بدمشق .
وذات يوم جاء قيّم القصر واشتراني مع صبية آخرين،وربّانا السّلطان مؤيّد الدّين كأبنائه،وعلّمنا القراءة ،والكتابة ،والقتال ،وأصبحنا من حراسه المخلصين،وهو سيّدنا الذي أقسمنا بدمائنا على خدمته وطاعته .تأثّر الأمير لهذه الحكاية ،وقال له :إسمع يا عبد الرّحمان ،أعدك أن أجد من قتل أهلك وسبّب أحزانك ،أجاب :لا تشغل بالك،فهذا قضاء الله وقدره ،ومضارب قبيلتي لا تبعد كثيرا على الجبل ،وكان أبي أحد أشرافهم ،لهذا السّبب إختارني مولاي لمرافقتك،فهو يعلم أنّ قومي أهل شجاعة ومروءة .
وجدوا عين ماء صغيرة ،فقال العبد، سنرتاح قليلا أخذ جرابا، وأخرج منه خبزا وزيتا و زيتونا ،وقال للأمير : يجب أن تتعوّد على شظف العيش ،وتدبير حالك فالله وحده يعلم كم من الوقت سنبقى هنا ،وأخشى أن تطول الأيام ،فمماليك ناصر بن زيد موجودون بكثرة في شوارع دمشق ،ويبدو أنّه أحكم أمره،واستمال قادة الجند إلى صفّه ،فلم يتحرك أحد لمنعه ..
وأضاف : لقد أخطأ سيّدي بالتّحصن في القصر، ويقال أنّ نبوءة غريبة قالتها عرّافة هي السّبب في فقدانه الثّقة بمن حوله.لم يعلّق الأمير، فقد كان جائعا ،فأكل حتّى شبع،ثمّ إلتفت إلى العبد ،وقال له ساملئ القلة من تلك العين، فماءها أشدّ صفاء من البلور ،عندما إستدار وأراد الإنصراف بقلته، أحسّ بهواء بارد على وجهه، إقترب من اوراق شجر متدلية على الصخور ولمّا أزاحها وجد مغارة صغيرة ،فنادي: ياعبد الرحمان تعال أنظر ماذا وجدت !! وقف العبد ونظر إلى مغارة مخفية بين الصخور والأوراق ،فتهللت أساريره وقال الجنّ نفسه لا يفطن لمكانها ،والرائع أنّها بجانب الماء
أخذ العبد خرقة ولفّها على عود ثمّ صبّ عليها زيتا ،وأشعلها ،ودخلا المغارة في البداية كانت ضيّقة ،لكن أخذت في الإتّساع كلما تقدّموا داخلها، ثم إكتشفوا أنّها تتفرّع في عدّة إتّجاهات ،وهنا توقّفوا ورجعوا .
إلتفت عبد الرحمان للغلام، وقال :إسمعني جيّدا ،أوصيك أن لا تبتعد كثيرا داخل المغارة عندما أغيب عنك فهي عميقة جدا، و متشعّبة ،وتغوص داخل الجبل ..
عندما كنت صغيرا سمعت عن ناس دخلوا هذه المغاور ،ولم يخرج منها أحد ،وكان يقال أن الجن تسكنها ،وأقسم بعض الصّيادين من قومنا أنّه شاهدهم يدخلون ويخرجون منها ،وهم حسان المنظر بيض الوجوه ،وعندما إقترب منهم أطلقوا سهامهم قرب ساقيه ،وكان بإمكانهم قتله ،لكن لم يفعلوا .وشاهدهم أيضا آخرون لهذا السّبب أطلق البدو على هذا المكان إسم جبل الجنّ.
كان الغلام يستمع إليه بإستغراب وسأله :ماذا أفعل إذا وقعنا على هؤلاء القوم من الجنّ، أجاب العبد: نهرب بسرعة ،ويقال أنّ سهامهم لا تخطئ أبدا المرمى.أمّا الآن سأعدّ فراشك لقد أحضرت لك أغطية من الصوف لتنام عليها ،الفراش ليس وثيرا كالقصر، لكنّك ستنتهي بالتعود عليه، سأنقل كل ما حملناه على ظهر البغل الى هنا ،وسأطلقه ،سنبحث عنه إذا إحتجنا إليه ،يجب أن لا نترك أي شيئ يدلّ علينا ،فلن يتأخّر مماليك ناصر في القدوم إلينا ،فكلّ الهاربين يأتون إلى هنا للإختفاء .
وضع الأمير رأسه على جراب من جلد لم يكن مستريحا في فراشه الخشن ،قال في نفسه لا بد أن أتعود على هذه الحياة،وأنسى نعومة القصر.كان الهواء عليلا برائحة الأعشاب البرّية ،فملأ رئتيه من هذا الهواء المنعش ،وتمنى لو كانت أمّه معه ،وتساءل أين أنت يا أماّه ؟ كم أشتاقك في هذا الوقت ،لكنه كان متعبا ،ولم يلبث أن نام ملئ جفنيه،كان العبد يحرسه وأشعل نارا ،فهو يعرف أنّ الجو في المغاور يكون باردا في الليل ،ولم يكن لهما غطاء كاف اليوم ،لكنه سيتدبر الأمر غدا، فلقد أعطاه مؤيد الدّين صرة من الذهب والأحجار الكريمة ،نام العبد بعد قليل بعد أن وضع كومة حطب كبيرة على النار..
بعد قليل إستيقظ الأمير،فقد خيّل إليه أنه يسمع صوتا بقربه ،نظر لعبد الرّحمان فوجده نائما ،قال في نفسه لا بدّ أنّه أرنب برّي ،فلقد كان الصّوت خافتا ،رجع لنومه وإذا بحصاة تسقط فوق وجهه ،وقف ونظر حوله، فرأى على ضوء النّار جارية باهرة الجمال لها نفس عمره، تحملق فيه بعيونها الواسعة ،همس لها من أنت ؟ وكيف وصلت إلى هنا ؟ ....
#ملكة_الجبال
الجزء الرابع
مدينة الصّخور ...
لكنّ الجارية لم تجب ،واسرعت بالإختفاء في الظلام ،أخذ الأمير الوليد عودا مشتعلا من النار، وجرى ورائها ،لكن المغارة كانت عميقة و تتفرّع في عدة إتجاهات ،بعد قليل لم يعد يرى البنت وغاب صوت أقدامها على الصخر .وقف قليلا لعله يسمع صوتا ،لكن لا شيئ سوى الصمت . وحاول الرجوع لكن لم يعرف الطريق الذي أتى منه، وإكتشف أنّه في متاهة ،وقريبا سينطفئ العود ويضيع في ظلام دامس ،بدأ بالصّراخ : يا عبد الرحمان ... ياعبد الرحمان .. كان العبد نائما ،سمع الصوت، وخيّل له أنه يحلم ،فتح عينيه ونظر إلى فراش الأمير لكنه وجده خاليا ،وقف وإلتفت حوله ،وقال : أين أنت يا سيدي ؟ إني لا أراك ، أصاخ بسمعه ،وجاءه صوت مكتوم من داخل المغارة ،لم يعد هناك مجال للشك ،لقد ضاع الأمير داخل المغارة الواسعة ،أخذ مشعلا ،وجرى بسرعة ،كان يأمل أن لا تنطفئ النّار التي مع الأمير ، في هذه الحالة يمكن رؤيته من بعيد .
عندما وصل إلى آخر الممرّ وجد أنّه يتفرع إلى طريقين متجاورين ،ومن المستحيل معرفة أين إتّجه الأمير، لكنّ عبد الرّحمان كان صيّادا، وتعلّم أن يتعقب فريسته ،وقف في الطريق الأوّل ،وشمّ الهواء ،لكن لم يحسّ بشيئ ،لكن في الثاني كانت هناك رائحة الحطب المحترق، جرى بسرعة، وبعد قليل رأى رمادا على الأرض، تأكّد أنه في الطريق الصّحيح ،وزاده ذلك عزما .
في منتصف الطريق صاح الأمير ،وهذه المرة كان الصّوت أكثر وضوحا ،صرخ عبد الرّحمان : إبق في مكانك ولا تتحرك .أصبح الممر يزيد ضيقا ،وفي الأخير وصل إلى بهو واسع مليئ بالأعمدة التي تنزل من السّقف ،و إلتحم بعضها بالأرض عبر آلاف السنين مكوّنة أعمدة ضخمة ،وعلى الجدران الصخرية كانت هناك أنفاق كثيرة ضيقة تتوغّل داخل الجبل ،صرخ عبد الرحمان: أنا هنا هل تسمعني يا سيدي ؟ أجاب الأمير :نعم ،سأل العبد : هل معك نار؟ أجاب الأمير: لقد إنطفأ العود، لكن بقي الجمر . قال عبد الرحمان في نفسه :عندما كنّا نصيد الأرانب ،كنّا نميزها من صوتها ،لقد تعلّمت أن أتبع الأصوات، لكن ذلك ليس مفيدا في المغاور، الصّدى يجعل الصّوت يتردّد من كل مكان ، لي بضعة دقائق قبل أن تتحوّل الجمرة إلى فحم .
كان عليه أن يختار بسرعة أحد الأنفاق ،وقال في نفسه : حدسي يخبرني أن آخذ إتجاه الشرق،دخل عبد الرّحمان من فتحة في الصّخر تشبه الباب وجرى ،وفي النهاية رأى شيئا يتوهّج لقد وجد أخيرا الأمير،حمد الله لو أنّه أخطأ واتّجه إلى ناحية الأخرى، لأصبح من العسير العثور عليه دون ضوء .
قال عبد الرحمان للأمير : هل أنت بخير يا سيّدي ،لقد كان قلقي عليك كبيرا ،أجاب الوليد : أنا آسف، لم أسمع كلامك ،لكن تلك الجارية هي السّبب. سأل العبد بدهشة أي جارية ؟ قال: إستيقظت على صوت جارية صغيرة ،لقد رأيتها كانت بديعة الجمال بعيون فاتحة ،لم أر أجمل منها ،قال عبد الرحمان بفزع : إنها من الجنّ الذي يسكنون الجبل ،ردّ الأمير : إنّها تشبهنا تماما، وقامت بنفس الحركات التي تقوم بها الجواري في سنّي لقد كانت طفلة شقيّة .
هزّ عبد الرّحمان رأسه ،وقال : لا يمكن أن يكون سكّان الجبل إنسا ،كيف تفسر أنّهم يختفون ،ولا يعرفهم أحد؟ قال الأمير : أنا واثق ممّا رأيته، ولا أعرف السّبب الذي جعل هؤلاء القوم يختفون عن الأنظار. على كلّ حال أنا أشعر بعطش شديد ،قال العبد : الماء وطعامنا ،وكلّ أغراضنا في مدخل المغارة ،ولا أعرف كيف أرجع فالممرّات متداخلة ،ومتشابهة ،والمشعل سينطفئ قريبا ،ونجد أنفسنا في ظلام دامس.
قال الأمير: أنا متأكّد أنّ أحد هذه الفتحات تقود إلى الخارج، فقد كانت الجارية أمامي عندما إختفت فجأة .سأله أين شاهدتها قبل أن تختفي ؟ أجاب : في بهو الأعمدة ،قال عبد الرّحمان :هناك طريقان ناحية الغرب هما بعيدان وطريق نحو الشمال وهو أكثر قربا من هنا ،أتصوّر ان الجارية دخلت هناك ،وأنت أخطأت فدخلت الفتحة التي أبعد قليلا إلى الشّرق ،سنلق نظرة ناحية الشّمال، لو كان كلامك صحيحا سنجد منفذا للخروج ونبحث عن مدخل المغارة .
رجعا إلى بهو الأعمدة، ودخلا من الفتحة الشّمالية، ومشيا في نفق طويل ضيّق ،بعد فترة من الزمن، قال عبد الرّحمان :أنظر إلى النّار إنها ترقص، هذا يعني أنّ هناك هواء يدخل من مكان ما . واصلا التّقدم، وأصبح الهواء أكثر قوة، وأحسّا بالفرحة. وفي الأخير شاهدا من بعيد مدينة كبيرة منحوتة في الصّخر ،ومليئة بالنقوش الملوّنة، وفي الأعلى كان هناك شق كبير في الجبل يدخل منه ضوء الشّمس وهواء الغابة المنعش ،نظرا إلى المدينة بدهشة كانت فائقة الجمال فيها تماثيل ضخمة للآلهة وللحيوانات ،ووسطها نافورة ماء عذبة ،قال العبد: لقد وصلنا إلى مدينة الجن وسط الجبل . فجأة سمعا صوتا ورائهما يقول :لا تتحركان سنأخذكما إلى قصر الملكة . وعندما إلتفتا ورائهما، شاهدا مجموعة من المحاربين يصوبون سهامهم نحوهم ،لقد كانوا بيض اللون مع عيون فاتحة كما تحدّثت عنهم الأساطير. قال عبد الرّحمان: ماذا ستفعلون بنا ،أجاب سيدهم: الملكة هي التي ستقرر مصيركما ...
يتبع
الروايات الأكثر قراءه 👇👇
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
حماتي عاوزه تجاوز
تزوجت زوجي وليس في الوجود مثله
نوفيلا فطين وفطنطن