القائمة الرئيسية

الصفحات

أخبار الرياضة

رواية عشق الهوي الفصل الرابع والخامس والسادس بقلم نونا المصري حصريه وجديده

 رواية عشق الهوي الفصل الرابع والخامس والسادس بقلم نونا المصري حصريه وجديده 


توقف المصعد في الطابق الثاني وصعد به احد الموظفين فألقى على ادهم التحية وردها له هذا الاخير بهزة ارستقراطيه من أسه ، ودام الصمت حتى توقف المصعد مجدداً في الطابق الرابع... حيث نزل الموظف اولاً و أرادت مريم ان تنزل ايضاً ولكن ادهم امسك ذراعها فجأة وسحبها الى الداخل ثم ضغط على زر اغلاق الباب الامر الذي صدمها فنظرت اليه بتوتر شديد وهو يضغط على ذراعها منتظراً باب المصعد حتى يُقفل . 

وما ان تحرك المصعد صعوداً الى الاعلى حتى افلت يدها ببطء دون ان يعطيها تبريراً لما فعله وكأنه لم يفعل شيئاً ولم يمسك يدها ويمنعها من الخروج ، فنظرت اليه بعيون تملؤها التساؤلات ورمشت عدة مرات ثم سألته بتلعثم : ل.. ليه عملت كدا ؟ 

نظر إليها بدوره ودقق النظر بها جيداً مما جعلها ترتبك ثم سأل ببرودة أعصاب : عملت ايه ؟؟

فقالت : ليه منعتني اخرج ؟ 

أسند ادهم ظهرة على مرآة المصعد وكتف ذراعيه قائلاً : هتعرفي لما نوصل مكتبي. 

بعد تلك الجملة توترت مريم كثيراً وتساءلت قائلة : وانا هعمل ايه في مكتب حضرتك؟ 

فنظر اليها بنظرة فاحصة ثم اردف بسخرية : متخفيش... انا مش بعض ودلوقتي اسكتي لغاية ما نوصل. 

قال ذلك ثم اغمض عيناه وهو سانداً ظهره الى جدار المصعد ، اما هي فسيطر عليها التوتر وقالت في نفسها : يا ترى عايز مني ايه ؟ 

- في الحقيقة ادهم ابقاها في المصعد ليتأكد ان كانت ستؤثر عليه اكثر اما لا ، وبالفعل كانت قد اسكرته تماماً... ليس برائحة عطرها الساحرة فقط بل كل شيء فيها كان يثير جنونه... طولها الذي ينتهي الى حد صدره وشعرها البني المموج كأمواج البحر وسمرة بشرتها التي تشبه لون القمح ولون عيونها العسلي البراق كلنجوم وشفتيها المرسومتين وجسدها المنحوت ... بأختصار كلها على بعضها كانت تعجبه واصبحت " السل " الذي يفتك بقلبه ويشغل تفكيره لليل نهار . 

وما ان وصل المصعد إلى الطابق الاخير من الشركة حتى قال دون ان ينظر إليها : تعالي ورايا. 

ثم خرج قبلها ، اما هي فأزدردت ريقها واخذت نفساً عميقاً وبعدها لحقت به إلى مكتبه حيث نهضت السكرتيرة سلمى عندما رأته وقالت بدهشة : ادهم بيه ! 



فقال لها : سلمى ...مش عايز اي ازعاج .

ردت سلمى : حاضر يا فندم. 

قالت ذلك ونظرت الى مريم ثم سألتها بخشونة : انتي بتعمليه ايه هنا ، انا مش قولتلك قبل كدا مش مسموح لاي حد من الموظفين يجي هنا ؟ 

أرادت مريم ان تتحدث ولكن ادهم سبقها بقوله : انا طلبت منها تيجي.

قال ذلك ثم نظر إلى مريم التي ارتبكت من نظرته الحادة واضاف بنبرة امر : تعالي ورايا. 

وبعد أن قال ذلك دخل إلى مكتبه الفاخر ، اما مريم فشعرت بثقل في قدمها ولا تعلم لما شعرت بالرهبة منه بالرغم من كونه انساناً عادياً وليس وحشاً الا انها كانت تهابه كثيراً حتى أكثر مما كانت تهاب والدها الراحل... تقدمت نحو باب المكتب بخطوات مرتبكة وهي تفرك يديها وبعدها دخلت ووقفت سلمى تحدق بباب المكتب المغلق بنظرات تملؤها التساؤلات ثم سألت نفسها : هو في ايه ؟ 

في مكتب ادهم...... 

جلس على كرسيه الجلدي بكل راحة خلف طاولة مكتبه المستطيلة بينما وقفت مريم على بعد مترين منه وهي متوترة... وما زاد توترها أكثر هو الهدوء المميت إذ ان الرجل لم يقل اي شيء بل اخرج علبة سجائره الفاخرة من جيب سترته واشعل سيجارة واخذ يشعلها بكل استرخاء وبعد ذلك وجه نظره اليها بينما كانت تتلفت حولها وتنظر في ارجاء المكتب حيث كان كل شيء فيه ثميناً جداً ابتداءً من المقاعد المصنوعة من الجلد الطبيعي الى الطاولة الزجاجية والخزانة الضخمة المليئة بالملفات المهمة .

سحب نفساً عميقاً من سيجارته وهو ينظر اليها وبالكاد منع نفسه من الانقضاض على شفتيها وينهال عليهما بالتقبيل ، ثم نفخ الدخان من فمه وقال بصوته الوقور : اقعدي . 

فنظرت مريم اليه ثم رمشت عدة مرات وقالت : ح.. حاضر. 

بعدها جلست امامه على الكرسي وكانت تبدو متوترة للغاية لذا احنت رأسها ، فأتاها صوته قائلاً : تعرفي انجليزي ؟ 

نظرت اليه وقالت : افندم ! 

ادهم : تعرفي تكتبي انجلش ؟ 

مريم : ا... ايوا .

ادهم : هايل . 

قال ذلك وهو ينفخ الدخان.. ثم اظاف بنبرة عملية : دلوقتي هديكي مهمة علشان اختبر قدراتك ولو نجحتي هتبقى السكرتيرة بتاعتي .

في تلك اللحظة نهضت مريم وسألت باندفاع ودهشة : عايزني انا ابقى السكرتيرة بتاعتك ؟! 

رفع ادهم احد حاجبيه ثم اسند ظهره إلى كرسيه وقال وهو ممسكاً بسيجارته : عندك اعتراض ؟

فعادت مريم لتوترها وقالت بتلعثم : ب.. بس حضرتك عندك سكرتيرة واكيد عندها خبرة اكتر مني وانا تخصصي برمجة وهندسة اليكترونية يعني مفهمش في شغل السكرتارية ابداً . 

أطفأ سيجارته ونظر اليها بجمود ثم اردف : انا عارف دا كويس ومش محتاج انك تفكريني فيه وبالرغم من دا كله انا عايزك تبقى السكرتيرة بتاعتي. 

قال ذلك وكأنه يأمرها بأن تصبح سكرتيرة ولا تمتلك مجالاً للرفض فعقدت حاجباها وقالت : في 500 موظف غيري في الشركة ، ممكن اعرف ليه اخترتني انا من بينهم كلهم ؟ 

في تلك اللحظة نهض ادهم من مكانه قائلاً : مش لازم تعرفي ، ابتداءً من بكرا المكتب اللي برا دا هيبقى مكتبك وخلي بالك انا ما بحبش الغلط ابداً .

مريم : بس... 

فقاطعها بقوله : سلمى هتعلمك الشغل وبما انك ذكية اكيد هتتعلمي بسرعة. 

قال ذلك ثم ضغط على زر استدعاء السكرتيرة فدخلت سلمى قائلة : امرك يا فندم. 

فنظر اليها وقال : سلمى انتي من بكرا هتبقى سكرتيرة كمال لان مريم هتاخد مكانك وهتبقى السكرتيرة بتاعتي. 

أتسعت عينا سلمى بعد ذلك الخبر وقالت : بس يا بيه.... 

فقاطعها بقوله : مش عايز اتناقش في الموضوع دا .. انتي هتعلميها ازاي تبقى سكرتيرة ادهم عزام السيوفي ومش عايزك تفوتي اي حاجة مفهوم ؟ 

فأحنت سلمى رأسها وقالت مرغمة : حاضر يا فندم. 

اما مريم فاعترضت قائلة : قولتلك انا تخصصي برمجة ما ينفعش ابقى سكرتيرة ! 

رد عليها ادهم : هتتعلمي...انا دلوقتي اديتك فرصة ذهبية وفي مليون بنت بتتمنى انها تكون مكانك علشان كدا استعملي ذكائك واستغلي الفرصة دي .

قال ذلك ثم اظاف : سلمى... انتي تقدري تطلعي دلوقتي. 

سلمى : حاضر ، عن اذنكوا. 

قالت ذلك ثم خرجت من المكتب وكانت حزينة لان ادهم استغنى عنها... اما مريم فنظرت اليه وهو يتوجه نحو كرسيه ليجلس مجدداً وقالت : طب انا مطلوب مني ايه دلوقتي ، حضرتك قلت هتديني مهمة ولو نجحت فيها هبقى السكرتيرة بتاعة حضرتك . 

فجلس ادهم ثم اشار لها بيده لكي تجلس وبعدها قال بهدوء مميت : انا هتكلم بالانجليزي وانتي هتكتبي اللي هقولك عليه.. ومش عايز اي غلطة لان اللي هقوله دلوقتي دا يبقى جواب هتبعتيه في البريد الإلكتروني لفرعنا اللي في اميركا. 

مريم : طب ليه التعب دا كله ما حضرتك تقدر تبعته بنفسك. 

وبعد قولها ذاك رمقها ادهم بنظرة باردة جعلت مفاصلها ترتعد خوفاً فابتلعت ريقها ونظرت إلى الاسفل بينما اردف هو بجمود : نفذي اللي بطلبه منك وانتي ساكته... وخلي بالك انا ما بحبش الرغي ابداً يعني من دلوقتي تقللي كلامك ومتقوليش اي حاجات ملهاش لازمة. 

أومأت مريم رأسها بنعم وهي تنظر إلى الارض ولا تعلم لما خافت وسمحت له بأن يكون المسيطر عليها ... هي فقط وافقت على ان تكون سكرتيرته لئلا تخسر عملها مع العلم انها تعبت كثيراً حتى استطاعت ان تجد ذلك العمل... اما هو فكان همه الوحيد ان يبقيها قريبة منه حيث ادرك انه واقع في حبها تماماً من راسه حتى اخمص قدميه لذا قرر ان يعينها سكرتيرة لكي تبقى تحت نظره وقريبة منه جدا ً...فالسكرتيرة الخاصة ترافق رب عملها الى كل مكان يتعلق بالعمل وهو يقضي معظم وقته في الشركة حيث قابلها هناك ووقع في حبها من النظرة الأولى فأصبحت بالنسبة له كالمرض الذي يحرق جسده.... كان يعشقها حتى النخاع ويعشق كل شيء فيها ، شعرها الذي تمنى لو انه يغرس اصابعه فيه مرات عديدة ... جسدها الفتان الذي تمنى لو انه يسحقه بين احضانه... عطرها الذي سلبه عقله... شفتيها الورديتين اللتان حلم بتمزيقهما وهو يقبلها بشغف وعنفوان ... عيونها البراقة انفها الدقيق.. بأختصار عشق كل تفاصيلها . 

اما هي فحالها لم يكن يختلف عن حاله كثيراً.... حيث انها كانت تدرك ان في داخلها مشاعر مضطربة تجاهه ، فهو وبالرغم من برودة اعصابة ووقاحته المميتة وعصبيته المرعبة التي تدب الرعب في النفوس الا انه كان وسيماً جداً في نظرها ورجل بكل ما تعنيه الكلمة ، فكانت تسعد عندما تراه وادركت انها تكن له بعض المشاعر بعد ان غاب عنها لمدة أسبوعين وثلاثة أيام وقد اشتاقت له كثيراً خلال الفترة التي غابها وفي الوقت ذاته كانت قلقه عليه جداً لانه اختفى فجأة وهي لم تكن تمتلك الشجاعة الكافية لكي تسأل عنه ، ولكن عندما عاد ابتسمت روحها من الداخل وشعرت بالارتياح عندما رأته سليماً معافى .

- فجلست بالقرب من طاولة مكتبه وامسكت ورقة وقلم وبدأت تكتب باللغة الإنجليزية ما كان ادهم يمليه عليها ؛ اما هو فكان يتحدث ويجوب المكتب ذهاباً وإياباً وعيناه لا تبتعدا عنها فهي كانت فاتنة بنظره في تلك اللحظة وهي تحني رأسها وتكتب بكل هدوء. 

وبعد نصف ساعة....... 

انتهى ادهم من املاء الكلمات وقال : دلوقتي هتكتبي الجواب دا في الاب توب وهتبعتيه في البريد الإلكتروني للفرع بتاعنا اللي في اميركا . 

فنهضت مريم وهي تمسك الورقة التي كتبت عليها الرسالة ثم نظرت اليه وقالت : حاضر. 

وبعدها ارادت ان تغادر فإوقفها بقوله : استني.... 

تجمدت مكانها قبل ان تفتح الباب لتخرج والتفتت اليه بتوتر ثم سألته : عايز حاجة تانية يا فندم ؟

فنهض ادهم من مكانه واقترب منها بخطوات ثابتة ثم قال بصوت هادئ : هتبعتيه من البريد الإلكتروني بتاعي . 

قال ذلك ثم سحب الورقة من يدها بكل خفة وبعدها افسح لها مجالاً للعودة إلى حيث كانت طاولة مكتبة فأبتلعت ريقها ثم اعادت خصلة من شعرها ووضعتها خلف اذنها ولا تعلم انها فجرت بركاناً في قلب الرجل بعد حركتها تلك ؛ اغمض عيناه بشدة لمدة ثانية واحدة ثم لحق بها نحو طاولة المكتب وارادت ان تجلس في مكانها حيث كانت جالسة منذ برهة لكنه اوقفها بقوله : مش هنا... اقعدي مكاني. 

فنظرت اليه بدهشة وقالت : افندم ! 

فقال : اقعدي مكاني كدا هيبقى الشغل اسهل عليكي . 

ردت بسرعة : مايصحش حضرتك. 

امرها بنبرة حاسمة : اعملي اللي بقولك عليه وانتي ساكته. 

فقالت بتلعثم : ح... حاضر. 

ثم توجهت نحو كرسيه وجلست مكانه بالفعل وكانت متوتره للغاية ، فرسم ادهم ابتسامة صغيرة على شفتيه عندما رأها جالسة مكانه ولكن سرعان ما عاد لبروده واردف : ودلوقتي تقدري تبتدي. 

فنظرت اليه بعيونها البراقة وسرعان ما اشاحت نظرها عنه ورفعت شاشة حاسوبه المحمول ثم شغلته ولكن كانت تحتاج لوضع كلمة السر وطبعاً هي لم تكن تعرفها لذا نظرت اليه مجدداً وغمغمت بتلعثم : م.. من فضلك يا فندم ممكن تقولي ايه هو الباسوورد ؟ 

ولكن ادهم لم يجبها بل توجه نحوها ووقف خلفها ثم انحنى بجسده قليلاً حيث اصبح قريباً جداً منها لدرجة انها شعرت بأنفاسه الدافئة تلامس عنقها وصدره العريض لامس كتفيها وهو يكتب كلمة السر في حاسوبه ورائحة عطره الجذابة سكنت انفها فشعرت بان الارض تدور بها ؛ أنكمشت على نفسها وحاولت ان تسيطر على توترها بينما كان هو عكسها تماماً... اخذ يكتب كلمة المرور ببطء شديد لان قربها منه افقده عقله فبدأت دقات قلبه تتسارع واصبح تنفسه يثقل شيئاً فشيئاً ولكن بالرغم من ذلك استطاع كبح نفسه وابتعد عنها سائلاً : عايزه حاجة تانيه ؟ 

هزت له رأسها بالنفي لعدم قدرتها على النطق حيث ان لسانها قد عجز عن الكلام عندما كان قريباً منها فقال ببرود مصطنع : كويس.. انا هقعد على الكنبة اللي هناك دي ولو في حاجة مش فهماها اسأليني. 

اومأت برأسها دليلاً ثم نظرت إلى الحاسوب بسرعة لكي تتجنب النظر إليه ، فتوجه نحو الأريكة بخطوات رزينه وفي داخله اعصار هائج...ثم خلع سترته وجلس بعيداً عنها لما يقارب العشرة امتار حيث ان مكتبه كان واسعاً للغاية بعكس باقي المكاتب التي كانت في الشركة ، قام بفك ازرار كميه ورفعهما وهو يقول في نفسه : اهدا يا ادهم...ما ينفعش تبقى ضعيف بالشكل دا...حتى لو كانت البنت دي حلوه اوي في نظرك وريحة الپارفان بتاعها جننتك ما ينفعش تعمل حاجة غلط لانك هتندم بعدين وجايز تخسرها .

وفي الجهة الأخرى كانت يد مريم ترتجف وهي تعمل على الكمبيوتر حيث انها كانت متوترة جداً خصوصاً بعد ان اقترب ادهم منها فقالت في نفسها : ما تفكريش فيه يا مريم... انتي هنا علشان الشغل وبس.

وبعد نصف ساعة.... 

انتهت مريم من كتابة الرسالة وارسالها في البريد الإلكتروني وقررت ان تغادر مكتب ادهم... اطبقت شاشة الكمبيوتر ثم نهضت ونظرت فوراً نحو الأريكة حيث كان مستلقياً عليها وهو يغط في نوم عميق ؛ في الحقيقة لقد كان يشعر بالتعب والإجهاد وما ان جلس على الاريكة حتى غلبة النعاس وسقط بالنوم الأمر الذي جعلها تندهش عندما رأته على تلك الحال لذا اقتربت منه بخطوات خفيفة خشية ان يستيقظ ثم وقفت تحدق به وهو نائم بينما كان يضع ذراعه اليمنى خلف عنقه واليسرى على صدره وكانت قسمات وجهه مسترخية مما جعله يبدو وسيماً لأبعد الحدود. 

أبتسمت بعد ان رأته نائماً بهدوء فهو كان يبدو لطيفاً للغاية ولم تصدق ان هذا الذي امامها هو ادهم عزام السيوفي الملقب " بجبل الجليد " والذي يرعب الجميع بمجرد نظرة واحدة من عيناه ... وبدون ان تشعر انحنت تلقائياً على مستواه واخذت تتأمل قسمات وجهه بتمعن وتركيز كبير وكأن حياتها تعتمد على فعل ذلك ، ثم سمحت لنفسها بأن تلمس خده الأيمن بلطف وكأنها تحاول التأكد من شيء مهم للغاية وبعدها قالت بصوت خافت جداً ويكاد ان يُسمع : ادهم عزام السيوفي... اديك طلعت انسان عادي زينا ومش بتخوف زي ما بيقولوا عنك . 

ثم سحبت يدها عن خده ببطء ونظرت إلى سترته التي وضعها جانباً فامسكتها وبعدها غطته بها ثم توجهت نحو باب المكتب وخرجت...وما ان خرجت حتى فتح ادهم عيونه ثم اعتدل بجلوسه وابعد السترة عنه ورفع يده ليلمس خده الذي لمسته مريم وابتسم ابتسامة عريضة زادته وسامة وقشعت عنه البرود والجمود . 

اما هي فعادت الى القسم الذي تعمل فيه فوقف امامها المدير سالم وكان غاضباً للغاية ثم سألها بزمجرة تشبه زئير التنِّين : كنتي فين يا ست هانم ؟ 

واضاف بنبرة عصبية : انتي فاكرة ان الشركة دي بتاعة ابوكي علشان تخرجي منها على كيفك ؟ 

فنظرت اليه وقالت بأنزعاج : من فضلك يا استاذ سالم بطل تجيب سيرة ابويا كل شوية لاني مش هسمحلك تتكلم عنه مرة تانيه بالطريقة دي ؟ 

في تلك اللحظة نظر موظفين القسم اليها بتعجب فهي رفعت صوتها على المدير سالم الذي كان يكبرها بسنوات كثيرة حتى ربما كان أكبر من والدها الراحل ...اما هو فاتسعت عيناه وقال بصدمة : انتي اتجننتي يا انسه مريم ، ازاي اتجرأتي وعليتي صوتك عليا .. مش عيب عليكي ؟! 

ردت عليه مريم : انا اسفه لاني عليت صوتي بس انت كمان زودتها اوي ...يعني مش ضروري تجيب سيرة ابويا كل شوية ولعلمك انا مكنتش برا الشركة وانما كنت بشتغل علشان كدا اتأخرت. 

فكتف الاستاذ سالم ذراعيه وقال بسخرية : بجد ، ويطلع ايه الشغل دا بقى يا استاذة مريم ؟ 

فقالت مريم بكل ثقة : انا كنت بشتغل في مكتب ادهم بيه وهو كلفني في مهمة وكمان من بكرا انا هسيب القسم دا وهبقى السكرتيره بتاعته . 

فضحك جميع من في القسم بعد سماعهم لذلك وقال الاستاذ سالم بسخرية : والله العظيم ؛ ومطلبش منك تاخدي مكانه كمان ؟ 

ردت عليه بثقة اكبر : ايوا... انا قعدت مكانه فعلاً .

فاستمر الموظفين في الضحك عليها مما جعلها تنزعج كثيراً لذا قطبت حاجباها وجلست في مكانها ؛ في تلك اللحظة سمعوا صوت رجولي مألوف دب الرعب في نفوسهم جميعاً بالرغم من هدوئه عندما سأل : بتضحكوا على ايه ؟ 

فألتفت جميع الموظفين نحو الباب حيث كان ادهم واقفاً بكل هدوء وهو يضع يديه في جيب بنطاله ويرفع احد حاجبيه بوجه جامد ، وعندما رأته مريم نهضت فوراً اما الاستاذ سالم فتملكه التوتر وتوجه نحوه بأبتسامة مصطنعة وقال : ا.. ادهم بيه ، حضرتك رجعت مصر ايمتى يا فندم ؟ 

تجاهله ادهم تماماً ثم توجه نحو مريم بمراقبة الجميع له ووقف امامها بكل هدوء بينما كانت هي ترفع رأسها قليلاً لتنظر اليه بتوتر ولم تنبس بكلمة واحدة إذ انها لم تستوعب ما يحدث لانها تركته منذ 10 دقائق نائماً في مكتبه وكان يبدو انه يغط في نوم عميق لن يستيقظ منه الا بعد مرور ساعات على الاقل ولكن ها هو الان يقف امامها بطوله الفارع وجسده العريض وسألها بصوت مسموع : خلصتي الشغل اللي طلبته منك ؟ 

أومأت برأسها دليلاً على نعم فقال : كويس.. 

ثم اخرج هاتفاً لونه زهري من جيبه واضاف : دا الموبايل بتاعك... نسيتي في مكتبي لما كنتي تبعتي الايميل . 

 - قال ذلك واخذ يراقب ردة فعل الموظفين بطرف عينيه إذ أنه تعمد ان يقول تلك الجملة " لما كنتي تبعتي الايميل " حتى يصدق الموظفين ان مريم كانت تعمل في مكتبه بالفعل لانه سمع مناقشتها مع الاستاذ سالم وشهد سخرية الجميع منها وذلك ازعجة كثيراً ؛ فاخذت مريم الهاتف منه وبينما كانت تفعل ذلك لامست اصابعها يده فشعرت بالقشعريرة لذ سحبتها بسرعة وقالت بتلعثم : م.. متشكره . 

فأردف ببرودة اعصاب : بكرا الصبح هتبتدي شغلك الجديد وخلي بالك انا مبحبش التأخير ابداً يعني عايز اشوفك مزروعة في مكتبك اللي فوق قبل الساعة 9:00 كلامي مفهوم ؟ 

مريم : ح... حاضر يا فندم. 

ادهم : ودلوقتي ارجعي كملي شغلك. 

قال ذلك ثم استدار بجسده لكي يغادر وسط دهشة الجميع ...فهم ولأول مرة شهدوا على شيء لم يحدث في الشركة من قبل حيث ان ادهم عزام السيوفي الملقب بـِ " جبل الجليد " والمعروف عنه انه لا يهتم لاي شخص قد نزل من مكتبه وزار قسمهم لأول مره فقط من اجل ان يعيد لمريم الموظفة البسيطة هاتفها الذي نسيته في مكتبه ! 

رمقهم بنظرة زرعت الخوف في قلوبهم وكانت توحي على " تابعوا عملكم " لذا عاد الجميع ليتابع عمله بينما سأله الاستاذ سالم بتوتر : الكلام دا حقيقي يا فندم ؟! 

فنظر ادهم اليه وقال ببرود : اي كلام ؟ 

الاستاذ سالم : ان الموظفة مريم مراد هتبقى سكرتيرة حضرتك ؟ 

ادهم : انت سمعتني وانا بقولها الكلام دا صح ؟ 

فأرتبك الاستاذ سالم وقال : ا.. ايوا سمعتك. 

ادهم : ما دام سمعتني يبقى ليه كتر الأسئلة ؟ 

فاحنى الاستاذ سالم رأسه وقال : انا اسف يا فندم . 

ادهم : تقدر تشوف شغلك. 

قال ذلك ثم نظر إلى مريم بنظرة اخيرة فوجدها تنظر اليه ايضاً ولكن سرعان ما اشاحت بنظرها عنه وجلست في مكانها... فخرج من قسم البرمجة وتوجه الى خارج الشركة لكي يعود الى المنزل ؛ في تلك الاثناء اقترب كل من الاستاذ سالم وموظفين قسم البرمجة من مريم وسألها الاول : ازي بقيتي سكرتيرة ادهم بيه يا مريم بين يوم والليلة ؟ 

وقالت زميلتها ياسمين : ايوا لسه من ساعتين كنا قاعدين مع بعض في الكافيتريا وبعد كدا انتي اختفيتي وفجأة بقيتي سكرتيرة ادهم بيه !

فتنهدت مريم وقالت : والله يا جماعة انا ذات نفسي معرفش ليه ادهم بيه اختارني علشان ابقى السكرتيرة بتاعته ...ربنا يستر بقى. 

في اليوم التالي....

ذهب ادهم الى الشركة وتوجه فوراً نحو مكتبه في الطابق الاخير حيث وجد مريم ترتب ملابسها بارتباك وهي تتمتم قائلة : يا رب اللبس دا يبقى مناسب لشغل السكرتيرة لاني مش ناقصة بهادل من الصبح. 

فأبتسم عندما رأها على تلك الحال ونظف حلقه قائلاً ببرود : صباح الخير. 

أرتعدت عندما سمعت صوته ثم نظرت اليه فوراً وقالت بتلعثم : ص.. صباح النور يا فندم. 

فنظر اليها نظرة متفحصة من رأسها حتى اخمص قدميها وقال : كويس.. شكلك مناسب للشغلنه دي. 

قال ذلك ثم دخل إلى مكتبه دون ان يضيف شيئاً الامر الذي جعلها تتنفس الصعداء وابتسمت قائلة : الحمد لله. 

وسرعان ما حملت دفتر ملاحظاتها ولحقت به إلى المكتب فوقفت تحدق به وهو واقف بالقرب من النافذة العملاقة يحدق في المباني الاخرى وقالت بصوت مرتبك : ا.. الانسة سلمى ادتني جدول أعمال حضرتك بتاع النهارده يا فندم وكمان ساعة عندك اجتماع مع كمال بيه وبعدها لازم توقع على الموافقة عشان نضيف موقع المتدرب محمود ياسين ضمن المواقع الرئيسية في الشركة لان هو اللي كسب في المسابقة اللي حضرتك اقترحتها .

ابتسم ادهم دون ان تراه لانه حقق مراده بأن يجعلها قريبة منه ثم التفت اليها وقال بجدية : كويس... دلوقتي عايز فنجان قهوة من غير سكر .

مريم : حاضر.. عايز حاجة تانيه ؟ 

ادهم : لا.. تقدري تشوفي شغلك. 

مريم : عن اذن حضرتك. 

قالت ذلك ثم خرجت من المكتب فأبتسم هو مجدداً وجلس على كرسيه قائلاً : واخيراً هتبقي جنبي يا مريم... يا رب اقدر امسك نفسي و معملش حاجة غلط. 

- ومرت الايام والشهور بسرعة وكانت مريم قد اعتادت على عملها الجديد بالقرب من ادهم الذي كان يعشقها حد الجنون حيث ان حبها كان يكبر في قلبه كل يوم اكثر من اليوم الذي قبله لدرجة انه تعدى مرحلة العشق واصبح مهوساً بها... كان يريد ان يتملكها لتصبح له وحده وكانت تزعجة فكرة انها تمتلك اصدقاء ذكور تجلس معهم في اوقات الفراغ ، وكم من مرة رأها جالسه تضحك مع زملائها فأتته فكرة ان يسحبها من يدها ويحتضنها امام الجميع بقوة لدرجة تكسر عظامها حتى يعلموا انها له وحده ولن يسمح لأي شخص من ان يقترب منها ولكن كبريائه المغرور منعه من فعل ذلك فهو لن يكون ادهم عزام السيوفي ان استسلم لرغبته ؛ لذا كان سريع الغضب واحياناً كثيرة كان يصب جام غضبه عليها وكأنه يحملها ذنب هذا الحب الذي اهلك روحه.... فهي كانت قريبة منه جداً ولكن بالرغم من قربها الا انها كانت بعيده ايضاً ..وكم تمنى ان يمسك يدها ان يقبلها ان يضع رأسها على صدره ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن. 

اما هي فكانت تتعذب ايضاً ... لقد وقعت في حبه خلال الثلاثة اشهر التي عملت فيها كسكرتيرته الخاصة ولكنها خبأت ذلك الحب في اعماق قلبها ولم تخبر اي احد بشأن مشاعرها تجاهه لانها كانت تعتقد انه من سابع المستحيلات ان يلتفت ذلك الجبل الجليدي اليها في يوم من الايام خصوصاً بعد أن شهدت في كثير من الاحيان على نوبات غضبه الجنونية حيث انه كان يتحول من شخص هادئ وبارد كالثلج الى بركان ثائر وهائج لأتفه الأسباب ؛ لم تكن تعرف انها السبب الرئيسي في عذابه وغضبه وانزعاجه وان عدم قدرته على الاقتراب منها والبوح لها هي ما كانت تحرق روحه وليس العمل كما كانت تعتقد. 

وذات مرة.... 

كانت مريم جالسة في مكتبها الذي بجانب باب مكتب ادهم وكانت تكتب تقريراً عن عمل الشركة في الاسبوع الاخير ، وبينما كانت تعمل تفاجأت بظهور احد موظفين قسم المحاسبة المالية واقفاً اماها وكان يدعى " هاني " ويبلغ من العمر 27 عاماً حيث كان شاباً وسيماً ولطيفاً ويبدو من مظهره انه حسن الاخلاق ومحترم فأبتسم قائلاً : ازيك يا انسه مريم ؟ 

بادلته مريم الابتسامة وقالت : الحمد لله... انت ازيك يا استاذ هاني ؟ 

هاني : تمام والحمد لله بس بقيت كويس بعد ما شفتك. 

فابتسمت مريم بعفوية وقالت : متشكرة. 

هاني : ادهم بيه في مكتبه ؟ 

مريم : ايوا. 

هاني : تمام... يبقى يا ريت تقوليله اني عايز اقابله. 

مريم : في حاجة ؟ 

هاني : محتاج توقيعه على الملف دا. 

مريم : اه اوك... من فضلك استنى هنا .

قالت ذلك ثم نهضت من مكانها ورتبت هندامها ثم اخذت نفساً عميقاً قبل ان تطرق باب مكتب ادهم وكأنها ذاهبة لساحة المعركة وبعدها طرقت الباب بخفة ودخلت... فوجدته جالساً خلف طاولة مكتبه خالعاً سترته ورافعاً اكمام قميصه الاسود ويعمل على حاسوبه المحمول بتركيز كبير...وما ان دخلت حتى شعر بوجودها فوراً وبدون ان ينظر اليها سألها ببرود : عايزه ايه ؟ 

فاقتربت بخطواتها من طاولة مكتبه حتى اصبحت واقفة امامه مباشرة ثم قالت : الاستاذ هاني من قسم المحاسبة عايز يقابل حضرتك يا فندم . 

قال دون ان ينظر اليها : ليه ؟ 

مريم : عايز توقيع حضرتك على ملف. 

فقال وهو على نفس الوضعية : دخليه. 

مريم : حاضر.

قالت ذلك ثم ارادت ان تغادر المكتب فإوقفها بقوله الحاد : استني... 

فتجمدت مكانها ثم التفتت اليه ووجدته يحدق بتنورتها بنزعاج واضح وهو يعقد ما بين حاجبيه وسرعان ما نهض من مكانه واقترب منها قائلاً : ايه اللي انتي لبساه دا يا انسه ؟ 

فنظرت مريم الى نفسها حيث انها كانت ترتدي تنورة سوداء لم تكن قصيرة جداً كانت تصل الى ما فوق الركبة بقليل ومعها قميص لونه اسود بأكمام تصل الى نصف الذراع وعليه اكسسوار لونه ذهبي فسألته بتوتر : مال لبسي يا فندم ؟ 

فضغط ادهم على قبضة يده بقوة شديدة ثم زجرها بعصبية : اللبس الملط دا ما يتلبسش في شركتي تاني انتي سامعة ؟ 

استغربت مريم من الذي سمعته فهي لم تكن الفتاة الوحيدة التي ترتدي التنانير في الشركة لذا قالت باستغراب : افندم ! 

ادهم : مش عايز اكرر كلامي...انتي هتروحي البيت دلوقتي وهتغيري المهزلة اللي انتي لبساها دي وبعد كدا هترجعي هنا فوراً ومش عايز اشوفك لابسه قصير مرة تانيه كلامي مفهوم ؟ 

في تلك اللحظة قطبت مريم حاجباها حيث انها شعرت بالإهانة ثم قالت تدافع عن موقفها : عفواً يا فندم بس اظن ان دي حرية شخصية ولا مؤخذة يعني انت مش من حقك تتكلم معايا بالشكل دا لاني حرة البس اللي انا عايزاه ، وبعدين الجيبة بتاعتي مش قصيرة ابداً ومناسبه للشغل . 

فاقترب ادهم منها بحركة سريعة ثم امسك ذراعها بقوة اجفلتها وضغط عليها قائلاً بنبرة حادة : انا قلت تروحي تغيريها فوراً يعني مش عايز مناقشة في الموضوع دا. 

- لا تعلم مريم لما شعرت بالخوف منه ولكن خوفها هذه المرة كان ممزوجاً ببعض التساؤلات فهو لم يسبق له وان تدخل بأمورها الشخصية او ان امسك ذراعها بهذا الشكل ولكنه انزعج فوراً عندما رأها ترتدي تنوره لاول مرة منذ ان بدأت العمل في الشركة حيث انها كانت دائماً ترتدي البناطيل ولبسها كان دائماً محترماً لذا احنت رأسها وقالت بشيء من التوتر : حاضر يا فندم ... هروح البيت حالاً وهغير هدومي. 

فترك يدها وعاد لبرودة اعصابه المعتادة بعد ان سمعها تستسلم لطلبه ثم قال : كويس.. ودلوقتي تقدري تمشي. 

- لقد هدأ ظاهرياً ولكن الحقيقة انه لم يحتمل فكرة ان تبقى محبوته بتلك التنورة ويراها الرجال في الشركة فهو كان يغار عليها من نسمة الهواء ولو كان بمقدوره ان يفتح صدره ويحتويها في داخله لكي يخفيها عن كل الناس لما تردد بفعل ذلك ابداً ، اما هي فقالت : عن اذن حضرتك. 

وبعدها خرجت من المكتب وقالت لهاني : اتفضل..البيه مستنيك. 

ابتسم هاني لها واردف : متشكر يا انسه مريم.

قال ذلك ثم طرق باب مكتب ادهم ودخل فوجده جالساً خلف مكتبه ويبدو عليه الانزعاج ، ازدرد ريقه وقال : بتوتر : اسف على الازعاج يا فندم بس محتاج توقيعك على الملف دا. 

فنظر ادهم اليه ثم اخذ الملف من يده ووقع عليه دون ان يقول اي شيء ثم اعاده الى هاني قائلاً : تقدر تمشي. 

هاني : عن اذن حضرتك . 

قال ذلك ثم استدار وسار حتى خرج من المكتب وابتسم عندما رأى مريم ثم سألها : انسه مريم هو انا اقدر اعزمك على الغدا النهاردة ؟ 

فنظرت مريم اليه وقالت : انا اسفه يا استاذ هاني بس لازم ارجع البيت دلوقتي...خليها مره تانيه. 

هاني : خير... في حاجة ؟ 

مريم : متشغلش بالك...مفيش حاجة مهمة. 

هاني : طيب تحبي اوصلك.

مريم : متشكرة بس مش عايزه اعطلك عن شغلك . 

هاني : ولا هتعطليني ولا حاجة... اساساً دلوقتي استراحة الغدا يعني مفيش عندي شغل. 

فابتسمت مريم وقالت : وبرضو مش عايزه اتعبك معايا. 

هاني : الله يسامحك... ودا كلام برضو ، احنا زملاء في الشغل ودا اقل واجب اعمله .

مريم : خلاص... ماشي. 

فأبتسم هاني واردف بحماس : يلا اتفضلي . 

فحملت مريم حقيبتها ثم قالت : متشكرة. 

- وعندما ذهبا الى موقف السيارات وصعدا في سيارة هاني قادها حتى اوصل مريم الى منزلها بعد ان اعطته العنوان وكانت الساعة آن ذاك تُشير الى الواحدة ظهراً... فنزلت من السيارة ونظرت اليه من النافذة وهي تبتسم قائلة : متشكرة يا استاذ هاني.

هاني : العفو... تحبي استناكي.

مريم : مفيش داعي... مش عايزه اتعبك معايا اكتر .

هاني : براحتك... يلا سلام دلوقتي. 

قال ذلك ثم شغل محرك سيارته وهم بالمغادرة اما هي فنظرت الى نفسها مجدداً ثم تنهدت تنهيدة عميقة وصعدت الى الدور الثاني من العمارة التي كانت تسكن بها مع اختها الصغيرة مرام ؛ توجهت نحو شقتهم واخرجت مفتاح الباب من حقيبتها وبعدها دلفت الى الداخل وذهبت لتبدل ملابسها ، وبعد ان فعلت ذلك خرجت من المنزل ونزلت من البناية وهي في غاية الروعة بملابسها البسيطة المكونة من بنطال رسمي باللون الأسود وقميص ابيض ذو ياقة ذهبية مزركشة ... اوقفت سيارة أجرة وعادت الى الشركة فرأها ادهم وشعر بالرضا لانها نفذت ما طلبه منها بالحرف الواحد. 

تسارع في الاحداث............ 

في صباح اليوم التالي استيقظت كعادتها مبكراً فذهبت الى غرفة اختها لكي تُيقظها من اجل الذهاب الى المدرسة وبالفعل فعلت ذلك ولكنها انتبهت ان اختها مرام كانت تبدو مريضة ووجها شاحب فسألتها بقلق : انتي كويسه يا حبيبتي ؟ 

ابتسمت مرام وقالت : ايوا... انا كويسه متخافيش ؟ 

وضعت مريم يدها على جبين اختها ثم قالت : غريب... مفيش حرارة يبقى ليه شكلك تعبانه ؟ 

مرام : متقلقيش يا مريم... انا كويسه وزي الفل. 

مريم : قوليلي يا حبيبتي... قلبك بيوجعك ، حاسه في وجع ... طمنيني ! 

فهزت مرام رأسها بالنفي واردفت : لاء يا ميمي ...مش حاسة بحاجة. 

مريم : اوك... يلا قومي علشان تجهزي نفسك وانا هحضرلك الفطار. 

مرام : حاضر. 

ثم خرجت مريم من غرفة اختها لكي تُعد الفطور وما ان خرجت حتى تغيرت ملامح وجه مرام ووضعت يدها على صدرها واغمضت عيناها بألم فهي اخفت امر ألم قلبها عن اختها الكبيرة لئلا تجعلها تقلق لانها كانت تعرف مريم حق المعرفة وما ان تشعر بالقلق حتى تصبح كالمجنونة تماماً ومن المؤكد انها ستأخذها الى المستشفى فوراً وهي لم تشاء الذهاب الى المستشفى حتى لا تكلف اختها دفع فاتورة الفحوصات الطبية حيث انها كانت تدرك مدى حاجتهما الماسة للمال . 

وبعد ان فعلت كل منهما روتينها اليومي... ذهبت الكبيرة الى عملها برفقة صديقتها الهام كالعادة اما الصغيرة المريضة فذهبت الى مدرستها ؛ وفي الشركة ... توجهت مريم نحو مكتبها قبل ان يصل ادهم بقليل فوجدت هاني ينتظرها هناك فابتسم فور رؤيته لها وقال : صباح الخير يا انسه مريم.. عاملة ايه النهاردة ؟ 

استغربت من امر وجوده بالقرب من مكتبها منذ الصباح حيث ان جميع الموظفين يعلمون ان الطابق الاخير من الشركة خاص بـ بالإدارة وقسم السكرتارية فقط ولا يسمح للموظفين العاديين ان يذهبوا إلى هناك... فاقترت منه وقالت : صباح النور..بتعمل ايه هنا يا استاذ هاني ؟ 

وقف هاني يعبث بشعره وابتسم ببلاهة قائلاً : بصراحة كنت مستنيكي. 

مريم : خير.. في حاجة ؟ 

هاني : في الحقيقة انا مش عارف ازي هفتح معاكي الموضوع بس.. تقبلي تخرجي معايا النهاردة ؛ انا عايز اعزمك على الغدا وبتمنى انك تقبلي. 

فابتسمت مريم بعفوية وقالت : ان شاء الله... ولو اني انا اللي لازم اعزمك لانك وصلتني البيت امبارح. 

هاني : لا العفو... دا واجب عليا. 

مريم : يبقى هقابلك في استراحة الغدا. 

فاتسعت ابتسامة هاني واردف : وانا هستناكي...يلا مش عايز اعطلك اكتر ، عن اذنك. 

قال ذلك ثم اراد ان يغادر ولكنه توقف عندما رأى ادهم واقفاً امامه على بعد خطوات ويبدو من ملامح وجهه المنزعجة انه سمع حديثهما كله ...فابتلع الشاب ريقه ثم ابتسم بإرتباك وقال : ص.. صباح الخير يا فندم. 

ولكن ادهم رمقه بنظرة مخيفة وكأنه كان يريد ان يأكله حياً وبعدها تجاهله تماماً ثم توجه نحو مكتبه بدون ان يلقي التحية على مريم التي قالت : صباح الخير يا فندم. 

فدخل مكتبه بصمت مميت وفي داخله تسونامي يتخبط بجدران صدره ...وما ان دخل المكتب حتى ارخى ربطة عنقه بقوة واخذ صدره يعلو ويهبط نتيجة الغضب الشديد الذي سيطر عليه في تلك اللحظة بعد أن سمع حديث مريم مع هاني وعرف انها صعدت معه في نفس السيارة عندما اوصلها الى البيت واخذت الافكار تتخبط في رأسه فقال : ركبت معاه في نفس العربيه والنهارده عايزه تخرج معاه علشان يتغدوا ، لا دا كتير... كتير اوي .

قال ذلك ثم ضغط على زر استدعاء مريم ثم جلس على كرسيه... وما هي الا ثواني حتى دخلت الى المكتب وقالت : امرك يا فاندم ؟ 

فنظر اليها بنظرات غاضبة دبت الرعب في اوصالها ثم قال بعصبية : عايزك تعملي تقارير لكل المبيعات والارباح اللي حققتها الشركة في الخمس سنين اللي فاتوا وعايز التقارير تبقى على مكتبي الساعة وحده...ومتخرجيش من الشركة لغاية ما تخلصيهم انتي فاهمة ؟ 

فقالت مريم : بس انا عندي معاد الساعة وحدة .

نهض ادهم وضرب طاولة مكتبه بقوة مما جعلها ترتعش خوفاً وقال بلهجة أمر : انا قلت متخرجيش من الشركة قبل ما تخلصي شغلك.

اردفت بتلعثم : ب.. بس يا فندم.. 

فقاطعها بقوله : اتفضلي على مكتبك . 

قال ذلك ثم استدار لينظر من خلال النافذة فتنهدت مريم وقالت : حاضر ...عن اذنك. 

ثم خرجت من المكتب و لا تعلم لما اتتها رغبة تحثها على البكاء فبكت بصمت ولكن سرعان ما مسحت دموعها وجلست في مقعدها لتبدأ عملها الذي طلبه منها ادهم. 

تسارع في الاحداث........ 

- انتهت من كتابة التقارير التي طلبها ادهم قبل موعد الغداء فإبتسمت ثم نهضت من مكانها وطرقت باب مكتبه وبعدها دخلت فوجدته يعمل على حاسوبه كالعادة ، اقتربت منه قائلة : انا خلصت كتابة التقارير يا فندم. 

فنظر اليها ببطء ثم نظر إلى ساعة يده وبعدها قال : كويس... خلصتي قبل الوقت .

مريم : وبما اني خلصت قبل الوقت ينفع اخرج ، يعني دلوقتي استراحة الغدا وكل الموظفين بيخرجوا في الوقت دا وانا عندي معاد ومحتاجة اخرج . 

في تلك اللحظة تجمرت عينا ادهم بعد سماعه لما قالته مريم فهب واقفاً وسألها بخشونة : عايزه تخرجي مع الاستاذ هاني مش كدا ؟ 

نظرت اليه بتعجب وسالته : حضرتك بتقصد ايه ؟ 

فصاح بها قائلاً : عاملة نفسك مش عارفه ؟؟

عقدت مريم حاجباها بعدم فهم واردفت : انا مش فاهمة انت بتتلكم عن ايه ! 

فسألها : انتي بتحبيه ؟ 

وبعد ان سمعت ذلك أتسعت عيناها فقالت بصدمة : ايه ؟ 

اما هو صرخ بها قائلاً : بتحبيه ولا لأ ، انطقي ! 

في تلك اللحظة شعرت مريم بالخوف منه كثيراً لانها رأته غاضباً جداً ولاول مرة رأت الشرر يتطاير من عيناه فلم تعد قادرة على الوقوف لذا جلست على الاريكة وهي تنظر اليه بفزع... فاقترب منها وامسك فكها السفلي بحركة اجفلتها قائلاً بصوت اشبه لهمس الشياطين : انا سألتك سؤال فالاحسن انك تجاوبي عليه بسرعة يا مريم . 

نزلت دموعها من شدة الخوف فهي لم تكن تتوقع ان يخيفها ادهم الى ذلك الحد فتحدثت بصوت يكاد يختفي : ا.. انا.. ما.. 

ولكن ادهم خشي ان يسمع اجابتها فأسكتها بقبلة شرسة كادت ان تمزق شفتيها...نعم قبلها بكل شغف وكأن حياته تعتمد على ذلك وكأن شفتيها ترياق الحياة وان لم يتناوله سيموت حتماً ، وبينما كان يقبلها بعمق كانت هي تحت تأثير الصدمة حيث انها تجمدت في مكانها تماماً حتى انها لم تستطيع ان ترمش فقط كانت عيناها مفتوحتين على وسعهما وتنظر اليه وهو يقبلها كلوحش الذي انقض على فريسته ، واستمر في تقبيلها حتى كادت ان تفقد وعيها لعدم قدرتها على التنفس لذا بدأت تحاول ابعاده عنها و اخذت تضربه على صدره وهي تغمض عيناها بشدة ولولا حاجتهما للتنفس لما ابتعد عنها .

اخذ صدرهها يعلو ويهبط بشدة ودموعها انسابت على وجنتيها بينما اعاد هو شعره الى الخلف وادار ظهره لها واغمض عيناه بشدة وكان جسده يرتجف بالكامل وكأنه اخذ جرعة مخدرات زائدة سببت له النشوة ، فنهضت مريم من مكانها ثم وجهت نظرها اليه وسألته بنبرة مرتجفة : ل... ليه عملت كدا ؟ 

التفت اليها ثم امسك كتفيها بقوة وقال باندفاع : لانك بتاعتي....مش مسموحلك تخرجي مع اي حد تاني انتي فاهمة ؟؟

واضاف بعصبية شديدة : انا عايزك وهقتل كل واحد يحاول يقرب منك لانك ملكي انا وبس . 

فقالت بصدمة : ايه ؟ 

ضغط ادهم على كتفيها بقوة أكبر مما جعلها تتأوه من شدة الألم وقال : ايوا انا عايزك... عايز كل حته فيكي تبقى بتاعتي انا ....ريحتك... شعرك... شفايفك جسمك... كل حاجة هتبقى ملكي من النهاردة حتى دماغك وتفكيرك .

عقدت مريم حاجباها باستنكار شديد عندما سمعت ذلك وشعرت بالإهانة لذا قالت بتهور : سيبني ؛ انت مجنون وانا مش هشتغل عندك بعد النهاردة ابداً .

لكنه لم يتركها بل قبلها مرة اخرى بقوة اكبر هذه المرة حتى نزفت شفتيها ....


رواية عشق الهوي الفصل الخامس 5 بقلم نونا المصري

- ضغط ادهم على كتفي مريم بقوة أكبر مما جعلها تتأوه من شدة الألم وقال بانفعال شديد : ايوا انا عايزك... عايز كل حته فيكي تبقى بتاعتي انا ....ريحتك... شعرك... شفايفك جسمك... كل حاجه هتبقى ملكي من النهاردة حتى دماغك وتفكيرك .

فعقدت الفتاة حاجباها عندما سمعت ذلك وقالت بعصبية : سيبني....انت مجنون وانا مش هشتغل عندك بعد النهاردة ابداً .

ثم حاولت أن تتملص منه ولكنه قبلها مرة اخرى بقوة اكبر حتى نزفت شفتها وعلى اثر ذلك ذرفت الدموع ، فدفعته بعيداً عنها ثم نظرت اليه بعيونها الباكية واردفت بحنق : انت مريض نفسي وانا مقدرش اشتغل عندك بعد اللحظة دي. 

قالت ذلك ثم ركضت وخرجت من المكتب وهي تبكي بحرقة شديدة فتوجهت نحو مكتبها واخذت حقيبتها وبعدها خرجت من الشركة وهي ما تزال تبكي... اما هو فلم يعد قادراً على كبح غضبه الشديد اكثر من ذلك لذا ثار كالبركان وبدأ يحطم كل شيء تقع يده عليه....بأختصار جعل الفوضى تعم مكتبه بينما كان الشرر يتطاير من عيناه وهو يصرخ ويلعن حظة تحت انفاسه المتسارعة .

عند مريم........ 

خرجت من الشركة وهي تبكي بشدة...و بينما كانت تحاول انكار ما حدث في عقلها ردها اتصال هاتفي... فمسحت دموعها ثم اخرجت هاتفها من حقيبتها واجابت بصوت مرتجف تحت الدموع : ايوا يا استاذ علي. 

فقال الاستاذ علي بلهفة : انسه مريم الحقي اختك.... مرام تعبت اوي ونقلناها المستشفى ! 

في تلك اللحظة اتسعت عينا مريم على وسعهما وتجمد الدم في عروقها ثم هتفت ببخوف ايه !  

الاستاذ علي : هي تعبت اوي علشان كدا اتصلنا في الاسعاف وقالوا نخبر ولي أمرها لان وضعها خطير جداً. 

بدأت مريم ترتجف بعد ما سمعت الخبر وسألته بصوت يكاد يختفي : في... في انهي مستشفى هي دلوقتى ؟ 

الاستاذ علي : المستشفى الوطني وانتي لازم تيجي هنا بسرعة. 

- انهت المكالمة دون ان تقول اي شيء آخر ثم ركضت نحو الشارع لكي توقف سيارة أجرة وقد سيطر على الهالع تماماً... استقلت اول سيارة أجرة قابلتها وذهبت الى المشفى الذي نُقلت اليه اختها مرام ، وما ان وصلت حتى ترجلت من السيارة بعد ان رمت ما يوجد في حقيبتها من مال على السائق دون ان تنظر الى المبلغ وبعدها ركضت الى قسم الطوارئ كالمجنونة وسألت احدى الممرضات عن اختها فاخبرتها انها في غرفة العناية المركزة ؛ ذهبت إلى هناك حيث كان مدرس الرياضيات الاستاذ علي الذي اتصل بها واقفاً امام باب غرفة العناية... ركضت نحوه وسألته بفزع : فين اختي يا استاذ علي... هي حصل لها ايه ؟  

الاستاذ علي : وضعها حرج يا انسه مريم... الدكتور قال انها لازم تعمل عملية بسرعة. 

فوضعت مريم يدها على فمها جراء الصدمة ونزلت دموعها فوراً وتساءلت بقلق شديد : قولت عمليه ؟  

الاستاذ علي : بصي... الاحسن انك تروحي تسألي الدكتور المشرف على حالتها. 

مريم : طب... طب هو اسمه ايه ؟  

الاستاذ علي : اسمه عماد سالم .

مريم : طيب... متشكره يا استاذ. 

الاستاذ علي : العفو... انا لازم ارجع المدرسة دلوقتي... الف سلامه عليها. 

قال ذلك ثم غادر اما هي فذهبت الى قسم الاستقبال وسألت الموظفة عن الدكتور عماد سالم فاخبرتها انها ستجده في مكتبه الذي في الطابق الثالث لذا ذهبت الى هناك وطرقت الباب فسمح لها بالدخول...دخلت وهي ترتجف قائلة : ح.. حضرتك الدكتور عماد سالم ؟  

نظر الطبيب اليها وقال : ايوا انا... ازاي اقدر اساعدك يا انسة ؟ 

دلفت مريم الى المكتب وهي تبكي ثم قالت : انا... انا اخت البنت الصغيرة اللي نقلوها من المدرسة في سيارة الاسعاف وجيت.. وجيت اسألك عن وضعها . 

ابعد الطبيب نظارته الطبية عن عيناه ثم قال : اتفضلي استريحي. 

فجلست مريم امامه واردفت : قولي بصراحة يا دكتور.. هي اختي ممكن تموت !  

تنهد الطبيب واجابها : انا مش عايز اخبي عليكي يا انسة بس وضع اختك خطير جداً ولازم تعمل عملية زرع قلب في اسرع وقت ممكن وإلا هتفقد حياتها. 

وضعت مريم يدها على فمها وبدأت تبكي ثم قالت باندفاع : طب.. طب مستنين ايه ؛ ما تعملولها العملية فوراً وانا هدفع التكاليف كلها بعدما اطمن على اختي. 

رد عليها الطبيب بنبرة عملية : كان بودي اني ادخلها غرفة العمليات حالاً بس مع الاسف منقدرش نعمل كدا غير اما تدفعي تكاليف العملية الاول .

فمسحت مريم دموعها وسألته : طب يطلعوا كام ؟  

قال : 300،000 جنيه ولازم تدفعيهم كلهم علشان نقدر ندخلها غرفة العمليات. 

في تلك اللحظة شعرت مريم بأن الدنيا اغلقت ابوابها في وجهها فهي لم تكن تمتلك حتى ربع ذلك المبلغ فقالت بدهشة : قلت 300،000 جنيه ، واجيبهم منين دول ؟؟

ثم اضافت بنبرة خائفة جداً : انا مامعيش المبلغ دا يا دكتور وهيكون تأمينه صعب اوي بالنسبة لي .

الطبيب : اسف... دا نظام المستشفى... انتي لازم تدفعي تكاليف العملية علشان نقدر نعملها بسرعة... وانا بنصحك يا انسه انك تلاقي حل بسرعة لان التأخير مش في صالح اختك ابداً وهي لازم تعمل العملية في اسرع وقت ممكن ولو امكن انها تعملها حالاً لان وضعها مش بيطمن ابداً.

مريم : يعني ايه ؟؟  

الطبيب : يعني احنا قدرنا نسيطر على الوضع دلوقتي بشوبة اجهزة بس هي محتاجة تزرع قلب والا من الممكن انها هتموت في اي دقيقة . 

مريم : طب انا اقدر انقلها على مستشفى تاني ؛ بصراحة المبلغ اللي انتوا طالبينوا كبير اوي وانا مش هقدر ادفعوا ابداً...جايز لو نقلتها على مستشفى تاني هيكون المبلغ اقل من كدا. 

الطبيب : انا ما بنصحكيش تعملي كدا لان المستشفى بتاعنا ارخص مستشفى في البلد كلها ولو نقلتيها على مستشفى تاني اكيد هيطلبوا منك ضعف المبلغ لان العملية دي صعبة جداً .

فاخذت مريم تفكر قليلاً ثم نظرت إلى الطبيب وقالت : خلاص... انا هحاول اخد قرض من البنك وهدفع تكاليف العملية. 

الطبيب : يستحسن انك تعملي دا بسرعة لان زي ما قولتلك ان التأخير مش في صالح اختك ابداً .

فنهضت قائلة : يبقى انا هروح البنك حالاً .

الطبيب : ماشي . 

- خرجت من مكتب الطبيب وهي تمسح دموعها ثم امسكت بهاتفها واتصلت على صديقتها المقربة الهام امين فاجابتها : ايوا يا ميمي...انتي فين يا بنتي ؟ 

في تلك اللحظة أنفجرت مريم بالبكاء ما ان سمعت صوت صديقتها وقالت : مرام في المستشفى يا الهام.

الهام بقلق : بتقولي ايه ؛ طب ازاي حصل كدا ؟ 

مريم : هي كانت تعبانه الصبح انا لاحظت عليها بس مكنتش متخيله انها حتنهار في المدرسة وحينقلوها بسيارة الاسعاف والالعن من كدا انها محتاجة تعمل عملية زرع قلب بسرعة والا حتموت. 

فوضعت الهام يدها على فمها تعبيراً مجازياً ثم اردفت باهتمام : يا ساتر استر يا رب... طيب انتي في انهي مشفى دلوقتي ؛ قوليلي العنوان وانا هاجي فوراً .

مريم : المستشفى الوطني... انا اتصلت بيكي علشان تجي وتقعدي عندها لغاية ما اروح البنك. 

الهام : وهتروحي البنك ليه ؟ 

مريم : العملية بتكلف كتير اوي وانا هروح اقدم على قرض من البنك. 

الهام : قولتي بتكلف كتير ... قد ايه يعني ؟  

مريم : 300،000 جنيه. 

الهام : ايه !  

مريم : مفيش وقت الكلام دلوقتي يا الهام... ارجوكي تعالي وافضلي عند اختي لغاية ما ارجع. 

الهام : طيب متقلقيش... انا جايه فوراً.

قالت ذلك ثم اغلقت هاتفها واردفت : يا دي المصيبة... انا لازم استعجل بس اطلب اذن خروج من الاشغل الاول. 

ثم توجهت الى مكتب مدير القسم الذي تعمل به لكي تطلب اذن الخروج ، اما مريم فخرجت من المستشفى واستقلت سيارة اجرة وطلبت من السائق ان يوصلها الى احد فروع بنك القاهرة ، وما هي الا مدة زمنية معينة قد مضت حتى وصلت فدخلت الى البنك وانتظرت حتى يحين دورها على احر من الجمر....ولكن كل انتظارها كان بلا فائدة حيث ان ادارة البنك رفضوا ان يمنحوها القرض لانها لم تكن تمتلك مالاً كافياً في حسابها المصرفي واخبروها انهم لا يعطون القروض لمن كان رصيده المصرفي اقل من خمسة آلاف جنيه وهي كانت تمتلك فقط ثلاثة آلاف جنيه ادخرتهم للأيام الصعبة حيث انها كانت تصرف راتبها الذي تتقاضاه من عملها في شركة ادهم على دفع مصاريف مدرسة اختها واجار المنزل والملابس والطعام وغيرها من الفواتير ولم يكن يتبقى في جيبها سوى ما يكفيها لكي تستقل الحافلة ودفع فتورة هاتفها. 

فخرجت من المبنى محبطة جداً وبوجه حزين يكاد يغرق تحت الدموع المنهمرة من عينيها كالسيل الجارف ... وقفت تحدق في الفراغ ثم قالت بنبرة يغلبها اليأس : هعمل ايه دلوقتي ؛ هجيب الفلوس دي كلها منين ... مين ممكن يقدر يسلفني المبلغ الكبير دا وانا معرفش حد ممكن اطلب منه غير الهام وانا عارفه انها على قد حالها ومستحيل يكون معاها المبلغ دا .

وبعد ان اغلقت كل الابواب في وجهها وشعرت بأنها ستخسر شقيقتها الصغرى خطر على بالها ادهم... فنظرت الى ساعة يدها حيث كانت الساعة تُشير إلى الثالثة عصراً فقالت : هو اكيد لسه في الشركة.. يبقى لازم اروح له حالاً .

قالت ذلك ثم اوقفت سيارة اجرة واردفت بنبرة متلهفة : اطلع ياسطه على شركة رويال للتجارة الإلكترونية. 

وعندما وصلت........ 

ركضت الى داخل الشركة فصادفت هاني في طريقها وإستوقفها قائلاً : انسه مريم... انتي كنتي فين ، مش على اساس هنتغدا سوى النهارده ؟  

فقالت : انا اسفه يا استاذ هاني.. بس انا مستعجلة دلوقتي ، عن اذنك. 

- قالت ذلك ثم ركضت حتى استقلت المصعد وضغطت على زر الطابق الاخير....وبينما كان المصعد يصعد بها كانت تفكر كيف ستواجه ادهم بعد الذي حدث بينهما... فهي وبغض النظر عن حبها له الا انها شعرت بالإهانة الشديدة عندما قبلها بتلك الطريقة الوحشية وشعرت بأنها رخيصة حين اخبرها قبل ساعتين انه يريد تملكها وذلك ما جرح قلبها لانها ليست دمية لكي يمتلكها اي شخص حتى لو كان هذا الشخص هو ادهم نفسه الذي كان اول حب في حياتها... ولكن كما يقولون للضرورة أحكام فهي مضطرة لكي تراه مجدداً حيث انه املها والشخص الوحيد القادر على اعطائها المال .

وعندما توقف المصعد في الطابق الاخير من المبنى نزلت منه بسرعة وتوجهت فوراً نحو المكتب ولكنها شعرت بنبضات قلبها تتسارع عندما اقتربت من باب مكتب ادهم ؛ فاخذت نفساً عميقاً ثم طرقت الباب بخفة وبعدها دخلت ، وعندما اصبحت في الداخل فتحت عيناها على وسعهما لان الفوضى كانت تعم المكان حيث ان الرجل قام بتحطيم كل شيء رأته عيناه بعد ان تركته وغادرت وهي تبكي.

فنظرت في ارجاء المكان باحثة عنه بنظرها واخيراً وجدته جالساً على كرسيه وهو يضع قدماه على طاولة المكتب والدخان يتصاعد من سيجارته التي كان ممسكاً بها وهو مغمض العينين ، كما كان رافعاً اكمام قميصة الى الاعلى ويبدو عليه انه تخطى نوبة غضب مدمرة بعد ان دخن علبتين من السجائر .

أبتلعت ريقها ثم اتجهت نحوه بخطوات خفيفة حتى وقفت امامه... فتملكها الغضب عندما تذكرت كيف قبلها بشراسة وكأنها خلقت لكي يفعل بها ما يشاء ، اما هو فشعر بوجودها فوراً لذا فتح عيناه بسرعة وكان تخمينه صحيحاً حيث كانت واقفة امامه بالفعل لذا هب واقفاً بسرعة وقال بلهفة : انتي رجعتي ! 

ثم تجاوز طاولة المكتب واقترب منها وكان يريد ان يعانقها ويخبرها بأنه يحبها وانه ندم على كل كلمة قالها وانه اسف لأنه اخافها وجعلها تتألم عندما ضغط على كتفيها ...ولكنها عادت بخطواتها الى الخلف بحركة تنم عن الخوف وقالت بنبرة صوت حادة : انا عايزه فلوس..

في تلك اللحظة تجمد ادهم في مكانه ونظر اليها بصدمة فأكملت قائلة : لو عايزني ابقى ملكك بجد وتعمل فيا كل اللي انت عايزه يبقى تديني فلوس...وانا عايزه 300،000 جنيه النهارده دفعة أولى وبعدها هبقى صاحبتك زي ما انت عاوز . 

بعد قولها ذاك شعر ادهم بالخيانة العظمى واحس بأن قلبه قد تحطم الى اشلاء صغيرة ..فهو لم يتوقع ان يسمع منها ذلك الكلام حيث انه احب براءتها وصدقها وطيبة قلبها ولكنها ذبحته بقولها لتلك الكلمات التي تنطقها العاهرات وتمنى لو انه مات قبل ان يسمعها تقول ذلك .... فعاد للوراء وهو ينظر اليها بنظرات قاسية يغلبها الغضب الشديد ثم جلس على كرسيه مجدداً بكل هدوء ونظر اليها باحتقار قائلاً بنبرة صوت يملؤها الألم : رجعتي... علشان الفلوس !  

فضغطت مريم على قبضتها لانها رخصت نفسها وشعرت بروحها تتمزق ولكنها اخفت ذلك ونظرت اليه بكل ثقة واردفت قائلة : ايوا رجعت علشان الفلوس ...ولو عايز تمتلكني زي ما قلت يبقى تديني 300،000 جنيه النهاردة . 

في تلك اللحظة برزت العروق في رقبة ادهم وتحولت عيناه الى جمرات مشتعلة من شدة الغضب ولكنه سيطر على نفسه ولم يصرخ بها بل امسك علبة سجائره واخرج سيجارة ثم وضعها بفمه واشعلها وبعدها نظر إلى الفتاة بنظرات ثاقبة ونفخ الدخان من فمه قائلاً : افهم من كلامك انك مستعدة تعملي اي حاجة علشان الفلوس ؟  

اجابته بثقة مزيفة : ايوا ... هعمل كل حاجة. 

ادهم : حتى لو طلبت منك تنامي معايا هتوافقي ؟  

وبعد ان قال ذلك ارتعش قلبها بشدة ونظرت إليها بعيون مفتوحة من هول ما سمعته وشعرت بأنها حقيرة للغاية لذا فضلت ان تبقى صامتة ولم تجبه ، اما هو فاخذ نفساً من سيجارته وبعدها نفخ الدخان وقال : سكتي كدا ليه ؛ جاوبيني...انتي مستعد تبيعي نفسك علشان الفلوس ؟  

احنت مريم رأسها حتى لا يرى ادهم دموعها التي تكومت في عيناها ...وما ان استجمعت شجاعتها حتى قالت بكل جرأة وبنبرة مقهورة : ايوا... انا جاهزة اعمل كدا. 

فاغمض ادهم عيناه بشدة بعد سماعه ذلك وكأنه تعرض لإطلاق نار اصاب قلبه وحطمه فهو كان يتمنى من اعماق قلبه ان يسمع منها اجابة مختلفة لكي تثبت له انها مختلفة وانه لم يخطئ عندما احبها بكل جوارحه وانها ليست كباقي النساء ؛ حيث كان يعتقد ان جميعهن خائنات ولا يهمهن سوى اغراء الرجال للحصول على  المال ، ولكنها خيبت ظنه تماماً لذا تنفس بعمق ثم فتح عيناه مجدداً ونظر اليها بنظرة غريبة لم تعرف معنها حيث كانت نظرة حزينة ممزوجة بالغضب الشديد والاحتقار وسرعان ما نهض من مكانه ثم استادر وامسك سترته وارتداها بكل هدوء بينما كانت هي تراقبه والحزن ينهش قلبها لانها رخصت نفسها وقالت ذلك الكلام .

اقترب منها حتى وقف امامها مباشرةً مما جعلها ترتبك ثم نظر في عينيها مطولاً وبعدها اردف قائلاً : مدام انتي جاهزة تعملي اي حاجة علشان الفلوس يبقى اتفقنا .. يلا تعالي ورايا. 

قال ذلك ثم تجاوزها وخرج من المكتب... اما هي فتملكها الخوف مما سيحدث ولكنها تجاهلت كل شيء ولحقت به حتى خرجا من الشركة وتوجها نحو موقف السيارات...فنظر اليها ثم اشار لها بأن تصعد في السيارة فصعدت دون تردد ووضعت حزام الأمان وصعد هو ايضاً ثم شغل محرك سيارته الفاخرة وقادها بسرعة جنونية مما جعل الفتاة تتشبث بمقعدها من شدة الخوف ؛ بينما كان هو يحدق بالطرق بتركيز كبير ويبدو عليه الانزعاج الشديد ولم يتفوه بكلمة واحدة طوال الطريق. 

وبعد مدة زمنية اوقف السيارة امام البنك ثم قال دون ان ينظر إليها : خليكي هنا. 

قال ذلك ونزل من السيارة وتوجه الى داخل المبنى ... وما ان غاب عن انظارها حتى أنفجرت بالبكاء فوراً واخذت تضرب صدرها بقوة وكأنها تعاقب نفسها على الامر السيء الذي ستقدم على فعله ولكن ماذا عساها ان تفعل وهي لا تملك لا حول ولا قوة بينما اختها تصارع الموت ؟ 

هي حتى لم تفكر ولو مجرد تفكير بأن تطلعه على حالة مرام الراقدة في المستشفى تصارع الموت ولأنها لا تعرف حقيقة مشاعره نحوها ظنت انه لن يصدقها ان عادت إليه وطلبت منه النقود بل اعتقدت وكما يقولون الغاية تبرر الوسيلة وهي كانت على استعداد بأن تموت من اجل ان تعيش اختها . 

وبعد نصف ساعة....... 

عاد ادهم وهو يحمل حقيبة سوداء ، فرأته مريم لذا مسحت دموعها بسرعة ونظرت إلى الجهة الأخرى اما هو ففتح الباب الخلفي للسيارة ثم رمى الحقيبة على المقعد بقوة وبعدها اغلق الباب وصعد ...وبدون ان ينظر اليها او يقول اي شيء سحب حزام الأمان وربطه بعدها شغل المحرك وقاد سيارته بنفس السرعة الجنونية حيث انه توجه نحو حي بسيط في وسط المدينة ، نظرت م حولها وأستغربت لأنه اخذها الى هناك فقد كانت تعتقد بأنه سيأخذها الى غرفة في احدى الفنادق الكبرى او الى احدى الشقق الفاخرة لذا نظرت اليه ثم سألته : احنا جينا هنا ليه ؟  

ولكنه لم يجيبها بل أوقف السيارة بجانب الطريق ونزع حزام الامان ثم قال بنبرة أمر : انزلي. 

قال ذلك ونزل قبلها فنزعت حزام الأمان عنها ثم لحقت به وهي تكرر سؤالها وكانت النتيجة نفسها حيث كان يتجاهلها لذا قررت ان تسير خلفه بصمت ....وما هي الا مسافة قصيرة قد مشياها حتى وصلا إلى مسجد الامر الذي جعلها تندهش كثيراً لأنه فاق كل توقعاتها وأثار فضولها بعد ان احضرها الى مسجد فوقفت امامه وسألته بفضول : انت جبتني هنا ليه ؟  

فنظر إليها بتمعن لمدة ثلاثين ثانية ثم قال بكل برود وبدون اي مقدمات : انا هتجوزك علشان كدا جينا نكتب كتابنا عند المأذون. 

اتسعت عيناها بصدمة شديدة عندما سمعت ذلك وقالت بغير تصديق : ايه ؟؟  

رد عليها ادهم بجفاء : انا ما بكررش كلامي ابداً . 

فسألته بشيء من الأمل : انت... انت عايز تتجوزني بجد ؟! 

اجابها بعصبية : ليوم واحد بس وبعدها هطلقك . 

في تلك اللحظة حطم كل انطفأ شعاع الأمل الذي انار قلبها لثواني معدودة وشعرت بخيبة كبيرة لذا سألته بتوتر شديد : ازاي يعني ، انت قصدك هتتجوزني ليوم واحد بس وبعدها هطلقني ؟؟ 

قال : بالضّبط كدا. 

فسألته والدموع تملأ حدقتيها : طب عايز تعمل كدا ليه ؟  

في تلك اللحظة أمسك ادهم فكها السفلي بحركة اجفلتها وضغط عليه بقوة قائلاً بنبرة غاضبة : علشان انا راجل بجد ومش فاجر زيك وهنام معاكي على اساس انك مراتي وبعدها هطلقك والفلوس اللي بعتي نفسك علشانهم هتخديهم بعد ما اطلقك ودا هيكون متأخرك وبعدها مش عايز اشوف خلقتك مرة تانيه انتي فاهمة ؟ 

{ في الحقيقة هو اتخذ ذلك القرار لئلا يجعلها تصبح عاهرة فان اقام معها علاقة محرمة فهي ستصبح كذلك حتماً وهو احبها بصدق ولم يشاء ان يهين نفسه ويرخصها لتلك الدرجة لذا قرر ان يتزوجها ليوم واحد فقط حتى لا يشعر بالندم ان لمسها لان علاقتهما ستكون شرعيه بعد كتب الكتاب }  

فترك وجهها وسار امامها اما هي فشعرت بالإهانة لانه نعتها " بالفاجرة " ولكنها شعرت بالطمأنينة والراحة ايضاً لانها ستقيم معه علاقة شرعية وليست محرمة فمسحت دموعها ولحقت به حيث اوقفها بقوله : ماينفعش تدخلي الجامع كدا... لازم تغطي شعرك . 

قال ذلك ثم نظر حوله فوجد امرأه كبيرة في السن كانت تفتتح متجراً بجانب المسجد لبيع ملابس المحجبات فتوجه نحوها ثم اشترى حجاباً بنفسجياً وبعدها عاد حيث كانت مريم واقفة تحدق به ؛ رمى الحجاب عليها لكي تغطي شعرها ...وبالفعل فعلت ذلك ثم دخلت خلفه الى المسجد بعد ان خلعا نعليهما فتوجها حيث كان المأذون جالساً يقرأ القرآن..

- السلام عليكم .

قالها ادهم فقام المأذون بتقبيل المصحف ووضعه على رأسه ثم نظر اليه ورد السلام قائلاً : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

جلس ادهم بجانبه واشار لمريم لكي تجلس ايضاً فأمتثلت لطلبه وجلست بصمت... اما المأذون فقال : خير يا ابني ؟؟ 

ادهم : انا اسمي ادهم عزام السيوفي يا حضرة المأذون ودي مريم مراد عثمان واحنا عايزين نتجوز يا وجينا لحد عندك علشان نكتب كتابنا . 

فنظر المأذون الى مريم التي كانت تحني رأسها ثم ابتمسم وقال : على بركة الله... بس لازم اسمع رد العروسة الاول .

ادهم : اتفضل اسألها. 

فوجه المأذون كلامه لمريم قائلاً : تقبلي تتجوزي الراجل دا يا بنتي بدون ما يكونش غصبك على حاجة ؟  

أدمعت عينا مريم وهي تحني رأسها وأومأت له بالموافقة دون ان تتكلم فقال لها المأذون : عايز اسمع ردك يا بنتي ...انتي موافقة تتجوزي الراجل دا ؟  

فقالت بصوت خنقته العبرات : ايوا يا حضرة المأذون... انا موافقه اتجوزه . 

المأذون : يبقى انتوا محتاجين شهود علشان يكتمل كتب الكتاب.

فنظر ادهم من حوله ورأى رجلين كانا قد اتيا من اجل الصلاة فنهض من مكانه ثم تقدم نحوهما وقال : السلام عليكم.. 

رد عليه الرجلان : وعليكم السلام. 

ادهم : ينفع اطلب منكوا خدمة يا حضرات ؟  

احد الرجلين : اتفضل يا بني. 

ادهم : بصراحة انا والبنت اللي قاعدة هناك دي عايزين نكتب كتابنا ومحتاجين شهود علشان كدا ينفع تبقوا الشهود على جوازنا بعد اذنكوا يعني؟  

فقال الرجل الاخر : وماله ..على بركة الله. 

ادهم : متشكر... اتفضلوا .

- ثم توجهوا حيث كانت مريم جالسة ونهض الماذون ثم غاب قليلاً وبعدها عاد وهو يحمل وثيقتين فقام بعقد القران واصبحت مريم زوجة ادهم على سنة الله ورسوله وقد اخذت وثيقة الزواج التي وقعا عليها كلاهما ووضعتها في حقيبتها وهي تبكي بصمت... خرجا من المسجد وتوجه هو نحو سيارته بينما كانت ما تزال تذرف الدموع لانها بدت في نظر من تحب فتاة حقيرة ولم تكن تعلم حقيقة مشاعره نحوها فظنت انه تزوجها بسبب كبريائه وغروره وسيطلقها بعد ان ينتهي منها كما اخبرها وتلك الفكرة اوجعت قلبها واحرقته. 

لحقت به نحو السيارة ثم صعدت بجانبه بينما كان هو قد اشعل سيجارة وبدأ يدخنها بصمت... وما ان صعدت حتى شغل محرك سيارته وقادها بهدوء هذه المرة متوجهاً الى مكان اخر غير منزله وكانت الساعة آن ذاك تُشير إلى الخامسة والنصف مساءً ؛ طوال الطريق لم يتحدث اي منهما حيث كان هو يدخن السجائر بإستمرار بينما كانت هي تحدق من نافذة السيارة بصمت وتفكر بشقيقتها التي تركتها بعهدة الهام وما زاد قلقها هو ان شحن هاتفها قد نفذ .

وبعد ساعة ..........

وصل ادهم بسيارته الى فيلا كانت في ضواحي القاهرة وكانت هذه الفيلا خاصة به لوحد ولا يعلم بوجودها اي شخص حيث كان يذهب اليها عندما يشعر بالضيق وعندما يرغب بأن يختلي بنفسه ، اوقف السيارة في مكانها المخصص ثم اطفأ سيجارته وقال بجمود : انزلي. 

قال ذلك ثم نزل اولاً وفتح الباب الخلفي للسيارة حيث وضع حقيبة النقود وبعدها حملها وتوجه نحو باب الفيلا بينما كانت مريم تسير خلفه وقلبها ينبض بسرعة من شدة التوتر الممزوج بالخوف... قام بفتح الباب ثم دلف الى الداخل واشعل الاضواء وبعدها وضع الحقيبة على احدى الأرائك في غرفة المعيشة ومن ثم توجه نحو احدى الخزائن واخرج منها زجاجة خمر وكأس وجلس يشرب بإستمرار بينما كانت هي تحدق به بترقب فهو كان واضحاً عليه الضيق والانزعاج لدرجة انه لجأ الى شرب الكحول ونادراً ما كان يشربه اي عندما يكون في ذروة غضبه فقط .

- بعد ان شرب عشرة كؤوس من الخمر دفعة واحدة نظر اليها حيث كانت واقفه بتوتر ثم نهض من مكانه وهو شبه ثمل وسار نحوها وهو يتمايل مما جعلها تخاف...وفجأه امسك بشعرها وقال بصوت غاضب : عايزه فلوس مش كدا ؛ يبقى هتاخديهم بس بعد ما اخلص منك الاول . 

قال ذلك ثم حملها فشعرت بقلبها يهوي لانها كانت خائفة جداً ولكن لا مجال للتراجع حيث انها قد تورطت بالفعل واصبحت زوجته الشرعية وله كل الحق بأن يلمسها كما يحلو له فهي وافقت على ان تكون دميته فقط من اجل ان يعطيها المال لكي تنقذ اختها ؛ لذا احاطت عنقه تلقائياً وهي ترتجف بينما صعد على الدرج وهو يحملها والشرر يتطاير من عيناه...اخذها الى غرفة نومه الفاخرة ثم رماها على السرير بقوة وقال بزمجرة : دلوقتي هوريكي مين هو ادهم السيوفي ، اللي كنتي عايزة تضحكي عليه. 

فنهضت مريم عن السرير  بسرعة وقالت : استنى !  

عاد ادهم بخطواته الى الخلف وقد شع شعاع من الامل في قلبه حيث ظن انها تراجعت في كلامها فسألها : عايزه ترجعي البيت ؟  

فاستغربت هي من سؤاله وقالت : لا مش عايزه اروح .. انا بس عايزه .... 

وقبل ان تكمل جملتها قام بصفعها بكل قوته لانها خذلته مجدداً فهو اعطاها فرصة أخرى لكي تتراجع ولكنها لم تستغلها فسقطت على السرير جراء ذلك ووضعت يدها على خدها ونظرت إليه بصدمة كبيرة ؛ اما هو فقد ادمعت عيناه واصبح لونهما احمر من شدة الغضب وقام بخلع سترته ثم اقترب منها وبدأ يقبلها بقسوة وكأنه يعاقبها لانها باعته نفسها بينما كانت هي تبكي ولم تقاومه مما زاد غضبه حيث انه تمنى لو انها تبعده عنها او حتى تحاول ان تقاومه فاستمر بمعاملته القاسية معها وكان الامر اشبه بالاغتصاب مما جعلها تبكي بألم وهي بين احضانه. 

تسارع في الاحداث........... 

بعد تلك الليلة الطويلة والقاسية التي مرت على ادهم ومريم وكأنها كابوس مفزع شعر كل واحد منهما بان روحه قد ماتت بالفعل...فهو كان جالساً على الاريكة وهو يرتدي بنطاله فقط ويمسك رأسه غارساً اصابعه بين خصلات شعره وينظر الى الاسفل بصمت بينما كانت هي مستلقية على السرير وتغطي نفسها وهي تبكي بصمت ايضاً ....كانت الساعة آن ذاك تُشير الى الثالثة صباحاً ، فقام ادهم باشعال سيجارة وبدأ يدخنها وهو يرتجف من شدة الغضب وغضبه ذاك لم يكن من مريم بل من نفسه لانه جعلها تتألم كثيراً فهو وبغض النظر عن كل شيء ما زال يعشقها حد الجنون ولكنها جرحته في الاعماق عندما عرضت عليه نفسها مقابل المال حيث انها ذكرته باكبر غلطة ارتكبها في حياته وهي " عشقه لميرا " الفتاة النصف اجنبية والتي خانته من اجل المال و بسببها اصبح بارد الاعصاب الى حد مميت حيث انها اوقعته في حبها عندما كانت تدرس في نفس جامعته وأوهمته بأنها تحبه ايضاً حتى اصبح مفتوناً بها لمدة سنتين.

ولكن في نهاية المطاف اتضح انها كانت على علاقة بشاب اخر مدمن مخدرات وخططا منذ البداية بأن يسرقان امواله بعد ان يخدعاه فقامت بالادعاء ان والدها مهدد بالقتل لانه تورط مع عصابه وان لم يدفع لهم مبلغ قيمته نصف مليون دولار فسوف يقتلونه حتما ً...لذا قام ادهم وبنية صافية بأعطائها شيك بالمبلغ واخبرها انه لن يسمح لاي شخص بأن يجعلها حزينة فاخذت الشيك وذهبت الى البنك برفقة حبيبها المدمن وسحبوا المال وبعدها قرروا الهرب ولكن القدر سخر منهما حيث انهما تعرضا لحادث سير مرعب عندما كانا يحاولان الهرب بالنقود وانفجرت بهما السيارة ، اما هو فكانت صدمته كبيرة لانه اكتشف ان حبيبته كانت تخدعه طوال الوقت من اجل الحصول على امواله فقط كما انها كانت على علاقة غرامية مع شخص اخر في الوقت الذي ادعت به انها تحبه وذلك ما سبب له ندبة كبيرة في قلبه فاصبح يحتقر جميع النساء وتحول من شخص سعيد ومحب الى شخص وقح وبارد للغاية .

- وبعد ان تذكر تلك القصة التي مر عليها اكثر من خمس سنوات ازداد غضباً وخصوصاً لان الامر تكرر حيث انه وقع في حب مريم وعشقها لدرجة الهوس حتى اكثر مما احب ميرا ولكنها اظهرت له ان حكمه على النساء كان صائباً تماماً فهن في نظره مخلوقات خائنة وطماعة لا تستحق الحب ابداً ...لذا استمر في التدخين والشرب حتى الفجر لعله يثمل وينسى كل احزانه بينما كانت مريم تبكي بألم وتترقب اللحظة التي سيطلقها بها بفارغ الصبر حتى تأخذ المال وتذهب إلى المستشفى. 

وعندما شع شعاع الفجر نهض ادهم الذي لم يستطع أن يثمل حتى بعدما شرب الكثير والكثير من الخمر وكأن الكحول لم يعد يؤثر فيه ابداً ؛ اخذ نفساً عميقاً وقال بصوت هادئ موجهاً كلامه لمريم التي كانت تبكي بصمت : انا عارف انك صاحية علشان كدا اسمعيني كويس.. انا عايز اخش الحمام دلوقتي ومش عايز اشوف خلقتك هنا لما اخرج تاني.... وانتي هتلاقي فلوسك في الشنطة اللي تحت خدُيهم وامشي من هنا بسرعة وانسي انك قابلتيني في يوم من الايام ويا ويلك مني لو فتحتي بؤك بحرف واحد وحكيتي لاي شخص عن اللي حصل بينا لاني هقتلك لو اتجرأتي وعملتيها . 

قال ذلك ثم دخل إلى حمام غرفته دون ان يضيف اي شيئاً اخآخر ر... نعم دخل الى الحمام دون ان يرمي عليها يمين الطلاق وكأنه تعمد فعل ذلك فهو كان على يقين بأنه سيلتقيها مجدداً بغض النظر عن الكلام الذي قاله حيث ان فضوله حرضه لمعرفة السبب الذي دفعها لتبيعه نفسها وتتظاهر بانها فتاة مادية بينما خوفها منه ونظرة الألم في عينيها اظهرت عكس ذلك تماماً لذا لم يشاء ان يطلقها قبل معرفة اسبابها... اما هي فلم تهتم ان كان سيطلقها ام لا وكل همها كان ان تأخذ المال وتذهب الى المستشفى بأسرع مايمكن ، فنهضت عن السرير بصعوبة وارتدت ملابسها وهي تبكي بصوت مسموع مما جعله يتألم كثيراً بينما كان واقفاً في الحمام ويسند ظهره على الباب. 

بعدها نزلت عن الدرج وهي تمسح دموعها ثم توجهت نحو الحقيبة السوداء وامسكت بها ويدها ترتجف ثم خرجت من ذلك المنزل الضخم في تمام الساعة الخامسة فجراً وهي تبكي بحرقة وتضغط بقبضتها على تلك الحقيبة التي كانت تحملها بين يديها ، اما ادهم فخرج من الحمام بعد ان تأكد من مغادرتها وقام بسكب كأس ثم امسك به واقترب من نافذة غرفة ... وقبل ان تبتعد مريم عن حدود المنزل التفتت اليه حيث وجدته واقفاً ينظر اليها من خلف نافذة غرفته البلورية وهو عاري الصدر ويمسك بيده كأس مشروب يرتشف منه بضع رشفات بهدوء مميت ..فازداد غضبها وهي تنظر اليه مما جعلها تضغط على الحقيبة التي بيدها بكل قوة وقالت بنبرة صوت مجروحة : حقير...مش هسامحك ابداً. 

قالت ذلك ثم بصقت على الارض وهمت بالمغادرة وهي تمسح دموعها بعنف وتضغط على تلك الحقيبة وكأنها تحاول ان تمزقها ، اما هو فاستمر بمراقبتها وهي تمشي في تلك الساعة المبكرة من الصباح حتى ابتعدت عن مجرى نظره تماماً ، وما ان تأكد انها لن تراه حتى قذف كأس الخمرة من يده ورماه ارضاً فأصبح حطاماً ثم بدأ يكسر كل شيء تقع يده عليه وهو يصرخ بصوت اشبه بزئير الأسد قائلاً : ليه .. ليه عملتي كدا ؛ ليه وافقتي بالسهولة دي ... كل دا علشان الفلوس  ، مكنتش عايزك توافقي ... كنت عايزك تقولي لا وتضربيني آلم وبعدها تخرجي من هنا ؟!! 

- قال جملته الاخيرة بنبرة حزينة وهو ينسدل بجسده الى الاسفل ، فجلس على الأرض سانداً ظهره الى حائط تلك الغرفة الفاخرة والتي تبدو كما لو انها جناح ملكي اكثر من كونها غرفة نوم لشخص واحد ، ثم رفع كلتا يديه وغرس اصابعه بين خصلات شعره بقوة ثم اخذ يضغط عليه بعصبية شديدة جعلت عروق رقبته تظهر كما ان عيناه تجمرت من شدة الغضب.. وبقي على تلك الحال لمدة لا تتجاوز الخمس دقائق ليتنهد بعدها بأستسلام وابعد يديه عن رأسه وقال بنبرة حازمة : كلهم كدا ... اهي دي كمان عملت كدا علشان الفلوس وانا اللي كنت مفتكر انها غير كل البنات بس صدق اللي قال ان الطبع غلب التطبع وهما طبعهم الطمع .

{ ملاحظة : بعد كدا حصلت الاحداث اللي قرأتوها في البارت الاول لما راحت المستشفى واكتشفت ان اختها ماتت وفقدت وعيها .. يعني دي نهاية الفلاش باك ^^ }  

تسارع في الاحداث........

مرت خمسة ايام بعد انتهاء عزاء مرام ولم تخرج خلالها مريم من غرفة اختها ابداً ، حيث انها كانت تستلقي على سريرها وتمسك بقطعة من ثيابها تشم رائحتها وتبكي بإستمرار فأصبحت هزيلة بسبب عدم تناولها الطعام وكانت الهام تبقى عندها لكي تخفف وحشتها بينما كانت تتساءل عن امر حقيبة النقود التي كانت في غرفة المعيشة حيث انها ادركت ان صديقتها قد فعلت شيئاً لكي تحصل على هذا المبلغ من اجل اجراء عملية اختها الراحلة ولكنها لم تعرف ما هو هذا الشي... ومن جهة اخرى كان ادهم يفكر في احداث الليلة التي قضاها مع مريم بإستمرار حيث انها حفرت في ذاكرته واصبح نسيانها مستحيلاً بالنسبة له لذا زادت عصبيته لدرجة لا تطاق ابداً واصبح مصدر رعب لمن حوله وخصوصاً لانه لم يسمع اي خبر عن الفتاة بعد تلك الليلة وذلك ما زاد غضبه فهو اشتاق لها بغض النظر عن كل الافكار السلبية التي اخذها عنها عندما باعته نفسها. 

وفي اليوم السادس ...... 

كانت الهام جالسه بجانب مريم وتتوسلها لكي تأكل ولكن الاخيرة كانت ترفض تماماً فنزلت دموع الهام وقالت : ابوس ايدك يا مريم... بطلي تعملي كدا انتي بتخوفيني عليكي !  

نزلت دموع مريم وسرعان ما انفجرت باكية : انا مافضليش حد يا الهام ، بقيت لوحدي حتى مرام سابتني ! 

فعانقتها الهام بقوة قائلة : متقوليش كدا يا مريم... انا معاكي ومش هسيبك ابداً.

واستمرت مريم في البكاء حتى جفت دموعها وما ان هدأت قليلاً حتى سألتها الهام : قوليلي بقى يا مريم.. انتي جبتي شنطة الفلوس دي منين ؟  

فمسحت مريم اثار دموعها وازدردت ريقها ثم اردفت : انا هقولك على كل حاجة... بس اوعديني ان اللي هقولهولك دلوقتي هيبقى سر بينا. 

الهام : انا بوعدك. 

- وبدأت مريم تحكي لصديقتها الهام عن كل ما جرى بينها وبين ادهم منذ ان قابلته لأول مرّة حتى بعد ان غادرت منزله وهي تحمل حقيبة النقود... حيث اخبرتها عن حقيقة مشاعرها نحوه وانها احبته بصدق ولكن الظروف اجبرتها على ان تبيعه نفسها فتزوجها وعاملها بقسوة مما جرح مشاعرها ، وقد شعرت وكأنها عاهرة فصدمت الهام من الذي سمعته وقالت بفزع : قولتي ايه ؛ انتي اتجوزتي ادهم السيوفي ليوم واحد وبعد كدا.... !!

اومأت مريم برأسها دليلاً على نعم ، اما الهام فوضعت يدها على جبينها واضافت : وبعد... وبعد ما حصل اللي حصل طلقك ؟؟  

مريم : لأ لسه...انا مشفتوش تاني بعد اللي حصل ومش عايزه اشوفه ابداً . 

الهام : طيب هتعملي ايه دلوقتي ؟  

مريم : هرجعله فلوسه وبعد كدا هسيب مصر لاني مش هقدر اعيش هنا تاني. 

الهام : ايه ؛ عايزة تسيبي مصر وتروحي فين ؟  

مريم : معرفش... اي حته غير البلد دي وبعيد عن الراجل البارد اللي اسمه ادهم السيوفي دا. 

الهام : طب وانا... عايزه تسيبيني لوحدي يا مريم ؟  

مريم : انتي مش لوحدك يا الهام... انتي عندك عيلتك بينما انا .. انا مفضليش حد. 

فصمتت الهام قليلاً وكأنها كانت تفكر في امراً ما وفجأة قالت : لاقيتها...

فنظرت مريم اليها وسألتها : ايه هي ؟ 

الهام : ايه رايك نسافر عند عمي عمر اللي ساكن في اميركا ، انتي تعرفيه دا كان صاحب بباكي الله يرحمه ومش هيعترض لو رحنا عنده .

مريم : قصدك انك عايزه تسافري معايا !  

الهام : طبعاً  لأنك صاحبيتي الوحيدة وانا مقدرش ابعد عنك ابداً .

مريم : طيب وعيلتك وشغلك في الشركة ؛ انتي عايزة تسيبي كل حاجة بعد ما تعبتي اوي علشان تلاقي الشغل دا ؟ 

فأمسكت الهام بيد صديقتها وقالت : انتي عندي اهم من كل حاجة يا مريم...اما بالنسبة للشغل اساساً انا مش هقدر اكمل فيه بعد ما انتي مشيتي واكيد هنلاقي شغل تاني لما نروح اميركا وانا متأكدة ان حياتنا هتبقى احسن هناك . 

مريم : طيب وبباكي ومامتك ؛ ازاي هيقبلوا انك تسافري وتبعدي عنهم ؟  

الهام : هما مش هيعترضوا...اساساً كان نفسهم اني اسافر عند عمي علشان يجوزوني لابنه سعيد اللي كان في فصلنا.. انتي فكراه ؟ 

فابتسمت مريم بالرغم من حزنها عندما تذكرت سعيد ذلك الفتى الخجول الذي يكون ابن عم الهام والذي كان معجباً بها ولكنه سافر مع والده منذ سنوات طويلة فقالت : ايوا فاكراه . 

الهام : يبقى مفيش مشكلة... انا هقول لبابا وماما اني عايزه اسافر معاكي وهنروح عند عمي عمر واكيد هما هيتبسطوا اوي. 

مريم : يبقى اتفقنا... انا هروح اسحب كل الفلوس اللي في حسابي علشان اشتري التذكرة و التأشيرة وهنسافر على طول بس لازم ارجع للراجل اللي اسمه ادهم دا فلوسه الاول .

تسارع في الاحداث............. 

مر يومان اخران وقامت مريم بسحب جميع المال الذي كان في حسابها المصرفي ولم يكن بالمال الكثير وجمعت اغراضها لكي تسافر مع صديقتها الهام التي قدمت استقالتها من العمل في شركة رويال والتي تبرعت بأن ترجع المال لادهم عوضاً عنها... فذهبت الى مكتبه حيث عادت السكرتيرة سلمى لكي تصبح سكرتيرته الخاصة مجدداً وقالت لها : ازيك يا مدام سلمى ؟ 

سلمى : خير يا انسه الهام ، انتي جيتي هنا ليه ؟  

فوضعت الهام حقيبة النقود السوداء على الطاولة امام سلمى وقالت : من فضلك تقدري تدي ادهم بيه الشنطة دي ؟؟  

فنظرت سلمى الى الحقيبة وسألتها : ايه الشنطة دي ؟  

الهام : هو هيعرف ايه اللي جواها بعد ما تقوليله انها من مريم وانها مش محتجاها بعد النهاردة . 

فرفعت سلمى حاجبها وقالت : قولتي مريم ؟  

الهام : ايوا... الشنطة دي تخص ادهم بيه وهو سابها مع مريم صاحبتي بس هي حتسافر ومش حترجع هنا تاني علشان كدا طلبت مني ارجعها له وبما انه مش موجود دلوقتي فهسيبها عندك. 

سلمى : طيب... انا هقول له الكلام دا. 

الهام : متشكرة.. عن اذنك دلوقتي. 

قالت ذلك ثم غادرت... اما سلمى فإنتابها الفضول لمعرفة ماذا يوجد داخل الحقيبة لذا قررت ان تفتحها... وبالفعل فعلت ذلك فشهقت عندما رأت النقود وقالت : فلوس ، بس ليه ادهم بيه ساب فلوسه مع مريم !  

وفي اليوم التالي ....توجهت مريم برفقة صديقتها الهام وابويها الى المطار وبعد حفلة التوديع التي حدثت بين الهام وامها صعدن في الطائرة وما هي الا نصف ساعة حتى اقلعت من مطار القاهرة الدولي فكانت الهام متحمسة جداً جداً لانها كانت ستسافر لأول مرّة في حياتها بينما كانت مريم جالسه بجانب النافذة على بعد خمسة مقاعد من مقعد صديقتها وكانت تحدق بالفراغ بصمت وبوجه حزين. 

اما في شركة رويال.... 

فذهب ادهم الى هناك وكان منزعج كالعادة حيث انه اصبح سريع الغضب بعد ما حدث بينه وبين مريم ، صعد الى مكتبه في الطابق الاخير بعد ان تغيب عن العمل في اليوم السابق اي عندما اعادت الهام الحقيبة لأنه كان متعب وقرر البقاء في الفيلة الخاصة به بعيداً عن ازعاج الجميع.. وعندما وصل نهضت سلمى وقالت : اهلاً يا فندم. 

فقال لها ببرود : مش عايز اي ازعاج يا سلمى وماتحوليش اي اتصال والغي كل مواعيدي . 

سلمى : حاضر يا فندم بس في... 

فقاطعها بقوله : مش عايز اسمع اي حاجه دلوقتي. 

قال ذلك ثم دلف الى مكتبه ، اما سلمى فتنهدت وجلست في مكانها مجدداً ...وعندما اصبح في مكتبه وقع نظره فوراً على الحقيبة السوداء التي كانت على طاولة المكتب ، فتوجه نحوها بسرعة وعقد حاجباه عندما رأها قائلاً : ايه اللي جاب الشنطة دي هنا !  

قال ذلك ثم فتحها بسرعة... وما ان فتحها حتى اتسعت عيناه عندما رأى نقوده بداخلها ولا ينقص منها اي شيء حيث ان مريم اعادت الـ 200 جنيه التي اخذتهم لكي تدفع لسائق سيارة الاجرة عندما ذهبت الى المشفى في يوم وفاة اختها ؛ فترك الحقيبة وخرج من مكتبه بسرعة وسأل : مين اللي رجع شنطة الفلوس اللي في مكتبي يا سلمى ؟  

فنهضت سلمى وقالت : جابتها الهام امين صاحبة مريم يا فندم... هي قالت ان مريم حتسافر ومش محتاجة الشنطة دي وطلبت منها ترجعها لك . 

في تلك اللحظة تحولت تعابير وجه ادهم الى الجمود وقال في نفسه : تسافر ، لا مش هسمح لها. 

قال ذلك ثم ركض نحو المصعد دون ان يقول اي شيء تاركاً خلفه سلمى في حيرة من امرها فقالت : هو ايه اللي بيحصل في الشركة دي !  

اما هو فاستقل المصعد حتى نزل الى الطابق الاول وبعدها خرج فصادف كمال في طريقه حيث استوقفه الاخير قائلاً : ادهم... انت كنت فين امبارح ؟  

ولكنه تجاهله تماماً وركض حتى خرج من الشركة متوجهاً نحو سيارته ، فاستقلها وقادها راجعاً للخلف وبعدها انطلق بها بأقصى سرعته... اما كمال فحاول ان يلحق به ولكن لم يستطيع فوقف يحدق بالسيارة وهي تبتعد قائلاً : يا ترى ايه اللي حصل ، ربنا يستر بقى. 

ثم عاد إلى داخل الشركة بينما كان ادهم يقود سيارته بسرعة جنونية دون ان يعرف وجهته حيث انه قرر الذهاب الى منزل مريم ولكنه نسي أنه لا يعرف عنوانها ....وسرعان ما ادرك ذلك لذا اوقف السيارة بجانب الطريق وامسك هاتفه واتصل على سكرتيرته سلمى فاجابته فوراً : ايوا يا فندم . 

ادهم : عايزك تبعتيلي عنوان البنت اللي اسمها مريم مراد عثمان دي حالاً .

سلمى : حاضر يا فندم. 

- فاغلق ادهم هاتفه وانتظر حتى ترسل له سلمى عنوان مريم على احر من الجمر... اما هي فقامت بالبحث عن سيرة مريم الذاتية بين الملفات لكي تعرف عنوانها...وعندما وجدتها ارسلت له رسالة هاتفية تخبره بالعنوان... ففتح الرسالة ثم شغل محرك سيارته مجدداً وتوجه إلى البناية التي كانت تسكن فيها مريم بأقصى سرعته ... وما هي الا مدة قصيرة قد مرت حتى وصل الى العنوان فنزل من سيارته وركض بسرعة ثم اقترب من البواب وقال : السلام عليكم. 

البواب : وعليكم السلام .

ادهم : لا مؤاخذة تعرف في انهي دور ساكنه البنت اللي اسمها مريم مراد عثمان ؟  

فنظر البواب اليه من الاسفل حتى الاعلى ثم سأله : وحضرتك تبقى مين يا استاذ ؟  

ادهم : انا جو ... رئيسها في الشغل. 

البواب : اه فهمت...شقتها في الدور التاني بس انت مش هتلاقيها في البيت دلوقتي . 

ادهم : امال هلاقيها فين ؟ 

البواب : دي سابت الشقة ولغت عقد الإيجار امبارح وسابت مصر كلها بعد ما اختها الصغيرة ماتت من اسبوع . 

فعقد ادهم حاجباه بشدة وسأله بدهشة : قلت ايه ؟؟  

البواب : قلت انها سابت من مصر كلها.

فهز ادهم رأسه نفياً وقال بصدمة : قلت ان اختها الصغيرة... ماتت !  

البواب : ايوا يا استاذ...المسكينه كانت محتاجة تعمل عملية زرع قلب بسرعة بس لان الانسه مريم اتأخرت ومدفعتش تكاليف العملية الدكاتره مقدروش يدخلوها غرفة العمليات علشان كدا جسمها ما تحملش وماتت الخميس اللي فات . 

في تلك اللحظة شعر ادهم بشعور مؤلم للغاية حيث ان قلبه تحطم الى اشلاء واستحقر نفسه كثيراً بعدما ادرك الحقيقة كاملة وان مريم ضحت بنفسها من اجل ان تنقذ اختها الوحيدة ولكن حبل المنية فرق بينهما... ودون ان يشعر نزلت دموعه مثل زخات المطر لانه ظلم محبوبته كثيراً وعاملها بقسوة في اليوم الذي تزوجها به وظن بها سوء وجرحها بكلامه كما انه صفعها بقوة ... فتوجه نحو سيارته بخطوات ثقيلة ودموعه تنساب على وجنتيه بصمت ، وما ان صعد في السيارة حتى فجر بركان المشاعر الذي كان مكبوتاً بداخله وصرخ صرخة عالية عبر بها عن كل حزنه العميق وبعدها اخذ يضرب المقود ويلعن نفسه . 

اما في الطائرة المتوجهة إلى نيويورك... كانت الهام تغط في نوم عميق بينما كانت مريم تحدق من النافذة  وكان جالساً الى جانبها شاب وسيم للغاية ذو شعر اسود وقسمات وعيون خضراء وذقن خفيفة اعطته رونقاً خاصاً وقد كان يعمل على حاسوبه المحمول بصمت مما جعل منه جذاباً للغاية ؛ فجأة شعرت مريم بالأعياء فوضعت يدها على فمها وحاولت ان تمنع نفسها من التقيء فنظرت حولها ووجدت قارورة ماء امامها لذا ارادت ان تفتحها وتشرب القليل ولكن الأمر ازداد أكثر عندما اهتزت الطائرة لذا نهضت من مكانها ثم ربتت على كتف الشاب فنظر إليها وقال : خير يا انسه ، انتي كويسه ؟  

اشارت له بيدها اليسرى لكي يفسح لها مجالاً من اجل ان تمر وتذهب إلى حمام الطائرة بينما كانت تضع يدها اليمنى على فمها ... فنهض بسرعة واضاف : اه... اتفضلي. 

فذهبت بسرعة وكان وجهها شاحباً للغاية ، تقيأت وبعدها غسلت وجهها وعادت الى مكانها فنهض الشاب مجدداً لكي يفسح لها مجالاً لتجلس مجدداً فنظرت اليه وقالت بصوت ضعيف : متشكره. 

ثم جلست وارادت ان تفتح قارورة الماء لكي تشرب ولكنها كانت مغلقة بشدة لذا لم تستطيع ان تفتحها لانها كانت ضعيفة ولا تمتلك القوة لتضغط على نفسها بسبب قلة الأكل ، فنظر اليها الشاب ثم وضع حاسوبه جانباً ودون اي تردد اخذ قارورة الماء من يدها قائلاً : خليني اساعدك. 

فنظرت اليه وهو يفتح القارورة وغمغمت : م.. متشكره... تعبتك معايا. 

اعطاها الشاب الماء وابتسم بعفوية قائلاً : على ايه... دا اقل واجب. 

فشربت مريم بعض الماء بينما كان هو يحدق بها وبعد ان انتهت سألها : احسن !  

اومأت برأسها قائلة : ايوا... متشكره. 

الشاب : العفو...شكلك اول مرة تسافري في الجو مش كدا ؟  

مريم : ايوا... دي اول مره اركب طياره واخرج برا مصر . 

الشاب : وليكي حد عايش في نيويورك ؛ طبعاً لو مش هزعجك بسؤالي. 

مريم : لا ابداً ..هروح اقعد عند صاحب بابا انا وصاحبتي اصله يبقى عمها...وحضرتك يا استاذ !  

فابتسم الشاب وقال : خلينا نتعرف الاول...انا خالد... خالد نجم رجل أعمال حره .


رواية عشق الهوي الفصل السادس 6 بقلم نونا المصري

- صافحت مريم الشاب المدعو خالد وقالت : وانا مريم مراد ....مصممة مواقع الأيكترونية ومبرمجة تطبيقات .

خالد : اتشرفنا .

مريم : الشرف ليا انا . 

وابتسم خالد ثم استطرد : متقلقيش ، طبيعي تحسي بدوخة علشان دي اول مرة تسافري في الطيارة وكمان شوية وقت هتتعودي وكل حاجة هتبقى تمام . 

مريم : باين على حضرتك انك مقضيها سفريات في الطيارة مش كدا يا استاذ خالد ولا انا غلطانة ؟

خالد : عندك حق , انا فعلاً بسافر كتير ودا بحكم شغلي لأني راجل اعمال وبقضي معظم وقتي برا مصر .

مريم : وعيلتك بيسافروا معاك برضو ولا بتسافر لوحدك ؟ 

في تلك اللحظة تغيرت تعابير وجه خالد فقال بنبرة حزينة : الوالد والوالدة...تعيش انتي ، وانا كنت ابنهم الوحيد ومعنديش قرايب غير عمة وحده عايشه معايا في نيويورك وانا بعتبرها امي التانية لان هي اللي ربتني من وانا صغير .

وبعد قوله ذاك شعرت مريم بالحزن لانها تذكرت افراد عائلتها الذين ماتوا واحداً تلو الآخر وتركوها وحدها فذرفت دمعتين رغماً عنها وقالت بنبرة مخنوقة : اصعب حاجة في الدنيا لما الموت يخطف منك اعز انسان على قلبك... بس هنعمل ايه بقى ، هي دي الحياة... محدش بيدوم وكل الناس هيموتوا في الاخر. 

قالت ذلك ومسحت دموعها فأنتبه عليها خالد واردف بتوتر : الظاهر انا فكرتك بحد كان غالي على قلبك جداً بس هو... مات مش كدا ؟ 

ازدردت مريم ريقها واجابت : ايوا... عيلتي. 

فسألها خالد بغير تصديق : كلهم... ماتوا ! 

ردت عليه بنبرة مرتجفة للغاية : في الاول ...بابا توفى قبل تلات سنين بحادثة شغل وبعدين... ماما ماتت من سنة تقريباً..ومفضلش غيري انا واختي الصغيرة بس هي ... هي كمان راحت الاسبوع اللي فات وسابتني لوحدي...

قالت ذلك واجهشت بالبكاء الامر الذي اربك خالد ولم يعد يعلم ما الذي يجب أن يفعله ، فقال بتلعثم : انا...انا اسف يا انسة مريم ، مكنش قصدي افكرك بحزنك بتمنى انك تسامحيني. 

فمسحت مريم دموعها مجدداً وهزت رأسها بالنفي قائلة بصوت مخنوق : ولا يهمك... اساساً انا مستحيل انسى الموضوع دا ابداً ، يعني انت مفكرتنيش فيه. 

اخرج الشاب منديله الحريري من جيب سترته وقدمه لها قائلاً : اتفضلي... امسحي دموعك وانا اسف مرة تانية . 

فنظرت مريم اليه لتجد في عينيه نظرة صادقة وحزينة يغلب عليها بعض الندم لانه جعلها تبكي فابتسمت واخذت المنديل من يده واردفت : متشكره...وارجوك بلاش تعتذر لانك مغلطش في حاجة .

ثم مسحت دموعها وابتسم هو لها وقرر ان يغير الموضوع إذ قال بعفوية : قوليلي بقى ...هي فين صاحبتك اللي سافرت معاكي ؟ 

اشارت مريم نحو مقعد الهام التي كانت بعيدة عنها قليلا ًوتغط في سبات عميق ثم اجابت : شايف البنت اللي نايمة هناك ، هي دي بقى صاحبتي واسمها الهام أمين ودي تبقى اجدع واروع صاحبة في الدنيا كلها وانا بعتبرها اختي مش بس صاحبتي . 

في تلك اللحظة تحركت الهام اثناء نومها وعبثت بشعرها فأصبح فوضوياً مما جعل خالد يبتسم وقال : دي باين عليها طيبة اوي.. بتشتغل ايه ؟ 

مريم : برضو مصممة مواقع إلكترونية .

خالد : جميل... انتوا بتشتغلوا نفس الشغلانه وكمان صحاب حاجة حلوه. 

مريم : ايوا بس انا تخصصي هندسة الكترونية وبرمجة تطبيقات بينما التخصص بتاعها برمجة مواقع والتسويق الإلكترونى. 

خالد : وانتي تعرفيها من امتى ؟ 

مريم : من وحنا صغيرين اصلها.... 

{ ويستمر الحديث والتعارف بينهما } 

عوده الى مصر ...

كان يقود سيارته بسرعة جنونية ويبحث عنها كالمجنون الذي يبحث عن آبره في كومة قش ، عيناه تشتعل وكأنها جمرات غارقة بالدموع كما كان يعقد ما بين حاجبيه بشدة فتكون بينهما شق عميق وكان وجهه مشدوداً للغاية مما جعل عظمام فكيه وعروق رقبته تظهر للعلن ، ويديه كانتا تضغطان على مقود السيارة بقوة كبيرة وكأنه يحاول ان يحطمه ... وبينما كان على تلك الحال صاح بنبرة غاضبة : ازاي اتجرأت ؟ 

ثم ضرب المقود بيديه واردف : مين اداها الاذن علشان تسيبني وتخرج برا مصر .. مين سمح لها تبعد عني ببساطة كدا ؛ هي فاكره لو انها قدرت تسيب مصر مش هعرف الاقيها يعني ، دا انا ادهم عزام السيوفي وهلاقيكي يا مريم لو كنتي تحت سابع ارض ومش هسمحلك تسيبني ابداً ...مش المرة دي ودا وعد مني . 

قال ذلك وزاد من سرعة سيارته ولكن سراعان ما تذكر شيئاً مهماً لذا ضغط بقدمه على الفرامل واوقف السيارة في منتصف الطريق فجأة مما سبب عرقلة سير في الشارع فاخذت ابواق السيارات تصدر اصواتاً وسمع شتائم السائقين.. فقال احدهم : ايه انت مجنون ؟! 

وآخر : وقفت كدا ليه يا متخلف ، عايز تعمل حادثه ؟! 

وآخر : انت اعمى ولا ايه ؟! 

وآخر : لما انتوا متعرفوش تسوقوا تركبوا عربيات ليه ؟!! 

ولكنه لم يهتم لاي شخص منهم بل قام بتدوير السيارة وعاد بها الى البناية حيث كانت تسكن مريم... وما هي الا مدة قصيرة قد مرت حتى وصل فترجل وركض متوجهاً نحو البواب وسأله بلهفة : متعرفش هي سافرت فين ؟ 

فنظر البواب اليه بغرابة وقال : لا يا بيه... محدش يعرف لانها سافرت فجأة. 

اشاح ادهم بنظره عن الرجل كما لو كان يفكر بشيء وسرعان ما عاد ونظر اليه قائلاً : متشكر. 

ثم عاد الى سيارته وهو يقول في سره : اكيد البنت اللي اسمها الهام دي تعرف مريم راحت فين ، انا لازم اسألها . 

قال ذلك ثم صعد في السيارة وشغل المحرك وقاد بنفس السرعة الجنونية حتى وصل إلى الشركة وتوجه فوراً إلى القسم الذي كانت تعمل فيه الهام ؛ وقف جميع الموظفين عندما رأوه وقد شعروا بالتوتر لانه دخل دون سابق إنذار واخذ يبحث عن احدهم بين المكاتب... فاقترب منه مدير القسم وسأله بتردد : عايز.. عايز حاجة يا فندم ؟ 

نظر ادهم اليه وسأله : فين الموظفة اللي اسمها الهام أمين ؟ 

المدير : الهام أمين ، هي استقالت من الشغل بقالها يومين . 

قطب ادهم حاجبيه بشدة وسأل بدهشة : استقالت ؟! 

المدير : ا.. ايوا يا فندم. 

فصاح ادهم بغضب : وانا ليه معرفش ، هو انا رجل كنبة في الشركة دي ولا ايه ؟ 

ارتعش المدير من شدة التوتر وقال بتلعثم : ح.. حضرتك م.. مكنتش هنا لما هي قدمت استقالتها ومحدش قدر يوصلك ابداً. 

في تلك اللحظة اعاد ادهم شعره الى الخلف وبعدها خرج من القسم كما لو انه اعصار ، اما الموظفين فتنهدوا بقوة لان الخطر زال عنهم.... فذهب هو الى مكتبه في الطابق الاخير حيث نهضت سلمى بسرعة عندما رأته وقالت : نورت يا فندم. 

فأقترب منها وقال بلهجة أمر : اتصلي على البنت اللي اسمها الهام أمين دي وخليها تيجي الشركة حالاً. 

سلمى : تحت امرك يا فندم. 

- ثم دخل ادهم الى مكتبه اما سلمى فوقفت تحدق بالباب وقالت بتساؤل : هو ايه اللي بيحصل بالضبط ؛ في الاول مريم ودلوقتي الهام ... يا ترى ايه اللي عملوه البنتين دول لادهم بيه ؟ 

قالت ذلك ثم تنهدت وبدأت تبحث في هاتفها عن رقم الهام الشخصي وعندما وجدته حاولت الاتصال بها ولكن النتيجة كانت ان الهاتف خارج نطاق الخدمة...فحاولت مره ثانية وثالثة ورابعة وكانت النتيجة نفسها فتنهدت مجدداً ثم نهضت من مكانها واقتربت من باب مكتب ادهم ؛ اخذت نفساً عميقاً وبعدها طرقت الباب ودخلت فوجدته واقفاً امام النافذة ينظر من خلالها إلى الشارع والمباني الاخرى بتركيز كبير وكان يدخن سيجارة والدخان يتصاعد من حوله ؛ اقتربت قليلاً ووقفت خلفه ثم اردفت : انا جربت اتصل عليها يا فندم بس الموبايل بتاعها مقفول. 

نفث ادهم الدخان من فمه وقال بهدوء : جربي تتصلي بأهلها ...اكيد هتلاقي رقمهم في الـ CV بتاعها. 

سلمى : حاضر. 

قالت ذلك ثم خرجت من المكتب وعادت الى مكتبها وبدأت تبحث في الكومبيوتر عن سيرة الهام الذاتية وعندما وجدتها اكتشفت ان الفتاة لم تكتب في سيرتها الذاتية رقم هاتف منزلهم وانما سجلت رقم هاتفها الشخصي فقط بالاظافة الى العنوان ؛ لذا دونت العنوان على ورقة صغيرة وعادت الى مكتب ادهم حيث وجدته واقفاً بنفس الوضعية فقالت : انا اسفه يا فندم بس الانسة الهام مكتبتش رقم تليفون البيت في الـ CV بتاعها وانما سجلت رقم الفون الشخصي والعنوان ...وانا سجلتهولك على الورقة دي . 

فالتفت ادهم اليها ثم اخذ الورقة من يدها والقى عليها نظرة واحده فقط وبعدها اعادها الى سلمى ومر من جانبها متوجهاً نحو باب مكتبه دون ان ينبس ببنت شفة ، فخرج واستقل المصعد... اما هي فتنهدت وقالت : الظاهر ان البنتين دول عملوا حاجة كبيرة والا مكانش ادهم بيه هيدور عليهم بنفسه ...ربنا يستر بقى. 

تسارع في الأحداث ......

أصبحت مريم صديقة لخالد نجم حيث انهما تعرفا على بعضهما البعض اكثر بعد جلوسهما لعدة ساعات بجانب بعضهما في الطائرة كما انه راق لها وشعرت انه شخص صادق وحنون ولا تعلم لما شعرت بالراحة لانها تحدثت معه ، وبالنسبة له فهو اعجب بها وبشخصيتها ورقتها وشعر انهما سوف يلتقيان مجدداً وان هذا اللقاء لن يكون الاول والاخير بينهما... فقام بأعطائها بطاقة عمله وقال : دي البطاقة بتاعتي وفيها كل ارقام تليفوناتي وعنوان شركتي ... لو احتجتي اي حاجة لما نوصل بتمنى انك تتصلي بيا.. وكمان يا ريت تفكري بموضوع الشغل اللي عرضته عليكي .

فاخذت مريم البطاقة منه وقالت : متشكره يا استاذ خالد... ولو احتجت مساعدة اكيد هتصل بيك عارف ليه ؟ 

فابتسم خالد وسألها : ليه ؟ 

مريم : علشان انت شخص كويس وانا استريحتلك اوي. 

اتسعت ابتسامة الشاب واردف : دي شهادة بعتز فيها. 

مريم : اما بالنسبة للشغل فانا محتاجة افكر.. يعني زي ما حضرتك عارف اني معرفش اي حاجة في نيويورك ومحتاجة شوية وقت علشان اتعود على جوها وناسها وكمان موضوع تدقيق الحسابات دا هيبقى صعب شوية لان دا مش تخصصي .

خالد : طبعاً دا حقك... وانا بتمنى انك توافقي لان زي ما قولتك شركتي محتاجة الناس الاذكية اللي زيك وزي صاحبتك مع اني لسه ما قابلتهاش. 

فضحكت مريم بخفة وقالت : متقلقش... انا عارفه الهام كويس ، هي مجنونة شوية وبتحب تهزر وتضحك على طول بس وقت الشغل هي تبقى حاجة تانية خالص ولو حصل نصيب علشان نشتغل في شركة حضرتك اكيد هيعجبك شغلها اوي لانها بتشتغل من كل قلبها . 

- وبينما كانا يتحدثان سمعا صوت انثوي يقول بالانجليزية : يرجى من السادة المسافرين ربط الاحزمة لان الطائرة ستهبط بعد عشر دقائق في مطار جون إف كينيدي الدولي { في ولاية نيويورك } 

فنظرت مريم الى خالد وابتسمت قائلة : يا خبر.. احنا وصلنا ومحسيناش بالوقت ! 

خالد : جايز لاننا اتكلمنا مع بعض الوقت عدى بسرعة . 

ابتسمت مريم بإشراقة ونظرت من نافذة الطائرة إلى تلك المدينة الرائعة ذات المباني العالية وبلد الحرية " مدينة نيويورك "وبينما كانت تحدق بـِ اضواء المباني المتلألئة اتسعت ابتسامتها اكثر مما جعل خالد يبتسم ايضاً بعد ان رآها تبتسم بالرغم من الحزن الذي كان ظاهراً على وجهها فسألها : عجبتك نيويورك ؟

التفتت اليه وهي تبتسم وقالت بلهفة : تجنن...انا كنت بشوفها في الانترنت وبسمع عنها بس لما تبص عليها من فوق كدا تحس بالحرية والراحة .

خالد : يبقى هفسحك فيها... ايه رأيك ؟ 

هتفت بلهفة : بجد !

رد عليها بابتسامة : طبعاً في اي وقت تحبي. 

فقالت : ميرسي اوي يا استاذ خالد.

قالت ذلك ثم شردت قليلاً واردفت بتساؤل : الهام.. معقول لساها نايمة ؟! 

ثم التفتت بجسدها قليلاً لتلقي نظرة على صديقتها وكان تخمينها صحيحاً حيث كانت الهام ما تزال نائمة وكأنها جثة هامدة الامر الذي جعل مريم تشهق قائلة بدهشة : معقول ، دي مصحيتش من ساعة ما الطيارة طارت !

فنظر خالد نحو الهام ايضاً وسألها : هي صاحبتك نومها تقيل ولا ايه حكايتها ؟ 

مريم : لا ابداً دي بتصحى لو سمعت دبة النملة بس جايز شربت منوم علشان تنام اصلها عندها ارق الفترة دي ومش بتنام الا بعد ما تشرب المنوم . 

خالد : اه فهمت. 

مريم : هروح اصحيها علشان تربط الحزام. 

خالد : ماينفعش تقومي دلوقتي لاننا على وصول.. انا هقول لمضيفة الطيران انها تصحيها. 

مريم : تمام. 

- وبالفعل قام خالد بالتحدث مع مضيفة الطيران باللغة الإنجليزية وطلب منها ان تقوم بإيقاظ الهام فأومأت له برأسها وذهبت نحوها ، وعندما ايقظتها شعرت الهام بان جسدها متشنج للغاية لانها نامت لساعات طويلة دون ان تشعر باي شيء يجري من حولها... فنظرت إلى مقعد مريم ووجدتها تلوح لها بيدها فقامت بفرك عيناها ورفعت يدها لتلوح لها قائلة بداخلها : يخرب بيت ام النوم... اهو انا سبت مريم قاعدة لوحدها جنب الراجل الغريب دا ومعرفش لو كانت استريحت ولا لأ .

وما هي الا مدة قصيرة قد مرت حتى هبطت الطائرة في " مطار جون إف كينيدي الدولي " بسلام فنزل منها المسافرون وتوجهوا نحو البوابات ، اما الهام فركضت نحو مريم التي كانت واقفة مع خالد وقالت : انا اسفه يا ميمي بس شربت منوم ومابقتش حاسه بحاجة. 

مريم : ولا يهمك المهم اننا وصلنا بخير وسلامة .

الهام : عندك حق . 

ثم التفتت الى خالد وما ان رأته حتى سحرها بوسامته وجاذبيته وطوله وكل شيء فيه ، فابتسمت ببلاهة وكأنها نسيت العالم من حولها وسألت بصوت هائم : مين المز دا يا ميمي ، هو القمر ساب السما ونزل الارض ولا ايه ؟! 

ابتسم خالد حتى ظهرت غمازته عندما سمع ذلك اما مريم فشعرت بالاحراج من تصرف صديقتها الطائشة لذا ركضت نحوها بسرعة واغلقت فمها بيدها وقالت بصوت خافت : يا مجنونة ؛ انتي تهبلتي ولا ايه ؟! 

فعادت الهام الى طبيعتها واستيقظت من هيامها وادركت ما قالته فشعرت بالاحراج الشديد... اما خالد فمد يده ليصافحها قائلاً : ازيك يا انسه الهام ؟ 

صافحته الهام مستغربة لانه عرف اسمها وقالت بدهشة : الحمد لله ... بس حضرتك تبقى مين ؟! 

اجابتها مريم  : اعرفك...خالد نجم رجل اعمل وتجارة حره...ودي بقى صاحبتي الهام اللي حكيتلك عنها يا استاذ خالد. 

فابتسم خالد وقال : اتشرفت بمعرفتك يا انسه الهام. 

الهام : الشرف ليا يا استاذ . 

قالت ذلك ثم اقتربت من مريم وهمست لها : انتي يا بنت.. اتعرفتي على القمر دا فين ؟ 

فتنهدت مريم وردت عليها بالهمس ذاته : كان قاعد جنبي في الطياره ...بطلي عبط وخليكي تقيلة لحسن هيفتكر انك بنت من البنات الطايشه اللي بتعاكس الرجاله . 

قالت ذلك ثم نظرت إلى خالد وابتسمت كما فعلت الهام المثل.. اما هو فاستطرد قائلاً : ا... بما اننا وصلنا تحبوا اوصلكوا بطريقي ؟ 

مريم : متشكرين جداً يا استاذ خالد بس مش عايزين نتعبك معانا . 

الهام : ايوا .

خالد : ولا تعب ولا حاجة...انا عايز اوصلكوا لان مينفعش اسيبكوا لوحدكوا في بلد اجنبية وانتوا متعرفوش حد فيها. 

الهام : لا انا عمي عايش هنا وهو قال انه هيبعت ابنه علشان ياخدنا من المطار . 

مريم : اه صحيح... سعيد قال انه هيجي ياخدنا من هنا بس الظاهر انه نسي .

الهام : انا هتصل بيه 

خالد : ملوش لازمة...رجاءً خلوني اوصلكوا بيت عمك يا انسه الهام... متقلوش انا مش هخطفكوا. 

قال جملته الاخيرة ممازحاً فابتسمت الهام وقالت : لا العفو..مش دا قصدنا ابداً .

مريم : مكنش القصد يا استاذ خالد بس بجد احنا مش عايزين نتعبك معانا. 

خالد : ولا تعب ولا حاجة... وبعدين مش انا اللي هسوق دا السكرتير بتاعي يعني مش هتعبوني ابداً. 

فتنهدت مريم وقالت : دا هيبقى كرم منك يا خالد بيه. 

ابتسم خالد قائلاً : يلا اتفضلوا. 

- قال ذلك ثم امسك بمقبض حقيبته وجرها متوجهاً خارج المطار فلحقت به كل من مريم والهام.. وما هي الا دقيقة حتى اتى شاب طويل القامة وعريض الكتفين وكان يبدو من هيئته وشعره الاشقر انه اجنبي فتوجه نحو خالد واخد الحقيبة من يده قائلاً بالانجليزية : اهلاً بعودتك سيدي. 

رد عليه خالد : شكراً لك ديميتري.. هل السيارة جاهزة ؟ 

ديميتري : اجل سيدي. 

خالد : حسناً ، ساعد هاتان الانستين ايضاً وافتح لهما باب السيارة. 

ديميتري : حاضر سيدي. 

- ثم اخذ حقائب مريم والهام ووضعهن في صندوق سيارة الـ BMW الخاصة بخالد وبعدها فتح لهن الباب الخلفي فنظرت الهام الى مريم ووجدتها تتصرف على طبيعتها كما لو كانت تعرف خالد منذ زمن طويل ؛ فتنهدت وصعدت ايضاً في السيارة وجلست بجانب صديقتها اما خالد فجلس في المقعد الأمامي بجانب سكرتيرة ديميتري وقال له : let's go / هيا انطلق. 

اما في مصر.....

فكان الوقت يختلف عن الولايات المُتحدة حيث كانت الشمس ما تزال ساطعة وفي كبد السماء ...وبالنسبة لادهم كان قد وصل إلى منزل عائلة الهام ليسألها عن مريم حيث انه لم يكن يعرف بأنها سافرت مع صديقتها ، ولكنه خرج من البناية بخيبة أمل كبيرة فهو لم يجد احداً في المنزل لان اهلها قد ذهبوا الى الإسكندرية لزيارة بيت اهل السيدة صفية { ام الهام } وقرروا المكوث هناك لمدة طويلة ومن سوء حظه انهم تركوا منزلهم دون ان يخبروا اي احد من جيرانهم اين ذهبوا فظن ان ابنتهم سافرت معهم لذا قال بتذمر : وبعدين بقى ... انا لازم الاقي مريم بأسرع ما يمكن والا هتضيع مني يجد ! 

وبينما كان واقفاً امام البناية ورده اتصال من شقيقته رغد فاجابها : ايوا يا رغد..

فقالت له ببكاء : الحق ماما يا ادهم.... دي تعبت اوي ونقلناها المستشفى !

في تلك اللحظة اتسعت عينا ادهم وقال بهلع : بتقولي ايه ؛ تعبت... ازاي تعبت ؟ 

رغد : مش وقت الكلام دلوقتي....تعالى بسرعة ! 

فاغلق ادهم هاتفه وركض نحو سيارته ثم صعد بها وقادها بأقصى سرعة الى المستشفى الذي يعمل فيه شقيقه معاذ وزوجته سلوى... وعندما وصل نزل من سيارته دون ان يطفئ المحرك وركض بأسرع ما يمكنه الى داخل المبنى حيث كانت رغد واقفة بجانب غرفة العمليات برفقة العم محمود وزوجته امينه وابنيهما سمير ووفاء ، فتوجه نحوها وسألها بقلق : ايه اللي حصل يا رغد ، وفين ماما ؟ 

وما ان رأته رغد حتى عانقته بقوة وانفجرت بالبكاء قائلة بصوت متقطع : احنا كنا قاعدين في الجنينة... و.. وهي تعبت فجأة وفقدت وعيها ...ومعاذ قال انها اتعرضت لنوبة قلبيّة ولازم تعمل عمليه بسرعة. 

ادهم : ايه ! 

فاقترب العم محمود منهما ووضع يده على كتف ادهم قائلاً : متقلقش يا ابني ... اخوك ومراتوا دخلوا اوضة العمليات وهما اللي هيعملوا العملية للست هانم وان شاء الله هتعدي على خير.

ادهم بقلق : ازاي معاذ دخل العملية ، دا ممكن يغلط في حاجة لان اللي جوا تبقى ماما وهو اكيد خايف عليها دلوقتي. 

اجابته امينة زوجة العم محمود : هو اصر انه يعمل لها العملية بنفسه وسلوى قالت انها هتساعده. 

فاخذ ادهم يربت على ظهر شقيقته التي كانت تعانقه وهي تبكي وقال لها : خلاص يا رغد...متعيطيش لان العايط مش هيجيب نتيجة دلوقتي. 

ردت عليه رغد بنبرة باكية : انا خايفه يا ادهم... خايفه على ماما اوي. 

فمسح ادهم دموعها قائلاً : متخفيش يا حبيبتي...ان شاء الله كل حاجة هتبقى تمام. 

في نيويورك........

قام خالد بتوصيل مريم والهام الى عنوان منزل عمها " السيد عمر" حيث كان المنزل بسيطاً وجميلاً مكون من طابقين وحديقة صغيرة ، فنزلن من السيارة كما فعل هو المثل وقالت مريم : متشكرين جداً يا استاذ خالد...تعبناك معانا. 

خالد : ولا تعب ولا حاجة... هو دا البيت ؟ 

فالتفتت الهام واجابته : ايوا... هو دا العنوان اللي بعته عمي. 

خالد : يبقى انا همشي دلوقتي... اتشرفت بمعرفتكوا. 

مريم : واحنا اكتر... ومتشكره مرة تانية . 

خالد : العفو...ومتنسيش تفكري في الموضوع اللي تكلمنا عنه .

مريم : ولا يهمك. 

خالد : يلا سلام. 

- ثم غادر وهو يرسم على محياه ابتسامة مشرقة ، اما الهام فقالت : يا لهوي على الجمال ؛ مش بس جمال دا طلع اخلاق برضو وباين عليه شخص طيب اوي. 

فنظرت مريم اليها وضربتها على جبينها بخفة واردفت : يا مجنونه... ازاي قدرتي تعاكسي الراجل كدا عيني عينك لما كنا في المطار ؟ 

فابتسمت الهام وردت بعفوية : يمكن لو قلتلك مش هتصدقيني يا ميمي بس والله العظيم دا دخل على قلبي زي العسل اول ما قبلته ...تقولي هو دا الشخص اللي كنت بدور عليه طول عمري وفجأه ظهر قدامي . 

فتنهدت مريم واردفت : لا انتي باين عليكي اتجننتي على الاخر... يلا خلينا ندق باب بيت عمك احسن ما نفضل برا طول الليل . 

الهام : اه صحيح...يلا بينا. 

- قالت ذلك ثم حملت حقيبتها وسارت برفقة صديقتها مريم حتى دخلن الى فناء المنزل حيث كان المكان هادئ بأستثناء صوت التلفاز الذي كان صادراً من الداخل...فقامت بقرع جرس الباب ونظرت إلى مريم وما هي الا دقيقة حتى فتحت لهن فتاة جميلة ، ابتسمت وقالت بلكنة مصرية مكسرة : اكيد انتوا الهام ومريم مش كدا ؟ 

استغربت الهام من امر هذه الفتاة الاجنبية لانها كانت تعلم ان لديها ابن عم واحد وهو سعيد فقالت : وانتي تبقي.... 

الفتاة : جين ... انا جين مرات سعيد ابن عمك .

في تلك اللحظة ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الهام وهتفت بنبرة حماس : هو سعيد اتجوز ! 

ردت عليها جين : ايوا. 

الهام : الحمد لله ، تعالي في الحضن يا حبيبتي .

قالت ذلك واخذت تعانق جين بطريقة مبالغ فيها فسحبتها مريم من ذراعها وعاتبتها قائلة : مالك يا الهام ؛ ما تهدي شوية.. الله ! 

اما جين فابتسمت وقالت : اتفضلوا.

فدخلت الهام واردفت بسعادة غامرة : يا حبيبتي يا جين ؛ اسمك جين برضو مش كدا ؟ 

أومأت جين برأسها دليلاً على نعم واجابت : ايوا. 

الهام : انتي متتخيليش انا فرحتلكوا قد ايه. 

جين : متشكره. 

في تلك اللحظة سمعن صوت سيدة كانت تنادي قائلة : جين.. انتي فين يا بنتي ؟ 

فقالت جين بلكنتها المكسرة : انا.. هنا يا ماما. 

وعندما ظهرت السيدة واذ بالهام تصرخ قائلة : طنت سهيله... وحشتيني.. 

قالت ذلك وركضت نحو المرأة المدعوة سهيلة والتي تكون زوجة عمها ثم عانقتها باندفاع ، اما هذه الاخيرة فابتسمت وسالتها : انتوا جيتوا امتى يا بنتي ؟ 

ابتعدت الهام عنها واجابت : من شوية. 

فابتسمت سهيله وسألتها : ازيك يا روحي ؟؟ 

الهام : الحمد لله بس انا زعلانه منك. 

سهيلة : ليه بقى ؟ 

الهام : كدا برضو يا سوسو متسأليش عني طول السنتين اللي فاتوا ؛ هو انا مش بنتك كمان ولا ايه ؟ 

فابتسمت سهيلة وقالت : ومين قلك اني مكنتش اسأل عنك ؛ انا كنت بكلم مامتك كل اسبوع تقريباً علشان اطمن عليكوا بس انتي كنتي بتتأخري في الشغل ومكنتش عارفه اوصلك ابداً . 

الهام : مادام كدا يبقى هعديها لك المره دي... ودلوقتي بصي انتي فاكرة مريم يا طنت مش كدا ؟ 

فنظرت سهيلة إلى مريم وابتسمت قائلة : هو حد يقدر ينسى القمر دا ، بسم الله ما شاء الله... انتي كبرتي اوي يا مريم عن اخر مرة شفتك فيها . 

ابتسمت مريم وسألتها : ازيك يا طنت ؟ 

فعاتبتها سهيلة قائلة : عايزه تسلمي عليا كدا من غير ما تحضنيني برضو ؟

مريم : ودا كلام ؟ 

قالت ذلك ثم اقتربت منها وعانقتها... وما ان عانقتها حتى انفجرت بالبكاء لانها تذكرت والدتها حيث ان  سهلية كانت صديقة امها سعاد منذ زمن ...فقالت : وحشتيني اوي يا طنت...انتي متتخيليش انا محتاجالك قد ايه. 

فبكت سهيلة ايضاً وقالت : الله يرحم امك يا بنتي.. انا زعلت اوي لما سمعت الخبر...وكمان قلبي اتقطع على اختك اللي راحت كدا زي نسمة الهوا ، بس هنعمل ايه بقى دا كأس حتشرب منه كل الناس. 

في تلك اللحظة نزلت دمعة الهام ولكنها سيطرت على نفسها ومسحت دموعها ثم استطردت : جرى ايه يا جماعة ؛ احنا هنفضل واقفين على الباب كدا ؟ 

واخذت تتلفت حولها ثم اضافت : وبعدين فين عمي ؛ دا وحشني اوي وكمان سعيد انا مش شايفاه .

فاجابتها جين بلكنه مكسره : بابا أومر قاعد جوا وسئيد نزل الشغل بس مش هيتأخر . 

فنظرت الهام اليها بغرابة وسألتها : بابا... مين ؟ 

فضحكت سهيلة وقالت : الله عليكي يا جين.. بقالي سنة بعلمك وبرضو مش قادرة تلفضي حرف العين كويس !

قالت ذلك ثم نظرت إلى مريم والهام واضافت : جين مرات ابني ، اصلها اجنبية وهما اتجوزوا من سنة تقريباً وهي اسلمت علشان بتحب سعيد واتعلمت تتكلم مصري بس لسه متعرفش تلفظ اسمه واسم عمكوا عمر كويس. 

فابتسمت مريم وقالت : اتشرفت بمعرفتك... انا مريم مراد . 

جين : اهلاً ..م.. مريم . 

واستطردت سهيلة قائلة : يلا اتفضلوا... اكيد عمكوا عمر هيفرح اوي لما يشوفكوا. 

- وبالفعل دخلن الى غرفة المعيشة حيث كان السيد عمر عم الهام جالساً على الاريكة يشاهد التلفاز.. وما ان دخلت الهام الى الغرفة حتى احدثت ضجة عالية بصراخها قائلة : عموووووو... وحشتني يا حبيبي !

فنهض الرجل وقال بدهشة : مين .. الهام ؛ مش على اساس انك هتيجي بكرا يا بنتي ؟ 

ركضت الهام وعانقته قائلة : جرى ايه يا عموره ؟، انا ما وحشتكش ولا ايه ؟ 

ضحك السيد عمر وقال : ودا كلام برضو ؛ انا مبسوط انك هتقعدي معانا يا حبيبتي. 

قال ذلك ثم نظر إلى مريم وابتسم قائلاً : نورتينا يا مريم يا بنتي... اخبارك ايه ؟ 

فابتسمت مريم وقالت : الحمد لله يا عمي.. انتي عامل ايه ؟ 

السيد عمر : انا كويس والحمد لله بس بقيت احسن بعد ما شفتكوا. 

واضافت سهيلة : اهلك كلمونا يا الهام وقالوا انكوا هتوصلوا بكرا هو ايه اللي حصل بالزبط ؟ 

فضحكت الهام واردفت : الظاهر ان ماما اتلخبطت في الوقت لان زي ما انتوا عارفين ان التوقيت بيختلف بين مصر واميركا. 

واستطردت جين قائلة : انا جهزت لكوا اوضة النوم اللي هتقعدوا فيها من امبارح ...هروح اطلع شنطكوا. 

فقالت مريم : ميرسي اوي يا جين ...تعبناكي معانا. 

فابتسمت جين وقالت : أفواً .

فصححتها سهيلة بقولها : عفواً يا جين مش أفواً ...قولي ورايا عفواً .

جين : أفواً .

سهيلة : عفواً ..ع. ع. مش أ. 

فقال السيد عمر : خلاص بقى يا سهيلة... سيبي البنت في حالها انا زهقت عنها. 

نظرت اليه زوجته وقالت : مهو لازم افضل اصححها علشان تتعلم. 

فقالت الهام : ولا يهمك يا طنت...انا هعلم جين بدالك ومن بكرا كمان. 

جين : متشكره يا الهام مش كدا ؟ 

الهام : ايوا يا حبيبتي انا الهام وتقدري تعتبريني اختك من اللحظة دي . 

فقالت سهيلة : طيب يلا قوموا علشان تستريحوا وانا هروح اجهز العشا... اكيد سعيد هيتبسط اوي لما يعرف انكوا وصلتوا بخير وسلامة .

- وبالفعل ذهبت الهام ومريم برفقة جين التي ارشدتهن الى غرفتهن وقالت : انا رتبت السرير وجهزت الحمام ألشان تاخدوا راحتكوا. 

الهام : متشكره يا قمر. 

ابتسمت جين وقالت : هسيبكوا بقى تستريحوا.

قالت ذلك ثم خرجت من الغرفة اما الهام فقفزت من شدة الفرحة مما جعل مريم تنظر اليها بتعجب وسألتها : انتي اتجننتي ولا ايه ؟ 

فامسكت الهام بيدها وابتسمت قائلة : سعيد طلع متجوز يا ميمي يعني احتمال ان عمي يجوزهولي بقى زيرو...انتي سامعاني زيرو. 

مريم : وانتي فرحانه كدا ليه ؟ 

الهام : علشان انا عمري بعتبر سعيد زي اخويا بس اهلي كانوا عايزيني اتجوزه ... لكن دلوقتي خلاص هو طلع متجوز وبيان ان مراته طيبة اوي.

مريم : بس ازاي مكنتيش تعرفي ان ابن عمك اتجوز... طنت سهيلة قالت انه اتجوز جين من سنة يعيني انتي واهلك مكنتوش تعرفوا ولا انتي بس اللي مكنتيش تعرفي ؟ 

الهام : فعلاً دي حاجة غريبة... محدش قال لي ان ابن عمي اتجوز ؟ 

مريم : جايز علشان جين اجنبية محبوش حد يعرف . 

الهام : معقول ؟ 

مريم : كل حاجة جايزه يا بنتي. 

الهام : خلاص ..المهم ان فكرة جوازي من سعيد بقت مستحيلة ودا معناه اني هقدر اتجوز فارس احلامي المز خالد نجم . 

قالت ذلك بلهجة هيام وعشق ورمت نفسها على السرير وهي تبتسم وكأنها في عالم آخر... فنظرت مريم اليها وهزت رأسها قائلة :  الصبر يا ربي ، انتي لسه شايفاه من ساعتين بس ازاي بقى فارس احلامك ؟ 

الهام : هو دا الحب من اول نظرة يا بنتي... انتي مسمعتيش عنه قبل كدا ولا ايه ؟ 

في تلك اللحظة تغيرت تعابير وجه مريم واصبحت حزينة لانها تذكرت ادهم...فهو كان حبها الاول والاخير ولكن الظروف لم تسمح لها بأن تعيش ذلك الحب وقتلته قبل ان يبدأ ... فادمعت عيناها وقالت : مفيش حاجة اسمها حب يا الهام... جايز يكون في الافلام والروايات بس مش في الحقيقة .

صرحت بذلك ثم فتحت باب الحمام ودخلت وبدأت تبكي بصمت ، اما الهام فجلست على السرير وتنهدت قائلة : اكيد افتكرت ادهم بيه... دي باين عليها انها بتحبه اوي والا مكانتش سابت مصر كلها علشان تقدر تنساه . 

عودة الى مصر........... 


6= الجزء الثانى =ج2 /


كان ادهم واخته رغد وعائلة العم محمود ينتظرون امام باب غرفة العمليات بترقب وقلق خوفاً على السيدة كوثر التي دخلت إلى العملية منذ ثلاث ساعات...وبينما كانوا ينتظرون جاء كمال وهو يركض فسألهم بقلق : ايه اللي حصل لطنت كوثر ؟ 

اجابه ادهم : نوبة قلبية يا كمال وهي لسه في العملية. 

في تلك اللحظة خرج معاذ من غرفة العمليات فهرع الجميع نحوه وسأله ادهم بقلق : ماما كويسه يا معاذ ؟ 

فتنهد معاذ وقال : الحمد الله العملية نجحت وهي عدت مرحلة الخطر ، انا سبت سلوى تخيط لها الجرح وهنخرجها كمان شوية بس لازم تفضل في العناية لغاية ما حالتها تستقر .

فتنفس الجميع الصعداء واقترب ادهم من شقيقه ثم عانقه قائلاً بنبرة متأثرة : متشكر يا معاذ لأنك مغلطش في حاجة والعملية نجحت. 

اجابه معاذ : متشكرنيش ابداً دا انا معملتش غير واجبي تجاه امي وحمد الله على سلامتها. 

وسأل كمال : بس ازاي حصلت لها النوبة القلبية يا معاذ ؟ 

معاذ : الظاهر ان ماما كانت مخبية علينا مرضها وتعبت فجأة. 

في تلك اللحظة عاد ادهم إلى شخصيته القوية وسأل بشيء من الانزعاج : ومخلتوش بالكوا منها ليه ، مش على اساس دكاتره قاعدين معاها في نفس البيت ازاي سبتوها تتعب ؟ 

فقالت رغد : مش وقت الكلام دا دلوقتي يا ادهم ...انت مش شايف اننا خايفين على ماما ؟ 

اما كمال عاتبها قائلاً : رغد... مايصحش تتكلمي مع اخوكي الكبير بالشكل دا.

ردت رغد بانزعاج : مهو حضرته كمان مذنب... يعني عايز يحملنا المسؤولية لوحدنا وهو منعرفش بيروح فين ومع مين ... اساساً بقاله اسبوع مرجعش البيت والله واعلم هو بيعمل ايه وبينام عند مين . 

صرخ ادهم عليها بصوت اشبه بزمجرة الاسد : رغد ؛ قسماً بالله العظيم لو رجعتي وقولتي الكلام دا تاني فانا هقطع لسانك انتي سامعه ؟ 

فتجمعت الدموع في عيون رغد وسرعان ما بكت لذا عانقتها امينة زوجة العم محمود واخذت تهدأ من روعها اما معاذ فقال : هدي نفسك يا ادهم...رغد بس خايفه على ماما ومكانتش قاصده تقول الكلام دا وبعدين الغضب مش هيجيب نتيجة دلوقتي . 

رد عليه ادهم بعصبية : انت مسمعتش هي قالت ايه ، دي فكراني عماله العب وهيص ومتعرفش اني....

قال ذلك ثم صمت فقال كمال : خلاص يا ادهم...دي اختك الوحيدة برضو ومينفعش تتزعلها في وقت زي دا. 

أراد ادهم ان يتحدث ولكن سلوى خرجت من غرفة العمليات وقالت : العملية خلصت يا جماعة .

فنظر الجميع اليها وقال لها زوجها : جهزوا اوضة العناية علشان ننقل ماما عليها ومش عايز حد يدخل هناك يا سلوى ماشي. 

سلوى : متقلقش . 

اما رغد فمسحت دموعها وامسكت بيد شقيقها الثاني معاذ وقالت : انا عايزه اشوف ماما يا معاذ. 

فوضع معاذ يده على خدها وقال : مينفهش تشوفيها دلوقتي يا حبيبتي..استني اما تصحى ماشي. 

رغد : ارجوك خليني اشوفها. 

فقال لها ادهم : بطلي عبط بقى.. قالك ممنوع تشوفيها دلوقتي يعني ممنوع .

فنظرت اليه بانزعاج وسرعان ما اشاحت بنظرها عنه وكتفت ذراعيها قائلة : طيب خلاص..هستنى اما تصحى.

اما هو فقال : كمال... تعالى انا عايز اكلمك . 

كمال : ماشي. 

ثم ابتعدا عن البقية قليلاً وسأله كمال : في ايه يا ادهم ؟ 

ادهم : انا مش هروح الشركة اليومين دول علشان كدا عايزك تخلي بالك من الشغل. 

كمال : متقلقش...بس علشان خاطري يا ادهم متزعلش رغد وصالحها ماشي. 

فتنهد ادهم وقال : انت مسمعتش هي قالت ايه .. دي طلعتني مش مسؤول قدام الكل ، الظاهر انا دللتها اوي علشان كدا لازم ارجع اربيها من اول وجديد. 

كمال : معليش يا ادهم...اكيد هي كانت خايفة على طنت كوثر وزي ما انت عارف انها بتخاف من الموت اوي بعد ما بباك الله يرحمه مات قدامها . 

فعاد ادهم بذاكرته إلى اليوم الذي توفي فيه والده السيد عزام السيوفي جراء ازمة قلبية مفاجئة امام ابنته رغد عندما كانوا جالسين معاً في حديقة منزلهم لهذا السبب اصبحت الفتاة تخاف من فكرة الموت كثيراً بالرغم من قوة شخصية الا ان قلبها ضعيف تجاه هذا الموضوع ؛ فتنهد بقلة حيلة وقال : خلاص..هبقى اصالحها بعدين. 

تسارع في الاحداث........... 

- مر ذلك اليوم الشاق على ادهم كما لو انه عام ...فهو كان خائف على امه التي اجرت عملية خطيرة وكادت ان تفقد حياتها لولا ان الله امد بعمرها ونشلها من قبضة ملاك الموت ، كما انه كان دائم التفكير بحبيبته مريم التي كانت السبب في هيجانه على الاخرين وغضبه من نفسه لانها هاجرت وتركته بعد ان اصبح مهووساً بها فخرج الى حديقة المستشفى لكي يدخن حيث اصبحت السجائر رفيقته الدائمة ؛ اشعل سيجارة وجلس على احد المقاعد واخذ يسحب الدخان منها ويدخله الى رئتيه وبعدها يخرجه من انفه وفمه وهو شارد الذهن... واستمر على تلك الحال حتى انهى تدخين خمس سجائر الواحدة تلو الأخرى مما جعله يسعل فرمى اخر سيجارة على الارض وداس عليها بقدمه لكي يطفأها وبعدها وضع يده في جيب بنطاله واخرج منها قلادة مصنوعة من الفضة ؛ كانت دائرية الشكل ويبدو من شكلها انها تحتوي على صورة...فقام بفتحها وبالفعل كانت تحتوي على صورة لمريم وهي تحتضن اختها مرام وتبتسم بعفوية وسعادة .

 - وهذه القلادة تعود لوالدة مريم السيدة سعاد وكانت ترتديها دائماً لانها تحتوي على صورة ابنتيها ، ولكن بعد ان ماتت اصبحت لمريم التي وضعتها حول عنقها في جنازة امها ولم تنزعها ابداً الا عندما وقعت منها في غرفة ادهم عندما تزوجا وهو وجدها في اليوم التالي بعد ان غادرت هي مع حقيبة النقود لذا احتفظ بها لانها تحتوي على صورة حبيبة قلبه كما يدعوها ولعنته الأبدية التي لن يتخلص منها ابداً . 

رفع القلادة قليلاً حتى أصبحت أمام عيناه وفتحها ثم نظر إلى صورة مريم واختها وقال بنبرة حزن : انا محتاجلك... انتي فين ؛ ارجوكي ارجعي انا مقدرش استحمل غيابك عني.

وقال ذلك ثم ذرف دمعة دون ان يشعر فمسحها فوراً عندما سمع صوت شقيقه معاذ يناديه لذا وضع القلادة في جيبه والتفت إليه قائلاً : في ايه يا معاذ ؟ 

فاقترب معاذ منه وسأله : انت كويس يا ادهم ؟ 

ادهم : ايوا. 

معاذ : مش هترجعوا البيت ؛ الوقت اتأخر اوي وانتوا لازم تستريحوا. 

فنهض ادهم وقال : هخلي سمير يوصل رغد البيت وانا هفضل هنا. 

معاذ : متقلقش يا خويا انا وسلوى هنفضل هنا وانت لازم ترجع البيت لان ما ينفعش نسيب اختنا لوحدها ، وبعدين انت شكلك تعبان اوي ومش هتقدر تعمل اي حاجة لو فضلت هنا لانك مش دكتور. 

فتنهد ادهم واردف : طيب خلاص... انا هاخد رغد ونروح وانت ابقى طمنا لما ماما تصحى. 

معاذ : متشلش هم. 

ادهم : معاذ... انا مش عايز اوصيك... خلي بالك من ست الكل يا خويا لان مالناش غيرها ماشي . 

فشعر معاذ بأن اخيه حزين لانه نادراً ما كان يتحدث معه بتلك الحنية فوضع يده على كتفه وقال : هحطها جوا عنيا يا ادهم.. بس انت متزعلش نفسك بسبب اللي قالته رغد لانها مكانتش قاصده تزعلك منها ابداً . 

ادهم : انا مش زعلان من رغد... بصراحة هي عندها حق يعني انا المسؤول عن العيلة ولازم اخلي بالي منكوا كويس بس... بسبب الشغل اضطريت اني ابعد عنكوا شوية . 

معاذ : انا عارف انك مشغول في مشاكل الشركة والموظفين بتوعك بس انت كمان لازم تستريح شويه لان جسمك ليه حق عليك ولو فضلت تتعب نفسك كدا أكيد حتنهار. 

ادهم : متقلقش عليا... انا عندي مشكلة صغيرة ومش هستريح غير اما احلها. 

فتنهد معاذ وقال : ربنا يهدي سرك يا خويا. 

قال ذلك ثم تركه وعاد لمناوبته... اما ادهم فأخرج القلادة من جيبه مجدداً ونظر اليها قائلاً : ايوا يا مريم.. انا مش هقدر ارتاح غير اما الاقيكي ساعتها مش هسيبك تبعدي عني ابداً. 

تسارع في الاحداث............. 

- في صباح اليوم التالي في نيويورك استيقظت مريم قبل الهام وكانت تشعر بشعور غريب...حيث ان جسدها كان خاملاً وتشعر بالتعب والإرهاق ، فنهضت عن سريرها بتكاسل وفجأة شعرت بالدوار ورغبة في التقيء لذا ركضت بسرعة نحو الحمام وبدأت تتقيء في المرحاض مما جعل صديقتها الهام تشعر بها فنهضت بسرعة وذهبت لكي تستفقدها في الحمام قائلة : مريم ؛ انتي كويسه يا حبيبتي ؟ 

قالت ذلك وهي تربت على ظهر مريم التي كانت تتقيء ، وعندما انتهت رفعت السيفون ونهظت ثم غسلت وجهها بالماء البارد وبعدها نظرت إلى الهام وقالت : انا كويسه متقلقيش.. بس جايز تعبت لان الرحلة كانت متعبة .

فوضعت الهام يدها على جبين مريم وقالت : حرارة جسمك طبيعية... يبقى مفيش عندك سخونية. 

ابتسمت مريم واردفت : قولتلك انا كويسه...وهبقى احسن بعد ما اعمل شاور . 

قالت ذلك ثم توجهت نحو الخزانة واخرجت بعض الملابس من رفها ثم دخلت الى الحمام مجدداً لكي تستحم.. اما الهام فقالت : وانا هرجع انام شويه لغاية ما تخلص الشاور بتاعها. 

قالت ذلك وعادت الى سريرها...اما في الاسفل فكانت جين تساعد السيدة سهيلة بتجهيز مائدة الإفطار بينما كان كل من سعيد ووالده السيد عمر يجلسان في الحديقة فقال الاول : ماما باين عليها انها مبسوطة لان الهام ومريم هيقعدوا معانا. 

فابتسم والده وقال : هي دي امك... قلبها طيب وبتحب كل الناس ودا اللي بحبه فيها .

سعيد : ربنا يخليها لينا . 

اما في مكان اخر من نيويورك ؛ وفي منزل كبير بالتحديد.. نزلت الى الاسفل سيدة انيقة وجميلة وكانت تبدو في الخمسين من عمرها فابتسمت عندما رأت التلفاز مشغلاً في غرفة المعيشة وقالت : اكيد خالد رجع . 

قالت ذلك ثم توجهت نحو المطبخ ووقفت على عتبة الباب تراقب ذلك الشاب الوسيم الذي كان مشغولاً في تجهيز الفطور فابتسمت وقالت : good morning يا حبيبي. 

فالتفت اليها وسرعان ما ابتسم قائلاً : وحشتيني يا سوسو . 

قال ذلك ثم توجه نحوها وعانقها فبادلته العناق وبعدها ابتعدت عنه وسألته : رجعت امتى يا خالد ؟ 

خالد : امبارح بالليل . 

سحر : طيب ليه ما صحتنيش ؟ 

خالد : محبتش ازعجك...قلت اعملهالك مفاجأة. 

فقامت بقرص وجنتيه وابتسمت قائلة : ودي اجمل مفاجأة يا حبيبي. 

فضحك خالد وقال : ما خلاص بقى يا سوسو ..انا كبرت ومابقتش عيل صغير . 

سحر : حتى لو بقى عندك تسعين سنه انت هتفضل ابني الصغير وحبيب قلبي الوحيد. 

فأمسك خالد يدها وطبع عليها قبله صغيرة ثم قال : ربنا ما يحرمنيش منك... يلا قعدي انا جهزتلك الفطار.

توجهت سحر الى مائدة الإفطار وابتسمت قائلة : هتفضل تحضر الفطار بنفسك لغاية امتى يعني ؟ 

فوضع خالد امامها كأس عصير وقال : لغاية ما اتجوز وجيبلك عروسه تعكنن عليكي العيشه . 

فضحكت وقالت : لا بجد يا خالد انت لازم تتجوز علشان يبقى عندك عيلة . 

خالد : ما انا عندي عيلة... انتي عيلتي الوحيدة يا سوسو .

قال ذلك ثم ابتسم لها واستدار لكي يحضر الخبز المحمص اما هي فاردفت : متتهربش من الموضوع يا حبيبي...لاني بتكلم جد وانت لازم تتجوز.

فنظر اليها وقال : متقليش يا عمتي... انا اكيد هتجوز بس لازم الاقي البنت المناسبة في الاول. 

سحر : وهتلاقيها امتى دي ؟ 

في تلك اللحظة شرد خالد قليلاً واخذ يتذكر مريم والساعات القليلة التي قضاها برفقتها اثناء رحلتهما في الطائرة ثم ابتسم تلقائياً وقال : قريب جداً ...انا متأكد اني هلاقيها . 

فتنهدت سحر وقالت : ربنا يتمملك على خير يا بني... يلا خلينا نفطر. 

تسارع في الاحداث........... 

خرجت مريم والهام برفقة جين لكي يتعرفن على نيويورك وكانت السعادة ظاهرة على وجوههن لان المدينة اعجبتهن ومن حسن حظهن ان السماء كانت صافية في ذلك اليوم... فقالت جين بلكنتها المكسرة : انا هبقى المرشد بتأكوا النهاردة وهفسحكوا في أماكن جميلة . 

فضحكت الهام وقالت : مش المرشد بتأكوا... قولي بتاعكوا يا حبيبتي . 

ابتسمت جين وكررت : بتأكوا. 

فصححتها الهام : بتاعكوا.. 

في تلك اللحظة قالت مريم : خلاص يا لولو سيبيها تقول اللي هي عايزاه،  اساساً دا انجاز عظيم انها قدرت تتكلم عربي وهي اجنبية . 

فقالت جين : ماما سهيلة كانت بتألم دايماً وكمان سأيد . 

الهام : وانا كمان هفضل وراكي لغاية ما تبقى تتكلمي عربي احسن مني. 

فابتسمت جين وقالت : اوكي. 

فاستطردت

اما مريم  : انا عايزه اتفسح في البلد كلها النهاردة... يلا يا جين ورينا الاماكن الحلوه اللي هنا. 

جين : يلا. 

- وبالفعل تنزهن واستمتعن في وقتهن طوال اليوم وتعرفن على جين اكثر حيث انهن اصبحن صديقات وخصوصاً لان جين كانت تكبرهن بسنتين فقط اي انها كانت في الثالثة والعشرين من عمرها. 

اما في مصر ، فكان اولاد السيدة كوثر جالسين برفقتها في غرفة المستشفى حيث كانت رغد جالسة بجانبها وتطعمها بيدها بينما كان معاذ ممسكاً بيد زوجته سلوى وكانا جالسين على الأريكة ينظران اليها ، اما بالنسبة لادهم فكان خارج الغرفة يتحدث في هاتفه وكان يبدو عليه انه منزعج إذ قال بنبرة عصبية خافتة : انا مليش دعوة يا عاصم... عايزك تلاقيها وتعرف هي راحت فين انت سامع ؟ 

أجابه المدعو عاصم : بس يا فندم احنا مش مباحث علشان نعرف المعلومات دي... يعني احنا يا دوب شركة أمن صغيرة وشغلنا اننا نحافض على الامان في شركة حضرتك . 

ادهم : افهمني يا عاصم... انا لازم الاقي البنت دي بأي ثمن والا مش هقدر ارتاح. 

عاصم : طيب حضرتك متعرفش هي سافرت فين ؛ يعني على الاقل لو نعرف البلد اللي راحت لها هنقدر نلاقيها. 

ادهم : لو كنت اعرف مكنتش طلبت منك انك تدور عليها اساساً. 

فتنهد عاصم وقال : خلاص يا فندم... احنا هنحاول نجيب معلومات عنها وبكدا يمكن نقدر نلاقيها. 

ادهم : هستنى منك خبر. 

قال ذلك ثم اغلق الهاتف وزفر تنهيدة طويلة قائلاً : فينك يا مريم ؟ 

اما عاصم والذي يكون رئيس الفريق الأمني الخاص بشركة رويال فقال محدثاً نفسه : مريم مراد عثمان... تطلعي مين يا ترى علشان تخلي ادهم عزام السيوفي يدور عليكي كدا ؟ 

تسارع في الاحداث........ 

- مر ثلاثة أسابيع على سفر مريم والهام واصبحت نيويورك موطنهن الجديد حيث انهن كانتا سعيدتين بالمكوث عند عائلة السيد عمر وما خفف وحشتهن هو ان جين زوجة سعيد اصبحت بمثابة اختهن الكبيرة كما ان سهيلة والبقية كانوا يعاملوهن بلطف كبير ومحبة ؛ اما بالنسبة لادهم فكان يفصل بينه وبين الجنون خيطاً رفيعاً لعدم تمكنه من ايجاد زوجته حتى بعدما وكل فريقاً أمنياً لكي يبحثوا عنها ، ولكنهم لم يتمكنوا من ايجادها لأنها سافرت دون ان تترك خلفها اي دليل يدل على مكانها... لذا قرر عاصم " رئيس فريق الأمن في الشركة " ان يذهب الى المطار ويستخرج قائمة بأسماء المسافرين الذين خرجوا من مصر في الاسابيع الاخيرة ولكن لسوء الحظ لم يسمح له جهاز الأمن الخاص بالمطار بمعرفة اي معلومات بأدعائهم ان ما يطلبه هو انتهاك لخصوصية المسافرين لذا عاد إلى الشركة بخيبة امل وما زاد الطين بلة هو اتصال ادهم به فتنهد بقوة كما لو كان يجهز نفسه لتلقي التوبيخ وبعدها اجاب قائلاً : ايوا يا فندم. 

فقال ادهم الذي كان جالساً في مكتبه في الشركة : ها... عملت ايه يا عاصم ؛ جبت المعلومات ؟ 

عاصم : مع الاسف مقدرتش ؛ الامن في المطار مسمحليش اعمل كدا لان دي تعتبر انتهاك خصوصية .

فضغط ادهم على الهاتف بيده حتى كاد ان يكسرة وسأله بنيرة غضب : يعني افهم من كلامك انك مقدرتش تلاقي مريم لغاية دلوقتي ؟! 

عاصم : انا اسف يا فندم. 

ادهم : لو مش هتعرف تلاقيها يبقى انا هدور عليها بنفسي. 

قال ذلك ثم اغلق الخط وسرعان ما رمى الهاتف على الارض حتى اصبح حطاماً وصرخ : وبعدين بقى ، هي اتبخرت ولا ايه ؟ 

عند مريم ، كانت تساعد سهيلة في تجهيز العشاء وبينما كانت تقطع الخضار شعرت بالأعياء فجأة لذا ركضت الى الحمام بسرعة وبدأت تتقيء في المرحاض الامر الذي جعل سهيلة تستغرب من امرها ولحقت بها ثم وقفت امام باب الحمام واخذت تطرقه قائلة : مريم.. انتي كويسه يا بنتي ! 

سحبت مريم السيفون ونهضت ثم قالت بصوت مرتجف : ايوا يا طنت بس معدتي وجعاني شوية . 

سهيلة : اكيد اكلتي حاجة مش كويسه... هروح اعملك كباية عصير برتقان جايز تخفي بعد ما تشرييها. 

قالت ذلك ثم غادرت اما مريم فغسلت وجهها وبعدها نظرت إلى نفسها في المرآة ثم احنت رأسها قليلاً ونظرت إلى بطنها ووضعت يدها عليه قائلة : مع..

تابعووووووني 



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



الفصل الاول من هنا



الفصل الثاني من هنا



الفصل الثالث من هنا



الفصل الرابع والخامس والسادس من هنا



❤️🌹💙🌺❤️🌹💙🌺❤️🌹💙🌺❤️🌹💙🌺❤️🌹




انت الان في اول مقال

تعليقات

close